رواية إنما للورد عشاق الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم ماهي عاطف


 رواية إنما للورد عشاق الفصل الواحد والعشرون  بقلم ماهي عاطف


وصلت بسرعة فائقة نحو منزل عمها، ثم صعدت الدرج بعدما وجدت فقاعة السكون تسود في الأسفل. بدون سابق إنذار دخلت غرفته دون طرق الباب فوجدته يزحزح فراشه ليضعه في مكانه الصحيح، أطلق شهقة فزع وجحظت عيناه بتوتر من تواجدها هنا ورؤيتها له وهو بتلك الغرفة المظلمة التي تقبع أسفل فراشه .. 

_"أنتِ اتجننتِ إزاي تدخلي كده؟ "

تجاهلت نبرته الغاضبة وما يفعله، مُعقبة باحتدام يتخلله بحة خفيفة: سؤال واحد، أنت كنت تعرف إن حمزة متجوز؟ 

زفر بعمق ثم قال بصوت رجولي خشن: أيوة كنت عارف بس مش هاقول لك حاجة تخص الموضوع ده علشان خاص بيني وبينه

تلألأ بؤبؤا عيناها بالعبرات ولمعت هاتفة بصوت يكاد لا يخرج يغلبه البكاء: حرام عليك، أنت مبترحمش ولا بتخلي رحمة ربنا تنزل ليه؟ مش كفاية كسرت قلبي وحسيت نفسي رخيصة معاك، ليه بتحب تتفرج عليا وأنا بتعلق في حبل النجاة لحد ما وقعت على جذور رقبتي؟ 

اقترب منها بحذر ثم أمسك وجهها بين كفيه مردفًا بشفقة: أنا آسف يا فرح، حقك عليا، سامحيني 

ضاقت أنفاسها من الألم لكنها استجمعت شجاعتها ودفعته ثم أشارت بإصبعها قائلة بقوة: بجح وواطي، أسامحك على إيه؟ أنا بكرهك أصلًا

تابعت باحتقار جلي فوق قسماتها: بكره نفسي وقلبي علشان حبيتك، لو رجع بيا الزمن مش هابص في وشك يا حقير

بصقت عليه ثم هرولت نحو الأسفل ولم تنتظر شيئًا من حديثه، بينما هو رمق طيفها بأعين منبعثة منها شرارات الغضب ثم مسح على وجهه مستطردًا بعصبية مفرطة: والله لهوريكي على لسانك الطويل ده.

****
بنظراتٍ تائهة، راقبت قطرات الماء وهي تتدلى من خصلاته السوداء على وجهه، ذقنه النامية والتي زادت من وسامته. اقترب منها وعلى وجهه ابتسامة هادئة جعلت نبضات قلبها تتسارع وطرقت الطبول حتى كاد أن يسمعها.

تبادلا النظرات للحظاتٍ كانت كالدهر لكليهما، قبل أن يردف مشاكسًا إياها: شكلي حلو، صح؟

شق ثغرها ابتسامة صغيرة قائلة بنبرةٍ هادئة لكنها جعلته هائمًا أكثر بها: طبعًا، جوزي أحلى واحد في الدنيا

مد أصابع يده ليزيل خصلة شعرها المتمردة، مرر إبهامه فوق وجنتيها بحنو، مغمغمًا بصوت رجولي جذاب: جوزك محظوظ علشان بقيتي جزء من حياته، ربنا يبارك لي فيكِ يا ورد

_" ويخليك ليا يا ربّ، عايزة أقول حاجة ممكن؟ " 

أومأ لها ثم طبع قبلة فوق وجنتها، مسترسلة بملل: حاسة إني عايزة أسيب الشغل، مش عايزة أكمل. هو الحمد لله كنت محتاجاه في فترة معينة علشان أنسى كل حاجة، بس خلاص كده 

جلس بجوارها فوق الفراش معقبًا بنبرةٍ تعقلية: ورد، مينفعش بعد ما خلاص عملتي لنفسك كارير ومهتمة بحياتك بدل الفراغ، تستسلمي لليأس كده، كملي وبطلي هرتلة فارغة 

رمقته بانزعاج فبتر حدتها معه بقهقة صخب جعلتها تبتلع لعابها وتبقى صامتة ترتشف من ملامحه، أرسل لها غمزة عابثة مستكملًا بتعالٍ: هاتحسد على فكرة بنظراتك ليا 

قذفته بالوسادة التي بجوارها ثم ضمها بقوة، احتضنها بين ذراعيه يبث بداخلها الطمأنينة التي انتزعتها منها الحياة والأمان المفقود قبل مجيئه.

ابتعدت عنه ثم وجهت له مستفهمةً: أنت بتعمل معايا ليه كده؟ ليه بتخليني أحبك وأحب طيبتك يا ماجد؟

_" علشان عايز أعوضك يا ورد عن الحزن اللي شوفتيه معانا، عن ندالة أخويا والكره اللي من ناحية أمي ليكِ مش عارف سببه، عن كل حاجة "

ابتسمت له بحبور مستطردة بفضول: ممكن أسألك سؤال؟ أخير والله

قهقه لتدخلها فيما لا يعنيها، لكن هذا الأمر بات محببًا بالنسبة له فتحدث بصبر: اتفضلي يا ستي، اسألي براحتك

_"أنت ليه كانت علاقتك بفريد مش إخوات، يعني ليه كنتوا بعيد عن بعض أوي؟ "

وثب واقفًا مبتعدًا عنها، فقال بوجع مبتلعًا غصة تشكلت في حلقه تحمل الكثير بين طياته: ببساطة علشان أنا اللي عايز كده يا ورد، بكرة العنصرية والتفرقة بسبب حب ماما ليه، دايمًا واقفة في صفه وسيباني، بمعنى أصح كانت بتكره حتى تحضني، تخيلي؟!!

ليتابع بمرارة وتحشرج حزين: كان بالنسبة لها إني بتدلع ومينفعش، لكن عند فريد حبيب ماما تحضنه وتبوسه عادي جدًا، مش بغير والله لكن أنا خلاص اتعلمت أكون لوحدي، حتى لو نزلت القاهرة وقعدت عندهم بقعد في أوضتي 

مستكملًا بهيام وعيناه تشع وميض العشق نحوها: لحد ما أنتِ جيتي يا ورد وبقيتي بتحضنيني عادي بدون ما أطلب حتى، فعلشان كده بحبك وبحب حنانك 

ابتسمت له ثم فتحت ذراعيها له، معانقة إياه بكل قوة، شاعرةً بالشفقة نحوه والوحدة التي استحوذت على حياته، لكنها وعدت ذاتها بأنها ستبقى معه ولن تتخلى عنه مهما حدث .. 

****

صعد الدرج بخطى سريعة غاضبة يرغب في الفتك بها مما فعلته، ولمعرفة "فرح" بأنه رجل متزوج، فقد أخبرها منذ مجيئها إلى هنا بأنه لا يجب أن تفشي هذا السر لأحد، والآن حبيبته علمت بذلك !! 

ركل الباب بقدمه ينفث غضبه، تقبع أمامه فتاةً في التاسع عشر من عمرها فوق الأريكة منكمشة على ذاتها، ملامحها باهتة، عيناها تحاوطها هالات سوداء كحياتها البائسة، ترتدي جلبابًا أبيض بأكمام طويلة، تاركة العنان لخصلاتها تتدلى بحرية عكس صاحبته. 

بنظرات متوجسة راقبت اقترابه منها، نازعًا إياها من فوق الأريكة لتقف على قدميها، شاعرة بارتجافة شديدة في جسدها تملكت بها وقبل أن يفتك بها، أسرعت بقولها المتلعثم: متزعقليش، أنا كنت بطمن عليك مش أكتر 

زفر بعصبية مشددًا على خصلاته بقوة قبل أن يهدر بها:  
مكالمتك دي ضيعت أهم لحظة في حياتي

تجمعت الدموع في مقلتيها ثم قالت بنبرةٍ خافتة: أنا آسفة، متزعلش منى 

"عايزة إيه مني يعني، بترني ليه؟"  

شعرت بالإهانة من صياحته غير المبرر لها، فتحدثت بهدوء عكس ما بداخلها: مش عايزة حاجة، تصبح على خير 

غضب من ذاته لفظته في الحديث معها، فلا يد لها بما حدث، لكن ما يحدث رغمًا عن إرادة الجميع.

بعد ثوانٍ هدأ قليلًا من روعته، مستغفرًا ربه، ثم صاح مُناديًا على المساعدة الخاصة بها لتلبي النداء في الحال بخضوع: كانت بترن عليا ليه يا حنان؟

بتوتر ونبرة خافتة أجابت: بصراحة يا أستاذ حمزة، أنا اللي رنيت 

رمقها بدهشة ثم قال باستخفاف: أيوة، عايزة إيه بقى؟ نسيتي تقولي نوع الشوكولاتة اللي عايزاه؟ 

كبحت ضحكتها على حديثه رغمًا عنها، معقبة بتوجس من معرفته بالأمر: مدام نورهان كانت هاتنتحر للمرة التانية، فعلشان كده كلمت حضرتك 

أراح ظهره فوق الأريكة مغمضًا جفونه ثم استطرد بيأس: أنا تعبت منها، مافيش أي استجابة للعلاج، وحقيقي فقدت الأمل في معالجتها 

غادرت "حنان" نحو غرفتها شاعرةً بالشفقة تجاه كلاهما، بينما هو تحرك من موضعه نحو غرفتها، طرق الباب وحينما أذنت له بالدخول، دلف ووجد عينيها مليئتين بالدموع، فتنهد متجهًا نحوها، ربت فوق ذراعها بحنو ثم أردف بتأني: طب بتعيطي ليه دلوقتي؟

مسحت عبراتها بظهر كفها ثم هتفت بنبرةٍ طفولية غاضبة: علشان أنت عمال تزعق وصوتك وحش

قهقه بخفة مستطردًا بدعابة: معلش أنا آسف، المرة الجاية هاجيب عمرو دياب يزعق مكاني

ضحكت حتى بانت نواجزها فقال بامتعاض: اضحكي اضحكي، رغم إني زعلان منك أصلًا

_"لأ متزعلش مني، أنا آسفة."

بنظرة نارية متوحشة وهدوء يسبق العاصفة أجاب: عايزة تنتحري ليه يا نورهان؟

ترقرقت العبرات في مقلتيها مرة أخرى ثم أردفت بوجع مستحوذًا عليها طوال الوقت: علشان أنا مش معايا حد، طول الوقت قاعدة لوحدي وأنا بخاف أقعد لوحدي يا حمزة.

هز رأسه بنفي ماسحًا عبراتها بإبهامه وأردف بأسف: حقك عليا بس غصب عني والله 

ابتسمت له كأن لم يحدث شيء، تذكرت صراخه قبل قليل بالخارج فتسألت: ولا يهمك، بس أنت ليه زعلان وكنت هتعيط قدام حنان برا؟ 

اشتدت الحرب وازدادت اشتعالًا حتى وصلت إلى أكثر نقطة مثيرة وهو همسه غير المبالي الذي يعبر عن نفس غاضبة: علشان حبيبتي اللي حكيت لك عنها عرفت إني متجوز وسابتني

كبحت ضحكتها من التباين، معقبة بتبرير: بصراحة، من كتر الرن عليك تقريبًا هي اتخنقت وردت على حنان، ولما عرفت إنك متجوز فضلت ساكتة 

ليتها لم تخبره بما حدث فقد زاد الاشتعال بداخله، تحدث بغيظ مكتوم: أعمل فيكِ إيه دلوقتي؟

أجشهت في البكاء وهي تقبض فوق ذراعه، تقول راجية: لأ، لأ، متضربنيش زي بابا، عمل لي تعويرة في جسمي ولسه مش عايزة تخف

أسرع بقوله المتلهف نافيًا: لأ، مش همد إيدي عليكِ متخافيش، أنا عمري ضربتك يا نور؟

هتفت على عجالة رافضة تأييد حديثه: لأ، أنت طيب مش زيه 

قهقه ثم قال وهو يتحرك إلى غرفته: طب كويس، يلا بقى غيري هدومك دي وتعالي نتعشى علشان مكلتش كويس، بوظتي لي اليوم يا فقرية.

ضحكت بصخب، راقبت طيفه حتى اختفى، فرفعت يدها لأعلى قائلة: ياربّ، اسعده وخلي السعادة ترجع حياته 

****

أصبحت الهزيمة في حياتها لا مفر منها، بات الخذلان كظلها، لم تعد تحتمل ما تمر به من وجع محطّم قلبها إلى أشلاء، التاع القلب من كثرة الحب المهترئ كأنها زرعت نفسها في أرض جرداء فذبلت!

ربما الابتعاد قاتل، لكنه أفضل من القرب بلا تقدير؛ كي لا ترسم في مخيلته بأنك لا تستطيع الاستغناء عنه ..

جلست شاردة منذ مجيئها من منزل عمها، روحها تتمزق مسلوبة منها دون إرادة، لا تعلم ماذا تفعل في حياتها فيما بعد، لكن أطرق بمخيلتها شيء واحد فقط وهو الرحيل إلى الخارج.

أدركت أن العمل والمغادرة عليها فعلهما منذ فترةٍ؛ لكن لا بأس، فالإنسان حينما يقف أمامه الحب عائقًا يتناسى ذاته .. 

تفكر دومًا بقلبها، لكنها ستتوقف عن التفكير به منذ الآن كي تعيش سعيدة ولو لمرة واحدة .. 

تنفست بعمق ثم وثبت واقفة كي تستعد للرحيل كما أخبرها عقلها، لكن طرق الباب جعلها تترك كل شيء بيدها وتذهب لترى من الطارق. ازدادت ذروة الغضب بداخلها حينما رأت وجهه البغيض أمامها. 

جاءت كي تغلق الباب في وجهه، لكنه دفعها للداخل فارتدت بقوة إلى الخلف فأطلقت شهقة فزع، توجست من قسمات وجهه التي انبعث منها شرارة الغضب نحوها، تراجعت بجسدها إلى الخزانة محاولةً استمداد القوة والأمان من جديد.. 

بتر فقاعة الغضب والخوف مناطحًا إياها بقوله: مش بتردي عليا ليه؟

يا للسخرية حقًا !!! 
يغرسون في حنجرتك غصة مريرة ثم يسألونك لماذا لا تتحدث؟

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه لتعقب بإزدراء: غيرت الخط، ولو سمحت اتفضل بره علشان مينفعش نبقى لوحدنا هنا

لاح بنظره صوب الحقيبة الموضوعة بجوارها على الأرضية فقال مستفهمًا: أنتِ رايحة فين بالشنطة دي؟

_" مسافرة "

كلمة واحدة جعلته يرغب في الفتك بها وجذبها إليه كي يفرغ ما بداخله من غضب سافر نحو أفعالها الطائشة، أجاب باستهزاء بعدما استوعب ما وقع على مسامعه: جات خبط لازق كده فكرة السفر؟

تجاهلت نبرته فتحدثت بنبرة جامدة: "أيوة هاسافر."

لتتحرك نحو الباب مشيرة بإصبعها: اتفضل اخرج علشان ميعاد الطيارة قرب 

تحرك بتأني ثم أمسك بحقيبتها ملقيًا إياها من الشرفة لتتسع عيناها، فصاحت به: أنت إزاي تعمل كده؟ أنت اتجننت!

كمم شفتيها بكفه كي تصمت عن هرتلتها، ثم أخذها عنوةً وجلسا سويًا فوق الأريكة. بعدما هدأ قليلًا من ذاته، تحدث بإيجاز مُسردًا عليها ما حدث معه: اللي متجوزها دي بنت خالي، بيكره البنات أوي، بيتهيأ له إنه لما بيضرب أي بنت وخصوصًا هي، يبقى كده بيستلذ بتعذيبها

مستكملًا بهدوء محاولًا التريث أكثر: ماما اقنعتني أتجوزها وفي نفس الوقت أعالجها علشان بقي تفكير الانتحار والاكتئاب مسيطر عليها طول الوقت. أنا مش متجوز غير بالاسم بس يا فرح، لكن صدقيني في نفس الوقت مش هينفع أسيبها لوحدها. أنا كده يبقى معنديش دم. أنا بحبك وكل حاجة بس مش هينفع أسيبها. نورهان من غيري تموت 

جحظت عيناها بشدة ثم انفرجت ضاحكة بهستيرية جعلته مندهشًا من فعلتها، تجمعت الدموع في مقلتيها ثم قالت بنبرةٍ موجعة: يعني إيه؟ يعني أنا طول حياتي مش هعرف أفرح؟ مش هحس إني بقي حد يبادلني الحب؟ ليه الدنيا مستكترة عليا الحب والسعادة؟ كأنها بتقول لي إلهي ما تشوفي غير الحزن بس 

تابعت باكية بحرقة: أنا تعبانة يا حمزة، كنت فاكرة إني اتعالجت وخفيت بس قلبي رجع يوجعني تاني.

أخذها في عناقٍ طويل فتعالت شهقاتها بنشيج جعلته رغمًا عنه تفر دمعة من عينيه مشفقًا على الجميع حتى ذاته !!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1