رواية مأساة حنين الفصل الرابع بقلم اية الفرجانى
وأنا خارجة مش عارفه رايحه فين دموعي نزلت لوحدها
بطني حسيت انها بقيت تقيلة وعنيا اللي مش شايفة بيها من الدموع
سمعت صوت ورايا بينده عليّا همس:
= حنين…
لفيت بسرعة…
كانت "هدى"… واحدة من الشغّالين اللي كانت بتساعد مدام سميحة
قربت مني قالتلي بسرعة:
= استني يبنتي متروحيش… متروحيش في مكان دلوقتي وانت بالشكل ده علي القليل لحد ما تولدي كلها شهر
في أوضة في البدروم…
تحت السلم… محدش بينزلها خالص
تعالي وأنا هساعدك تباتي فيها، وهجيبلك أكل كل يوم
كريم ما يعرفش عنها حاجة… ولا هيفكر ينزل هناك"
أنا وقفت… وقلبي بيرجف:
= انا مش عاوزه ارجعله بس… لو عرف؟
= يحبتتي هتروحي فين بس وانت كده علي القليل انا ممكن اخد بالي منك وبعدين هو مش هيعرف…
أنا بشتغل هنا من ١٤ سنة محدش بيدخل البدروم غيري متخافيش
كنت متردده مش عاوزه اشوفه تاني مش عاوزه احس اني بقلل من نفسي اكتر من كده حطيت ايدي علي بطني وافتكرت اني مبقتش لوحدي ولازم اتخلي عن اي حاجه عشان احافظ عليه
مدام هدي مسكت ايدي وهي بتقول
= سيبيني أساعدك يا حنين… الست الله يرحمها كانت بتحبك وأنا كمان تعلّقت بيكي
وانت زي بنتي
مشيت معها كان كريم في اوضته وقتها مشفنيش
نزلت معاها بالليل
من باب صغير ورا المطبخ
سلم حديد
ورطوبة تخنق النفس بس مكنش قدامي حل تاني ومهما كان دا افضل من الشارع مليون مره
دخلت أوضة صغيرة فيها مرتبة قديمة، وبطانية مرمية
وفي ركن… شنطة فيها هدوم كانت بتاعة بنت مدام سميحة الله يرحمها
قالتلي :
= هتقعدي هنا …
وانا كل يوم قبل ما أمشي هجيبلك أكل…
وخليكي هادية… لو سمعك أو حس بحاجة هتروحي في داهية وفي حمام هو قديم شويه بس شغال بس مهما كان
إنتي هنا في أمان…
حضنتها وأنا بعيّط:
= أنا مش عارفة أقولك إيه…
أنا بدعيلك من قلبي
قالتلي بحب:
= ربنا كبير يا بنتي… وحييجي اليوم اللي ترفعي فيه راسك
سبتني ومشيت قعدت ابص في اركان الاوضه حسيت بالخوف بس شجعت نفسي
الأوضة كانت ضلمة
مفيهاش شباك
بس كانت فيها أمان صغير…
أمان إن مفيش حد هيزعقلي
ولا هيطردني
ولا هيقولي "اطلعي برا"
قعدت فيها واتغلبت علي الخوف الي جوايا
كل يوم هدى كانت تنزلي الأكل
سندويتش، شوية رز، شربة
وأحيانًا قطعتين فاكهة لما تقدر.
كنت أسمع صوت كريم فوق…
صوته وهو داخل من الباب،
صوته وهو بيزعق في التليفون،
صوته لما يرجع من الشغل متعصب:
= "فين الغدااااا؟!!"
وأحيانًا…
أصوات ضحك بنات…
وأنا سامعة صوت الكعب العالي بيخبط على السيراميك
وسكته،
ثم همسات،
ثم صوت باب الأوضة بيتقفل،
وهدوء مريب
كنت أحط إيدي على بطني،
وأقول:
= "متخفش…
ماما هنا
حتى لو إحنا تحت الأرض…
بس أنا مش هسيبك"
عدت الايام …
بقيت عايشه تحت الارض تحت الرجلين علي قد ما كنت زعلانه علي نفسي علي قد ما كنت حاسه بامان
حتي لو وراه خوف من الي جاي والي ممكن يحصلي
بعدين
كريم كان عايش حياته
وأنا كنت تحت رجليه…
بس مش باينه ليه
كنت شبهه بنت، بس دلوقتي…
أنا بقيت ظل،
بقيت نَفَس متخفي في بيت كبير
كأني روح مدام سميحة لسه عايشة…
بس في صورة حنين.
وفي يوم
كنت قاعدة على المرتبة القديمة
ضهري واجعني، ورجلي مش قادرة أحرّكها،
بطني بتشد عليا
والنفس بيطلع بالعافيه
الوجع كان طالع من تحت ضلوعي…
زي حد بيقطعني بسكينة باردة.
بس أنا ساكتة…
مش عايزة أصرّخ
أنا في بيت مش بيتي
وكل صوت ممكن يكون نهايتي
بس الوجع غلبني…
صرخة خرجت مني غصب عني
صرخة مكنتش صوت، كانت عمر بيطلع من جوّه
في نفس اللحظة…
كريم كان راجع
معاه بنت زي الي بيجبهم علي طول معاه
ضحكة عالية، ومفاتيح بتترمي على الترابيزة،
وهو بيقول:
= ادخلي جوّه… أنا جايلك
لكن قبل ما يفتح باب الأوضة…
سمع الصرخة
وقّف…
اتجمّد في مكانه
البنت سألته باستغراب:
= فيه إيه؟
ردّ وهو بيشد نفسه:
= استني لحظة كده
نزل السلم…
صوت قلبه بيدق
خطواته بتسرّع
بيفتح باب البدروم،
وهو مش مصدق عنيه.
كنت مرمية،
مبلولة عرق،
وشهي شاحب،
إيدي مسكه بطني
وعيني كلها دموع
اول ما شفته نسيت كل حاجه مش بفكر غير الوجع الي بيقتلني بالحيا بصلته برجاء ودموعي مغرقاني
= ك… كريم… بالله عليك… أنا بموت ساعدني
هو اتصدم
اتجمد
وكان هيزعق
بس سكت لما شاف حالتي
قال بصدمه
= حنين انت هنا ازاي
البنت اللي فوق سمعته بيقول اسمي
قربت
ولما شافت المنظر من فوق السلم…
شهقت وقالت:
= دي… دي عايشة هنا ازاي ؟ إنت مجنون؟
كريم لف ناحيتها وقال بعصبية:
= اطلعي برا… امشي!!
البنت جريت بسرعة ومشيت
مرعوبة، مش فاهمة حاجة
أما هو…
كان واقف متوتر، مش عارف يعمل إيه،
بس عنيه كانت بتقول إنه ضايع
قرب منها
ولأول مرة، بصلها بجد…
وشافها…
مش الشبح اللي كان بيتهرب منه
شافها… بني آدمه موجوعة…
بتولد من غير ضهر
وطى عليها
وشالها بحضنه
وهي بتبكي وبتتلوى من الوجع.
طلع بيها على طول…
دخل العربية،
وأول مرة في حياته يسوق وهو بيبص في المراية مش عشان شكله…
عشان يشوف عينيها… خايف عليها
= استحملي… استحملي بس شويه ونوصل
هي كانت بتهمس:
= "أنا خايفة…
أنا لو جرالي حاجة… حافظ على إبنك"
سكت…
بس نظرته كانت بتترعش
وصلوا المستشفى،
دخل بيها على الطوارئ،
الدكاترة خدتها بسرعة،
وهو واقف برا…
مش قادر يقعد
إيده على رأسه، ووشه بين إيديه كانه بيلوم نفسه علي كل حاجه
بعد ربع ساعة، خرج الدكتور وقاله:
= الولادة كانت صعبة جدًا…
وفي نزيف شديد حصل
وقت ما كان الدكتور بيكلمه...
خرجت وراه ممرضة…
شايلة في إيديها لفة صغيرة…
جواها كائن بيصرخ صرخة أول مرة يشوف فيها الدنيا
= مبروك… ولد
كريم وقف
اتجمد
اتسند على الحيطة
وسأل بصوت ضعيف :
= "هي… بخير؟"
الدكتور قال:
= حالياً مستقرة… النزيف وقف بعد تعب، بس محتاجة تتابع كويس
الراحة نزلت على قلبه،
بس مش كاملة…
لسه في حاجة ناقصة
بص على الممرضة…
اللي قربت منه ومدتله الولد
= تحب تشيله؟
قال وهو بيبص للبيبي:
= "أنا؟…
تفتكروا كريم هيعمل اي هل هياخد الولد ويسيب حنين ولا هيتخلي عنهم الاتنين
ولا ممكن حاجه تانيه تحصل
تصرف كريم بانه انقذنها كان اي ردة الفعل الي خدتوها عنه.....