رواية منيفة كامله جميع الفصول بقلم فاطمه النعيمي
في الريف كما في الشرق كله
تعمل المرأة فيجني الرجل.
تحمل المرأة فيتباها الرجل.
تربي المرأة الولد والبنت فيزوج الرجل ابنتها وياخذ مهرها ليتزوج به امراة اخرى.
ويعمل ابنها ليضع المال في يد ابيه
وتبقى المرأة ذلك الكائن الذي يتم استهلاكه باستمرار حتى يفنى دون عناية أو اهتمام من اي احد غير الله.
رواية منيفة تصوير دقيق لحياة سيدة ريفية
عاشت الظلم بكل انواعه
لكنها ابت ان تتخلى عن ابنائها فصمدت صمود الابطال
ونصرها الله سبحانه وجعلها علم فوق رؤؤس الاشهاد
بتوفيقهُ ورحمته وبركته
وبقوتها واصرارها على الوصول للهدف النبيل.
وقصة منيفة هي القصة الأولى من سلسلة قصص
كتابي القادم بعون الله
والذي عنونته
{ قسمة ونصيب}
ارجو من الجميع المتابعة والتعليق بين الفقرات
والتصويت لان التصويت يرفع القصة
ارجو دعمكم لطفا وليس امرا
فاطمة محمد علي النعيمي
#منيفة الجزء الاول من سلسلة قسمة ونصيب
#الفصل الاول
(منيفة يأبنتي لتكن فرحتك خفية كي لاتتكدر
وتصبح دموعك سيول تغرقك )
في باص الخشب......
في ذلك الصيف الساخن من العام ١٩٦٠
صعدت السيدة منيفة ذات الاربعين عاما الى ذلك الباص الخشبي الذي كان يسميه الناس
(باص الخشب او دگ النجف )(1)
لتذهب للموصل.....
وقفت في الباص بثيابها الريفية المغبرة وعلى راسها عبائة سوداء تأكلت اطرافها وبهت لونها وتم ترقيعها في اكثر من مكان
لكنها رغم كل شي كانت"
عطرة الحضور
تفوح منها رائحة القرنفل الرطب من
تلك القلادة
التي تعلقها على رقبتها
وحين تتعرق
تبتل حبات القرنفل فتفوح منها رائحة القرنفل الممزوجة بعرق الانثى المميز
والذي يفوق عطره اي عطر
يشبه الى حد بعيد رائحة زهور اللوز في الحقول الجبلية في شمال العراق
ففي ذلك الزمن كانت عطور النساء المدللات هي
الخضيرة والمحلب والقرنفل وورد الجوري المجفف
ولم تكن منيفة مدللة
لكنها كانت تعمل في شك حبات القرنفل بعد نقعه بالماء ليلة كاملة مع الخرز الملون لتصنع قلائد القرنفل وتبيعها لنساء القرية
وتسد بعض حاجات بيتها الضرورية جدا
وتصنع من بقايا القرنفل قلادة لنفسها ولأبنتها أمينة
وكذلك تخيط ال(چنف)(2) من بقايا القماش الملون
وتحشوه بمسحوق الخضيرة والمحلب والقرنفل وورد الجوري المجفف
وتصنع منه ال(المجند)(3)
وقفت وتلفتت تبحث عن مكان تجلس فيه فلم تجد
مشت داخل الباص حتى وصلت آخره...
كانت كل كراسي الباص مشغولة،
هناك من جلس واجلس ابنه او زوجته.
وهناك من وضع جنبه عدد من الدجاج قد ربط اقدامهن مجتمعة لبعضها بشريط من قماش مزقه من ثوب قديم لا لون له ليذهب بهن للموصل ويبيعهن في السوق ثم يشتري حاجيات
اهله ويرجع في آخر النهار،
وهناك أمراة جالسة وفي حظنها طفل قد لفته بعبائتها جيدا كي لاتراه أمراة محرومة من الأطفال وتصيبه بالعين.
بينما تجلس قربها فتاة صغيرة تمسك صرة ملابس .
حين لم تجد منيفة مكان تجلس فيه .....
ذهبت وجلست على ايطار السيارة الاحتياط الملقى في آخر السيارة .
لم تستطع ان تطلب من احد ان ينحي دجاجه او اغراضه عن الكرسي جنبه كي تجلس عليه لعدة اسباب،
أولها...كان اغلبهم من الرجال وكانت منيفة جميلة جدا رغم اخفاء نصف وجهها تحت ملفعها الاسود الذي تلف به راسها وتربط فوقه (الكيش)(4) قصير(الربض)(5)
والمراة في الريف في ذلك الزمن وليومنا هذا تخشى اي كلمة قد تقال عنها او اي تصرف قد يُفهم خطأ
مثل ان يظن الرجل انها تريد الجلوس قربه لتفتح له
الطريق لمغازلتها.
اما السبب الثاني....
هناك ذل قد نما داخل منيفة جعلها ترى ان اي راحة ليست من حقها
وانها يجب ان تكون ذليلة في كل حركة
{فالانسان لايطلب
الا مايعتقد ويؤمن ان مايطلبه هو من حقه}*
ولكن كيف لأمراة مثلها سُلبت منها الحياة رغما عنها
ان تعرف ان لها حقوقا وانها مطالبة شرعا وقانونا ان تدافع عن حقها في الحياة
اما ثالث الاسباب....
هي ترى ان مجرد الجلوس نعمة كبيرة في اي مكان كان لايهم ،
المهم ان تجلس فهي منذ ان وعت على هذه الحياة وهي تنهض قبل الفجر لتكدح وتعمل بلا توقف حتى ينتهي النهار لتنام بعد صلاة العشاء مباشرةً
لتنعم ببعض الراحة وتستعد ليوم جديد.
سارت السيارة متجهة الى الموصل
كان صوت السيارة حين تحركت
كنهيق حمار يبحث عن انثاه
كان الطريق طويلا والسيارة لاتمشي اكثر من 60 كيلو في اقصى سرعتها رغم ان سائق السيارة لايسوق اكثر من سرعة 40 كيلو في الساعة
لكثرة المطبات في ذلك الطريق الذي يربط الموصل بسوريا والذي مضى على انشائه زمن طويل
وانشغل حكام العراق حينها بالصراع على الحكم واهملوا ذلك الطريق الحيوي والذي يسميه الناس
(درب الشام)
لهذا كان الطريق مرهق وجلستها على الايطار مرهقة اكثر .
اسندت ضهرها على ظهر آخر مقعد في صف الكراسي يسار السيارة
حاولت ان تغمض عينيها لترتاح قليلا
فهي قد صحت من قبل الفجر وسارت مسافة اربعة كيلو من قريتها حتى تصل للشارع ،
التفتت الى جدار السيارة الداخلي اسندت يدها على جدار السيارة ومالت بجسدها الى الجدار الخشبي لتغفو على يدها قليلا على تلك الحركة الرتيبة التي تاتي بالنعاس من قعر الدماغ
لكنها حين ضغطت على الخشب بكوعها قفزت السيارة من فوق مطب جعل كوعها ينغرز في جدار السيارة المهتري
فأحدث كوعها فجوة
حين نظرت لتلك الفجوة
شعرت بالخجل وتلفتت حولها لترى هل رأها احد
كان الجميع منشغلون بانفسهم
منهم من غفى ومال برأسه على احد كتفيه يتأرجح على حركة السيارة
ومنهم من كان ينظر من نافذة السيارة لتلك القرى الصغيرة المتناثرة على جانبي الطريق،
ومنهم من كان ينظر للامام
فرجعت منيفة بسرعة
تحاول ان تعيد قطعة الخشب لمكانها كانت السيارة من الداخل مغلفة بخشب اقل سمكا من الخشب الخارجي
دفعت اصبعها في تلك الخسفة تحاول ان تسحب قطعة الخشب حين دفعت اصبعها سقطت كتلة من الاعلى واصطدمت باصبعها واستقرت عليه
في ذلك التجويف مابين غلاف السيارة الخارجي والداخلي
كانت كتلةً ثقيلة ملفوفة بقماشٍ عتيق مُترب
مدت سبابتها وابهامها الثاني وامسكت بطرف القماش واصبعها الاول مازال يمسك بالكتلة كي لاتسقط للأسفل
حاولت سحبها كانت الفتحة اصغر من حجم الكتلة
دفعت الخشبة للخلف، اتسعت الشقوق كجرح قديم. انزلقت الصرة إلى كفها -
غريبة الثقل،
غامضة الملمس -
حاولت فض الصرة
فأخفقت عن فضّ عُقدتها المتشبثة كيأسها.
تلمستها
أتراها حجاباً كان مُعلّقاً في مرآة عروس؟ أم سِحراً دفيناً كالذي وجدته عائشة جارتها تحت وسادة زوجها؟ ربما... لكن ثقلها الغريب ينفي ذلك كله.
ألقتها في عُبها، عائدةً لصمت الباص ذو السير الرتيب
واغلب ما خطر ببالها ان يكون فيها ربما حجاب او سحر او سرة طفل
تضعها الام في صرة قماش مع بعض الحصى وتلقيها في سيارة جديدة تتفائل بان يمتلك طفلها في المستقبل سيارة مثلها ذات يوم
وان يصبح مميزأ كثيرا بين اقرانه اذا استطاع ان يقود سيارة .
.......
لكن ثقل الكتلة جعلها تفكيرها يذهب لشيء آخر
قالت لنفسها
-ربما هو رصاص
وتذكرت
جارتها أم حسين
حين ارادت ازالة العين عن طفلها
حين ارسلت اليها لتساعدها
بمسك طشت فيه ماء
وتضعه فوق راس حسين
وجائت ابنتها تمرة
بمكنسة طرفة
وفردت عيدان مكنسة الطرفة بيديها فوق الطشت وصبت أم حسين الرصاص المذاب فوق المكنسة ليتفرق ويسقط في الماء
وتشكل اشكالا مختلفة
فجمعت أم حسين الرصاص المتشكل
وارسلت
الى ام طحيمر فهي عارفة بتفسير تلك الاشكال الساقطة في الماء
حين جائت وجلست عرضت أم حسين على ام طحيمر تلك القطع الصغيرة من الرصاص المتشكلة اشكال مختلفة
وطلبت منها تفسيرها
فنظرت أم طحيمر نظرة عميقة وشهقت وقالت....
(شوفي يولي شوفي شوفي والله هاذي دلاعة حرمة خالد الاجرب شوفي هيانها وهاذي بطنها الچبيرة وشوفي شوفي هاذي انعجتها)
_انظري يامسكينة لهذا الشكل
واضح انها دلاعة زوجة خالد الأجرب
انظري كيف ان بطنها كبيرة تشبه بطن دلاعة وطولها وطريقة وقوفها
وهذه نعجتها التي تقودها كل يوم للمرعى
صدقت منيفة تفسيرات أم طحيمر
وكذلك صدقت ام حسين
وهي تضرب صدرها بيدها وتسب دلاعة بابشع السباب وتدعو عليها دعاء تخشع له القلوب
وقالت بقهر
-هي نعم هي دلاعة
لقد مرت قبل مدة من امام بيتي وقالت
لولدي حسين
-لما لاتذهب وتستحم وتغير ثوبك الوسخ هذا
فانت ولد جميل لكنك قذر الوجه والثياب.
أنها دلاعة(6) فعلا
وجمعت ام حسين الرصاص ووضعته في صرة وربطته بقوة وذهبت الى البئر القريب عند حافة الجبل والقته في البئر
رجعت منيفة من خواطرها .....
على صوت ذلك الرجل الذي كان يجلس في
مقدمة الباص وهو يقول صارخا بمحدثه
(مايصير مايصييير ايبوگ ويضرب ولازم نصالح)
فهمت منيفة ان هناك مشكلة قد حصلت في قريتهم
وتركتهم ومدت يدها الى صدرها واخرجت تلك الصرة وقالت في سرها
-قد استفاد من هذا الرصاص
فقبل مدة احتجت بعض الرصاص كي اكسر العين التي اصابت ابنتي حسنة
وبحثت في كل مكان عن القليل من الرصاص ولم اجد
وهذه كمية رصاص كبيرة تكاد ان تكون ملء قبضة يدي
ساستفاد منها حتما لمثل هذه الامور،
((عندما تجد المراة نفسها مسؤولة عن اسرة وهي وحيدة ليس لها معين ولاتملك اي شيء
تصبح حريصة حتى على التقاط خيط صغير تجده في طريقها لتخيط به فم كيس حنطة او عدس))
لهذا القت منيفة تلك الصرة في عُبها مرة اخرى
ورجعت الى تلك الخسفة وسحبت قطعة الخشب الى اخر قدر ممكن
و حين انتهت ونظرت الى الجدران الداخلية للسيارة وجدت الكثير من الخسفات فقالت لنفسها
_يبدو ان البطانة الداخلية للسيارة مهترئة واستوجب تجديدها
واسندت يدها الى الجدار ووضعت راسها على يدها
وسرحت بافكارها بعيدا
وهي تستعيد بذهنها
كيف اخرجها زوجها هي واطفالها الاربعة من بيته والقاها خارجا وقال لها
_(انقلعي عن راسي انتي وعجاياچ ماريد شوفة وجهچ)
-ابتعدي عن سمائي انت واطفالك لا اريد رؤية وجهك.
يومها لم تستطع ان تذهب الى اي فرد من افراد اسرة زوجها لتطلب مساعدته
فهي المنبوذة الملعونة اخت القاتل الذي قتل ابنتهم ذات يوم .
ولم تستطيع الذهاب الى قرية اهلها على الضفة الاخرى من النهر.
تذكرت......
كيف فرض عليها ابوها حين ذهبت اليه قبل ذلك اليوم بسنوات ان تترك طفليها لزوجها اذا ارادت الرجوع
بعد ان يتنازل عنها زوجها امام الناس
كي يحرر نفسه من ذلك القيد الذي الزمه العرف السائد بين الناس ان يدفع ابنته زوجة لأخ تلك الضحية التي قتلها ابنه الكبير ذنون ومايطلق عليها عرفا
(فصلية)
يومها رفضت منيفة ترك طفليها
ورجعت لزوجها ذليلة وصبرت سنين اخرى انجبت خلالها طفلين آخرين
وانتهى بها المطاف ان طردها زوجها هي واطفالها وتزوج باخرى بعد ان استنزف ثلاث عشر عاما من حياتها ونهب جهدها من تربية الابقار
كي يتمكن من بيع ما انتجته هي بيديها من حلال ويتزوج به امراة اخرى.
غفت منيفة على حركة السيارة البطيئة
حلمت احد تلك احلامها التي تلازمها منذ مدة
حيث ترى نفسها فوق قمة جبل عال وهناك نور يشع من وجهها فينتشر نورها في تلك الهضاب والوديان
صحت على لحظة وقوف السيارة وصوت احدهم يقول
-هيا اخوتي وصلنا
نهضت من جلستها المتعبة ونزلت من السيارة
في گرلج باب سنجار وذهبت الى باب الطوب ثم الى سوق الصاغة وعرضت مصاغها للبيع
حصلت على عدة عروض اختارت افضلها وباعت ماتبقى من مصاغها الذي كان
تراچي (10)وخناگية(11) لايتجاوز وزن الاثنين خمس مثاقيل
كانت السيدة منيفة تعرف كيف تبيع وتشتري
كانت ذكية اكثر من اقرانها
واخذت النقود وربطتهن بمنديل احكمت ربطه جيدا ووضعته في عبها
وعادت الى السوق واشترت خسافة(7) تمر كاملة واخذت بعض السكر والشاي واشترت لابنتها امينة طول هباري(8)
كانت قد وعدتها به منذ عام تقريباً
واخذت نعالاً من الجلد لولدها عبدالله وكذلك اخذت له حزام واشترت لنفسها قصص وروايات عراقية كرار صلاح علك مي ذلك العلك ذو النكهة المميزة والذي كانت تستلذ بعلكه مع الشاي
كما انها اخذت ثوباً لابنها حازم ولعبة من البلاستك لصغيرتها حسنة ذات السبع سنوات
وبقي عندها اكثر من ثمن البقرة التي ستشتريها من سوق البقر القريب من قريتها وربما ستجد بقرة في قريتها فربطت باقي المال بمنديلها جيدا ووضعته في عبها
ورغم ان السيدة كانت أمية لاتكتب قائمة مشترياتها
لكنها تذكرت كل حاجياتها الضرورية جدا فاشترتها
وذهبت الى گراج السيارات الذاهبة على ذاك الخط لترجع للقرية،
كانت قد اوصت عبدالله ان ينتظرها من بعد صلاة العصر على الشارع العام مع الحمار
كي يحمل اغراضها عائداً بها للبيت في قرية تل النمل
ركبت السيارة الواقفة في الگراج
هذه المرة جلست على ثالث مقعد في السيارة
وفعلا حين نزلت في المكان المتفق عليه رأت عبدالله ينتظرها فتلقاها بالترحاب وهو يبتسم لها كأنها قادمة من عالم اخر
وحمل اغراضها ووضعها على الحمار وانطلقا عائدين الى قريتهم
كانت أمينة قد خبزت العجين الذي عجنته أمها ليلا واعدت لأخوتها طعام الغداء
ونقلت الماء من النهر للبيت وطبت الجلة (9)
وغسلت المواعين على شاطيء النهر
وكنست الغرفة الوحيدة وفناء البيت واطعمت الكلب والدجاجات
وحتى منامات الاسرة نقلتهم الى سطح الدام
لكنها لم تفرشهم حتى تغيب الشمس تماما
حين وصلت امها
استقبلتها امينة بالترحاب وهي مبتهجة وحين التقطت الاكياس من على ضهر الحمار
اخذت تشمشم الاكياس
لتعرف مالذي جلبته امها من المدينة
أما حسنة الصغيرة فقد التصقت بأمها تشمشمها لتنعم برائحة امها الغالية لشدة شوقها لها
وجاء حازم يركض ليرى ما جلبته امه له
وجلست منيفة وفتحت الاكياس ووزعت الاغراض على اولادها حين
جلبت أمينة لأمها مغسلة الألمنيوم وابريق النحاس وصبت الماء لأمها
وغسلت الام وجهها وشربت واستراحت وقدمت أمينة لها الطعام الذي كان عبارة عن برغل وبيض مقلي
اكلت السيدة منيفة وهي تستمع لأبنتها امينة وهي تعدد لامها اعمالها طول اليوم
وقالت لامها ايضا
ان جارتهم سعدية اخبرتها ان ابو عبدالله (زوج منيفة)
قد اشترى لزوجته حجل ذهب ضلع الجاموس
(حجل ثقيل جدا)
وقد لبست زوجة ابيها
الحجل وخرجت تريه لنساء القرية متباهية بحب زوجها لها واهتمامه بها.
كانت منيفة تمضغ لقمة في فمها فتوقفت ونظرت الى ابنتها ثم اكملت المضغ وقالت بسخرية
(ميخالف عبن تستاهل)
-لامشكلة فهي تستحق
نظرت أمينة الى أمها مستغربة وقالت
(يمة ليش ابوية هجرنا هاي اكثر من سبع سنين ماطبلنا بيت عبالك نحنا ما ولدو
انتي سويتي شي غلط حتى يكرهچ هشكل)
-امي لماذا هجرنا ابي منذ اكثر من سبع سنوات
لم يدخل بيتنا ماذا فعلتي له كي يكرهنا هكذا
رفعت منيفة راسها ونظرت الى ابنتها بغضب وقالت..
(اش تگصدين بغلط ؟ ليش انتي مو عايشة معايا هم يوم غبت عن عينچ حتى اروح اسوي غلط)؟
-ماذا تقصدين بكلمة غلط؟ الاتعيشين معي هل رايتني بيوم غبت عن عينك كي اجد الوقت لافعل الغلط؟
ردت امينة تلك الفتاة ذات السابعة عشر من عمرها بخجل وقالت ..
(لا يمة لا اني ما اگصد الي فهمتيه اني اگصد
انچ بلچي نهار عصيتيه سويتلو شي)؟
-لا يا أمي لم اقصد مافهمتيه انما قصدت هل عصيتيه مرة او ازعجتيه
هدأت الام حين رأت خوف ابنتها
واستأنفت الطعام وقالت
وهي تقضم جزء من بصلة وقالت بأستسلام تام
(چم نوبة گلتلچ
اني فصلية
وامو چانت تكرهني كلما تشوفني تلعني وتتفل عليا وتگول
_بالله هاي الشكل الزفر جت امبدال بنتي غزالة الي چانت غزالة،
واني والله مدري اشلون سعلوة مثلها تخلف غزالة لكن صحيح القرد بعين امو غزال صحيح اني شفت غزالة بس چانت زقيرة وكل بنية أول ماتشب تصير حلوة
الله يرحمهم ما نگول غير شي).
-كم مرة قلت لك اني فصلية و ام ابوكِ كانت تكرهني
كانت كلما تراني تلعنني وتبصق علي وتقول
-بالله عليكم هل من الانصاف ان تاتي هذه القذرة البشعة بدل غزالة التي كانت غزالة فعلا.
والحقيقة انا مستغربة كيف لوحش مثلها ان ينجب غزال
صحيح انا رأيت غزالة لكنها كانت صغيرة حينها وكل فتاة تكون جميلة حين تصبح في مرحلة الصبا
لكن يبدو ان القرد بعين امه غزال
لانقول الا رحمهم الله جميعا .
صمتت منيفة قليلا ثم استأنفت قائلة
-أترين هذه الندبة على كتفي؟
(تلمس مكانًا تحت ثوبها)
هي أعمق من أن تكون جرح منجل ضربني به أبوك ذات يوم حين كنت احصد معه الحنطة في البرية
إنها بصمة أخي ذنون يوم قتل غزالة،
وصارت جدتك تناديني من يومها يا فصلية
حتى نسيتُ أن لي اسمًا آخر
شربت منيفة بقايا اللبن الذي كان في اسفل الطاسة
ومدت يدها الى عبها واخرجت صرة المال واعطتها لابنتها وقالت لها
-اخفيها في المكان الذي تعرفينه
اريد ان اتمدد قليلا لارتاح
ونسيت تماما امر الصرة التي وجدتها في جدار الباص ويبدو انها اندفعت بعيدا عن متناول يدها
وانسحبت للخلف وتمددت لترتاح قليلا
لكنها كانت تسترجع في ذهنها كيف اشترى زوجها حجل لضرتها بنفس اليوم الذي
ذهبت هي الى الموصل لتبيع( تراچي)(10)
(وخناگية)(11)
كان ابوها قد اشتراهم لها مع محبس وسوار كانت قد باعتهم سابقا لبناء هذه الغرفة
اشترى ابوها الذهب على سبيل ارضاء ضميره يوم زفافها ذلك الزفاف المشؤؤم،
وها قد باعتهم
لتشتري بقرة تنفق من منتوجاتها على اطفالها الاربعة
بعد ان تزوج زوجها من فتاة اخرى واهملها هي واطفالها في غرفة من طين في طرف بعيد من القرية
كانت تستعيد في ذهنها تفاصيل حياتها الكريهة
وكيف انسحقت كل احلامها السابقة بسبب ذلك الحادث المؤسف الذي انتهى بها هذه النهاية المريرة
يوم أن قتل اخوها ذنون
غزالة اخت زوجها وذهبت هي ضحية تلك المفاوضات
قبل ذلك اليوم بعشرين عام
ثم انتقلت بذاكرتها الى تلك الواحة التي تهرب اليها عبر وسادتها
ذلك المكان عند الشاطيء الذي كانت تجلس به هي وحاتم وتتحدث معه عن كل شيء
تلك البقعة المقدسة التي اطلق حاتم عليها اسم
جنة منيفة
واغمضت عينيها وهي تسمع تلاطم الامواج على ذلك الشاطيء مع كلمات حاتم التي كانت زادها الوحيد خلال العشرين سنة الماضية
...............
(1)باص الخشب او دگ النجف هي سيارة ڤالڤو
سويدية الصنع
يسميها الناس دك النجف
(2)الچنف هي قطعة من قماش ملون مربعة الشكل تطوى وتخاط بالابرة والخيط على شكل مثلث وتحشى بخليط من القرنفل والخضيرة وورد الجوري والمحلب
(3)المجند شريط من قماش مطوي على بعضه ويخاط بالابرة والخيط ويثبت عليه عدد من الچنوف ويلبس تحت الملابس من على الكتف الايسر وتحت الابط الايمن
(4)الكيش قطعة مثلثة الشكل من القطيفة السوداء الناشفة
(5)الربض عبارة عن خيوط من البريسم تشك على اطراف قطعة القطيفة ثم تبرم ليتكون في الاخير شكل من اشكال الزينة تربطه نساء الريف على راسها بطريقة معينة بعد ان تلف راسها بملفع اسود
(6)دلاعة هنا اسم سيدة وفي الحقيقة هي قطعة ذهبية تلبسها النساء في وسط رؤسهن وقد يسمي الناس بناتهم
على اسم بعض القطع الذهبية
(7)الخسافة سلة منسوجة من البردي كان يستخدمها الناس سابقا بدل الصناديق قد يكون وزنها خمس كيلوات او سبعة او عشرة كيلو
(8)طول الهباري نوع من الشالات يستعمل للف الراس وطرف منه يستعمل كلثام
(9)طب الجلة عملية تقوم بها نساء الريف
وذلك بجمع روث البهائم ووضعه في حفرة صغيرة تحفر عند طرف البيت ثم يتم نقعه بالماء ويعجن سوية ويعمل من هذه العجينة اقراص مقببة توضع على سياج البيت في الشمس ليجف ثم ينقل الى دام التخزين ليستعمل كوقود للخبز والتدفئة والطبخ في الشتاء
(10)تراچي وهي الاقراط تعلق في الاذنين
(11)خناگية نوع من الحلي الذهبية توضع على الرقبة
عند المخنق
{من بعض افكاري}*
2722 كلمة