رواية نبض مشترك الفصل الخامس 5 بقلم هاجر عزالدين

 

 

رواية نبض مشترك الفصل الخامس بقلم هاجر عزالدين



صباح اليوم التالي في مكتب هاجر

الجو هادي في الكلية، لكن عقلها مش ساكت.
"نظراته كانت غريبة... هو أنا اللي بوهم نفسي؟ ولا هو فعلاً يقصد حاجة؟"
كانت قاعدة على مكتبها، قدامها كوباية القهوة اللي نسيت تشربها، وقلم في إيدها بتقلب بيه الورق من غير تركيز.

دخلت داليا، زميلتها في القسم وصاحبتها المقربة:
– "هاجر، مالك؟ إنتي مش على بعضك من امبارح."
– "مافيش... بس يمكن محتاجة أفصل شوية."
– "مش يمكن الموضوع ليه علاقة بالطالب اللي كان عندك امبارح؟ اللي اسمه... إسلام؟"

رفعت هاجر عينيها بسرعة، وحاولت تخفي الارتباك.
– "هو قالك حاجة؟"
– "لا، بس كنت ماشية وسمعت اسمه وإنتي بتناديه. بصراحة... فيه حاجة في طريقته... مش شبه باقي الطلبة."

سكتت هاجر... وفي عقلها نفس الجملة بتتكرر:
"مش شبه باقي الطلبة..."

دخل من بوابة الكلية بخطوات ثابتة...
نفس الأرض اللي كان بيعدّي عليها من سنين، وهو مجرد طالب في كلية الشرطة، بيعدّي من هنا مخصوص عشان يلمحها من بعيد... دلوقتي رجع، بس المرة دي مش مجرد مُعجب... رجع كمُكلَّف. كمراقِب. كخطر محتمل.

> "هاجر عز الدين... اسمك اتحفر في ملف، واتعلق عليه تصنيف... وأنا؟ لسه مش قادر أصنّف إحساسي ناحيتك."

مرّ جنب مجموعة من الطلبة، أغلبهم ما خدوش بالهم منه... بس فيه عيون كانت بتترفع وتتبص، مش علشان شكله أو هيبته، لكن علشان شكله مش غريب... فيه شبه من حاجة مش مفهومة.

وصِل لمبنى التشريح.
ورقة التكليف في جيبه الخلفي، لكن اللي وجعه أكتر من الورقة دي... هو الورق اللي كتب فيه مبارح إنه شاكك في تصرفاتها.

فلاش سريع – لمشهد من مبارح بالليل:
إسلام قاعد في أوضته، قدامه تقرير مكتوب بخط مرتب:

> "الهدف: د. هاجر عز الدين – أستاذة مادة التشريح – سلوكها يتسم بالانغلاق العاطفي، لكن هناك إشارات لاضطراب محتمل في علاقاتها الاجتماعية... قد تكون تمثل خطرًا معلوماتيًّا في حالة الاستهداف من جهة معادية."

شدّ على القلم، ومزّق السطر الأخير...

> "دي مش هدف... دي كانت أمنيتي."

رجع للواقع...
وقف قدام باب مكتبها، مد إيده يخبّط، بس وقف لحظة...

> "لو خبطت... هي هترد كدكتورة، وأنا كضابط... بس أنا مش قادر أكون غير نفسي دلوقتي."

خبط.سمعت الخبطة الخفيفة على الباب، رفعت عينيها بسرعة من الورق اللي قدامها.
كان قلبها مش مطمئن، مش من الخبطة نفسها... لكن من الإحساس اللي سبقها.

قامت وفتحت الباب...

هو.

واقف قدامها بنفس الهدوء اللي شافته امبارح، نفس النظرة اللي مش قادرة تفهمها...
نظرة فيها حاجة "عنيّا بتدوَّر على حد زمان"، بس متغلفّة بغموض عسكري مش بيسمح بأي خروقات.

– "أهلاً، تفضل."
قالتها بنبرة رسمية، لكنها مش قادرة تمنع الإحساس اللي بيزحف على صوتها.

دخل، بص حواليه، وكأنه بيفحص المكان، مش بيشوفه.

– "كنت محتاج أكلم حضرتك دقايق... لو ينفع."
– "خير؟ في مشكلة في المحاضرات؟"
– "لا خالص، الموضوع شخصي شوية... بس له علاقة بوجودي هنا."
– "وجودك هنا كطالب؟ ولا تقصد حاجة تانية؟"

سكت لحظة... كأن السؤال كشف حاجة هو مش عايزها تتكشف.

– "أنا مش طالب فعليًا... أنا متواجد هنا ضمن مهمة... وكنت محتاج أوضح لحضرتك بعض الأمور قبل ما تتفسر بشكل غلط."

رفعت حاجبها، ونبرة صوتها بقت أهدى، بس أعصابها كانت مشدودة:

– "مهمة؟ وإيه علاقتها بيا؟"

سكت إسلام لحظة، وبص في عينيها كأنه بيوازن بين القرار والمخاطرة.
وبعدين قال بنبرة هادية، لكن فيها نغمة رسمية:

– "الكلية تحت المراقبة من فترة… فيه اشتباه في وجود تسريب معلومات أو مستندات طبية بتتبع جهة مجهولة."
– "ومالي أنا؟"

سؤالها جه حاد، لكن فيه لمحة خوف صغيرة مستخبية.

– "اسم حضرتك اتكرر… مش كمتهمة، لأ. بس كصلة محتملة لشخص تاني تحت الشبهات."
– "أنا؟!"
صوتها ارتفع غصب عنها، ووقفت بسرعة:
– "أنا شغلي كله أكاديمي، وعمري ما دخلت في حاجة زي دي!"

– "أنا مصدقك."

قالها بثبات، وبص لها بنظرة أول مرة تكون صادقة وواضحة بالشكل ده.

– "وعشان كده جيت أقولك… مش علشان التحقيق، لكن علشان ممكن أحتاج مساعدتك."
– "تساعدك في إيه؟"
– "في الوصول لحقيقة الشخص اللي بيحاول يوصّل معلومات من جوه الكلية… حضرتك أقرب نقطة ليه من غير ما تعرفي."

سكتت…

الصدمة في عينيها بدأت تتحوّل لتفكير.
أسئلتها كانت بتلف في دماغها بسرعة:
مين الشخص؟ وليه أنا؟ وليه هو بيقول لي ده؟ وإزاي عارف إن ممكن أثق فيه؟

قالت بنبرة خافتة:

– "وإنت مين؟ يعني… بالظبط؟"

بصّ لها لحظة طويلة، وبعدها قال بهدوء:

– "أنا مش مجرد طالب. ولو قبلتي تساعديني… هفهمك كل حاجة… بس مش هنا."هاجر وقفت، ولفّت ضهرها ليه وهي بتحاول تسيطر على تعبير وشها وصوتها.
حست للحظة إنها بتمثل، كأنها بتدي محاضرة، مش بتتحط فجأة في نص تحقيق.

قالت وهي بتلفّ له تاني:

– "أنا مش هقدر أساعدك."

– "ليه؟"

– "لأني مش فاضية ألعب دور في تحقيق مليان ظنون… أنا عندي شغل، طلاب، وسمعة تعبت عشان أبنيها."

سكتت لحظة، وبعدين كملت بصوت فيه رعشة خفيفة:
– "وبعدين… إنت جيت لي من غير إذن، ومن غير ما أعرف هويتك الكاملة… وعايزني أثق فيك؟"

ابتسم إسلام ابتسامة باهتة، لكنها مفيهاش استهزاء… فيها حاجة أقرب للخذلان.

– "أنا فاهم... بس هتوصلي لنفس النقطة قريب… لما تبتدي تلاحظي إن في حاجات حواليكي بتتغير، وإنك بقيتي جزء منها غصب عنك."

لف وبدأ يخرج من الباب، بس قبل ما يفتحه، وقف وقال:

– "أنا مش جاي أتهمك… أنا جاي أحميك."

وسابه الباب يتقفل وراه بهدوء… وهاجر فضلت واقفة مكانها، تحاول تقنع نفسها إنها عملت الصح…
بس قلبها مكنش متطمن.

---هاجر كانت قاعدة في المكتب كالعادة… لكن عقلها مش ثابت، ونظرتها مش مركّزة.
اللي حصل مع إسلام ساب في قلبها علامة، حتى لو رفضته… بس ماقدرتش تمحي كلامه من دماغها:

> "هتوصلي لنفس النقطة قريب… لما تلاحظي إن في حاجات حواليكي بتتغير..."

وفي اليومين اللي فاتوا، الحاجات فعلاً بدأت تتغير.

ملف طالبة اختفى من المكتب، ولقته بعد ساعتين في الدور التاني على مكتب فاضي.

إيميل غريب وصلها من عنوان داخلي في الكلية، بيطلب منها تفتح مرفق فيه ملفات طبية مش من تخصصها، ولما فتحت اللينك، طلع فارغ.

الطالبة "ملك" كانت داخلة تسلم بحث، بس سألتها:
– "دكتورة، حضرتك فعلاً بتشتغلي مع جهات أمنية؟"
– "مين قال كده؟!"
– "في كلام بيتقال بين الطلبة… بس أنا ما صدقتوش، والله."

هاجر بدأت تحس إن في حد بيراقبها…
مش بشكل واضح، لكن كأن فيه عين مش بتشيل نظرها عنها.

---اليوم اللي بعده

فتحت باب المكتب بنفسها… وقفت على الباب، تبص ناحيته.
كان قاعد على أول سُلَّم في الساحة بين المدرجات، بيبص في الأرض، كأن مفيش حاجة حواليه.
كأنَّه مستني النداء.

– "إسلام."

رفع عينه بسرعة. وقف، ومشى ناحيتها بهدوء.

– "حضرتك ناديتيني؟"
– "آه… عايزاك دقيقة في المكتب."

دخل معاها، وقبل ما يقفل الباب، قالت بصوت ثابت:

– "أنا موافقة أساعدك."

اتجمّد للحظة، كأنه مش متوقع إنها فعلاً هتقولها.

– "بس بشروطي."

ابتسم بخفة وقال:

– "قوليلي."

 في المساء
بعد انتهاء اليوم الدراسي  

دخل إسلام المكتب بعد ما استُدعي من رئيسه…
الباب اتقفل ورا ضهره بإحكام، وكأن الهوا نفسه ممنوع يدخل من غير إذن.

كان قاعد قدامه العقيد "شريف فوزي"، راجل في أوائل الخمسينات، نظرته حادة، وصوته دايمًا ثابت… مش بيظهر انفعال بسهولة.

– "خير يا باشا؟"

رفع العقيد عينه من التقرير اللي قدامه، وقال:

– "الدكتورة وافقت؟"

إسلام خَد نفس بطيء، وقال:

– "آه… وافقت. بس بشروط."

– "شروط؟ هي شايفة نفسها فين بالظبط؟"

– "حضرتك عارف كويس إننا محتاجين تعاونها… معرفتها بأسماء الطلاب، والملفات، وكل التفاصيل اللي ما نقدرش نوصلها بسهولة."
– "وانت متأكد إنها مش بتحاول تضللك؟"

سكت إسلام لحظة…
وهو بيفكر في صوتها وهي بتقوله "أنا موافقة أساعدك"
وهو بيبص في عينيها وشايف التوتر اللي حاولت تخبّيه…

– "أنا متأكد."

العقيد سابه ساكت شوية، وبعدين قال:

– "طيب… من دلوقتي أنت مسؤول عنها، وأي تصرّف من ناحيتها بيقع تحت تقييمك."

– "حاضر."

– "ولو طلعنا غلطانين فيها… أو فيك… التقرير اللي هيتكتب هيكون نهائي."

الكلمة الأخيرة دي كان فيها تهديد متغلف بثقة.

إسلام قال:

– "أنا فاهم، وهتحرك بحذر."

قبل ما يخرج، العقيد قال:

– "افتكر يا إسلام… إحنا مش بندوّر على مشاعر، إحنا بندوّر على خيانة."

إسلام ما ردش، لكن ملامحه اتشدّت…
وهو بيسيب المكتب، حس إن فيه حاجة بتتكوّن جواه:
صراع بين المهمة… والقلب اللي ما عرفش ينفصل عن هاجر من البداية.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1