رواية منعطف خطر الفصل الثامن و الاربعون
أول ما خرجوا، عينيها وقعت على عربيته، وسألته بفضول مش قادرة تكتمه:
ـ مشوار إيه ده؟
خالد كان ماسك إيدها، وعينيه مركزة في وشها وهو بيقول:
ـ تعالي العربية وانتي تعرفي.
قربت من العربية وفتحت الباب، وهي مش واخده بالها مين اللي قاعد ورا.
وأول ما قفلت الباب، سمعت الصوت اللي خطف قلبها.
ـ مفاجأة!
قالها احمد بحماس وهو بيحط أيديه على عيون ياسمين بشقاوة.
ياسمين حست إن قلبها اتخطف في اللحظة دي، لمست إيديه اللي كانت على عينيها بلهفة، ولما لفت بوشها وشافته...
هو أحمد أخوها..
وشه اللي اشتاقتله، وضحكته اللي كانت هتموت ونفسها تشوفها تاني، أخيرًا قدامها!
فتحت باب العربية من جنبها بسرعة، ونزلت وهي مش حاسة برجليها من الفرحة، وفتحت الباب الخلفي وشدت أحمد لحضنها بكل قوتها.
حضنته كأنها مش عايزة يبعد عنها تاني، ودموعها نازلة مغرقة وشها ، مش بتقف، ومفيش أي حاجة تقدر توقفها.
خالد كان واقف يبص عليهم ، قلبه بيدق بسرعة، حاسس بيها وبكل لحظة بتعيشها.
جواه إحساس غريب بين الفرحة والحزن، نفسه يفرّحها على طول، ويحقق لها كل اللي بتتمناه، نفسه يشوف الابتسامة دي على وشها طول العمر.
لحظات عدّت، وياسمين لسه حاضنة أخوها، ودموعها مش بتقف، وانهيارها باين في كل نفس بتاخده.
أحمد مد إيده الصغيرة وجفف دموعها وهو بيبص لها باستغراب وقال:
ـ بتعيطي ليه يا ياسمين؟ أنا رجعت أهو... هي ماما فين؟ وحشتني قوي وعايز أشوفها.
الكلام نزل عليها تقيل، وكأن القلب اللي لسه لملمته، اتكسر تاني.
انهارت أكتر، وخالد قرب منها بسرعة، ومسك إيد أحمد وهو بيتكلم معاه بهدوء:
ـ أحمد يا بطل... عجبك اللي أختك بتعمله ده؟ في بنت كبيرة كده تعيط؟
أحمد بص لياسمين وقال ببراءة:
ـ لا مش عاجبني... أنا مش بحب أشوف دموع ياسمين أبدًا.
خالد ساعتها بص لها، وتنهد تنهيدة كلها حنية وقهر في نفس الوقت، وقال وهو عينه مليانة مشاعر:
ـ ولا أنا.
قرب منها، ومد إيده وضم وشها بحنية واهتمام، وقال لها بصوت دافي:
ـ ممكن تهدي؟ عشان خاطر أحمد.
ياسمين هزت راسها بالإيجاب، وهي بتحاول تسيطر على شهقتها، وقالت بصوت متقطع وعيونها لسه على أحمد:
ـ أنا بعيط من الفرحة... مش مصدقة إنّي شُفتُه.
مدت إيدها ومسكت إيد أحمد وباستها بكل حنان، وقالتله:
ـ وحشتني أوي... أوي.
خالد ابتسم وهو بيشوف المشهد قدامه، وقال:
ـ طب اركبوا العربية عشان نروح مكان هادي نتغدى مع بعض... في موضوع مهم عايز أتكلم معاكي فيه.
ياسمين بصت له بقلق، قلبها رجع يدق بسرعة، وسألته وهي مش فاهمة قصده:
ـ موضوع إيه؟
رد عليها بهدوء وثبات:
ـ هقولك لما نوصل.
ركبت ياسمين ورا جنب أحمد، وحضنته من تاني، وكأنها بتحاول تعوض في حضنه كل الأيام اللي كانت بعيدة عنه.
أما خالد، فركب العربية من قدام، وابتسم وهو بيبص في المراية.
كان شايفهم الاتنين، وهي ماسكة أخوها بكل حنية واشتياق، وحاسس إن الحضن ده بيشفيها، وبيصالحها مع الحياة من تاني.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في مديرية الأمن.
معتصم دخل مكتب مهاب وهو مبتسم وبيقول بنبرة فيها هزار :
ـ إيه يا ابني؟ فينك؟ مختفي بقالك يومين ليه؟
مهاب رفع عينه من الورق اللي في إيده ورد عليه وهو مستغرب الفرحة المرسومة على وشه:
ـ كان عندي حوار كده بخلصه... أنت اللي فين؟ وشكلك جاي مبسوط؟
معتصم قعد على الكرسي براحة، ونفَس طويل طلع منه كأنه لسه مش مستوعب اللي حصل، وقال بنبرة فيها فرحة:
ـ زينة كانت تعبانة شوية وخدتها المستشفى.
مهاب نسي كل حاجة في إيده وبص له بسرعة وقلق باين على وشه:
ـ خير؟ تعبانة مالها؟
معتصم ابتسم ابتسامة مليانة سعادة وقال ببساطة فيها حنية:
ـ في ضيف صغير جاي لنا قريب.
مهاب رفع حواجبه بدهشة وسأله باستغراب حقيقي:
ـ ضيف مين اللي مراتك تعبت لما عرفت إنه جاي لكم قريب؟ هي مش الحاجة والدتك متوفية من زمان؟
معتصم بص له بغيظ وقال وهو مش مصدق اللي بيسمعه:
ـ وهي مراتي هتتعب لما تعرف إن أمي الله يرحمها جاية لنا؟!
مهاب رد بعفوية وهو بيضحك:
ـ آه عادي! أي واحدة بتتعب لما تعرف إن حماتها جاية عندها! وخصوصًا بقى لو هتبات كام يوم.
معتصم اتنهد بغيظ واضح وبص له بنظرة مش مصدق تفكيره وقال:
ـ هو انت دماغك دي فيها إيه؟! يا ابني ركز! بقولك "ضيف صغير" وهي كانت في المستشفى... يبقى إيه؟
مهاب بص للسقف وكأنه بيحل لغز، وبعد لحظة قال بنبرة فاهم أخيرًا:
ـ ما تقول إن مراتك حامل من الأول وخلاص! هو سر؟ ولا مكسوف مني؟
معتصم فضل يبص حواليه كأنه بيدور على أي حاجة يرميها عليه وقال بغضب:
ـ هتكسف منك ليه يا متخلف انت؟! أنا فاكر إنك بتفهم زي الناس العاديين!
مهاب ضحك وغمز له وقال بنبرة هزار:
ـ هتبقى أب يا معتصم... وتجيب مهاب صغير يقولك يا بابا!
معتصم بص له بحدة وقال بتهكم:
ـ مهاب في عينك... عايزني أجنّن ابني قبل ما يتولد!
مهاب ضحك من قلبه، وبعد لحظة قام وقف، وبنبرة جد وهو بيقرب منه قال:
ـ ألف مبروك يا معتصم... فرحتني بالخبر ده بجد.
معتصم ابتسم له وقال وهو بيهزر:
ـ عقبالك... لما تلاقي بنت الحلال اللي تقفش فيك ومتعرفش تخلع منها.
مهاب قعد قصاده وهو بيضحك وقال:
ـ والله لو جت بالمواصفات اللي في دماغي، مش هخلع منها خالص.
وبعدها سأله بفضول:
ـ أومال ابن الدريني فين؟ مختفي هو كمان بقاله كام يوم؟
معتصم رد بهدوء:
ـ انت عارف.. من يوم ما رجّع مراته وعاشوا في بيت أهله، وهو بيخلص شغل ويرجع على بيته على طول... عشان والدته ما تحتكش بمراته وتضايقها.
مهاب قال بحيرة وهو بيحاول يفهم:
ـ أنا مستغرب... ياسمين بعد ده كله رجعت لخالد إزاي؟! يعني تطرد كارما من عندها لما تروحلها عشان تصلّح بينهم، وتقولها مش عايزة حد يجيب سيرة خالد ولا يدخل في صلح!
وفي نفس اليوم تقولي إنها رجعت لخالد؟!
معتصم بص له بدهشة وقال بنبرة مصدومة:
ـ كارما مين اللي كانت رايحة تصلّح بينهم؟! دي كانت رايحة تطلب من ياسمين تبعد عن خالد! وقالتلها: اخرجي من حياته... عشان أنا بحبه!
مهاب اتجمد مكانه وبص له بصدمة كبيرة وهو بيقول:
ـ إزاي الكلام ده؟! أنا كنت بوصل كارما يومها... ونزلت من عند ياسمين وهي بتعيط! وقالتلي إن ياسمين طردتها!
معتصم رد بثقة وهدوء:
ـ كدابة طبعًا... أنت ناسي إن زينة كانت فوق مع ياسمين؟ وهي اللي حكتلي اللي حصل.
مهاب سكت لحظة، وبص قدامه بتفكير عميق... هو مكنش مصدق إن ياسمين ممكن تعمل كده، بس كان بيحاول يصدق كارما،
الشك اتسلل له شوية، وبان على ملامحه.
معتصم كمل كلامه بهدوء وهو بيهز راسه:
ـ كارما دي أصلًا... شكلها مش طبيعي! فيها حاجة غريبة مش عارف إيه هي!
مهاب رد ببساطة وهو بيحاول يقفل السيرة:
ـ الله يسهل لها!... المهم إن خالد وياسمين رجعوا لبعض... ربنا يصلح حالهم.
معتصم غير الموضوع فجأة وسأله باهتمام:
ـ ماقولتليش... إيه الحوار اللي كان شاغلك اليومين اللي فاتوا؟
مهاب رد وهو بيحاول يخفي كل حاجة بنبرة هادية:
ـ دي مشكلة عند واحدة جارتي وطلبت مني أساعدها.
معتصم ضيق عينه وبص له بتركيز وقال:
ـ جارتك؟ لأاا... ده انت تحكيلي من الأول!
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في مطعم راقـي.
ياسمين كانت قاعدة جنب أحمد، ماسكة إيده ومش قادرة تشيل عينيها من عليه.. عينيها كانت بتلمع من فرحة عمرها ما حسّت بيها من ساعة ما بعد عنها. رجوع أحمد ليها رجّع لقلبها نبضه.
خالد كان قاعد قصادهم.. عينيه على ياسمين، بيراقبها في صمت وهي بتسأل أحمد عن كل تفصيلة حصلت معاه من يوم ما سافر لحد اللحظة دي.
بس هو كان قلقان.. مش عارف يقولها إزاي إن أحمد لازم يرجع تاني يعيش في بيت جده الشرقاوي.
ياسمين لحظت شروده، وسألته باستغراب:
ـ خالد؟! كنت عايز تقولي حاجة؟
خالد بص لها وهز راسه بالإيجاب، وبص لأحمد وقال بابتسامة خفيفة:
ـ إيه يا بطل؟ مش هتقوم تغسل إيدك؟!
أحمد قال بحماس وهو بيقوم:
ـ أنا أكلت كتير قوي.. هاغسل إيديا بسرعة عشان نروح عند ماما.
وجري على الحمّام.
ياسمين كانت بتبص عليه، وعينيها فيها غصة.. مش قادرة تتخيل إنها هتضطر تقول لأخوها الصغير إن مامتهم ماتت.
خالد قطع شرودها بصوت هادي:
ـ ياسمين.. عمّك رجّع أحمد، بس لسه جدك هو الواصي عليه.. وإحنا لو عايزين ناخده منهم، لازم نثبت إن الجد مش مؤهّل للوصاية.
الموضوع محتاج وقت وصبر.. وعمك طلب إننا نتصرف بشكل طبيعي لحد ما نعرف نتحرك قانونيًا.. عشان جدك ما يحسش ويبعد أحمد عنك تاني.
ياسمين قلبها اتقبض.. حاسة إن في حاجة أصعب جاية.
خالد كمل وهو بيبصلها بعين فيها طمأنينة:
ـ أحمد لازم يرجع يعيش في بيت الشرقاوي مع عمك راشد.
ياسمين قالت بحدة وصدمة:
ـ مستحيييل! مش هسيبه تاني مهما حصل!
ـ خالد بهدوء:
ـ انتي مش هتسيبيه.. وقت ما تحبي تشوفيه، عمك هيجيبهولك.. وده أحسن من إنهم يبعدوه عنك خالص.
لو جدك حس إننا بنخطط ناخده، ممكن يسفّره لمكان أبعد ومنعرفش نوصله تاني.
الدموع نزلت من عين ياسمين وقالت بصوت مكسور:
ـ ياريتهم ما ظهروا في حياتنا ؟! كنا مرتاحين من غيرهم.
خالد مد إيده، مسك إيديها وقال وهو بيبصلها بصدق:
ـ أحمد هيعيش معاكي قريب، صدقيني. بس لازم نتصرف بعقل.. ومحدش يعرف أي حاجة.
كل خطوة هنمشيها بحساب.. واخوكي هيبقى معاكي علي طول صدقيني.
ياسمين بصّت له.. وشافت في عينيه وعد. زي الوعد اللي وعدها بيه قبل كده ورجع لها أخوها.
هزت راسها بمعنى إنها موافقة.
خالد لمح أحمد جاي من بعيد، قال بسرعة:
ـ خلاص اهدي وبلاش دموع.. أحمد جاي.
أحمد قرّب منهم، وشاف خالد ماسك إيد ياسمين، وقال له ببراءة:
ـ إنت ماسك إيد أختي ليه يا أبو علي؟ هتقبض عليها؟
خالد ضحك وقال:
ـ اختك هي اللي قبضت عليا يا احمد باشا!
أحمد قعد وقال بدهشة:
ـ هي ياسمين بقت ظابط؟
خالد غمزلُه وقال:
ـ لأ.. بس بقت مرات ظابط!
أحمد بص ليهم وقال باستغراب:
ـ يعني إيه؟
ياسمين ابتسمت ولمست وشه بحنية وقالت له:
ـ أنا وحسن ابو علي اتجوزنا وانت مسافر.
أحمد قال بحزن:
ـ اتجوزتوا وانا مسافر ليه؟ كنتوا استنوا لما ارجع عشان احضر الفرح!
ياسمين بصت لخالد بتوتر، وخالد رد بسرعة:
ـ احنا قولنا مش هنعمل فرح غير لما أحمد يرجع بالسلامة.
أحمد فرح وقال:
ـ يعني هتعملوا فرح؟ وهلبس بدلة عريس؟
ياسمين ضحكت وخالد رد عليه:
ـ هجيبلك أحلى بدلة عريس!
احمد ضحك بحماس وبص ل ياسمين وسألها:
ـ هو ابو علي جاب جاتوه من الغالي وهو جاي يخطبك؟
ياسمين بصت ل احمد بصدمة وخالد ضحك وقال:
ـ لا مجبتش بس ممكن اجبلك دلوقتي حالا.. انا عارف انك بتحب الجاتوه.
أحمد قال ببساطة:
ـ مش مهم.. عمو راشد كان بيجيبلي جاتوه كتير وانا هناك عشان كنت بعيّط، وكان بيصالحني.
ياسمين قلبها اتقبض وسألته بقلق:
ـ كنت بتعيط ليه يا حبيبي؟
ـ أحمد بحزن:
ـ مايا قالتلي إن ماما ماتت.. وأنا كنت عارف انها بتكدب.. بس كنت بزعل وعيّط، وعمو راشد كان بيجيبلي الجاتوه.
دموع ياسمين نزلت.. مش قادرة تقوله الحقيقة.
خالد قرب من أحمد، وقعد جنبه، ومسك إيده وقال بحنية:
ـ بص يا أحمد.. انت بقيت راجل كبير، وفاهم، صح؟
ـ رد أحمد: صح.
ـ خالد:
ـ وعارف ان اللي بيموت بيروح عند ربنا في السما.. وبيشوفونا من فوق، وبيفرحوا لما يشوفونا مبسوطين.
أحمد بص ليه بدهشة، وبص لياسمين اللي كانت بتعيط، وقال:
ـ يعني مايا ماكذبتش؟ ماما فعلاً ماتت؟!
خالد هز راسه بالإيجاب، وأحمد بص لياسمين وقال:
ـ متعيطيش يا ياسمين.. عشان ماما متزعلش منك.. انا مش هعيط عشان ماما بتشوفنا دلوقتي.
ياسمين مسحت دموعها بالعافية وقالت:
ـ حاضر يا حبيبي.
خالد قاله:
ـ في حاجة كمان يا بطل بس ده سر بينا..
أنا وياسمين هنشتري بيت كبير.. وهيبقى بيتك معانا، تعيش فيه زي ما بتحب.
أحمد قال بحماس:
ـ بجد؟ بيت كبير؟!
خالد:
ـ هيبقى فيه كل حاجة بتحبها.. بس هنحتاج شوية وقت نجهزه.. وفي الفترة دي تعيش مع عمك في بيت جدك، لحد ما نكون جاهزين.
أحمد بص لياسمين وسأل:
ـ وانتي هتيجي معايا؟
رد خالد:
ـ لا، ياسمين هتساعدني نجهز البيت، وأول ما نخلصه.. نيجي ناخدك.
أحمد قال بحماس:
ـ موافق!
ياسمين قربت منه وقالت له بصوت هادي:
ـ بس أوعى تقول لجدك أو يحيى أي حاجة عن البيت الجديد.. ده سر بينا.
أحمد قال وهو بيغمز:
ـ سرّي يا ريس!
خالد ابتسم وقام وقال لياسمين:
ـ يلا نقوم.. عمك مستنينا.
ياسمين ضمت أحمد لحضنها بكل الحب.. كانت ماسكة إيده ومش عايزة تسيبه.
.....
بعد وقت،
خالد وياسمين وأحمد دخلوا الكافيه اللي كان فيه راشد ومراته وبنته.
الجو كان هادي بس فيه ترقّب.
مايا كانت قاعدة ووشها مدفون في موبايلها، بتقلب فيه بملل،
لكن أول لما رفعت عينيها وشافت خالد جاي ناحيتهم، وماسك إيد أحمد،
وجنبهم بنت محجبة ملامحها هادية... على طول قلبها قالها: "دي أكيد ياسمين!"
قربوا من الترابيزة، وراشد وقف من مكانه، استقبلهم بابتسامة واسعة،
ومد إيده يعرف ياسمين على عيلته بصوته الهادي:
راشد: سهام مرات عمك.. ومايا بنت عمك.
ياسمين ابتسمت ابتسامة بسيطة فيها احترام ومدت إيديها تسلّم.
سهام ردت السلام بود واضح، ونظرة فيها دفء وألفة.
إنما مايا... سلامها كان ناشف، بارد، وياسمين حست إن قدامها نسخة مصغّرة من يحيى…
نفس النظرة، نفس الجمود، ونفس البرود الغريب!
راشد طلب منهم يقعدوا معاهم شوية.
خالد قعد جنب راشد وانشغل معاه في الكلام،
وياسمين قعدت جنب خالد، لكن كان كل تركيزها مع أخوها أحمد،
بتتكلم معاه، بتحضنه، وتهزر معاه كأنهم لوحدهم في الدنيا.
قصادهم كانت سهام قاعدة، ومايا بنتها جنبها،
مايا بتلعب في شعرها بأطراف صوابعها وعينيها مش سايبة خالد لحظة،
بتراقبه وهو بيتكلم مع والدها،
وهي مش فاهمة إزاي مراته اللي قاعده جنبه، مش مهتمة، وتركيزها كله مع اخوها الصغير عماله تضحك معاه وتهزر!
كانت بتبص على ياسمين كأنها عايزة تفهم حاجة مش مفهومة.
همست مايا لمامتها بنبرة فيها استغراب مستفَز:
ـ شايفة قاعدة جنبه ومش مهتمة بيه أبدًا! وعمالة تهزر مع أخوها!
مامتها ردت بنفس الهمس، بس بعصبية حاولت تكتمها:
ـ قولتلك ملكيش دعوة بيهم.. مش عايزين مشاكل.
بس مايا فجأة قطعت الهدوء وسألت ببرود فجأة، وهي بتبص لياسمين وخالد:
ـ هو انتوا متجوزين بقالكم كتير؟
ياسمين رفعت وشها وبصتلها باستغراب من السؤال،
وخالد كمان انتبه وبصلها،
لكن ياسمين ردت بهدوء:
ـ لا، مش من كتير.
مايا زودت الجرعة، واتكلمت بجراءة:
ـ غريبة!! أصل اللي يشوفكم يحس إنكم أغراب عن بعض.. مش زي اتنين لسه متجوزين جديد!
يعني أنا لو مراته.. مستحيل أبقى مشغولة بأي حد تاني غيره!
الكلام وقع على ياسمين زي الصدمة.
نظراتها بقت مصدومة من الوقاحة الغريبة دي،
وملامح خالد اتشدت فجأة.
راشد بص لبنته بحدة، وسهام قالت بغضب بتحاول تلحق اللي حصل:
ـ الناس هنا غير أمريكا يا مايا.
بصّت لهم بتوتر، وبصوت مرتبك قالت:
ـ معلش.. أصلها قضت نص عمرها في امريكا ومش متعودة على الناس هنا.
راشد وشه بقى متضايق فعلاً،
واضح إنه متأفف من تصرفات مايا وجرأتها اللي بقت عبء عليه،
كان باين عليه الضيق، وقال وهو بيحاول ينهى الموقف:
ـ إحنا هنقوم نرجع البيت.. وأي وقت تحبي تشوفي أحمد، كلميني يا ياسمين.
ياسمين هزت راسها وهي لسه مش مستوعبة من كمية الوقاحة اللي شافتها في أول مقابلة مع بنت عنها.
وخالد وقف معاها وهو بيكتم غضبه، وسلّموا على أحمد وودّعوهم، لكن نظرات مايا لخالد كانت غريبة ومش مفهومة، وياسمين استغربت كل حاجة فيها.
ركبوا العربية.
وياسمين بصّت لخالد وقالت بنبرة فيها استغراب مش مريح:
ـ البنت دي غريبة شوية؟
خالد وهو بيشغل العربية، رد من غير تردد:
ـ غريبة جدًا.. بس عادي.. هي أخت يحيى.. هننتظر منها إيه!
ياسمين بصت له وقالت وهي متضايقة:
ـ بس نظراتها ليك كانت مش طبيعية.. وطريقتها!
خالد ضحك، وقال:
ـ شكل مخها تعبان.. سيبك منها.
لكن ياسمين ردت بغيظ وغيرة واضحة كانت مولعة في قلبها:
ـ إنت بتضحك على إيه؟ دي كانت تقريبًا بتعاكسك قدامي!
خالد رد وهو بيكتم ضحكته، وبهدوء خبيث:
ـ وأنا هعملها إيه؟ إنتي شوفتيني اتكلمت معاها ولا بصيت ناحيتها!؟
ياسمين انفعلت أكتر، عصبيتها بتزيد كل ثانية:
ـ خالد متضحكش.. أنا بجد مضايقة منها.. هي إزاي كده!
يعني إيه تقولّي "أنا لو مراته"؟!.. تبقى مراتك إزاي يعني؟
وكمان هو أنا إمتى كنت مشغولة بحد غيرك؟
خالد ماكانش بيرد، ساكت،
بس كان باين عليه إنه مستمتع بغيرتها، وبيشوفها أجمل لحظة في يومه.
وياسمين كانت قاعدة جنبه بتغلي،
ولحد ما وصلوا البيت، كان صمتها مليان نار.
ياسمين نزلت من العربية وطلعت الأوضة بسرعة،
خالد طلع وراها على طول.
دخل وراها،
لقاها بترمي شنطتها على السرير، وفكت طرحتها وبتتحرك في الأوضة بعصبية، ملامحها مشحونة ومضايقة.
قرب منها، مسك إيديها،
ووقفها قدامه،
بصّ في عينيها بكل حب وهو بيقول بإحساس طالع من قلبه:
ـ ياسمين.. انتي مراتي.. وحبيبتي وأجمل بنت شافتها عيني.
كلماته كانت زي السحر، خلت قلبها يهدى فجأة.
بصّت له، وعينيها فيها لمعة حب.
رفع إيديه لمس وشها بحنية،
وعينيه مليانة عشق وهو بيهمس:
ـ بحبك.
ابتسمت، وخجلها طلع في نبرتها وهي بترد:
ـ انا كمان بحبك اوي يا خالد.
حضنته بقوة،
وخالد ابتسم بسعادة حقيقية،
ضمّها أكتر لحد ما رفعها عن الأرض وهو بيهمس بحب:
ـ وحشتيني.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
صباح اليوم التالي
في بيت الشرقاوي،
جوه أوضة يحيى.
الباب كان مقفول،
ويحيى طالع من الحمام لابس بيجامته، شعره لسه مبلول من المية،
ماكنش متوقع يشوف حد في أوضته…
لكنه فجأة وقف في مكانه لما لمح أخته "مايا" قاعدة بكل راحة على سريره،
ومسكه الموبايل بتاعها وبتقلب فيه كأنها في أوضتها هي!
اتجمد لحظة، وبعدين مشي ناحيتها بخطوات غاضبة وصوته عالي:
ـ إنتي بتعملي إيه هنا؟ ودخلتي الأوضة إزاي من غير ما تخبطي؟
فاكرة إننا لسه صغيرين يا غبية إنتي؟!
مايا قفلت الموبايل براحة، ووقفت قدامه من غير أي توتر،
بصّت له وقالت بنبرة هادية جدًا عكس اللي في عينيه:
ـ أنا خبطت، ولما مردتش… دخلت!
رد عليها وهو بيتحرك في الأوضة بعصبية وبنبرة كلها استهزاء:
ـ مش فاهم إيه اللي رجّعك تاني! كنا مرتاحين وانتي في أمريكا.
ابتسمت ابتسامة فيها غموض، وقربت منه وهي بتتكلم:
ـ إنت اللي رجعتنا…
جدك قال لبابا إنك اتجننت!
قالت الجملة الأخيرة وهي بتضحك باستفزاز،
ضحكة نرفزت يحيى أكتر من أي حاجة،
بصّ لها بنظرة كلها نار، وزعق فيها وهو بيقرب منها خطوة مفاجئة:
ـ طب اطلعي بره أوضتي بدل ما تشوفي الجنان على حق!
مايا ردت بسخرية وهي لسه بتضحك:
ـ هي صحيح حلوة…
بس مش للدرجة اللي تجنّنك كده!
يحيى رفع حواجبه بدهشة مفاجئة، نبرته اتغيرت وبقى فيها استغراب حقيقي:
ـ تقصدي مين؟!
ردت وهي ثابتة في مكانها، صوتها بارد بس عنيها فيها تحدي:
ـ ياسمين…
بنت عمّنا اللي ظهرت في حياتنا فجأة!
ابتسم يحيى بسخرية وهو بيقاطعها:
ـ وانتي شوفتيها فين ياسمين؟!
مايا ردت بثقة وهي بتبص في عينيه من غير ما ترف:
ـ إمبارح…
جوزها جه استقبلنا من المطار،
واخد أحمد عشان يوديّه ليها تشوفه!
الصمت خيّم لحظة على الأوضة…
ويحيى وشه اتبدل،
اللي سمعه صدمه بجد.
قرب منها بخطوات سريعة ومندفعة،
ومسك دراعها بعنف وصوته عالى بغضب:
ـ إنتي بتقولي إيه؟؟!!
مايا اتألمت من قبضته،
وسحبت دراعها بسرعة من إيده وهي بتقول بنبرة فيها ألم، بس لسه محافظة على برودها:
ـ بقول اللي سمعته…
بابا متفق مع جوز ياسمين إنه يرجع لهم أحمد،
قابلناهم إمبارح…
وبابا طلب مني ماعرفكش…
لا إنت… ولا جدو!...