رواية انتقام الوريثة الفصل الحادي عشر 11 بقلم اسماء حميدة


رواية انتقام الوريثة الفصل الحادي عشر بقلم اسماء حميدة


كانت تقف أمام المرآة تنظر إلى انعكاسها كأنها تحاول استحضار امرأة أخرى من طيات الزمان جمعت شعرها بخفة إلى كعكة بسيطة ثبتتها بمشبك ماس تلألأ كنجمة شاردة بين خصلاتها ثم ارتدت ثوبا أزرق سماويا وبدأت تغني كانت الأغنية مأخوذة من فيلم قديم صاخبة بنغمة تحمل بين سطورها شيئا من وجع غير معلن.

أما الجمهور... فكان آشر أخوها الذي استحق سماع صوتها بتلك الطريقة.

لم تكن بيلا تغني فحسب بل كانت تنفث من حنجرتها نغمة تحمل بين تردداتها حنينا عالقا بين صدرها والزمن.

نظراتها كانت كحكاية لا تعرف الخاتمة فيهما سحر لم يتلوث وصدق يؤلم عيناها وحدهما كانتا كفيلتين بجعل كل لحن يبدو كأنه يغنى لها وحدها.

وحين انقضى اللحن صفق آشر بحرارة تشبه اعترافا يقول بصدق

لا بأس! لقد علمتك سيليست جيدا لو كنا في زمن منقرض لفزت بقلب أمير دون حتى أن تطلبي ذلك!

ضحكت بيلا بخفة ثم نقرت بأطراف أصابعها على الطاولة وقالت بسخرية لاذعة في غلاف من النعومة

ومن قال إنني أرغب في أن أكون أميرة إن كان لي أن أختار لاخترت أن أكون ملكة... تحكم ولا تحكم.

ابتسم آشر ابتسامة فيها من العجز ما يليق بأخ رأى أخته تكبر كثيرا دون أن يلاحظ وقال

حسنا... زوجات والدنا الثلاث يعاملونك كأميرة فعلا.

خفضت بيلا عينيها فجأة كأنها صادفت شيئا داخليا لم ترغب في رؤيته ثم جلست بجانبه بهدوء وعلى وجهها ظل من الأسى.

كان قلبها يضطرب حزنا عليهن أولئك النسوة الثلاث اللائي كتب عليهن أن يكن في الظل دوما دون أن


يطفئ أحد عطشهن للاعتراف.

قال آشر وصوته يلامس حدود العتاب الحنون

بيلا لقد اشتقن إليك كثيرا خلال السنوات الثلاث الماضية كل واحدة منهن سألتني عنك... على انفراد كأنك سر لم يعد ممكنا الاحتفاظ به في القلب دون ألم.

رفعت بيلا عينيها ببطء وسألته بصوت خافت

وماذا قلت لهن

تنهد آشر ثم قال بنبرة تحمل أكثر من مجرد إجابة

عندما تركت المنزل والتحقت بمنظمة أطباء بلا حدود كنت أعلم أنك تفعلين ذلك بدافع الغضب... من والدنا.

ثم رفع ذراعه ووضع كفه على كتفها برقة لا تعرف القسوة وأردف بصوت خافت يوشك أن ينكسر

لكننا لا نملك التحكم في سلوك والدنا يا بيلا. الحقيقة القاسية أن لا أحد في هذا العالم معصوم من الخطأ.

ثم ابتسم بتلك المرارة التي تأتي حين يلامس القلب طيف الماضي وقال

حتى جاستن... الذي أحببته لسنوات والذي عشت معه ثلاث سنوات تحت سقف واحد... ألم تري عيوبه بعد

ارتجفت رموش بيلا ومال بصرها إلى معصمها حيث ارتكز سوار اليشم الذي أعطاه إليها الجد كأنها تستمد منه القوة أو الذكرى... أو ربما الخيبة.

أكمل آشر وقد غاص في جوهر المقارنة

الفرق الوحيد بين جاستن ووالدنا... أنك تستطيعين ترك جاستن أما أبي فصلة الدم لا تنفك لا مفر من الارتباط به فبما أنك لا تستطيعين قطع تلك الصلة لم لا تحاولين تقبله كما هو

ثم استدار نحوها بكامل جسده كأن ما سيقوله الآن يحمل قسما

هو يحبك كثيرا يا بيلا... صدقيني. وزوجاته الثلاث كن دوما طيبات. ظللن محافظات على البيت على النظام على تلك الروح

التي رحلت برحيلك لم تكن أي منهن متغطرسة أو جاحدة... لقد رأيت ذلك بعيني.

لكن ما لم يكن يعلمه آشر أن بيلا قد سامحتهن جميعا منذ زمن بعيد بصمت لا يحتاج اعترافا وعاطفة لم تطلب تصفيقا.

بعدما انتهى إيان من تضميد جرح جاستن انسحب بهدوء من الغرفة تاركا وراءه صمتا أثقل من الألم ذاته.

جلس جاستن للحظة يضغط على صدغه كمن يحاول انتزاع الألم من جذوره فرأسه يئن من الصداع لكن ما أضناه أكثر كان صورة روزاليند وهي تصرخ بعينين دامعتين وتكسر الأشياء بغضب غير مبرر.

روزاليند... تلك الفتاة التي خزن صورتها في قلبه كرمز للسكينة باتت الآن تفتك بتلك الصورة بهياج غريب عنه.

تنهد جاستن بأنفاس تعبت من اللهاث خلف ما لم يعد موجودا وهمس لنفسه

الناس يتغيرون... لا بد وأنها أصبحت كذلك.

لكن الحقيقة الأكثر وطأة هي أن روزاليند لم تكن مجرد امرأة في حياته كانت حبيبة طفولته النور الوحيد الذي تسلل إلى عتمته في أشد أيامه سوادا كان مهووسا بها... لا كان أسير حب لا يعرف الفكاك لذلك أصر أن تكون له زوجة مهما كلفه الأمر.

قاوم أوجاعه تناول القلم ووقع بضع أوراق دون تركيز وعيناه لا إراديا استقرتا على تلك البدلة الأنيقة الملقاة على الأريكة.

نهض ببطء والتقطها يتفحصها عن قرب كان ملمسها فاخرا والتفصيل دقيقا حد الإبهار.

غامت عيناه بغيرة لا يعلم سببها فحتى بالرغم من أن قامته تماثل قامة آشر تومسون إلا أن كتفيه أوسع وصدره أقوى لكنه متأكد أن البدلة كانت تناسبه لا آشر كما لو أنها خيطت لأجله

تحديدا.

بشعة. قال ساخرا كأن لسانه يكذب قلبه.

ومع ذلك لم يقاوم بل خلع عنه ما يرتديه وبفضول قرر أن يجربها ثم وقف أمام المرآة الكبيرة يمد ذراعيه ونظر إلى انعكاسه بحاجب مرفوع بانبهار لقد القماش جسده كما لو أنه يعرفه كانت القطعة راقية توازي ماركات عالمية بل تفوقها حسا.

غريب... كيف لفتاة من الريف أن تملك هذا الذوق همس جاستن بدهشة متوجسا.

فجأة قطع صوت الطرق على الباب أفكاره ودخلت ويلما مربيته العجوز التي رافقته كما لو كانت أمه وهي تحمل كوبا من الحليب الدافئ.

قالت ويلما بابتسامة مشعة

جاستن أخيرا ارتديت البدلة التي صممتها لك السيدة الشابة! ستفرح كثيرا حين تعلم ذلك!

رمش جاستن بذهول وكأن شيئا ما اهتز في قلبه وسألها متفاجئا

ماذا قلت ويلما أي سيدة تقصدين

ضحكت ويلما بوقار

أليست هذه البدلة من صنع السيدة آنا لقد اشترت القماش منذ شهر وطلبت مني أن أبقي الأمر سرا... قالت إنها هدية عيد ميلادك!

تجمد الزمن.

هدية ولكن عيد ميلادي لا يزال بعيدا...

ارتبك صوته وتبعثرت كلماته كأنها فقدت طريقها.. وفجأة قطب حاجبيه وقال بحدة حاول أن يخفي بها شتاته

ويلما أعلم أنك قريبة من آنا... لكنها رحلت لذا فلا داعي للولاء لمن لم تعد جزءا من هذا المكان.

رفعت ويلما عينيها إليه بنظرة تجمع بين حنان العمر وصرامة الحقيقة

يا سيدي لقد رأيتك تكبر أمامي وإن كان لي أن أختار ولائي في هذا البيت فسيكون دائما لك لكن هذا لا يعني أن أنكر من وهبتك شيئا من قلبها بصمت.

اقتربت ويلما بخطاها

الهادئة حيث يقف جاستن وظلت تحدق في صورته المنعكسة على

 


سطح المرآة... لم تر فقط رجلا وسيما يرتدي بدلة متقنة الخياطة بل رأت قلبا يتخبط في أعماق من الحيرة والخذلان.

قالت بصوت مملوء بالحكايات غير المنطوقة

السيدة الشابة... لم تشأ أن يصنع هذا الرداء على عجل. كانت تغزل فيه مشاعرها غرزة غرزة تختار القماش كمن ينتقي ملامح الحلم والأزرار كما تنتقي الأم أسماء أبنائها وتصمم الخياطة وكأنها تحيك لك قلبها.

توقفت للحظة تتأمل وجهه المتجمد في الصمت ثم أضافت

لم يكن لديها وقت كثير كانت تنسل من بين مهامها اليومية لتعمل على الخياطة لتخفي هذا السر الصغير في خزانتها... خافت أن تكتشفه قبل أن يهدى إليك.

شعر جاستن وكأن طعنات خفية تخترق صدره شيئ في داخله انكسر... اتسعت عيناه بدهشة خرساء وكأن الحقيقة باغتته بسكينها المبطنة بالحنين.

تابعت ويلما مشيرة برفق

إن لم تصدقني انظر إلى التفاصيل واسمك مطرز بخيط رفيع من الوفاء داخل ياقة السترة.

بغتة وكأن المشهد قد تجاوز احتماله نزع جاستن السترة عن جسده وألقاها على الأريكة وكأنها تحترق أو كأنها تحمل جمرا من الذكريات التي تؤلمه أكثر مما تواسيه.

زمجر ببرود ظاهر يخفي وراءه عاصفة مشاعر

لقد افترقنا وانتهى الأمر لا يعنيني ما فعلته عودي إلى غرفتك واستريحي.

نظرت ويلما إلى عينيه ونظراتها تفيض بعتاب الأم الموجوعة وقالت

سيدي... لم تطلب الطلاق من السيدة الشابة لقد كانت لك زوجة مخلصة عاشقة في صمتها وفية

حتى في غيابك.

ضحك جاستن بسخرية ضحكة لا تحمل مرحا بل مرارة متراكمة

مخلصة 

شهقت ويلما وقد انكمشت ملامحها في دهشة مؤلمة

لا! السيدة الشابة لن تفعل هذا أعرفها جيدا!

همس جاستن كمن يتحدث إلى شبح من خيبته

يستغرق الأمر وقتا حتى تري ألوان البشر الحقيقية كنت أظنها تحبني هل كانت تخدعني طوال هذا الوقت هل كانت تنتظر أن أقع في حبها بينما تخطط للفرار! هل كنت بتلك السذاجة

وضعت ويلما يديها على السترة بحنو وبدأت تطويها فصرخ جاستن

أرجوك توقفي عن الدفاع عنها.

نظرت إليه وهي تشعر أن كلماتها تخرج من قلب أم لا من فم خادمة

سيدي الشاب... قد لا ترى الأمر الآن لكنك ستندم ستندم يوما حين تكتشف أنك كنت تطرد الحب من عتبتك بيديك.

استسلمت بيلا لفراشها راغبة في أن تغفو أكثر لكن ساعتها البيولوجية أصرت على انتزاعها من دفء السكون عند وقت مبكر.

ذلك الوقت الذي كانت تستيقظ فيه دوما لتعد الإفطار لل سلفادور لكنها اليوم... لا طعام يطهى ولا أبخرة تغرق ملابسها ولا وجوه تنتظرها على المائدة. لقد خلعت عنها قيد العائلة ولفظت سلاسل الالتزام بقبضة الطلاق فكأنما اعتقت روحها من سجن بلا مفاتيح.

دخلت الحمام كأنها تدخل حياة جديدة خرجت منه مرتدية زيا رياضيا ضيقا يعانق قوامها النحيل كأنه خلق له.

شقت طريقها إلى البحيرة التي في الفيلا من الخلف وهناك وقفت على لوح التزلج وجسدها يلامس الريح كعصفورة تسترد

جناحيها بعد موسم من الكسر.

كانت البحيرة ساكنة كالزجاج تحيط بها الأزهار من كل صوب والطيور تغني للحرية.

شقت سطح الماء بجسدها الرشيق تاركة خلفها تموجات صغيرة كأنها توقع على صفحة الهدوء اسمها الجديد بيلا الحرة.

وحين انتهى تمرينها عادت لتناول إفطارها ثم اغتسلت من جديد وتأنقت بنشاط يخلو من الإجبار.

عندما هبطت درجات السلم كأنها تنزل من سماء بعيدة بعينيها اللامعتين وبشرتها المتوهجة صففت شعرها الطويل بعناية وأطلقت عليه بعضا من عطر أنوثتها ثم وضعت مكياجا جريئا يظهر لا يخفي.

ارتدت فستانا أحمر من الدانتيل ينثال من معطف أسود طويل فبدت كمشهد مسرحي مكتمل العناصر لا يحتاج إلى جمهور ليصفق ساقاها الطويلتان مشدودتان كخيوط قوس على وشك أن تطلق سهام الدهشة.

توقف ستيفن عند أسفل الدرج وحدق بها كأن الزمن توقف.

نقرت بيلا بأصابعها أمام وجهه وقالت بابتسامة ماكرة

هيا... امسح لعابك ستيف.

احمر وجهه خجلا.

آنسة بيلا... تبدين فاتنة هذا اليوم.

هزت رأسها في مزاح ساخر

ستيف أنت السكرتير الأول لآشر... أرجوك لا تبد كمراهق يتلعثم كلما لمح امرأة جميلة.

ثم خرجت يرافقها صدى خطواتها وركبت سيارة رولز رويس سوداء أقلتها إلى فندق KS World.

دخلت المطعم المرفق بالفندق دون سابق إنذار تتقدمها هالة من الجاذبية لم يتجرأ أحد من الموظفين على رفع بصره كأنما مرت بجوارهم عاصفة من الهيبة فقد تعلموا الدرس

البارحة فصاروا يدبون كأنهم على أرض من زجاج.

كانت الأرض الرخامية تلمع كمرآة والطاولات مهيأة بعناية لا تشوبها شائبة.

تفقدت بيلا المكان بنظرة خبيرة ومن ثم أصدرت بعض التعليمات وها قد عادت إلى مكتبها.

قالت بيلا مخاطبة ستيفن وهو يتبعها إلى الداخل

لا حاجة لبقائك عد الآن إلى السيد آشر.

لكنه ابتسم بغموض وأردف

في الحقيقة... قال السيد آشر إنني سأكون سكرتيرك الخاص من الآن فصاعدا.

اتسعت عيناها الجميلتان قليلا وقد ارتسم على محياها مزيج من الدهشة والتهكم

هل تقصد أن الهدية التي وعدني بها آشر... هي أنت

أومأ ستيفن برأسه ببلاهة طريفة فتمتمت بيلا في سرها ساخرة

يا إلهي آشر حقا مبدع في انتقاء الهدايا... لقد أهداني بشرا هذه المرة!

ارتبك ستيفن من صمتها وقال

آنسة بيلا هل ترفضينني... لأني سكرتير غير مقيم

قطبت حاجبيها باستياء ساخر

ما هذا الهراء هذه تسمى خبرة عملية واسعة!

قهقه ثم أردف بمزاح

رائع إذا كل ما أتمناه هو أن تتعلمين مني وأتعلم منك ولن أطلب سوى زيادة بسيطة في الراتب!

رفعت بيلا ذقنها وأسندته على يديها وحدقت فيه بعينيها المخمليتين

إذا أحسنت سأجعلك ثريا فاحشا وإن أسأت... فستعاد إلى قائمة السكرتارية غير المؤهلة.

شهق ستيفن وسارع بتقديم تقريره

بناء على توجيهاتك أمس تم استبدال أغطية الأسرة الواردة من شركة علياء بأخرى أفضل جودة وأصدرنا أوامر فورية للفروع الأخرى لاستبدالها

خلال أسبوع.

وقبل أن ترد جاء طرق سريع على الباب... قطع خيوط اللحظة.

الفصل الثاني عشر من هنا

 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1