رواية احفاد المحمدي الفصل الثالث عشر بقلم ساره ياسر
كل خطوة بنخطوها ناحية حد، بنكون شايلين في قلبنا ألف سؤال...
هو حاسس بيا؟ هي بتحبني؟
طب لو خدت خطوة، هتبعد؟ ولا هتقرّب؟
وفي اللحظة اللي بنقرر فيها نواجه مشاعرنا، بنكون بدأنا أهم معركة...
معركة بين الخوف... والحب!
في الفصل الحادي عشر...
هتتقال قرارات، وهتظهر غيرات...
وهيبدأ كل حد يراجع قلبه:
هو فعلاً عايز إيه؟ ومستعد يخاطر بإيه عشان يوصل له؟
فخليكم مستعدين...
لأن اللي جاي هيكون نار وحنين، وقرارات مش هتتغير بسهولة.
****
في قصر المحمدي - جناح آسر
وقف قدام المراية، بيعدل ياقة قميصه، وعينيه مشغولة بتفصيلة واحدة:
الابتسامة اللي بدأت تستقر على ملامحه من يوم ما اعترف لملك، ولو نص اعتراف.
تمتم وهو بيبص لنفسه:
- "قولت اللي في قلبي خلاص... بس لسه المشوار طويل."
دخل عليه جاسر من غير ما يخبط، كالعادة.
- "إنت إيه يا ابني؟ عايش قصة حب ومش عايزنا نعرف ولا نشارك؟"
قالها وهو بيضحك ويقعد على طرف السرير.
آسر لفله بنظرة فيها سخرية محببة:
- "شارك إيه يا عم؟ ده أنا لسه ماخدتش رد!"
جاسر رفع حاجبه بفضول:
- "يعني اعترفت؟!"
آسر تنهد:
- "بالنص كده، قولت اللي في قلبي... بس قولتلها ما تردش دلوقتي."
جاسر حك شعره وقال:
- "ده انت شكلك بقيت خواجه رومانسي والله."
- "وأنت شكلك بقيت تنكّت على طول، يلا يا عم، بدل ما أرجعك صعيدي رسمي."
ضحكوا سوا، لكن كل واحد فيهم كان عنده اللي شاغله...
وفي اللحظة دي، دخل مراد، وراه زين.
مراد قال بصوته الجدي:
- "على فكرة، في حاجه مهمه... الجد عايز يجمعنا كلنا النهارده."
آسر استغرب:
- "فيه إيه؟"
زين قال وهو بيعدل ساعته:
- "الظاهر إنه أخيرًا قرر يفتح موضوع جوازاتنا."
سكتوا لحظة، وبعدين آسر قال بهدوء:
- "لو هنتكلم جد... أنا مش ضد، بس مش كل حاجه تمشي حسب دماغه."
جاسر بص له:
- "بس ما تنساش، أغلب اللي بيحصل في حياتنا... بيبدأ منه!"
**
في بيت الألفي - غرفة البنات
كانت جودي قاعدة على الأرض بتسرّح شعر سلمى، بينما ملك قاعدة على السرير وبصه في الموبايل، وسايحة في بحر تفكيرها.
جودي قالت بهزار:
- "ملك؟ إنتي فين؟!"
ملك فاقت على صوتها:
- "آه... هنا."
- "هنا إزاي؟! إنتي في عالم تاني خالص، مش من شوية قلتي مش عايزة أي حاجه من الرجالة؟"
سلمى ضحكت وقالت:
- "واضح إن المبدأ اتغير، ولا إيه؟"
ملك اتكسفت وبصت في الموبايل:
- "إنتوا فاضيين بس... آسر قال كلام كده... بس طلب مني ما أجاوبش دلوقتي."
جودي لمعت عينيها:
- "يا نهار أبيض... ده قال! طب قوليلنا إيه قال؟"
ملك ردت:
- "قال إنه من يوم ما شافني، وهو حاسس إني مختلفة... وإنه كل مره يقرب، يلاقي نفسه عايز يعرفني أكتر... وقال إنه عايزني بس مش دلوقتي، عايزني لما يكون جاهز ومستعد."
سلمى بصت لها بحنان:
- "وإنتي؟"
ملك:
- "أنا... قلبي بيرتاحله، بس خايفه... خايفه من العالم بتاعهم، من القسوة اللي شايفنها فيهم."
جودي ضمتها وقالت:
- "متخافيش، آسر مش زي الباقيين، ولو قرب بصدق... هيفضل يحارب عشانك."
وفي اللحظة دي...
رن موبايل سلمى، كان ياسين.
بصت في الموبايل وترددت، ثم ردت بصوت هادي.
- "أيوه؟"
ياسين:
- "جاهزه؟ أنا هاجي أخدك بعد ساعة، متتأخريش."
- "تمام..."
قفلت المكالمة والبنات كلهم باصين لها:
- "رحلة؟"
- "شكلها كده..."
بس جواها كانت حاسه إن النهارده مش يوم عادي.
**
في طريق الرحلة – بسيارة ياسين
سلمى قاعدة جنب ياسين، والهدوء مالي العربية. هي بتبص من الشباك، وهو كل شويه يبصلها بطرف عينه وكأن في كلام كتير جواه بس مش قادر يطلعه.
قطع الصمت فجأة وقال:
– "عارفه... أنا مبحبش ألف ولا أدور، وعمري ما كنت شاطر في الكلام."
بصت له باستغراب:
– "أيوه؟"
– "بس كل مره أشوفك... بحس إن في حاجه جوايا بتتغير. يمكن مش بعرف أعبّر، بس أنا حاسس بيكِ، وحاببك... من زمان."
اتخضت، وسكتت لحظة، قلبها بدأ يدق بسرعة، لكن قبل ما ترد، هو قال:
– "مش طالِب منك رد دلوقتي... بس كان لازم تعرفي."
وبعدها لفت وشّها ناحيته، وبابتسامة خفيفة قالت:
– "طب ممكن نبدأ نكون أصحاب؟"
ابتسم، وهو بيهز راسه:
– "نبدأ من هنا... وأنا هكمل الباقي."
**
في بيت المحمدي – بعد العشاء العائلي
كان الجد "رأفت" قاعد في الصالة الكبيرة، وباقي العيلة متجمعة. آسر، ياسين، زين، جاسر، والكل متأهب يسمع.
الجد قال بصوته القوي:
– "أنا شايف إن الوقت جه... كل واحد فيكم لازم يختار طريقه، ويحدد علاقته. مش لازم تبقوا نسخة مني، بس لازم تبنوا بيت يليق باسم المحمدي."
الكل بص لبعض، وكان واضح إن الرسالة موجهة ليهم كلهم.
زين قال بنوع من المزاح:
– "يعني نجهز بدل الفرح؟"
رأفت قال بابتسامة فيها حزم:
– "مش بعيد... بس المهم تكونوا جاهزين مش بس بالقلب، بالعقل كمان."
جده ضحك وقال:
– "أنا اتجوزت جدتكم من غير ما أقولها كلمة حب، بس لحد النهارده بنضحك ونحب كأننا لسه في أول يوم."
ضحكوا كلهم، لكن في عيونهم كان في تفكير… والقرار قرب.
**
في بيت الألفي
ملك كانت قاعدة في البلكونة، تفكر في كلام آسر، وأول مره تحس إن في أمل حقيقي، وإنها ممكن تكون جزء من عالمه، مش مجرد محطة.
جودي دخلت عليها بصينية فيها شاي وقالت:
– "أنا سمعت جزء من كلامكم في الغرفة... بس بجد؟ آسر؟"
ملك بتنهيدة دافئة:
– "أيوه... آسر. مش زي أي حد، في حاجه جواه بتطمني. يمكن عشان قال إنه مستعد يستناني... وده لوحده كفايه."
جودي قعدت جنبها وقالت:
– "أنا شايفه في عينيكي لمعة مشوفتهاش من سنين... هو يستاهلك يا ملك."
ملك ابتسمت، وشعرت إن حياتها أخيرًا بتاخد شكل مختلف... فيه حب، وأمل، وثقة.
وفي اللحظة دي...
وصلت رسالة على موبايلها من آسر:
"لو لسه بتفكري... فكريني بكرة، لأن يمكن أكون محتاج أسمع صوتك أكتر من أي كلام."
ملك ابتسمت، وبصت للسماء...
– "يمكن فعلاً يكون هو قدري."
ما لحقتش تكمل تفكيرها، لقيت تليفونها بيرن... آسر بيتصل.
ردت وهي بتحاول تظبط نبرة صوتها:
– "ألو؟"
– "كنت مستني أسمع صوتك... قررتي؟"
– "هو أنت مصدق نفسك؟ لسه قايل لي استني لما أقولك حاجه، ودلوقتي عايز رد؟"
– "ما أنا قولت خلاص، ودي خطوتي التانية."
– "آه يعني بتخطط من ورايا؟"
– "لأ... بس ناوي أعمل كل حاجه رسمي، وقلت أبدأ من عندك."
سكتت لحظة، قالت بخفة دم:
– "آه، ناوي تيجي البيت ولا هتبعتلي بوكيه ورد ورساله تقول فيها "تقبلي طلبي؟""
ضحك وقال:
– "هقولك حاجه… جهزي نفسك، لأن أنا جاي بكرا مع أهلي."
اتجمدت مكانها:
– "إيه؟!"
– "زي ما سمعتي... هنتقدملك رسمي، وعايزك توافقي من أول مرة."
– "طيب و... وماما؟"
– "أنا كلمت بابا، وهو هيكلم والدك، كل حاجه ماشية، بس أنا كنت محتاج أسمع صوتك الأول... تطمن إني مش ماشي لوحدي."
– "مش هتكون لوحدك... بس أنا متوترة."
– "خلي توترك عليا، إنتي بس خليكِ معايا."
قلبها بدأ يدق بسرعة، ونبضات الحب اتغلفت بخجل البنات وفرحة المفاجأة... ملك كانت مش مصدقة اللي بيحصل، لكن جزء منها كان مستني اللحظة دي من زمان.
بعد ما قفلت، جودي دخلت وقالت:
– "إيه الصوت العالي ده؟ حد مات ولا اتجوز؟"
ملك وهي بتحاول تخبي الفرحة:
– "جايين يتقدمولي..."
– "إيه!؟"
– "بكرا... رسمي."
جودي قعدت تصرخ وتضحك وتعيط في نفس الوقت، والفرحة ملت البيت.
**
في قاعة الجلوس الواسعة بقصر المحمدي، كان آسر قاعد على الكنبة بإيديه المشبوكتين، وبص على التلاتة التانيين قدامه… جاسر بيشرب قهوته بهدوء، زين بيقلب في موبايله، وياسين باين عليه زهقان.
قال آسر وهو بيعدل جلسته:
– "بصوا، أنا قررت... هنتقدملها رسمي."
زين رفع عينه من على الموبايل:
– "هي مين؟"
آسر:
– "ملك."
ياسين ضحك ضحكة خفيفة:
– "أهو العيل اتربى!"
آسر بص له بحدة:
– "خليك في نفسك يا ياسين، أنا بتكلم بجد."
جاسر قال وهو بيهز راسه:
– "يعني قررت تلبس الكلبشات؟"
آسر ضحك:
– "واضح إنكوا نسيتوا إن أنا الوحيد اللي لحد دلوقتي علاقتي مش داخلة في دراما ومشاكل."
زين قال بخبث:
– "استنى عليها أسبوع، هتشوف الدراما بعينك."
آسر اتنهد:
– "أنا عارف أنا بعمل إيه، والبنت دي مختلفة... وقراري نهائي، أنا كلمت بابا، وهو موافق، وبكره نروح رسمي."
جاسر رفع حواجبه:
– "طب والليلة؟ لازم نعملك حفلة وداع قبل ما تتحول لواحد من الكائنات المتزوجة."
آسر ابتسم:
– "لو على الحفلة... خلوها بعد ما توافق."
ياسين قال ببرود ساخر:
– "إحنا نعمل حفلتين، واحدة لك، وواحدة لما تسيبها."
آسر قام وقال بابتسامة واسعة:
– "اتعودت على غتاتك، بس المرة دي هتتفاجئوا... لأني ناوي أعيش معاها قصة حب حقيقية."
زين قام وراح ناحيته، ومد إيده وسلم عليه:
– "كل التوفيق يا بطل… إحنا معاك، بس لو عملت فرح من غير دي جي، ماتدعنيش."
جاسر:
– "ولو ما عملتش كوشة فيها نار وورود، هتخسرني."
ياسين قال وهو بيقلب القهوة:
– "وأنا لو ما شفتش البوفيه فيه كبدة إسكندراني، مش جاي."
الضحك عمّ المكان، وآسر حس إن رغم كل السخرية، هم فعلاً فرحانين له… واللي جاي، حيكون بداية جديدة مش بس ليه، لكن يمكن ليهم كلهم.
**
داخل فيلا الألفي – صباح جديد
كانت أشعة الشمس تتسلل بخجل من بين الستائر، ترسم خيوطًا ذهبية على الأرضية الخشبية، بينما ساد الهدوء في الطابق العلوي... إلى أن فُتِح باب غرفة "ملك" ببطء.
خرجت بخطى مترددة، شعرها منكوش قليلًا، وعيناها تحملان آثار تفكير طويل وسهر لم ترحمه ليلة الأمس... لكن قبل أن تخطو بعيدًا عن باب الغرفة، وجدت نفسها وجهًا لوجه مع والدها، رأفت.
نظر إليها بنظرة أبٍ يعرف جيدًا ما يدور داخل قلب ابنته، فابتسم برقة وقال:
– "صباح الخير يا قلب أبوكي... كنتِ فين طول الليل؟ دماغك مش معانا خالص."
تنهدت ملك وهي تنزل عينيها للأرض وقالت: – "كنت بفكر بس... شوية حاجات كده."
اقترب منها رأفت، ومد يده يرفع ذقنها بلطف لتنظر له: – "هتفكري لوحدك لحد إمتى؟ أنا أبوكي يا بنتي، ولو عندك حاجة مضايقاكي، قوليلي بدل ما تفضلي شايلة هم لوحدك."
رمشت بعينيها وكأن كلماته كسرت حاجز الصمت جواها، لكنها تمتمت: – "كل حاجة تمام يا بابا، بس أنا محتاجة أفهم شوية مشاعر..."
ضحك رأفت بخفة، ومسح على شعرها: – "أهو الكلام ده يطمنني... بس أوعي تتعبي نفسك في التفكير، قلبك كبير، ومهما حصل اللي ليكي هييجي لحد عندك... وثقي إني معاكم لحد آخر نفس فيا."
حضنته ملك فجأة، حضن طفلة بتحتمي في حصنها الوحيد، فقالت بصوت خافت: – "بحبك أوي يا بابا..."
ضمها رأفت بقوة وهو يهمس: – "وأنا عمري ما حبيت في الدنيا دي زيكم يا بناتي."
وفي اللحظة دي... كان دفء العيلة هو الأمان الحقيقي، في وسط عاصفة مشاعر ولسه في قصص هتبدأ تتكتب.
**
قصر المحمدي – غرفة الجلوس
كانت الشمس بدأت تتسلل من نوافذ القصر الضخم، لكن جو المكان كان مليان توتر مكبوت، ضحك مكتوم، ونظرات بتقول كل حاجة ومش بتقول حاجة.
آسر كان قاعد على طرف الكنبة، بيشرب قهوته بتركيز، لكنه سرحان... واضح عليه التفكير، وخصوصًا بعد لحظة مبارح اللي جمعته بملك. كل كلمة قالتها، وكل لمحة في عنيها، فضلت بتتكرر جواه.
مراد وهو داخل بكسل، قال وهو بيتمطى: – "هو في إيه؟ من ساعة ما صحيت وإنت عامل فيها شارلوك هولمز، بتحقق مع روحك؟"
آسر رمى له نظرة وقال: – "سايب الحلوين دول برا؟ مش مفروض تكون بتساعد في التحضيرات؟"
زين دخل وراه وقال ضاحكًا: – "تحضيرات إيه؟ دي الفيلا هناك عاملة زي سوق الجمعة، البنات بيجروا ورا بعض، جودي مهيبرة الدنيا، تقريبًا بتوزع أوامر أكتر من العروسة نفسها."
ضحك جاسر أخيرًا وهو بيرمي نفسه على الكرسي: – "أنا عايز أعرف إحنا هنتخطب إحنا كمان ولا إيه؟ الجو شكله مش مطمن... أي حركة غلط، هنلاقي نفسنا على الكوشة."
آسر فضل ساكت، بس عنيه قالت كل حاجة. مراد لاحظ كده وقال بنبرة فكهة: – "ولا تكون ناوي تتقدم رسمي بقى؟ ده أنت شكلك عايز تعملها فعلاً."
زين بص له باستغراب: – "إنت بتفكر في ده بجد؟!"
آسر اتنهد، وحط الكوباية على الطاولة بهدوء وقال: – "أنا قلتلها... إن عندي كلام مهم، وهقوله قريب. بس مش مستني رد دلوقتي."
الكل سكت لحظة، قبل ما جاسر يقول: – "بس كده؟ يا عم إنت كده بتحفر قبرك بإيدك، لو ما قالتش لأ، مفيش رجوع."
ضحكوا كلهم، بس في قلب كل واحد فيهم، كان فيه نار تشتعل... مش بس نار الحب، لكن كمان نار التغيير اللي داخل يقتحم قلوب اتحجرت سنين.
**
خرجت ملك من غرفتها بعد حديثها مع والدها، وقد هدأت ملامحها قليلًا، لكن قلبها ما زال ينبض بخليط من القلق والترقّب، وتفكيرها يدور حول ما أخبرها به آسر... نظراته، صوته، كلماته، كلها تُربكها.
في تلك اللحظة، مرّت أمام غرفة جودي التي كانت تضحك بصوتٍ مرتفع، ففتحت الباب ببطء ونادت:
– "جودي! بتضحكي على إيه؟"
رفعت جودي عينيها وقالت وهي تضحك: – "بجد يا ملك، كنت بتفرج على فيديو لواحد بيقول للبنت: بحبك! وهي بترد عليه: وأنا كمان... بس مش ليك!"
ثم انفجرت ضاحكة.
ابتسمت ملك رغم توترها، وقالت: – "هبل... تعالى، بابا تحت وعايزنا كلنا ننزل نتكلم في موضوع مهم."
قالت جودي وهي تنهض: – "أكيد عن حفلة الخطوبة؟"
– "الله أعلم... بس واضح إنه في حاجة جد."
نزلت الأختان إلى الطابق السفلي حيث كان رأفت يجلس مع ليلى وسلمى، يتبادلون أطراف الحديث، وما إن رآهم حتى قال بابتسامة هادئة:
– "كنّا مستنيينكم... تعالى يا ملك، تعالى يا جودي. عايز أقولكم إن الفترة اللي جاية، هتبدأوا حياة جديدة، ومفيش حاجة تفرّحني في الدنيا قد فرحتكم."
تبادلت البنات النظرات، وغمزت ليلى وهمست: – "أبو البنات بدأ الكلام الكبير!"
ضحك رأفت: – "أهو عشان كده كنت عايزكم كلكم، نتكلم ونتفاهم زي ما دايمًا متعودين."
وفجأة، رن جرس الباب... وعلت الأصوات في الفيلا، وصوت جودي ارتفع بحماس:
– "أكيد دول الناس اللي جايين عشان موضوع الخطوبة... يلا يا بنات لبس الطرح بسرعة!"
ضحك الجميع، حتى رأفت، وقال:
– "هي حفلة ولا زيارة؟!"
ووسط الضحك، دخلت زينب، جدّة الشباب.
وفي لحظة دخول زينب، لم تمر ثوانٍ حتى دخل خلفها الحاج محمد، بوقاره وهيبته المعهودة، وهو يرفع صوته بابتسامته الطيبة:
– "سلام عليكم يا جماعة… ما شاء الله، البنات مجتمعين، والبيت منوّر."
التفتت إليه ملك فورًا، وهرعت لتُسلّم عليه قائلة: – "نورت يا جدو."
قال مازحًا وهو يربت على كتفها: – "النور نورك يا حبيبتي… ربنا يزيدك طِيب."
أردف وهو يتجه نحو رأفت ويصافحه: – "إزيك يا رأفت؟ جاهز للكلام الكبير؟"
ابتسم رأفت وقال: – "جاهزين يا حاج، أنت بس ابدأ وإحنا نسمع."
ضحكت زينب وقالت وهي تجلس: – "هو مش هيبدأ، هو جاي على نِيّة التدبيس."
هزّ محمد رأسه ضاحكًا: – "وأنا قدها… الشباب جايين ورايا على طول، بس بما إننا موجودين، لازم نِستغل الفرصة."
جلس وأخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى ملك، ثم إلى رأفت قائلًا:
– "أنا جاي النهارده عشان أطلب إيد ملك لحفيدي آسر… الولد من يومين اتكلم معايا، وقاللي إنه مش شايف غيرها، وأنا بصراحة شايف إنها بنت بيت محترم، وتستاهله."
خجلت ملك ووجنتاها احمرّتا دفعة واحدة، أما رأفت، فبدا عليه الذهول للحظة، ثم سرعان ما تبسم:
– "ده شرف لينا يا حاج، وملك بنتي مش هلاقيلها أحسن من حفيدك."
لكن محمد لم يتوقف هناك… بل نظر صوب سلمى، التي كانت تشرب الماء، فكادت أن تختنق من المفاجأة حين قال:
– "وكمان، كنت عايز أتكلم بخصوص ياسين… هو كمان قاللي من كام يوم إنه عايز يتقدّم لـ سلمى، بس طلب مني أتكلم الأول."
اتسعت عينا سلمى في ذهول، بينما قالت جودي بصوتٍ خافت وهي تضحك:
– "كده الموضوع سخن…!"
ضحك الحضور، وقالت زينب بحنان: – "يا بنات، دي سنة الحياة… وولادنا ما بيختاروش غير اللي تستاهلهم."
دخل في تلك اللحظة آسر وياسين، ومعهم باقي الشباب، كأنهم سمعوا الأسماء تُقال من بعيد، وما إن خطوا إلى الداخل حتى ساد صمت مفاجئ… ثم ضحكة عالية من الحاج محمد:
– "آهو العرسان وصلوا!"
نظر آسر إلى ملك، وياسين إلى سلمى… وبين النظرات الحائرة والخفقات المتسارعة، بدأت مرحلة جديدة من الحكاية.
****
سكون مفاجئ خيّم على المكان، عيون متبادلة، قلوب بتدق أسرع من الطبيعي، وكلمات عالقة في الحلق مستنية اللحظة المناسبة تنطق.
طلب الجد محمد قلب الموازين، وفتح أبواب لقرارات مصيرية...
وفي وسط ده كله، كان لسه في نظرات بتتخبّى فيها مشاعر، ولسه في أسرار ما انكشفتش،
بس الواضح إن اللي جاي... هيكون أكبر من مجرد خطوة،
هيكون بداية لحرب جديدة... بين الحب والخوف، وبين الماضي والمستقبل.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم