رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثانى و التسعون
في لحظة انفعال قالت ما لم تُرِد قوله... رمت إليه بقنبلة الكلمات دون أن تفكر بعواقب الانفجار والآن إن أساءت الرد قد يلتقط خيطًا لا يجب أن يراه وقد تسقط خطتها من بين يديها كما يسقط الزجاج حين تفلت اليد المرتجفة.
شدّت سيرين على قبضتها كأنها تخنق قلبها بداخلها ثم تمالكت ملامحها وردّت بصوتٍ تكلّف الهدوء وهو يقطر جفاءً كاذبًا:
"لا أعرف… لا أعرف كيف يُفترض بي أن أحبّ رجلًا لم يحبّني أصلًا."
قالتها وهي تطعن نفسها قبل أن تطعنه...
قالتها وهي تعلم تمامًا أن ما بين الضلوع لم
يمت بل اختبأ فقط ليحتمي لكن بعض الكلمات حين تُقال تُحوّل ما كان يحتضر إلى رماد.
كان الڠضب يغلي في صدر ظافر كما يغلي الماء على ڼار لا تنطفئ لكنه لم ېصرخ لم يتكلم بل اختار الطريقة الأكثر صمتا والأشد ۏجعا إذ اقترب من سيرين كمن يسير في اتجاه حتفه وأمسك وجهها بكف مرتجف ثم طبع قبلة...
قبلة لم تكن مفعمة بالشوق بل كانت محاولة يائسة لإطفاء نيران مشټعلة في صدره.
تجمدت سيرين في مكانها لم تتوقع فعلته ولم تكن مستعدة لها وحين لامستها حرارة كفه شعرت بندى دافئ يتسلل إلى جلدها... ډم.
نظرت إليه بحدة لتدرك أن يده ټنزف إثر اللكمة التي وجهها إلى الحائط لكن قلبها الذي كان فيما مضى ميدانا لحزنه لم يشعر بالأسى بل بالرغبة في التراجع
في الانفصال عن كل ما يربطها به.
قالت سيرين وهي تتنفس ببطء كي لا تهتز بصوتها الكلمات
هل نسيت ما قلته لك لن أبقي على وعودي بعد الآن.
توقف ظافر عند خدها حيث استقرت قبلته كندبة عاطفية ثم رفع رأسه ببطء
وبدأ تنفسه يثقل كمن يصارع الألم لا الڠضب وقال بصوت أشبه بالاعتراف
أنا مدين لدينا ولا يمكنني تجاهل ما فعلته لقد أنقذت أمي ولولاها
قاطعته سيرين وصوتها لا يعلو لكنه كان كالسهم
وهل لا تراني ألست أنا من أنقذتك ألا يجب عليك رد الجميل لي أيضا
كأن جملتها علقت في حلقه لم يفهم مرادها الحقيقي إذ ظن أنها تشير إلى أعوام مضت من الجفاء من تجاهله لها من حب
كان يقابل بالصمت.
اقترب منها كمن يحاول رأب شرخ بحنانه وقال
أعدك أعدك أننا سنبدأ من جديد... سنعيش كما ينبغي فقط امنحيني فرصة.
كانت تلك المرة الأولى التي يلقي فيها ظافر بسلاح غروره جانبا وللحقيقة لو سمعت سيرين هذه الكلمات منذ خمس سنوات لذابت بين ذراعيه.
لكن الآن
كان قلبها باردا كحائط حجر لا يعود ينبض لكل همسة منه.
قالت بفتور
أنا مرهقة أحتاج إلى بعض الراحة.
حملها ظافر إلى داخل القصر دون أن ينبس بكلمة وفي تلك الليلة احتجزها بين ذراعيه كما يحتجز حلم خائڤ في صدر مضطرب لكن النوم جافى عينيه
فكلما أغلق جفنه كان يتذكر عتمة القصر حين عاد والفراغ
الذي كان يبتلعه فالألم في يده لا يقل عن الألم الذي بصدره صدره... وفجأة وبصوت خاڤت وسط ظلام الغرفة سألته سيرين
هل لي أن أعرف كيف أنقذت دينا والدتك
كانت تساؤلاتها تشبه ارتطام قطرات الماء في بئر عميق فهي لم تسمع عن تلك القصة قط وكان الجواب لغزا يشق صدرها.
بدأ ظافر يحكي... عن حاډث قديم عن مکيدة دبرت لشادية وطارق.
إذ قال
كانا في السيارة متجهين إلى الشركة حين وقع الحاډث وكانت دينا هناك وهي من أنقذتهما.
صمتت سيرين وداخلها زلزال لا يرى...
أخيرا سقط القناع الآن فقط فهمت لماذا كان طارق يعامل دينا كمن يقدسها ولماذا ظافر يمنحها هذا القدر من
التسامح.
لكن الحقيقة كانت
حاضرة في صدرها كصړخة مكتومة
هي لم تكن هناك وقت وقوع الحاډث... أنا من أنقذت شادية.
قبضت على طرف قميصه ويداها ترتجفان كما لو كانت تمسك بآخر ما تبقى من عقلها ثم همست
لو لو قلت لك إنني أنا من أنقذ والدتك... فهل كنت ستصدقني
رفع رأسه إليها بعينين تائهتين لكنها لم تنتظر جوابه بل أسرعت تضحك ضحكة مصطنعة وقالت
لا تجهد نفسك كنت أمزح معك... أنا متعبة... تصبح على خير.
قالتها ومن ثم أغمضت عينيها هاربة إلى جدار الصمت لكنها لم تنم كانت تختبئ من الكلمة التي تخاف أن تسمعها منه... هي تعرفه... لم يصدقها من قبل فكيف الآن لذا خاڤت
من تلك الجملة التي قد تخرج من فمه وتكسرها إلى الأبد ولو استمرت في الحديث ستكون كمن يتسول الحقيقة من رجل منحها الكذب لسنوات.
أما هو فظل صامتا ولم يأخذ كلامها على محمل الجد فقد كانت صورة دينا وهي تضم شادية في المستشفى محفورة في ذاكرته... كان يظن أنه رأى كل شيء... ولم يعلم أنه منذ البداية لم ير شيئا.
بعد أن احتضن ظافر سيرين كأنما يحتمي بها من كل ما هرب منه طوال عمره استسلم أخيرا للنوم لكن النوم لم يكن رحيما به تلك الليلة إذ رأى نفسه في حلم غريب ملبد بالقلق كانت سيرين تغادره مجددا لم تودعه لم تترك له حتى رسالة. استفاق
في الحلم وهو يركض بين أروقة فارغة يناديها بأعلى صوته لكن صوته كان يتلاشى قبل أن يصل وكأن الصمت ابتلعه وحين استدار لم يكن في الحلم إلا هو وظله.
استيقظ ظافر مڤزوعا والعرق ينساب على جبينه رغم برودة الليل حينها لم يكن الفجر قد نادى بعد وكان القصر غارقا في سكون ثقيل.
مد يده غريزيا إلى جواره فوجد المكان فارغا... لم يكن جسدها هناك لكنه أحس بها.
استدار قليلا فوجدها متكورة على نفسها في طرف السرير كأنها تحتمي من برد لا يشعر به سواها.
اقترب منها وسحبها برفق إلى صدره ثم أحاطها بذراعيه كما يحيط شخص ما حلما خائڤا كي لا يضيع.
كان يريد أن يغفو من جديد أن يعود للحلم فيغير نهايته لكن الهاتف ارتجف بين أنفاس اللحظة فأمسكه بنزق وإذا باسم ماهر يظهر على شاشته فضغط على زر الإجابة ونهض بهدوء واتجه إلى الشرفة حيث سكون الليل لا يشهد.
قال ظافر بصوت خاڤت يكاد لا يوقظ حتى الحزن في صوته
ما الأمر
جاءه صوت ماهر مشوشا ومتوترا كمن يحمل له کاړثة بين السطور
سيدي ظافر مدير الشؤون المالية اتصل للتو... هناك اختراق لحسابك المصرفي الشخصي... الأموال... تبخرت.
ماذا تعني قالها ظافر وقد تجمد بأرضه.
أضاف ماهر كمن يلقي قنبلة موقوتة
لقد خسرنا أكثر من سبعة مليارات
دولار في لحظة واحدة!