![]() |
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثالث 3 الفصل الثاني بقلم فاطيما يوسف
كيف للحياة أن تفعل بنا هكذا ؟!
تشكلنا كيفما شائت ووقتما حددت وبما أرادت ؟!
تارة تمنحنا السعادة وفي نفس الوقت تسلبها من بين أيدينا ،وتارةً تُلقينا في غياهب الحزن دون سابق إنذار، كأن الفرح كان وهماً عابراً
نُقاوم ونتشبث بالأمل، لكنه أحيانًا يذبل في قلوبٍ أنهكها الانتظار، فنمضي مُثقلين بالحنين، نحمل في أرواحنا ما تبقّى من فتات الحلم.
#بقلمي_فاطيما_يوسف✍️✍️
ـ مالك يا "عمران" يا ولدي شايفاك حيران وتايه على طول ووشك الضحكة ما عادتش تزوره واصل ،مالك يا ولدي فضفض لامك ؟
تنهد "عمران" بحسرةٍ موجعة، وحرقةٍ دفينة، وكأن قلبه مثقل بجبالٍ من الهموم، يحمل خيبته في صدره كرجلٍ استُنزفت منه الحياة، يرى شبابه يتسرب من بين يديه، وعشقه لزوجته ينهار أمام عينيه دون أن تستطيع حتى رؤيته، حتى والدته التقطت إشارات البؤس المرتسمة على وجهه، من نظرات عينيه المليئة بالخذلان، بينما زوجته لا تهبه سوى نظرة أو ابتسامة يتيمة كل حين، يقضي ليلة يتحايل عليها فقط لينال لحظة قرب، ثم ترحل عنه في هدوء، وها هو يُنكر حزنه، يطوي قلبه الجريح ليرد على أمه بصوتٍ مجهد:
ـ لااه يا أمي ما تقلقيش، بخير وزين، الحكاية كلاتها إن الشغل تاعبني شوي ، وكمان الفَرسات شكلهم جايلهم دور شديد من اللي هيمشي اليومين دول، وحالهم يصعب على الكافر، وآديني استدعيت "محمد" صاحبي، هيشوف لي دكتور كويس بيطري من اللي يعرِفهم ياجي يطمَني عليهم .
ربتت والدته على ظهره بحنانٍ يشوبه القلق، تقرأ حزنه ككتاب مفتوح، تعلم أن ابنها لم يعد سعيدًا بزواجه، مذ انشغلت زوجته بالأولاد وغيّبته عن أولوياتها، لكنها رغم معرفتها للسبب آثرت ألا تتدخل في ما بينه وبين زوجته، خشية أن تزيد جراحه نزفًا:
ـ طب يا ولدي، الدور دي ما هيخفش من مرة واحدة، لازمهم دكتور يعاينهم و ياخد باله منيهم علشان يشفوا من الحُمى، أنت عارف إنها هتقعد حداهم بالشهور، وكمان الفرسات عددهم زاد ما شاء الله، وعشان اكده لازمهم داكتور يراعيهم على طول، وما يهملهمش واصل .
طمأنها "عمران" بصوتٍ خافت، بينما هو يتناول فنجان القهوة بلا رغبة، فكل تفاصيل حياته باتت تُؤدى دون شغف، كأن النبض قد غادره مذ ابتعدت عنه زوجته:
ـ ما هو دي اللي هيوحصل يا أمي، "محمد" هيجيب الداكتور، وزمانهم جايين في الطريق، واتفق معاه إنه هيقعد معانا في الاستراحة، ويوبقى يروح إجازاته كل أسبوع لو حب، هو قال لي إنه مش متجوَز، زمانهم على وصول دلوك .
هزّت رأسها بتفهمٍ وهي ترى أن جفاف ردوده لم يأتِ من فراغ، بل من زواجٍ فقد طراوته ولكن حاولت طمئنته بحنو:
ـ زين يا ولدي، ربنا يكتب لك الخير، ويبعد عن فرساتك كل شر، أنت هتحبهم وهتراعيهم كيف ولادك، وعمرك ما هملت فيهم واصل، وعلشان اكده، ربك ما هيضركش فيهم ابدا اطمَن يا ولدي .
وافقها بصمت، وقبل أن يستطردا دخل الغفير من الخارج لينادي بلهفة:
ـ يا "عمران" بيه، يا "عمران" بيه، الدكتور "محمد" وصل، ومعاه الداكتورة البيطرية اللي هتكشف على الأحصنة .
جاء رد فعل "عمران" وأمه سريعًا، وقد علت على وجهَيهما علامات الدهشة:
ـ داكتورة؟! كيف يعني؟ يا واد، اللي جاي معاه الدكتور دي راجل مش ست؟!
دخل "محمد" يبتسم وهو يلقي السلام ثم التفت إلى "عمران" متهكمًا:
ـ والله اللي لقيته قدامي ممتاز، وكل أصحابي شكروا فيها وقالوا إن دي المتخصصة الوحيدة في علاج الحُمى عند الأحصنة، لأنها أصلاً رسالة الدكتوراة بتاعتها كانت عن اكده، فما تقعدش تلوي بوزك وتعمل لي حوارات، احمد ربنا إني لقيت حد يقعد عنديك في الاستراحة ويشتِغل معاك، كلهم متجوَزين ومش قادرين يسيبوا بيوتهم، هي الحمد لله، لا متجوَزة ولا حداها عيال هيقرفونا كل شوي .
لَوَى "عمران" شفتيه بضيق، فبادرت والدته بالترحيب:
ـ يا أهلاً يا ولدي، أنت وضيوفك تنوروا وتشرفوا، على راسنا من فوق، أمال هي فين الدكتورة، وديتها فين؟
أجاب "محمد" ضاحكًا:
ـ وديتها الاستراحة، على ما أشوف رأي الأستاذ "عمران" اللي واخدني وش اكده على طول، مش كفاية إنه مرمطني معاه في حواراته اللي ما هتنتهيش، وفي الآخر، لا رحّب ولا جاب لي قهوة، ودماغي هتنفجر من جواها، يرضيكي اكده يا حاجة؟
ضـ.ـربت "زينب" على صدرها استنكارًا:
ـ في دي عنديك حق يا ولدي، المفروض كنا نقول اتفضل الاول، وأني هقوم أعمل لك القهوة بنفسي، وبعدين ما انتاش غريب يا "محمد" يا ولدي، أنت صاحب مكان .
ثم نظرت إلى ابنها تسأله:
ـ ولا تحب يا ولدي أعمل القهوة ليكم أنتم التلاتة، وأجيبها لكم بره، علشان الضيفة ما ينفعش تقعد لوحدها، اكده هتقول علينا إيه؟
نهض "عمران" من مجلسه موافقًا:
ـ عِندك حق يا أمي، إحنا هنخرج بره للداكتورة، وإنتي اعملي القهوة وهاتيها لنا، وتسلم يدك يا ست الكل.
سبقهم "محمد"، وقبل أن يتحرك "عمران"، اقترب منه "محروس" الغفير، وهمس بنبرة مشاغبة وعينين زائغتين:
ـ جهز نفسك يا "عمران" بيه، ده أنت خارج على صاروخ أرض جو، حتة داكتورة كأنها نازلة من الجنة، كأنها كانت عايشة مع الحور العين، الله يعينك على اللي هتشوفه .
اتسعت عينا "عِمران" من كلامه، وهاجمه بنظراته قبل أن يوبخه:
ـ وه اتحشم يا "محروس" يا أبو عقل مفوت، حور عين مين وصاروخ إيه؟
اتجنيت إياك في عقلك من كتر ما بتتفرج على الفيديوهات على البنتَّة في المحمول بتاعك المخروب، دي هتفكِر كل الناس زيك؟ امشي يلا روح على الفرسات شوفهم عطشانين جعانين، واللي تعبان فيهم تاجي تبلغني على اللي فيه طوالي.
خرج "عمران" ليقابل "محمد" والدكتورة، وتلقائيا نظر من بعيد لمحها، ترتدي بليزر أبيض فوق بيزيك أزرق، وربطت حجابها للخلف، ينسدل من تحتها خصلتان ناعمتان من شعرها، لمح ملامحها، فوجد فيها جمالًا لا يخطئه القلب، وتذكر كلام "محروس" عنها، فاستغفر ربه، وواصل السير نحوهم، يلقي السلام بصوته الوقور:
ـ السلام عليكم ورحمة الله، نورتي بيتنا يا داكتورة، إن شاء الله تكوني مرتاحة اهِنه في بلدنا .
ردت بهدوء، وعينيها تمشط المكان دون أن تلتقي بعينيه:
ـ وعليكم السلام ورحمة الله، البيت منور بأصحابه يا باشمهندس، الحمد لله، كل أماكن ربنا حلوة.
بادر "محمد" بالتعريف بينهما:
ـ دي الدكتورة "نور جمال القاضي"، دكتورة مصرية، عندها 30 سنة، وجت اهنه قنا من سنتين، اشتغلت في العيادة البيطرية في الوحدة الصحية، وفتحت شقة بسيطة بتستقبل فيها الحالات، وما بتعزش نفسها عن حد واصل .
ثم أشار إلى "عِمران" معرفًا به:
ـ وده الباشمهندس "عمران"، المكان ده ملكه، والمزرعة اللي فيها الأحصنة ملكه، وتقريبًا جالهم الحمى زي ما شرحت لك، وكمان هو عايز يعينك المسؤولة عن المزرعة ورعاية الأحصنة، وهيديكي اللي انتي عايزاه، وطبعًا مكان المبيت موجود، وانتي اهنه في بيت الكرم، بيت الحاج "سلطان" والحاجة "زينب"، ناس عمرِك ما هتلاقي زيهم واصل.
خرجت "زينب" بالقهوة، وأبصرت "نور" لأول مرة، فانبهر قلبها بجمالها، ثم نظرت نحو غرفة "سكون" وأولادها، وتنازعها القلق، فالجمال الطاغي القادم إليهم اليوم لا يبشِّر بالسكينة، وقدّمت القهوة، وتحدثت مع "نور" قليلًا، فوجدت فيها أنوثةً ودلالًا وأدبًا، لم ترفع عينيها لا على ابنها ولا على "محمد"، لكن القلق تسلل إلى قلبها، وقررت أن تنصح قبل أن يقع المحظور، فيما كانت "نور" تستعد لجولة تفقدية، ورافقها "عمران" و"محمد" لتفقد المزرعة.
***********
خرجت "رحمة" من بوابة المحكمة وسط هدير الصحافة وعدسات التصوير التي لاحقتها حتى وصلت إلى الرصيف المقابل، حيث كان "ماهر" واقفًا، بذراعين متشابكتين وصدرٍ يعلو ويهبط كأنما يتنفس نـ.ـارًا لا هواء
وجهه متجهم كسماءٍ على وشك الانـ.ـفجار، وعيناه تتقدان بعاصفةٍ من الغيرة والغضب والخوف في آن، لم يتحرك نحوها، بل ظل ينظر إليها بصمتٍ مشحون، كأنما يلومها بصدره قبل لسانه ،
أما هي، فما إن رأته حتى توقفت خطواتها للحظة، لم تبتسم، لكنها لم تتراجع، بل تقدمت نحوه بخطى ثابتة، وكأنها ذاهبة إلى امتحانٍ أخير لا تخشى نتائجه فهي اعتادت على خناقه وغيرته العمياء وتحكمه بها دوماً ،
اقتربت منه حتى أصبحت أمامه تمامًا، مسحت بأناملها على حجابها، ثم نظرت إليه نظرة الواثقة التي لا تعتذر عمّا فعلته، لكنها تفهم تمامًا كم أثّر ذلك عليه ،
كأنما أرادت أن تسبق كلماته بما لا يُقال، لكن "ماهر" لم يصبر، نطق أخيرًا، وكان صوته كجمرٍ مشتعلة تحت جليد الكلمات:
ـ يعني اكده بردو يا "رحمة"؟ تنزلي القضية دي من ورايا؟ وتروحي المحكمة وتدخلي وسط تهديدات ومعارك من غير ما تسيبي لي حتى خبر؟ هو أنا بقى مليش كلام عليكي يا هانم مع اني محذرك ومنبه عليكي ترفضي القضية داي إنتي مش قد الناس دي ولا قد دمارهم ولا الخراب اللي هيحصل لنا من وراهم .
كلماته خرجت مخنوقة بالوجع و الغضب وهو يضع ابنته أمام عينيه فهو منذ ان أتت إلى الدنيا وأنارت قلبه بات قلبه يخاف عليها بشدة ويخاف من اي ظروف تجعلها في خطر فــخط المحاكم ضغيف أمام ابنته بشدة ،
كان قلبه يعتب أكثر مما يثور، عيناه كانت تتفحص وجهها بغضب شديد بسبب عصيانها لأوامره معها ولكنها دوما شرسة ولن تستكين ابدا ،
ثم أحنت "رحمة" رأسها قليلاً، ورفعت عينيها في وجهه بثبات، لم تهرب من المواجهة، ولم تلِن ملامحها، بل حملت له ما يكفي من الكبرياء والحب في آنٍ واحد وهي تتشبس برأيها ولم تهتز لغضبه ولكن نبرتها كانت هادئة فهي ذكية جداً في معاملة ماهرها :
ـ مش اكده يا "ماهر" بس أني ما عرفتش أبلغك علشان عارفاك كنت هتمنعني، وأني ما كنش ينفع أرجع لورا، مش بعد ما وصلت للحقيقة وبراءة المظلوم هسيبه ينعدم اني في مدرسة خط المحاكم متعوَدتش على اكده و
واصل ولا ايه ؟
ابتعد "ماهر" خطوة إلى الوراء، كأنما كلمتها دفعته، تشتعل في داخله نـ.ـار لم تهدأ، نـ.ـار الغيرة والخوف والفقد في لحظة واحدة:
ـ وانتي شايفة إني لما أمنعك أبقى ضدك؟ أني كنت عايز أحميكِ يا "رحمة" من ناس مش بتهزر، ناس ممكن يئذوكي بجد مش كلام تهديد وخلاص ، اني خايف عليكي لكن حضرتك مش في دماغك ويولـ.ـع "ماهر" على اللي جابوه بسبب عنادك وفتحة صدرك دي لأي تيار مهما كانت قوته .
وأكمل بغضب شديد وهو يهدر بها بحدة وقد سحبها من يدها وأدخلها سيارتهم بحدة أرعبتها قليلاً ولكنها لم تظهر ذلك :
ـ انتِ ازاي اصلا اقول لك ما تعمليش حاجة وتروحي تعمليها ؟
ازاي امنعك عن قضية وتروحي تشتغلي عليها؟
ما اني قلت لك ابعتي لي ملفات القضية لو ضميرك ناقح عليكِ قوي واني هشتِغل عليها بنفسي عملت لي فيها الشجاعة اللي محدش زيها وقلتي لي ما لـقيصر لقيصر وما للروم للروم !
وساعتها نبهت عليكي بسبب انك مش بتسمعي الكلام انك ما تدخليش القضية داي وبرده استغليتي سفري ورحتي اشتغلتي عليها من ورايا والله يا "رحمة"ما هفوتها لك .
اقتربت منه خطوة، وحدقت في وجهه بقوة كأنها ترسل إليه كل ما لم تقله بعد، ثم رفعت كفها وكادت تضعه على صدره، لكنها توقفت وقالت:
ـ وأني شايفة إنك لو بتحبني لازم تثق فيا، تثق إني أقدر أواجه، إني ما بخافش ولا بنكسر، ولو كل مرة خوفتك من الوجع خلتك توقفني، عمري ما هحقق اللي أني داخلاه بكل دمي وقلبي ولولا فتحة صدري ما بقيت "رحمة سلطان ديفا المحاكم"
شدّ "ماهر" قبضتيه بجانب جسده، من غضبه منها، وعجزه أيضاً عن السيطرة على قلبه الذي يرتجف خوفًا عليها، من حبه الذي يشتعل فيها حتى يكاد يـ.ـحرقه:
ـ أني مش قادر أتخيلك في خطر يا "رحمة"، ولا قادر أتحمل فكرة إن حد يهددك حتى بكلمة، انتي مراتي، وحياتي، ولو اتأذيتِ والله ماهنعرِف نعيش لا اني ولا بنتك ، إنتي ازاي مش حطاها في اعتبارك وكانها هوا بالنسبة لك ؟!
واسترسل بعيناي يملؤها الحزن وهو يقترب منها ويضع جبينه على جبينها ويديها تتمسك برقبتها من الخلف بعنـ.ـنف وشفاه تلفح وجنتها تارة وجبينها تارة وهو يتذكر حياته السابقة قبلها وما حدث له بسبب عناد زوجته معه :
ـ يا "رحمة" اسمعي كلامي اني خايف عليكي وعلى حياتنا وبنتنا ،الشغلانة داي خطر وانتي داخلاها عند وتحدي قبل ما يكون نجاح مش هتحمَل يحصل لكم حاجه انا فقدت قبل اكده أعز ماليا بسبب عنادها ،ارجوكِ انتي كمان ما تعانديش لو حصل لبنتنا حاجة بسبب عنادك عمري ما هقدر اسامحك.
نظرت إليه، بعينين تشعان بحنان لم تنساه الأيام ولا الحروب، وابتسمت ابتسامة شاحبة وهي تحاول ان تطمئنه بمكر ودهاء أنثوى كي يهدأ من ثورته :
ـ طيب يا "ماهر" اسمع، أني لما قبلت أتجوزك ما قبلتش أكون ست ضعيفة تقعد في البيت وتستخبى، أني اخترتك علشان نكمل مع بعض، مش علشان تمنعني، أني محتاجاك في ضهري مش قدامي كحاجز وبنتنا مالها ما هي زي الفل ومحدش يقدر يمسها واصل واني هخاف عليها زيك بالظبط ويمكن اكتر أني أمها ،
وأكملت بعتاب ممزوج بغيرة عنيـ.ــفة وهي تلكمه على صدره بقبضة يديها الصغيرة:
ـ وبعدين متجيبش بعد اكده سيرة المرحومة يا إما هزعل منك ، متتحسينيش انك لسه هتموت عليها وعلى فراقها اكده بتخليني أقيد نـ.ـار من جوايا يا "ماهر" ونـ.ـار غيرتي مهتتحملهاش واصل يابن الناس .
اقترب منها فجأة، دون وعي، وضع إصبعه على شفتيها وكأنما يختبر أمانها بجسده، وقال بصوت خفيض مرتعش لامرأته التي يعشقها بجنون وهو يجعلها تنظر لعينيه وجبهته مازالت ملتصقة بجبهتها :
ـ لو في قلبي عاصفة فدي بسببك، انتي بتغيري فيا حاجات كَتير، أني طول عمري بعرِف أواجه أي خصم إلا خصم جوايا بيقول لي إنك ممكن تتأذي في لحظة وأنا مش جنبك ، اني هحبك وهخاف عليكي يا "رحمة" افهمي بقي اني أدرى منك بالعالم دي .
رفعت "رحمة" يدها ببطء، وضعتها على وجهه، مسحت بها على جبينه برفق كأنها تروي شقوق روحه، وقالت بصوت مفعم بالثقة:
ـ أني مش هتأذي طول ما انت جنبي، بس خليك جنبي سند مش مانع، خليك السـ.ـلاح اللي بحمي نفسي بيه مش القيد اللي بيمنعني أتحرك ، انت بالنسبة لي الحصن الحصين من اي أعداء ، أنا بتحامى في حضنك قبل اسمك يا "ماهر" .
نظر إليها "ماهر" مطولًا، ثم أطلق تنهيدة طويلة كأنها أخرجت من صدره حجرًا ثقيلًا، وغمغم:
ـ أني هغير عليكي بجنون يا "رحمة"، وأكتر حاجة بتقتـ.ـلني فكرة إنك تتأذي وأني ساكت ، فكرة إن راجل يقف قدامك اصلا ويوجه ليكي كلام وتهديد بتمـ.ـوتني من جواي بالبطئ .
ابتسمت، واقتربت أكثر، وهمست له بنعومة وهي تقبله جانب شفتيه:
ـ طيب ما تبقاش ساكت، بس خليك واعي، خلي عينك وقلبك يحكمو ليا بالنجاح اللي وصلت له في الفترة القليلة داي ، وأني هعرِف كيف أحافظ على نفسي وبلاش تقلق علي قووي اكده .
لحظة صمت جمعت بينهما، صمت فيه كل الكلام، وكل الغضب، وكل الخوف، ليبقى فقط ما بين نظراتهم، تعاهد صامت على الاستمرار، وعلى الوقوف معًا، لا فوق بعض ،ثم أمسكت بيده، وسحبته برفق قائلة بدلال ونعومة وكأنها تعزف على غضبه بألحان الأنثى الناعمة التي يحتاجها الرجل في ذاك الوقت:
ـ تعالى، روحنا محتاجة تهدى، وأني محتاجة أشرب قهوتي معاك من غير لا قضايا ولا عراك وانسى يا روحي الحوار دي ،
وأكملت وهي تقبله جانب شفتيه مرة أخرى وهمست في أذنه بدلال ونعومة جعلته يبتلع ريقه بصعوبة من دلالها وهمسها فحقا ذكية وماهرة بل داهية كبيرة تلك الصغيرة الماكرة ففي لحظة أبدلت غضبه لصالحها :
ـ وبعدين انت وحشتني قووي غايب عن رحمتك بقى لك أسبوع ونفسي قوي في حضنك اللي بحس جواه إني طفلة جوة حضن أمانها وغرامها ، اني كمان هحبك وهعشقك ياقلب "رحمة" .
ومضيا سويًا، وخلفهما الليل بدأ يلملم وشاحه، بينما بين أيديهما خيطٌ دافئ، يُخيط الشرخ الذي أحدثته المعركة، ويرسم بداية لمعركةجديدة فيها، لا في مواجهة بعض، بل في صفٍ واحد وقد أدارت الديفا اللعبة بخيوط من الدهاء مع ذاك الشرس العنيد بكل مهارة وفازت هي بتلك الجولة وأُضيفت إلى جولاتها مع ذاك الخط ، فهما خصمان لا يلينان، كلٌّ منهما يملك صلابة لا تُقهر، وشرارة لا تنطفئ، هو الشرس الغيور الذي لا يهدأ له بال حتى ينتصر، يطارد الحقيقة كمن يطارد ضوءًا في العتمة،وهي العنيدة القوية، لا تنحني أمام الرياح، ولا تخشى الوقوف وحدها في وجه العاصفة ،تصطدم أرواحهما كما تصطدم الأمواج بالصخور، وكل منهما لا يعرف سوى لغة التحدي والبقاء.
*******
بعد مرور شهرين على تلك الأحداث في منزل "سلطان"لم تكن جلسة "زينب" اليوم أمام "سكون" جلسة اعتيادية تحمل طابع الحماة وزوجة ابنها المألوفة ، بل كان في خطواتها ما يشبه الحِمل الثقيل الذي اختزنته في صدرها طويلًا، حتى آن الأوان لتطرقه بحذرٍ لا يُخفي قلقًا دفينًا. جلست "زينب" على الأريكة القريبة من النافذة، تُقلّب نظرها في ملامح "سكون"، تلك التي لم تعد كما كانت في بدايات الزواج، وراحت تفتح الحديث بنبرة أم لا تزال تحمل بعض الحنان رغم ما تحمله من ملامح اللوم:
ـ كيفك يا "سكون" يا بتي طمنيني عنك وكيف الولد عاملين ايه وياكي تاعبينك اكيد وانتِ ما رايداش حد يتدخل في رعايتهم غيرك ؟
تبادلت "سكون" معها النظرة بابتسامة هادئة متماسكة، تتكئ على قدرٍ من التعب الممزوج بالرضا، نظرت إلى أطفالها وهم يتقافزون حولها، ثم التفتت بهدوء إلى حماتها، وأجابت بحنو:
ـ الحمد لله يا ماما الحاجة الأولاد بخير زي ما انتِ شايفة اهم قاعدين حواليكي وصحتهم كويسة الحمد لله وبعدين احنا بنقعد وياك طول النهار وبنطلع يا دوب على الليل .
تأملت "زينب" الإجابة بعينين لا يسكتهما الظاهر، كانت تنظر أبعد من الكلمات، تفتّش في نبرة الصوت عن تلك الشرارة التي بدأت في الاختفاء، ثم قالت بجديّة فيها كثير من الأمومة وقليل من الصبر:
ـ باختصار اكده احوالك مش عجباني يا "سكون" يا بتي انتِ كيف "حبيبة" و"رحمة" بناتي يوم ما هيعملوا حاجة غلط او الدنيا تلهيهم عن اللي ليهم واللي عليهم هنصحهم وهرجعهم عن غلطهم اني كنت ساكتة وما رايداش اتدخل في اللي ما يخصنيش لكن الحال ما يسرش ابدا .
لم تستوعب "سكون" بعد حجم ما يُقال، إذ أن صوت "زينب" بدا كأنه يحمل عتابًا مفاجئًا غير مألوف، فارتسمت علامات الاستفهام على ملامحها، وردّت متسائلة، وفي صوتها لهجة مستغربة لا تخلو من الحذر:
ـ في ايه بس يا ماما الحاجة ايه اللي حوصل لدي كلاته ؟!
اني شايفه ان الدنيا تمام ومفيش مشاكل ولا حاجة واصل علشان تشيلي نفسك الهم من تلاي .
لكن "زينب" لم تكن تتحدث من فراغ أو شكوك عابرة، بل من خوف ناضج ترسّب في قلبها من خلال مراقبة طويلة، فألقت كلماتها التالية بثقل امرأة تعرف ما تقوله وتعرف إلى أين يمكن أن تصل الأمور:
ـ يووه يا بتي للدرجة دي الغشاوة عامية عينيكي يا بتي ،حابي على طيرك في عشك لا يهملك ويطير لغيرك، حابي على جوزك يا بتي لساته صغير وفي سن الاربعين يعني عز شبابه اللي الراجل محتاج مرتَه توبقى ونسه، ما تفارقهوش ولا ليل ولا نهار وانتِ طول النهار ساحلية حالك تحت رجلين ولادك وعلى الليل تطلعي تنامي جارهم وتسيبي جوزك بالشهور ما تراهنيش على صبره يا بتي .
رغم الهدوء الظاهر في وجه "سكون"، إلا أن قلبها انكمش من وقع الكلمات، إذ لم تكن تتوقع هذا الاتهام الضمني بالإهمال، فرفعت رأسها بشيء من التحدي وقالت بانفعال غير متعمّد:
ـ وه كيف الكلام دي يا حاجة؟!
"عمران" لا يمكن ابدا يبص لحد غيري ولا يمكن يشوف ست في الدنيا تملا عينيه غير "سكون" كانك ما وعياش هتتحدتي عن مين واصل ؟
ردة فعل "سكون" لم تُربك "زينب"، التي كانت تُدرك أن الحب وحده لا يحمي البيوت، بل إن رعاية التفاصيل الصغيرة هي الحصن الحقيقي، فمالت بجسدها إلى الأمام، ونظرت في عيني "سكون" نظرة مباشرة وقالت بتصميم:
ـ لااه انتِ اللي ما وعياش يا بتي ان البَعيد عن العين بعيد عن القلب وانتِ بعد ما كنتي هتدي لجوزك كل وقتك ليلك ونهارك وكل اهتمامك فجأة من يوم ما ولدتِ عيالك من سنين وانتِ هتراعيهم ورافضة أي حد فينا يتدخل وياكي في مراعيتهم واني عذراكي لأنك اتحرمت من ريحتهم سنين ومن حقك تخافي على ولدك؛ لكن برده خافي على جوزك، خافي على إنه يطير من يدك ويروح يدور على عش تاني يحتويه، الراجل يا بتي بيحب اخر الليل يرجع عشه يلاقي وليفه مستنيه ببسمة حلوة ونظرة تخليه يحس ان لساته مرغوب فيه؛ لكن انتي يا بتي بعدتي خالص وما تلوميش اللي حالك لو حوصل حاجة وجوزك شاف راحته في حضن غيرك وقتها هيبقى عنديه حق .
كان وقع الكلمات كأنما صفعة على وجه "سكون"، إذ لم تتخيل يومًا أن تُقال لها مثل هذه الجمل، فردّت بحنق تخالطه غصة في الحلق، تحاول أن تُبرّر لنفسها قبل أن تبرّر لغيرها:
ـ يعني ايه كلامك ده يا ماما الحاجة ؟
هو اني هعمل ايه ما لازم يعذرني اني ام لتلت اطفال رعايتهم أمانة في رقبتي ولازم اخد بالي منيهم وهو عارف ان روحي متعلقة بيهم ولازم يتحمل لحد ما يكبروا شوي .
لم تَرفّ عين "زينب"، بل تابعت الحديث بنبرة تحمل الحكمة وتجربة العمر، وكأنها تُنقّب عن شرخٍ خفي لا تريده أن يتسع:
ـ ما هو اتحمل يا بتي كَتير قوي بزياداكي عاد بقالك اربع سنين وزيادة والدة وولادك بسم الله ما شاء الله هيدخلو الحمام لحالهم وهتسيبي لهم الساندوتش هياكلوه في يدهم لحالهم يعني حملهم قل عنك وكمان هيروحوا الحضانة، وانتِ تحاولي تريحي نفسك شوي وتخلي بالك من جوزك ،
علشان خاطر المركب تمشي لازم توازني الأمور لازم ترجعي تنامي جار جوزك وكفاية ان ولادك خدوكي منه اربع سنين وزيادة بزيادكي يا بتي عاد ، جوزك هيقابل في شغله حريمات كَتير وكلهم بس يتمنوا نظرة منيه لأدبه وأخلاقه ورجولته اللي هتتحدث عنيها قنا كلياتها يعني باختصار اكده جوزك فيه الطمع يا بتي .
بدا الذهول على ملامح "سكون"، وكأنها تُدرك لأول مرة أن الحياة ليست فقط احتواءً للأبناء، بل توازن دقيق بين أدوار متشابكة، فترددت وهي تنطق كلماتها، وقد بدأ شيء من القلق يتسلل إلى صوتها:
ـ ايه... انتِ بتقولي ايه انتِ اكده هتخوفيني!
"عمران" ما يعملش اكده واصل ، "عمران" ما هيحبش غيري ولا هيبص لأي ست غيري في الدنيا مهما كان .
لكن "زينب" لم تكن تتحدث بدافع التخويف، بل من واقعٍ تعرف ملامحه جيدًا، فأجابت بحزمٍ لطيف يجمع بين النصيحة والتحذير:
ـ "عمران" راجل يا بتي زييه زي أي راجل ما هوش نبي ولا راهب له احتياجات حدا مرته اللي هتعيش وياه وعمره ما هيقدر يستغنى عنيها ولا عن حضنها ولا عن حنانها عليه، الراجل كيف العيل اللصغير والغريزة اللي هيحتاجها من مرته داي حاجة من عند ربنا ما لوش يد فيها،
ما تختبريش صبره أكتر من اكده يا بتي ومن الليلة تطلعي تنامي جار جوزك بعد ما تطمَني على ولادك انهم ناموا وغفيوا وهما تبارك الله هيناموا طول الليل خلاص ولا هيرضعوا ولا يحزنون وقدامك النهار كلاته راعيهم وخدي بالك منيهم وشبعيهم من حضنك واشبعي بيهم على كيف كيفك لكن الليل لجوزك وحضنك لجوزك اني عليا نصحتك وانتِ براحتك ، ربنا يهدي لك حالك يا ام "سَليم" .
********
كان مغادراً من عمله وصعد سيارته وبعد أن أحكم إغلاقها تحسس بطنه بنهم وهو يحدث حاله :
ـ أخيراً يا واد يا "أشرف" طمطم هتحن عليك وهتاكل محشي النهاردة من ايدين صعيدية يعني محشي حاجة محصلتش من الآخر والليلة ليلة خميس وهنهيص .
ثم قاد سيارته وأخرج هاتفه وقام بالاتصال عليها وما إن أتاه الرد حتى قال بدعابة:
ـ حبيبي اللي ليا والعين الجوانية ، نبض القلب والكلاوي والحتة اليمين والشمال ، بطبط قلبي تحبي اجيب لك ايه وانا راجع من الشغل يا حب الحب ؟
أجابته بتكاسل وهي تتحرك على التخت بعشوائية:
ـ قلقتني واني نايمة يا "اشرف" هو انت دايما اكده هتصتادني وقت راحتي ؟
اعتذر بمحبة :
ـ من حقك ترتاح يا جميل عندك حق ، مانتي طول النهار واقفة على رجلك وكمان مع تعب الحمل ، خلاص انا ربع ساعة واكون قدامك .
أغلق معها الهاتف وهي مندهشة من كلامه عن وقفتها طيلة النهار وهي لم تفارق التخت منذ أن غادر إلى العمل إلا ساعة واحدة فقط تناولت فيها الإفطار ثم عادت إلى تختها فهي يداهمها الدوار منذ الصباح ،ولكن لم تضع في بالها وعادت إلى النوم مرة أخرى إلى أن عاد أخيراً هو من العمل وفتح باب الغرفة واقترب منها وقبلها من جبينها قائلا بحنو :
ـ حبيب قلبي الغالي "بطبط" اصحي بقى من النوم جايب لك بقى حبه شوكليت وعصاير وشيتوس عشان انا عارف انك بتحبيه .
عندما سمعت اسم "الشيتوس"قفزت من على تختها دفعة واحدة وتناولت منه الحقيبة الممتلئة بالمسليات مما داهمه القلق عليها من قفزها وهي في بداية شهور حملها :
ـ بس يا ماما خافي على نفسك يا حبيبي قومتي مرة واحدة ده انا مشبعك شوكولاتة وشيتوس يعني ولا انتِ عند الشيتوس عقلك بيغيب خالص والله انا متجوز طفلة .
ابتسمت وهي تتناول كيس الشيتوس بنهم مرددة بتأكيد وهي تحرك رأسها للأمام بابتسامة عابثة وفمها ممتلئ بالمقرمشات:
ـ ايوه اني طفلة وهحب حاجات الأطفال وهحب اللي يجيبها لي يعني انت دلوك حبيبي حبيبي يا اشروفي .
ـ اشروفك! ... جملة تعجبية نطقها بذهول نظراً لتحسن مزاجها فهي منذ أن حملت وهي مزاجها دوماً سئ وتابع بتسلية وهو يفرك كفاي يداه ببعضهم :
ـ لا ده الليلة النهاردة ليلة هنا وسرور، ده احنا هنتدلع قوي كده بالصلاة على النبي ،طب قومي بقى حطي لي طبق محشي ورق عنب من اللي انتِ عاملاه وشفته في الحالة على الوتساب وما صدقتش نفسي والله حكم انا من ساعة ما شفته واني مانع نفسي عن كل الأكل .
ابتلعت ما في فمها سريعاً ثم هتفت بتعجب لما قاله :
ـ محشي ! وورق عنب كمان ! انت كنت هتحلم ولا ايه انا ما قمتش من على السرير من ساعة انت ما مشيت غير اني قمت عملت لنفسي كيس اندومي وشربت كوباية لبن ورجعت نمت تاني لو عايز تاكل اعمل لك كيس اندومي انت كمان .
انصدم من كلامها وهدر بها مذهولاً وكأن أحدهم صعقه :
ـ اندومي مين يا روح امك ! بقى انا راجل واخد وردية من الساعة خمسة الصبح في الكافيه لحد دلوقتي في الشغل وارجع البيت وتقولي لي اتغدى اندومي يا بنت الصعيد !
والله عيبة في حقكم،
أمال المحشي اللي انتِ منزلاه على الحالة بتاعتك على الواتس ده جه منين يا "بطة" ؟
انزعجت من الاسم كالمعتاد لتعلن احتجاجها ككل مرة عن نعته لها بذاك الاسم الذي تكرهه بشدة وهي تزوم بغضب :
ـ "اشرف" ، اني نبهت عليك ميت مره قبل سابق ما تقوليش "بطة" داي عاد ، أني اسمي باش مهندسة "فاطمة" وبعدين المحشي دي صورة قديمة كنت عاملاه في بيت ابويا لو كنت مركز في الحلة اللي محطوطة فيها تعرف انها مش بتاعتي.
أشاح بيده في الهواء وهو يسخر منها :
ـ بلا باشمهندسهة بلا يحزنون طب بطة ،بطة ، اها استريحتي ، اه قلت لي صورة وكنتِ كل شوية واحنا مخطوبين تبعتي لي صور اشكال والوان من الأكل واقول ده انت وقعت واقف يا ولا والبت عرفت ان قلب الراجل معدته علشان كده هتتعلم الأكل وهتروق يا واد يا "أشرف" اتاري "أشرف" لبس في اندومي ، منها لله اللي كلت دراع جوزها
ثم أكمل وهو يرتدي حذائه مرة أخرى:
ـ ده صاحبي اللي متجوز واحدة معاها دبلوم بتعمل له المحمر والمشمر والمحاشي والكفتة المشوية وانا مراتي تعمل لي اندومي اللي جايه من الصعيد ؟!
ده يا خيبتك يا "اشرف" يا وكستك يا "اشرف" .
رأته غاضباً وهو يرتدي حذائه فسألته بعينين زائغتين :
ـ طب انت لابس الجزمة ورايح فين تاني ؟
ـ ما لكيش دعوة يا بطة اروح اكل عند امي هي عاملة بقى محشي بحق وحقاني خليك انتِ مع الاندومي بتاعك يا "بطة" .
رسمت الحزن على عينيها ببراعة و قامت سريعا من على التخت هي تتمسك بذراعه:
ـ طب يرضيك بطتك حبيبتك الحامل في ابنك او بنتك تتغدى اندومي واني دايخة وتعبانة خدني معاك اكل محشي من اللي عاملاه ماما .
نظر إليها بنصف عين وهو قد اقترب على مشارف الجنون من كلامها:
ـ تصدقي المثل اللي هيقول اللي عنده دم احسن من اللي عنده عزبة انتِ عايزه تنقطيني يا "بطة" ؟
طب يمين بعظيم ان شفت صور ليكي تاني على الحالة لأكل ولا لشرب لهاجي امسك الموبايل بتاعك ده ادشدشه لك ميت حتة ،
علشان ما تعمليش فيها الشيف "شربيني" تاني.
مطت شفتيها للأمام وهي تصطنع التعب الشديد والدوار وتدللت عليه وهي تقبله من وجنته:
ـ معلش بقى اني تعبانة وكمان الحمل مخليني كسلانة على طول اوعدك اول ما افوق هعمل لك محشي بس خدني وياك ، إن شاء الله تكسب وتفرح وتتهنى يارب خدني معاك يا أشروفي .
ضـ.ـرب كفا بكف من دلالها ثم قال بنفاذ صبر :
ـ عيلة والله العظيم عيلة ، إنتي واقفة تشحتي على باب السيدة يا "بطة" ؟
يلا يا حظي البسي عشان هاخدك معايا انا عارف انك لحد ما تولدي هتطلعي عين اللي خلفوني كل شويه الحقني يا "أشرف" دايخة يا "أشرف" وانت ربنا يعينك يا "أشرف" ده انت داخل على منعطف تاريخي من الست طمطم هانم .
صفقت بابتسامة لحنوه معها مما جعله ابتسم لسعادتها وطفولتها المحببة إلى قلبه ثم قبلها من رأسها بمحبة وشرعت في ارتداء ملابسها وعند لبس حذائها قام بنفسه واجلسها على التخت وساعدها في ان ترتديه كي لا تشعر بالدوار مما راق لها فعلته تلك فبعد ان انتهى جذبت كف يديه وقبلته من باطنهما ثم قالت بعشق التمع في عينيها:
ـ بحبك قوي ، ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش من حنيتك ولا حبك ولا طيبة قلبك.
وانتهى الأمر بابتسامتهم وسعادتهم .
********
دخلت "سكون" غرفتها وأغلقت الباب خلفها ببطء، كأنها تهرب من مواجهةٍ لا تملك لها سلاحًا، وقفت لحظة تتأمل الفراغ الممتد بين جدرانها، كأنّ صمت المكان يصرخ بوجهها كلمات "زينب" التي تسلّلت إلى قلبها، فهزّته بعنفٍ لم تتوقعه كانت كلمات حماتها أشبه بمرايا تُجبرها على أن ترى انعكاس نفسها كما لم تجرؤ من قبل ،
جلست على طرف السرير، وانكمشت على نفسها كأنها تحتمي من تيار باردٍ تسلل إلى أعماقها، نظرت إلى الأرض طويلاً، ثم رفعت عينيها نحو المرآة المقابلة، فرأت امرأة لم تعُد تعرفها امرأة اختفت ملامح الأنوثة منها شيئًا فشيئًا، تحت وطأة التعب، والمهام المتراكمة، والقلق الدائم على أبنائها،
همست لنفسها بصوتٍ متهدّج، لا يسمعه أحد سواها:
"هو عمره ما قصّر وياكي يا "سكون" كان دايمًا جنبك وانتِ اللي ،
وأكملت بحزن على حالهم بسببها :
ـ أني اللي انسحبت من غير ما أحس ،نسيت إني مرته مش بس أم لعياله .
انسابت دمعة ساخنة على خدها، لم تكن ناتجة عن حزن، بل عن ندمٍ صامت، شعرت وكأنها أغلقت الباب في وجه رجلٍ أحبها بصدق، دون أن تعي ذلك في خضمّ تفاصيل الحياة ،تذكّرت كم من مرّة عاد إلى البيت متعبًا فلم تجد له كلمة حنونة، أو نظرة تقدير؟
كم من مرّة تحدّثت عن الأطفال وأوجاعهم دون أن تلتفت لحاجته هو إلى من يُصغي إليه ؟
نهضت من مكانها ببطء، كأنها تحمل ثقل ما ارتكبته من تجاهل، ثم اقتربت من النافذة وأزاحت الستار، كأنها تفتح نافذة جديدة داخل قلبها ،كانت السماء تمتلئ بالنجوم، وكأنها تهمس لها 'ما زال هناك وقت ،ما زال هناك فرصة للعودة "سكون".
أخذت نفسًا عميقًا، ومسحت دموعها، ثم قالت بصوتٍ خافت، لكنه حاسم:
"أني اللي لازم افوق مش هستنى حد يفكرني، هو جوزي وأني اللي لازم أحافظ عليه.
كانت نبرتها مزيجًا من حزم واعتراف الآن فقط أدركت أنها لم تخسره بعد، لكنها إن استمرت بهذا الجمود العاطفي، فقد تفتقده إلى الأبد والندم حينها لن يُعيد ما مضى،
جلست أمام التسريحة، وأمسكت بفرشاة شعرها، وبدأت تمشّط خصلاتها ببطء، كأنها تحاول استعادة ذاتها، أنثى كانت له، وستهتم أن تكون له مجددًا كل حركةٍ كانت بمثابة إعلان ناعم عن بداية جديدة،
فقد كانت الغرفة هادئة، يغمرها ضوء خافت قادم من أباجورة صغيرة، بينما الستائر الثقيلة تُخفي ضجيج العالم خارجها ،فرشت "سكون" الأرض ببساط من الورد المجفف، وأشعلت شموعًا عطرية تنبعث منها روائح فرنسية نفاذة، حتى الهواء بدا كأنه يتنفس حبًا،
وقفت أمام المرآة تتأمل نفسها لم تكن ترتدي سوى بيجامة قطنية ناعمة بلون رمادي، لكنها جعلت البساطة فتنة، ضمت شعرها الطويل على كتفها وتركت خصلة تهرب على جبينها كأنها دعوة للدهشة، وضعت قليلًا من أحمر الشفاه، ونقطة عطر خلف أذنيها، ثم ضغطت زر الهاتف، فبدأت أغنية "عبد الباسط حمودة" تُعانق الحيطان وهي تعلم ان زوجها يعشق تلك الأجواء وقد قررت إدخال السرور على قلبه اليوم فـ"زينب" أعطتها نصائح ودرساً اليوم لن تنساها،
تنفست بعمق، وقلبها يطرق صدرها بإيقاع أقوى من الإيقاع الموسيقي كانت تعرف كيف ترقص له ،له وحده برقّتها، بخجلها، بحبها،
خطت نحو الباب، ثم رجعت، وضبطت إضاءة الأباجورة قليلًا، لتكون الأجواء أكثر حميمية، انتظرت. دقائق قليلة، ثم سمعت صوت خطواته،
دخل "عمران" كعادته، يُمرر يده في شعره، وملامحه مرهقة من يوم طويل لكنه ما إن فتح الباب حتى تجمّد مكانه من تلك الأجواء التي حُرم منها أعواماً وأعوام ،
وقف مكانه، يحدّق بها، كأنها مشهد حُلم فاجأه في منتصف واقعه ثم قال بدهشة منخفضة وهو مازال ينظر حوله بذهول وعدم تصديق:
ـ إيه الجو دي والحوار اللي قربت أنساها دي يا أم "سَليم"؟
رفعت يدها برفق وسحبت خصلة الشعر خلف أذنها، وقالت بدلال:
- أم "سَليم" مستنياك بقى لها كَتير متأخر ليه؟
اقترب بخطوات بطيئة، وعيناه لا تزيغان عنها، كل شيء فيها بدا له جديدًا، رغم أنها زوجته منذ سنوات وكأنها تعيده للحظة لقائهما الأول،
– انتِ بجد ولا اني هحلم ولا اني دخلت أوضة غلط ، معقولة جاية اكده من نفسك وعميلتي كل دي علشاني ؟
اقتربت منه وهي تتحسس وجنته بنعومة جعلته أغمض عينيه من اقترابها ودلالها وهمست بدلال :
– علشانك طبعاً ، هي "سكون" ليها مين غير عمرانها علشان تدلعه وتدلله
مال برأسه وهو يبتسم ببطء وقد التقط كف يديها وقبَّل باطنه بوله وعطش واشتياق:
– وانتي عرفتي بقي عمرانك رايد ايه ولا النهاردة ليلة تحقيق الأماني والأحلام يا سكوني؟
أجابته وهي تفعل نفس ما فعل وقبلت باطن يديه بإغواء :
– لااه أني هخلقها مخصوص علشانك يا كل العمر يا قلب وعقل "سكون".
نظرت نحوه، ثم بدأت تتحرك ببطء و تناغمت خطواتها مع كلمات الأغنية، جسدها يهمس أكثر مما يتحرك برقصة مثيرة جعلته يلهث أمامها فكانت مليئة بالإحساس، كل التفاتة منها كانت وكأنها تناديه دون صوت،
اقترب منها، جلس على طرف السرير، وابتسامته تُصارع ذهوله، هي ليست فقط جميلة، بل تعرف كيف تُدهشه ، ليردد وهو يضحك بخفوت:
– "سكوني" إنتي ناوية تقـ.ـتلينى الليلة، براحة شوية علي يا بت قلبي "عمران" اكده مهيتحملش شقاوتك داي كلاتها بعد بعدك ؟
قالت وهي ترفع حاجبًا بخفة:
– هو دي الهدف يا عمراني إني لما اعاود يوبقى بقوة وانت ما عليك غير انك تجابهني بنفس القوة وترواض خيالك بمهارة ،
ثم غمزت له وهي تتمايل أمامه على انغام الحكمدار التي يعشقها :
ـ هتقدر ولا مش جاهز لسكونك ومش عامل حسابك ؟
قالتها و أكملت الرقص، وكل حركة منها كانت دعوة ،لم يكن الأمر في جسدها فقط، بل في نظرتها، في رعشة صوتها، في حبها الذي بان وهي ترقص له كأنها بتعزف عليه بأطرافها ،
فاقترب منها جاذباً إياها بقوة فائقة حتى ارتطمت بصدره القوي وهو يطغو أمامها برجولة لم ولن تكن لغير رجل مشاعره المثيرة تسبقه وعينيه تأكلها بتحدي :
ـ وه ، وه ! هتقولي ايه يا سكوني ؟
كانك متعرفيش قدرات عمرانك ولا ايه هتوبقى زي القطط اللي هتتمتع وتنكر ، دي اني عمران يعني فارس يعرِف كيف يرواض الفرسة بتاعته وانتي الفرسة بتاعتي يعني تخليكي شجاعة وتتحمَلي شوق الليالي والأيام وكل واحد منينا له حق لازم يا خده الليلة ،
ثم اقترب من وجهها وهو ينظر إليها بعيناي تكاد تلتهمها شوقاً:
ـ توكلنا على الله ، معركة وانتي ابتديها يوبقى تتحمليها يا عشق العمران وروحه .
وأخيراً انسكب الليل بين جدران الغرفة كحبرٍ دافئ يكتب أول فصول العودة بين قلبين ما ابتعدا إلا غصبًا، كانت أنفاس "سكون" تتصاعد ببطءٍ كأنها تستجمع ما تبقى من شوقٍ داخلها لتسكبه في حضن رجلها، في مأواه، في "عمران" الذي كان ينظر إليها بعينين لا تكتفيان من التأمل، كأنها رجعت له بعد غياب عمر لا أربعة أعوام،ارتخت ملامح "عمران" وهو يضمها إلى صدره كأنما يحتضن وطنًا ضاع ثم عاد، يديه تتجولان على ظهرها كما لو يحاولان أن يحفرا لمسة أمانها من جديد على جلده، أن يكتبا على قلبه؛هذه أنثاك التي كنت تنتظرها،
اما هي لم تكن بحاجة لكلماتٍ لتفهم أنه يشتاقها حدّ الهذيان، فكل لمسة منه كانت تقول أكثر مما يستطيع النطق به، وكل تنهيدة منها كانت تعني أكثر مما يسمح الحياء بالبوح به،اقترب منها حتى لامست أنفاسه وجنتيها وقال بصوته المبحوح وهو يحاوط وجهها بكفيه :
ـ اني لو كنت أعرِف اني هرجع ألقاكي اكده كنت رجعت بدري من الشغل وسبت الدنيا كلاتها تخرب .
قبلته بدلال من وجنته وهمست بنعومة :
ـ المهم انك جيت والحاجة الحلوة مبتحبش غير المفاجآت يا "عمراني"
ضحك وهو يغرس جبينه في رقبتها كأنّه يختبئ من العالم فيها وقال:
ـ وانتي عارفة المفاجآت عندي بترد بعنـ.ـف يا "سكوني" ويا ويلك منّي الليلة.
لم يكن في نبرته تهديد بل وعدٌ بالعناق الذي لا يُنسى، فانزلقت أناملها خلف عنقه وجذبته إليها ثم همست بصوتٍ مخنوق بالحب:
ـ انت اللي كنت واحشني يا "عمران" حقم عليا في كل ليلة قضيتها بعيد عنك ، حقك على "سكون" يا قلبها وعمرها كله .
كأن تلك الكلمات كانت إذنًا بانهيار الجدار الأخير بينهما، فسقط الحذر، وسقطت السنوات، وسقطت الأمومة قليلًا لتفسح المجال للأنوثة أن تتحدث، وتصرخ، وتحب، وتشتاق، وتُعانق ،
لم يكن لقاءهما تلك الليلة كأي ليلة، بل كان إعادة اكتشافٍ لرغبةٍ قديمة ظنّاها تاهت في زحام المسؤوليات، وكانت "سكون" بكل خليةٍ فيها تقول له؛ أنا هنا، وعدتُ إليك، ولن أتركك بعد اليوم ،مرت ساعات مرّت من الحبّ الخالص، لم يكن فيها صوتٌ سوى الهمس، ولم يكن فيها نورٌ إلا من ارتعاشات الشموع، جسدان يعرفان بعضهما بحكم الحبّ، لكنهما تعلّما من جديد كيف يتحدثان في الصمت، كيف يكتبان الشعر باللمس،
وفي نهاية تلك الليلة، وبينما تنام العطور على الوسائد، وتلف اللحظة عبيرها حول صدرها، كانت "سكون" تلتف أكثر في حضنه، لم تنهض كعادتها لتذهب إلى الغرفة المجاورة، لم تنسحب، لم تتردد ،
رفع "عمران" حاجبه بدهشة وسألها وهو يتظاهر بالمزاح :
ـ ايه ده يا "سكوني" مش ناوية تقومي تشوفي العيال ولا خلاص سهرتي دي مخصوصة علشان أبوهم ؟
ضحكت بخفة وسحبت وجهه إليها وهمست بعذوبةٍ مبللة بالحب:
ـ لا مش ناوية ولا هسيبك تاني يا "عمراني" خلاص دول كبروا شوية ومش هيجرى حاجة لو ناموا لوحدهم الليلة وكل ليلة بعد اكده ، انت اللي مش لازم انام بعيد عن حضنك تاني مهما حوصل.
كأن روحه ارتجفت من الاعتراف، حدّق فيها طويلًا، ثم خبأ وجهه في شعرها وهمس كأنه لا يصدق ونبرته ممتلئة بالحنين للبيات في أحضانها:
ـ يعني انتي هتباتي جنبي كل ليلة ومش هتهربي تاني مني يا "سكون" ؟
أجابته بحزمٍ رقيق:
ـ هبات في حضنك طول العمر يا "عمران" ومش هسيبك تاني ابدا حتى لو الدنيا كلها طلبتني مش هقوم من جارك واصل .
قبلها في جبينها وهم يضحكان سويًا كأنهما طفلان التقيا بعد فراق، وما إن هدأ كل شيء وسكنت الأصوات، حتى استسلما معًا لنومٍ عميقٍ لا يشبه سوى راحة وطن بعد حروب طويلة،
لكن الراحة لم تدم طويلًا، فقد تزلزل السكون فجأة مع أول خيوط الفجر، حين دوّى طرقٌ عنيف على الباب، يتبعه صوت "سليم" وهو يصرخ بفزعٍ يشقّ القلب فاستيقظت "سكون" على وقع صرخة ابنها ، صوت مذعور ممزوج برجفة قلبه البريء، اندفع إلى غرفتهما يطرق الباب بعشوائية كمن يهرب من شبح، كان قلبه يسبق قدميه، وصوته يتهدج بانفعال طفولي لا يخلو من الرعب :
ـ مااااااااااما ، الحقي "سكن" يا ماما .
فزعت "سكون" من نومها كمن سُحب من أعماق حلم إلى كابوس يقظ، تسمرت للحظات قبل أن تقفز من السرير كأن نـ.ـارًا اشتعلت تحت قدميها، لم تنتظر أن يسألها أحد، ولم تلتفت خلفها، فقط نظرت لعين "عمران" بلوم شديد لثانية واحدة فقط بل مزقته تلك النظرة ثم انطلقت تعدو كأن صوت "سليم" قد قطع شريان الأمان في داخلها ،
في لحظة، انقلب البيت إلى ساحة من القلق، أبواب تُفتح، خطوات متسارعة، والهدوء الذي كان يغلف الساعات الأولى من الفجر تبعثر كزجاج مُلقى على الأرض ،
كان وجه "سليم" شاحبًا، ويداه ترتجفان، ودموعه تنهمر دون وعي، وهو يصرخ من جديد بصوت أكثر وجعًا :
"سكن" بصت لي ومش بترد علي وبقها كله دم ووشها على الأرض ومش بتتحرك يا ماما إلحقوها .
تجمد قلب "سكون"، وشعرت كأن الهواء انسحب من صدرها، كأن الحياة بأكملها توقفت في انتظار أن تدق الساعة القادمة بمصير قد يكون مدمرًا، نظرت لعيني "سليم"، فوجدت فيهما خوفًا من الفقد لا يطاق، وصرخة للنجدة تتجاوز عمره بكثير ،
تحولت نظرات "سكون" إلى"عمران" كطعَنات خفيّة لا صوت لها، لكنها تخترق القلب وتُزلزل الروح ،وكأنها تخبره وبكل قوة أنه السبب فيما حدث لابنتهم وهو تفهم نظراتها ووعاها بشدة وكأنها نصل من السيوف الحادة التي انغرزت في صدره وأصيب بالخذلان منها ،
مزيجٌ مُرعب من الألم واللوم، كأن عينيها تُناديه وتُعاتبه وتُحمّله ذنبًا لم تتلفّظ به
كل رمشة منها كانت كأنها بمثابة اتهام واضح،
وفي وسط ذهولها المرتجف، كانت عيناها ترتعشان بالخوف على ابنتها، وبالغضب المكتوم عليه هو ض .