رواية وش الدهب الفصل الثانى بقلم حمدى المغازى
قفلت المحل ورجعت على البيت بعد يوم كله تعب، مقدرتش أحط أي لُقمة في بُقي، ونمت. شوفت نفسي واقف في المحل ماسك حتّة دهب في أيدي، كنت ببصلها وانا مبسوط، لحد ما فجأة النار مسكت في المحل، وحتة الدهب بدأت تسيح، كنت حاسس بسخونة الدهب وهو بيحرق أيدي، حاولت أبعدها لكن مقدرتش، أيدي كانت متكتفه، كأن قوة خفية اللي متحكمة فيها، حتى صوتي مكنش خارج، عاوز اصرخ وابكي من الوجع لكني مقدرتش، فضلت كده وقت طويل، لدرجة إن جلدي ساح وعظم أيدي بان وعليه الباقي من الدهب السايح، النور يدأ يرعش لحد ما كل لمبات المحل فرقعت، والمحل غرق في الضلمة، سمعت صوت من بعيد بيقول:
"الدهب له تمن، والتمن لسه مندفعش"
صحيت من النوع مفزوع وجسمي غرقان في العرق، فضلت أتحسس جسمي وابص على أيدي، كل حاجة كانت تمام. حمدت ربنا إني كنت بحلم، حطيت أيدي على الكومودينو لحد ما لمست كوباية الماية، شربت وقُمت من مكاني قعدت في الصالون لأن مجاليش نوم بعد اللي شُفته. ولعت سيجارة وخدت منها نفس وطلعته ببطء وأنا بقول لنفسي:
"الموضوع كده ميتسكتش عليه، ماهوَّ مش معقول عم عتريس يقول لي إن شافني واقف وسط نار والدهب بيسيح بين ايديا بعدها بيوم أشوف الكابوس ده، أكيد دي إشارة إن لازم اخد بالي من حاجة هتحصلي، أنا لازم أفهم"
فضلت قاعد مكاني بحرق في سجاير طول الليل لحد ما النهار طلع، قُمت عشان ادخل أغير هدومي فـ وقعت على الأرض. عيني كانت مزغللة ودماغي تقيلة من قلة النوم حتى جسمي ضعف من قلة الأكل ورجلي مكنتش شيلاني، سندت بأيدي على الترابيزة لحد ما قومت، مشيت ببطء.. دخلت الأوضة غيرت هدومي وخرجت. وقبل ما أوصل المحل لمحت من بعيد عم عتريس واقف قُدامه. كان باصص ناحيتي كأنه مستنيني أقرب علشان يقولي حاجة. كملت مشي لحد ما بقيت واقف على بُعد خطوة منّه، فجأة ملامحة بدأت تتغير، وشه ساح على بعضه زي ما يكون حد رش عليه ماية نار، عينيه أبيضت ونزل منها سائل أسود، وريحتة بقت بشعة، كأنك فتحت كفن على حد ميت.. وجثتة متحللة، أتكلم وقال بصوت أجش:
-الدهب له تمن .. والتمن لسه ما اندفعش.
شهقت، بعدها وشه رجع طبيعي تاني. ضربات قلبي كانت بتزيد مع كل نفس خارج منّي وهوَّ قدامي. حسيت بأيد اتحطت على كتفي، أتنفضت ولفيت وشّي عشان اتفاجيء بـ فارس.
-مالك يعم وشك أتخطف كده ليه تكونش شوفت عفريت؟
أنا فعلًا شوفت عفريت بس مكنتش هقدر اقول له كده ليفتكرني مجنون.
-لا ياعم عفريت ايه، أنا واقف بدردش مع عم عتريس شوية.
-عم عتريس مين؟ صباح الفُل انتَ واقف لوحدك.
رفعت ايدي ورايح اشاور له عليه عيني جحظت وبُقي اتفتح لما ملقتوش.
-ك .. كا .. كان هنا، كان واقف بيكلمني دلوقتي.
-استهدى بالله كده وتعالى ندخل المحل لأن شكلك تعبان ومحتاج ترتاح. هات المفتاح عنّك، هفتح أنا.
كنت ماشي مبلم وبقول لنفسي:
"معقول يكون كل ده كان وهم! طب إزاي والراجل كان واقف قدامي" تقريبًا صوتي كان عالي لأن لقيت فارس بيقول:
-انسى يا نادر، يمكن بيتهيألك، متنساش إنك لسه ناقل جديد، وتعبت الكام يوم اللي فاته، حاول متخليش التعب يأثر عليك. ولا يكونش كلام عم عتريس اللي قاله لك في اول يوم هو اللي عامل فيك كده ؟
-لا كلام ايه ده اللي بتقوله، بقى أنا هصدق في التخاريف دي برضه، الراجل ده مجنون وأنا مستحيل هدخله هنا تاني.
-دي حاجة ترجعلك، قولي أيه الأخبار معاك؟
-أقولك ايه بس ولا أيه.
-في ايه مالك ؟
-امبارح كنت بعمل جرد للبضاعة أكتشفت إن في سلسلة ضايعة، بصراحة شكيت في عتريس، ولما راجعت للكاميرات اكتشفت إنه ملمسش أي حاجة، كملت فرجة غلى الفيديو وفي حتة مُعينة، الشاشة اسودت، ومعرفتش أيه اللي حصل.
-بصراحة أنا مش قادر افسر اللي حصل، على العموم ربنا يعوض عليك.
خرج فارس من المحل وأنا كملت شُغلي بشكل طبيعي، لحد ما الدنيا ضلمت، نضفت المحل كويس عشان أقفل وامشي، خرجت وقفلت كويس ولسه بلتفت لقيت عتريس قُدامي، وشه كان مخطوف وباين عليه الخوف.
-انا عرفت الحقيقة كلها.
-حقيقة ايه يراجل يا مخبول انتَ؟
-المحل اللي انتَ أشتريته ده ملعون، انا رؤيتي عمرها ما خابت،
أنا شوفت كل اللي هيحصل، هيختفي من المحل كل يوم حتة دهب، لحد ما انتَ تخسر كل اللي حيلتك، ووقتها أنتَ هتموت بحسرتك وانتَ ماسك اخر حتة دهب باقية. والمحل هيولع بيك والدهب هيسيح بين ايديك.
وشي شحب وشعر ايدي وقف من الخوف، ده تقريبًا نفس الحلم اللي شوفته، بس كان لازم أتأكد من كلامه الأول عشان أشوف هعمل ايه، زقيته من وشي فوقع على الأرض، فتحت المحل تاني وعملت جرد للبضاعة كلها، اكتشفت إن في حتة دهب ناقصة، فرغت الكاميرات وبرضه بتيجي عند حتة مُعينة والشاشة تسود، قفلت المحل تاني وخرجت، لقيته لسه مستنيني. مكنتش عارف أتكلم حسيت إن لساني أتشل.
-أتاكدت من كلامي؟
-أيوة، والحل أيه؟
وقبل ما ينطق، عينيه أبيضت، وفضل يصرخ ويتشنج كأنه بيقاوم قوة خفية رافض إنها تتحكم فيه، خرّج لسانة بره بُقه وشده بأيده لبره أكتر، وفضل يضغط بسنانة عليه بمنتهى العُنف، الدم غرق ايديه وسنانة، ونزل على دقنه حولها للون الأحمر، كنت واقف متكتف مش قادر اتحرك أو أصرخ من الرعب اللي حاسس به، فضل على الوضع ده لفترة، لحد ما قطع لسانة ووقع على الأرض والدم مغرق جسمه. مقدرتش أتحمل، جريت على البيت وانا جسمي كله بيترعش، مقدرتش أنام الليل بسبب اللي شُفته، منظرة وهو بيقطع لسانه مفارقنيش، الشمس طلعت وأنا قاعد بفكر، أيه اللي ممكن يكون عمل فيه كده؟ مكنتش لاقي إجابة، قررت إني لازم أحكي لفارس، هوَّ قديم في المنطقة وأكيد يعرف حاجة، خرجت من مالبيت وقابلته وحكيت له كل اللي حصل من أول الحلم لغاية اللي حصل ليلة امبارح لعم عتريس.
تعابير وشه اتغيرت بلع ريقة وقال:
-أنا هحكيلك كل اللي اعرفه، بس صدقني أنا مكنتش أعرف إن الحاجات دي بجد، وكنت بقول مجرد إشاعات عشان محدش ياخد المحل. من ٣٠ سنة المحل ده كان بتاع الخواجة ماركو، أستقر في مصر واتجوز وخلف، ولما مات، إبنه كمل من بعده، لكن الثروة اللي ابوه كان سايبها مقدرش يحافظ عليها بسبب جريه ورا النسوان، وسنة ورا التانية، الفلوس بدأت تقل معاه، والخسارة كانت بتزيد أكتر واكتر، بقى يستلف ويجيب دهب وميسدش، واتقال والله أعلم، إنه لاف على واحدة بنت كارنا إسمها "مستكة"، غواها بأسم الحب، وضحك عليها، وخد اللي وراها واللي قدامها، وكبر المحل تاني وخلاه أحسن من الأول، بس لحظّة المايل، إن البنت دي ستها كان ليها في الأعمال، البت بطريقتها قدرت تاخد حاجة من أترة وتديها لستها، عملت له عمل بالخراب والفقر والموت، صحينا في يوم على صوت صريخ في الشارع، كان وقتها عندي ياجي ١٥ سنة، نزلت وجريت مع اللي بيجروا، لقيت المحل كله مولع والواد جواه، حاولنا نخرجه لكن محدش قدر يوصله وفضل جوا لحد ما جثته اتفحمت، ومن يومها، طلع كلام كتير إن المحل بيتسمع في أصوات صراخ، واللي بيقول المحل اتلعن بروحة أو بالجن اللي أتحضّر عليه، المحل أتعرض للبيع، والناس كلها خافت تقرب منّه، لكن يشاء القدر وبعد المده دي كلها تيجي انتَ وتاخده.
-وانتَ مقولتليش ليه من الأول؟
-أنا نفسي كنت بقول إشاعات واكيد مفيش حاجة، ماهو مش عشان شخص مات في مكان، المكان يتلعن، لكن بعد اللي حكيته انا صدقت إن المحل ده فيه حاجة غلط.
-طب والعمل أيه دلوقتي؟
-أنتَ لازم تاخد حاجتك وتسيب المحل، لأن التمن لسه مندفعش وياخوف تدفعه انتَ.
-تمن أيه؟
-الحاجة اللي خدها إبن الخواجة من مستكة.
-وهو في تمن يدفعه أكتر من حياته؟
-وقتها الروح لوحدها مكنتش كفاية.
سبته وجريت على المحل، حاولت ألم اللي أقدر عليه، كنت حاسس إن في كارثة هتحصل، وقبل ما أخلّص، السلوك طلعت شرارة، عملت نار ومسكت في المحل، الكهربا قطعت لكن المحل فضل منور بسبب النار القايدة، الدخانة ضربت في مناخيري ونفسي ضاق، النار كانت بتقرب منّي، كنت حاسس بسخونتها على جسمي، حاولت أصرخ وانادي على حد يلحقني، لكن صوتي مكنش خارج بسبب الدخانة اللي كتمت نفسي، النار بتقرب أكتر وبتاكل كل اللي قدامها، وأنا واقف عاجز مستني مصيري، لحد ما سمعت صوت، صوت انا عارفه كويس، ده فارس، وسمعت بعدها أصوات متداخلة كتير لناس بتحاول تساعدني، روحي بدأت تتسحب منّي، وعيوني بتقفل ببطء، ضربات قلبي بتقل، وجسمي حرارته بتعلى، آخر حاجة شوفتها فارس وهوا بيصرخ وبيطلب الإسعاف، بعدها كل حاجة اسودت.
***
-حمدلله على سلامتك يا نادر.
-هو ايه اللي حصل؟ أنا آخر حاجة فاكرها النار ماسكة في المحل.
-ربنا يعوض عليك. كان دين ولازم يندفع. وبعد العمر ده كله القدر يخليك انتَ اللي تدفعه.
"تمت"