رواية سيد القصر الجنوبي الفصل التاسع و الثلاثون والاخير بقلم رحاب ابراهيم حسن
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
عجبا على الدنيا وأحوالها ..!
تمددت فرحة على فراشها بعد أيامًا من العزاء والأرهاق النفسي والبدني .. وتنفست بعمق وساورها شعور الرهبة من الموت وغفلته !
الحياة ليست مضمونة على الإطلاق !
شابا بكامل صحته وريعان شبابه بلحظة غير متوقعة يرحل من الحياة الدنيا إثر حادث مؤلم ومؤسف!
كان يخطط للغد مثل الجميع ، نهض صباحا ولم يتوقع لوهلة أن بنهاية هذا اليوم سينتهي ويفارق الحياة !
اشتدت الرهبة بقلب فرحة حتى انتبهت لذراع زايد وهي تجذبها لصدره العريض حتى يضمها برقة اليه وتحاوطها ذراعيه بحنان .. يبدو أنه قرأ أفكارها فأراد أن يبث لقلبها الأمان مرةً أخرى ..
قالت فرحة برجفة انتشرت بأوصالها :
_ صعبانة عليا مرات أبوك أوي يا زايد ، الضنا غالي أوي ، وموت الفجأة بيفجع الغريب ، ما بالك الأم ؟!
ربت زايد على كتفها وهمس بدفء وسكينة :
_ ده قضاء الله يا حبيبتي .. المهم دلوقتي مش عايزك تفكري كتير ، عشان نفسيتك ما تتعبش ..
عانقته بقوة وقالت بدعاء وخوف :
_ ربنا يخليك ليا وما أشوفش فيك أي حاجة وحشة أبدًا .. ده أنت روحي.
ابتسم زايد ثم تحرك قليلًا ونظر لعينيها الحبيبة وهمس وهو يلمس بشرة وجهها بأنامله برقة :
_ بموت فيكي وأنتي خايفة عليا .. أنتي عوضي بعد عمر من التعب ... عارفة يا فرحة ، أنا مكنتش متخيل أن في يوم ممكن تيجي سيرة أمي وأفضل هادي .. لكن دلوقتي ومعاكي بقيت مستعد اسمع واتكلم عنها بأمان .. أنتي صالحتيني على نفسي.
قبلت فرحة أنامله بمحبة ثم نظرت اليه بابتسامة وقالت برجاء :
_ هتكمل فرحتي لو اعتبرت مرات أبوك زي والدتك .. أنا عارفة أن مافيش أي حد يقدر يعوض مكان الأم ، بس هي بقت لا حول لها ولا قوة .. وأنا متأكدة أن ده شيء هيريح قلبها ، اعمل كده لوجه الله يا زايد مش هتخسر حاجة لو ناديتها بأمي.
نظر لها زايد بصمت للحظات دون أي تعابير بوجهه ، ثم قال بصدق :
_ الموضوع ده صعب أوي ، بس مش مستحيل .. أوعدك هحاول.
اتسعت ابتسامتها وضمته بقوة وهي تدعو أن يعم السلام أيامها القادمة ..
______________________________
وبعد مرور أكثر من شهر ...
زينت جيهان القصر الجنوبي بمساعدة أكرم والصغار استعدادًا للحفلة التي ستقام مساءً...
وبعدما أنتهت كافة التحضيرات اللازمة سرقها أكرم لزاوية بعيدة عن أعين الجميع وهمس لها بعشق:
_ أمتى بقا الحفلة تخلص ، بقالي ٢٤ ساعة مش عارف اتكلم معاكي براحتي !.
ضحكت جيهان التي اصبح وجهها مشرق ومتوهج من النور الذي ملأ قلبها وروحها بسعادة غامرة وقالت :
_ وهو أنا يعني كنت مسافرة ! .. ما أنا جانبك أهو.
ابتسم بنظرة ماكرة فضحكت بشدة وركضت بعيدة عنه لتتابع المتبقي من الأستعدادات اللازمة ..
وراقبها أكرم بابتسامة مغتاظة ونظرة عاشقة تتقاتل أشتياقا لها ..
وعندما دقت الساعة السابعة مساءً .. كانت المصابيح تزين كافة أنحاء القصر الجنوبي الذي بثت فيه روح الحياة والسعادة الحقيقية .. ووقفت عدة سيارات فارهة أمام البوابة الخارجية ، وخرج أولًا وجيه ومعه زوجته ليلى والصغيرتان .."ريميه ورامية "
ووقف أكرم يستقبل الحضور ولم ينفعل بظهور وجيه مثل المرة الأولى .. فعندما وقفا وجها لوجه مرة أخرى ابتسم أكرم بترحيب وقال :
_ اتفضلوا ..
نظر وجيه له وشاركه نفس الأبتسامة وقال :
_ محتاج اتكلم معاك شوية يا أكرم.
وصاح الشباب الأربعة والفتيات بمزاح وضحكات وهم يدخلون القصر ..
بينما جيهان كانت تنتهي من تزيين نفسها بغرفتها بالطابق الثاني ..
وعندما نظرت للمرآة وأعجبها بمظهرها بذلك الرداء الحريري الفضفاض من اللون الكريمي ابتسمت بسعادة لم تشعر بها يوما .. اليوم ها هي مع رجل قلبها الوحيد .. رجل يستحق أن يعشق بكل لحظة .. رجل أحبها بجنون مثلما تمنت الحب دائما..
رجل لا تترجي منه لحظات القرب بل هو من يجن جنونه لو ابتعدت خطوات !.
حلمت بالحب .. ولكنها عشقت !
تمنت النجوم وكان من نصيبها القمر ..
كانت مشرقة جدًا، بشرتها اصبحت أكثر نضارة وتلألأ أكثر من سنواتها العشرون !
السعادة مثل عصاة سندريلا .. تستطيع تحويل الأنطفاء للتوهج .. والهدم للعافية ، وصمت الأنهزام لضجيج الفوز ..
انتبهت لنقر على باب غرفتها فقالت :
_ ادخل .
بعد لحظات فتح الباب وظهر وجه ليلى المبتسم بمحبة صادقة وقالت :
_ ماقدرتش أصبر لحد ما تنزلي قولت أطلعلك أنا .. وحشتيني والله يا جيهان.
ركضت نحوها جيهان بابتسامة واسعة وعانقتها بترحاب شديد وهي تقول :
_ وأنتي كمان يا ليلى وحشتيني موت .. كلكم وحشتوني والله.
غمزتها ليلى وقالت بضحكة :
_ وطي صوتك لأكرم يفهم غلط زي المرة اللي فاتت .
ضحكت جيهان بصدق وهي من أخبرتها هاتفيا خلال الأسابيع الماضية بما حدث لها كليًا .. فقالت :
_ لأ .. أنا حكيت لأكرم كل حاجة ، الحقيقة كاملة .. والله ما قولت غير الحقيقة يا ليلى .. أنا مافيش راجل خطف قلبي غير أكرم .. وجيه ليه معزة جوايا لأنه ساعدني كتير أوي ووقف جانبي أكتر .. لكن احنا الأتنين عمر ما كان بينا حب أبدًا ...
ربتت ليلى بابتسامة على يد جيهان وقالت :
_ وأنا كمان فهمت وجيه كل حاجة عن أكرم وغيرت نظرته فيه .. وبصراحة هو فرحلك أوي وأطمن عليكي.
قالت جيهان بأطمئنان :
_ وجيه بعتبره أخويا وهيفضل كده دايمًا. .
وظهر فجأة وجه أكرم الذي يبدو أنه سمع ما قالته للتو ونظر لها بعشق .. ثم قال بابتسامة مليئة بالعاطفة :
_ كلهم بيسألوا عليكي يا چي.
احمرت وجنتيها بحياء وابتسامة ، حتى قالت ليلى لأكرم بسعادة صادقة :
_ ربنا يسعدكم ..
قابلها أكرم بنظرة شكر وابتسامة ، وأخذ جيهان بلمسة ناعمة ودافئة من يدها وأخذها حيث الحفل ..
وعندما أحاط الشباب والفتيات والصغار جيهان بالمزاح والضحكات بالطابق الأرضي ، وقف أكرم مع وجيه بزاوية منفردة وقال له وجيه بابتسامة :
_ أنا متأسف أني كنت فاهمك غلط .. بس أنا بعتبر نفسي أخوها الكبير وكنت خايف عليها ... لكن دلوقتي أنا مطمن ومبسوط عشانها ، هي تستحق كل خير يا أكرم .. وأنت كمان.
استطاع أكرم ابعاد عيناه العاشقة عن حبيبته جيهان بالكاد ، ثم نظر لوجيه بابتسامة وقال :
_ وأنا برضه كنت فاهم غلط ، وأسف أني قابلتك المرة اللي فاتت بطريقة سخيفة ..
تفهم وجيه وقال بلطف :
_ متفهم موقفك جدًا وعذرك .. أتمنالكم السعادة من كل قلبي والله.
ربت أكرم على ذراعه بابتسامة نابعة من قلبه ثم لم يستطع مقاومة أن يذهب اليها ويأخذها بين ذراعيه في رقصة بطيئة على أنغام شاعرية .. وفعل الشباب مثله .
همس يوسف لحميدة وقال وهو يتنفس بعمق :
_ شامم ريحة لحمة مشوية مجننة مشاعري !.
كانت حميدة تغمض عيناها في ابتسامة شاعرية حتى فتحت عيناها ببطء وتحولت ابتسامتها للغيظ وقالت :
_ اسكت يا يوسف عشان الضغط عندي عالي !.
وافق يوسف وهو ينظر حوله بتمعن بينما كانت تبحث عيناه عن البوفيه !!.
_________________________
نظر جاسر لجميلة بخبث شديد وهمس :
_ هموت وأشتري مكان زي ده لينا لوحدنا يا بيوتيفول ..
قالت جميلة بحالمية :
_ ويا سلام لو كوخ وجواه حصيرة وزير مايه وكانون ! .. مش عايزة حاجة تاني من الدنيا.
زم جاسر شفتيه بغيظ ثم قال من بين أسنانه :
_ ناقصك أهم حاجة
سألته بلهفة :
_ إيه هي ؟!
رد بنرفزة :
_ جاموستين وشوية برسيم .. رومانسية غيطاني أوي ! .. بت ما تفكريش تاني!. ..
ضحكت بقوة لتسفزه أكثر ثم قالت :
_ احسن برضه.
____________________
قالت رضوى لرعد وهي تنظر له بمحبة وعاطفة :
_ كنت بتقول ايه بقا من شوية ؟
همس مجددا بغمزة ماكرة :
_ نسافر قد شهر كده .. امتحاناتك قربت ولازم تغيري جو .. عشان تعرفي تذاكري بتركيز.
تظاهرت رضوى بالتفكير والتردد ، ثم قالت :
_ موافقة .. أما نشوف هتوديني فين بقا.
غمز رعد مرة أخرى وقال بابتسامة :
_ لا دي بقا خليها مفاجأة ..
___________________
أخذ آسر سما من يدها للحديقة حيث الهدوء والسكون ... وأخرج من جيبة علبة بها قلادة على شكل فراشة !... فغرت سما فاها من السعادة وخطفت العلبة من يده وقالت :
_ تحفة .. تجنن.
نظر له بمحبة وقال :
_ والله أنتي اللي تجنني .. جبتلك سلسلة غير اللي وقعت ننك وكنتي زعلانة عليها ، لقيت النهاردة الوقت مناسب عشان أهاديكي ..
قفزت سما بطفولية وسعادة وقالت :
_ ربنا يخليك ليا يا روح قلبي أنت.
ارتدتها سما سريعا وقالت له بتساؤل :
_ ها بقا ايه رأيك ؟ .. مش حلوة عليا؟
ابتسم آسر بعاطفة شديدة وكان إجابته لحظات عاطفية بينهما ..
______________________________
نظرت ليلى للجميع بابتسامة نابعة من قلبها حتى شعرت بأنامل وجيه على أناملها بلمسة دافئة ، فنظرت له ووجدته غارقا بالنظر بعيناها التي يعشقها ... كادت أن تقول شيء حتى همس قائلًا :
_ راحة البال لما بتتجمع مع السعادة والحب الحقيقي في قلب واحد بيكون أمتع شعور ممكن يحس بيه البني آدم.
وتابع بمحبة :
_ لحد دلوقتي مش مصدق أنك رجعتيلي يا ليلى ..
توردت وجنتي ليلى وقالت بحياء وهي تنظر حولها بقلق :
_ كلامك ده بيموتني كسوف واحنا لوحدنا ، ما بال بقا واحنا في وسط ناس ..
غمز لها بابتسامة فابتسمت ليلى واشاحت بوجهها بحياء عنه ..
_____________________________
قبّل أكرم جبين جيهان وقال بصوت يبدو عالٍ:
_ عوض الأيام ونصي التاني يا چي ... بحبك.
حملها ودار بها وسط الحضور مما جعل الشباب والصغار يصفرون بصياح .. فضحكت جيهان وقالت بهمس له :
_ طب براحة عليا .. هو أنا نسيت أقولك....أني حامل .
تجمد أكرم للحظات وصرخت الصغيرة ريميه بهتاف وسعادة وقالت :
_ ماما جيهان هتجيب نونة زيي ..
ابتسم أكرم ببطء وهو يشاهد بصمت مباركة وتهنئة جميه الحضور لجيهان ولم يصدق ما سمعه للتو .. حتى ضمها بسعادة وعيناه تلتمع بدمعة حبيسة وسعادة مطلقة وهمس لها قائلا :
_ اكيد عملت حاجة حلوة كبيرة أوي في حياتي عشان أبقى دلوقتي فرحان كده !.
ضمته جيهان بابتسامة واسعة ... ثم ذهبت للصغيرة ريميه وقالت لها بمحبة بالغة :
_ أوعي تبطلي تدعيلي يا ريمولينا .
طبعت ريميه قبلة ناعمة على خد جيهان وقالت بعناق :
_ أبدًا أبدًا يا أم النونة .
ضحك الجميع على جملة الصغيرة ومضت السهرة بين المباركات والمزاح ... ورفع أكرم أناملها لشفتيه بقبلة ناعمة أمام الجميع.
____________________________
ذرعت سمر الشقة ذهابا وايابا بعدما خرج أمجد منذ ساعات ولم يعد حتى الآن ... وقالت بعصبية :
_ ما صدق الجبس اتفك وبقا يخرج ويسهر كمان البيه .. طيب يا أمجد لما ترجع بس ...
ظلت هكذا لساعات أخرى حتى دقت الساعة الحادية عشر مساءًا ...
ورغما عنها غفت على كنبة بالصالون دون أن تشعر عندما طال أنتظاره !...
وفجأة شعرت سمر بأنامل دافئة على بشرتها .. فتحت عينيها ببطء لتجد أمجد جالسا بجانبها مبتسما بنظرة عاشقة ، اعتدلت بعصبية وكادت أن تهتف به حتى فوجئت بالغرفة التي اصبحت اضاءتها خفيفة .. وشموع مضاءة بعدة زوايا بطريقة شاعرية .. وهمس لها أمجد بنظرة مليئة بالأشتياق :
_ اتأخرت شوية أسف ... بس كنت بجيبلك هدية تفرحك ..
ارتبكت سمر وهي تنظر لعيناه الجريئة .. ونظر للعلبة الكبيرة وقالت :
_ كل دي هدية ؟! ... يا ترى فيها ايه ؟
سحب أمجد العلبة وفتحها أمام عينيها ، ليخرج منها فستان فاتن من المخمل بلون قرمزي داكن وهمس لها قائلًا :
_ اكيد هيبقى يجنن عليكي ..
ابتلعت سمر ريقها ونهضت من مكانها وتظاهرت بأنها ترغب بشدة أن ترتديه لترى كم يناسبها ، بينما كانت تريد الأختباء من نظراته التي تجعلها ترتعش خجلًا ....
وبعد دقائق خرجت سمر من غرفتهما بعدما ارتدته ووضعت بعض مساحيق الزينة على وجهها ليكتمل المظهر ..
خرجت ووجهها اكتسا بالحمرة والحياء ، وقابلت نظراته التي تتعنق بعيناها كأنها تريد أن تخبرها شيء .. ثم وقف أمامها للحظات ثابتا .. وبعد تلك اللحظات جذبها اليه برقة وقوة وقال لعينيها الحبيبة بعشق :
_ يوم ما نسيت حتى اسمي فضلتي أنتي الوحيدة جوايا حاجة مش قابلة للنسيان .. احنا الأتنين اتعذبنا كتير أوي في اللي فات .. أظن جه ميعاد فرحتنا ..
نظرت له سمر بدموع وسعادة بآن واحد وقالت :
_ حلمي أتحقق وشوفتك الحمد لله واقف على رجلك من تاني يا أمجد .. أنا حاسة أني مش عايزة أي حاجة تاني من الدنيا .
اقترب منها بعاطفة وهمس :
_ وأنا مش عايز غيرك أنتي ...
ودقت أجراس السعادة بروحهها وروحه .. وتاها بعالمها الخاص بعد ذلك.
وبالنهاية وآخر القول ، أن مذاق السعادة يشتد كلما أشتدت كؤوس المر ..
وأن دوام الحال من المُحال ... فإذا كان هناك خريف .. فهناك أيضا الربيع ..
هكذا الحياة ... أعقاب ونوافذ مغلقة .. أوراق الحظ ، أحيانا خسارة ...وأحيانا فوز ..
تمت