رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثامن
"النوع الثاني وختام الأول"
عزيزي ما خطبك؟ لماذا تسبب الأذى للناس وتشن عليهم هجمات مخيفة ذات طابع غير آدمي؟ دعني أخبرك أنك لست طبيعي وأن ما تفعله سيضمرك بقاع الظلام.. عليك أن تخضع لأخصائي نفسي ولا تترك ذاتك للتهلكة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تهجمت ملامحه بعدما فطن حديثها وألقى جملته الأخيرة، يشعر بالضيق منها، ألن يرى حنانها أبدًا تلك المجنونة!! حاولت هبه استعطافه بصوتٍ راجي تمسك كفه ليجلس جوارها مجددًا:
_ يا أرنبة صدقني أنا لو عليا مش عايزة حد يتحرش بيك خالص.
امتعضت ملامحه يرمقها بنظراتٍ مستنكرة متمتمًا:
_ كل دا ومش عايزة يتحرشوا بيا.. دا الراجل اللي روحلته وقع قلبي في رجلي وهو بيسألني متجوز ولا مش متجوز.. كنت مرعوب يطلع من قوم لوط.
ابتسمت هبه بتوترٍ واضح لعيني أرنبة الذي شعر بشيءٍ آخر تخفيه، فسألها بشكٍ:
_ أنتِ مخبية حاجة عليا صح؟ قلبي اتقبض من الضحكة دي!!
قررت إخفاء ما سيعلمه حتى يوافق، لتتمتم بنفيٍ بريء:
_ ليه بتقولي كده.. دا كل اللي هتعمله هتكلم ولد ويبتزك مش أكتر.
تجعدت ملامحه سريعًا باستغراب، يشير لها متزامنًا مع تحدثه:
_ بس هو دا بس؟؟
أومأت له سريعًا بلهفة، ليسأل أرنبة بشكٍ لا يزال يملأ قلبه:
_ طب دي وماشي.. هيبتزني بإيه؟
_ أنت ورزقك بقى يا حبيبي.
اتسعت عينه بصدمة سريعة، ينتفض مرة أخرى من مكانه يصرخ بها في غيظٍ:
_ ما تقولي الحقيقة كامل يا بت وبلاش تحوير!!
_ انت بتزعق لبنتي ليه يا حيوان!!
قالها سالم وهو يدلف يسير نحو الردهة بعدما أغلق باب الشقة، ليجيب أرنبة بغيظٍ:
_ بنت حضرتك عايزة تخلي واحد يتحرش بيا!!
قطب سالم جبينه بتعجبٍ متسائلًا:
_ يتحرش بيك إزاي يعني؟ أوعى تكون قوس قزح يلا!!
شهق أرنبة من تفكير سالم به، ليجيب بنفيٍ سريع:
_ إيه العك دا يا عمي.. لا دا عايزة حد يبتزني بس عن طريق الفيس.
ابتسم سالم ببرودٍ يعلق بسخطٍ:
_ وهيبتزك بإيه بقى يا أرنبة؟؟ وشك محطوط على معيز عريانة؟؟
أشار أرنبة نحو هبه يجيب بسخطٍ مماثل:
_ أهي عندك اسألها هيبتزني بإيه؟
نظر سالم نحو ابنته، لتجيب بصوتٍ متوتر:
_ هو ورزقه يا بابا.. ممكن يقع مع متحرش هيبتزه بالشات بس وممكن يقع مع متحرش مش سال الله أعلم.
أومأ سالم برضا عنها، يردف ببسمة حنونة:
_ خلاص ماشي يا بنتي ربنا يقويكم وتلاقوا متحرش بسرعة ويتحرش بأرنبة علطول ميزهقش فيكم.
جحظت عين أرنبة بصدمة من دعوته، ليهدر بصوتٍ لا يزال به شوائب الصدمة:
_ أنت بتدعي بإيه أفرض الدعوة استجابت.. تقبل يبقى جوز بنتك متحرشين بيه!!!
أومأ سالم ببسمة صفراء يجيبه بسخطٍ:
_ مش عامل فيها الرجل الأخضر ألبس بقى وساعدها في المشروع..
ثم أضاف بحسرة متذكرًا ما حدث:
_ دا أنا مش بساعدها وعجنتني في الأتوبيس.. مابالك بقى اللي بيساعدها هتعمل فيه ايه؟؟
_ هيغتصبوا يا عمي بنتك هضيع شرفي بدري.
ربت سالم على كتفه يردف بمواساة:
_ صحيح مش طايقك لكن الله يعينك ويجعل تحرشهم خفيف عليك.
مسح أرنبة تلك الدمعة الواهية، ليغادر سالم نحو المطبخ بينما وقفت هبه تشاهد ما يفعلوه لتتمتم بضجرٍ:
_ إيه الفيلم الهبطان دا.. قوم يا أرنبة خلينا نعمل الأكونتين ونجهزه على ما عاليا وحربي يرجعوا يلا.
قطب أرنبة جبينه بتعجبٍ واضح، ينطق بخوفٍ:
_ أكونتين ليه يا هبه مش هو نوع واحد بس!!!
أخذت شهيقًا طويلًا ثم أخرجته على مهلٍ تجيبه بأسفٍ:
_ للأسف يا أرنبة النوع دا فيه منه نوعين واحد للبنات وواحد للولاد.
_ آه يـــــــــــارب أنا صغير على اللي بيجرلي دا!!!
*****
جلسا بالردهة للمرة الثالثة ولكن تلك المرة وحال مصطفى قد تغير تمامًا، أصبحت ملامحه أكثر هدوءًا، عينيه بهما لمعة الانتصار وليست كسرة رجل لكسب لقمة العيش، جسده الذي يجلس براحة ودفئ بمقعده بعدما كان يبحث عن شيء ليخيفه..
_ طمني عليك يا عم مصطفى؟
قالها حربي بحبورٍ له، ليجيبه بصفاءٍ:
_ الحمدلله على كل حاجة وصلتلها يا حربي والناس بقت تطلبني بالاسم من شغل السوشيال ميديا بتاع صاحبك.
تنهدت عاليا براحة، بينما أكمل حربي باستفهامٍ:
_ طب القضية ماشية ولا في حاجة معطلاها؟
نفي مصطفى سريعًا يبتسم باتساع مجيبًا:
_ لا ماشية زي ما تقول كده ربنا استجاب دعواتي ومفيش حاجة موقفها وعز دا مجلس إدراة الشركة عمل اجتماع وقرروا يرفدوه عشان سُمعة الشركة.
اتسعت بسمة حربي بفرحة يردد بحمدٍ:
_ الحمدلله الحمدلله إنه رد حقك يا عم مصطفى.
_ عرفت إزاي إن عز دا اترفد؟
سألته عاليا بفضولٍ، ليجيبها مصطفى ببسمة تحمل راحة غاب لسنواتٍ:
_ أنا مش أول واحد عز يدمره كده يا أستاذة عاليا ولسه زمايلي قاعدين في الشركة فبلغوني باللي حصل وإنه خلاص بيجمع حاجته النهاردة.. أنا اللي مفرحني إن سُمعتي بقت أحسن وكرمتي أتردت تاني يا حربي.
قالها موجهًا الحديث لحربي الذي يبادله البسمة بسعادة، ولكنه نهض عندما أرتفع هاتف برنين مستمر من أرنبة يحمحم بحرجٍ:
_ معلش بقى يا عم مصطفى بس عايزني في البيت.
أومأ مصطفى بتفهمٍ مرة أخرى، ينهض معه قائلًا بامتنان:
_ ولا يهمك يا حربي كفاية مجيتك لحد عندي عشان تطمن عليا.. عمري ما هنسى اللي عملته معايا.
ربت حربي على كتفه ثم سار باتجاه الباب ليغادر ولكن انطلق ابن مصطفى نحوه سريعًا يهتف بصوتٍ طفولي:
_ عمو يا عمو..
استدار حربي له ينظر نحوه بتعجب، ليشير الطفل بأن يهبط وبالفعل ما أن هبط حربي حتى ضمه الطفل بقوةٍ قائلًا بصوتٍ طفولي مُمتن:
_ شكرًا يا عمو إنك ساعدت بابا ومبقاش يزعق في البيت تاني وبقى بيضحك معانا.
تأثر حربي كثيرًا مما تفوه به الطفل، فلم يعانِ مصطفى وحده بل عانت معه أسرته أيضًا، ضمه حربي بحنانٍ يهمس له بمثل شعور الضمة:
_ خليك شجاع يا حبيبي وأقف مع بابا علطول واسنده ومتخليش حد يكسر نفسك أبدًا عشان رزق لإنه في إيد ربنا مش في إيد الناس.
لم يفهم المعنى العميق لما قاله حربي ولكن حُفرت برأسه يومئ لحربي بطاعةٍ، غادر كلًا من حربي وعاليا التي شاهدت ما حدث بقلبٍ منفطر لأجل تلك الأسرة ثم ما كادت أن تتحدث حتى قال حربي بصوتٍ مبحوح و بأعينٍ لمعت بدموع:
_ الطفل كان بيدمر يا عاليا.. كان بيشكرني عشان باباها مبقاش يزعق تاني من اللي بيحصل.. هو الناس لدرجة دي مش عارفين يبطلوا أذى!!!
لم ترغب برؤبته هكذا لتمد كفها تمسكه بدعمٍ واضح تردف بحنانٍ:
_ في دا وفي دا يا حربي.. أهو ربنا بعتنا لمصطفى دا عشان ابنه ميطلعش معقد والحمدلله لحقناه.
_ دا حالة واحدة يا عاليا.. طب وبقيت الحالات وبقيت الشعب اللي أغلبه كده.. بصي حوليكِ هتلاقي حالتهم أسوأ من مصطفى كمان.. دول حلهم إيه يا عاليا؟؟
نعم لأول مرة تشعر بعجزها عن التفكير.. دائمًا ما تجد حل لأي مشكلة تعافر لفعل ما تستطيع وتصبح راضية عما جنّته ولكن تلك المرة منذ بداية هذا البحث وقد أصبحت عاجزة تمامًا عن فعل شيء!!
زفرت باختناقٍ تردف بصوتٍ متعب:
_ مش عارفة يا حربي لكن مش بايدي أعمل حاجة غير إني أوعي الناس.
تنهد الأخر بحرقةٍ مما يراه الناس، فلولا ربه ثم والده الذي علمه صنعة يعمل بها لكان عبدًا لهؤلاء المتسلطين، نظر لوجهها الحزين ليسألها محاولًا إخراجها من تلك الحالة:
_ عايزة اسألك سؤال هو عز إزاي مخدش باله من إن أرنبة مش جاهز بشغله أو حتى جايب اللاب بتاعه يعرض شغله؟
ابتسمت عاليا بسخرية على ما حدث يمر هذا الشريط أمامها، تجيبه بسخطٍ:
_ لإني طلبت من أرنبة ينرفزه أوي لدرجة متخلهوش مركز في حاجة غير إنه إزاي ياخد شغله وكل حاجته.
ضيق حربي حدقتيه بعدم فهم، لتسترسل عاليا بتوضيح:
_ شخصية عز زي ما قُلت شخصية نرجسية.. وجدًا كمان ودا بقى سهل تستفزه فاستخدمت نظرية كده عندنا تشويه الإدراك.. يعني بالبلدي دماغه تقف ميعرفش يفهم ولا يفكر في حاجة غير حاجة واحدة وهو ينتقم من أرنبة.. ودا بقى عملناها لما كسرنا غروره ودوسنا عليه وعيرناه كمان بمصطفى اللي هو متأكد إنه دمره وخلناه ينفعل زيادة عن الحد عشان ينفذ كلامنا من غير ما يحس وفي نفس الوقت يفتكر إنه هو كده ماشي في خطته في الانتقام.
أطلق حربي صفيرًا منبهر من تفكير عاليا، ليهتف بذهولٍ يحمل فخر بها:
_ أنا طلعت متجوز كينج مش بنوتة حلوة وزي القمر بس.
توردت وجنتيها خجلًا من إطراقه الثني، لتحاول التهرب من حديثه متمتمة:
_ طب يلا نروح للاسمه عز عشان اتأكد من استنتاجي.
ابتسم حربي لها بحبٍ يردف ممسكًا بكفها في حنو:
_ ماشي يلا بينا.
ارتجفت يداها ولكن أحبت أن يمسكها ويعاملها كابنته، هي تريد أن يغرقها حنانٍ ويفيض منه الحب، فيصبح هو مالك قلبها الوحيد.
****
وصلا للشركة سريعًا يحاولان اللحاق بعز قبل أن يغادر، فسألا حارس الشركة عنه ليبلغهما أنه لا يزال بالمكتب يجمع أغراضه، صعدا سريعًا كي يكملان نهاية بحثها عن هذا النوع، يدلفان للمكتب بهدوءٍ بعدما سمحت لهما السكرتيرة بالعبور، ليهتف حربي ببسمة منتصرة:
_ عامل إيه يا عز؟
ارتفعت نظرات عز الحادة نحو حربي، يرمقه بنظراتٍ شرسة غاضبة حاقدة، ثم يعود لجمع أغراضه مجددًا فهتفت عاليا محاولة استفزازه:
_ إيه يا عز زعلان ليه إنه بينادي باسمك كده عادي؟؟
طفح كيله وشعر برغبته بقتلهما ليهدر بعصبية مفرطة:
_ عشان أنا اسمي ميتقالش كده.. اسمي البشمهندس عز يا شوية حُسالة.. هتفضلوا همج متعرفوش تحترموا اللي قدمكوا وتدوله مقامه.
كاد حربي أن ينفعل ولكن ضغطت عاليا على كفه ليهدأ، لتسترسل هي ببرودٍ:
_ والله أنت أتربيت على كده فأنت حر.. لكن كلنا متربيين على إننا ولاد تسعة يعني عادي أقول اسمك واتعامل معاك إنك إنسان عادي مش مخترع.
صرخ بها عز بانفعالٍ من إهانتها لشخصه، يشعر بأن الجميع يقلل من شأنه بتلك الطريقة، أنا هنا ليحترمني الجميع.. أنا هنا ليراني الجميع مثل الشمس ليس لي مثيل:
_ أنتم مبتفهموش حاجة.. مفيش حاجة اسمها ولاد تسعة طوال عمر والدي يقول إني أفضل وأحسن من الكل..
_ ويا ترى والدتك برضو شايفة كده مع إنها حملت فيك تسع شهور اللي هي طبيعية البني آدمين يا عز.
نطقت اسمه محاولة استفزازه، ليصيح بها غاضبًا محاولًا إهانتها:
_ والدتي ربتني على إن اللي زيكوا عمرهم ما يقدروا اللي زيّ.. أنا هنا عشان الكل يشوفني ويتبهر بكل حاجة أعملها.. أنا البشمهندس عز الدين يا اسمك إيه.
ابتسمت عاليا بثقةٍ بعدما حصلت على ما تريد، تنظر له ثم أخرجت من حقيبتها ورقة صغيرة مطوية تتقدم نحو مكتبه قائلة بصوتٍ هادئ عكس ما كانت تتحدث به:
_ أنا مقدرة طبيعتك وشخصيتك العظيمة دي يا بشمهندس عز.. وإن كل اللي بتعمل إنجاز وكلنا نفرحلك بيه.. لكن مش كله بيحب الخير لبعض ولا إحنا علطول هنفضل نشوفك البشمهندس عز.. جه اليوم اللي مبقتش في مكانك وبقيت عز بس من غير بشمهندس وبكرة انجازات هتتنسي لما تمشي.. نصيحتي تاخد الرقم دا وترن عليه دكتور شاطر وهيساعدك.
أمسك بالورقة يمزقها أمام وجهه قائلًا ببرود أسود:
_ أطلعي برة مش عايز أشوف وشك لا أنتِ ولا اللي وراكِ دا.
_ لا بقى دا أنت مهزق وعايز جرعة تاخدها.
هدر بها حربي يمسك بتلابيب عز بطريقة مهينة جعلت عز يشعر بتدني نفسه أمام الموظفين الذي أتوا على صوتهما، ليحاول الحارس فصل كلًا من عز وحربي عن بعضهما ولكن أثناء فصل الحارس الإثنان، تعثر حربي بقوةٍ قبل أن يلكم عز لتضرب اللكمة وجه عاليا التي صرخت بقوة:
_ وشـــــــــــــــــي!!!
****
_ خلاص يا عاليا مكنش بوكس دا يخليكِ مقموصة مني.
ردد حربي تلك الكلمات بعبوسٍ بعدما رفضت عاليا الحديث معه، تضع كيس الثلج على وجنتها بقرب من عينيها، تتأوه مما لكمة حربي دون عمد، أحضرت هبه المرآة كما طلبت تجلس جوارها مع أرنبة الذي يسلط بصره نحو الشاشة ينتظر أن يستجيب أحدهم له، ليتذمر حربي بضيقٍ:
_ يا عاليا ما تعبري أهلي شوية.. ما أنا اتضربت وأنتِ مهنش عليكِ تقوليلهم معملش حاجة!!
احتدت نظراتها المصوبة نحوه، تردف بحدة:
_ بس مش أنا اللي ضربتك يا حربي.. دا أنت ايدك تقيل أوي.
_ ما البوكس كان للمتسمى عز وكنت مغلول منه.
نطق بعفوية موضحًا موقفه، لتنظر عاليا لوجهه تدمع عينيها على تلك العلامة الزرقاء الموجودة بوجهها، تهمس بحسرة:
_ وشي راح مني يا حربي.. دا العلامة زرقة ولا كأني لبست في عربية نقل.
_ ما تحترمي نفسك.. إيه لبست في عربية نقل؟؟؟
زجر بها حربي بحنقٍ من نعتها له بذلك الوصف، لتصرخ عاليا بعصبية:
_ أبعد عن وشــــــــــــــي.
أشاح حربي بيده يبتعد عنها، بينما بقت عاليا مكانها تأن بألم كلما حاولت لمس تلك البقعة، ولكن دقائق واستمعت لصوته يهتف بأعتذار:
_ مكنش قصدي بقى يا عاليا.. هي هتروح علطول وأنا هجبلك مرهم كدمات بس متزعليش بقى أنا مبحبش زعلك.
لا تعلم أتسعد لطريقته معها أم تحزن لما يتفوه به، في جميع الحالات لن يتغير شيء فلا يزال وجهها يتألم، نظرت له بتعبٍ أنهك جسدها قائلة:
_ خلاص يا حربي.. انا شايلة هم إزاي هروح الكلية بكرة!!
قطب جبينه بدهشة يعود يجاورها بالجلوس، يسائلها بتعجبٍ:
_ ليه وراكِ محاضرات؟؟
نفت برأسها تجيبه بكلماتٍ واضحة:
_ لاء الدكاترة لغوا المحاضرات الصراحة الاسبوع دا.. بس هتكلم مع دكتور وجيزة بدل ما البحث عن متحرش نخليه عن المتحرش بيه بس ويبقى أفضل لإن أنا شايفة الأذى الأكبر للمتحرش بيه.
حرك حربي رأسه يعلق بكلماتٍ بسيطة:
_ ماشي شوفي رأيها إيه وبلغيني.
أومأت له بايجاب تزامنًّا مع صراخ أرنبة المغتاظ قائلًا:
_ مش صالحتها أخلص تعالى أمسك الأكونت التاني مش هبقى الإتنين.
أومأ حربي على مضضٍ ينهض من جوارها، يجلس على الحاسوب ثم أمسك بالهاتف يبحث عن إحدى جروبات المختلطة تتحدث عن الارتباط ويكتب تعليقًا ببعض الكلمات التي توضح مدى عنصريته ضد الرجال وما أن ضغط على نشر حتى تفاجأ باسم الحساب الخاص به ليهدر بصدمة:
_ لولي الدلوعة!! مين الحيوان اللي مختار الاسم.
ابتسم أرنبة بفخر ينظر نحو حربي مجيبًا:
_ بلا فخر أنا.
حدجه بنظرة حاد يغمغم بسخطٍ:
_إيه ياض الفخر دا ولا كأنك بتحط عنوان الماجستير بتاعك.. مين لولي الدلوعة يا حيوان!
عبست ملامحه بضيقٍ من نعته بالحيوان، ليردف بحنقٍ:
_ في أيه يا عم.. حيوان حيوان ما عرفت إني حيوان.. دا هبه كانت بتاكل كارتية لولي الدلوعة فعجبني الاسم وكنت بكتب الاسم وقتها.
زفر حربي بضيقٍ يستدير ليعود لهاتفه، بينما علقت عاليا بضحكٍ:
_ أنت زعلت يا لولي؟
_ أسكتي يا عاليا عشان معملكيش بُقليلة في عينك التانية.
زجرها حربي بغضبٍ ناظرًا للشاشة مجددًا، بينما أخذت عاليا تبرطم عليه بسخطٍ حتى أرتفع صوت الهاتف بوصل رسالة عبر تطبيق"ماسنجر" لحربي، ليهتف أرنبة بانبهار:
_ يابن اللذينة يا حربي جتلك رسالة قبلي وأنا بقالي ساعة متحطنت.
علق ساخرًا:
_ ما طبيعي يا أخويا يجلي رسالة قبلك.. دا اللي هيدخولي هيفتكرني رقاصة شعبية.. أسكت عشان مقلش أدبي عليك قدامهم أنا على أخري.
صمت أرنبة عن الحديث يمط شفتيه بعبوسٍ كالطفل، بينما انطلق حربي ينظر بالرسالة فكانت تعبر عن مدى تفهمه لكرهها نحو الرجال، أكمل حربي المحادثة بكلماتٍ أكثر لطفًا لكسب هذا الشاب ولكن بعث رسالة ما كان منها سور رد جريء للغاية من شاب نسى معنى التربية حاول حربي الرد بطريقة هادئة إلى حد ما محاولًا مجارته بالحديث ليرى تفكيره ولكن إزداد الشاب بإرسال كلمات أكثر جراءة ليصيح حربي بعصبية وغضب:
_ آه يا منحل الخُلق وناسي الدين وجاهل تربية..
_ هو أنت كده بتشتم يا حربي؟؟
سألته عاليا باهتمامٍ غريب، ليجيبها بانفعالٍ:
_ أيوة.. دا ولد معرفش معنى التربية!!
_ ما تختصر يا حربي وتقول مترباش لزمًا قصيدة دي!!
قالها أرنبة بضجرٍ يمسك الهاتف بدلًا عن حربي ولكن ثواني وأرتفع صوت أرنبة بانفعالٍ واضح:
_آه يا سا***
كمم حربي يده على فم أرنبة قبل أن يكمل سيل سُباب الذي سيقوله، ينظر له بتحذير مردفًا:
_ أنا عارف لسانك طويل لمه عشان البنات.
أومأ أرنبة سريعًا بعدما نفد الأكسجين من رئتيه، في حين سألت عاليا بفضولٍ:
_ وريني كده يا حربي قال إيه؟
أبعدها حربي عن الهاتف قائلًا بتحذير:
_ إياكِ تقرأي المحادثة يا عاليا إياكِ!!
عبست ملامحها بضيقٍ بينما نبست هبه بتعجب:
_ أيوة لما أنتم مش عايزين نشوف هنعرف منين عملوا إيه ونكتبه في البحث.. لزمًا نشوف.
_ في ألفاظ خدشت حيائي وأنا أصلًا منحل خُلقيًا.. ما بالك أنتِ عايزة تشوفيها إزاي؟؟
ردد أرنبة باستنكارٍ واضح، لتزفر هبه بضيقٍ تردف باقتراح لحل هذه المشكلة:
_ طب بصوا قولوا المحادثة وكل ما تيجي كلمة جريئة قول سيكو حلو كده!!
وافق الإثنان على مضض، ليتفوه حربي بالمحادثة مشمئزًا مما بها:
_ الولد قالي أنا مقدر جدًا كرهك للرجالة.. فعلًا في مننا يخليكِ تكرهي نفسك بس مش كلهم واحد..
نظرت له هبه باهتمام معلقة:
_ حلو كمل كده بيتحرش نفسيًا.
أكمل حربي بضيقٍ:
_ فقولتله معاك حق إحنا كستات في مننا برضو بيكرهنا في نفسنا.. فقالي أنتِ منين يا لولي وعمرك كام سنة؟
أومأت هبه تمسك بورقة وقلم تكتب بعض الملاحظات، بينما استرسل حربي بضيقٍ لا يزال عالقًا به:
_ جاوبته بالداتا اللي أرنبة حطتها فراح سأل سؤال سيكو أوي.. فرديت قولتله عيب فقالي كلام سيكو تاني فقولتله عيب راح بعت صورة سيكو أكتر ويقولي كلام سيكو...
قاطعته عاليا بحنقٍ:
_ إيه يا حربي في إيه دا كله المحادثة سيكو أمال فين التحرش العاطفي وانتحال الشخصية والتجسس والتنمر؟؟
صاح بها مغتاظًا:
_ وأنا مالي ما هو اللي عيل مترباش.. استغفر الله العظيم يارب.
مسح على وجهه يستغفر لما تفوه به، فقد أخرجه هذا الشاب عن شعوره، نهض مغلقًا هاتفه يردد بتعبٍ:
_ بصوا خلينا نكمل بكرة بدل ما أنا فاضل تكة وهقول ألفاظ خارجة وأنا كنت محافظ على لساني.
أومأت الفتاتان بموافقة فيبدو التعب واضحًا غليه بينما نظر أرنبة نحو هبه قائلًا:
_ بقولك إيه هاخد اللاب واجبهولك بكرة لعل وعسى حد يكلمني أرغي معه لبكرة وأقولك وصلت لإيه.
أومأ هبه بموافقة، ليتحرك أرنبة وحربي نحو منزلهما وكذلك فعلت عاليا تأخذ قسطًا من الراحة بعدما ألتهمها التعب.
****
صباحًا...
ظلت تدعو طوال الطريق بتوترٍ أن توافق وجيزة على فكرتها، وصلت للكلية تصعد نحو الغرفة المطلوبة وما أن طرقت الباب حتى سمحت لها وجيزة بالدلوف، جلست عاليا بتوترٍ تتمتم بقلق:
_ كنت جاية اقترح على حضرتك نبدل الفكرة من متحرش لـ متحرش بيه ونتكلم عن الضحايا.
أومأت وجيزة بهدوءٍ دون إصدار كلمة، بينما تهلل سرير عاليا غير مصدقة لموافقتها الهادئة، نهضت من مقعدها تهتف مغادرة:
_ شكرًا يا دكتور مش عارفة أقولك إيه!!
استدارت عاليا لتغادر ولكن فجأتها وجيزة بجملتها التي أصابتها في مقتل:
_ هتجيبيلي المتحرش بيه والمتحرش نفسه يا عاليا.
لم تستدير بل ظلت توليها ظهرها تلطم على وجنتها بذعرٍ قائلة بصدمة:
_ هجيب جوزي!!!
******
أتت هبه بقدح الشاي لأرنبة الذي أتى للتو، يجلس بالردهة ومعه الحاسوب، يبتسم بسعادة وهو يتمتم:
_ صحيح الواد حربي لبس أكونت البت بس مش مهم أنا مرتاح على الأقل أكونت الولد مفهوش سيكو ميكو.
سألت هبه باهتمامٍ:
_ سيبك من دا كله قولي الولد اللي كلمته إمبارح دا معملش أي حاجة لسه؟
نفى أرنبة برأسه حتى أتى له إشعار يعلن عن وصول رسالة، ترك قدح الشاي ينظر لمحتوى الرسالة وسرعان ما جحظت عيناه مما كُتب فكان تنص على..
" نفسي أشوفك وتجمعنا شقتي"
نظر أرنبة لاسم الحساب الخاص به فكان باسم ولد مستعار، قال بوجهٍ شاحب:
_ ياريتني كنت بت.. يا فضحتك يا أرنبة!!