رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل العشرون 20 والاخير بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل العشرون والاخير

"مناقشة مشروع التخرج"

عزيزي/تي...

ليس هناك مقدمة اليوم لأنها نهاية رحلتنا، تعلمنا منها الكثير عن التحرش وما هو؟ وكيفية التعامل معه واستشارة من هو ذو خبرة عنا. اليوم أسطر بأخر كلمات رحلتنا، دعوني أخبركم أن قلبي يبكي عندما وضعت النهاية وظل هو من يدعو ألا تنتهي.. سأشتاق لعائلتين اجتمع فيهما المرح والدفء.. والآن حتى لا أكثر عليكم.. ختام رحلتنا معاكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عطشانة يا حربي!!

نطقت عاليا بظمئٍ شديد فهما هنا ليلة ويوم كامل والآن هم باليوم الثاني، تنظر لحربي بتعبٍ أهلك عينيها، بينما رأى حربي تعبها، ليشفق عليها مما فيها يرد بجهلٍ:

_ والله يا عاليا ما عارف هنخرج إزاي بس يارب نلاقي حل!!

أدمعت عين هبه باختناقٍ، تردد بحزنٍ:

_ مناقشة المشروع  كمان 3 أيام يا عاليا هنعمل إيه مش بعد المجهود دا كله تروح!!

نظر لهما محمد بغضبٍ ثم قال بعصبيةٍ:

_ ياما نفسي أمسك الحزام وأنتِ كده وأجلدك يا عاليا على الرابطة السودا اللي أنا فيها.. شايفة أمك نايمة على نفسها هي وخالتك إزاي ومدلدلين لسانهم من قلة الشرب.. وأنتِ وصاحبتك بتقولي المشروع كله قطر المشروع يا شيخة!!

ألقت نظرة سريعة على والدتها لتجدها بالفعل بحالة صحية سيئة، عادت تنظر لوالدها المغتاظ منها، لترد بإجهاد:

_ مش أنا اللي قولت يا بابا دي هبه.. ثم اللي ماشي عليهم ماشي عليا ما أنا كمان عطشانة!!

عض على شفتيه السُفلى بغيظٍ لا يطيق كلماتها وبرودها الذي تتحدث به، بينما حدق حمدي لهم بغيظٍ، ثم نظر للسماء يهتف برجاءٍ محاولًا رفع يديه في وضع الدعاء:

_ يارب أنا عارف إني كنت بمشي مشي بطال بس توبت.. خرجني من هنا يارب وأبعدني عن العالم دي!!

نظر له أرنبة بحنقٍ، يزداد ألم ظهره بسبب عدم تطهير الجرح، ثم أردف بسخطٍ:

_ والله دلوقتي بقينا العالم دي.. بكرة تلف ورانا يا حمدي ومتلقناش!!

_ يا أخي نفسي ألف وملقكمش مش عايز أشوف خلقتكم بس حِلوا عني بقى أنا من يوم ما شوفتكم وأنا شوفت المرارة وقلة القيمة!!

انفجر حمدي به مغتاظٍ، ليبتسم أرنبة ببلاهة متمتمًا:

_ دا بدل ما تشكرنا إننا ساعدناك في التوبة بتاعتك!!

صرخ حمدي بعصبية مفرطة يحاول تفريغ إنفعاله، بينما أغمض حربي عينيه يهتف بضيقٍ:

_ وداني يا معدوم البصيرة طرشتني ثم هو قال إيه لكل دا!!

نظر له حمدي بذهولٍ مما يفعلوه به ولا يروه، يتمتم برجاءٍ مجددًا:

_ يارب البوليس يجي حتى يقبض عليا أي حاجة!!

دقائق وكان صوت الشرطة يدوّي بالمكان، اتسعت ابتسامة حربي يهتف بفرحةٍ:

_ الشرطة!!

نظر أرنبة بعدم فهم لحضور الشرطة، ليسأل بتعحبٍ:

_ حد رن عليها؟؟

_ أنا لسه داعي دلوقتي!!

أجابه حمدي ببلاهة تحمل فرحة، بينما تذكر حربي أمر السيارة ليهتف بفرحةٍ:

_ دا حسن فاكر إني هربت بعربيته وجه عشان يقبض عليا.

_ملقتش غير حسن يا حربي دا جلدة!!

حدق به محمد بذهولٍ لتعليق أرنبة البارد، ليعلق هو بسخطٍ:

_ دا ونعمة الصُحاب!!

نظر له حربي يردف بفرحةٍ متناسيًا سخريته:

_ أول مرة أحس إن الصاحب الغدار ليه فايدة.

اقتحم رجال الشرطة المخزن وإلى جوارهم حسن الذي ما أن رأهم حتى أشار على حربي قائلًا:

_ هو دا يا باشا اللي سرق عربيتي؟؟

_ أما إنك أعمى البصر والبصيرة بصحيح!!

غيظٌ تكبد به ما أن سمع جملته البلهاء، في حين هتف الضابط بتعجب:

_ إيه اللي ربطكم كده؟؟

_ مخطوفين يا فندم أكيد مش بنلعب استغماية مع بعض!

جملة صغيرة ولكنها تحمل غيظ الأيام السابقة، لينظر الضابط نحو أرنبة يغمغم بسخرية:

_ وماله ألعبهالك عندي.. يا عسكري..

قاطعه أرنبة يصرخ بذعرٍ:

_ لا لالا أبوس دماغك مقصدش خلاص والله.

رمقه بنظرة متشفية ثم أشار للعساكر بفك وثاقهم، ولكن قاطع حديثهم صوت حسن يهدر بغضبٍ:

_ فين عربيتي يا حرامي التلفون جايب إنها هنا!!

حدجه بنظرة مخيفة من نعته بمثل تلك الكلمة، ليتراجع حسن للخلف يشعر بالندم مما تفوه به، أجاب حربي بضيقٍ ينهض من الأرض بعدما فك العسكري عقدة يده:

_ هتلاقيها ورا المخزن ودا أخر تعامل بينا.

تركه حسن يركض خلف سيارته، بينما نظر له الضابط نحو حربي يتمتم بهدوءٍ:

_ هتيجوا معانا عشان نقفل المحضر والأخ يتنازل ونشوف إيه اللي خطفكوا!!

أومأ بالإيجاب، وقبل أن يتحرك أحد استمعوا لأرتفع صرخة ثم كِتمانُها سريعًا، نظر الضابط حوله وتحرك خارج المخزن وإلى جواره بعض العساكر، يبحث عن مصدر الصوت!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

في الجانب الأخر بتلك الأثناء..

صوتٌ حادٌ عنيف يزجرها بعدما رفضت الحديث عما تفعله بالمدرسة، لتصرخ ألفت بحدة تحتد نظراتها:

_ وأنت مالك؟ أنت هنا جاي بأمري وبفلوسي فاهم!!!

علّت بسمة ساخطة وجهه، يقرب وجهه منها حتى أصبح بمواجهتها يهتف بشرٍ مكنون بين حروفه:

_ لا مش فاهم.. أحب تفهميني.

نظرت له ألفت بإشمئزاز ، ثم قالت بغنج تشير بيدها بأن يبتعد:

_ أبعد كده اللي زيك ميقربش من أسياده  بالطريقة دي.. فاهـ.. سوري نسيت إنك مبتفهمش.

تدفقت الدماء في عروقه يشعر بإهانتها له، يستمع لهمهمات رجاله عليه بكيف سيرد رئيسهم عليها، إلتوى فمه ببسمة ماكرة، يقترب منها بطريقة مخيفة، يتعدى حدود الخاصة بها ليصبح داخل مساحتها الشخصية بل وأكثر:

_ حلو وعشان أنا مبفهمش.. هقرب وأعمل زي المدارس بظبط.. مش كنتِ بتخلي العيال عندك يذكروا الأحياء عملي..

جحظت عينيها بعدما فهمت مغزى كلماته واقترابه منها بتلك الطريقة، لتحاول الابتعاد ولكن أمسكها بقوةٍ من ذراعها يهتف بشراسةٍ:

_ إيه يا مدام ألفت هو دخول الحمام زي خروجه؟؟ ما تخلينا نجرب موضوع الأحياء وخاصةً اللي زيك بقى كبيرة ومدورها!! صح ولا إيه يا رجالة؟؟

همهموا جميعهم بالموافقة، بينما ظلت ألفت تضربه بيدها تهدر بعصبية مفرطة بعدما انقلب السحر عليها:

_ أنت أتجننت.. أبعد يا حيـ*** عني أنا هوريك هعمل فيكِ إيه؟؟ بتتشطر عليا وأنت فاشل مش عارف تعمل اللي بقوله!!

ألقاها على الأرض بقوةٍ جعلها تتأوه بشدةٍ، ثم قال قبل أن يهمّ بها براغبةٍ داكنة مخيفة، تتعالى صيحات الرجال حوله:

_ هوريك إنك غلطانة.. وأنا شاطر في التنفيذ إزاي!!

بدأت تصرخ برفضٍ لِمَا يحدث، ولكن منع صرختها سريعًا، تحاول الإبتعاد والفرار ولكن هيهات والجميع حولها، يمنعون هروبها. تحققت العدالة الدنيا فما تركته للأطفال أن يفعلوه، أخذته كجرعة واحدة بيومٍ واحد، تمتع جميع الرجال بها حتى استنفذت تمامًا فأصبحت جثة هامدة لا حول لها ولا قوة، فلو كان حيوانًا لأشفق على شكلها وجسدها الملوث من أثر الاغتصاب!!!

نظر لها باشمئزاز لا تحمل عينيه شفقة، وكذلك حال رجاله، يبصق عليها باشمئزازٍ قائلًا بتشفي:

_ طلعتي مش أد كده برضو يا ألفت.. بس أقولك....

هبط لمستواها حتى أصبح جوار أذنها يهمس بخبثٍ:

_اللي زرعتيه بط بط.. أكلتيه وز وز... مكُناش هنعملك حاجة رغم القرف اللي سمعناه عنك، بس قلة أدبك هي اللي وصلتك لحالك دلوقتي.

حركت بؤرة عينيه نحوه بألمٍ يهتك جسدها، تدمع عينيها بإنكسارٍ واضح، تنظر لعينيه المشمئزتان منها، لتبدأ دموعها بالهطول دون توقف، غير قادرة على إصدار صوتٍ تعبر عن ألمها، فليس شخص ولا إثنان بل وأكثر وأكثر أحرقوا جسدها.

لم تفكر بالحصاد، زرعت وزادت بجبروتها دون أن تحسب موعد حصادها والآن كان وقت الحصاد!

انتفض جميع الواقفين بعد اقتحام الشرطة المفاجئ لتلك الغرفة، يهاجمون هؤلاء الرجال على حين غرة قبل أن يتخذوا ردة فعل، وسرعان ما استطاعت الشرطة السيطرة على الموقف، خرجوا جميعًا قابضين عليهم، بينما بقى بعض الضباط أمام الباب ينتظرون سيارة الإسعاف لتأتي بعدما رأوا حالة ألفت وجسدها المتهتك بعنفٍ.

نظرت عاليا نحو حربي بتعجبٍ تسأله:

_ حربي هي فين ألفت وليه كانت بتصرخ جامد؟؟

_ خدنا حق العيال اللي في مدرسة كلهم وطلع على جتتها!!

قالها أحد الرجال يصعد لسيارة الشرطة، بينما ضيقت عاليا حدقتيها لا تفهم ما قاله، ليشعر حربي بأن هناك خطب ما حدث لألفت ليس بهينٍ، اضطر جميع حربي والباقية بالصعود لسيارة الشرطة(بوكس) والذهاب ولكن يجهلون ما حدث لألفت!

ــــــــــــــــــــــــــــــ

_ منك لله يا وجيزة.. دا أنا كنت بدخل القسم وقت تجديد البطاقة بس.. خلتيني رايح جاي بتفسح فيه!!

ربت حربي على أرنبة الذي يشعر باضطرام، ولكن صرخ بألمٍ يبتعد عن يد حربي قائلًا بتأوّه:

_ ليه كده يا حربي ضهري متبهدل يا أخي.

ضم شفتيه بأسفٍ على حال أرنبة، ينظر على ظهره ليجد بعض قطرات الدماء تلوثه، زفر بضيقٍ على شكله ثم عاد يستند على الحائط ينتظر خروج الضابط والسماح لهم بالمغادرة تقف جواره عاليا وإلى جوارها هبه التي تستند برأسها على كتفها بتعبٍ، كما يجلس حمدي على الأرض جوار أرنبة من الجهة الأخرى، بينما انتقلت وداد للمشفى ومعها نعمة بعد حالة الإغماء التي أصابتها وسماح الضابط بذهاب محمد وسالم معهن، أرتفع صوت أحد العساكر يتمتم بشفقة:

_ في واحدة كبيرة بيقولوا مديرة مدرسة كبيرة جت في حالة اغتصاب.. الدكتور بيقول اكتر من 3 اغتصبوها!!

صدمة كست ملامحهم، تيبس جسد حربي وأرنبة وحمدي، بينما انتفضت هبه عن كتف عاليا التي نظرت لها بذعرٍ، لقد تحققت عدالة السماء بالدنيا، حصدت نتائج أفعالها اليوم، فاقوا من شرودهم على صوت حربي يتمتم بهدوءٍ:

_ يمهل ولا يهمل.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. يارب عافينا.

ردد الجميع الحوقلة، يدعون ببُعدهم عن المعاصي، ثم خرج العسكري يخبرهم بإمكانية المغادرة، وبالفعل انطلقوا بسرعة نحو المنزل ليستعيدوا وعيهم مجددًا بعد رحلة قاسية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مد يده باللعبة الصغيرة، ينظر لشقيقه عمر بسعادةٍ تغمره، اختطف عمر اللعبة سريعًا ليطيرها في الهواء بلهوٍ، ضحك حسن بقوةٍ على تلك الحركات.

في بالرغم من كونها حركات عادية ولكن بالحقيقة بنسبة للأطفال هي وسيلة لإشراق بسمتهم  تأمل سيد ملامحهما بحبٍ وسعادة بالغة، تسقط عينيه على ملابس عمر وأخيرًا نزع الحفاضة وارتدى ملابسه دون الحاجة إليها، زفر بعمقٍ يهمس لذاته:

_ الحمدلله على كل حال.

عاد يتأمل ابنائه مجددًا ولكن تلك المرة وجد حسن قد أوقع العصير على قميصه، ليدلف له سريعًا قبل أن ينهض عمر يهتف بعتابٍ:

_ كده يا حسن.. دا أنا لسه مغيرلك!!

أرتفعت ضحكة حسن مجددًا ليبتسم سيد عليه ممسكًا بقميصٍ جديد ليبدأ بتبديل ملابسه أسفل نظرات عمر الذي يتخذ حاجز الصمت منذ أن تعافى، يتأمل تغير والده الملحوظ وتركه للعمل والذهاب لعملٍ أخر ليقضي معهم أكبر وقت ممكن، انتهى سيد من تبديل ملابس حسن ليجده يضمه بقوةٍ يردد كلماتًا عشوائية:

_ بحبك.. بحب.. بحبك.

أدمعت عين سيد بفرحةٍ يضمه له بحنانٍ بالغ قائلًا:

_ وأنا كمان بحبك..ربنا يحفظك ليا يا حبيبي ومشوفش وحش فيك.

تأمل عمر تلك الضمة، شعر برغبة فيها، لقد عاش الكسرة والسكون والآن يريد الضمة، ابعد نظره عنهما بحزنٍ، ولكنه اتنفض من مكانه بعدما ردد سيد بحنوٍ يمد يده له:

_ تعالى يا عمر.

نظر عمر ليده الممدودة بترددٍ، يشعر بالخوف من التقدم، تذكر حديث الأخصائي عن اتخذ تلك الخطوة، لن يخسر شيء مجددًا، ربما يفوز!!

أشار سيد بعينيه له يهتف بحنانٍ استطاع إظهاره:

_ صدقني يا بني لو أقدر أديك عمري كله عمري ما هبخل عليك بيه.. أنا بحبك يا عمر أنت ابني وحتة منـ... آآه

تأوه بعدما اندفع عمر نحوه يليقي بجسده عليه، يدفن وجهه بصدر والده، تفاجأ سيد من ردة فعله ولكنه بداله سريعًا بالضم، يحيطه بذراعيه بدفءٍ شديد، دقائق واستمع لصوت شهقات ضعيفة تصدر منه، انتفض سيد من مكانه يهتف بقلق:

_ مالك يا عمر؟ في حاجة وجعاك؟؟

نفى برأسه يعود لموطنه كما يرى، يهمس بصوتٍ باكي:

_ كنت محتاجك أوي.

ثلاث كلمات كانت بمثابة نصل يمزقه، كان يريده ولا يجده، كان يتمنى الآمان وسحبه منه، أدمعت عين سيد بقوةٍ حتى أصبحت دموع لها مجرى على وجنتيه يهتف بصوتٍ مختنق:

_ حقك عليا يا عمر.. والله العظيم أنا عمري ما أقدر أأذيك ولا أعرف إني أخويا يعمل فيا كده.. كنت فاكر إنه بيعتبركم عياله.. حقك عليا يابني غلطت لما اعتمدت على غيري!!

شهقات عالية صدرت منه بقوةٍ، يجيبه بنبرة مرتجفة:

_ مش هتسبنا تاني؟

نفى سيد سريعًا يضم وجه عمر بين يديه قائلًا بلهفة دون توقف دموعه:

_ عمري.. عمري ما هسيبكم ولا أخلي حد يزعلكم أبدًا... قول إنك سامحتني يا عمر؟!

أومأ عمر ببسمة صغيرة، ليقبل سيد وجه عمر بأكمله عدة قبلات سعيدة يهتف بفرحةٍ:

_ أخيرًا.. يا عمر دا أنت سندي يابني عمري ما هزعلك ولا أخلي حد يضايقك وهكون حمايتك في الدنيا.

ضحك عمر على لهفة والده بتلك الطريقة، يمد يده ليمسح دموعه، براحةٍ أخيرًا سكن قلبه، عاد ينظر لوالده مجددًا ليهتف سيد سريعًا برجاءٍ:

_ تعالى يا عمر ننام أنا وأنت وحسن على السرير.

اتسعت بسمة عمر بفرحةٍ أن والده من طلب ذلك، لينهض ويسحب حسن من الأرض، ثم تحرك به نحو الفراش ليهتف بحماسٍ:

_ يلا يا بابا.

أراد البكاء مجددًا، ولكن تمالك نفسه ينهض من الأرض يهمس بتضرعٍ:

_ الحمدلله.. أحمدك وأشكر فضلك يارب.

جلس سيد بالمنتصف الفراش بينما جلس عمر على يمينه وحسن على يساره، يضمهما بحبٍ شديد، يقبل رأسهما بدفءٍ حُرمَا منه.

مر وقت غفى حسن على صدر سيد، بينما بقى عمر مستيقظًا لا يرغب بالنوم، يتمسك بتلك اللحظة بقوةٍ وكأنها ستفر منه، همس سيد وهو يمشط يده بين خصلات شعره:

_ صاحي يا عمر؟

_ آه.

أجابه بخفوتٍ سريع، يسترسل سيد بحبٍ بطياته الحزم:

_ طب محتاجين نروح القسم عشان نقدم بلاغ في محسن.. لزمًا حقك يرجع يابني.

انتفض عمر سريعًا كمن لدغه عقرب، ينفي سريعًا بخوفٍ، يهتف بذعرٍ:

_ خلاص يا بابا أنا مسامحه بس ميجيش هنا تاني.

تعجب سيد من رفضه الشديد لأخذ حقه، فقد ظن أنه سيوافق سريعًا بعد عدوانه الأخير عليه، أزاح سيد حسن برفقٍ على الفراش ثم نهض من جواره يأخذ عمر بعيدًا للردهة، جلسا الإثنان سويًا ليهتف سيد برفقٍ:

_ ليه يا عمر مش عايز تاخد حقك؟ دا أكتر وقت لزمًا تاخد حقك فيه؟؟

_ هو إيه اللي هيحصله؟

سأل عمر بملامح تآكلت من الخوف، ليشعر سيد بوجود شيء خطير حدث ولا يعلمه، أجابه بهدوءٍ وتريث:

_ هيتسجن أكيد.. ويقضي بقيت عمره في السجن.

ارتعش جسد عمر بخوفٍ، لينهض فجأة يردف برفضٍ قاطع:

_ لا مش هعمله حاجة مش عايز!!

انطلق عمر من أمامه سريعًا يركض لغرفته، بينما تأمل سيد حركاته وبدأ الخوف يلتهم قلبه، ما الذي حدث، نهض سريعًا نحو غرفته يغلق الباب عليه ثم اتصل بالأخصائي وما أن أجابه حتى ردد بلهفة:

_ أيوة يا دكتور محمود بقولك عمر رفض جامد يعمل المحضر.. أول لما قولتله هنعمل محضر خاف أوي وبعدها سأل هيحصل لمحسن إيه ولما جاوبته رفض بشكل قاطع إنه يروح.

أجاب محمود بهدوءٍ بعدما استغرق دقيقتين بتحليل حديثه:

_ في الغالب عمر عمل في حد اللي حصله من محسن وخايف يبلغ عن محسن فيحصله كده!!

اتسعت عين سيد بصدمةٍ، تيبس جسده ولم ينبس بكلمة، تدمرت حياته بكل ما تحمله معاني الكلمة، أصبح ابنه الفاعل والمفعول، القاتل والمقتول! لو كان الصبر مُرّ فالحقيقة أشد مرارة!

ارتفع صوت محمود مجددًا يخبره بجدية:

_ حاول مع عمر تاني يا أستاذ سيد وكلمه براحة وفهمه إنه ظروفه مختلفة عنه.

_ حاضر.

إجابة مختصرة سريعة، ثم أغلق هاتفه، ينظر للأعلى بقلبٍ منفطر، يتمتم بألمٍ ودموع منهمرة:

_ يارب أقف جنبي وأحفظلي ابني في حضني.

اختتم جملته تزامنًّا مع اتصال هاتفه، أجاب سريعًا على صديقه:

_ أيوة يا وليد؟

_ أيوة يا سيد.. كلمت عمر عشان نعمل المحضر أنا حابس محسن بقالي كتير وخايف يحصله حاجة قبل ما يتحاكم؟؟

سأل وليد باهتمامٍ وقلق، ليجلس سيد على الفراش يجيبه بصوتٍ مبحوح يرغب بالبكاء:

_ عمر مش عايز يا وليد.. رفض عشان شكله عمل في حد كده!!

صمت وليد لدقائق يحاول استيعاب ما حدث، فكلما حاولوا حلها، تتعقد أكثر، لحت برأسه فكرة ليهتف سريعًا:

_ طب ما تتواصل مع اللي عمر عمل فيهم كده وتشوف.

_ معرفهمش يا وليد ومعرفش هو عمل كده في كام واحد!!

إجابة محبطة خرجت من فِيه سيد، بينما زفر وليد باختناق، تتخابط أفكاره محاولًا إيجاد حلًا، بينما صمت سيد أيضًا يفكر بطريقة لينطق عمر بالحقيقة، فهو لم يخبر أحد عما فعله سوى أرنبة!! لحظة انتفض سيد سريعًا يهتف بلهفة:

_ وليد لقيتها.. عمر حكى كل حاجة لواحد اسمه أرنبة صاحبه أنا هكلمه بسرعة.

_ تعرف عنوانه؟

خرج سيد من غرفته يهتف بلهفة:

_ أيوة ساعة المحضر كتبوا العنوان أنا هروح دلوقتي!!

صدم وليد من لهفة سيد، ليهتف سريعًا:

_ دلوقتي إيه؟؟ إحنا دخلين على الساعة 11 يعني على ما توصل هتكون جت 12.

انتهى سيد من ارتداء حذائه يردف بتصميم:

_ مش مهم.. أنا يهمني ابني يا وليد مش هسيب حقه ولا هسيبه يضيع تاني.

***************

استمع حمدي لصوت تأوه أرنبة، يزيح المنشفة بعدما انتهى من تجفيف شعره، يرى ظهره المليء بالجروح، أشفق عليه مما حدثه معه، ليهتف بتعاطف:

_ ألف سلامة عليك.

ضغط حربي بقوةٍ دون قصد على أحد الجروح، ينظر بصدمة نحو حمدي، ليصرخ أرنبة بقوةٍ يهتف بغضبٍ متألم:

_ إيه الغبوة دي يا حربي! هتفتح الجرح!!

_ أنت مسمعتش حمدي بيقولك إيه؟ دا بيقولك ألف سلامة!!

ألتوى فم أرنبة بسخرية يعود للوسادة ليدفن وجهه بها، يجيبه بسخطٍ:

_ يا عم عليه أقساط وعايز يسدها وبيتمسكن علينا عشان ندفعها.

عض حمدي على شفتيه السفلية بغيظٍ، يعلق على حديثه الأبله:

_ أنا غلطان إني بعبرك أشكالك... اللي زيك يتساب كده لحد ما السر الإله يطلع!!

أدار أرنبة رأسه سريعًا يتمتم ببلاهة:

_ رجعتهولك أهوه يسب ويشتم فينا.

كاد حمدي أن ينطق ولكن أرتفع دق على الباب بقوةٍ، انتفض حمدي نحو حربي وأرنبة الذي اعتدل بجلسته ينكمش بالأريكة بذعرٍ، فعادت الطرقات مجددًا ليهتف أرنبة برعبٍ:

_ قوم أفتح يا حمدي.. أنا تعبان.

_ يمين بعظيم أبدًا ما هعملها.. قوم أنت.

_ أنت أعمى ضهري متعور مش قادر..

رددها أرنبة بغيظٍ، في حين ابتسم حمدي يسقط بصره على حربي الذي لم يرمش بل هتف بهدوءٍ:

_ أنسى يا حبيبي... مش متعتع من مكاني.

أرتفعت الطرقات مجددًا يعلو صوت من بالخارج:

_ أرنبة أنت صاحي أفتح الباب ..  النور شغال!!

هبط حمدي من على الأريكة  يسجد بالأرض سريعًا يردد بانتصار:

_ لقدر ظهر الحق ومات الباطل..

علق حربي على جملته العقيمة:

_ اسمها ظهر الحق وزهق الباطل.. أو ظهر الحق وبَطَل الباطل.. إنما مات دي مش موجودة..

كاد أن يرد ولكن عادت الطرقات مجددًا تشتد أكثر، لينظر أرنبة نحو حربي ولكنه قبل أن أن ينطق أجابه ببرودٍ:

_ نفس اليمين اللي حلفه حمدي... يمين بعظيم أبدًا يا أرنبة.

رمقه بنظرةٍ مغتاظة، ثم نهض من مكانه يشعر بالخوف من الطارق بهذا الوقت فأخر مرة أُخذ بطبق الكيك من منزل عاليا فماذا سيحدث معه الآن!!

مد يده المرتعشة ليفتح ولكن انتفض ما أن عادت الطرقات مجددًا، ليصرخ به بذعرٍ وغيظ:

_ ما حاضر يا عم مستعجل على الضرب أوي.

فتح الباب ببطءٍ يشعر بالخوف الشديد، ولكن سرعان ما علت الدهشة ملامحه يرى والد عمر أمامه، ليهتف بتعجبٍ:

_ أبو عمر.. خير عمر كويس؟؟

أومأ سيد بالإيجاب يهتف سريعًا بحزنٍ:

_ هو كويس وخف.. بس محتاجك تقولي عمر قالك إيه ولا عمل في مين اللي حصله عشان ألحقه!!

قطب أرنبة جبينه بعدم فهم، ليتدخل حربي قائلًا بهدوءٍ:

_طب أتفضل الأول ونحكي جوا.

دلف سيد للداخل يجلس على الأريكة، ينظر لأرنبة برجاءٍ واضح:

_ أبوس إيدك قولي عمر قالك إيه عشان ألحقه مش راضي يرفع القضية على محسن وهو خايف يحصله زي ما هيحصل لمحسن.. أنت تعرف عمر عمل مع مين اللي بيحصله  صح؟؟

فهم الآن ما يريده، زفر بآسى على حال هذا الطفل، ليومئ له بالإيجاب يجيبه بتصحيح:

_ قصدك شوفته!!

ازدرد سيد لعابه بألمٍ، يغمض عينيه بندمٍ يتآكله، في حين فهم حمدي أن هذا أحد ضحايا مديرة المدرسة، عاد أرنبة يحدثه بصوتٍ هادئ:

_ كانت بنت صغيرة في ابتدائي في فصل (****) هو ملحقش يعمل كده بشكل كلي ولحقناه بس هي بنت واحدة اللي عمل فيها كده.

وضع سيد وجهه بين راحتي يده يحاول كبح دموعه حتى لا تهبط أمامهم، بينما صمت الباقيين عن الحديث تمامًا ينتظرون حديثه، حتى نهض سيد من مكانه ببسمة منكسرة:

_ شكرًا يا بني على مساعدتك... هحاول اتكلم مع أهل البنت يمكن يسامحوا عمر.

نهض أرنبة معه ينظر له ثم ردد سريعًا:

_ تعالى بكرة ونروح معاك كلنا ونقابل أهل البنت ومتقلقش هنقنعهم إنه ميعملوش حاجة لعمر.

أومأ سيد بموافقة سريعة، هو بالفعل بالحاجة لمساعدة، تحرك يغادر الشقة بينما تأمل كلًا من أرنبة وحربي وحمدي شكله يشعرون بالحزن لأجله ولكن ما باليد حيلة هي دائرة من الضحايا ألتهمته دون رحمة!

*****************

_ خالتي عاملة ايه يا عاليا؟

سأل حربي باهتمامٍ بالغ، ينظر لها تارة وللطريق تارة أخرى يتأكد من سير السائق بالطريق الصحيح، أجابته براحةٍ:

_ كويسة متقلقش دا الضغط بس نزل عندها ولما راحت المستشفى ظبط.. أنا عايزة أكلمك في حاجة تانية!!

أومأ حربي بهدوءٍ، يحسها على الحديث لتردف عاليا بتوترٍ:

_ بصراحة بقى أنا ناوية كده أعمل ندوى في الحارة عشان أوعي أهل الحارة باللي بيحصل وهبه تصورني وننزل الفيديو.

صمت حربي قليلًا يحلل كلماتها، ثم رسم بسمة طفيفة لشفتيه قائلًا:

_ بصي حتة ندوى لأهل الحارة معنديش اعتراض.. لكن تصوير دا بلاش.

قطبت جبينها بضيقٍ تغمغم بحنقٍ:

_ ليه ما دي زي دي!!

نفى حربي برأسه يحدثها بعقلانية:

_ هوضحلك بفكر إزاي.. الفيديو ممكن أي حد ياخد اسكرين ويبقى معاه صورك وهتكون على كل التلفونات.. لكن أهل الحارة هنا أنا هكون معاكِ وهتأكد إن محدش بيصورك.. وحطي مليون خط تحت إني بغير عليكِ وإن مغيرتش يبقى محبتش وأنا مبحبش غيرك في حياتي.

تبدل العبوس سريعًا لبسمة صغيرة خجولة، تهمس ببعض السعادة:

_ يــــاه يا حربي بقالك كتير مقولتش كلام حلو.

ابتسم بحنوٍ لها، يضم يدها بين كفه، يهمس لها بحبٍ:

_ غصب عني الأيام اللي فاتت كنت مضغوط.

أومأت بتفهمٍ له، ثم عادت تنتبه لطريق لاقتراب محطتهم، مرت لحظات وقفت السيارة ليهبطوا جميعًا منها فوجدوا سيد يقف أمام المدرسة بانتظارهم، تقدموا نحوه يقدمون السلام ثم دلفوا للداخل، تحرك أرنبة مع سيد وكذلك هبه للبحث عن ملك، بينما وقفت عاليا وإلى جوارها حربي ينتظرونهم.

_ شوفتي ريم وش ريم بقى مليان حبوب وحاجة يع خالص.

ألتقطت أذني عاليا تلك تلك الجملة، استدارت سريعًا لتجد عدد من الفتيات يتهامسون فيما بينهن، وجهت عاليا بصرها نحو الفتاة التي ينظرون لها لتجدها تجلس بمفردها، زفرت عاليا بهدوءٍ ثم قالت لحربي ببعض الضيق:

_ معلش يا حربي هروح أعمل حاجة.

نظر لها بتعجبٍ ثم وافق، لتتحرك عاليا بهدوءٍ نحو هؤلاء الفتيات تهتف بهدوءٍ:

_ تسمحولي اتكلم معاكم.

نظرن لها بتعجبٍ وخجل ليومئوا لها بالإيجاب، لتبدأ عاليا بالحديث بهدوءٍ:

_ تعرفوا إيه عن التحرش يا بنات؟؟

تعجبن من هذا السؤال ولكن أجابات إحدهن:

_ زي اللي بيحصل في الأتوبيس يا طنط والرجالة تقرب من البنات بطريقة وحشة..

أتى رد أخر:

_ أو اللي بيعاكسونا.

_ في برضو اللي يكلمنا على الواتس ويعاكس.

نظرت لهم عاليا بانبهار اتقنت تمثيله، تردف بحكمة:

_ برڤو عليكم.. فعلًا في أنواع كتير.. زي الأتوبيس دا تحرش جسدي... واللي بيعاكسوا ويقولوا كلام خارج دا  تحرش لفظي... واللي بيكلمك واتس تحرش الإلكتروني.. تعرفوا برضو إن في تحرش بصري ونفسي وفي نوع بقى شامل كل اللي فات دا... بس عايزة أسألكم سؤال..

نظرت لوجههن تراقب ملامحهن، ثم سألت بهدوءٍ:

_ هو التحرش حاجة وحشة؟

أومأ الجميع سريعًا، تجيب إحداهن:

_ أيوة طبعًا.. دا بيأذي جامد أوي.

ابتسمت عاليا بهدوءٍ، تكمل مسيرتها بالحديث:

_ طب والتنمر برضو مؤذي ولا لاء؟؟

صمتت الفتيات عن الحديث، لتيقن عاليا وصول رسالتها لهن، أسترسلت حديثها بهدوءٍ ولُطف:

_ فاكرين لما قولتوا لما واحد بيعاكس بنت بتضايقوا ودا يعتبر تحرش ومؤذي  كلامكم صح جدًا.. بس  لما بنت تتريق على شكل بنت بطريقة وحشة دا برضو مش مؤذي ؟

نظرن لها ببعض الخزى تحرك إحدهن رأسها بنفيٍ، بينما نظرت الأخر لها بمللٍ قائلة:

_ أيوة يعني عايزة توصلي لإيه يا طنط؟؟

دققت عاليا النظر بالفتاة هي نفس الصوت الذي أطلقت جملتها الساخرة، ابتسمت عاليا بهدوءٍ:

_ اللي عايزاه وصل بس أنتِ اللي دماغك مش عارفة توصله.

انتفخت أوداجها من الغضب، تغمغم بحدة:

_ قصدك إني حمارة ومبفهمش؟؟

رمقتها عاليا بنظرة منتصرة تمتم بهدوءٍ السقيع:

_ سبحان الله ربنا سلطتك على نفسك واتنمرتي على نفسك وقولتي إنك زي الحمير مبتفهميش.

ضحك الفتيات بشدةٍ، في حين صمتت تلك الفتاة بحرجٍ تشعر بالغيظ من نفسها أنها وقعت في فخها، أكملت عاليا وهي ترى اقتناع الفتيات بحديثها:

_ ربنا مش بيسيب حق حد.. والبنت اللي هي اتنمرت عليها ربنا جبلها حقها وخلاها هي اللي تتريق على نفسها وأنتم نفس البنات اللي ضحكتوا على البنت.. ضحكتوا عليها... وعشان ميحصلش كده معاكم خلي عندكم شجاعة أدبية وروحوا اعتذروا على اللي عملتوه وهي تسامحكم ومتتريقوش على حد عشان ربنا منتقم جبار وبياخد حق المظلوم.

تفهم الجميع ما تريده، ليتحركوا نحو ريم تلك الفتاة المتنمر عليها يعتذرون منها وعما بدر منهن، في حين وقفت الفتاة التي تنمرت عليها ولم تتحرك، مدت عاليا كفها نحوها، تربت عليها قائلة بتشجيع بعدما لمحت ترددها:

_ روحي يا حبيبتي ومتخفيش هتسامحك.

نظرت لها قليلًا ثم تحركت نحو ريم تعتذر بخجلٍ واضح، لتقبل ريم اعتذارها بصدرٍ رحب، اعتلى شفتيها ببسمة سعيدة تتأمل شكلهن وهن يغرقون ريم بأحضان مفاجئة..

_ مكنتش أعرف إن مراتي دكتور شاطرة كده!!

همس بها حربي جوار أذن عاليا يبتسم بفخرٍ كونها زوجته، استدارت عاليا له تبتسم بدلالٍ واضح، قائلة بسعادة:

_ أنا مش أي حد يا حبيبي.

ضحك حربي على طريقتها المحببة لقلبه، يردف بحبٍ:

_ خلاص هانت هتخلصي السنة دي وبعدها تبقي في بيتي.

أومأت عاليا بخجلٍ واضح، توضح رغبتها بالبقاء معه، بينما تراقص قلب حربي بسعادة ما أن رأى رغبتها بالتواجد معه أينما يكون.

*************

_ أزيك يا طنط.

اتسعت بسمة هبه ما أن رأت ملك تقبل عليها بفرحة، لتجيبها بحبٍ:

_ ملوكتي حبيبتي أخيرًا شوفتك وحشتني.

_ وحضرتك كمان وحشتني.

رددها وهي تضم هبه بحبٍ شديد، نظرت هبه لها بحنانٍ قائلة:

_ مين هياخدك من المدرسة؟

أجابتها ملك بكلماتٍ بريئة:

_ ماما.. بابا مش بيجي عشان عند ربنا.

أغمض سيد عينيه ما أن استمع لحديثها، بينما وقف أرنبة يربت على كتفه بتعاطف للألم الذي مزق قلبه، أومأت هبه بحبٍ ثم قالت بلطفٍ:

_ طب أدخلي الفصل ولما تخلصي الحصص هتلاقينا تحت مستنينك عشان نقابل ماما ونحكي سوا وأفضل أشوفك.

أومأت ملك بطاعة ثم غادرت لداخل الفصل، بينما وقف سيد يتأملها بأعينٍ حمراء تغرقها الدموع تأبى الهبوط، فهمس أرنبة بصوتٍ صلب:

_ أمسك نفسك يا عم سيد مينفعش كده.. هتتحل متقلقش.

أومأ سيد بصمتٍ يجلس على أحد المقاعد بينما وقفت هبه جوار أرنبة ينتظرون مرور تلك الساعة الأخير بالمدرسة...

****************

ظلت تتأمل البوابة تنتظر خروج ابنتها ولكن ذُهلت من خروجها مع هبه تمسك بيدها بفرحةٍ وخلفها رجلين يسيران جوار بعضهما، بينما يقف بالجوار بعيدًا شاب وفتاة، تقدمت ملك من والدتها سريعًا تهتف بفرحة:

_ ماما طنط هبه اللي لحقتني.

نظرت لها والدة ملك بامتنان شديد قائلة ببسمة فرحة:

_ أخيرًا شوفتك.. أنا مش عارفة أشكرك إزاي حقيقي على إنقاذك لبنتي.

تعجبت هبه من معرفتها للأمر وعدم حديثها، لتبتسم تلك السيدة بهدوءٍ قائلة:

_ عارفة بتسألي ليه مجتش طربقت المدرسة على دماغهم.

شعرت بالحرج منها تهتف بتبرير:

_ مقصدش والله بس مستغربة؟؟

زفرت والدة ملك بحزنٍ تهتف بضيقٍ:

_ غصب عني أنا عايشة لوحدي مع بنتي.. لو فتحت بوقي ممكن تحصل فضيحة وهيقولوا عني كلام مبيحصلش وأنتِ عارفة الناس مبترحمش حد.. خوفت بصراحة وسكت وخاصة إن ملك سليمة محصلهاش أضرار.

_ أنا آسف.. آسف على كل اللي حصل لملك.

نظرت والدة ملك بتعجب نحو سيد الذي نطق جملته بندمٍ، ترى دموعه المنهمرة بغزارة، لتولى أرنبة دفة الحديث قائلًا:

_ اللي عمل كده في ملك طالب زيها في المدرسة.. والطالب مكنش في وعيه ودا بسبب اللي حصل فيه.. هو اتعرض لأسوأ من اللي حصل لملك لدرجة دخل العمليات عشان يقدر يحس برغبته بدخول الحمام وميضطرش يلبس حفاضة.

اتسعت عينيها بصدمةٍ مما تفوه به، ليسترسل أرنبة بأسفٍ:

_ الولد بقى بيروح لدكتور نفسي يتعالج من اللي حصله بعد عملية التحرش اللي وصلت لاغتصاب عنيف.... والنهاردة والد الطالب دا جاي يعتذر عن اللي حصل ليها وبيلمس الجزء الإنساني اللي عندك إنك تسامحيه.

نظرت له بحدةٍ على ما حدث لابنتها ولكن وجدته يكاد ينفطر من البكاء الصامت، نعم لا يوجد مبرر لفعلة ابنه، زفرت بضيقٍ تشعر باضطراب أفكارها ومشاعرها، لا تريد مسامحته ولكن حالتها صعبة للغاية، تحدثت هبه بنوعٍ من الاستعطاف:

_ أنا عارفة إن الموقف صعب تسامحي فيه بس صدقيني المدرسة كانت سبب لرئيسي عشان يتم كده في ملك وظروف الولد دا كانت بشعة.

_ فين أمه؟؟

سألت بحنقٍ واضح، ليجيب سيد تلك المرة بصوتٍ مختنق من الدموع:

_ ماتت وعنده أخ ذو احتياجات حصل فيه نفس اللي حصل لابني.. أنا مش طالب غير إنك تسامحيه عشان أقدر أخد حقه من اللي عمل فيه كده ومن مديرة المدرسة.

صمتت دون أن تبدي إجابة، ليلحق أرنبة بالحديث قائلًا باقناع:

_ حضرتك خايفة من الفضيحة وفي نفس الوقت عايزة تاخدي حق ملك.. لو بصيتي للموقف صح هتلاقي إن اللي تاخدي حقك منه مديرة المدرسة والراجل اللي عمل في الطالب دا كده لإنهم ضحايا زي ملك بظبط..

الجميع الآن يتمنون سماحها، جميعهم يقفون لها، أشبعت رغبتها بالانتقام قليلًا منه، ولكن تتنمى الوصول للنهاية والآن سمحت لها الفرصة، نظرت نحو سيد قائلًا بهدوءٍ:

_ متنساش حقي يرجعلي مع ابنك.

غمرت الفرحة قلوي الجميع تصفق هبه بسعادة، بينما توقفت دموع سيد بعدم تصديق لها يشعر برحمة ربه عليه، في حين نظر لها أرنبة يومئ لها بامتنان، لتبتسم له بهدوءٍ، تمسك بكف ملك قائلة:

_ مع السلامة.

غادرت والدة ملك المكان بينما وقفوا جميعًا يبتسمون بسعادة أن خطوة ملك قد أنتهت أخيرًا والآن لابُد من الانتقام من المعاونين التحرش!!

**************

فرحة.. قلق.. إرهاق جميعها مشاعر مختلطة اتفقت عليه اليوم، يريد الانتقام وأخذ حق ولديه ولكن لا يريد أخذ خطوة خطأ فتدمر علاقتهما، الأمر صعب والحيرة تزيد قسوة الأمر. دلف سيد للشقة بهدوءٍ يردد بحبورٍ:

_ أتفضل يا أرنبة.. تعالى يا حربي نورتوا.

دلف الإثنان للشقة بهدوءٍ يحمحمون قبل الدلوف، ثم تقدموا من الردهة حيث أشار سيد، نظر أرنبة نحو سيد الذي تركهما سير لغرفة حسن كي يحضر عمر، وما هي إلا دقائق كان يركض عمر له بفرحةٍ يهتف بسعادة:

_ أخيرًا شوفتك يا أرنبة.

ابتسم أرنبة يبادله تلك المشاعر البريئة بكلماتٍ حنونة:

_ أخيرًا يا بشمهندس عمر.. طمني عليك عامل ايه؟

أومأ عمر ببسمة هادئة تحمل القليل من الراحة، ليهتف سيد بحبٍ:

_ عارف كنا فين النهاردة؟؟

نظر له بعدم فهم يحاول أن يستشف الإجابة، ليعلق حربي ببسمةٍ هادئة:

_ كنا في المدرسة.

لم تتغير ملامحه إلا عندما نطق حربي بتريث:

_ وقابلنا بنوتة صغيرة اسمها ملك...

انتفض من مكانه يشعر بخوف الشديد، ينظر لوالده بأعينٍ مدمعة قائلًا:

_ ليه روحت هيجوا دلوقتي عشان ياخدوني زي ما هياخدوا عمو محسن.

نفى سيد سريعًا، يسرع بالحديث قبل أن يُهدم ما بينهما:

_ لالا يا عمر أنا قابلت مامتها وسامحتك خلاص وقالت خد حقنا مع عمر من محسن.

تجمدت الدموع بحدقتيه، ينظر نحوه بعدم تصديق، هل حقًا سامحته؟ هل يمكنه أخذ حقه الذي لطالما حلم به؟ سيضمد جناحه المكسور؟! أسئلة كثير كانت كالسيل بعقله، أزاح فكرة الانتقام بسبب فعلته ولكن لم يُخيل له أنه سيُرحم ويبدأ من جديد!!

_ متخفش يا عمر.. إحنا معاك والنهاردة لزمًا ناخد حقك كفاية إننا صبرنا لحد دلوقتي.

ابتسم عمر من بين دموعه بعدم تصديق، يهتف بتهته:

_ كنت فاكر هعيش عمري كله مكسور.. مش هعرف أخد حقي أبدًا بسبب اللي عملته!

علق حربي بهدوءٍ:

_ ربنا رحيم يا عمر وسخر والدك الأستاذ سيد عشان يحميك ويجبلك حقك.

حرك بؤرة عينيه نحو والده ينظر له بامتنان شديد، كان حُلم له يخفيه عن الجميع ولكن حققه والده دون أن يطلب، وقف عمر أمامه بمسك كفه يقبله ناطقًا بعدها:

_ أنا مكنتش أقصد أزعلك.. أنت مخلتنيش مكسور يا بابا.

ضمه سيد بحبٍ شديد، يحاول كبح دموعه، ليرفع كفه يزيح تلك الدموع العالقة بأهدابه، يعلق عليها:

_ أنا بقيت بعيط أكتر ما بتكلم...

ضحك الجميع على تعلقيه، ثم نهضوا سويًا لذهبوا إلى وليد حيث يخبئ محسن، الآن حانت لحظة المواجهة..

ووضع النقاط لكلمة ( لىه) حتى تتضح لنا الإجابة، وتكتمل مواجهة مؤجلة منذ الحادث.

وقف عمر إلى جوار وليد وأرنبة ينتظران بالخارج قبل أن يتحركا لقسم الشرطة، بينما دلف سيد وحربي لغرفة التي يقبع بها محسن ليريح عقله الذي تآكل من كثرة التفكير، نظر نحوه بعدم شفقة، يتأمل شكله وتلك الأحبال تلتف على يديه وقدمه، ملابسه المتسخة من أثر الأتربة الملقى بها، وقف سيد أمامه يخفض بصره يتأمل شكله المُهان، ليسأله بصوتٍ جامد ولكن فشل في إخفاء ألمه:

_ ليه؟

رفع محسن بصره نحو بتعبٍ، يبتسم بسخطٍ على شكله، حرك فكيه يجيبه بنبرة متشفية:

_ مزاج.

إحتدت نظراته بشدةٍ، يصرخ به باختناق:

_ مزاج إيه يخليك تعمل في طفل كده.. دا يعتبر ابنك!!

_ لو ابني هعمل في كده برضو.. مش هتفرق معايا!

رددها ببرودٍ شديد، تراجع سيد بصدمةٍ من رده العقيم، ليعلق بعدم تصديق:

_أنت حيوان!! دا الحيوان عمره ما بيعمل كده في ابنه!!

لوى فمه بتهكم، تتهدج أنفاسه بتعبٍ من قلة الطعام والماء بجسده، ليرد ببسخطٍ متبجح:

_أهو لو قولتلي أنت بني آدم هكره نفسي... دا لو دخلت قاموس الحيوانات هتلاقيهم بيحترموا بعض.. لكن لو دخلت قاموس البشر هتلاقيهم أكتر الكائنات بتهين وبتكسر في بعض.. بظبط  كده زي ما كسرت أخويا في ابنه!

غصة قبضة على قلبه ما أن سمع جملته الأخيرة، يشعر بصدمةٍ ممزوجة باختناق مما يسمعه، هل هذا شقيقه الذي تربى معه؟ يالا العجب أتعجب مما فعله شقيقي وقد قتل قابيل هابيل وهم أخوى!

استدار سيد ليغادر الغرفة بقلبٍ منفطر، بينما نظر حربي له ثم قال بهدوءٍ يحمل غليل دمه:

_ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾

(البقرة: 179)

النهاردة حق عمر هيرجع وربك قادر يردله حقه تاني.

غادر حربي الغرفة، ليجد سيد يقف جوار الحائط يحاول التماسك، ربت عليه بتعاطفٍ يهتف بتشجيع:

_ يلا بينا على القسم حق عمر لزمًا يرجع.

**************

تم تقديم بلاغ رسمي في قسم الشرطة والقبض على محسن بسرعةٍ بالغة، ينتظرون سير القضية كما تشاء بعدما تم تقديم تقارير رسمية عن حالة عمر ولم يتحدث أحد عما حدث بالمدرسة حتى لا يتأذى عمر ويُفضح أمر ملك!

*************

" غدًا الأحد مناقشة مشروع التخرج"

رسالة تذكيرية وضعتها منذ أن حُدد موعد مناقشة المشروع، هي للتو سلمت الملف الخاص بالمشروع، وأنتهوا من إعداد بوستر المناقشة والآن ظهرت على شاشة هاتفها تلك الرسالة لم تتنفس بعد مما حدث معها حتى تجد تلك الرسالة! نظرت له عاليا باختناقٍ، ثم نهضت من مكانها تبحث بخزانتها عن شيء مناسب لمناقشة المشروع ولكنها لم تجد، لتشعر بزيادة ضيقها، غادرت غرفتها تسير نحو الردهة حيث يجلس محمد جوار وداد يشاهدون التلفاز، هتفت عاليا بضيقٍ:

_ بابا مناقشة المشروع بكرة!!

_ أخيرًا هنخلص منه.. دا أنا أتربيت على إيدك يا عاليا في المشروع دا.

نطقها محمد بزفيرٍ يحمل راحة، بينما تذمرت عاليا بحزنٍ:

_ يا بابا مناقشة المشروع بكرة وأنا لا معايا لبس ولا جهزت عشان المناقشة!!

_ طب يا عاليا ما تلبسي أي حاجة وبكرة متقلقيش من حاجة المشروع عملتيه وتعبتي فيه وهتعرفي تناقشي.

رددها وداد بحيرةٍ من أمرها، ولكن ارتفع صوت الجرس قبل أن ترد، تحركت باتجاه الباب، تنظر من العين السحرية فما كان سوى حربي، أمسكت الإسدال المعلق خلف الباب وارتدته سريعًا ثم فتحت الباب بوجهٍ عابس، تراجع حربي للخلف خطواتين قائلًا:

_ يا ستار يارب في إيه؟؟

_ مجبتش لبس للمناقشة ولا عملت بروڤا عشان أدرب قبلها.

أنحنى قليلًا يمد ذراعه للحقيبة الموجودة جوار الباب يخفيها عن أنظارها، يمدها لها مبتسمًا بحبورٍ، قائلًا بصوتٍ حنون:

_ ودي تفوت حربي.. عرفت مقاسك وجبتلك بدلة المناقشة تقريبًا دا اللي بتلبسوه.

اتسعت عين عاليا بفرحةٍ تنظر للحقيبة بسعادةٍ بالغة، وقبل أن تمسكها قفزت نحوه تحتضنه بفرحةٍ بالغة قائلة:

_ أنا بحبك أوي أوي يا حمامة.

دُهش من فعلتها، ولكنه سَعد كثيرًا بها، ربت على ظهرها بحنوٍ يهمس بدفء:

_ طب يلا تعالي ندخل وتلبسيه ونعمل البروڤا.

ابتعدت عنه بخجلٍ ولكن لم تختفِ فرحتها، ليمسك بكفها بيد واليد الأخرى يغلق الباب، يسير معها نحو الردهة حيث يراها محمد ووداد ويبتسمان بسعادةٍ لما فعله حربي لأجل ابنتهما، أخذت الحقيبة ودلفت لغرفتها ترتدي بدلتها بحماسٍ فكان سترة باللون بودر بيج وجيبة بيضاء تنزل باستقامة، معها حزام بنفس لون سترتها وحجابًا أبيض يتناسق مع القميص الموجود أسفل سترتها باللون الأبيض، كما لم ينسَ حذائها، فكان ذو كعب متوسط الطول" هيلز" بنفس لون سترتها.

انتهت عاليا من ارتدائه ونظرت لها بانبهارٍ فهذه الألوان تليق بوجهها كثير ولم تتوقع أن تصبح بهذا الشكل، تحركت نحو الردهة ثم وقفت أمامهم بحماسٍ قائلة:

_ إيه رأيكم!!

ألتمعت عينيه بفخرٍ بها، بينما رددت وداد بخوفٍ عليها:

_ ربنا يحميكِ ويحرسك من العين.

ابتسمت لها عاليا بحبٍ، لتنظر نحو حربي بشغفٍ تنتظر رأيه، فلم يبخل عليها بل أغرقها بعسل كلماته بعدما نهض يقف أمامها هامسًا بحبٍ:

_ منحني الله هدية رؤيتك دون قيد فتصبحين زوجتي وحبيبتي ورفيقة دربي في الدنيا والآن أرجوه أن تصبحي حور عين لي بالجنة.

تلك المرة لم تخجل من إخفاء نظراتها السعيدة، بل ظلت معلقة بعينيه تتأمل هذا العشق المكنون بهما، لتهتف بهمسٍ دافئ:

_ أنا أكتفيت بيك يا حربي.. ربنا ميحرمنيش منك ولا من وجودك في حياتي.

تقدم منها يقبل جبينها بحبٍ، ثم تراجع يجلس على الأريكة، ينظر لها بحماسٍ متمتمًا:

_ طب يلا  أشرحي قدمنا زي ما هتعملي قدام دكاترتك.

_ طب أوري هبه البدلة!

أسرعت نحو الباب ولكن أوقفها حربي سريعًا قائلًا:

_ زمان أرنبة خدها ونزلوا للخياطة عشان تخيط بدلتها.

نظرت له بدهشة من معرفته لرغبة هبه بتفصيل ملابسه ولا تحب الشراء من متجر، غمز بعينيه لها قائلًا:

_ دا سر المهنة.. مش يلا بقى نشوف مراتي الدكتور عاليا هتقول إيه في المناقشة؟

******************

_ اختار أنهي يا أرنبة؟

نظرت بحير للقماشتين الموجودتان فكانت لو لون بودر بيج وأخرى بورد سماوي، أشار أرنبة على اللون بورد بيج يهتف بحماسٍ دون أن يخبرها أن هذا نفسه لون بدلة عاليا، على علم بأن لون القميص والجيبة أبيض تمتلكهما معها:

_ اختاري دا شكله هيكون مميز عليكي.

نظرت للقماشة ثم ابتسمت باستحسان، تشير للخياطة بأن تبدأ بتلك القماشة، لتبدأ الخياطة بتفصيل سترتها بتدقيقٍ، بينما أمسك أرنبة بكيس الشبسي وفتحه ليبدأ بتناول قطعة وهبه قطعة، ولكن اقتحم هذا الصمت صوتها تسأل:

_ تفتكر هيكون شكله حلو؟

إلتهم أرنبة قطعة أخرى قبل أن يجيب:

_ عيب عليكي هو أنت بتلبسي حاجة وحشة أصلًا.. هيطلع حلو.

جملة عفوية صغيرة ولكنها داعبت قلبها بفرحةٍ، مرت ثلاث ساعات أنهت فيها الخياطة من تفصيل تلك السترة، لتأخذها هبه وترتديها على ما ترتديه، تنظر لأرنبة متسائلة بتوتر:

_ ها حلوة كده ولا محتاجة حاجة؟؟

_ اتسطلت من كتر الحلاوة!!

نطقها سريعًا متأملًا شكلها بالرغم من وجود بعض العشوائية إلا أنه لم يرَ سوى ملامحها بقلبه، ابتسمت هبه بامتنان له قائلة:

_ أنت نعمة كبيرة أوي ليا يا أرنبة.. عرفت إني نفسي أفصل البليزر وكمان نزلت معايا وفضلت قاعد لحد ما اتخيط.. أنا بجد بحبك أوي.

اتسعت عينيه بصدمةٍ، ينظر حوله بعدم تصديق، بينما ضحكت على ملامحه المصدومة، ليهتف أرنبة بغيظٍ بعدما تدارك الكلمة:

_ وأنتِ ضاقت في وشك يا هبه ملقتيش غير هنا وتقولي بحبك.. ما أنا بقالي مدة هبوس ضافر رجلك عشان تقوليها.

كبحت ضحكتها بصعوبة بعدما رأت الضيق ظاهر بملامحه، تحرك من أمامها يدفع حساب، ثم سار معها يصعد للعمارة يوصلها للشقة بصمتٍ، يشعر بالضيق منها، بينما كانت تختلس النظر له بتسلية وهي تراه يشعر بالغضب هكذا.

فتحت باب الشقة تشير لأرنبة بأن يدلف ولكنه رفض بضيقٍ:

_ لاء مش عايز.. هروح وبكرة هجيلك الساعة 7 الصبح.

مدت يدها تمسك بكفه قائلة:

_ تعالى بس يا أرنبة.. تعالى ماما عاملة غدا حلو وهتزعل لو مكلتش.

تنهد بضيقٍ يعلم أن نعمة ستغضب إن لم يأتِ ويتناول الغداء، دلف معها يجلس بالردهة بملامح عابسة، في حين وضعت هبه السترة جانبًا ثم نظرت لأرنبة قائلة:

_ معلش قوم كده يا أرنبة في حاجة عايزة أقولها.

نظر لها باستنكار يتمتم بضيقٍ:

_ وهو اللي هتقوليه لزمًا يعني وأنا واقف... الشبكة ملمسة فوق و وأنا قاعد مش ملمسة!!!

حدجته بنظرة غاضبة تتمتم بضيقٍ:

_ ما تقوم وتبطل غلاسة.

نفخ بحنقٍ ينهض ليقف أمامها، يتنظر أن تتحدث، بينما أخذت هبه نفسًا عميقًا ثم قالت:

_ على فكرة بقى أنا بحبك أوي ومقصدش أختار مكان بس كنت حاسه بيها وقتها وأنا بقولها!!

دقق النظر بها تتبدل ملامحه من عابسة لأخرى تتهلل بالسعادة، كأنه طفل حصل على مكافأته، ضحكت هبه على طريقته، لتنادي نعمة عليها قائلة:

_ يلا يا هبه نحضر الغدا.

_ جاية يا ماما.

استدارت تنظر لأرنبة سريعًا تخبر قبل أن ترحل:

_أعمل حسابك بعد الغدا هنعمل بروڤا عشان أدرب قبل المناقشة.

أومأ لها يبتسم بحبٍ شديد، يتذكر أول مرة عندما كان يسترق بعض اللحظات على السُلم ليراها، ويمنعه حربي بصعوبة من ذلك والآن هي زوجته أمام الجميع يصعد لها ويتحدث معها دون قيد لها.

**************

" هفضل فخور بيكِ يا عاليا، أنتِ تعبتي في المشروع دا وهتقدري تتكلمي عنه، وافتكري إني دايمًا في ضهرك. "

طوت تلك الورقة التي أعطاها إياها أثناء دخولهم تنظر خلفها لترى حربي يجلس بنهاية القاعة مع والدها ووالدتها، يبتسم لها يحرك رأسه كأنه يرسل لها الطمأنينة، منحته نظرة ممتنة ثم عادت تنظر نحو الأستاذة مسؤولة عن  المشروع تلقي كلماتها قبل أن تبدأ الدفعة بمناقشة مشروعهم، بينما شردت هبه تتأمل الخاتم بإصباعها تبتسم له بحبورٍ متذكرة جملة أرنبة..

" متشليش الخاتم من إيدك، كل ما تتوتري افتكري إني جنبك وبشجعك يا ست البنات"

تنهدت براحة قبل أن ترفع بصرها مرة أخرى تنظر لعاليا ولكن وقع نظرها على سترتها لتبتسم بسعادة قائلة بهمسٍ:

_ أنا فرحانة أوي إننا لبسنا زي بعض.

أومأ عاليا بسعادة مماثلة، تهتف بفرحةٍ ملامسه سترتها:

_ حربي وأرنبة اتفقوا وظبطوا كل حاجة.

ابتسمت هبه ببهجةٍ تزداد، ثم استمعت لصوت أصدقائها يناقشون مشروعهما، لتنظر نحو عاليا قائلة ببعض للتوتر:

_ جاهزة؟

أومأت عاليا تأخذ شهيقًا كبير تخرجه على مهلٍ، لحظات وأنتهى أصدقائهما، لتنادي الأستاذة عليهما، تحركا كلًا من عاليا وهبه جوار بعضهما أمام البوستر المصنوع بعدما أنزله مسؤول التنظيم في القاعة ليظهر أمام عدد ضخم من الأساتذة والمعيدين يجلسون ينتظرون مناقشة العميد معهما، ازداد توترها ولكن لن تضيع مجهودها لأجل هذا التوتر، سأل العميد بهدوء:

_ ليه اختارتوا المشروع عن التحرش؟

ارتعش صوت عاليا قليلًا تقرب المايك لفمها لتجيب:

_ لإن الموضوع دا متداول جدًا الفترة الأخيرة وخاصة بعد ما عملنا دراسة استطلاعية ولقينا إن نسبة الناس اللي بتتكلم عن التحرش كبيرة ومن هنا حبينا نتعمق فيه أكتر.

أومأ العميد بتفهمٍ لهما، بينما استمع أرنبة لحديثها، فنظر نحو حربي قائلًا باستنكار:

_ مراتك كدابة أوي.. ما تقول إن دكتورة بتاعتها هي اللي دبستها!!

حدجه بنظرة غاضبة مخيفة فصمت أرنبة بتوترٍ يعود يستمع لسؤال العميد لهما:

_ طب وإيه المختلف في بحثكم عن الأبحاث التانية؟؟

تولت هبه تلك المرة الإجابة تتمتم بتوترٍ ظاهر حاولت إخفاؤه:

_ بحثنا مش عن التحرش بشكل عام أو نوع واحد بعينه.. بالعكس مشروعنا كان عن توضيح إيه هو التحرش وإيه هي أنواعه..

نظرت هبه نحو عاليا لتسترسل مكانها، وبالفعل لم تستغرق عاليا وقتٍ لتتولى المهمة سريعًا دون أن تلفت الانتباه تتحدث ببعض الثقة متذكرة كل ما فعلوه بهذه الرحلة الصعبة:

_ كان كل نوع ليه دراسة حالة.. نزلنا بحثنا بنفسنا عن الحالة واتكلمنا معها وعرفنا دوافع كل شخص على حسب كل نوع.

حرك العميد رأسه باعجابٍ لاجتهادهن، ليسأل مجددًا:

_ طب بحثكم عن دوافع المتحرش.. إيه السبب السائد بينهم؟

أجابت هبه تلك المرة بثقة تبادلتها مع صديقتها:

_ الطفولة والتربية الأسرة.. في الغالب بيكون الموضوع سبب التربية السيئة أثناء فترة الطفولة.. أما إهمال أو قسوة أو دلال زايد وغيره فالمشاكل بتبقى منبثقة من بُعد الأسرة عن ابنهم وإهمال فكرة إن الطفل دا بيقابل حاجات كتير ممكن توديه لإنه يكون متحرش أو متحرش به.

نظر لهما برضٍ كبير عن بحثهم، ثم قال ببسمة:

_ طب والحالات اللي قابلتوها كانت إيه... المؤذي ولا مأذي؟

أجابته عاليا ببعض التأثر لما قابلته:

_ من خلال البحث لقينا للأسف إنها دايرة كريهة.. الطفل بيتعرض لخبرة سيئة بيكبر عليها وبياخد سلوك التحرش عشان يفرغ الخبرة دي سواء كانت إهمال أسرة أو حد إتحرش بيه  أيًّا كان ويبدأ هو يطبق الموضوع دا.. فالطفل اللي طبق عليه هتتكون عنده خبرة سيئة ويكبر ويعمل كده زي ما حصله زمان وتفضل السلسلة دي مستمرة.

إجابة كانت مقنعة بنسبة للجميع، ليعلق العميد باستفهامٍ:

_ وطب في حل؟

أومأت عاليا وهبه سويًا، تجيب هبه عليه:

_ أيوة في.. الموضوع عايز توعية للأهل عن طريق الندوات أو بوستات توعية على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي ونظام مراقبة في المدارس.. ونبدأ نحاول نعمل أبليكشن ينزل على التلفون يمنع دخول على مواقع غير لائق عشان الأطفال اللي بتمسك التلفون من ورا أهلها.. واللي أتعرض للخبرة السيئة دي يروح لأخصائي نفسي عشان يساعده.

أومأ العميد بتفهمٍ، يعلق أخيرًا على مشروعهما:

_ ممتاز.. دا أقل تقدير للبحث.. لإن باين التعب فيه ومجهودكم.. بالتوفيق.

عاد العميد لمكانه، بينما تحركت كلًا من عاليا وهبه لمكانهما بالقاعة، يبتسمان بسعادة بالغة لقد انتهت رحلتهم الآن واختتم مشروع التخرج على خير!

***************

_ إيه العظمة دي يا ست البنات؟؟

رددها أرنبة بفخرٍ بها بعد أن تجمعوا بشقة محمد بعدما انتهت المناقشة، تذهب نعمة ووداد لإحضار مشروبٍ للجميع، بينما جلس محمد وسالم يتحدثان بالشرفة، ضحكت هبه بسعادة بالغة، تنظر له بحبٍ قائلة:

_ وهو أنا كنت هعمل حاجة بعد مساعدة ربنا وأنت.

_ ما بلاش الكلام اللي يخلي الواحد ياخد حضن كتب الكتاب.

رددها بتهديد زائف، لتبتسم هبه بدلالٍ قائلة وهي تلكز كتفه:

_ على فكرة أنت اللي أتأخرت يا أرنوبي عشان تاخده!!

نظر لدلالها بذهولٍ، يشير نحو اليمين بعدم تصديق لتومئ له هبه ببسمة سعيدة، فحرك أصبعه نحو اليسار لتومئ هبه مرة أخرى، اتسعت فرحة غير مصدقًا يتيبس جسده عن الحركة، ولكن قفزت هبه بأحضانه تضحك على طريقته بشدة، ضمها أرنبة بسعادة يهمس بحبٍ:

_ ربنا يحفظك ليا يا ست البنات كلهم.

ابتسمت عاليا لهما ولـ فرحة أرنبة، ليهتف حربي براحةٍ يلف ذراعه حول كتفها:

_ كده خلصت رحلة البحث عن متحرش.

أومأت عاليا بسعادة، تحمد ربها تضرعًا على إنتهاء تلك الرحلة الشاقة في البحث عن متحرش، لقد تحملوا الكثير من العناء والآن يتذوقون حلاوة الجبر بعد الإنتهاء، جلس أرنبة وهبه على الأريكة مقابلة لهما يتسامرون بالحديث، لتتجمع عائلة محمد وسالم من جديد ولكن معهما حربي وأرنبة عضوان رئيسيان بالأسرة، كان تجمعهم الرئيسي لأجل البحث عن متحــــــــــــــرش!

تمت بحمد الله

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1