![]() |
رواية إنما للورد عشاق الفصل الثالث بقلم ماهي عاطف
عاد من الخارج يترنح بخطوات متعثرة، وذهن غير واع، رائحته مفعمة بالخمر. كان الظلام دامسًا يعم المكان، لكن بعينيه الشبه مغلقة استطاع رؤية شخص ما يجلس فوق فراشه. لم تبين ملامحه من الظلام، هيئته تنبعث منها شرارات الغضب. استطاع بصعوبة أيضًا فتح الضوء ليجد نظرات والدته النارية نحوه؛ فنفخ في سأم من تواجدها هنا في وقت لا يصح فيه الحديث بتاتًا.
جلس فوق الفراش يخلع حذائه عنه غير عابئ بتلك الواقفة أمامه بملامح متهجمة من هيئته المقززة لكل من يراه. عقدت ساعديها أمام صدرها لتتفوه بإستخفاف: بعد إذن قلة احترام جنابك ليا، تقوم تكلمني.
حرك رأسه بنفي؛ لتتحرك نحو الغطاء الموضوع فوقه ثم ألقت به على الأرضية، مشيرة بسبابتها قائلة بتحذير: يا تقوم تكلمني زي ما قلت، يا أقسم بالله رد الفعل بعدين مش هيعجبك يا فريد.
نفخ بعصبية قائلًا باحتدام: أنتِ مش شايفة إني تعبان ودا وقت نوم يا ماما، والا أنتِ طول اليوم بتبقي صاحية مبتناميش؟
رمقته شزرًا متفوهة بنبرة ساخرة: وهيجي نوم منين يا حبيبي وأنت وأخوك مخليني مش عارفة أتهنى بحياتي.
قهقه باستهزاء قائلًا باقتضاب: خليكي بس أنتِ في حياتك وسيبي كل واحد في حاله، وصدقيني كله هيبقى تمام.
لكزته بقوة في ذراعه ليتأوه، فبتر حديثه بعصبية: ممكن أعرف سيادتك طول اليوم بتبقى في أوضة الست ورد ليه؟
ازدرد لعابه بتوتر بالغ، فأردف بتلعثم: وأنا هعمل إيه في أوضة بنت عمي يا ماما؟
بشراسة أجابت: قول أنت بقى بتعمل إيه في أوضتها، أصل مش كل ما أجي هنا أشوفك ألاقي البت اللي أنت جايبها تخدم عليك تقول ليا إنك عند ورد.
فتابعت بغيظ: ثم هي مش بتسمع كلامي ليه؟ كل ما أقول لها تعمل لي حاجة تقول أنا بخدم فريد باشا بس، دا ليه يا خويا إن شاء الله؟
قهقه برجولة مغمغمًا بدعابة وتعالٍ: علشان أنا هنا الملك يا حبيبتي، لازم الكل يسمع كلامي واللي بتخدم عليا بتنفذ تعليماتي.
أطلقت شهقة فتحدثت بامتعاض: بقى أنت اللي قايل لها متسمعش كلامي؟
أومأ لها بلامبالاة مستطردًا بمكر: طول ما أنتِ بتضايقي ورد مش هخلي حد هنا يسمع كلامك.
أجابته بشيء من الحدة: بقى كده، كل دا علشان السنيورة؟
تحدث بغضب عارم: بقول لك إيه يا ماما، أنا دماغي هتتفرتك من الصداع، يلا طريقك أخضر.
رمقته بتقزز ثم غادرت دون أن تنبس بكلمة أخرى، متوعدة بداخلها لفعل العديد في تلك الورد. بينما "فريد" فرك جبهته بإرهاق، ملتقًا هاتفه فجاءه الرد
قائلًا بنبرة جادة: ساعتين وتطلعي لورد هانم العصير وتجي الأوضة عندي تصحيني.
فتابع بشراسة: و زي ما قلت لك، ماحدش يشرب من العصير دا غيرها، أنتِ سامعة يا سعاد؟
أغلق الهاتف ثم ارتمى فوق الفراش غائصًا في سبات عميق دون الشعور بالشفقة نحو ما يفعله بأبنة عمه ومعشوقته، كأنه فقد الإحساس.
****
جلست فوق المقعد، تنظر نحو البحر، شاعرةً بانتعاش على غير العادة. شعورٌ مختلف كليًا عن استنشاقها لتلك العقاقير. أغلقت جفونها متنهدةً بعمق، فحينما تتوقف عن التفكير به يجعلها تشعر بالارتياح. لكن باتت أحلامها جميعها مرهقة، ومازالت تتساءل: هل هي بداية لمرحلة جديدة أو نهاية لكل شيء؟
أطلقت زفرة محملة بالأوجاع لوجعها المكبوت بداخلها، لحديثها الخفي عن عشقها، تشعر نحوه بوجع وقلب مهترئ، بمرارة فقدانه وضياع حبها الذي بات كالسم منتشرًا في أشلاء قلبها.
لم تنكر حقيقة ضربات قلبها الشغوفة حينما تلمح طيفه، مدركةً حبها له بعشق متيم، لكن أصبح الأمر معقدًا بالفعل لإنشغال عقله وقلبه بابنة خالته. استفاقت من اضطراب دواخلها، واقفةً في موضعها كي تسير فوق الرمال عائدة لحالة الشرود مرة أخرى، كأنها جاءت لتجلد ذاتها وليس آتية للمتعة.
شعرت بنداء شخص خلفها، فالتفتت نحوه بجمود عكس ما بداخلها، فهدرت به: نعم، عايز إيه؟
ازدرد لعابه بصعوبة من نبرتها المتهجمة، قائلًا بنبرة هادئة: مجرد سؤال والله، مش أكتر.
هدأت قليلًا من ذاتها، فأومأت له بعينيها ليستطرد بتساؤل: سرحانة ليه وشايلة هموم الدنيا؟
لا تعلم بما تجيب، فطأطأت رأسها أرضًا، مما جعله يتمادى ويضع أنامله أسفل ذقنها كي تنظر نحوه. فلم يشعر بذاته سوى إنه فوق الرمال من قوة الصفعة التي أخذها للتو.
اتسعت عينيها بصدمة حينما وجدت "عاصي" يلكمه بقسوة، فجعله يرتطم بالأرضية بقوة، ولم يغمض له جفن من فعلته. ابتعدت للخلف قليلًا عن نظراته المخترقة لها؛ فبات جسدها يرتجف بقوة.
بينما هدر به بغضب عارم: تعرفها منين علشان تلمسها كده يا حيوان؟
ثم اقترب منها كالأسد المنقض على فريسته، يجذبها من رسغها غير عابئًا بمن حوله، فرد بعصبية شديدة: وأنتِ إزاي تسمحي له بكده يا آنسة فرح؟ وإلا علشان أبوكي وأمك ماتوا هتبقي سايبة؟ لأ فوقي دا أنا اقتلك مكانك.
لم تحتمل حديثه القوي الصادم لها، فنفضت يدها عنوة ثم هرولت للأعلى كي تستطيع البكاء. فمهما حدث لا ترغب برؤية أحد لدموعها بتاتًا، فبرغم هشاشتها تتصنع القوة.
ظلت ثلاث ساعات حبيسة بغرفتها، عبراتها المتساقطة بغزارة فوق وجنتيها لم تتوقف؛ فالصدمة من حديثه مازالت حليفتها. فلأول وهلة يصيح بها بتلك الطريقة السيئة، حديثه اللاذع المهين لها. طيلة الآونة الأخيرة وجدت معاملته نحوها بحنو كي لا تشعر بالغرابة بينهم، لكن اليوم شعرت بأنه شخص مجهول عنها لا يهمه أمرها.
انفتح باب الغرفة بعدما رفضت دعوة الطارق للدخول، فمسحت عبراتها حينما وجدتها زوجة عمها. اقتربت منها بشفقة من هيئتها الباكية المزرية، ربتت فوق ذراعها بحنو قائلة بآسف: حقك عليا أنا يا فرح، متزعليش يا حبيبتي.
طأطأت رأسها أرضًا قائلة بتحشرج حزين: شوفتي عاصي بيقول لي إيه يا روزا؟ بيعايرني علشان مليش أهل.
وكزتها بخفة مجيبة بنبرة ساخرة: أومال احنا إيه بقي؟ دا احنا أهلك وناسك غصب عنك أنتِ وهو، لو كنتي ناسية.
حركت رأسها بالنفي لتتحرك نحو الخزانة كي تعد حقيبتها من جديد، قائلة بنبرة مهزوزة: أنتِ وعنان فوق رأسي، لكن الوضع دا مش هيستمر خلاص، زي ما بيقولوا طفح الكيل.
رمقتها بعد فهم، مستطردة بتساؤل: يعني إيه؟
زفرت بعمق قائلة بجدية شديدة: أنا هبيع كل حاجة تخصني هنا وهسافر أقعد في أي بلد تانية.
لتتابع بمرارة: أنا أهلي لو كانوا عايشين كان زماني بتعامل ملكة، مش كل شوية إهانة يا مرات عمي، أنا تعبت.
اقتربت منها برجاء، أجابت: طب أهدي علشان خاطري، بلاش تقولي كلام زي كده يا فرح، والله هزعل منك.
تنهدت قائلة بنبرة خافتة: زعلك وأنتِ فوق رأسي والله، ويشهد ربنا بحبك وبحترمك قد إيه، بس توصل بعاصي يقلل مني مش هسمح بده أبدًا.
تفوهت الأخرى بصرامة: اسمعي الكلام ماتبقيش عنادية زي أمك الله يرحمها، والله هرجع أجيبه مخصوص يعتذر لك.
لم تجد إجابة منها، فحركت رأسها بيأس مغادرة دون أن تنبث بكلمة، بينما "فرح" لم تعي بحديثها، فوضبت حقيبتها ثم وضعتها بجوار الفراش، وجاءت لتتحرك نحو المرحاض، لكنها لمحت شاشة هاتفها تنير معلنة عن اتصال، فهرولت نحو الباب لتحكم إغلاقه، فردت بتوجس شديد: عايز إيه؟ مش قلت لك متتصلش بيا غير لما أكلمك؟
تحدث الطرف الآخر بمكر: براحة بس علينا يا فروحة، دا أنا بكلمك علشان جبت لك حاجة حلوة أوي، هتمزجك على الآخر.
قلبت عينيها بملل، فتحدثت بضجر: هو أنت بيجي من وراك حاجة حلوة يا فخري؟
قهقه مغمغمًا بنبرة ساخرة وتحذيرية في آن واحد: الله يكرم أصلك، هعدي لك تريقتك وكلامك دا علشان لو معدتهوش مش هتلمحي تظبيط دماغك تاني.
ازدردت لعابها فصمتت كي لا ينفذ قوله، فتابع بإزدراء: بكلمك علشان أقول لك جبت لك برشام جديد، نزل السوق هيخليكي تركبي الطيارة وتلفي العالم كله.
تحدثت برفض قاطع: لأ، أنا قلت لك آخرها شنط إنما حقن وبرشام انسي.
قال بحنق من رأسها اليابسة: طول عمرك فقرية وبترفضي النعمة.
تحدثت بنفاذ صبر: لأ دا أنت شكلك اللي محتاج فلوس، فعايز أي مصلحة والسلام.
لتتابع بغضب عارم: بقول لك إيه، بلاش رغي، دماغي مصدعة، ومش كل شوية تهددني، فلوسك بتاخدها وملكش حاجة عندي، يعني عجرفتك معايا دي تنساها فاهم.
أغلقت الهاتف ثم اقتربت من الباب كي ترى هل يوجد أحد أم لا، فتنفست الصعداء حينما وجدت المكان بالخارج شاغرًا، ثم توجهت نحو المرحاض مرة أخرى.
***
تراجعت للخلف عندما وجدته أمامها فجأةً، ابتلعت ريقها برعب عصف بكيانها، بينما هو يتقدم منها بتمهلٍ شديد كأنه يستلذ بالخوف الذي تزرعه نظراته المخترقة بداخلها.
حركت رأسها بنفي ونظراتها الجزعة تتوسله أن يرأف بها هذه المرة فقط. لكنه استدار على غفلةٍ ينظر أمامه قائلًا بمكر: متخافيش، مش هاجي جنبك بس لو سمعتي الشرط اللي هقوله، هديكي أسبوع راحة من غير ضرب، اتفقنا يامريومة؟
أومأت له بتلهفٍ ليتابع بنبرةٍ حادة: عزمت صاحبي ماجد على الغداء يعني نص ساعة بالكتير وهتلاقيه هنا. عايزك تقلعي النقاب اللي لبساه دايمًا ده وتلبسي الفستان الأحمر اللي على السرير جوه وشوية أحمر وأخضر في وشك. عايزك حلوة من الآخر.
أزدرد لُعابها بصعوبة لتقول بتلعثم جعله يبتسم بإنتشاءٍ حينما شعر بتوجسها نحوه: بس حرام كده يامُعاذ، أنا منتقبة ومينفعش راجل غريب يشوفني و...
أمسكها من رسغها بقوة جعلتها تتأوه، فتحدث بخشونة: بتعصبي أمي ليه دلوقتي؟ قلت تسمعي الكلام من غير بجاحة ومناقشة.
نفضت يدها عنوة، فهدرت به ولم تحتمل ما يريده ويفعله بها، فقد طفح الكيل: مش هسمع حاجة منك، يخربيتك دا أنا أختك بتعمل فيا كدة ليه؟ منك لله سيبني في حالي بقى.
جذب خصلاتها المتحررة من الحجاب بعنف لتصرخ به أن يتركها، لكنه حرك رأسه بنفي بشراسة، أجاب: مش هسيبك وهفضل أزهقك في حياتك لحد ما تنتحري زي ما خلتيها تنتحر.
تساقطت العبرات فوق وجنتيها، ثم حركت رأسها بقوة مبتعدة عنه لتقول بلهاث نتيجة الفرار من قبضته القوية، قائلة بصوت لا حياة فيه: ورحمة بابا وماما، هي اللي قتلت نفسها علشان مش عايزة تخلف منك، والله العظيم سمعتها بتقول لواحد كده قبل ما تنتحر بساعة.
لتتابع بنحيب: والله العظيم دا اللي حصل، أبوس إيدك سيبني أمشي ومش هتشوفني تاني، بس الرحمة هموت في إيدك.
جاء ليقترب منها كي يلطمها بقسوة كي تكف عن حديثها هذا، لكن قاطعه طرقات الباب لينفخ في سأم، مشيرًا بسبابته بغضب سافر: حظك حلو ماجد لحقك مني، بس والله ما هسيبك يا مريم.
قامت بتجهيز الطعام لهم وسط نحيبها وارتجاف جسدها الضعيف من حياتها المريرة البائسة، ذعرها الدائم من قسوة شقيقها ومعاملته الفظة معها. رحب "مُعاذ" برفيقه بحفاوة، ليبتسم الآخر بتكلف ثم ذهب نحو الطاولة حيثما أشار "مُعاذ" لتناول الطعام.
بعد ثوانٍ، خرجت "مريم" بعدما هندمت ثيابها ومسحت عبراتها الغزيرة، فيكفي ما تشعر به من عذاب يفترسها لقلة حيلتها بما يحدث معها، ذعرها وخضوعها الدائم، ضعف شخصيتها.
استفاقت من اضطراب دواخلها على صوت "مُعاذ" يصك أسنانه ببعض، أقسمت بأنها شعرت بغضبه نحو ارتدائها لملابسها من جديد، لكن لا يهم غضبه فليذهب إلى الجحيم ولا تغضب ربها. تحدث شقيقها بخشونة: مريم أختي يا ماجد.
طأطأ "ماجد" رأسه أرضًا ردًا باحترام: أهلًا وسهلًا بحضرتك.
غمغمت له بالإجابة كابحة قهقهتها على هيئة شقيقها الغاضبة نحو رفيقه لإحترامه الزائد؛ فهو يرغب بأنه يراها ويفعل مايرغب به من شهر وهو يفكر وعندما تسنح الفرصة كل شيء يصبح كالرماد !!
رمقها "مُعاذ" بعيون كالصقر لتبتلع ريقها ثم انتهت من وضع الطعام وركضت نحو غرفتها تحتمي بها من بطشه
فحمحم قائلًا بنبرةٍ خافتة: إيه رأيك فيها ياماجد؟
رفع حاجبيه بدهشةٍ ليقول بتساؤل: مش فاهم رأيي في مين؟
زفر "مُعاذ" بعمق قائلًا بمكر: هيكون مين غيرها معانا، مريم أختي
وقف "ماجد" في موضعه بحدة أجاب: متكملش يامُعاذ، وأنا مرفعتش عيني ناحية أختك علشان عقلك الغبي ده يصور ليك حاجة
تفوه الأخر بهدوء رغم إرتباكه الشديد من نبرة"ماجد": مقولتش كده بسألك رأيك فيها وكده بس
جلس فوق مقعده مرةً أخرى فزفر ليُعاود قوله المستفسر:
برضو عايز اعرف لية السؤال مش فاهم؟
_" بصراحة أنا عازمك علشان تشوف أختي ولو تتجوزها يعني"
قهقه بقوةٍ كأنه أخبره بمزحةٍ للتو فتحدث بخشونة: لأ، مش عايز ولا حابب أخوض التجربة مرة تاني أو بمعني أصح مش بثق في الستات أصلًا
هدر به غير عابئًا بوجوده في منزله: نقي كلامك ياماجد دي أختي مش معني إني بعرض عليك الجواز منها تقول لي كده، عمومًا أنا غلطان ياعم اعتبر مقولتش ليك حاجة.
تنهد قائلًا بنبرةٍ تعقُلية: مُعاذ متزعلش منى دا أنت يعتبر الوحيد إللى عارف حصل معايا إيه في جوازي الأول فمابقتش بحب الكلام في الموضوع دا
تحدث بهدوء رغم حنقه البادئ فوق قسمات وجهه من رفضه القاطع نحو شقيقته: ولا يهمك ياماجد أنا مقدر زعلك وإنك مش حابب تخوض التجربة تاني بس مش كل الستات ياصاحبي زي بعض
حرك رأسه بالنفي فصاح بعنف: لأ، الخيانة بتجري في دمهم والثقة مابقتش في قاموسي من ناحيتهم
قهقه"مُعاذ "قائلًا بيأس من رأس رفيقه اليابسة: والله ما أنت قايل حاجة تاني أنا استاهل علشان اتكلمت في الموضوع دا معاك
بعد نصف ساعةٍ من توتر الجو استأذن" ماجد" للمغادرة ، بينما "مُعاذ" تحرك نحو غرفة شقيقته بغضب سافر،
فتح باب الغرفة علىٰ مصراعيه؛ ليطلق شهقة فزع حينما وجدها تجلس علىٰ الأرضية وبيدها مقص وخصلاتها تتساقط من يدها الأخرى، ترمقه بعتاب وعيناها تآبى التوقف
عن هطول عبراتها الغزيرة فتحدثت بتحشرج حزين: ليه بتعاملني بالرخيص أوي كده؟ ليه مش بتعاملني زي أي بنت وتشيلني فوق رأسك وتمني يكون بالغالي؟
عملت لك إيه علشان تتذل لصاحبك وبمنتهى الجرأة تقول له إيه عاجبك في أختي؟!!
لتتابع بذهول ونحيب في آنٍ واحد: دا أنا سيبت خطيبي الأول علشانك، علشان اقعد معاك اونسك بعد مراتك اللي اتهمتني إني قتلتها، افتكر ليا حاجة أخيرة حلوة عملتها ليك بالله عليك، متخليش قلبك يقسي عليا زي الدنيا ماقست وجات عليا، خلي آخر ذكرى بينا حلوة
نشب الذعر مخالبه من حديثها الغامض ليقول بتلعثم:
آ آخر ذكرى بينا إزاي يعني؟
وقفت في موضعها لتترنح في وقفتها جاء ليركض نحوها لتُشير بيدها بأن لا يتحرك أنش واحد فتحدثت بمرارة: يعني آخر ذكرى بينا يامُعاذ، أنت قلت لي من شوية إنك هتفضل تزهقني في حياتي لحد ما انتحر زي ماخلتها تنتحر صح؟ وأنا هحقق لك أمنيتك دلوقتي.
جاءت لتركض نحو الشرفة، ولم يمهلها للتحرك من موضعها، فدفعها بقوةٍ ثم هرولت وقامت بإلقاء نفسها. بينما "مُعاذ" حدق بها برعب وعيون دامعة متسعة، وصدر يخفق في عنف؛ فلم يستطع الصمود أكثر ليصيح بصوتٍ عالٍ حتى كادت أن تنقطع أحباله الصوتية من فرط ندائه بها: " مـــريـــم !!!".