رواية احفاد الثعلب الفصل الثالث عشر بقلم شريهان سماحة
- أنت بتقولي ايه يا هنا .. أنت عوزه تجننيني !!
هتفت بها رقية في فرع حين استوعيت جملة ابنتها الصادمة ... ليأتيها صوتها يتوسل باكي :
أرجوك يا أمي سبيني أريحه وأعمله اللي نفسه فيه ومقدرش يطلبه مني !
تراقصت مقلتبي رقية في حيرة شديدة مما جعلها تهتف سريعاً باندهاش :
- لا أنت مصرة تجنيني بقى ... تربحي ايه و طلب ايه اللى مقدرش يطلبه منك .. ما هو بقولك أهو ريحبني وأرفعي الدعوة وأطلقي وأتجوزي وعيشي حياتك ...
ثم استرسلت حديثها بعد انقلاب وجهها من التهجم للعبث المحير :
هو أن نعم طلاقك لوحده يقطم الدهر ... والخلع هيقضي عليا بس معمل أيه أنت دخلتي في 23
سنة ومقدرش أسيبك كده طول العمر ......
احتضنت هذا راحة يداها لتكمل توسلها بلين دون انقطاع دموعها :
يا أمي أفهميني أرجوك .. هو قال كده فعلا بس مقدرش يمضي الورق ، لأنه لو شايف في الخطوة دي خير ليا عمره ما كان هيتردد لحظة واحدة في تنفيذها من غير حتى ما يرجعلنا . يعني بمعني أصح الشئ ده لو اتنفذ هيوجعه أكثر مننا .. فيبقي أنا مجيش أوجعه وهو ميت . غير أن للاسف عرفت دلوقتي بس أن من جواه كان نفسه الي اجتمع مع زوجي بس مقدرش يقولها ويجي عليا أكثر من كده ... وياريت عرفت بكده قبل ما يتوفي كنت نفدت ليه كل اللي نفسه فيه .. بس كلمة يا ريت من الشيطان ومبترجعش اللي فات .. وبما أن هو اللي رافضني فطلب مني أن أنا اللي ادافع عن زواجي واروحله والدليل على كده أن لسه فاكر حفيده ، لسه فاكره يا أمي وقلبه موجوع عشانه حتى بعد ما قطع صلته بيه .. والأكثر من ده وده يقولي هكون معاكي في كل وقت وكل مكان تروحيه ... يعني او روحت وسافرتك روحه هتطمئن في قبره ، وهتكون جمبي طول الوقت بعد التوكل على اللي خلقنا أولا ...
محت دموعها المنسابة بظهر يداها سريعاً من فوق غطاء وجهها وهي تسرسل حديثها بترجي : ارجوك يا امي متقفيش في طريقي .. وفي نفس الوقت مقدرش أعمل حاجة من غير رضاك ....
هفت رقية بكلمات باكية موجعة :
بس يا روح ماما .. كده أنت هنزلي نفسك لشخص مش معترف اصلا بزواجك ولا بصلة القرابة بينكم .. وأكيد مش هيتقبلك، يعني هتوجعي روحك من غير فايدة !
تركت كفي يداها سريعاً مردده جملتها بنيات مصطنع وهي تمحي دموعها بارتباك : أهو هجرب يا ماما .. ولو فشلت هر جعلك ثاني ، يعني هروح فين ... المهم أن جدي يرتاح حتى لو راحته دي في سبيل حياتي كلها .....
لم تمتلك والدتها إلا الصمت الباكي بوجعه المحرق لكيانها كأم، مفوضة أمرها الله وحده لا شريك
احتضنتها بشدة كانها تشيع روحها من عبقها منذ الآن قبل موعد رحيلها المزعوم والمعذب والقاتل لقلبها ... والتي قابلته هنا يمثله ، مغلقة جفنيها بارتياح بعد ان تخطت خطوة اقناعها .....
ملتقته بعد حين تشاكر المحامي والذي يبدوا من صفحة وجهه الصدمة الشديدة .. مردده
باصرار مؤكد :
أكيد محتاج دائماً مساعدتك يا جدو شاكر ....
أبتسم بهذيان أثناء اهتزاز رأسه بعدم تصديق .....
انتفاجئ هذا تليها بسلسلة كلماته الصادمة :
تعرفي أن قلت تجدك الله يرحمه أزاي هتفهمك كده ... وكنت شبه يقين وقتها أن أي حد عمره ما هيفهم مضمون رسالته الخفي .. بس هو صدمني لحظتها بجملته اللي مصدقتهاش إلا
دلوقتي ....
لما قالي " أنا خيرتها يا شاكر عشان أرضي ضميري ، بس أنا وهنا روح واحدة وأكيد هتفهمني
من غير ما أتكلم "
اتسعت عيناها بشدة وهي لا تستوعب ما ردده العنها حبيبها بأنها وهو روح واحدة | الآن .... والآن فقط سعد قلبها بشدة بعد أن كاد يهوي بلا رجعه ... لتتفاجئ بيد شاكر محدوده لها ثانياً برسالة أخرى وهو يردد بأبتسامة هادئة :
- جدك الله يرحمه وصالي في حالة لو رفضتي أقامة دعوة الخلع أسلمت الرسالة دي كمان .....
مدت يدها ببطء لتلقطها في ريبة جليه على ملامحها ... لتهم يفتحها بهدوء .. لتندهش صادمة من قلة مضمونها وانتي تحتوي علي سبع كلمات فقط تتوسطها :
" أحتسبيها الله ! وجهاد في سبيل الحق .. سامحيني !! "
رغم حيرتها من عدم فهمها المغزي تلك الرسالة القصيرة ، إلا أنها حينها امتلات شفتاها بابتسامة عريضة مرددة برضا وهي تحتضن تلك الرسالة بين يداها وصدرها .....
" الحمد لله أنه هداني للي يريحك يا جدو "
بعد يومان استعانت هنا بشاكر كحلقة وصل بينها وبين ذلك المجهول الذي تجهل حتي شكلة وهيئته .. حيث حثته على السفر له وأعلامه بما أنت إليه الأمور ومعرفة رد فعله .. لتتفاجئ به يخبرها بأنه حجز بالفعل تذكرة السفر منذ ثلاثة أيام، وسيسافر له في الغد دون طلبها ... وذلك بناء على رغبة الجد قبل الممات ليتم تسليم رسالته التي تركها له أيضا !!
وبالفعل غادر شاكر في اليوم التالي الأراضي المصرية متجها لوجهته الأخرى وهي الأراضي الأمريكية حيث يستوطن حفيد صديقه المتوفاة !!
بعد عناء الرحلة المطولة وصل لمجموعاته الهندسية التي تناطح السحاب في سماء مقاطعة.
لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.....
استقبلته سولا مديرة مكتبة بجدية شديدة حين وجهت له بتهذيب عدم السماح له بالدخول للقاء رب عملها ، وذلك لعدم وجود لدية معاد تم حجزه مسبقاً .. ليخبرها شاكر بضرورة أعلام رئيسها بهواية من في الخارج قبل رحيله فقد يرغب في رؤية مماثلة له ... ترددت سولا كثيرا نظر العصبية مديرها ولكن حسمت أمرها في النهاية واقتنعت بضرورة أخباره من باب العلم
بالشئ حتى لا يعرف بعد ذلك ويعنفها بقسوة .....
رحلت لدقائق وعادت مبتسمه بابتسامة عملية هادئة وهي تخبره بالانتظار حتى يفرغ من جميع مواعيدة المحددة في أجندة المواعيد .. عائده للغوص في عملها مرة أخرى .... وبكل نفساً راضية خضع شاكر القراره فأن غضب ورحل فقد لا يستطيع مقابلته مرة ثانية بعد
الآن .. ومن أجل وصية صديقه المتوفاة سينتظر حتي لو ترك رجلاً مسن كحاله ينتظر الثلاث
ساعات كاملة ، كحال تلك الزيارات السابقة !!
بعد سبع ساعات متواصلة والتي أرهقت شاكر كثيرا بل وجعلته ينقر في بعض الثواني ، ليرجع ثانيا محافظا على هدوله من اجل تنفيذ تلك الوصية ....
أقدمت عليه مديرة مكتبة الشقراء تخبره بهدوء نسبي بأن ميعاد القانه برئيسها قد حان أخيراً !!!
استقبله بفتور شديد كما متوقع من ذلك المتحجر دائما، لتخرجهم سولا بلباقة من استقبالهم الهادي بسؤالهم عن نوع مشروبهما والذي أخبرها شاكر مسرعاً بالرفض متعللا بشريه للكثير والكثير أثناء الانتظار في الخارج ... لتتصرف بأشارة من كف يد " على " ملتقناً لذلك العجوز بشعره الأشيب ليحثه بنظرة عينيه القوية والغامضة على معرفة مضمون زيارته ، والتي توقعها قبل أن يبدأ كعادة كل زياراته السابقة بالتوسل للرجوع للجد ... الجد الذي لم يكلف نفسه في أي مرة من تلك المرات بالقدوم هو بدلا من محامية .....
جانه صوت شاكر بلغة الأنجليزية مذبذباً بخفوت :
- بني جدك توفي !!
تحولات ملامح وجهه من قوتها إلى الصدمة الشديدة حين استوعب كلمته التغزو بوادر الخزن علي صفحة وجهه .. حاول أخفائها بكلمته التي اخرجها بهدوء بعد أن نظف حنجرته بألم أرجعه للكثير من سنوات ماضية :
متي !!
جرب بريميوم
- منذ أسبوعان .....
- ولما لا تخبرني 15
توقعت رفضت فطالما في الخمس سنوات الماضية بعد ما حدث بينكم ترفض اتصالاته باستمرار حتى تم تغير رقم هاتفك ... وأتيت أنا لك مرتان لكي تصفح عنه وتأني لرؤيته وأيضاً تقابلني بالرفض ...
أغمض عيناه بقسوة سائلا نفسه باندهاش لما كل هذا الحزن بداخله ، ولما يشعر بأنه تلقي خبر وفاة والده الآن |
تملك شاكر الحيرة المندهشة من ذلك الغامض الذي عاهد منه القسوة طوال زيارته له ومن معالم الحزن على وجهه والتي يحاول أخفائها باحترافية ...
فتح " على " عيناه سريعاً بجمود رسم على صفحة وجهه محاولا عدم اظهار مشاعره أمام أحد مخرجاً كلمته المقتضبة :
- أتركني الآن 11
تفاجأ شاكر يحالته العربية رغم ثباته الوهمي الذي يحاول أظهاره أمامه .. فهتف بعجاله قبل الخروج وعدم تحقيق الهدف الرئيسي لزيارته :
لقد توك لك جدك شئ بحوزتي !
اتسعت عيناه مندهشاً لتتسع أكثر على ظهور مظروف ورقي من حقيته ... معطيه أياه بحيطة .... ليقابله صمته وجمود أطرافه وثباته المزعوم ... والذي دفع شاكر بيده الممدودة في الفراغ يتركه
أمامه على سطح المكتب ... ليتبعها جملة شاكر الهادئة ....
" سأنتظر اتصالك .. هذه بطاقة برقمي الأمريكي "
ترك البطاقة بجانب المظروف والصرف في الحال بينما اندهش " على " من جملته فلما يحتاج الرقمه ليتركه له !!!
ترك الدهاشة لوهلة متطلعاً بريبه لذلك المظروف الذي يحتل منتصف سطح مكتبة وبجانبه تلك البطاقة ... لم يشعر بيداه إلا وهو يلتقط سماعه الهاتف الداخلي أمراً مديرة مكتبه بقطع جميع الاتصالات عنه وأيضا عدم دخول أحد اليه مهما كان الأمر ....
أنهي اتصاله بينما عيناه لم تتحرك الثانية واحدة عن ذاك المظروف والذي التقطه بهدوء فاتحاً
أياه ... متفحصاً بمقلتيه الخضراء كلماته الأنجليزية .
" بني ... قطعة روحي الغائبة .. أحسد تلك الكلمات التي رأت وجهك عن قرب في حين أنا لم اتمكن من رؤيته للأبد .. نعم للأبد فحين يطالع وجهه تلك الرسالة قد أكون فارقت الحياة ... كنت أتمني في كل لحظة ... وفي كل وقت تحقيق تلك الأمنية صعبة المنال ولكن عجزي وقف امامي كحاجز قوي ... نعم بني كنت عاجز بمقعدي المتحرك ومريض لدرجة خطيرة بالقلب منذ وفاة والدك الذي قضي على آخر أمل لي بعد وفاة شقيق والدك الأكبر .. لم أرغب في أخبارك بذلك لأنني تمنيت أن تأتي لي مشتاقا ترغب في قربي مدي الحياة .. لا شفقة لرجل قعيد لترحل في اليوم التالي |
بني وروحي الثانية حين اقدمت على تزويجك من ابنة عمك عاصم التي هي روحي الأولي .. لم أكن في دور الظالم الذي أقحمك في كارثة بل أقحمتك في قناة شبية بالملاك الذي سينير وجهك وعقلك من ظلمة الحياة ... فتاة ستساعدك للخير دائما وستكون لك نعم الرفيق حتى ولو طال الطريق .. وأيضا من أجل هدفي الأقوي وهو أن لا ترتبط بامرأة من هناك كما فعل والدك .. لتضيع أنت ونسلك الذي هو نسلي في تلك الأراضي التي أحمل لها في قلبي جميع الكره الذي يحتل
الكرة الأرضية ......
حين تقرأ كلماتي سأكون روحا في السماء .. فأرجوك واتوسل مدلولا أي ذرة رحمة قد ورثتها عن أبيك أن تنفذ وصية رجل رحل عن الحياة وتسمح لتلك الطفلة بمجاورتك في أي أرض تكون .....
أو أن تطلق سراحها للأبد لتعيش حياتها وتتزوج رجلاً آخر ينعم بنعيمها !!
جدك الذي لم يعترف فليك بوجودة في الحياة / على البنا
ذلك العجوز الماكر بجملته الخبيئة " أطلق سراحها للأبد لتتزوج رجلاً أخر ينعم بنعيمها " أخرج عرقه الشرقي المدفون بداخله، والذي توارثه دون أن يعلم في دمائه من أبيه وأجداده العرب ... مما دفعه ليجعد تلك الرسالة يقسوة والنهوض بعنف من مقعدة وهو يلتقط تلك البطاقة متجها للوح الزجاجي في غرفة مكتبه ... مطرقا بها بحركة ثابتة فوق ذلك اللوح بتفكير عميق وبمعالم وجه غاضبة .....
أجرى اتصال غامض لمدة تترواح لخمس دقائق، دفعه بعد فترة ليست بقليلة بالاتصال على ذلك الرقم الذي يحتل البطاقة .
اتاه صوت شاكر بعد جرس التنبية بالتحية ليجيبه باقتضاب مخيف بكلمة واحدة تم أقفل المكالمة بعدها نهائيا :
احضرها !!