رواية عطر سارة الفصل الثاني والثلاثون
بعد مرور شهرين..
بأحد المطاعم الراقية..
مد معتز يده لسمية بكوب من القهوة، كانت تحدق بها وهي تائهة تعيش مشاعر جديدة عليها وهذا يزيد قلقها، بكف مرتجف أخذت منه الكوب ليجلس أمامها مبتسماً، ثم قال:
_ مالك شكلك متوترة من وقت ما قعدنا وأنتِ ساكتة؟!..
أخذت رشفة بها كم كبير من القهوة، ثم وضعت الكوب أمامها على الطاولة، تفعل أشياء عجيبة لتهرب بها من تأثير قربه عليها، ظل يتابعها وهو يبتسم بفخر على صنع يده، رفع عاجبه إليها ليحثها على الحديث فقالت بتعب:
_ إللي بيحصل ده غلط يا معتز..
سألها ببراءة:
_ وهو إيه إللي بيحصل يا سمية ؟!..
يدور بالحديث هي لديها القدر الكافي من الذكاء حتي تفهم ذلك، أخذت نفس عميق ثم سندت ظهرها على ظهر المقعد لتعطي لنفسها قدر من الوقار والجدية:
_ إللي إحنا فيه يا معتز..
_ وايه إللي إحنا فيه بقي ؟!.
أخذ أخر ما لديها من الهدوء فقالت بغضب:
_ بطل تلف وتدور بالكلام يا معتز بقي، أنا مش مرتاحة في العلاقة دي حاسة إني بعمل حاجة غلط والمفروض اتكسف منها..
كانت يسمعها بصدر رحب، تركها تقول ما تريد أن تقوله وهو فقط يسمع ويهتم، انهت حديثها وعينيها بهما الكثير من الدموع تحاول بكل ما لديها من قوة السيطرة عليها، سحب مقعده حتي جلس بجوارها فمد يده ليضم يدها وقال بحنان:
_ هو من أنت كان الحب حاجة غلط أو حاجة تتكسفي منها ؟!..
جملة بسيطة جعلتها تهتز، لا تعلم أهذا أعتراف منها بحبها أم وهم تتمني أن تسمعه، أبتلعت ريقها بذهول ورددت:
_ حب ؟!..
أومأ إليها مردفاً بإبتسامة رائعة:
_ بحبك يا سمية..
يحبها؟!.. قالها ؟!.. نعم قالها، رنت بداخل قلبها وعقلها بلحظة واحدة، رجفة لذيذة تغلغلت بجسدها للحظة، لحظة من السعادة والشعور بجنون مشاعر الحب، لحظة انتهت سريعاً لتبعد يدها عنه برفض لما يحاول يوصل بها إليه، تعجب من تحولها فقال:
_ مش هتقولي أي حاجة ؟!.
ما يحدث الآن جنون لابد أن ينتهي، قامت من مكانها مردفة بغضب:
_ هقول إيه ؟!. أنت أكيد مجنون حب إيه وكلام فاضي إيه ؟!.. أنت أصغر مني يا معتز بالنسبة ليا عيل لسة في سن المراهقه إزاي تفكر فيا كده أو تتكلم معايا بالاسلوب ده؟!..
تغيرت معالم وجهه، إختفت ابتسامه وحل محلها غضب وشعور جنوني من فكرة رفضه للمرة الثانية، رد عليها بصوت مرعب:
_ أقعدي مكانك بدل ما أقوم لأني لو قومت مش هخلي فيكي حتة سليمة ووقتها هتعرفي مين فيا الصغير..
نبرته بمفردها جعلتها تجلس مثلما أمر فأكمل بنبرة خشنة حاول بث بها القليل من الحنان:
_ مين المجنون إللي قالك إن الراجل سن ؟!.. الراجل اللي راجل بجد بيتولد راجل يا سمية وأنا مش أي راجل أنا معتز علام..
تري به رجل كامل الرجولة، تعجز عن أي ردة فعل أمامه، تضعف وهي تنظر لعينه وتشعر إنه رجلها الوحيد، حركت رأسها بتعب ترفض ما يسير قلبها إليه مردفة:
_ معتز أرجوك خلينا نبعد عن بعض ونطلع الكلام الفارغ ده من دماغنا، إحنا لسة صغيرين أنا كمان في سن المراهقه مش أنت بس، حتي لو جوانا أي مشاعر هتموت مع الوقت يبقي الأحسن نحافظ على الشغل إللي بنا..
أخر ما كان يريد سماعه رفضها، بعد مرور شهرين فعل بهما كل ما لم يفعله رجل حتي يصل لقلبها سمع عدم تقبلها، رفض بحركة سريعة من رأسه مردفاً:
_ إحنا مش مراهقين زي ما بتحاولي تقولي، سمية أنا بحبك ومش ناوي أتنازل عن الحب ده ولا هدي ليكي فرصة صغيرة عشان تهربي مني، خديها نصيحة مني أقبلي علاقتنا لأنها مكملة معاكي لآخر عمرك..
رفعت حاجبها بغضب من غروره بالحديث قائلة:
_ حاسب على كلامك يا معتز من سمية عمران إللي حد يتكلم معاها بالشكل ده مهما كان مين الحد ده، وخد بالك كلمة زيادة هكلم محمود بيه وأقفل معاه المشروع كله..
_ بلح..
_ أفندم ؟!..
قالتها بذهول ليزيد من ذهولها عندما جذب مقعدها لتلتصق به بالمعني الحرفي ثم قال بقوة:
_ بقولك بلح، مش فارق معايا حاجة ولا حد غيرك خليكي حلوة وقولي بحبك بدل ما أطلع***** أمك..
بلحظة كان دفع الحساب وتركها بمفردها فقالت برعب:
_ ده مجنون ده وإلا إيه ؟!..
____ شيما سعيد ____
بمصنع سارة مكتب أروي..
دلف علي دون السماع للسكرتيرة، راها تجلس على مكتبها وعينيها متعلقة بأحد الملفات، أغلق الباب خلفه بقوة جعلتها تنتبه إليه وصل إليها رائحة عطره ومع صوت الباب تأكدت من وجوده، غمضت عينيها لعدة لحظات حتى تأخذ أكبر قدر من الثبات ثم أخذت نفس عميق ورفعت رأسها إليه..
كان يقف أمامها بأعين غاضبة، شهرين من العذاب مروا عليه أحرقته نيران الاشتياق، ضرب على المكتب بقوة مردفاً:
_ ممكن افهم إيه الجنان إللي بيحصل ده مش كفاية عليا أخوكي؟!.. أنتِ كمان بتهربي مني كأني مرض معدي..
أشارت إليه بهدوء على أحد المقاعد ثم قالت بتعب:
_ كنت بهرب عشان مش حابة أتكلم مش عايزة أخسرك يا علي..
جلس بذهول، نبرتها تقول كم هي تعاني ويؤلمها البعد، صمت منتظر منها باقي الحديث، يريد فهم ما يحدث معها لكنها ظلت صامتة ترفض تجربة الحديث، فقال:
_ وايه إللي ممكن يخلينا نخسر بعض يا أروي ؟!. قولي كل إللي في قلبك وأنا هسمعك متخافيش..
خرجت منها تنهيدة طويلة وقالت بتعب:
_ أنت كنت متجوز ضحي فعلاً ؟!..
اهتز للحظة من مفاجأة السؤال وبعدها قال بهدوء:
_ أيوة..
لا ينكر ضيقه من معرفتها ولكن هذا جيد جداً حتي يغلق تلك الصفحة من حياته للأبد، أنتفض قلبها من بين ضلوعها بعدها ابتسمت بمرارة مردفة:
_ ليه ؟!..
عقد ما بين حاجبيه وقال:
_ ليه إيه ؟!..
_ ليه تعمل كدة في عيلة صغيرة؟!.. ليه تلعب بيها وتستغل أنها مالهاش غيرك وفي الآخر تخلع بالشكل ده ؟!.. إزاي طول الفترة إللي فاتت دي كنت قادر تنام على مخدتك مرتاح وفي واحدة مستقبلها ضاع بسببك ويا عالم هي واحدة بس وإلا لسة في كتير ؟!..
استمع إليها بصمت ثم قام من مكانه بهدوء وفتح باب المكتب، أشار للسكرتيرة قائلا:
_ روحي هاتي ضحي سكرتيرة سارة هانم واياكي تعرف إني هنا فاهمة..
أومات إليه بأحترام وذهبت لتنفيذ ما طلبه، عاد للداخل فقالت أروي بقلق:
_ علي ضحي بنت غلبانة أنت ناوي تعمل فيها إيه بالظبط ؟!..
خلع جكيت بذلته وألقي به عليها ثم جلس على المقعد المقابل لها ووضع ساق على الآخر بظهر مسنود على المقعد براحة مردفاً ببرود:
_ خليكي ساكتة لحد ما تيجي وتخرج بعدها قولي كل إللي نفسك فيه..
صمتت وبعد دقيقة أتت ضحي، أرتعبت من وجوده وقبل أن تعود خطوة واحدة للخلف قال بهدوء:
_ على فين يا دودو تعالي هنا...
حدقت بأروي تأخذ منها العون وبكل أسف كان حال أروي أصعب منها، تقدمت وجلست محل ما أشار إليها ثم قالت بتوتر:
_ حضرتك طلبتيني يا مدام أروي..
أجاب علي:
_ أنا إللي طلبتك يا دودو..
حدقت به بخوف شديد قائلة:
_ ليه ؟!..
بإبتسامة رائعة قال:
_ وحشتيني ده إحنا كنا عشرة برضو..
علمت بمعرفته بحديثها فأخذت نفس عميق تتغلب به على خوفها وقالت:
_ أنا معملتش حاجة غلط لما قولتها إللي حصل، محمود بيه له فضل عليا كبير وهي كمان كويسة جدا معايا وحقها تعرف إنها فترة في حياة راجل معندوش مشاعر كل تفكيره في السرير وبس..
صرخت بهلع عندما جذبها من ذراعها فجأة لتقف أمامه ثم صرخ:
_ وحياة أمك يا بت، تصدقي أنا أبن ستين كلب عشان وقفت معاكي إللي زيك كانت تتجوز إللي عنده 80 سنة تخدمي فيه لحد ما يموت وبعدين تترمي في الشارع..
قامت أروي سريعاً وجذبت ضحي بعيداً عنه مردفة:
_ إيه الهمجية دي يا علي ده مش أسلوب؟!.. أخرجي برة يا ضحي اخرجي..
صرخ بغضب:
_ لأ قولي الأول كنت متجوزك رسمي وإلا عرفي واتجوزتك ليه أساسا بعدين أبقي غوري في داهية..
بصوت مرتجف قالت:
_ رسمي عشان تحميني من أهلي، بس كمان ضحكت عليا لحد ما شبعت وفي الآخر طلقتني وشغلتني خدامة عندك..
قبل أن يسحبها إليه اخرجتها أروي من المكتب، عاد لعلي لتجده يقف أمامها بغضب، فقالت:
_ ده مش أسلوب كلام..
أشار إليها بالصمت وقال:
_ اخرسي خالص أنا جبت أخري منك ومن دلعك، بقي ليا شهرين بلف وراكي زي المجنون وفي الآخر يطلع السبب هايف..
قطعته بذهول:
_ أنت بتسمي كل ده سبب هايف ؟!..
_ أيوة هايف من حقك تزعلي لما نبقي متقابلين على سجاده الصلاة ومش في أوضة نومك فوقي يا بت..
فتحت عينيها بذهول وقالت:
_ هااا..
_ هاا إيه بصي فرحي عليكي بكرا غصب عنك وعن أخوكي يا عيلة مالهاش كبير..
_____ شيما سعيد _____
مساءاً
بقصر علام..
جلست سارة بجوار حنان، عضت على شفتيها بشفقة على حال الأخري منذ سفر زوجها، ابتسمت بالقليل من المرح وقدمت إليها فاطمة مردفة:
_ خدي حبيبة قلب جدتها أنا خالص زهقت من البنت دي ومش عايزة أشوف وش امها تاني..
أخذتها حنان من بين يديها بحزن ووضعت قبلة ناعمة على رأس حفيدتها مردفة:
_ مالها يا بنت دي طيبة خالص أهي وبتسمع الكلام..
ردت عليها سارة بسخرية:
_ هي مين دي اللي طيبه يا حاجه ؟!.. فاطمة؟!.. دي عقربه زي ابوها لا تطاق مش عارفه كان ليا فين الوقعه السودة دي والله..
أغلقت عينيها برعب وهي تسمعه يرد من خلفها:
_ مالها الواقعة يا بنت ده انتِ كنتي هتموتي عشان ابص لك بس ..
وقعت بشر أعمالها، قامت من مكانها بإبتسامة متوترة ثم دارت بوجهها إليه مردفة:
_ حبيبي حمد لله على السلامه هو أنت جيت امتى؟!..
أقترب من والدته بهدوء ثم وضع قبلة فوق رأسها ورأس فاطمة مردفاً:
_ عاملة إيه النهاردة يا ست الكل ؟!..
تجاهلها ؟!.. هل بالفعل ما رأته حقيقي وقام بتجاهل وجودها ؟!.. نظرت إليه وجدته يتحدث معه والدته بكل هدوء، هذا هدوء ما قبل العاصفة هي تشعر بذلك، انسحبت من المكان بسرعة البرق لغرفة نومها..
اصطدم جسدها بمعتز على الدرج فأبتعدت عنه بالقليل من التوتر، لأول مرة تقف أمامه بمفردها منذ عودتها، أبتسم إليها فحدقت به بتعجب فأكمل عليها قائلاً:
_ ازيك يا سارة عاملة إيه ؟!..
_ هااا..
قالتها بذهول، لا تصدق أن معتز يقف أمامها بهذا الهدوء ويسأل عن حالها، ضحك بمرح قائلا:
_ ها إيه بس بقولك عاملة إيه..
_ الحمدلله بخير..
تشعر بشيء غريب، قلبها أعطي لها صفيرة إنذار واضحة، أومأ إليها بهدوء مردفاً:
_ أنا عارف إني علاقتي بيكي باظت خالص في الفترة إللي فاتت، وعشان أكون صريح معاكي أنا لحد دلوقتي مش قادر اتقبل وجودك بس أنتِ حالياً أم أختي ومهمة جداً في حياة بابا فالافضل ان يبقي بنا علاقة كويسة رأيك إيه ؟!.
قال هذا ومد يده إليها كبداية سلام، تعالت دقات قلبها وكأن أصبح بينهما وبين الخطر خطوة واحدة، بيد مرتجفة سلمت عليها وهي تقول لنفسها " هذا أفضل من العداء فإنه إبن محمود" ابتسمت إليه وقالت:
_ عندك حق وصدقني أنا عمري ما أتمنيت نوصل لكل ده بس المكتوب مفيش منه هروب..
بصمت ذهب وبنفس اللحظة صعد محمود، نظر إليها بتساؤل فقالت:
_ معتز كان حابب يفتح معايا صفحة جديدة يا محمود..
سحبها من كفها الصغير وتحرك بها بخطوات سريعة لغرفة نومهما، دلف بها وأغلق الباب عليهما ثم تركها وخلع جكيت بذلته وألقي به على الفراش وجلس هو الآخر على طرف الفراش، للحظة شعرت بالخوف من تصرفاته ومع ذلك أقتربت منه مردفة:
_ حبيبي..
_ هو أنا فعلاً حبيبك يا سارة ؟!..
قالها بشك حقيقي وبداخله يتمني سماع كل كلمة منها تريح قلبه، تعجبت وقالت:
_ محمود أنا كنت بهزر مع طنط تحت عشان تنسي سفر عمو مش أكتر ليه بتقول كدة ؟!..
_ عشان خايف..
جملة بسيطة من كلمتين وصفت حالته كاملة، هو خائف بالفعل خائف، سحبها لتجلس على ساقه ودفن رأسه بصدرها الناعم مكملاً:
_ خايف تبعدي، وخايف أكون في حياتك أمر واقع مش قادرة تهربي منه، سارة أنا مريض بيكي ومش عارف اتعالج..
أغلقت ذراعيها حوله بمحاولة بريئة منها لتشعره الأمان، عناق حنون به رسالة صريحة بالعشق، وضعت قبلة ناعمة على رأسه وهمست بدفئ:
_ مين يبقي معاها راجل زيك ومتحبوش يا محمود أنت مش أي راجل أنت سيد الرجالة..
بأمل طفل صغير قال:
_ أنتِ كمان مش أي ست يا سارة، عايزك تحبيني وحياة فاطمة عندك حبيني من قلبك حتي لو حبة صغيرين يا ستي أنا راضي..
أبعد وجهه عنها قليلاً ووضعت أحد أصابعها على شعر ذقنه مردفة بدلال:
_ تؤ أنت تأخد الحب كله الشوية الصغيرين دول مش ليك يا حبيبي..
أصبحت بالنسبة له إدمان لا يشعر بالارتياح إلا بعد أخذ جرعته، أقترب من شفتيها وضمها بين شفتيه بشغف مستمتع بحلاوة قربها..
دقات متتالية على باب الغرفة جعلتها تدفعه بعيداً عنها، نظر إليها بغضب يرفض بعده عن متعته فقالت بإبتسامة:
_ معلش يا حبيبي ممكن حد من الخدم جايب فاطمة أفتح الباب...
زفر بضيق وقام ليفتح الباب رأي أمامه إحدى الخادمات فقال بغضب:
_ طالما محدش فتح من مرة بتخبطي تاني ليه ؟!..
عادت خطوة للخلف بخوف وقالت:
_ ماليش دعوة والله يا باشا دي أخت الست هانم تحت وشكلها غريبة فحنان هانم طلبت مني أجيب سارة هانم بسرعة..
بجبروت قال:
_ خلي الأمن يرميها في الشارع..
أنتفضت سارة من مكانها وقالت:
_ لأ طبعاً أنا نازلة أشوفها..
أشار للخادمة بالذهاب واغلق باب الغرفة ثم دار إليها مردفاً:
_ نازله تشوفي مين؟!..
_ مريم يا محمود.
ضحك بسخرية وقال:
_ مريم يا محمود؟!.. أنتِ بتتكلمي بجد ولا عقلك في ايه بالضبط؟!. واحدة عاشت عمرك كله بتستغلك ووقعتي في بدل المصيبه 10 ما فكرتش تسأل عليكي ودلوقتي بتقوليلي نازله تشوفيها؟!.. مش هتنزلي يا ساره والامن هيرميها بره قدام عينك..
وقفت أمامه قبل أن يقوم بالاتصال على الأمن وجذبت الهاتف من يده مردفة:
_ بلاش تعمل كده ما فيش حاجه تستحق أننا نعمل كل ده، هنزل أشوفها عايزة إيه وخلاص أنت ليه مصمم تحول الموضوع لمشكلة؟!..
أبتعد عن طريقها وقال بقوة:
_ براحتك يا ساره انزلي واعملي اللي أنتِ عايزاه بس اعرفي كويس قوي اني قولتلك بلاش..
_ بلاش ليه مش فاهمة؟!.. عملت معايا حاجات كتير وحشه ده حقيقي بس في نفس الوقت دي أختي زي ما عايده الله يرحمها عملت حاجات كتير وحشه وكانت بالنسبه لك مراتك اللي ما بتغلطش وزي ما معتز عمل حاجات كتير وحشه وبرضو بالنسبه لك ابنك اللي بتسامحه، فين المشكله لما اشوف اختي عايزه ايه....
نظرة واحدة منه جعلتها تصمت، وجدته يتجه للمرحاض بخطوات غاضبة فزفرت بضيق ونزلت للأسف..
وقفت أمام شقيقتها بصدمة، حالة مريم كانت حالة بشعة، ملابس قديمة تبدو لامرأة أكبر منها سنن وجسداً، أعين حمراء منتفخة، ووجه به جروح متفرقة هنا وهناك، أقتربت منها بخطوات مترددة وقالت:
_ مريم إيه إللي عمل فيكي كدة ؟!..
_ جوزك..
قالتها بقهر، بغل، بكره، بمشاعر كثيرة وصلت لسارة بالكامل، رددت بعدم تصديق:
_ محمود إللي عمل فيكي كدة ؟!. طيب ليه ؟!..
صرخت مريم بغضب:
_ ما تبطلي تمثيل بقى، يعني عايزة تفهميني انك مش عارفه كل حاجه ونازله مخصوص عشان تشمتي فيا؟!.. الاول خطف جوزي وبهدل فيه شهور لما خلاه أتجنن وطلقني، وفي الاخر خلاني ماشيه في الشارع زي المجنونه لا حد راضي يشغلني ولا يقعدني في بيته، بتبصلي كده ليه كأنك مصدومة مش اوامرك، أنتِ ازاي زباله كده ازاي تعملي في اختك كده..
كانت حقا مصدومة، لا تعلم لما فعل هذا أو متي فعل، تألمت لرؤية شقيقتها صديقة طفولتها بهذا الشكل، أقتربت منها وقالت:
_ صدقيني انا ما اعرفش اي حاجه عن الكلام اللي أنتِ بتقوليه ده يا مريم ومهما كان اللي بيني وبينك مش هيوصل بيا اؤذيكي بالشكل ده على الاقل عشان عضم التربه اللي بينا..
زاد التعب على مريم فسقطت بين يدي سارة فاقده للوعي، سقوطها جعل الاخرى تسقط معها قائلة برعب لحنان:
_ اطلبي الدكتور حالا يا طنط..
بعد دقيقتين كانت تقف أمامه مردفة بغضب شديد:
_ إيه اللي انت عملته ده للدرجه دي ما فيش فيها قلبك رحمة..
رد عليها بهدوء:
_ أنا عملت الصح وضميري مرتاح جدا واحمدي ربنا اني سايبها لحد دلوقتي نايمه في بيتي وطالب ليها الدكتور ولو عملت ده فعملته عشانك..
ضحكت بسخرية:
_ لأ بجد كتر خيرك مش عارفه اشكرك ازاي؟!.. وصلتها انها بقت ماشيه في الشوارع زي الشحاتين وفي الاخر تقول عملت عشاني، انا ما طلبتش منك لا تاذيها ولا تاذي جوزها يا محمود انت عملت كده عشان غرورك..
أشار على نفسه بذهول وقال:
_ عشان غروري ؟!.. بجد كتر خيرك يا بنت الاصول اختك اللي نايمه جوه على سريرك دي كانت متفقه مع جوزها تجيب لك راجل غريب وتنيمه معاكي وتصورك عشان اطلقك وارميكي في الشارع، عايزك بقى تاخديها في حضنك وتطبطبي عليها لحد ما ربنا يرد لها صحتها وأول حاجة تعملها تدوس عليكي بالجزمه وصدقيني وقتها مش هدافع عنك...
ترك لها الغرفة وخرج فسقط جسدها على أقرب مقعد، تعلم ما كان يريد فعله زوج شقيقتها تعلم كم كان يرغبها ويود عودتها تحت قدمه، لكن كيف وصل الحال بمريم لهنا كيف هانت عليها أيام طفولتهم معاً؟!.. سمعت صوت رحيل سيارته فهمست بضعف:
_ ما تسيبنيش لوحدي أنا ببقى خايفة وضعيفة أوي وأنت مش موجود..
_____ شيما سعيد ____
بعد منتصف الليل بسيارة معتز..
صرخت سمية بغضب:
_ بقى بذمتك دي تصرفات ؟!. تتصل بيا تقولي أنك تعبان وفي الاخر تطلع بتهزر ده مش أسلوب يا معتز بتاع بني ادمين كبار..
ضحك بمرح وأخرج علبتين من العصير أخذ واحد وقدم الآخر إليها مردفاً:
_ معلش يا ستي ما لقيتش حد افضفض معاه شويه قولت بما اني انا وسميه هانم واصحابي اخليها تيجي نتكلم مع بعض..
حركت رأسها برفض وقالت:
_ يا سلام وأحلامك دي ما كلنتش تنفع الصبح في الشركه ونتكلم براحتك زي ما جنابك عايز، أنت عارف الساعه كام دلوقتي يا ابني احنا داخلين على الساعه 1:00..
أبتسم إليها بلا مبالاة وقدم إليها العصير للمرة الثانية مردفاً:
_ ما خلاص بقى يا سميه خلي قلبك ابيض خدي اشربي خلينا ندردش شوية..
_ انا هنزل يا معتز ولاخر مره هقول لك اللي بتفكر فيه ده غلط ومش هيحصل، اتفضل بقى روح شوفلك اي مكان تاني تفضفض فيه...
أغلق عينيه لعدة ثواني حتي يأخذ أكبر قدر من الصبر ثم رسمت على وجهه ابتسامة مرحة مردفاً:
_ والله العظيم ما يحصل مش هتنزلي من هنا إلا ما تشربي العصير معايا بعد كده يا ستي روحي مطرح ما تحبي..
أخذت منه العصير لتخلص من تصميمه الرهيب وتفر من شعورها بالرغبة بالبقاء بجواره أمامه ابتسامته، ظل يتابعها وهي تأخذ من العصير رشفة وراها الأخري حتي وضعت يدها على رأسها بتعب مردفة:
_ هو في ايه في العصير ده ؟!.
_ مخدر يا حياتي..
قالها ببساطة لتغلق بعدها عينيها باستسلام شديد لما يحدث حولها...
بصباح اليوم التالي..
فتحت سمية عينيها بصداع مؤلم يكاد يقسم رأسها، رأت أشياء غريبة حولها، معتز عاري بجوارها لتنقل نظرها لنفسها وجدت جسدها مستور بشرشف فراش صغير، حركت رأسها برفض لهذا الكابوس المرعب، يستحيل أن يكون هذا حقيقي، يستحيل أن يكون فعل معتز بها ما وصل لعقلها، أطلقت صرخة قوية لعلها تستيقظ وتجد نفسها على فراشها بمنزلها، صرختها كانت منبة معتز ففتح عينيه مردفاً بإبتسامة سعيدة:
_ صباحية مباركة يا سوسو..