قصة الوشم كاملة بقلم فهد حسن

من شهرين تقريبًا كنت بتمشى في وسط البلد، لحد ما لقيت نفسي قصاد مكان صغير بيرسم وشم، محل قديم ومعلق رسومات على واجهته غريبة، دخلت المحل من باب الفضول، ولقيته من جوه مليان برسومات وتصميمات أغرب متعلقة على الحيطان، وشوفت راجل كبير في السن قاعد ورا كاونتر، شكله غريب زي الرسومات؛ رفيع جداً، وعينيه لونهم فاتح بشكل غير طبيعي.. رميت السلام وبدأت أتفرج على التصميمات. لفت نظري تصميم من اللي على الحيطة، عبارة عن شكل هندسي معقد، زي متاهة دائرية وفيها تفاصيل كتير جدًا.

 سألت الراجل عن التصميم ده، ابتسم ابتسامة غريبة وقالي:

ـ ده تصميم خصوصي، مش لأي حد.

طبعًا كلامه زود فضولي، وسألته:

ـ ليه.. اشمعنا يعني؟

ـ لأن التصميم ده من حضارة قديمة أوي، مش مجرد رسمة، ده باب.

كلام غامض عجيب زيه وزي المكان بالظبط، بس في نفس الوقت؛  حسيت إن التصميم بيشدني أكتر، وساعتها أخدت قراري إني أعمله.

سألته عن السعر، فقالي إنه مش هياخد فلوس، وإن التصميم  اختار صاحبه.

قولتله إني عايز أرسمه على ضهري، رفض وقالي إن المكان المناسب هو صدري، تحديدًا ناحية القلب.

قولت عادي.. قعدت على الكرسي، وهو بدأ يجهز أدواته. لاحظت إنه مش بيستخدم ماكينة وشم عادية، ده بيستخدم إبرة تقليدية وحبر أسود غريب، وقالي إنه بيحضره بنفسه من مكونات خاصة.

وبدأ يرسم الوشم، والألم أقل بكتير مما توقعت.

الراجل فضل يرسم بتركيز كبير، وعمال يقول حاجات ويتمتم بصوت واطي وبكلام مش مفهوم، زي ما يكون بيقول تعويذة أو طلسم.

الموضوع خد حوالي ساعتين وبعدين خلص.

بصيت على الوشم في المراية وعجبني جدًا، شكرت الراجل، وحاولت أديله فلوس، بس هو رفض تمامًا وقالي: 

ـ الوشم ده هدية.. وافتكر إن الوشم نادى صاحبه. خرجت من المحل، وأنا مبسوط بالوشم الجديد ورجعت البيت.

فات كام يوم وكل شيء طبيعي، بس بعد أسبوع، لاحظت إن الوشم بيتغير، فيه تفاصيل صغيرة بتظهر في التصميم مكنتش موجودة قبل كده.

قولت يمكن الحبر وحش والوشم باظ، بس بعدها التغييرات بقت أوضح. التصميم بدأ يكبر وخطوطه تمتد بعيد عن الرسمة الأصلية، قلقت جداً ورجعت المحل عشان ألاقي تفسير، بس المفاجأة إني مالقيتش المحل نهائي.. سألت أصحاب المحلات اللي في نفس الشارع، محدش يعرف أي حاجة عن محل وشم في المنطقة دي.. رجعت البيت وأنا مرعوب.. ووقفت قصاد المراية وبصيت على الوشم، لقيته فعلاً بيتغير، الخطوط بقت أعمق والتصميم بقى أكبر، وبدأت تظهر تفاصيل جديدة، زي رموز صغيرة وأشكال غريبة.

ساعات اتصلت بواحد صاحبي دكتور جلدية، شرحتله الموضوع، وصورت له الوشم وبعتهوله واتساب، فقالي إن الحبر شكله رديء جدًا، ونصحني أشيل الوشم بالليزر في أقرب وقت.

مكدبتش خبر؛ وبعدها بيومين حجزت جلسة ليزر في مركز متخصص، الدكتور حاول يشيل الوشم بس مفيش فايدة.. مفيش أي استجابة للجلسة أصلًا.

رجعت البيت وأنا مش عارف أعمل إيه.. وفضلت على كده يومين، والوشم بيتوسع وبقى مغطي معظم كتفي وجزء من ضهري، والأغرب إن الرسمة نفسها بقت تتغير كل يوم كأنها بتحكي قصة، وبدأت أحس بأعراض غريبة، زي إني بقيت أصحى باليل على إحساس بحرقان في مكان الوشم، وأسمع أصوات حواليا،  دخ غير الكوابيس اللي مابتنتهيش.

 جه في بالي إني أبحث على النت، أكيد هلاقي أي تفسير، وبعد بحث كبير؛ لقيت حاجات غريبة.

لقيت مقالات بعنوان الوشوم الحية في الحضارات القديمة، وإزاي كانوا بيستخدموها كبوابات للعوالم الأخرى.. وإن الوشوم دي بتسمح لكائنات من عوالم تانية تدخل عالمنا.. دورت أكتر ولقيت جروب على الفيسبوك  للناس اللي بتهتم بالظواهر الغريبة، دخلت وكتبت قصتي هناك.

وبعد كام ساعة وصلتني رسالة من حد اسمه الباحث. وقالي إنه يعرف عن الوشوم دي، وإنه ممكن يساعدني.

ظبطت معاه ميعاد واتقابلنا على قهوة في وسط البلد، شاب عادي جدًا وملاحظتش عليه أي حاجة غريبة، وقالي إن الوشم اللي عندي هو فعلًا باب، وإن الراجل اللي عمله ليا بيستخدمني كبوابة لكائنات من عالم تاني.. فسألته عن حل، فكمل وقالي إن فيه طريقتين: يا إما استسلم للموضوع ده، يا إما نقفل الباب قبل ما حاجة كبيرة تعبر منه، ونشيل الوشم بالكامل، وده هيتطلب إزالة الجلد نفسه.

طبعًا الاختيارين أسوأ من بعض، سرحت شوية وأنا بضرب نفسي بالجزمة على اللي عملته في نفسي، بس هو رجع قالي:

ـ في حل تالت.

ـ إيه هو؟

ـ نحاول نقفل الباب ده بالطلاسم

ـ إزاي يعني؟

ـ يعني نعمل طقوس معينة، ونرسم رموز حماية حوالين الوشم.

ـ أنت بتعرف في الحاجات دي؟

ـ مجربتش قبل كده، بس أهو حل أهون من الاتنين التانيين.

كلامه صح، أهو فعلاً أحسن من الحلين التانيين، قبلت ومشينا روحنا كذا مكان عشان نجيب الطلبات، اللي هو قالي إننا هنستخدمها في الطقوس، وبعد ما خلصنا روحنا شقتي، وبدأنا نجهز للطقوس. جاب أعشاب غريبة وزيوت وشموع، وبدأ يرسم دايرة على الأرض، ويرسم رموز غريبة حواليها.. وقالي إني أقعد في نص الدايرة، وهو بدأ يردد كلام غريب بلغة مفهتمش دي إيه.

 وبدأ يدهن الوشم بزيت أخضر غريب، وهو بيردد الكلام ده.. وفجأة حسيت بألم شديد في الوشم، كأن فيه نا.ر بتو.لع فيه.. وبدأ الوشم يتحرك بعنف، والخطوط بت

تموج بسرعة..

 وفجأة خرج من الوشم دم أسود تخين، فضلت أصرخ من الوجع، بس الشاب قالي ساعتها وهو بيهديني، إن اللي بيحصل ده معناه إن الطقوس بتنجح. 

واستمر في القراءة، والدم الأسود استمر في الخروج، لحد ما بقى بركة صغيرة على الأرض.

وساعتها حسيت براحة كبيرة والألم راح، والوشم بطل يتحرك. بصيت عليه لقيته بقى باهت، كأنه وشم قديم عمره سنين.

الشاب في الوقت ده قالي إن الباب اتقفل، وإن الشيطان اللي جوه الوشم مابقاش موجود، وإني لازم أعمل وأكثف جلسات الليزر وأشيله، وأصلي وأواظب على الصلاة عشان التأثير ميرجعش نهائي.

الشاب بعد ما قالي كده قام مشي، وأنا كنت مرهق جدًا مقدرتش ألحقه، أنا حتى ساعتها نسيت أسأله على اسمه الحقيقي.

والنهارده أخيرًا شيلت الوشم نهائي، بعد سنتين من الجلسات والوجع والألم، وكمان خلال المدة دي ماسيبتش فرض، ولا نسيت الشاب ده نهائي.. وحرمت أعمل حاجة زي كده تاني نهائي.

تمت..