رواية احلام ما بعد البرميل الفصل السابع 7 بقلم بسنت محمد



 رواية احلام ما بعد البرميل الفصل السابع بقلم بسنت محمد


ثلاثة شباب، ودعوا أحبائهم بقلوب حزينة، أحلام بسيطة دُهست تحت أقدام قلة الحيلة، دموع تأبى الهطول بعزة نفس كى لا يغيروا القرار، يقفوا على أعتاب سفينة قديمة مكدسة بالطموح والأحلام وخيبات الأمال أيضاً، ف حال من معهم لا يختلف كثيراً عن حالهم، تركوا خلفهم عيون باكية وقلوب حزينة وأحلام محطمة وطموح تم إحباطه، آملين أن يكون غدهم أفضل من يومهم.


كان سليم على أتفاق مع عبدالرحمن بميعاد معين يدخل فيه غرفته ليخرج الرسالة ويسلمها فى يد والدتهم، وبالفعل تم ما أراد، خرج سليم مهرولاً من غرفة أخيه حاملاً الرسالة إلى غرفة والديه.

-ماما، إلحقى عبدالرحمن.


دخل طارق خلفه بعدما رآه يجرى ويصرخ بإسم والدتهم.


-إيه ده يا ماما؟

قالها طارق بعدما لمح صدمة جلية على وجه والدته ودموع نزلت دون إرادتها، ف جذب الرسالة من يدها ليقرأها بصوت عال:


"ماما الحبيبة، أنا عارف أنك بتحبينى، علشان مفيش أم بتكره أولادها، ممكن تفضلهم على بعض لكن مش بتكره حد فيهم، أخواتى الغاليين، أعز ما أملك فى الحياة وسندى اللى كانوا مصبرنى على كل شىء، أنا عارف أنكم هتزعلوا منى لكن أتمنى زعلكم مايطولش، فى الوقت اللى بتقروا فيه الرسالة دى، هكون على ضهر مركب فى عرض البحر، أنا قررت أهاجر، أنا عارف أن دا شىء مش متوقع منى ك فاشل، لكن أنا كواحد مليش لازمة فى الحياة زى ما ... أبويا ... بيقول فأنا هريحكم منى تماماً، أنا عارف أنها سكة ربنا واحده اللى يعلم نهايتها، سواء ربنا كتبلى النجاة ووفقنى فى البلد اللى هروحها ... أو موصلتش ... هتوحشينى يا ماما أنتى وأخواتى، وربنا الأعلم إنى مش بحب حد قدكم فى الحياة، لو ربنا كتبلي النجاة، هتواصل معاكم اول ما هوصل إن شاء الله.

أشوفكم بخير إن شاء الله

عبدالرحمن"


كان طارق يقرأ بدموع منهمرة ينظر إلى والدته التى وضعت كفوفها على وجهها فى حسرة على ضناها، فقد هاجر للمجهول دون حتى علمها، دون وداعها، أهكذا كانت بعيدة عنه؟ أهكذا خلقت فجوة بينه وبينها؟ هل حقاً تفضل أخويه عليه؟ أسئلة كثيرة تطيح بعقلها ينزف لها قلبها.


دقائق ودخل زوجها من الخارج بعنجهيته المعتادة، ليجدهم جالسين على طرف فراش والدتهم وفى يدهم ورقة والكل يبدو عليه اثر البكاء.

-مالكم؟ فى إيه؟


وقف طارق أمامه ووضع الورقة فى كفه عنوه.

أندهش من فعلة ولده ففتح الورقة ليقرأ محتواها، ظهر الغضب على محياه ثم صاح بأنفعال متحدثاً:

-أتجنن ده ولا إيه؟ إزاى يعمل الكارثة دى من غير ما يقولنا، خلاص مخه طار منه خالص، الفاشل الغبى.


غضب أشعل قلوبهم الحزينة ليقف سليم مقابل والده بغضب متحدياً إياه:

-أنت لسه بتتكلم وبتقول كده؟ حرام عليك، أخويا مشي بسببك وبسبب جفاءك وقسوتك عليه، أخويا ساب البلد كلها وأشترى طريق الموت علشان يهرب من جبروتك ده، إيه يعنى لو جاب درجة قليلة فى الثانوية العامة، إيه يعنى لو دخل كلية خاصة، إيه يعنى لو تقديره مش أعلى حاجة، أنت إيه يا أخى حرام عليك.


صفعة قوية على وجه سليم من والده كانت كالشرارة التى أشعلت فتيل القنبلة الموقوتة التى تجلس صامتة فى الخلف.


أقترب طارق من سليم فى البداية ليسحبه بهدوء من أمام والدهم ناظراً إلى والدهم بغضب وقبل خروجهم من الغرفة سمعوا صوت نفس الصفعة خلفهم .


ألتفتوا ليجدوا والدتهم تقف أمام والدهم بغضب بالغ ذروته وزوجها مصدوم أمامها لتصيح ب غل مصحوب بحسرة وندم على ابنها:

-أنت إيه، قلبك جاحد كده ليه؟ ابنك ضاع وبدل ما تفوق قاعد تشتمه وتضرب أخوه، أنت إيه؟ أنا عشت طول عمرى خايفة منك ومن طريقتك معاهم، بتضغط علينا كلنا علشان أهدافك أنت وشكلك أنت، ماهو دخل كلية محترمة وجايبلك تقدير محدش يطوله، برضو أهانته وذليته قدامنا، منك لله ضيعت ابنى، وبسببك أنا كمان كنت بضغط عليه لدرجة أنه بقي شايفنى بفرق بينه وبين أخواته، أطلع بره البيت ده، البيت ده بتاعى أنا بفلوسي أنا، مش عايزاك تفضل هنا طول ما أنا معرفش حاجة عن ابنى، ابنى لو جراله حاجة هتبقي خصيمى قدام ربنا لأن أنت اللى ضيعته، منك لله .


 خرج من المنزل بغضب شديد دون التفوه بأى كلمة ليقترب منها أبنائها ويحتضنوها وهى تحتضن رسالة عبدالرحمن فى صدرها بحزن وحسرة حقيقية.


 أشتدت العاصفة عليهم وأزداد معها صريخ النساء وعويلهن فى الطابق السفلى من السفينة، أثار الفزع فى قلوب الرفاق، ليتحدث أحمد بخوف حقيقي:

-فى إيه؟ فى حاجة غريبة بتحصل تحت؟


حالة من الهرج على سطح السفينة بعدما صعد إليها من فى الأسفل، فأمتلئت بالأشخاص، فبدأت السفينة تفقد إتزانها شيء ف شيء، تكوم الثلاثة فى ركن معاً، غير قادرين على الحركة، مع الأمواج العاتية وأشتداد العاصفة وعدم اتزان السفينة، أصبح من السهل السقوط من عليها، وقد رأوا ذلك بأعينهم حينما سقط عدة أفراد بسبب التدافع القوى.


 سحب سالم أحد الأفراد الصاعدين من الأسفل يسأله عما يحدث:

-هو فيه إيه تحت؟


-السفينة بتغرق، راح نغرق كلنا.


قالها الرجل بفزع شديد لينظر الثلاثة إلى بعضهم البعض بخوف شديد.


-فاضل مسافة قد إيه على الشط؟


سأل أحمد ليجيبه عبدالرحمن:


-سألت من شويه قالولى ربع المسافة وبعدها هننزل الماية ونكمل عوم.


ليرد سالم:

-يعنى مقربناش شويه على مكان العوم؟


-أكيد مش كتير، خصوصاً فى الجو ده.


 صريخ وأذكار وفزع من كل الموجودين، ليصرخ عبدالرحمن سائلاً:

-هنعمل إيه؟


ليردد أحمد بصوت مرتفع:

-يارب، يارب، يارب.


 دقائق ثقال مرت بعدها ازداد الهرج بزيادة التدافع وعدم اتزان السفينة، حتى قوارب النجاة متهالكة ولن تحمل كل ذلك العدد من الأفراد.


 أقترب عبدالرحمن من أحد العبوات البلاستيكيه الكبيرة.


-بتعمل إيه؟

سأله سالم ليجيبه عبدالرحمن:

_البرميلات دى ممكن تكون سبب نجاتنا، فكها وخد أتنين.


-حاضر.


أقترب أحمد منهم يفعل مثلما يفعلوا، ف حصل كلاً منهم على أثنين، ثم قاموا بربطها بطريقة محكمة على خصرهم، كانت السفينة على وشك الغرق، لتمر دقائق أخرى فى رعب جلى، فكان من على السفينة كالفراش المبثوث، سمعوا صوت صرير قوى بعدها رأوا أنخفاض مستوى سطح السفينة بأتجاه الماء ليقترب الماء من أقدامهم، أقترب الثلاثة من بعض ممسكين بأيدى بعضهم ناطقين الشهادة معهم، ثم أصبحوا فى الماء.


 أنفك رابط الأصدقاء وأصبح كلاً منهم فى مكان، يحاول كلاً منهم النجاة، الماء يغمرهم من كل إتجاه، يصعدوا على السطح ويسقطوا تحته مره أخرى، دقائق متتالية أختفت معها السفينة تماماً، بدأت العاصفة فى الهدوء وبدأت الأمواج فى الأتزان، كان الفجر بدأ فى البزوغ.

أختفت الصرخات المتتالية، عم السكون المكان، بدأ أحمد يستعيد أتزانه، كانت البرميلات الصغيرة ترفعه عن المياة مثلما أخبره عبدالرحمن، لكن أين هو وأين سالم؟ 


ظل يصيح بأسمائهم، وهو يتحرك فى الماء، إلى أن لمح عبدالرحمن فى مكان بعيد يقترب ويسحب معه سالم، تحرك بأتجهاهم يحتضنه بخوف وفرحة ودموع.

-الحمد لله، أنت بخير.


هز عبدالرحمن رأسه بتعب ليمسك احمد يد سالم الأخرى.

-رجلى أتكسرت يا رجالة.


قالها سالم متألماً ليضحك أحمد ويخبره:

-يا عم أحمد ربنا أنك لسه عايش.


تحركوا للمرة الثانية بأتجاه المجهول، ولكن تلك المرة فى المياة .


 أختفى كل شيء من حولهم ما عدا بعض متعلقات السفينة الطافية على السطح وبعض الأفراد الذين كتب الله لهم النجاة، مر الوقت وكان التعب متملك منهم، تائهين متعبين منهكى القوى.


 من بعيد لمحوا سفينة أخرى تقترب، ف حمدوا الله لأنه كتب لهم النجاة مرة أخرى، كان قارب سياحى خاص فى رحلة صيد، لينزل أحد الأشخاص ويساعدهم فى الصعود على متن قاربه .


علم بمجرد رؤيته لهم أنهم مهاجرين من أحد الدول العربية، فقدم إليهم بعض الملابس والطعام، حاول التحدث معهم بالأنجليزية لكنهم جميعاً لا يتقنوها إلا من جمل بسيطة، فقد كان صاحب القارب رجل ستينى يونانى بصحبة زوجته الخمسينية فى رحلة صيد، رق قلب الرجل لحالهم فلم يبلغ السلطات بل أوصلهم إلى الشاطىء اليونانى وترك لهم بعض النقود وورقة مكتوب عليها معلومات عنه إن أرادوا الأتصال به يوماً.


 جالسون على شاطىء اليونان، ينظرون إلى الجهة الأخرى من البحر، يفكرون فى حالهم الأن، فأمامهم ماضي أودى بهم، وخلفهم مستقبل مجهول، لا يدرون كيف سيواجهوه، ليقطع صمتهم سالم المتألم:

-هو مفيش حد يشوف رجلى دى بدل ما أعيط وألم عليكم الناس.


نظر إليه أحمد وعبد الرحمن بسخرية ليحملوه ويبدأوا معاً طريقاً مبهم لا يعلمه إلا الله.


-هو الراجل اللى كان معاه ولاده والستات والراجل اللى كان عايز يجوز بنته حصلهم إيه؟


قالها عبدالرحمن بحزن ليجيبه أحمد:

-الله أعلم، ربنا ينجيهم وينجينا، عدينا البرميل ؟


لينظر إليه عبدالرحمن ويبتسم ويردد:

-عدينا البرميل.


وهكذا بدأوا رحلتهم فى مكان غريب تائهين، ولكن بقلوب مشتعلة بطموح وأحلام كثيرة، راغبين فى تحقيقها .


قد يكون الله كتب لهم النجاة، ومنّ عليهم بفرصة أخرى، ولكن الكثير والكثير غيرهم لم يكملوا الطريق وكان مصيرهم مجهول، وأنتهت رحلتهم قبل أن تبدأ .


 تمت بحمد الله...

لمتابعه روايات سكيرهوم زورو موقعنا علي التلجرام من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1