رواية عروس لم تدفن الفصل الثالث 3 بقلم اوكسيم

  

رواية عروس لم تدفن الفصل الثالث بقلم اوكسيم



في الأيام التي تلت اختفاء "سعاد"، كانت القرية تعيش في رعب صامت.

لم يجرؤ أحد على ذكر ما حدث، لكن الخوف كان يملأ العيون، الهمسات تنتشر بين الناس كالدخان، والرجال صاروا يعودون إلى بيوتهم قبل غروب الشمس، بينما النساء يُحكِمن إغلاق الأبواب، وكأن شيئًا شريرًا يجوب الطرقات ليلاً.

أما "إسماعيل"، فقد كان يعرف أن الأمر لم ينتهِ.

بل بدأ للتو.

---

في ليلة باردة، بينما كان يجلس في غرفته، ممسكًا بالمسبحة التي أعطاها له والده قبل وفاته، سمع صوتًا ناعمًا يهمس باسمه.

تجمد في مكانه، قلبه يخفق بجنون.

التفت ببطء، وعندما رفع عينيه إلى المرآة...

رآها.

لم تكن "فريدة" هذه المرة.

بل كانت "سعاد".

شاحبة، بثوب زفاف ممزق، وجهها مغطى بالكدمات، وعيناها فارغتان تمامًا... لكنها كانت تبكي.

— "إسماعيل..."

تراجع إلى الخلف، ثم تمتم بصوت مرتعش:

— "ماذا... ماذا تريدين؟"

لم تتحرك، لكن شفتيها انفتحتا ببطء، وكأنها تجاهد لتقول شيئًا.

وأخيرًا، خرج صوتها، ضعيفًا، مخنوقًا، وكأنه يأتي من بُعد آخر:

— "لم يأخذني وحدي..."

ثم، اختفى وجهها، وتحطمت المرآة إلى ألف قطعة.

---

في الليلة التالية، اختفت فتاة أخرى.

"هناء"، ابنة الحج عبدالجواد، كانت مخطوبة حديثًا، تمامًا مثل "سعاد".

هذه المرة، لم ينتظر إسماعيل حتى يطرق أحد بابه.

خرج في منتصف الليل، متجهًا إلى المقابر، حيث بدأت كل هذه اللعنة.

كان المكان ساكنًا بشكل مريب، حتى الريح توقفت، وكأن العالم كله حبس أنفاسه.

وقف أمام القبر المفتوح، القبر الذي لم يُغلق أبدًا، وهمس بصوت مرتجف:

— "فريدة... أنا هنا، أرجوكِ، أخبريني ماذا يحدث."

لفترة طويلة، لم يكن هناك سوى الصمت.

ثم...

سمع صوت خطوات خلفه.

التفت بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد.

إلا أن هناك شيئًا آخر قد تغيّر.

القبر، الذي كان مفتوحًا طوال هذه السنوات، صار مغلقًا.

وكتبت عليه جملة واحدة، بخط أحمر داكن:

"لم تعد هنا..."

---

"إسماعيل" شعر بالدماء تتجمد في عروقه.

إذا لم تعد "فريدة" هنا... فمن الذي كان يطرق بابه كل ليلة؟

ومن الذي كان يأخذ العرائس؟

---

في صباح اليوم التالي، استيقظت القرية على كارثة جديدة.

لم تختفِ "هناء" وحدها هذه المرة.

بل اختفت كل الفتيات المخطوبات.

كلهن... في ليلة واحدة.

---

"إسماعيل" أدرك الحقيقة أخيرًا.

فريدة لم تكن العروس الوحيدة التي لم تُدفن كما يجب.

كان هناك شيء آخر في القرية... شيء ينتظر منذ زمن طويل.

والآن، جاء ليأخذ حقه.

في اليوم التالي، عمَّت الفوضى القرية.

الرجال خرجوا في جماعات، يصرخون بأسماء بناتهم المفقودات، يبحثون في كل مكان، في الحقول، في الأزقة الضيقة، حتى في الآبار القديمة.

لكن لم يكن هناك أثر لأيٍّ منهن.

كانت القرية وكأنها تعرضت لصفعة من عالم آخر، عالم لا يرحم، عالم سلب منها أعزّ ما تملك في ليلة واحدة.

---

كان "إسماعيل" الوحيد الذي لم يشارك في البحث.

لأنه كان يعرف أنهن لسن في أيٍّ من تلك الأماكن.

كان يعرف أين ذهبن... أو بالأحرى، أين تم أخذهُن.

لذلك، عندما حلَّ الليل، حمل مصباحه، واتجه إلى المقابر مرة أخرى، وحيدًا، دون أن يخبر أحدًا.

---

المكان كان أكثر ظلمة من المعتاد.

حتى القمر، الذي كان مكتملًا في الليالي السابقة، بدا وكأنه انطفأ في تلك الليلة.

وقف إسماعيل عند القبر الذي كُتب عليه "لم تعد هنا"، وأغمض عينيه للحظة، قبل أن يهمس بصوت ثابت:

— "أعلم أنك هنا."

لم يكن هناك رد.

لكن الهواء حوله صار أكثر برودة، وكأن المقابر نفسها بدأت تلتهم الدفء من جسده.

وفجأة، سمع صوتًا خلفه.

صوت همس ناعم، لكنه لم يكن بشريًا بالكامل.

— "لماذا جئت يا إسماعيل؟"

استدار ببطء... ورآها.

لكنها لم تكن "فريدة".

كانت امرأة أخرى، أطول، أكثر شحوبًا، وعيناها كانتا سوداويتيْن بالكامل، بدون بؤبؤ، وكأنها ليست من هذا العالم.

شعر وكأن يديه قد تجمدتا، لكنه حاول السيطرة على نفسه، وسألها بصوت مرتجف:

— "أين الفتيات؟"

ابتسمت، ابتسامة بطيئة، جعلت شيئًا باردًا يزحف على عموده الفقري.

ثم همست بصوتها الميت:

— "أخذتهُن إلى حيث ينبغي أن يكنَّ."

— "أين؟"

— "إلى المكان الذي لم تذهب إليه فريدة..."

نظر إسماعيل إلى القبر المغلق، ثم عاد بعينيه إليها، وهمس بفزع:

— "ماذا يعني هذا؟"

تقدمت نحوه بخطوات بطيئة، قبل أن تميل برأسها قليلًا، كأنها تراقب خوفه باستمتاع، ثم قالت:

— "أنت من بدأ هذا، إسماعيل. أنت من فتح الباب. والآن... لا يمكنك إغلاقه."

قبل أن يتمكن من الرد، شعرت قدماه بشيء يتحرك تحته.

الأرض كانت تهتز...

ثم، ببطء مرعب، بدأ القبر المغلق ينشقُّ من جديد.

---

لم يكن هناك جسد بداخله.

بل كان هناك درج حجري، يهبط إلى ظلام لا نهاية له.

ومن الداخل، من أعماق ذلك الظلام...

كانت تأتي أصوات الفتيات.

أصواتهن وهن يصرخن.

يطلبن النجدة.

لكنه كان يعلم...

لم تكن أيٌّ منهن على قيد الحياة بعد الآن.

---

في تلك اللحظة، أدرك إسماعيل الحقيقة.

هذه اللعنة لم تكن تخص "فريدة" وحدها.

بل كانت تخص العرائس المنسيات...

اللواتي لم يُدفَنَّ أبدًا.

والآن، أردن واحدة أخيرة...

أردن عروسًا جديدة.

---

فجأة، سمع صوتًا خلفه.

صوت خطوات ناعمة، مألوفة جدًا.

التفت بسرعة...

ورأى فتاة بثوب زفاف جديد، نظيف تمامًا، تقف عند باب المقبرة.

كان القمر قد ظهر للحظة، ليضيء وجهها بوضوح.

كانت زينب، خطيبته.

لكن عيناها لم تكونا كما يعرفهما...

بل كانتا سوداويتيْن بالكامل، تمامًا كما كانت المرأة الغريبة.

رفعت يدها ببطء، ومدتها نحوه، ثم همست:

— "حان وقتي يا إسماعيل..."

---

وفي تلك اللحظة، أدرك إسماعيل أنه لن يخرج من هذه المقبرة أبدًا.

أو على الأقل... لن يخرج كما دخل.

وقف إسماعيل متجمدًا، يحدق في زينب، التي لم تكن زينب.

كان يعرفها، يعرف صوتها، ملامحها، حتى طريقة وقوفها... لكن العيون؟

العيون لم تكن لها.

كان الظلام يتصاعد من القبر المفتوح خلفه، يمتد كالضباب الأسود، يلتف حول قدميه، وكأن شيئًا يحاول سحبه إلى الداخل.

لكن زينب تقدمت نحوه، ببطء، بثبات.

— "إسماعيل..."

كان صوتها ناعمًا، لكنه كان يحمل شيئًا غريبًا، كأنها تتحدث من أعماق بئر.

— "تعال معي... المكان جميل هناك..."

حاول إسماعيل أن يتحرك، أن يهرب، لكنه لم يستطع.

الأرض كانت تشده للأسفل، والخوف كان يجمد جسده.

ثم، رآها.

خلف زينب، في الظل، كانت "فريدة" تقف، بنفس ثوبها الملطخ بالتراب، بنفس ملامحها المكسورة، لكنها كانت مختلفة.

هذه المرة، لم تكن تبكي.

بل كانت تنظر إلى زينب... نظرة تحدٍ.

ورفعَت يدها.

---

في لحظة، انقلب كل شيء.

صرخت زينب بصوت غير بشري، وتراجعت إلى الخلف، كأن شيئًا غير مرئي يدفعها.

الهواء أصبح ثقيلًا، كأن المقبرة نفسها بدأت ترتجف، والجدران الحجرية المحيطة اهتزت بعنف.

ثم، خرجت أصوات أخرى.

أصوات الفتيات المفقودات، كلهن، يصرخن من داخل القبر.

لكن لم يكن صراخ خوف.

كان صراخ غضب.

---

سقط إسماعيل على ركبتيه، يراقب ما يحدث بعجز.

رأى زينب تُسحب للخلف، شيئًا فشيئًا، كأن أيادي غير مرئية تجرها نحو الظلام.

ورأى فريدة تتقدم ببطء، عيناها مليئتان بالعزم، وهي تهمس بصوت لم يسمعه أحد من قبل:

— "انتهى وقتكِ... ليس لكِ مكان هنا بعد الآن."

---

صرخت زينب مرة أخرى، لكن هذه المرة، كان صوتها يتلاشى، يتشوه، يختفي تدريجيًا.

ثم، في لحظة واحدة، اختفت بالكامل داخل القبر.

---

ساد الصمت.

الهواء أصبح باردًا بشكل مفاجئ، لكن لم يكن برد الموت...

بل كان برد السلام.

---

رفع إسماعيل رأسه، يبحث عن فريدة، لكنها لم تكن هناك.

نظر إلى القبر... فوجده مغلقًا بالكامل.

---

في الصباح، عندما خرج إسماعيل من المقبرة، كانت القرية في حالة فوضى.

لكن الأخبار التي سمعها جعلته يتوقف في مكانه.

كل الفتيات المفقودات... عدن.

استيقظن في بيوتهن، بدون أي ذكرى عمّا حدث.

لكن زينب؟

زينب لم تعد أبدًا.

---

لم يتحدث أحد عن اللعنة بعد ذلك اليوم.

ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من المقبرة مرة أخرى.

لكن إسماعيل؟

كل ليلة، عندما يكون وحده في غرفته، يسمعها.

همسة ناعمة، تأتي مع الريح.

— "شكرًا يا إسماعيل..."

ثم... تختفي.

تمت
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1