رواية لعنة الصعيد الفصل الثالث 3 بقلم نور الشامي


 رواية لعنة الصعيد الفصل الثالث 


كانت عالية تجلس على الأرض تلتف حول نفسها كطفلة فقدت حضن أمها... قطرات الدم الجافة على يديها والسكين ملقاة بجوارها لكن كل ما شعرت به لم يكن انتصارا ولا ندما… بل خوفا مريرا....... كانت تبكي بهدوء و عيناها متورمتان، وكتفها لا يزال ينبض بالألم… فهمست لنفسها بصوت مرتعش:

أنا مش مجرمة... والله ما كنت ناوية أأذيه... أنا كنت بدافع عن نفسي... هو كان هيجتلني... أنا مش مجرمه.. أنا مش زيهم

تردد صدى بكائها في الغرفة الواسعة ولم تنتبه للباب وهو يفتح ببطء ولا لخطوات الفتاة التي اقتربت منها حتى وقفت أمامها. فـ رفعت عالية رأسها في ذهول حين سمعت صوتها وهي تهتف :

جومي... بسرعة... مينفعش تجعدي اهنيه أكتر من اكده

نظرت لها عالية بذهول وهي تمسح دموعها بكف مرتجف و تمتمت:

انتي... إنتي مين عاد 

انحنت الفتاة نحوها وفكت القيد الذي ربط به معصمها، ثم رفعت عينيها وقالت بثبات:

أنا اسمِي يمنى... كنت خطيبة كمال

تجمدت عالية مكانها وازدادت نظراتها ذهولا و تمتمت:

خطيبته...؟! وانتي بتساعديني ليه؟ دا أنا... أنا جتلته

أجابت يمنى بهدوء يخفي مرارة قاسية:

علشان كان يستاهل... ال عمله فيكي ميعملوش راجل... وأنا مش هجف في صف واحد زي دا حتى لو كان خطيبي

شهقت عالية ونظرت لها بحذر، وكأنها لا تصدق ما تسمعه فـ سألتها بصوت منكسر:

طيب... إنتي هتوديني فين عاد 

أجابت يمنى وهي تمسك يدها:

يلا امشي... قبل ما شهاب يعرف إنك لسه اهنيه... هو ناوي يخلص عليكي... أنا سمعته... مش هيسكت بعد ال حوصل

قالت عالية بخوف:

بس... هروح فين عاد 

نظرت يمنى لعينيها وقالت بإصرار:

هتروحي لعيلة جوزك... أهل عادل. لو في حد هيحميكي، يبجى هما... يلا بينا قبل ما الوجت يفوت

خرجتا معا بخفة عبر الممرات ويمنى تنظر خلفها كل لحظة حتى وصلا إلى الباب الخلفي حيث كانت سيارتها الصغيرة تنتظر. وركبت عالية بجوارها ما زالت عاجزة عن استيعاب ما يحدث.... لم يتبادلا الكلام طوال الطريق... فقط صوت المحرك يرافق ارتجاف أنفاس عالية وبعد فترة من السير توقفت يمنى أمام  منزل  والد عادل ونظرت إليها يمنى وقالت بصوت هادئ:

انزلي... وخلي بالك من نفسك... لو حد سألك جولي إنك كنتي بتدافعي عن نفسك… ومتنسيش.... شهاب مش هيرحمك لو وقعتي تاني في إيده

نظرت لها عالية بعينين دامعتين وهمست:

شكراً… إنتي أنقذتيني... رغم كل حاجة.

ابتسمت يمنى ابتسامة باهتة وقالت:

— "أنا مبحبش أشوف ست مكسورة... حتى لو خطيبي مات بسببها... هو ال جاب دا كله لنفسه... يلا ربنا معاكِ.

ترجلت عالية من السيارة وقبل أن تغلق الباب نظرت ليمنى مرة أخيرة وهمست:

هفتكر الجميل دا طول عمري

ثم أغلقت الباب وتحركت السيارة مبتعدة، بينما عالية وقفت أمام الباب، تتنفس ببطء… خطوات جديدة نحو مصير لا تعلمه وفي المساء.. كان الليل قد أرخى سدوله على بيت شهاب لكن الظلمة التي كانت تخيم في القلوب كانت أعمق من ظلمة السماء.... الهواء مشحون بالتوتر والصمت يسبق العاصفة وفي وسط الصالة الكبيرة كانت يمنى واقفة بجسد مشدود ونظرات متحدية بينما سعاد والدة شهاب تكاد تنفجر من الغضب وفجأة، رفعت سعاد يدها وصفعت يمنى بقوة على وجهها وصرخت وهي ترتجف من شدة الغضب:

إنتي خاينة.... جبتي العار لينا... دي ال جتلت ابني وبتساعديها؟!"

وضعت يمنى يدها على خدها، والشعلة في عينيها لم تنطفئ، ثم صرخت بأعلى صوتها:

خاينة...... أنا؟! دا ابنك هو الخاين... الزبالة ال معندوش لا أصل ولا احترام.... ال عمله في البنت دا ميعملوش حيوان ويستاهل ال حوصله 

شهقت سعاد ورفعت يدها من جديد لتصفعها لكن هذه المرة...
أمسك شهاب بذراع والدته في اللحظة الأخيرة وصوته خرج حادا:

كفاية يا حجه... كفايه اكده 

ثم نظر إلى يمنى بنظرات باردة ونبرة صوته كانت مشبعة بالغضب ولكنه تمالك اعصابه مرددا :

بالنسبة لينا... علاقتك انتهت من يوم ما مات أخوي... وال أنقذتيها دي... أنا هوريها عذاب عمرها ما شافته.. مش هتجدر تهرب مني اصلا 

اقترب  شهاب خطوة منها وهو يضيف بجمود:

أنا لسه سايبلك احترامك علشان كنتي خطيبة اخوي....بس  دلوجتي امشي... بهدوء

نظرت إليه يمنى والدموع تتلألأ في عينيها اكن صوتها كان ثابتا، مشحونا بالحق:

عالية مظلومة... وأي بنت مكانها كانت هتعمل أكتر من اكده... متخليش الانتجام يعمي عيونك يا شهاب... لأنك اكده بتكمل جريمة أخوك 

ثم استدارت وغادرت باب البيت وظلت سعاد واقفة لحظة، ثم اقتربت من ابنها وانهارت تبكي وهي تمسك بذراعه:

اوعى تسيبها يا شهاب... لازم تنتجم منها... لازم تدفع التمن... زي ما جتلت أخوك، لازم تروح وراه

كان شهاب ساكنا، عيناه تلمعان بالغضب المكبوت، إلى أن قاطعه أمين زوج ناريمان اخته وقد وقف على بعد خطوات:

فكر كويس يا شهاب... وبلاش تتسرع. فيه حاجات مينفعش تتصلح بعدين.

نظر إليه شهاب دون أن يرد، ثم أدار وجهه ومشى بعيدا و خطواته الثقيلة تصدح في صمت البيت... وكل عين فيه معلقه على طريق الانتقام الذي بدأ لكن لا أحد يعلم إلى أين سينتهي وفي الصباح كان صباح ساكنا بطريقة غريبة... لا صوت يسمع في البيت الكبير سوى صوت أنفاسها المتقطعة حيث جلست عالية على طرف السرير، تنظر إلى الفستان الأبيض الجديد الموضوع بعناية فوق الأغطية، تلمسه بأطراف أصابعها كأنه شيء غريب لا يخصها...لم يكن يشبه فستانها الأول، لا في القماش ولا في الحلم...... كانت نظراتها خاوية، وقلبها يضج بالأسئلة والوجع، حين انفتح باب الغرفة بهدوء، ودخلت أمها، تتأمل وجهها المتعب ثم قالت بصوت مبحوح:

انتي مقتنعة بالجوازة دي يا بنتي..... خلي بالك يا عالية... دا مش عادل، دا أخوه.... الشخصيتين مختلفين نهائي.... عادل الله يرحمه كان حنين وطيب، وكان بيخاف عليكي.... أما دا... أنا مش مطمناله.. وحاسة إنك مخبية حاجة.

نظرت لها عالية بصمت ودموعها تتجمع في عينيها، لكنها كانت غارقة في أفكارها وهي تردد في نفسها: 

ليه محدش اتكلم؟... كمال مات... واندفن... وعيله كبيره زي دي محدش حس..... فين الصحافة؟ فين الناس؟ ليه كل حاجة اتدفنت معاه... إي ال بيوحصل حواليا؟ وليه الكل ساكت اكده

أفاقت من شرودها ومسحت دموعها بسرعة وهمست بصوت مرتجف:

دا الصوح يا حجه ... وربنا يعلم أنا قد إي موجوعة و

قبل أن ترد الأم، انفتح الباب فجأة ودخلت فتاة طويلة القامة، ملامحها مشتعلة بالغضب... كانت نورا  زوجة طارق الأولى اخو عادل ووقفت على الباب ونظراتها مشتعلة، وقالت بحدة:

الصوح..... الصوح إنك تتجوزي جوزي..... أنا كنت بحبك... بعتبرك أختي.... بس انتي طلعتِ معندكيش لا أصل ولا رحمة..... جيتِي على خراب بيتي وفرحتي... ربنا ياخدلك فرحتك زي ما خطفتي مني حياتي...... ربنا يوريني فيكي يوم... يوم تخسري فيه كل ال بتحاولي تتمسكي بيه.

واستدارت وخرجت.... وصفقة الباب دوت في قلب عالية أما عالية، فانهارت على طرف السرير وفي المساء كانت تقف عاليه ترتجف في فستانها الأبيض والدموع تغسل وجهها وتخنق صوتها وهي تجلس بجانب شقيق عادل المتشح بالسواد والعيون كلها عليها والقلوب تنتظر الكلمة حتي نظر اليها المأذون بهدوء وسأل:

جولي يا بنتي... موافجه على الجواز دا

ارتعشت شفتاها لكنها لم تجب... فقط شهقاتها كانت تتحدث نيابة عنها وصوت بكائها كان أقوى من كل الأصوات...وفجأة... الباب انفتح بقوة، ووقف عنده شهاب وصوته هز القاعة:

وجفوا كل حاجة... عاليه دي تبجي مرتي... مرتي على سنة الله ورسوله 

عم الصمت في القاعة كأن الزمن توقف والعيون اتسعت والوجوه تصلبت من الذهول، لم يكن أحد يتوقع تلك الصاعقة التي نزلت على رؤوسهم حين أعلن شهاب:

جولت وجفوا كل حاجة... عالية دي تبجى مرتي... مرتي على سنة الله ورسوله.

لم يتحرك أحد وكأن القاعة تحوّلت إلى تماثيل صخرية... حتى شهقة عالية خرقت السكون، فقامت واقفة، وثوبها الأبيض يهتز مع رجفة جسدها، تصرخ بانكسار وغضب:

انت بتجول اي عاد... انت اتجننت... جواز إي.. أنا معرفكش أصلا

وفيما كانت كلماتها تتناثر كالسكاكين... تحرك طارق  بخطوات غاضبة ووجهه متورم من الصدمة وصاح بعصبية:

إنت جاي تتهبل علينا ولا اي عاد... إنت مين علشان تجول دي مرتك.... دا كتب كتابنا دلوجتي... شوفتي... شوفتر يا ست عاليه المصايب ال بتجيلنا من تحت راسك... جسما بالله لـ هربيكي من اول وجديد 

القي طارق كلماته واقترب من عالية ورفع يده كأنه سيصفعها لكن يد شهاب سبقته وضربه لكمه قوية أوقفت كل الأنفاس. ارتد طارق إلى الوراء مترنحا، والوجوم لا يزال يخيم على الحاضرين.
ثم أخرج شهاب ورقة مطوية من جيبه كانت  قسيمة زواج رسمية ورفعها أمام الجميع قائلاً بصوت جهوري:

اتجوزتها... من أسبوع... ودا الدليل. حد عنده كلام؟

تأوهت أصوات خافتة في الصفوف الخلفية، وهمسات تتبادل بين النساء، إلى أن صاح طارق وهو ينظر إلى أمها بعينين متسعتين:

شوفتي بنتك ال كنتي بتدافعي عنها.... أنا جولتلك من الأول دي مش كويسة، دي قليلة الأصل والربابه 

لكن شهاب اقترب منه، ونظر إليه بنظرة صلبة كالفولاذ وقال بصوت منخفض لكنه حاد:

كلمة كمان وهخليك تدفع التمن غالي... عالية دي مرتي... وأي حد هيقرب منها هجتله 

ثم التفت إلى عالية، ومد يده نحوها قائلاً:

يلا... كفاية قرف... المكان ده كله سم اهنيه 

نظرت إليه عالية وعيناها تدمعان، جسدها يرتعش من الموقف، لكن دون أن تنطق، أمسك بيدها وسحبها خارج القاعة وسط ذهول الجميع، والهمسات تتبعها كالسكاكين في الظهر...وأُغلق الباب خلفهما بصوت مكتوم وبعد فتره في منزل شهاب كان يسحبها  إلى غرفته بخطوات سريعة وقبضة تزداد شدة كلما حاولت أن تفلت يدها المرتجفة منه حتى فتح الباب ودفعه بعنف وأدخلها ثم أغلق الباب خلفه بصوت كاد يهز الجدران. وارتدت إلى الوراء بخوف وجسدها التصق بالجدار وعيناها تتوسلان، قبل أن تصرخ بصوت مبحوح:

عايز مني إي... حرام عليك ما تسيبوني في حالي بجاا.. انتوا شياطين والله اكيد مش بشر زينا 

وقف شهاب أمامها يتنفس بثقل وعيناه لا تحملان إلا الغضب والحقد ثم اقترب منها خطوة بخطوة وقال بصوت هادئ... لكن يحمل في طياته عاصفة:

فاكرة إنك هتهربي مني؟ بعد ما موتي أخوي؟ والله لـ تدفعي التمن غالي... وهتشوفي

خلع شهاب جاكيته ببطء، ثم تبعه بالقميص، ونظراته لا تفارق وجهها، وهي ترتجف وتهمس:

إنت... إنت ناوي تعمل إي 

ابتسم بسخرية مرة وقال:

مش أنا لسه جايل للكل إنك مرتي.... أهو هنعمل زي أي اتنين متجوزين

صرخت عاليه  وهي تهز رأسها بعنف:

بس أنا مش مرتك! وده كله كدب وإنت عارف اكده كويس

ردد شهاب وهو يقترب منها ببطء شديد وصوته كالسم:

أثبتي بجا... وريني إنك مش مرتي... لو عرفتي

وفي اللحظة التالية دفعها بقوة نحو السرير وجسدها ارتطم بالفراش وهي تصرخ وعيناها تملؤهما الفزع والدموع، ويداه تقتربان منها ببطء، يمد يده لثوبها… والشرر يتطاير في عينيه، بينما هي تتوسل وتقاوم و 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1