رواية مأساة حنين الفصل الثانى بقلم اية الفرجانى
وفي يوم…
دخل الأوضة من غير ما يخبط…
وبصلي بنظرات غريبه اتخضيت ووقفت من علي السرير وهو قرب مني وهو بيقول:
= أنا مش طالب حاجة… بس أنتي عارفة إن اللي زيي لما يساعد لازم بيبقى ليه مقابل صح
ساعتها قلبي وقع مكنتش فاهمه قصده اي لاقته عمال بيقرب اكتر وانا من خوفي نزلت من علي السرير كنت بتكلم وانا خايفه جدا اول مره اشوفه كده من يوم ما شفته:
= مش فاهمه إنت عاوز اي
انت بتقرب كده ليه
بالله عليك ي كريم انت قولتلي إنك مش زيهم صح
ضحك ضحكة خبيثة… وقال:
= كلهم بيقولوا كده في الأول يحلوه …
اتصدمت
حسيت قلبي هيقف …
حسيت إني متكتفة من جوه، كأني رجعت تاني للشارع، بس المرة دي جوا شقة…
يعني لا أمان، ولا سقف… ولا حتى جدران تحميني
قولتله بدموع:
= لو كنت اعرف إنك هتبقى كده ماكنتش جيت معاك انا عاوزه امشي
لسه بحاول امشي
ضحك وقرب مني جامد وقال:
= وهوأنا قلتلك إن الحياة ببلاش؟
دموعي سبقتني كنت بدات احس بامان خلاص رغم اني عارفه ان ممكن يطلع كده بس صدقته من كلامه
حاولت اتكلم معاه واترجاه:
= كريم بالله عليك أنا لسه صغيرة … أنا في سنة تانية ثانوي… اعتبرني اختك وسيبني امشي والله همشي مش هعمل حاجه
قال بسخريه:
= اختي و صغيرة؟ دا إنتي كبرتي قبل أوانك يا حنين… وشكل الشارع علّم فيكي أكتر من المدرسة!
اللحظة دي…
حسيت بجسمي بيترعش، دموعي نزلت و زادت غصب عني مكنتش قادره اصرخ ولا اتكلم …
بدا يقرب مني وانا ارجع لورا لحد ما لزقت في الحيطه واخيرا قدرت اتكلم وانا بحاول ابعده عني
= متقربليش… بالله عليك…
بس هو ماكانش سامع غير نفسه وبس
زقني علي السرير وبعدها محستش بحاجه
بعد وقت معرفش قد اي
صحيت وأنا حاسة إني ولا حاجة…
مش قادرة أبص في المراية… حاسه اني ميته بالحيا
اول مره احس بكسره بجد
كسره ضهر وكرامه وزل وشرف
ماكانش في صريخ…
كان في خرس كاني اتخرست مش قادره لا ابكي ولا اتكلم
جوايا حاجة اتكسرت…
أنا اللي كنت بحاول أعيش، بقيت جسد ماشي على رجليه بس جسد بدون روح
قومت وقفت قدام المرايه ببص لنفسي لجسمي
مقدرش وقعت علي ركبي وانا بنهار
= يااااااااارب يااااارب انا معملتش حاجه عشان يحصل معايا كده
ي ماما يارتني كنت مت معاكم
دموعي نزلت لاول مره بالطىريقه دي اول مره احس بجد يعني اي كسرة بجد
قومت بعدها اسحميت وصليت معرفتش اخرج من الاؤضه كان قافل عليا خايف اني اهرب منه
حاولت كتير اكسر الباب او افتحه معرفتش
كان بيرجع يعمل الاكل ويفتح الباب ويحطه من غير ما يتكلم كنت بحس انو ندمان علي الي عمله...
فضلت في الشقة يومين بعد اللي حصل… مش قادره اطلع وهو قفل عليا الباب بس الغريبه انو
محولش يقرب مني تاني
حتي كان بيعاملني كأني شخص مش موجود
حسيت ولا كأني كنت طفله في يوم
وفي يوم صحيت علي صوته واقف جنب مني وانا نايمه اتخضيت رجعت لورا شديت الغطا عليا وانا ببصله بخوف ورهبه لقته بيقول:
= اللي حصل حصل… انسي وحطيه ورا ضهرك وخلينا نعيش سوا بقى كده على طول كده كده انت ملكيش حد وانا مليش حد
اتصدمت مكنتش مصدقه الي بيقوله قولته بزعيق :
= انت اي معندكش دم ولاضمير
هتروح من ربنا فين انت فاكر اني عشان مليش اهل ابقي
لعبه في ايدك انت كسرتني وخدت اهم حاجه في حياتي علي قد ما قعدت في الشارع محدش فكر يعمل الي انت عملته فيا
دموعي نزلت ومقدرش اكمل
قالي وهو بيخرج :
= "اللي زيك ميختارش… إنتي لو مشيتي من هنا هترجعي الشارع، والشارع خلاص عرف طعمك! اظن مش هتلاقي مكان زي ده تاني اكل وشرب وسكن ببلاش كل الي مطلوب منك انت عارفه
قالي كده بغمزه ومشي بعدها وقفل الباب
قررت أهرب وفعلا حاولت كتير افتح الباب وفعلا فتحته حمدت ربنا مكنش موجود في البيت نزلت جري
ماكانش معايا لا فلوس ولا حتى هدومي…
بس خدت نفسي، ونزلت من بيته وأنا بترعش
كنت ماشية في الشارع زي التايهة، زي المجنونة،
كل الناس تبصلي، واللي يضحك، واللي يشاور، واللي يعاكس
لحد ما وصلت على "قهوة" صغيرة على جنب…
وقعدت على الرصيف جنبها وعيوني معلّقة في السما…
وبدأت أعيط…
بس المرة دي… دموعي كانت هادية، دموع حد استسلم
قعدت يومين مرمية في الشارع…
رجليا مش قادرة تشيلني، وكأن الوجع تقيل عليها…
بطني بتصرخ من الجوع
ودماغي بتلف من قلة النوم والخوف
مشفتش كريم بعدها خالص حمدت ربنا كنت خايفه يرجع يدور عليا تاني
كنت بحاول أنام تحت كوبري إمبابة
وسط ناس شكلي مش فاهمة هم بني آدمين؟ ولا كوابيس ماشية على رجلين
وفي ليلة…
الدنيا كانت بتمطر، وأنا متلحفة بكيس بلاستيك كبير خدته من الزبالة
كنت قاعدة متكوّرة على نفسي
حسّيت بخطوات حد بيقرب، وصوته غليظ كان واضح عليه انو سكران قال:
= اي ده مزه هنا لوحدها في الوقت ده دا شكلي حظي من السما انهارده
قرب مني وانا كنت مرعوبه مقدرتش اصرخ ولا اتحرك
ما لحقتش أرد…
كنت بردانة، مرهقة، وكل خلية فيا بتقول "سيبيني فحالي حرام عليكم "
بس ولا كاني بتكلم
فجأة…
إيده مسكت دراعي، وصوت تنفّسه بقى قريب من وشي
وأنا برتعش…
كل حاجة جوايا بتتكسّر تاني
قلتله بصوت بيطلع بالعافية:
= "بالله عليك… سبني… كفاية…"
ضحك وقال:
= "كل واحدة بتقول كده في الأول…"
صرخت…
= الحقوني حد يساعدني
بس
الناس اللي نايمة حواليا، نايمة موت مش نوم
حاولت اهرب منه مقدرتش
كنت مرهقه
حاولت ادور على اي حاجه ادافع بيها عن نفسي
وايدي وقعت علي حديده في جنب
ضربته وجرى وسبني
بعد اللي حصل…
مقدرتش أتحرك
قعدت في نفس المكان يومين تانيين
مبكلّمش، مبنطقش
بقالي أربع أيام معدتي ما دخلهاش غير حبة رز لقيتهم في كيس جنب محل فلافل، كانوا مرميين على الأرض
كنت كل يوم بدوّر في الزبالة
أي حاجة… قشرة موز، رغيف ناشف، حتى بواقي ساندويتش متعفنة
ما بقتش أشم
كنت أكل وأنا دموعي بتنزل…
مش علشان الأكل بايظ
علشان أنا اللي بقيت تالفه
الناس بقت تبصلي وتقرف
والعيال الصغيرة ترميني بالطوب وتضحك:
= "شوف يا ماما… البت المجنونة بتاعة الكوبري!"
مجنونة؟
لا، أنا صاحيّة أكتر منكم كلكم…
أنا بس مكسورة… ومحدش سندني
في يوم وأنا ماشية، هدومي متقطعة، شعري متلبد، ووشي كله تراب…
واحدة ست عدت من جنبي،
حطت إيدها على شنطتها وكأنها خايفة إني أسرقها…
ساعتها ضحكت… ضحكت ضحكة وجع…
أنا؟ أسرقك؟
أنا مش لاقية نفسي هاخد منك إيه؟!
رُحت على مول كبير ودخلت الحمام،
دخلت من غير ما حد يشوفني،
وقعدت أتمسّح بالمناديل اللي في الأرض…
كنت بدوّر على ريحة آدمية جوايا،
بس لقيت بس ريحة الزل، والعار، واللي ضاع
في اللحظة دي…
وأنا قاعدة في الحمام على البلاط
باصّة لنفسي في مراية مش بتعكس غير الخوف،
قلت بصوت مسموع:
= "أنا حنين… بس مش هي دي أنا"
أنا اللي كنت بحلم أبقى دكتورة،
وألبس بالطو أبيض،
وأفرّح ماما وبابا،
أنا اللي كان عندي كرّاسة كاتبة فيها "أمنياتي"...
دلوقتي أنا مش لاقية رغيف عيش
ولا حتى هدوم تسترني…
ولا إنسان يسألني "مالك؟"
بس…
لسه عايشة
واللي لسه عايش…
لسه في حكاية وراه…
حتى لو الحكاية كلها سواد
لازم هتيجي لحظة… النور يدخل من شقّ في الحيط
وأنا لسه قاعدة جوّه الحمّام
بحاول أمسح وشي، وأرتّب شعري بأي شكل،
دخلت واحدة من العاملات، أول ما شافتني… صرخت:
= "إنتي بتعملي إيه هنا؟ إنتي جاية منين أصلاً؟ يلا برااا!!"
أنا اتلبشت، اتجمدت في مكاني…
قلتلها وأنا برتعش:
= "والله ما عملت حاجة… بس كنت عاوزة أغسل وشي… أنا بس…"
قطعت كلامي وحده تانية دخلت معاها:
= "شوفتي؟ شوفت يا أستاذة سميرة؟ دول بقوا يدخلوا يناموا في الحمامات! دي أكيد شحاتة وحرامية كمان"
وبدأوا يسحبوني من دراعي…
بهدلة…
كل الناس في المول بقت تبص
الأمن جري عليا
والشتايم نزلت فوق دماغي زي الرصاص:
= "يلا برا قبل ما نودّيكي القسم!"
= "إنتي مفكرة المول ده ملجأ ولا عنبر؟!"
وأنا بركع، بعيط، صوتي بيتهز:
= "بالله عليكم… ما تفضحونيش… والله ما عملت حاجة، كنت جعانة… مش ناوية أسرق ولا أأذي حد!"
بكيت قدامهم،
بس مافيش رحمة في قلوبهم…
بصيت حواليا بدور على مخرج، على أي وش طيب
لحد ما شفتها…
ست كبيرة، شيك جدًا، لبسها نضيف ومحترم، شعرها أبيض، ووشها فيه هيبة…
كانت واقفة قدام محل كبير
وبتبصلي بنظرة غريبة…
مش نظرة اشمئزاز،
نظرة حزينة… كأنها شايفة نفسها فيا
قربت منهم، بصوت هادي بس حاسم:
= "في إيه؟ مالها دي وليه بتعملوا كده؟
الأمن قاللها:
= "دي واحدة شحاتة داخلة الحمّام، ومبهدلة المكان
ي مدام عاوزين نخرجها ومش راضيه
الست ردت بثقة:
= شحاتة؟ دي باين عليها متبهدلة
مش جاية تسرق هاتها هنا
بصتلي وقالت
تعالي يبنتي
أنا كنت مرعوبة
بس قربت منها… ووقفت قدامها ودموعي بتنزل
= "اسمك إيه يا بنتي؟
= "حُنين…"
قالتلي:
= " طب تعالي معايا… تعالى متخافيش"
مسكتني من ايدي وخرجت بيا من المول
ركبت معاها عربيتها،
طول السكة وأنا مش مصدقة…مش عارفه هيا عاوزه اي بس
كنت ساكتة وهي كانت بتبصلي كل شوية ووشها حزين أوي كانها عارفه انا مين
وصلنا على بيت كبير، نضيف، شكله دافي
دخلتني، وندت على الشغالة:
= هاتي أكل… وبعدين هدوم نظيفة للبنت دي… وامليلها البانيو سخن عاوزها تبقي عروسه انهارده
أنا كنت قاعدة متخشبة…
بعدين قلتلها بصوت مكسور:
= "أنا… أنا مش متعودة على كده انا عاوزه امشي
قالتلي وهي قاعدة جنبي:
= "احكيلي يا حنين… احكيلي إيه اللي وصلك كده؟" انا متاكده انك مش كده
وقعدت أحكي…
من أول ما طردوني من البيت،
ولحد ما قعدت على الرصيف،
ولحد كريم… بس خفت اقول الي عمله احسن تطردني
والكوبري
والزبالة
والبهدلة في المول
وأنا بحكي، كنت بعيط زي العيال الصغيرة
وصوتي بيرتجف،
بس هي كانت ساكتة… ووشها بيتغيّر
ولما خلصت قالتلي بصوت مش متوقعة:
= فين أهلك؟
= "ماتوا… ومحدش سال فيا… كنت ساكنة مع عمتي، وطردتني بعد شوية مشاكل
سكتت شوية، وبعدين قالت:
= "أنا اسمي مدام سميحة… كان عندي بنت في سنك ماتت من كام سنة… بس إنتي من اللحظة دي مش هتباتي في الشارع تاني…"
بصيتلها وأنا مش قادرة أنطق…
قالتلي وهي بتشد إيدي:
= "هتعيشي معايا وهتبقي في أمان… أنا مش هسيبك"
فرحت جدا حسيت اني ممكن ارجع الاقي الامان تاني
عدّى أول أسبوع عند "مدام سميحة"
كنت حاسّة إني بدأت أتنفّس
كان أول مرة أنام في سرير براحه
أول مرة آكل من غير ما أبص في الطبق بخوف،
وأول مرة أصحى ومفيش حد هيضربني أو يشتم
مدام سميحة كانت طيبة....
كنت بحس انها بتعوض بنتها فيا حبتها جدا لما تبقي موجوده في البيت
كانت بتنده عليا:
= "حنين… تعالي ساعديني في المطبخ"
أو
= "تعالي شوفي الفيلم ده معايا…"
وكنت كل مرة بسمع صوتها باسمي
قلبي بيدق،
كأني نسيت إني كنت متعلقة من رقابتي على أرصفة القاهرة
بس…
يوم… حسّيت بدوخة…
وكل يوم
معدتي بتوجعني
ونفَسي مش بيطلع
مدام سميحة قالتلي:
= هنروح للدكتور، شكلك تعبانة
رحنا…
وعملت تحاليل…
وفي اليوم التاني، وهي راجعة من العيادة
دخلت عليا الأوضة، وشها كان متجمّد، عنيها ما فيهاش لون
لما شفتها كده والتحاليل في ايدها حسيت ان في حاجه غريبه مكنتش اعرف انها صدمه عمري
= إنتي… حامل؟
اي لسه مستني المسكينه دي تاني قلبي بيوجعني وانا بكتب ي جماعه القصه دي مش خيال خالص
القصه قريبه لبنت حصل معاها كده فعلا بس انا بغير فيها عشان في حاجات مش هعرف اوصفها زي ما هيا...
الفصل الثالث من هنا