رواية نيران نجع الهوى الفصل السادس بقلم هدير دودو
صرخات قوية اعتلت معلنة عن الحزن القادم لتتبدل الأجواء على الفور، في وهلة واحدة آتى الحزن بأجواءه المكروبة ينهي حالة السعادة التي كانت تسيطر على القلوب المُحبة، لا أحد يعلم ما الذي حدث لينقلب الأمر رأسًا على عقب.
تقف تائهة لا تعلم ماذا يحدث حولها رُبما يكون حلم لا هو كابوس في الحقيقة، تحول واقعها إلى كابوس بشع يمرر مذاق سعادتها، تقف بفستان زفافها لا تفقه شئ وهناك سؤال واحد يأتي في عقلها لماذا يحدث لها كل ذلك؟ ماذا فعلت لتتلقى ذلك الحزن في حياتها بعدما انقلب اليوم المنتظر إلى يوم سيء من أسوأ أيامها..
انطلقت راكضة خلف رجال الشرطة بفستانها الأبيض وهيئتها الخاطفة للأنظار وهي تصيح باسمه بنبرة مرتفعة وشهقات صاخبة:
– حـسـن… لاه يا حــســن متهملنيش استنى لچل خاطري استناني.
وقفت تلتقط أنفاسها اللاهثة نتيجة سرعة ركضها خلفه بعدما شعرت بخيبة الأمل، وتحطيم أحلامها وهي تشاهد ابتعاده عنها واختفاءه من أمام عينيها بقلب مقهور لم يجد مَن يستند عليه ليجعله يشعر بالسعادة المستحقة.
جلست أرضًا غير مبالية لما حولها ولا أين تقف؟ لم تهتم لفستانها الذي تحول لونه الأبيض الناصع إلى آخر باهت كما حدث لسعادتها التي لم تكتمل!
أسرعت إيمان تقترب منها بعدما كانت تركض خلفها لكنها لم تستطع ملاحقتها وضعت يدها فوق كتفها بحنان محاولة أن تحثها للنهوض بتوتر وحزن:
– جومي ياخيتي ميصُحش إكده، جومي يا حبيبتيّ متجلجيش هيُبجى زين والله ويرچع چارك.
لم يصدر منها سوى آنين خافت باسمه ودموعها التي تنهمر كالشلال فوق وجنتيها وكأن هناك مَن يمنع سعادتها لمَ لا؟ فهو يفعلها وبالطبع لم يكن سواه عمران الجبالي هو الذي يفسد سعادتها مثلما فعل الآن مع شقيقه ليثبت أنه المسيطر على النجع بما فيه كاملًا.
كانت تهتف باسمه بخوف في حالة يرثى لها:
– حـ… حــســـن رايدة حـسـن..
عادت حديثها مرة أخرى بنبرة تزداد هدوء وحنان وهي تطالعها بشفقة وأعين باكية:
– هيعاود والله، بس جومي معايا دلوك مهينفعش جعادك إكده.
نهضت معها تعيدها إلى المنزل مرة أخرى، وهي تسير بوجه شاحب وذهن شارد لم تشعر بما حولها، تستند عليها وتبكي وتهتف باسمه، وبالطبع كانت تعلم أن عمران لن يدع الأمر يمر بسلام بما فعل كل ذلك ليرى قهرة قلبها المحطم حتى تفكر قبل أن تفعل شئ وتقف أمام شخص مثله قاسٍ وظالم.
ما أن دخلت حتى اقتربت منها فهيمة التي قبضت فوق أطراف فستانها بغضب تهزها بعنف صائحة بغضب ونيرانها تغلى داخلها فلم تستطع التفكير فيما تتفوهه أمام الحشد الهائل من أهالي النجع:
– مرتاحة إكده يا چلابة المصايب، وجعتي اللخوات في بعضيها ربنا ينتجم منيكي ولدي هيروح بسببك، جولتلك همليه مسمعتيش حديتي، وروحتي اتدحلبتي كيف الحية مرتاحة يا عهد حسن ضاع خلاص ولدي راح منيّ.
بدا الذهول فوق وجوه الجميع وقد اتضحت الرؤية أمام عينيهم بعد حديث فهيمة، عمران هو مَن فعل ذلك بشقيقه عمدًا بسببها لكن لماذا!؟
تعالت صرخات فهيمة الحزينة الخائفة على ابنها:
– يا مُـرك يا فهيمة يا مُـرك، ربنا ينتجم منيكي يا عهد والله ما ههملك أن چرا لولدي حاچة مهيكفنيش روحك اللي هاخدها بيدّي.
لم تكن في حالتها لترد عليها ولم تستطع فهم حديثها، وكأنها ولجت في دنيا أخرى تنتظر عودته فقط ليعيد إليها روحها من جديد.
تعالت همهمات الواقفين من حولها يودون معرفة نهاية الأمر كما يفعلون دومًا، لكن تلك المرة فضولهم يزداد فالأمر عن عائلة الجبالي كبيرة نجع العمدة.
تطلعت فهيمة نحو نعمة صارخة بها بغضب:
– اتحدتي ويّا حمدي جالك ايه طمني جلبي هيجف.
تطلعت أرضًا بتوتر مقتربة منها بنبرة هامسة محاولة أن تخفي الأمر حتى لا ينتشر ويتردده الصغير قبل الكبير ويصبحون رواية على ألسنة مَن في النجع:
– حمدي بيجولي أن عمران عيجول أن اخوه بيتاچر في اللسلاح وملبسه جضية واعرة جوي، وهو اللي عمل كل ديه عشان يرچع حجه ويوجف الچوازة المجندلة ديه.
لطمت فوق صدرها بقوة وصرخت بحزن وقد علمت ما ينوى عمران فعله وكيف يأتي رده بتلك القسوة الطاغية:
– ولدي… ولدي هيروح مني، ربنا ياخدك يا عهد كانت چوازة سودا علينا كلياتنا.
همست أحدى الواقفات بتهكم ساخرة وهي ترمقها بشماتة:
– عروسة الشوم، وشها يجطع الخميرة من البيت الفجرية ديه.
كانت مَن تقف بجانبها تحاول أن تكتم ضحكتها وفرحتها لما حدث في عهد التي كانت متعالية بكبرياء كبير لزواجها من حسن الجبالي.
كان هُناك مَن يرى الأمر بحزن وهيئتها الحزينة تثير شفقتهم بعدما تحول أسعد يوم لكل فتاة إلى كابوس عليها التخلص منه.
اقتربت واحدة منهم من عهد واحتضنتها معقبة بخفوت:
– ربنا يصبر جلبك يابتي، ويعوضك عن اللي حصُل خير.
لم تستطع الرد عليها فلا يوجد حديث وكلمات تعبر عما تشعر به وتطفئ نيران قلبها المتأهبة تأكله بقسوة فاكتفت بإيماءة بسيطة من رأسها أمامًا بضعف.
اقتربت السيدة من فهيمة مغمغمة بهدوء محاولة مواساتها بعدما رأت حالتها:
– ربنا معاكي متزعليش حالك هيطلع بالسلامة، وهتجعديه چارك تعملي كل اللي عاوزه.
تمنت صدق حديثها وحدوثه سريعًا ليطمئن قلبها الذي كاد يقف رعبًا على فقدان ابنها الذي سيبتعد عنها بأمر من شقيقه المخطط لكل ما يحدث من أجل الحفاظ على هيئته أمام الجميع، لا تعلم كيف يفكر حتى يحافظ على هيبته ووقاره أمامهم لم يجد فرصة أفضل من ذلك لينتهزها ويبرز سيطرته التامة.
بدأ الجميع يذهب بعدما تحولت الأحواء مئة وثمانون درجة، وتلك انطلقت نحو غرفتها تغلقها خلفها وقد خارت قوتها الزائفة التي كانت تحاول التمسك بها في الخارج وجلست أرضًا أمام المرآه باكية بضراوة، تطالع هيئتها بقهرة والحزن كاد يفتك بقلبها، وعقلها يردد تلك الكلمة التي استمعت إليها بأذنيها وتراها داخل أعين الصامتين:
– عروسة الشوم هـ… هما صُح على حج يا عهد.
قبضت فوق يدها بقوة وتشعر بمرارة مذاق اللون الأسود الذي يحيط حياتها من جميع الجهات فأصبحت كالشمعة التي كلما تُضاء تنطفئ عنوة بالإجبار وكل ما حدث اليوم نتيجة لشئ واحد تمسكها ودفاعها عما تريده..!
ذلك الظالم رأى أن كثيرًا على فتاة مثلها الزواج بمَن أحبت، فأفسد زفافها وفرحتها وهدم كل شئ لأجل هيمنته وظلمه الطاغي.
كل شئ تحول تمامًا، فرحتها تحولت إلى الحزن وقلب مقهور كاد التوقف عن عمله متمنية ذلك لعلها تشعر بالإرتياح بدلًا من تلك القسوة التي تنالها وتراها دومًا..
مهما ادعت الصمود والقوة بداخلها الحزن سيساهم في قتلها بعد الفتك بقلبها، ابتسامتها تحولت تمامًا إلى دموع غزيرة تدمر قلبها المحطم.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر..
وقفت فهيمة بلهفة متطلعة نحو عمران الذي عاد للتو
ولج المنزل بشموخ وملامح وجه باردة بفتور كما أن لم يحدث شيء، اقتربت منه مسرعة مغمغمة بقلق والخوف يعتصر قلبها:
– ريح جلبي وطمنه ياولدي أخوك هيخرچ صُح هو فين معاودش وياك ليه؟
ابتعدت عنه متطلعة ببصرها نحو الخارج لعلها تراه يدلف هو الآخر خلفه، لكنها شعرت أن قلبها سيتوقف حزنًا متنهدة بإحباط عندما رأت حمدي ولج بملامح حزينة فأستعادت حديثها مرة أخرى بحزن:
– لاه يا عمران مينفعش إكده اللي عملته ميصحش خرچ اخوك من المصيبة اللي حلت على دماغنا أنت خربت چوازه من البت ديه وعملت اللي بدك تعمله وبعدته عنيها وأني هخليه يهملها خالص بس خرچه ياولدي، ده ولد الچبالي الناس هتجول عنينا إيه.
أشاح ببصره مبتعدًا عنها متحاشيًا البصر نحوها مغمغمًا بقسوة:
:- الموضوع مبجاش في يدّي دلوك، حسن جدام الكل بيتاچر في اللسلاح مش هعرف اعمله حاچة.
لطمت فوق صدرها بقوة صارخة وهي تدفعه عدة مرات إلى الخلف بانهيار تام، ترى نظراته الشامتة بشقيقه الذي تسبب الآن في تدمير حياته وسلب سعادته:
– جطع لسانك ولسان اللي يجول على ولدي إكده هاكله بسناني واجتله، حسن ده زينة رچال نچع العمدة وأنت خابر إكده زين، بتعمل إكده عشان حُرمة ربنا يجطعها خرچ حسن معملش حاچة أني عارفة ولدي زين.
تابعت حديثها بضعف تام بعدما اجهشت في دوامة بكاء مريرة جعلتها تسقط أرضًا بضعف:
– هان عليك أخوك وأمك يا عمران وكله عشانها مين ديه عشان تعمل إكده لچل أنك تبجى وياها، هي جلبها مع حسن مش بيدك تغير اللي في جلبها.
هدر بها بعنف حاد بعدما فشل في السيطرة على ذاته بعد حديثها الذي غير مبالي بمشاعره وقد بدا الغضب فوق ملامح وجهه وبرزت عروقه:
– هتُبجى حجي أني يمّا بالغصب والجوة، ومحدش هيجدر يمنعني عنيها ولا يجف جصادي هيُبجى مصيره كيف حسن زينة الرچال.
سار من أمامها بخطوات واسعة غاضبة متوعدًا لـ عهد التي لم تعطيه اهتمام وأعطت جميع مشاعرها وحبها لشقيقه مما دفع النيران لتشتعل بقلبه فستجعله يدمر النجع بأكمله لأجل الحصول عليها وتحقيق عهده مثلما فعل الآن بشقيقه.
أغمض عينيه بقوة وقد تجمعت بداخله صورة كاملة لها، تعالت نبضات فؤاده العاشق الذي غواه غرامها فهوى أسيرًا للعشق، تحدث بإصرار وكأن الأمر تحول معه عشق إلى تحدٍ مدمر للجميع مغمغمًا بينه وبين ذاته بتحدٍ:
– الله في سماه يا عهد ما هتُببجي لحد غير عمران الچبالي، وهندمك على كل ليلة تمت وانتي بعيد عن جلبي اللي معشجش غيرك.
انتحبت فهيمة بضعف وهي تدعي على تلك المسكينة متمنية أن تقبض فوق عنقها بقوة وتذيقها العذاب كما تشعر هي الآنؤ أو ربما تفصل عنقها تمامًا عن جسدها لتتشفى بها وتهدئ لهيب نيرانها المضطرمة..
اقتربت نعمة منها مربتة فوق كتفها محاولة أن تجعلها تهدأ قليلًا، وغمغمت بمكر:
– اهدي ياخيتي خلينا نعرف نفكر عشان نشوف هنعمل ايه لچل نخرچ من المصيبة اللي حلت على دماغتنا.
تطلعت نحوها بلهفة، وأعينها التمعت بالغضب والشر مغمغمة بحدة وجدية تامة:
– المصيبة حلت لما البت دي دخلت العيلة وچابت عاليها واطيها، ووجعت اللخوات في بعضها.
ابتسامة ماكرة حلت فوق ثغرها،وأخفتها بمهارة وأخيرًا تستمع إلى الحديث التي دامت تحاول استماعه عالمة مدى قوة فهيمة وكيف تستطيع تنفيذ أفكارها السامة دون خوف لتدمير عهد، أكملت فوق ما يحدث بكلمات شامتة خبيثة:
– أني جولتلك من وجتها البت ديه مهينفعش تتچوز حد من عيال الچبالي دي مهياش سهلة، وش الفجر ديه كنتي بتدافعي عنيها وتجولي أني ظالماها.
حركت رأسها نافية تلعن ذاتها على دفاعها عنها فتابعت بضعف وقلبها سيتوقف لأجل ابنها الذي ستفقده بسبب ابنها الآخر:
– لاه لاه ديه كيف الحية لفت على رجاب ولادي اللتنين من غير خشا ولا حيا، كنتى على حج يا نعمة ياريتني سمعت حديتك ياخيتي مكنش حصُل اللي حصُل دلوك كان زمان ولدي في داره وواجف في ضهر اخوه.
همست نعمة بهمس سام كفحيح الأفعى والشر يلتمع داخل عينيها:
– وهنهملها بعد اللي عملته ده يا فهيمة هتجعد هيّ في دارها وابننا عيتبهدل ويّا الحكومة.
أسرعت نافية حديثها بغضب يعميها واستطاعت نعمة أن تصل من خلاله إلى ما تريده:
– اهملها عتجولي إيه يا نعمة اتچنيتي اياك، ديه مش ههملها غير لما اموت، حج ولدي هيرچع.
ازدادت ابتسامتها اتساعًا عندما رأت نظرات فهيمة الغاضبة المتوعدة لها وعقلها الذي يفكر في انتقام قوي تؤذيها من خلاله لتثأر لحق حسن، وهي تعلم فهيمة جيدًا لن يهدأ بالها سوى بإطفاء نارها المشتعلة وماذا يوجد لديها أغلى من ابنها لتثأر الى حقه!؟ أكملت حديثها بشرود هي الأخرى غارقة بين افكارها السامة:
-يُبجى نجرا الفاتحة على روحها اللي هناخدها جريب.
أيدتها على الفور دون تفكير، وبدأ كل منهما التخطيط لما سيفعلونه بها، لكن باي ذنب ستُقتل وهي لم تؤذِ أي منهما، لكن من سوء حظها أنها سقطت فريسة لبراثن غاضبة مشتعلة سيحاولون قتلها بعدما سيطر الشر على قلب فهيمة ورأت أنها المتسببة في تدمير حياة ابنها والعائلة بأكملها.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر…
اعدت عهد ذاتها تنوى الذهاب لزيارة حسن والإطمئنان عليه، لكن قبل أن تذهب وجدت مَن يستوقفها صائحًا بغضب:
– انتي خارچة ومهملة الدار في الوجت ده.
أسرع يقبض فوق ذراعها بقوة يعارضها منفعلًا عليها بجنون:
– اعجلي إكده ملكيش خروچ برة الدار بعد لللي حّصُل بكفياكي فضايح عاد.
شحب وجهها بتوتر لكنها ابتلعت تلك الغصة القوية التي تشكلت في حلقها وتسببت في ألم قلبها، حاولت تجاهل كل ذلك، ودفعته بقوة بعيد عنها معقبة ببرود:
– ملكش صالح بيا والفضايح هتُبجى ليا أني، وأني جبلاها ودلوك هتطمن على حسن مهينفعش أهمله في الوجت ده، واللي يتحدت يتحدت معيهمنيش حديت حدّا واصل.
وقف أمامها غاضبًا والشرر يتطاير من عينيه:
– ملناش صالح بيه من دلوك لحد ما يخرچ من السچن، ومش راچع دلوك ده اللي عرفته من حديت اهل النچع.
لطمت فوق صدرها بقوة صارخة بقهر وخوف عليه:
– يا عيب الشوم عليك بدل ما تدعيله يخرچ ينور الدنيا كلياتها، بعد عنيّ خليني اروح اطمن جلبي عليه، كلها دجايج وكان هيبجى چوزي
قبض فوق ذراعها غاضبًا مزمجرًا باعتراض:
– جلبك توجفيه دلوك مبجاش چوزك يُبجى مهينفعش اللي بدك تعمليه دِه.
أجابته صارخة بضعف وعقلها يصور لها بعض الأحداث التي حدثت معها ليلة البارحة متذكرة نظراته الخائفة بتوتر لما يحدث فجأة:
– مجدراش… مجدراش أهمله جلبي هيجف لو هملته بعد عنيّ ياخوي.
لم تنتظر رده بعد ذلك دفعته غاضبة لتبعده عن طريقها وسارت مسرعة متوجهة نحو منزل الجبالي متناسية جميع مخاوفها وعقلها لم يفكر سوى بأمره داعية ربها بالحفاظ عليه وتيسير أموره بقلب مقهور أنهكه الحزن..
أثناء سيرها استمعت إلى بعض الهمهمات المتحدثة عنها تحدثت واحدة بخفوت ضاحكة:
– عتمشي ولا على بالها بوشها الفجر دِه.
تحدثت واحدة أخرى ترد عليها بسخرية لاذعة، وهي ترمقها بازدراء وملامح باغضة:
– وجعت اللخوات في بعضيها، هي اللي خلت سي عمران يعِمل إكده في سي حسن.
مصمصت الأخرى شفتيها وعقبت بشماتة:
– كانت فاكرة حالها هتُبجى من عيلة الچبالي أهو هملها يوم الفرح بفستانها.
أنهت حديثها ضاحكة فرحةً لما حدث لها.
وقفت عهد تطلعت نحوهم بنظرات متوهجة بنيران غاضبة، وصاحت أمامهم بشراسة تدافع عن ذاتها بعدما سيطر عليها الوجع من حديثهم القاسي:
– اجفلي حشمك حسن الچبالي سيدك وسيد النچع كلياته مهملنيش يوم فرحنا، وكلكم شفتوا اللي حصُل غصب عنيه اتحشمي يا مَرا منك ليها.
أجابتها واحدة منهم متبجحة ببرود:
– وهو احنا بس اللي عنتحدت ده الكل بيتحدت عنيكي لما تعرفي تجفلي خشمهم ابجى اتحدتي ويانا.
رمقتها عهد محتقرة بغضب متوهج، لكنها حاولت أن تتماسك قليلًا وتذهب لتطمئن قلبها المرتجف على حسن دون الالتفات لأي شيء آخر.
وصلت وأخيرًا لمنزل الجبالي ولجت بخطوات متعثرة حثيثة تخشى ما ينتظرها بالداخل لكن قبل أن تستكمل طريقها وجدت فهيمة ترمقها بنظرات نارية مصوبة نحوها تخترقها، كانت تقف أمامها بصحبة نعمة التي حدثتها بغضب:
– إيه اللي چابك إهنيه يا چلابة المصايب بوشك العكر ده رايدة تعملي إيه تاني.
لم تلتفت لحديثها ولم تعطه اهتمام بل وجهت بصرها نحو فهيمة، وتحدثت متسائلة بتوتر وهي تشعر بقبضة قوية تعتصر قلبها:
– حسن إيه أخباره يا ست فهيمة طمنيني عنيه، جلبي واكلني خرچ ولا لساته هيخرچ ميتي؟
تسأل بارتباك من نظراتها نحوها وخوفها عليه يسيطر على مشاعرها، بداخلها العديد من المشاعر المضطربة لا تعلم ماذا تفعل وكيف ستتخلص منها لكن ما تعلمه جيدًا أنها تريد أن يكون بخير وتطمئن على سلامته وعودته مرة أخرى.
أجابتها فهيمة بنبرة قاسية متوعدة؛ لأنها المتسببة فيما يحدث لعائلتها:
– ميخصكيش من دلوك حسن الچبالي ميخصكيش همليه لحاله، كل ده حُصُل بسببك، لساتك عاوزاه بدك يحصله ايه عن اللي حصُل.
تطلعت أرضًا هاربة من نظراتها القاسية والدموع اجتمعت داخل عينيها، فتمتمت بضعف محاولة معها لتعلم أي شي عنه يريح قلبها القلق عليه:
– لچل خاطري يا ست فهيمة طمنيني عنيه مهجدرش اجعد إكده هيخرچ ميتى؟
صاحت بها بنظرات شرسة يملأها الغضب والتوعد وهي تدفعها بعيد بقوة:
– ملكيش صالح بيه من دلوك عمران عمل إكده في أخوه بسببك، رايدة تدمري عيلة الچبالي بدخلتك السوده.
حاولت معها مرة أخرى بنبرة باكية مترجية إياها لتخبرها عن حاله وما حدث معه حتى الآن وهي متمسكة بيدها باستعطاف:
– عشان خاطر حسن يا ست فهيمة جوليلي اللي حُصُله لحد دلوك، جلبي هيجف من خوفي عليه.
دفعتها بعيد عنها بقوة تسببت في سقوطها أرضًا ووقفت تطالعها ببرود غاضب وتحدثت منفعلة عليها:
– يارب يجف، لساته هناك كيف ما هو محدش جادر يعمله حاچة ولا يساعده ومحدش هيجدر غير عمران ومهواش راضي يسببك،بعدي عننينا بجى وهملينا لحالنا ملكيش دخول تاني إهنيه.
لم تهتم لما يحدث لها، شعرت بالصدمة قد ألجمت لسانها وجعلت عقلها يتوقف عن التفكير بعدما علمت أن أمره يزداد سوءًا، تشعر بضربات قوية في قلبها كما أن هناك مَن يطعنها بقوة، نهضت تسير مسرعة بخطوات واسعة شبه راكضة والدموع متعلقة داخل عينيها، تشعر أنها كالتائهة لا تعلم ماذا تفعل؟!
الجميع يراها المذنبة المتسببة فيما حدث، لكن كيف ستتسبب في ذلك دون أن تخطئ، هي كانت عروس تتزين لأجل حضور زفافها بسعادة وقلب يرفرف عاليًا كل ما حدث ليس لها دخل ولم تريده.
أغمضت عينيها بقوة محاولة أن تعطي لذاتها طاقة تدفعها لاستكمال طريقها، وستحاول أن تفعل كل ما في يدها لتخرجه مما به دون الحاجة لمساعدة ذلك القاسي الذي فعل ذلك بشقيقه دون رحمة..
❈-❈-❈
كانت عهد تجلس في غرفتها باكية حتى تورمت عينيها لا تعلم ماذا تفعل؟ تستمع إلى حديث الجميع عنها وتصمت لكن الأهم هل هم على حق في حديثهم؟! تشعر بنصل حاد يقطع قلبها المُتهالك من فرط الحزن، يفتقد السعادة التي لم تدق بابه.
ارتفع صوت نحيبها بقهر كاد الفتك بحياتها ولجت ايمان سريعًا عندما استمعت إليها، واحتضنتها بحنان محاولة تهدئتها:
– خلاص يا عهد متبكيش لچل خاطري عنديكي حسن هيخرچ والله، هيخرچ وجولي خيتك إيمان جالت.
تشعر بها جيدًا وتعلم ما تمر به، هناك وجع قوي بداخلها يدفعها لفعل كل ذلك، لكنها تخشى أن يحدث لها شئ.
استردت حديثها مرة أخرى بتعقل هادئ:
– كنك فاكرة أن عيلة الچبالي هتسكت إكده دول هيعملوا اللي ما يتعمَل لچل أنهم يخرچوه.
ظهر الأمل داخل عينيها فتوقفت عن بكائها لوهلة، وتمتمت متسائلة بقلق:
– بچد هيخرچ يا ايمان بچد حسن هيرچع تاني بيجولوا الموضوع واعر.
اومأت لها برأسها أمامًا وأجابت على حديثها بحنان، وهي تحتضنها بشغف:
– لاه مهواش واعر إكده بعدين عيلته مش هتسكت وتهمله.
بدأت تلتقط أنفاسها بصوت مرتفع، وتمتمت بوهن:
:- رايدة أشوفه يا إيمان مهجدرش أجعد إكده من غير ما اتطمن عليه.
فكرت قليلًا في حديثها وأجابتها بهدوء:
– بكرة جومي من صباحية ربنا وروحي وهجول لاخوكي أنك عتچيبي طلبات للدار بس متعوجيش لاحسن يموتني فيها.
ابتسمت بأمل من بين دموعها المتواصلة، وردت عليها سريعًا بلهفة:
– هاچي طوالي متجلجيش.
أنهت حديثها وضمتها بقوة مردفة هدوء:
– شكرا يا إيمان على كل اللي عتعمليه عشاني.
وأخيرًا ستراه وتطمئن قلبها المتلهف بداخلها بنيران الشوق المضطرمة، ستحاول أن تتماسك وتخفي دموعها عندما تراه متمنية من ربها الحفاظ عليه، وعودته إليها مرة أخرى.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر..
وقفت عهد أمام مركز الشرطة الخاص بالنجع والمتواجد حسن بداخله، شاعرة بالخوف عليه ولا تعلم كيف ستساعده؟! تدعي من ربها أن يمر الأمر بسلام.
لا تعلم ماذا فعلت لتكون حياتها هكذا؟! بعدما كانت عروس في زفافها ترتدي ثوبها الأبيض تقف الآن بعباءتها السوداء تدلف مركز الشرطة للاطمئنان عليه..
حاولت أن تنفض أفكارها بعيدًا ملتقطة أنفاسها بصعداء تحث ذاتها على السير للداخل حتى تراه مثلما تريد.
كانت تقف تنتظره بعدما أخبرها الضابط أنه سيأتي لتراه خلال دقائق تقف تنتظره بقلب ملتهف بلوعة تريد أن تطمئن على سلامته.
وأخيرًا قد وصل إليها ابتسمت بسعادة ما أن رأته والتمعت عينيها بوميض زاهي بالرغم من الحزن المتواجد فوق ملامحه لكن كل ما يعنيها أنه بخير أمامها وتراه، أسرعت مقتربة منه مغمغنة بلهفة وقلق على حالته:
– حسن كيفك طمني عنّك وجولي إيه اللي حصُل، جلبي واكلني عليك.
تطلع أرضًا هاربًا من نظراتها مغمغمًا بتوجس وضعف:
– الوضع إهنيه واعر عمران اللي عِمل فيا إكده، بيجولوا أني بتاچر في اللسلاح.
لطمت صدرها بقوة مغمغمة بصدمة، وقد اتسعت عينيها بذهول وبدا القلق يملأ قلبها:
– يا مصيبتي السوده كيف يجولوا إكده وليه سي عمران يعمل إكده ده إنت اخوه.
أجابها بغضب والحقد يملأه تجاه عمران المتسبب فيما حدث له ليمنع إتمام زواجه بمَن أحب واختار عنوة:
– عمران يعمل أكتر من إكده لساتك متعرفيش هو يجدر يعمل إيه، مش هيخرچني من إهنيه وهو الوحيد اللي جادر يعملها كيف ما دخلني.
سالت دموعها فوق وجنتيها بضعف باكية وقد أصابها الرعب من وجوده هُنا بعدما علمت بصعوبة الأمر الذي دبره عمران، تمتمت بضعف محاولة أن تخفف عنه:
– متجلجش يا حسن ولا تزعل حالك، كل حاچة هتبجى زين وهتخرچ من اللي أنت فيه بخير.
غمغم بهدوء محاولا تهدئتها لتتوقف عن البكاء:
– متجلجيش عليا أني زين، اوعاكي تهمليني يا عهد.
حركت رأسها نافية وأسرعت ترد عليه بلهفة وشغف:
– عمري… عمري ما أعمل إكده أني مجدرش أعيش من غيرك يا حسن.
ابتسم بهدوء وسار من أمامها ليعود مرة أخرى من حيث آتى، كان سعيدًا لرؤيتها وحبها الكبير، وهي خرجت بقلب قلق يسوده الخوف بعدما علمت أن خروجه أصبح صعبًا، ولكن الأمر بأكمله بين يدي عمران المتسبب في كل ذلك.
لم تكن تتخيل يومًا أنه بتلك القسوة استطاع أن يؤذي شقيقه فماذا سيفعل مع الآخرين، كيف لشخص مثله أن يصبح كبير النجع وهو لم يكن في قلبه رحمة.
تفكر في حل لمساعدته لكن لم تجد بعدما علمت أن الأمر بأكمله في يد عمران هو القادر على إنهاء الأمر والوقوف معه لحل الظلم الذي أصابه، لكن كيف سيساعده وهو المتسبب فيه؟!
أغمضت عينيها بقوة محاولة التقاط انفاسها بصعداء وستفعل الحل الأخير لعلها تصل من خلاله إلى شئ ولم يكن سوى ذهابها إليه ومحاولتها للتحدث معه لعلها تنجح في استمالة قلبه.
❈-❈-❈
علمت أنه الآن في الارض الجديد، يراقب الأمور هناك ليتأكد من صحتها هندمت توجهت نحوه سريعًا بقلق كاد الفتك بحياتها وقلبها الممزق بداخلها.
وقفت بعيدًا بقلب مضطرب تتمنى الفرار لكنها لم تستطع لأجل حسن، دارت عينيها تبحث عنه وجدته ظهر في هيئة غاضبة فوق جواده البني وملامح وجهه جامدة قاسية جعلت رهبتها تزداد.
نزل من فوق جواده وبدأ يتابع الأمر بعناية فلم تستطع أن تبقى صامتة حتى الآن، سارت بخطوات متعثرة، ووقفت خلفه حيث كان يوليها ظهره، تفوهت باسمه بنبرة باكية خافتة لتجعله يلتفت نحوها:
– سـ… سي عمران.. يا سي عمران.
يكذب أذنيه بعد استماعه لصوتها العذب وهي تهتف باسمه، التفت نحوها سريعًا يراها ويتأكد من وجودها حقًا وبالفعل رآها بقيت عينيه معلقة نحوها بلهفة، كانت تقف بوجه باكي متورم والخيوط الحمراء تتشابك داخل بنتيها مسببة أحمرار قوى نتيجة لفرط بكائها، شعر بالحزن لأجل هيئتها، لكنه حاول أن يتوقف عن التفكير عندما طال صمته وتحديقه بها الزائد ليرد عليها بخشونة جادة:
– نعم يا عهد ايه اللي خلاكي تيچي إهنيه، في حاچة!
تبغضه بضراوة ولا تطيق الاستماع لصوته، المتسبب في تدمير سعادتها وما حدث لحسن حبيبها والذي كان بعد دقائق وسيصبح زوجها لولا فعلته التي دمرت كل شيء، حاولت أن تخفي حقيقة نظراتها، وتحدثت بنبرة باكية ضعيفة مزقت فؤاده:
– حـ… حسن أخوك مينفعش يفضل إكده، أنت خابر زين أنه معِملش حاچة عفشة ولا غلط.
حمقاء تخفي نظرات كرهها له وهو يراها ويعلمها جيدًا لكنه تجاهل الأمر، شاعرًا بالغضب لحديثها عن شقيقه وحبها الكبير له متمنيّ أن يكون حبها وقلبها له وحده، ملكه كما تملك هي فؤاده أشاح بصره مبتعدًا عنها وأجابها بكبرياء قوي شامخ يتخلله بعض القسوة:
– الموضوع مبجاش في يدّي الموضوع دلوك مع الحَكومةء مهجدرش اعمل حاچة چيتك إهنيه ملهاش عازة واصل.
ازداد بكاءها بعنف وهي ترى أنها ستفقده للأبد، تخلت عن كبرياءها وكل شئ كانت تتمسك به، وتمسكت بيده معقبة بنبرة مترجية ضعيفة:
– ابوس يدّك يا سي عمران… رچعلي حسن أني هعمل أي حاچة تجولي عليها بس رچعه.
أكملت بضعف واعتلت شهقاتها في المكان:
– عاوزني ابعد عنيه هعمل إكده ماشي بس رچعه.
سحب يده بقوة منها، وهو يشعر بالحزن والضيق لأجلها لا يعلم لماذا تحب شقيقه هكذا تخلت عن شراستها وكبرياءها لأجله وتخضع اليوم أمامه تترجاه لمساعدته، لم يتمنى أن يراها يومًا هكذا لكنها مَن اختارت، فغمغم بقسوة وعينيه مثبتة عليها بقوة:
– ممكن اساعده بس جدام ده حاچة، ومش هتنازل عنيها غير إكده حسن هيفضل كيف ما هو.
تطلعت بلهفة سريعًا مأومأة رأسها أمامًا بالرغم علمها أن طلبه لن يكون هين عليها، لكنها ستفعل أي شئ لأجله:
– موافجة…موافجة عليه جول اللي عاوزه وهيحصُل من دلوك كُمان.
نصف ابتسامة ماكرة زينت محياه منتهزًا الفرصة التي آتت إليه مغمغمًا بقسوة:
– نتچوز أني وإنتي، وبعدها هعمل اللي رايداه.
ليتابع بقسوة وأعين مظلمة متوهجة بالغضب المكمود داخله:
– مهتبجيش لحد غيري واصل ياعهد هتبجي مِلك عمران الچبالي.
توسعت عينيها بصدمة وعدم تصديق وقد خالف حديثه جميع توقعاته، ظنّت أنه سيطلب ابتعادها عن شقيقه وكانت ستفعلها، لكن زواجها منه لم يأتي يومًا على بالها كيف استطاع أن يطلب منها ذلك؟!!. ويتفوه بذلك الحديث دون خجل.
حركت رأسها نافية بصدمة وذهول ولم تشعر بذاتها سوى وهي تهوى بيدها فوق وجنته بقوة وهي تحت تأثير الصدمة ملحقة فعلتها بحديثها الحاد الغاضب:
– يا عيب الشوم عليك، نتچوز كيف! إيه الحديت الماسخ دِه، وأني مرت اخوك اتچنيت إياك.
نظرات نارية منه صوبت نحوها تعلن عما سيفعله بها بعدما دفعه عقله لقتل تلك الحمقاء التي هوت فريسة لبراثته القاسية، سيجعلها ترى حقًا قسوته معها.