رواية نداء قلب ميت الفصل التاسع
عاد جمال إلي منزله متأخرا وكل ما يخشاه أن يجد هند في إنتظاره غاضبة بسبب تأخره عن المنزل .
فتح الباب ودخل ببطئ عسي أن تكون هند نائمة ، إلا أن صد،مته كانت شديدة حينما رأها ملقاه علي الأرض فاقدة الوعي !!
أستفاقت هند بعد قليل وحينما سألها عما حدث قالت أنها ظلت تنتظره طوال الليل ، وفجأة لم تشعر إلا وهو يوقظها من غيبوبتها .
في اليوم التالي ...
وبعد الكشف عليها ابتسم الطبيب قائلا : ألف مبروك المدام حامل .
انحنى جمال ليقبل يدها ، وكانت دمعة دافئة قد أفلتت من زاوية عينه . لم تكن دمعة فرح فقط، بل دمعة ندم ، وقرار ، ووداع.
في تلك اللحظة، شعر أن شيئًا في قلبه تبدل، أن البيت الذي كاد يهدمه بيده، ربما لا يزال قابلاً للترميم.
طيلة اليوم وفكره مشغول بأسرته ، هند وزياد وذلك الوافد الجديد الذي بات خبر مثابة كتابة كلمة النهاية لحكايته مع سمية .
عادت هند وفي يدها ابنها زياد تحمل سعادة في قلبها و حمل جديد داخل أحشائها، أرادت هند الطيبة أن تشاركها صديقتها فرحتها فأتصلت بها وأخبرتها بخبر حملها الذي وقع عليها كصاعقة تهبط من السماء لت،نسف ما تبقي من ركام أحلامها الشر،يرة .
تظاهرت سمية أمامها بالفرح وما أن أنهت كلامها معها حتي هاتفت جمال وطلبت منه الذهاب إليها في التو .
وفي المساء، ذهب إليها جمال إلي ذات المكان الذي يخبئ أسرارهما معا بين جدرانه .
طرَق الباب طرقات خفيفة، وفتحت له سمية كعادتها، بثوبها الأسود وابتسامتها التي تعرف جيدا كيف تخفي بها أنياب التملك.
نظر إليها في ثبات قائلا : سمية .. أحنا كده خلاص لازم ننهي كل حاجة .
تجمدت ابتسامتها في صمت كان أكثر رعبًا من أي صراخ !!
تابع بصوت خافت لكنه حاسم : أكيد عرفتي إن هند حامل ، وأكيد دلوقتي صعب أهدم بيت فيه طفلين ملهمش أي ذنب أد،مر حياتهم علشان بحبك .
أستقرت كلماته كرصاصة في صدر سمية. رمقته بنظرة مشتعلة : تنهي؟ بعد إيه يا جمال ؟ بعد كل اللي بينا جاي عايز تنهي ؟! بعد اللي عملته علشانك ؟! نسيت حبنا ؟! نسيت اللي عملناه في زكي ؟! كل ده علشان هند حامل؟ وأنا مالي؟ ذنبي أيه ؟ علشان كنت بحبك !!
لم يرد. فقط أنزل رأسه كمن يعترف بالذنب، ثم رفع عينيه وقال بهدوء أشد من الصراخ : أنسي أزاي وأنا بشوفه أول ما أغمض عينيا !! أنا معترف أني غلطت ، لكن مش أنا لوحدي اللي غلطت ، أنتي كمان غلطتي... بس كفاية كده بلاش نكمل في الغلط. كفاية لحد كده يا سمية .
صرخت من خلفه وهو يفتح الباب : هتندم يا جمال! زي ما ضحيت بيا ، هتضيع نفسك. لكنه لم يلتفت لها.
نزل السلم ببطء عكس كل المرات السابقة حين كانت تسرع خطواته خشية أن يراه أحد .
نزل بهدوء وكأن كل خطوة تنزع من قلبه شيئًا من ماضيه لايريد أن يبقي معه.
خرج من المنزل وسار بالشارع وعيناها تتعقب خطواته بالدموع والخذلان .
في الطريق، شعر جمال وكأنه تحرر من قيود كانت تخنقه. لأول مرة منذ شهور يشعر بالهواء يدخل رئتيه بلا مرارة، ولأول مرة يحس بأن قلبه ينبض باتجاهٍ واضحبدون زيف .
هو الآن، أب وزوج نادم، هو الآن رجل يحاول من جديد أن يكتب اسمه في سجل الرجال الذين عادوا في اللحظة الأخيرة... قبل أن يسقطوا للأبد.
عادت من شرفتها ، وعم المكان صمت ثقيل وكأن الكون كله توقف للحظات .
وقفت سمية في منتصف الغرفة، لا تتحرك، لا تتنفس، فقط تنظر إلى الفراغ الذي تركه جمال ورحل.
لم تصدق ، للحظة ظنت أنها تحلم، وأنه سيعود ليداعب خصلات شعرها ، يعتذر كما اعتاد أن يفعل في كل مرة .
لكن شيئا من ذلك لم يحدث .
رحل ببساطة، بعد كل ما كان... رحل.
شعرت فجأة أن جدران الشقة تضيق عليها كأن الأثاث ينقلب ضدها، أن كل ذكرى ضاحكة أصبحت خنجرا يغرس نفسه في صدرها.
إنها،رت على الأرض، صارت كتلة من الألم، تتلوى كأن النيران تشتعل تحت جلدها. قبضت على وسادة كان يمسكها بيديه ، وشهقت باكية، بصوت خافت في البداية، ثم انف،جرت باكية كمن لا تخجل من انكسارها .
لم تكن تبكي لمجرد فراق ولكن في داخلها شيئا ما تحطم إلى شظايا يصعب جمعها.
لكن... وسط دموعها، وسط الشرخ العميق الذي أجتاح أعماقها ، كانت هناك نواة سوداء تنبت في قلبها، نواة لشئ يسمي الانتقا،م.
لم تكن نوبة بكاء فقط. كانت بداية... بداية لفصل جديد من حكايتها ، ربما هو الأسوأ ربما هو الأكثر قسوة ولكنه بالتأكيد مختلف .
كانت سمية لا تزال جالسة على الأرض، نفس الوضع ، نفس الوسادة بين ذراعيها ، لكن الدموع قد جفت.
مرت ساعات الليل بطيئة ولم تحرك ساكنا ، شيئا ما في عينيها تغير ، كأن الألم تحول إلى وقود ، والغدر صار نصلا تسنه بين أفكارها.
وقفت أخيرا، وسارت إلى المرآة ، نظرت إلى نفسها طويلا . لم تري وجه إمرأة مكسورة ، بل وجها يعلم جيدا كيف يبتسم ويُخفي خنجرا خلف ظهره.
قالت بصوت خافت : هو اللي أختار ، أختار يوجعني... بس نسي أنا مين .
عاد جمال إلي منزله بعدما أغلق صفحة قذ،رة من حياته ، صفحة مضت من حياته لا يريدها أن تطل برأسها علي حياته من جديد . هو يعلم تمام العلم أن سمية ليست بالمرأة التي تنهزم بسهولة ولذلك أراد أن يقطع عليها أي طريق لإفساد حياته .
جلس بجوار هند وظل يسمع بابتسامة أحلامها بطفلهما الجديد وبغدِِ أكثر أشراقا . و ما أن أنتهت من كلامها حتي قال لها : طبعا أنا عارف إن سمية صاحبتك وأنتي بتحبيها لكن نفس الإنسان أمارة بالسوء .
هند : قصدك أيه ؟
جمال : قصدي إن سمية بعد مو،ت جوزها و فقدها لحملها لما تشوفك أشتريتي دهب وبعدها حملتي و حياتك أسعد من حياتها أكيد هتغير منك .
هند : سمية !! لأ مستحيل ، سمية بتحب ليا الخير كأني أكتر من أختها .
جمال : ولو أنتي أختها فعلا بردو هتغير منك ، هو ده طبع الإنسان .
هند : أنت عايز أيه بالظبط يا جمال ؟
جمال : عايزك تبعدي عنها .
هند : لأ طبعا مينفعش ، أنا مليش أصحاب غيرها .
جمال : معلش ده لمصلحتك ومصلحتنا كلنا ، ولو حتي لفترة لحد ما حياتها تتعدل وتتجوز .
هند : ليه يا جمال ؟ ليه عايز تبعدني عن أقرب صاحبة ليا ؟
جمال : أولا خوفا من عينيها ، ثانيا ممكن تحاول تخرب حياتك ، يعني مثلا تحاول تسقطك أو توقع بيني وبينك ، أنتي متعرفيش نفوس الناس لما تغير وتحسد ممكن تعمل ايه .
هند : حرام عليك يا جمال ، سمية مستحيل تعمل معايا أي حاجة من دي .
نظر لها جمال وهو يسمع كلامها ويقول بداخله " أنتي طيبة وساذجة أوي يا هند ، مش ممكن حد بالطيبة دي يكون موجود للنهاردة !! " .
هند : ساكت ليه يا جمال ؟ بقولك سمية مستحيل تفكر بالشكل ده .
جمال : أنا حذرتك يا هند وأنتي حرة ، لكن حذري منها أوي خصوصا الأيام دي .
غلبت طيبتها تحذير جمال لها ، وأستمرت علاقة هند بصديقتها سمية التي لم يظهر منها أي تغيير تجاهها ، فمازالت تتعامل معها بود لم يتغير .
بينما قطع جمال أي أتصال له بها حتي عاد يوما إلي منزله فوجدها تجلس بجوار هند يتحدثان وأمامهما ابنه زياد يلعب .
بمجرد أن رآها أنقبض قلبه ودخل إلي غرفته دون كلام .
لم يمر ذلك الحدث مرور الكرام ولكن أتخذته سمية حجة لتظهر له حُسن نيتها ورضائها بقراره .
أتصلت به وعاتبته علي تجاهل وجودها ثم قالت له : أحنا بردو كان بينا حب يا جمال ، واللي بيحب إنسان بيحب له الخير ، ومادام راحتك لاقتها في بيتك مع مرارتك وعيالك أنا راضية ، المهم عندي أنك تكون سعيد وأوعي تفكر إني أكرهلك الخير أو أحاول أخرب عليك حياتك .
سمع جمال كلامها ولم يصدق رضائها وإستسلامها المطلق .
مرت عدة أسابيع والأمور هادئة حتي ذلك اليوم التي خرجت فيه هند من منزلها ولم تعد حتي المساء ولم يستطيع جمال التوصل لأي خبر عنها !!