رواية زهرة الهاشمي الفصل السادس 6 بقلم سمية رشاد


رواية زهرة الهاشمي الفصل السادس بقلم سمية رشاد



ارتسمت الابتسامة على ثغره حينما وجدها قد اختفت عن ناظريه دون أن تلتفت لتأخذ حقيبتها، نهض من مكانه بعدما انتهى مما كان يفعل قابضًا على الحقيبة الصغيرة بين أنامله بقوة وكأنها كنزه الثمين الذي يخشى ضياعه، ظل عقله شاردًا طوال طريقه لم يستطع أن يحيد تفكيره عن مظهرها الخجول كلما تذكره، حقيقة أعجبه خجلها هذا كثيرًا، دون إرادة منه عقد عقله مقارنة بينها وبين يمنى وسرعان ما وجد الاختلاف بين الاثنتين، فيمنى ما كان يجذبه إليها جرئتها التي كانت تضفي لها خفة دم تأثر القلوب، أما هذه فخجلها أيضًا يجذبه إليها، عقد حاجبيه باندهاش من نفسه! من هذا المسمى الذي يصف به شعوره، هل حقًا يشعر تجاهها بالانجذاب؟! وكيف ينجذب الشخص للمتناقضان بالقلب ذاته؟!


مر اليوم سريعًا دون أن يحدث أي جديد وسرعان ما أتى مساء اليوم التالي وقدمت معه شقيقته التي أوصلها لأسفل بيتها ثم تولى مغادرًا، يعلم أنه من المفترض كعادات البلدة أن العريس يذهب برفقة عروسه لانتقاء أغراضها ولكن كيف يذهب هو ولن يجدي من ذهابه سوى تقييدها؟ وكيف يلبي رغبات العادات ويترك أوامر الدين تستنجد به؟ ألا يجب علينا دحض هذه العادات الخاطئة إن تعارضت مع مباديء الدين الذي حيينا لأجله؟ يعلم جيدًا أنهم يذهبون لأخذ رأيهم، ولكن أليس من المفترض أن يتفحص بدنها بعينه ليخبرهم برأيه ويتخلى عن غض البصر الذي أُمر به بقولٍ صريحٍ لا نقاش فيه؟


على استحياء سارت برفقة شقيقته وشقيقتها تخشى أن يكون بانتظارهما بالأسفل فلا تستطيع انتقاء ما تريد بحضرته، تنفست الصعداء حينما وجدت أسفل بيتها خاليًا من وجوده فأشارت شقيقته لأحد آلات النقل الذي يعرف ب"التوكتوك"


في طريقهم لم تتحدث شقيقته عن أحد سواه، ظلت تتباهى بمحاسنه وتخجلها في بعض الأحيان حتى وصلن إلى المكان الذي اتفقن سابقًا عليه، صرن يتنقلن بين الفساتين في جميع الأركان الخاصة بالمعرض الأول ولكن لم يعجبهن شيء فجميع الفساتين كانت مبالغ فيها بالنسبة لخطبة بسيطة وهي تريد شيئًا رقيقًا يعكس شخصيتها، انتقلن إلى المعرض المقابل وبمجرد دلوفهن بداخله وقعت أعينهن على فستان خطف لبهن جميعًا، اقتربت بانبهار من الفستان الذي كان بلون القهوة قبل طحنها، عادة ما كانت تكره اللون البني منذ أن كان زيًا لمعهدها الثانوي ولكن هذا البني المبهر بعيد كل البعد عن ذاك، فالآخر كان باهت يعكر عليها كل صباح أما هذا فقد جعلها تقع أسيرة بعشق اللون البني، تلمست بيديها تلك الوردات الرقيقة المتناثرة على كميه الشفافان اللذان سيجبراها على ارتداء شيء مماثل للون ذاته تحته، التفتت بنظرها إلى شقيقة هاشم وشقيقتها بتمنى لتترجاهم بالموافقة على هذا الفستان الذي ستظل تتذكره بحسرة طيلة حياتها إن لم تبتاعه، ولكن نظراتهن المنبهرة جعلتها تتنهد براحة، بعد اجماعهن على شرائه وقفت شقيقته في أحد الأركان بتوتر وهي تدعو أن يكون ما تعتقده خطأ، فتحت حقيبتها لتأخذ منها ثمنه ولكن ولسوء حظها صدق حدثها وتيقنت من نسيانها أخذ الأموال التي تركها لها شقيقها على طاولة غرفته قبل مجيئها، تفحصت الأموال التي كانت بحوزتها فوجدتها لم تكمل نصف حق الفستان، اضطربت بخجل ولم تدرِ ماذا عساها أن تفعل وكيف ستخبرهم؟ حتمًا ستضع شقيقها في موقف لا يحسد عليه وهذا مالا تريده، هداها تفكيرها إلى إخبار شقيقها على تطبيق الواتساب وهي تدعي ربها بأن يكون متاحًا في الوقت الحالي، زفرت بضيق حينما وجدته لم يقرأ رسالتها فضغطت على علامة الاتصال في الأعلى، تنهدت براحة حينما تلونت العلامة أمامها باللون الأزرق وسرعان ما وصل إليها رده الذي قرأته ببساطة جسدتها لها شخصية شقيقها

- طيب دقائق هستأذن الشيخ منتصر وجاي لكوا مكانكوا فين بالضبط؟


أخبرته بمكانهن فزين رسالتها بعلامة الإعجاب ثم ظهر إليها إغلاقه للتطبيق


شعرت باقتراب الفتاتان منها فتقدمت تجاههن هي الأخرى هاتفة بحماس

- تعالوا نشوف طرحة وشوز مناسبين بقا ونحجز دا على ما هاشم ييجي


برقت عيني زهرة بصدمة مما استمعت إليه، كيف له أن يأتي الآن ألم يخبرها والدها أنه لن يأتي معهن!


ابتسمت شقيقته على تلك الصدمة التي بدت على وجهها فهتفت بمرح

- الصراحة هو مكانش جاي بس أنا نسيت حاجة مهمة هيجيبها لي وهيمشي تاني


أومأت بتفهم وعقلها يسبح في موجة التفكير، تفكر في من هو قادم، وبالفعل ذهب عقلها السفيه إلى مظهرها وكيف يكون الآن، بالتأكيد سيكون على أسوأ حال بعدما ارتدت الفستان فوق ثيابها بعدما تذكرت تحذير والدها بألا تخلع شيء في أي مكان خارج المنزل، تريد الآن وبقوة أن تقف أمام المرآة لتهندم من ثيابها ولكنها تخجل من فعل ذلك أمام شقيقته وشقيقتها بالطبع ستخبره الأولى إن فعلت هي ذلك.


انتبهت على صوت شقيقتها تهتف بهدوء

- تعالي يا زهرة نشوف الطرحة إحنا خلاص حجزنا الفستان كدا؟

قالت جملتها وهي تطالع الفتاة التي تعمل بالمعرض فقالت الأخرى

- تمام بس محتاجة عربون ولو عدى أكتر من أسبوع هيعتبر لاغي وهنبيعه 


عاد إلى الأخرى توترها قبل أن تهمس بصوت حاولت إخراجه طبيعيًا

- عربون كام؟

-أقل حاجة ٣٠٠ 


تنهدت براحة وهي تخرج من حقيبتها المبلغ الذي كان بحوزتها ثم خرجت معهن إلى أقرب محل لبيع الحجاب 


بعد دقائق من وصولهن أشارت إلى إحدى الطرح التي ستكون أكثر من رائعة على الفستان إلا أن زهرة حمحمت بخجل قبل أن تقول

- أنا عايزة خمار بنقاب مش طرحة 

عقدت حاجبيها تسألها باندهاش

- ليه مش الخطبة هتكون منفصلة


أومأت بإيجاب قبل أن تقول شقيقتها موضحة

- زهرة بتتكسف تلبس طرحة أدام نساء غريبة 


ابتسمت شقيقته بحنان قبل أن تقول بتفهم

- ياه.. خلاص براحتك يا حبيبتي هاتي اللي أنت ِ عايزاه أهم حاجة تكوني مرتاحة، اوعي تلبسي حاجة مش مقتنعة بيها عشان فرحتك تكمل ومتنقصش 


أومأت إليها بحياء فانتقلن إلى قسم الأخمرة وانتقين خمار بلون الكاكاو الفاتح حتى يبهج لون الفستان القاتم قليلًا


استمعت إلى رنين هاتفها فوجدت شقيقها كما توقعت مما جعلها تهتف بسعادة وهي ترفع هاتفها على أذنها اليمنى

- دا هاشم أكيد وصل ومش عارف المكان 


وبالفعل أخبرها الآخر عن مكانهه فخرجت تقف على باب المعرض فوجدته واقفًا بالقرب منهن 


أتى إليهن مسرعًا بعدما أشارت إليه فانكمشت زهرة في نفسها بحياء اشتعل بقلبها ولم تشعر بحالها وهي تتخفى خلف شقيقتها.

دونًا عن إرادتها اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر هيئته التي اختطفتها عينيها قبل أن تنخفض سريعًا لتنظر إلى أسفل قدمها، لا تعلم لما تشعر بالراحة كلما رأته فبالنسبة لها هو السكينة تتشح بعباءة البشر. 


استمعت إلى صوته يردد بالسلام فأجابت بصوت لم يسمع أحدًا سواها مما جعل قرينتيها تبتسمان بخفة، سحب شقيقته إلى ركن يبتعد عنهن قليلًا كي لا يسبب لهن الإحراج إذا علمتا سبب مجيئه، جذب شقيقته من إحدى وجنتيها بمرح قبل أن يهتف بعتاب

- ابقي ركزي بعد كدا يا ماما نسيانك دا هيودينا في داهية كدا كتير الصراحة 


ابتسمت شقيقته على مزحته فبادلها ابتسامتها بحنان قبل أن يعلو صوته هاتفًا لجميعهن

- عايزين حاجة قبل ما أمشي؟ 


هز الجميع رأسه بالنفي بينما زهرة تريد أن تسأله على حقيبتها ولكن من تلك التي ستتحدث إليه بحالتها هذه؟ 


بعد ساعتان كاملتان عُدن بسعادة وقد انتهين من جميع ما أردن شراءه، دلفت زهرة إلى غرفتها بعدما امتنعت عن ارتداء الفستان أمام عائلتها معللة بأنها تريدهم يرونه عليها للمرة الأولى يوم الخطبة.


مر يومان دون أن يحدث بهم أي جديد إلى أن جاء اليوم الذي من المفترض أن تذهب برفقة والدها ووالدتها مع هاشم وعائلته لاختيار خواتم الخطبة، وقفت أمام إحدى السيارتين "الملاكي" اللتان أتى هاشم بهما وهي تشعر بالحيرة ولاتدري بأي سيارة ستصعد وخاصة بعدما استقلت والدتها السيارة الأولى برفقة والدة هاشم وتركتها مع أبيها الذي يقف بجوار الآخر في مكان بعيد عنها نوعًا ما، شعرت بالضيق من شعورها بالوحدة ذاك، كانت تريد أن تأتي إحدى أشقائها معها لتقف بجانبها ولكن والدها يرفض ذهاب الكثير عند شراء الذهب كي لا يشعر العريس بالخجل إن كان سيشتري القليل من الذهب، فهو لا يحدد قدر ما سيشتريه في الاتفاق بل يترك الخيار لأزواج بناته معللًا بأنه الذهب هدية منه لإبنته ولا يحق لأحد تحديد قيمتها فله أن ياتي بما يريد حتى وإن التمس خاتمًا من حديد. شعرت بالتوتر يكسوها وهي ترى عمة هاشم تتقدم منها دون أن تصعد بجوار والدتها ووالدته، قبضت على أناملها بجهل بعدما وجدتها تقول 

- يلا يا حبيبتي تعالي أنا هركب جنبك ورا أنتِ وهاشم


التفتت تنظر إلى والدها الذي حتمًا قد استمع إلى حديث الأخرى فوجدت هاشم الذي كان مصوبًا عينيه على عمته يتقدم منهما قائلًا للأخرى

- تعالي يلا يا قمر اقعدي معايا ورا وزهرة هتركب في العربية التانية مع والدتها. 


أكمل جملته بحياء وهو ينطق اسمها هكذا للمرة الأولى مجردًا ولكن بهذا الموقف لا يمكنه أن يفعل سوى ذلك فإن أضاف شيء لإسمها أو دعاها باسم والدها كما فعل سابقًا فلن يسلما من تعليقات عمته الممتعضة وهو لا يريد ذلك الآن.


- إزاي يا هاشم مش هتركب جنب عروستك؟

هكذا صاحت عمته باستنكار وهي ترى ابن أخيها يريد مخالفة العادات فأجابها بمرح 

- لا الكرسي مش هياخدنا إحنا التلاتة وأنا عايز أقعد جنبك يا قمر 

وكعادة النساء حينما يتغزل أحدهم بهن حتى وإن كان على سبيل المجاملة ابتسمت عمته بخجل من كلماته وهي تصيح

- ازاي يا ابني عروستك تزعل


هز رأسه بالنفي وهو يسأل زهرة

- لأ مش هتزعل صح يا عروستي 

أومأت إليه زهرة بإيجاب عدة مرات من فرط الخجل الذي يهاجمها مرة واحدة ثم هرولت إلى السيارة التي تجلس بها والدتها كما قال.


استقل من السيارة بعدما ظل عقله طيلة طريقه شاردًا بها، لا يدري لما شعر بخجلها لهذه الدرجة؟ أكان واضحًا للجميع كما رآه هو أم أن قبس الإعجاب الذي اشتعل منبهرًا بخجلها هو ما أجبر فؤاده على الشعور بها؟ 


وقف بآخر محل الذهب هو والشيخ منتصر بينما تركا النساء في الأمام تنتقين ما أردن وكان هو سابقًا قد أخبر الصائغ بالثمن الذي بإمكانه الشراء به، كان يشعر بالضيق يعتريه من اعتراضات عمته تصل إلى أذنيه كل دقيقة ولكن ماذا بإمكانه أن يفعل أيجرح قلبها لأجل أمور يمكن حلها فيما بعد؟ بإمكانه أن يجعلها تستبدل ما أرادت إن أرادت فيما بعد ولكن لن يقدر على ردع عمته وكسر خاطرها.


بعد مرور نصف ساعة انتهين أخيرًا على ما أرضى الجميع ثم تقدم هاشم وحده إلى الصائغ وأعطاه حقه وانصرفوا كما أتوا 


تحت منزل الشيخ منتصر عرض على هاشم وأهله الصعود لضيافتهم إلا أن الجميع أبو الصعود للأعلى فوعده هاشم بالعود مرة أخرى في المساء، كادت زهرة أن تدلف إلى غرفتها إلا أنها استمعت إلى صوت والدها الذي هتف باسمها فور دخوله من باب المنزل فالتفت إليه تجيبه


اتسعت ابتسامة والدها وهو يخبرها بهدوء

- هاشم طلب مني إننا نعقد القرآن يوم الخطبة عشان تكونوا براحتكوا أكتر فكري وبكرة عرفيني رأيك عشان أرد عليه 


من هول المفاجأة أومأت إلى والدها بإيجاب ثم هرولت إلى غرفتها تحاول تجميع نثرات قلبها التي بعثرت بدون شفقة على يد ذاك الهاشمي.


************


على أحد المقاعد الوثيرة ببهو المنزل جلس يونس مرتخيًا ورأسه تستند على مقدمة المقعد بإرهاق، وقفت خديجة على بال غرفتها تفكر ماذا عساها أن تفعل له، تشعر بقلبها يشتعل بنار الحزن لأجله، لا يحزنها في العالم أكثر من شعوره هذا، يعاني ويعافر كي يبقى صامدًا تعلم ذلك، ومن غيرها سيعلم إن لم تعرف هي، ربما في موقف آخر ومع شخص آخر كانت ستشك بحبه لها ولكن ليس مع يونس، ليس بعد كل ما مر عليهما قبل زواجهما وما فعل ليفوز بها، بعزم اقتربت منه وهي توبخ عقلها المتردد بأنه يونس التي اختاره قلبها له صديقًا قبل أن تقع بعشقه كما كان يفعل، لم تجد مقعدًا بالقرب منه فانحنت لتجلس على ركبتيها بجواره قبل أن تنحني على كفيه اللذان يضعهما على قدميه لترفعهما إلى شفتيها فتقبلهما بحنو 

تنهد بقوة غير شاعرًا بالاندهاش من فعلتها فهو كان يعلم بوقوفها تتأمله منذ زمن، أراد أن يسحب كفيه من يدها ولكن حقًا لم يقدر على فعلها في الوقت الحالي، ليس وهو مرهق كليًا هكذا.


شعرت هي بالأمل يتجدد بقلبها للمرة الألف وهي تراه ثابتًا دون أن يلفظها كما السابق فتشجعت لتهمس برقة أقرب للرجاء 

- وبعدين يا يونس الوقت بيعدي والشهور هتلاقيها خلصت بسرعة 


- والمطلوب؟

لطمها ببرود كلمته وعقله يتذكر رسالة والدتها التي لم تمر دقائق على قراءته لها، تلك الرسالة التي ذمت رجولته بها وأخبرته بأنه ليس رجلًا كما الرجال، انتفضت واقفة تبتعد عنه بصدمة من نبرته الجليدية التي صعقتها ببرودها بعدما كانت تشعر بالدفء يتسلل إلى قلبها أثر يديه اللتان كانت تقبض عليهما، وكم آلمها هذا الشعور الذي شعرت به، أتشعرون بها؟ أتعلمون شعور المرء حينما يكون مطمئنًا ساكنًا بين أحضان والدته ثم تحمله وتلقيه للذئاب لتنهش لحمه دون أن تهتز لها عين ولا يصطحبها ندم؟! إلى هنا ولن تقدر على خدش كرامتها أكثر من ذلك؟ هذا إن كانت قد تبقى منها شيء بعد دهساته التي ربما أخفت أثرها، التفتت لتغادر الغرفة لتجمع شتات بدنها إلا أنها توقفت تهمس قبل أن تختفي عن ناظريه

- دي كانت آخر مرة هحاول معاك فيها...برافو.. أنت مش بس نجحت في إنك هتخليني أسيب البيت وامشي.. أنت قدرت إنك تكسر قلبي بعد ما كنت وعدتني إنك مش هتسمح لمخلوق يتسبب في نزول دمعة من عيني، متعرفش حد من أهلك إني عند أهلي عشان فرح زهرة، مع السلامة يا ابن قلبي. 

*********


أوشكت أناملها على التحطم بسبب معركتهم القوية التي شنَّها توترها، تترجى الأرض بأن تنشق وتبتلعها في هذه اللحظة بينما كادت في اللحظات الأخيرة أن تتراجع و تبكي لأبيها رغبة في عدم الجلوس برفقتهم وخاصة اليوم بسبب فعلتها المخزية إلا أن عقلها أصر على جلوسها معهم، ألقت السلام بصوت شكت أنه فرَّ من حنجرتها ثم جلست بأبعد مقعد عنه وعيناها لا تفارق تلك النقطة الوهمية بالأرض 

شعرت بالأرض تميد تحت قدميها وهي تستمع إلى أبيها هاتفًا بهدوء موجهًا كلامه للآخر

_ أنا هقعد في الصالة هنا قصادكوا يا هاشم.. زهرة عايزة تناقشك في موضوع 


لا تدري لما أحست بأنه أومأ بالإيجاب قبل أن تشعر بانصراف أبيها، حاولت أن تخرج الكلمات من حلقها ولكنها التصقت به وأبت مفارقتها في هذه اللحظة، شعرت بالتوتر يكسوها وعقلها يذهب حيث تلك الفعلة المخزية التي تسببت بما هي فيه الآن، تذكرت كيف جرها الحماس قبل أسبوع بعدما أخبرها والدها أنه طلب منه أن يتم عقد القران مع الخطبة فظلت تبحث عن الحساب الشخصي له على موقع الفيس بوك، ولم تكد تعثر عليه حتى أرسلت إليه باندفاع تعترف له بحبها منذ أشهر طويلة قبل حتى أن تراه وقبل أن يعرف هو بوجودها، احتقن وجهها بحمرة الخجل وهي تتذكر أنه لم يفعل شيء بعدما رأى اعترافها حتى أنه لم يكلف نفسه عناء الإجابة عنها فشعرت وكأنما جمع ثقال العالم أجمع ووضعها فوق صدرها وبعد تفكير طويل شعرت بالحرج من فعلتها فهرولت إلى والدها وصديقها المقرب تروى له ما حدث من بداية حبها له حتى رسالتها المخزية، ولم يخلف ظنها والدها حيث تقبل كلماتها بهدوء وعلى الرغم من ضيقه وغضبه مما فعلت أخبرها بفداحة ما اقترفت وذكرها بضوابط الخطبة محذرًا إياها من أن ترتكب مثل هذه الحماقة مرة أخرى، سألته حينها عن سبب تجاهل الآخر لرسالتها وكيف لها أن تتصرف إلا أنه أخبرها بأنها حين تتعرف على طباع هاشم ستعرف الإجابة بنفسها ولكنها طلبت من والدها أن تخبره بندمها على ما أرسلت إليه حتى لا يتولد حاجزًا بينهما تشعر بالخجل كلما رأته خشية من أن يظن بها سوءً وها هي تسب نفسها للمرة الألف على طلبها ذاك ولا تستطيع كيف تبدأ الحديث معه، فاقت من شرودها على حمحمته القوية فازداد خجلها وانعقد لسانها أكثر من ذي قبل فأتبع هو حمحمته قائلا بنبرته الهادئة

- مش شايف في داعي للتوتر دا.. كلنا بنخطيء وبنندفع أحيانًا وبنقع في ذنوب كل ابن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون.. أنا عارف إن تربية الشيخ منتصر عارفة الفرق بين الخطبة والزواج وعارفة يعني إيه ضوابط خطوبة فابعدي التوتر دا مفيش منه داعي وعايز أوضح لك حاجة لأنك لسة متعرفيش عني حاجة تقريبا.. أنا مرديتش مش عشان فكرتي عنك اهتزت أو حسيت بجرأتك بالعكس حتى كلماتك المكتوبة كان خجلك وارتباكك واضحين فيها أنا مرديتش عشان منفتحش للشيطان باب واحنا مفيش رابط شرعي بينا فابعدي خجلك مني يا بنت شيخي ومتخليش للتوتر مكان بينا.


إن كان يقصد إزاحة الخجل عنها بكلماته تلك فكلماته لم تزدها سوى خزيًا من نفسها فكيف لشاب مثله أن يكون حافظًا لقلبه هكذا وهي التي لم تكد تصعد الدرجة الأولى في علاقتهم ووضعت زمام قلبها بين يديه. لم تدرِ ماذا تقول بعد كلماته فلم يكن منها سوى أن رفعت رأسها ونظرت إلى والدها وترجته بنظراتها أن يأتي ويرحمها من خجلها الذي كاد أن يفتك بها وبقلبها.

الفصل السابع من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1