رواية الافعي الفصل الثاني 2 والاخير بقلم نورهان ناصر


 رواية الافعي الفصل الثاني والاخير


في مكانٍ ما يشبه المغارات القديمة محاطٌ بتماثيل ضخمة لأشخاص يرتدون الأسود، وفي المنتصف التف لفيف من الشياطين والجن حول ذلك الجسد الصغير، يستعدون لتنفيذ بضع مراسم ستزيد من قوتهم، وبإحدى الزوايا كانت تقف تراقبهم بمللٍ، فركت أصابعها ليلتف حول جسدها أفعى عملاقة بشكلٍ مهول، وهي تربت على رأسها مقبلة إياها تقول بنبرة خبيثة اسمًا ما لتتحول الأفعى إلى شخصٍ ذو ملامح بشعة للغاية، لتهمس هي بحنق:

_ قولتلك مبحبش أشوف وشك ده .

قبض على رقبتها وهو يدنو منها بملامح وجهه الغاضبة :

_ وأنا بدأت أمقتُ ذلك الوضع يا سمر، يفترض بك أن تعشقينني كما أنا. 

وضعت سمر يدها على يده التي تكاد تخنقها بقوة، تردف بتهكم:

_ سيبني هتخنقني. 

افلتها غصبًا وهو يستمع لنداء ذلك الساحر الملعون الذي سلمها له، مخبرًا إياه بتنفيذ جميع طلباتها،  لتنفيذها الشروط كاملة و وفائها أيضًا. 

نظر لها غاضبًا :

_ سوف أذهب لبدء الطقوس، وحسابنا لم ينتهي بعد، لقد نفذت كل رغباتك وبالنهاية تُمقتين وجهي، تبًا لكِ يا لعينة. 

أردفت سمر باستفزاز:

_ أشكرك على اطراءك. 

شردت للوراء تتذكر كيف دخلت لهذا العالم ...

قبل سنوات ..

منكبة على ذلك التراب، تبكي بشدة غير مبالية بتواجدها في هكذا مكان بمفردها وليلًا، وهي تقول :

_ محدش بيحبني منهم، كلهم شمتانين فيا، كلهم مش عايزيني أبقى سعيدة، دمروا كل حاجه حلوه في حياتي، كل حاجه كانت بتفرحني اخدوها مني، أنا بكرههم ونفسي امحي السعادة دي من على وشوشهم، نفسي اقهرهم وانتقم منهم، بيقولوا عني مفييش خير يا أمي، وهما صح من انهارده مش هيشوفوا إلا الشر وهحول حياتهم لجحيم. 

_ محتاجه مساعدة؟؟.

رفعت رأسها عن قبر والدتها، تنظر له بملامح خاوية:

_ أنت مين ؟.

تقدم منها يقول بنبرة هادئة:

_ فاعل شر تحبي تنضمي ليا. 

ضيقت عينيها لبضع ثواني ليردف هو :

_ اسمك سمر عبد الرزاق عبد الحفيظ القوي، بنت يتيمه، ٢٤ سنه طلعتي من المدرسة من ستة ابتدائي، من صغرك بتتعرضي لسوء معامله، والكل مضطهدك، عايزه تعرفي مين السبب في تعاستك دي كلها ؟ الناس المبسوطين دول، أهلك وأي شخص سعيد في الدنيا دي، هما اخدوا السعادة منك، ومرات عمك وعيالها بالذات ريماس وبقيت العيلة، كلهم بيكرهوك، فاكره عروستك الصغيرة بتاع والدتك كنتي بتحبيها أوي، وكلهم عارفين إنها ذكرى من والدتك، ومع ذلك حرقوها وقالولك إنهم حطوها في قلب الحاجات بالغلط، وغيره كتير وآخرهم مرات عمك اللي راحت تملى ودان ابنها اللي سابك في يوم الفرح وكسر بفرحتك شوفتي شماتتهم فيكِ وقتها ومحدش منهم كلمه على اللي عمله فيكِ، واهو بيستعد يتجوز ويعيش حياته مبسوط وأنت في تعاستك وبؤسك. 

تسارعت دقات قلب سمر من كم الحقائق التي ألقاها في وجهها، لتردف بخوف :

_ أنت عرفت كل ده إزاي ؟؟ 

_ ده مش شغلك، لو عايزه تنتقمي هساعدك. 

رمقته سمر بشك وهي تشبك يديها أمام صدرها:

_ بقولك إيه شكلك فاضي وعايز تتسلى أنا ماشيه. 

وما إن مرت من أمامه ولمس جانب كتفها حتى تجمدت في أرضها، وهي تشعر بشيءٍ غير طبيعي مر بداخلها، لتشهق بقوة، وهي ترى أفعى عملاقة تقترب من جسدها، تُقيدها أخذت تصرخ بخوف شديد، وهو فقط تحدث ببسمة صغيرة:

_ ده اسمه تشيوفار من فصيلة قوية من الجن، ابن ملك الأفاعي هيكون تحت إيدك من النهاردة تقدري تعملي بيه اللي أنتِ عايزاه بس السيطرة عليه مكلفة شويتين.

تمتمت سمر بأنفاس متقطعة وهي تشعر به يعتصر جسدها وهو ينظر صوبها برأسه العملاقة المخيفة:

_ سيبني أنا مش عايزه ..

زاد من ضغطه عليها، ليقول الرجل بملامح خبيثة محاولًا إقناعها فقد خرج لأن طاقة الشر والكره داخلها مُذهلة بالفعل، وهذا ما شجعه على الخروج، وبعد مرور بعض الوقت عادت إلى منزلها، لا تصدق ما حدث معها، أعلمها ذلك الرجل بأول خطوة وهو أن تحفظ السر فإن أخبرت أحد عن ذلك الخاتم في يدها، فهي هالكة، نظرت إلى الخاتم بخوفٍ شديد، قبضت على يدها تحاول تهدئة ذاتها، وتجاهل ما حدث معها، خرجت من غرفتها ترى أصوات ضحكاتهم العالية والسعيدة وهم يتجهزون للذهاب إلى حفل زفاف ابنهم المصون والذي تركها بيوم زفافها غير مراعين لمشاعرها، امتلأ الغضب في قلبها وقررت تنفيذ تعليمات الرجل كلها حتى نجحت في السيطرة على تشيوفار وظلاله السوداء، وبدأت بالانتقام منهم، حولت تلك الفرحة إلى عزاء كبير وأصوات الضحكات والزغاريد إلى البكاء والرثاء. 

ولم تتوقف هنا فبعد قتلها لمروان وعروسه في قاعة الزفاف، بدأت بتحويل حياتهم للجحيم وشرور نفسها تزداد، وبعد مرور عدة سنوات، تمت خطبة ريماس على محبوبها ليشتعل الغضب في داخلها، متذكرة شماتتهم بها وتخريبهم لحياتها، لذا عزمت على الانتقام من كل مخلوق على وجه البسيطة كل إنسان سعيد في هذه الدنيا فهو عدوٌ لها ويجب عليها التخلص منه. 

أفاقت من موجة ذكرياتها، وهي تتذكر وجوه ضحاياها لقد كانت في الغرفة حينما ذبحت ابنة عمها زوجها وبعدها ذبحت نفسها، كما أشارت لها سمر بقتل نفسها، وهي تقول بعض الطلاسم وظلالها السوداء يسيطرون على جسدها، وشعرت برضا لا يمكن وصفه، لقد كان أبيها محقًا هي شريرة، احتاجت فقط الدفعة لإخراج ذلك الشر الكامن في داخلها، والشكر لوالدها فقد نبهها على ذلك، فهو كان الشخص الذي رأى ابنته الصغيرة ذات القلب الأسود وهي تخنق فتاة صغيرة وتدفعها في البحيرة، معللة بأن ذلك لم يكن بوعيها وأنهما فقط كانتا تلعبان وهي وقعت دون قصدٍ. 

مر بخاطرها ذكرى قريبة ومحببة لقلبها حيث وصلت إلى مستوى من الشر غير متناهي، وذلك حينما بدأت بعملها في تزيين شقق العرائس، وهناك تترك ظلالها ليفعلوا الأفاعيل مع حجاب أسود، ليشحنوا طاقتهم.

ارتمت على الفراش الخاص بالعروس تقول ببسمة مرحه:

_ الشقة بقت تجنن مش كدا؟.

قالتها وهي بخفة يد أمرت ظلالها بوضع الحجاب أسفل مفرش السرير، حينما حجبوا رؤية شهد عنهم، وعن يدها التي رفعتها تناولهم الحجاب. 

وحينما دلف العروسين للشقة، لم يشغلوا القرآن الكريم، بل كانا متلهفين لبعضهما، وما إن استقروا على فراشهم تحول مفرش السرير أسفلهم لبحيرة أفاعي غزيرة وهم يغوصون بها، شهقوا بصدمه كبيرة، حينما بدأت الأفاعي بالدخول إلى ملابسهم وقامت بعضِ كل جزء فيهم، وهي تلتف حول أجسادهم، بكت العروس بقوة وهي تصرخ، حينما اخترقت إحدى الأفاعي عيون زوجها، الذي اختفى جسده بين الأفاعي التي احتلت جسده كليًا يصرخ بقوة،  لتشهق هي بذعر و شهقتها جعلت أفعى تدلف إلى حلقها، ملتهمةٍ إياه وأخرى خرجت من منتصف معدتها تأكل في جسدها بشراهةٍ وأخرى على عينيها وأخرى عند رقبتها، وتحول مفرش الزفاف الأبيض إلى بركة مختلطة الألوان دماء كثيرة وأحشاء بشرية، بدأت بالطفو. 

وعند إحدى الزوايا كانت تقف برفقة ظلالها تشاهد ذلك المشهد بعيون تلمع بالشر. 

عادت ببصرها صوب منصة الذبح ناولها أحدهم خنجر مغمور بدماء خنزير وبعض أمعاء الحيوانات، وبدون شفقة أو تردد قامت بشق صدر الصبي الصغير، ليتعالى التصفيق الحار وتهليلهم. 

                             ***

بعد مرور شهرٍ ..

اقتربت من والدتها تقول بتردد :

_ ماما تفتكري مين اللي بيعمل في عيلتنا كدا؟ 

نظرت لها سوسن تزفر أنفاسها بهمٍ، وفي أعينها حزن شديد:

_ العلم عند الله، بس كل اللي أقدر أقوله إن اللي بيأذينا قريب مننا يا سماح، خلي بالك يا بنتي وحصني نفسك بالقرآن، ربنا يستر في الأيام اللي جايه. 

في تلك الأثناء أقبلت سمر عليهم ترسم ملامح هادئة على وجهها، تقول ببسمة صغيرة:

_ مالكم قاعدين شايلين الهم كدا؟. 

طالعتها سماح بحاجب مرفوع، تردد باستنكار:

_ أنتِ مش عايشه معانا ولا إيه؟ تسنيم ماتت مبقالهاش شهر و البيت مقلوب وأنت بكل برود بتقولي شايلين الهم. 

أردفت سمر ببرود شديد وهي تتحرر من حجابها :

_ وبعدين حياتنا هتقف عليها يعني، قضاء وقدر متكبروش الموضوع. 

انهمرت دموع سوسن تقول بحزن شديد:

_ لا مش كل حاجه نقول قضاء وقدر، البيت فيه حاجه أنا متأكدة أنتم ناسيين الفترة اللي فاتت وعلى مدار السنتين الأخرنيين انتشرت الأعمال السفلية والسحر الأسود، وبقينا نسمع عن بلاوي، فاكره يا سمر البنت اللي اسمها لبنى اللي عملتي شقتها واتهموك وقتها، بيقولولك المنظر كان فظيع الأفاعي ما سبتش حته في جسمهم إلا لما عضتها وكلوهم أصلا، مبقوش عارفين يشرحوهم في المشرحة عريس وعروسة وأفاعي حاجه هتخلي العقل يشت والله.

تنهدت مكملة وهي تضم ذراعها بيدها الأخرى:

_اصلا مكنوش عارفين يدخلوا الأوضة من المنظر الفظيع، وقتها شغلوا قرآن وجابوا حاوي علشان يخرجوهم والبوليس كان واقف مذهول من اللي شايفه اكتر من خمسين أفعى وكلهم من أنواع مختلفة، الولية وهي بتحكي لي المنظر جسمي قشعر اللهم احفظنا. 

صمتت تبتلع لعابها وهي تتكأ على الأريكة خلفها، تضع يدها أسفل ذقنها:

_ أنا بجد مش متخيلة الشر اللي بقى جوا الإنسان صدقت الملائكة في قولها ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ هو طبعا مش الكل بس الحقيقه اللي مفيهاش مفر إن الإنسان بجد أسوأ مخلوق على وجه الأرض كان ليها حق الملائكة تعترض ...

قاطعتها سماح تردف بتصحيح :

_ لا يا ماما حاشاهم يعترضوا ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾  معنى الآيات أنهم مش بيسألوا إلا لو الله عز وجل أذن ليهم بالسؤال، وسؤالهم هنا مش اعتراض على مشيئة الله ولا حسد لينا يعني هما بيستفسروا بيسألوه عن الحكمه في خلق البشر وكدا، على العبادة فهم يعني بيعبدوه وأحسن من البشر وكدا، فربنا أجابهم بأنه أعلم بما هم لا يعلمونه، كمان ذكر إن هايبقى منهم الصديقين والمرسلين الأبرار، أي حاجه فيها جانبين شر وخير ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ الإنسان بنفسه اللي بيختار وربنا يهدي الجميع. 

كانت تجلس بينهم وهي تستمع لكلماتهم، وداخلها يحترق، قبضت على يديها تخفيها أسفل قدمها، وهي تقاوم صرخة حادة كادت تنفلت من شفاهها، ثم هتفت بنبرة حاولت جعلها لطيفة:

_ طب نخرج من الدرس الديني بقى، ونشوف هنعمل إيه؟ أنا زهقت من القعدة في البيت وعايزه أنزل أشوف شغل ...

_ أنا غلبت مع أبوك يا سمر، مش موافق خالص، اصبري بقى اليومين دول. 

تنهدت سمر بملل شديد وهي تداعب خاتمها، لاحظته سماح لتردف ببسمة صغيرة  :

_ جميل أوي خاتمك ده ! جبتيه منين؟ حساه عتيق كدا.

وضعت سمر يدها الأخرى على أصابع يدها المحتوية على خاتمها، تقول ببسمة مغتاظة:

_ اشتريته . 

اقتربت منها سماح ومدت يدها لها، قائلة :

_ هاتي كدا أشوفه.

نهضت سمر تخفي يدها خلف ظهرها وهي تقول بغضب:

_ لأ ده بذات لأ. 

تعجبت سماح من تصرفها وهمت بأخذه منها، نظرت سوسن لهم بذهول، ثم أردفت لتهدئة الوضع حينما رأت اصرار ابنتها على أخذه منها، بينما سمر تبعد يدها عاليًا، فليس هذا وقته :

_ بس أنتِ وهي خلاص هتضربوا بعض قدامي ؟ احنا في إيه ولا إيه ؟؟ عيال فعلا .

ختمت حديثها وهي ترحل، لتصعد إلى غرفتها، وحينئذ تقابلت مع حليمة نسيبتها، التي هبطت على أصواتهم العالية، تردف بتعب:

_ في إيه ؟.

حركت سوسن رأسها بيأس ثم تخطتها صعودًا للأعلى، وتلتها سمر تمر من جانبها، بينما تبقت سماح التي تطالع ظهر سمر بعيون مشككة، هذا الخاتم لازال يشغل تفكيرها يبدو كـ شيء أثري قديم لم ترى مثله يومًا، أخرجها من أفكارها صوت زوجة عمها حليمة تقول بتهكم وهي تربط رأسها بحجابها من الخلف:

_ حصل إيه يا سماح ؟ 

_ مفيش حاجه يا مرات عمي. 

                               ***

بالطابق العلوي ..

في غرفتها مستلقية على فراشها تطالع خاتمها السحري، ثم قبضت يدها عليه وضمتها إلى صدرها، أخرجت هاتفها تتابع قراءة الأخبار بملل شديد، أخرجها منه اهتزاز الهاتف معلنًا عن مكالمة هاتفية، قلبت عينيها ثم ردت ببسمة زائفة:

_ نعم يا حبيبتي. 

جاءها رد الطرف الآخر ببسمة واسعة :

_ أنت مش هتيجي تظبطي شقتي يا سمر ولا إيه ؟. 

عضت سمر على شفتيها بحنق، ثم قالت:

_ لا للأسف بابا مش هيرضى، كمان يا ست مش عارفه إيه البلاوي اللي بتتحدف عليا؟ .

_ يا بت أنت مالك، البت بنت عمها دي هي اللي حطت العمل، والموضوع خلص وأنتِ بريئة ...

زفرت سمر الهواء بحنق شديد:

_ قُصره يا أروى مش هاجي وده افضلك بصراحه، سلام بقى .

أغلقت الهاتف، وهي ترمقه بقرف، تتصل بها لتغيظها وهي يجب أن تتريث في خطواتها القادمة، لتدعها تتمتع مع زوجها لبعض الوقت قبل أن تقرر زيارتها. 

والآن عليها التفكير في التخلص من سماح الفضولية، لا شك لن تتركها وشأنها، لكنها تبدو تعيسة هذه الأيام هي تنتظر أن يحدث شيء ويبهج قلبها لتنزع منها سعادتها، فقط ذلك ما يكتف يديها. 

فجأة تطرق إلى مسامعها أصوات زغاريد، وصوت الدف يصدح بقوة، وقفت بسرعه تتجه صوب النافذة تراقب بعينين يملأهما الشر ذلك العزال الخاص بابنة أحد الجيران، ضمت قبضة يدها تتنفس بصوت مرتفع، ثم بدأت ترتل بضع ترانيم وهي تحدق بالشاحنات التي تحمل الأجهزة الكهربائية، وبعد بضع دقائق حدث إنفجار كبير لإحدى الأجهزة الكهربائية وطارت إحدى قطع الغسالة شريحة صفائح حادة، ارتطمت صوب العروس بقوة متسببةً بفصل رأسها عن جسدها، ليزداد الصراخ والهلع، حينما سقطت رأس الفتاة المسكينة التي كانت تقف في شرفة منزلهم تتابع نقل عُزالها ببسمة سعيدة، ابتسمت بقوة بل وبدأت تضحك بصوت مرتفع وهي تنظر ليديها لقد منحها الملك بعضًا من طاقته كما أن كتاب السحر الجديد الذي أخذته منه أتى ثماره. 

رأت الجيران يلتفون حول بيت جارهم لتنطفأ الفرحة ويتناثر دماءها على الجميع وتحل غيمة سوداء على فرحة لم تكتمل. 

وفي المساء....

وقت العشاء كان الكل يضع يده على خده ينظر للطعام بشرودٍ شديد، قاطعته رؤى ذات الخمسة عشر عامٍ، ابنة حليمة تقول بنبرة حزينة متقطعة وهي على وشك البكاء:

_ سـ ..سمـاح ممكن تيجي معايا أروح الحمام. 

نظروا لها جميعًا بذهول، لتهتف هي بدموع شديدة:

_ متبصوليش كدا، أنا خايفه في أفاعي في بيتنا وشوفت واحده على سريري، أنا عايزه أمشي من هنا، بحس إني متراقبه، وإن في حد معايا في أوضتي وبصحى على كوابيس، أنا تعبت واللي بيحصل ده أكيد لعنة وحلت علينا كلنا، شوفتوا اللي حصل لِسعاد، أنا بجد مش قادره أصدق اللي شوفته دي رأسها وقعت قُدامنا في الشارع، ولا اجهزتها اللي بدأت تنفجر والناس اللي ماتت واللي اتأذوا، ما تيجوا نمشي من هنا ونسيب الحارة الملعونة دي.  

رمقوها بعيون دامعة فما تقوله صحيح، ولكن أين المفر، جميع أشغالهم هنا، وحياتهم وهذا بيت العائلة، نهضت سماح تقترب منها تحتضنها بصمت وهي تبكي، لتجهش رؤى في صدرها تقول :

_ أنا خايفه أوي يا سماح، مش عارفه أنام ولا حاسه بأمان ...

صرخت فجأة بقوة، مبتعدة عنها؛ وهي ترى أعلى كتف سماح أفعى عملاقة تلف ذيلها حول رقبتها.

_ ســـمــــاح افعى على رقبتك. 

نظروا لها باستغرابٍ شديد، وسماح بدأت تقترب منها وهي تحاول تهدئتها تقول :

_ اهدي يا رؤى مفيش حاجه، بسم الله بسم الله.

فتحت رؤى عينيها ببطء شديد فلم تراها اتسعت عينها بذهول:

_ ازاي ....راحت ..كانت هنا ...أنا شوفتها ...

ولم تكمل بسبب صرختها فجأة حينما رأت طاولة الطعام تتحول لملايين الأفاعي والثعابين تتجول حول أفراد عائلتها، وقعت على الأرض تفرغ كل ما في معدتها وهي تبكي بقوة وخوف شديد، حتى أغشي عليها. 

                             *** 

بعد مرور ثلاثون دقيقة.

في غرفة رؤى كانوا مجتمعين، والدتها تبكي بقوة، وهي تقول بانفطارٍ:

_ لا بجد اللي بيحصل مش طبيعي البنت هتتجنن، أنا هاخد عيالي وأروح بيت أهلي، عايزين تستنوا خلوكم أنتم.

تحدثت سوسن بتوتر ودموعها على خدها:

_ ما تيجوا نعمل جلسة قرآنية في البيت طيب ونشغل القرآن في كل أوضة من البيت ونصلي قيام الليل مع بعض نحاول نخرج الطاقة السلبية دي من بيتنا.

بدأت الهمهمات تعلو، البعض يؤيد ما قالته، والبعض يود الرحيل، وأما هي فكانت تتراجع للخلف بهدوء، لاحظتها سماح، فخرجت خلفها، تلحقها إلى غرفتها، دخلت بدون استئذان تقول بعصبية:

_ سمر أنتِ ليه مبقتيش تصلي؟؟.

اتسعت عيني سمر بقوة، والتفت صوبها :

_ إيه؟ مين قالك إني مش بصلي. 

_ مبقتش أشوفك تصلي خالص. 

ابتسمت سمر بتكلف:

_ بيتهيألك أنا بس في ظروف اليومين دول، وبعدين اصلي ما اصليش وأنتِ مالك، بتحشري نفسك ليه؟؟.

رمقتها سماح بنظرة متهكمة ثم تركتها ورحلت وشك بداخلها يزداد. 

                                *** 

دلفت إلى الشقة مبتسمة بسمة واسعه، وهي تندفع إلى عناقها بودٍ زائف، دعتها أروى للدخول وهي تُرحب بها، وبعد استقرارهم قالت سمر :

_ شقتك حلوه أوي، واللي رصها بيفهم وذوقه حلو بردو، بقولك ايه انا معرفش في حوار الهدايا ده بس جبتلك انتيكات كدا حطيها في النيش وفي اوضتك بردو بصي شكلهم عاملين ازاي ؟ 

استرخت أروى في مجلسها متحدثة ببسمة واسعه والسعادة تحاوط وجهها:

_ شكرا يا حبيتي ملوش لزوم تتعبي نفسك، فعلا شكلهم حلو أوي، إنما الجواز ده طلع حلو أوي يا بت يا سمر، ده أنا مدلعة دلع مقولكيش.

ثم بدأت تضحك بقوة، رمقتها سمر بنظرة متهكمة وهي تقول :

_ ما تيجي تفرجيني على أوضة نومك يا بت.

أطلقت أروى ضحكة رقيعة وهي تقول :

_ يالا بينا. 

أخذت تلف سمر في الغرفة مبدية إعجابها بها، ثم قالت بحرج: 

_ أنت عارفه إني أنا اللي بجهز حاجتي يمكن ياجي يوم واتجوز، ومحدش بيساعدني وطبعا عارفه جهازي الاولاني ولعت فيه، المهم ينفع توريني  هدومك يا أروى .

_ يا سلام بس كدا تعالي.

اتجهت إلى الخزانه وفتحتها تقول على عجلٍ:

_ بصي اتفرجي براحتك وأنا هروح أشوف الأكل اللي على النار لازم تتغدي معايا. 

أومأت سمر بلطف، و بعد خروج اروى سقطت ابتسامتها المزيفة، وأخذت تتطلع إلى الملابس بفتور شديد وقعت عينها على أحدهم ونال إعجابها، تزامن ذلك مع دلوف أروى وبدأت تثرثر وتضحك وهي متعمدة إحراجها بأنها بلا زواج حتى الآن. 

وبعد مرور بعض الوقت...

ودعتها سمر ببسمة صغيرة ثم هبطت الدرج خروجًا من العمارة، تقول ببسمة خبيثة:

_ بعد يومين كدا هصحيهالك من ثُباتها اصبري عليا، بقى تغيظيني أنا. 

وبالفعل بعد مرور أسبوع حدثت الكارثة عندما قررت أروى ارتداء أحد الأثواب وهي تُحضر لعشاء خاص لها ولزوجها، وبمجرد دلوفه للشقة كانت أروى توليه ظهرها تقف في الظلام، فستانها غريب لا يشعر كأنه فستان وما تلك الأصوات التي تشبه الفحيح ...مد يده ليلمسها لتستدير صوبه وهناك أفعى قفزت من أسفل شعرها وكادت تعضه، ليتراجع هو للخلف بسرعه مصدومًا، لم يكن فستان بل أفاعي عديده تحاوط جسد زوجته التي فارقت الحياة. 

وكالعادة تحب مشاهدة ضحاياها يُعذبون تذكرت وهي ترى أروى تبتسم مخرجة الثوب لتبدأ هي في قراءة بعض الكلمات لتخرج مئات الأفاعي من الأنتيكات التي أحضرتهم لها، رأتهم أروى لتركض بخوف شديد وقبل أن تخرج من باب الشقة عضتها إحدى الأفاعي في قدمها العارية، فسقطت صريعة في الحال، وقفت سمر قرب جثتها والأفاعي تزحف على جسدها مشكلة ثوبًا من نوعٍ خاص. 

__________________________

بعد مرور عدة أسابيع.....

خرجت من المستشفى تزفر الهواء بقوة، بعد انتهائها من زيارة تلك المدللة رؤى، والتي تم وضعها في المستشفى بسبب هلوساتها عن رؤية أفاعي في كل مكانٍ، حتى بعد انتقالها مع والدتها حليمة إلى بيت جدها، ومع تفاقم وضعها وهلوساتها وضعوها في المستشفى، وفي الوقت ذاته طوال الأسابيع الماضية، كانت سماح تراقبها بأعين متيقظة، لاسيما بعد موت تلك الفتاة أروى بعد زيارة سمر لها، وأيضًا اتهامها كما العادة ثم تخرج منها كما يقولون بالعامية المصرية " الشعرة من العجين" وهي الآن برفقة ابنة عمها الخائفة، والتي صدمتها بحديثها التالي.

_ سماح أنا خايفه من سمر، حاساها مش طبيعية، في  اليوم اللي ماتت فيه سعاد كنت معدية من قدام اوضتها وسمعتها بتقول كلام غريب كدا، مش عارفه هو ده بلغة إيه؟ وبعدها حصل الانفجار اللي سمعتوه، وهي فضلت تضحك بطريقة غريبة، أنا حاسه إنها ملبوسة. 

ضمتها سماح إلى حضنها، وهي تقول بنبرة هادئة:

_ طيب خلاص يا حبيبتي اهدي، أنا هتصرف متقلقيش. 

ودعتها ثم ألقت التحية على زوجة عمها، وغادرت المستشفى، وفي رأسها شيء عزمت على تنفيذه مهما كلفها الثمن. 

                              ***

نظراتها السعيدة والمبتسمة كانت أكثر ما تبغضه في هذه الدنيا، لا شيء يعكر عليها صفوها سوى رؤية من حولها سُعداء، اغتصبت ابتسامة هادئة على شفتيها، وهي تطالعها بعيون يملأها الحقد، تقدمت الأخرى منها تجذب يدها وهي تصيح بنبرة حماسية:

_ شكلهم يهبلوا أوي، بجد محتارة يا سمر أختار إيه؟ تعالي ساعديني. 

ختمت حديثها وهي لا تزال تمسك بيد سمر، بينما بصرها معلقٌ على تلك الأثواب البيضاء الفاتنة، ربتت سمر على يدها ببسمة صغيرة وهي تسير معها، حتى توقفت أمام إحدى الفساتين، مشيرة صوبه بقولها في هدوء:

_ ده جميل أوي، وهاتبقي قمر فيه يا روان.  

اندفعت روان تقبلها من خدها، مهللة في سعادة، وهي تنظر إلى ما أشارت إليه :

_ جميل جدًا، حبيبتي يا سموره اختيارك هايل وذوقك راقي. 

أوقفتها سمر بتقطيبه من حاجبيها تدفعها إلى داخل الغرفة :

_ طيب يالا مفيش وقت نضيعه، ادخلي علشان تقيسي. 

أعقبت حديثها وهي تشير إلى العاملة بذوق:

_ لو سمحتي نزلي لينا الفستان ده. 

أومأت العاملة ببسمة مهذبة، أخذته سمر وانطلقت صوب روان المتحمسة لزفافها على حبيبها الغالي، أعطته لها وهي تكتم صرخة حانقة بداخلها، ترسم على وجهها السعادة لها، ثم قالت :

_ هاستناك برا، لو احتجتي حاجه ناديني. 

هزت روان رأسها بالايجاب ثم خرجت سمر، تجلس على الأريكة في انتظارها، بعقلٍ شارد وسرعان ما بدأت الأصوات في رأسها بالتزاحم، لماذا هي تعيسة؟ ولماذا هجرها حبيبها؟ ولم يكن وفيًا مثل حبيب روان، تركها بيوم زفافها مسببًا لها إحراج وصدمه، لا زالت لم تتعافى منها، شماتة الشامتين بها، تتذكر حديث زوجة عمها السامي والتي بدورها حماتها، وهي تنتظره في صالون التجميل:

_ أنتِ لسه قاعده ليه؟ ما خلاص سابك وطفش، أصلا مين يستحملك أنتِ، أنا مش عارفه ابني اتص في نظره بس كويس أهو فاق ولحق نفسه،  أنتِ بومه زي ما أبوك بيقول عليكِ جواك شر وحقودة،  مش برتح لك من وقت ما كنتي صغيرة مكنتش طبيعية زي بقيت البنات، كنت دايما أشوف حقدك وشرك مؤذية بتموتي في الأذية، ياه على الكسفة اللي أنتِ فيها، بجد موقف متمنهوش لألد أعدائي، أحسن حاجه عملتها يا مروان يا ابني. 

أعقبت حديثها وهي تضحك بشدة، ثم سارت مبتعدة عنها، بعد ما حطمت قلبها بكلماتها السامة، تحجرت الدموع في مقلتي سمر،  نظرت إلى ثوبها الأبيض بعيون تائهه، ثم رفعت بصرها صوب عائلتها لترى الهمسات واللمزات تتصاعد وتصل إلى مسامعها، ولم يخف عليها تلك الضحكات والنظرات الشامته.

أخذوا منها سعادتها وحرموها عليها، لطالما حدث نفس الشيء معها، منذ طفولتها لا شيء يبقى معها، والسعادة قلما تدق بابها، وإن حاولت الدخول يقفوا في وجهها مغلقين أبوابها، كم من مشاهد حياتها التعيسة مرت عليها وأحرقت قلبها، لماذا يبغضونها؟ هل هم محقون وهي شر مستتر يخافون الإقتراب منه؟ لا تنكر في طفولتها قتلت إحدى الفتيات وهي تلعب معها وكانت عنيفة بعض الشيء وبقلب قاسٍ به لمحه من البياض نوعًا ما، ولكن صار القلب في تلك الليلة كتلة سوداء،  وبعد استقرارها في غرفتها أطلقت لشهقاتها العنان، ظلت تحطم كل ما تطاله أيديها، وهي تبكي بانفطارٍ، كانت برفقتها ريماس تحاول التخفيف عنها، ولكنها رفضت وجودها، ظلت حبيسة غرفتها، لا ترى ولا تسمع أحدًا، سوى صوت بدأ يهمس بداخل عقلها. 

أخذ الهمس يتزايد، مقنعًا إياها بانتزاع السعادة من وجوههم، فلطالما السعادة والفرح مُحرمين عليها، فليس من العدل أن يتمتع بهما غيرها إذن. 

ومنذ ذلك الوقت، وخرجت سمر أخرى غير تلك التي يعرفونها، ذات قلب أسود وحقدٍ دفين، أصبحت تتمتع برؤيتهم يعانون أمام عينيها، وما إن قابلت ذلك الرجل عند قبر والدتها وهي تشكره من قلبها، تتذكر حينما عرفت بخبر حمل أحد أفراد العائلة ودفعتها من فوق الدرج، وهكذا كل ما يحدث ما يسعدهم تأتي هي وتدمره تحت قدميها. 

نظرت لروان التي التقتها صدفة في هذا المول، الذي أضحت تعمل به قبل بضعة أسابيع، وطلبت مساعدتها في اختيار ثوب الزفاف بعد ما أضحت عميلة معتادة هنا، تقول بنبرة هادئة:

_ الفستان جميل أوي عليك. 

ابتسمت روان بقوة تقول بخجل: 

_ يعني هايعجب آدم؟؟. 

اغتصبت بسمة على شفتيها وهي ترى سعادتها الواضحة، لتقول :

_ آه طبعا، يالا بسرعة روحي غيري قبل ما يدخل، فال وحش لو شافك قبل الفرح بالفستان. 

أومأت روان بصمتٍ، ثم غيرت ملابسها وفي تلك الأثناء دلف خطيبها آدم، الذي نال إعجاب سمر ليزداد الحقد الدفين في داخلها، فلماذا كل هؤلاء سعداء ويحبون بعضهم وهي الجميع ينفر منها؟. 

اقتربت منه ثم ادعت أنها ستقع ليسارع هو بإمساكها وأثناء ذلك انتهزت الفرصةو نفثت في وجهه بشيءٍ جعله يحدق بها بعيون متسعة، قبل أن يعود لوعيه يعتدل واقفًا، لتردف هي ببسمة صغيرة وهي تربت على بدلته:

_ آسفه ما اخدتش بالي. 

_ ولا يهمك، هي روان لسه جوه. 

                             *** 

كانت تقف أمام المول الكبير تنتظر خروج ابنة عمها، حينما وقعت عينيها على المشهد التالي، عندما دفع ذلك الشاب الفتاة يطرحها أرضًا بعد أن صفعها بقسوة، وهو ينزع عن يده خاتمه، يلقيه في وجهها، وهو يشتمها بأفظع الشتائم، التف لفيف من الناس حولهم يحاولون إبعاده عنها، وهم يعنفونه، بينما كانت روان مجهشة في البكاء بقوة لا تستوعب ما حدث توا، فقد كانا يضحكان وسعيدين للغاية، وفجأة تحول وقام بصفعها ليُرديها أرضًا بلا شفقة، كادت تهرع صوبها سماح لكن الصدمه الجمتها وهي ترى سمر تقف تكتم ضحكتها بصعوبه، بينما الشاب لا زال يسب ويشتم في الفتاة بل ويحاول التهجم عليها، مشهد يدعوك للغضب والحزن على الفتاة المسكينة، ولكن الضحك ؟؟. 

وهنا رن في عقلها جملة رؤى لها، أنها ليست طبيعية، نظرت لها فرأتها تعود مرة أخرى إلى عملها. 

                               *** 

مساءً...

أعددت سماح كل شيء وانبئت العائلة بأنها ممسوسه، فتصرفاتها غير طبيعيه، وقصت عليهم ما حدث معها وما روته لها رؤى. 

_ بصوا يا جماعه أنا لحد دلوقت مش عارفه مين بالظبط اللي بيعمل كدا، ومش عايزه أسيء الظن في حد، إنها سمر لأن وارد تكون ضحية فاحنا هنعرف الحقيقه الليلة كلكم هتخرجوا برا البيت، وأنا هفضل مستنياها هنا، و ....

قاطعتها والدتها سوسن وهي تقول بغضب:

_ لا واللي بتعمليه ده مش صح ...

نظرت لها سماح بضيق:

_ في إيه يا أمي هو حد قالك هنأذيها احنا كدا كدا كنا هنعمل الرقية الشرعية والشافية يمكن الكابوس اللي في بيتنا ده يروح، وبعدين جايز كدا نقدر نساعد سمر، الخاتم اللي في أيدها غريب،  صورته من غير ما تاخد بالها، وبحثت عنه ..في كلام كتير طلع لي من ضمنها إنه حاجه ليها علاقة بالسحر الأسود، زي ما يكون الخاتم ده فيه قوة مسيطرة على سمر أو فيها شر....

قاطعها عمها محروس والد سمر :

_ لا سمر هي الشر بعينه، مش الخاتم.

تنهدت سماح بقوة:

_ أيًا كان يا عمي، لازم نتصرف لأنها بتأذي ناس كتيرة، أنا بعد تفكير كبير، ربط كل حاجه حصلت في السنوات الأخيرة، وشغلها في تزيين شقق العرسان، وتيقنت إن سمر هي الخيط المشترك، كمان متنسوش أخويا مروان واللي حصله هو وأسماء مراته، سقف الازاز بتاع القاعة يقع عليها يقطعهم وهو مفهوش أي عطل خالص، وقتها قولتوا قضاء وقدر بس دي كانت مدبرة مروان غدر بيها أيوه وهي عندها الدوافع تعمل كدا فيه فكروا شويه .

أردفت حليمة التي عادت بعد ما هاتفها زوجها:

_ بس إزاي هي كانت هنا قدام عينينا؟ كلكم روحتوا الفرح وهي كانت في البيت أنا شوفتها وكمان كانت قاعدة معايا، عارفين وقتها كانت رجلي مكسورة ومقدرتش أروح. 

_ مش عارفه يا مرات عمي، المهم إننا نساعدها وخلاص، اتمنى بجد تطلع ضحية لأن لو طلعت هي اللي عامله البلاوي دي كلها، محدش هيقتلها غيري مع احترامي ليك يا عمي. 

وبعد مرور بعض الوقت ....

ها قد أتت تلك الشيطانة، جالت بعينيها في أرجاء المنزل، مستغربة من هذا الصمت الغريب، أين رحلوا؟.

تقدمت بضع خطوات وقبل أن تنبس بحرف، ظهرت لها سماح تقول ببسمة صغيرة:

_ أهلا يا سمر، كويس إنك جيتي، أهلنا مش هنا وأنا وأنتِ بس اللي في البيت، احم أنا عايزه أقولك حاجه كدا . 

ضمت سمر ما بين حاجبيها بانزعاجٍ وهي ترى ابتسامتها، تقول بغضبٍ مبطن:

_ حاجه إيه ؟.

جلست سماح على الأريكة تقول ببسمة واسعه:

_ جايلي عريس لقطة، مش بس لقطة ده طلع كمان بيحبني وهعيش معاه في تركيا البلد اللي طول عمري نفسها اروحها واعيش فيها، بس خايفه اهلي ما يوفقوش عليه، لأني هروح بلد تانيه وكدا أنتِ عارفه أمي مبقاش ليها غيري، ريماس راحت وقبلها مروان أخويا. 

وضعت سمر يدها خلف ظهرها وهي تتحسس خاتمها، تكبت غيظها وقهرها، وهي ترسم ابتسامة عريضة على ثغرها، فهي على وشك إنهاء تلك السعادة والآن أصبحت لا تكترث إن علموا حتى حقيقتها، مع قوتها الكبيرة، والجنود الذين صاروا تحت إمرتها بأمرٍ من شيطان الجحيم نفسه، لم تعد تخشى شيئًا. 

لذا وسعت ابتسامتها وهي تتقدم نحوها، وبهمس أخذت تتمتم بكلماتها، وهي ترى أفعى عملاقة تلتف حول جسد سماح، التي شهقت بقوة، وهي ترى رأس تلك الأفعى وحجمها، أردفت سمر وهي تقول بسخرية :

_ باي باي يا بنت عمي ابقي سلمي لي على بوراك أمانه لو شوفتيه. 

بثباتٍ غريب أردفت سماح:

_ كنت عارفه إن أنتِ اللي بتعملي كدا من الأول، بس قولت بلاش أسيء الظن ...

قهقهت سمر بملأ فمها، وهي تقول ببسمة:

_ يا حرام يا بنت عمي قد إيه أنتِ طيبة وبريئة وكيوت أوي في نفسك، بس خلاص كل ده هيروح، مفيش حد هايبقى سعيد على وش الأرض طول ما في نفس في صدري ...

تبدلت نبرة صوتها لصوت ذكوري كأنه خرج من قعر الجحيم:

_ سلبتم السعادة مني، وباتت التعاسة نمط حياتي، وسأٔجبر العالم كله على مشاركتي الميتم الذي حبستموني بداخله، ستبكون بدلا عني، سأحيل حياتكم لجحيم. 

سقطت دموع سماح وهي تشعر بالأفعى تضغط على جسدها:

_ أنتِ مريضة بجد وأنا بشفق عليكِ. 

_ وفري شفقتك لنفسك. 

همست سماح بألم:

_ أخويا كان ليه حق يسيبك، بس عارفه مين كان السبب مش أمي زي ما فكرتي، لا ده والدك اللي خلاه يبعد، ومرضيش يقولنا أسباب بس اهو عرفنا السبب لأنك شر يا سمر أنت شيطانة (....) مبتحبيش الخير لحد وحقودة،  كلنا حاولنا نحبك ونغير منك بس مفيش فايدة، ربنا بيقول ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾. 

مع تلاوتها ارتخى ضغط الأفعى عن جسدها، لتضغط سمر على أسنانها بغيظ وهي تصرخ حتى لا تستمع للقرآن. 

أكملت سماح وهي تقبض على جهاز بيدها:

_ طبيعي فشلنا نغيرك، لأنك كدا وهتموتي بشرك، الله عز وجل هيغير من طبيعتك الشريرة إزاي وأنت متمسكة بيها، ورافضة تتغيري،  أنتِ موهومه اخترتي تعيشي في دور الضحية، وخليتي الكل أعداءك وجايين عليكِ، مع إنك في الحقيقه الجلاد اللي عمال يعذب فينا، بقاله سنييين نسيتي طفولتنا واللي كنت بتعمليه كنت تفكري إن أمي السبب في خروجك من المدرسة، لا غلطانه ده بسبب حقدك واذاكِ لكل اللي حواليكِ، نسيتي البنت اللي حبستيها في الحمامات لما كانت هتموت من الخوف وفضلت فترة كبيرة في المستشفى، وده كله علشان كانت شاطرة ومتفوقة وأنتِ لا، مش بقولك إنك مريضة وفي قلبك مرض وغل وحقد. 

ابتلعت سماح لعابها تكمل بدموع شديدة :

_ أنت إيه يا شيخه إيه الشر اللي جواك ده؟ لما اخويا سابك ولقيناك هادية وعقلتي قولنا إن ربُ ضارة نافعة لأنك كنتي زي الحمل الوديع وخدعتينا، وأنتِ بتخططي لأذيتنا، وأنتِ في الحقيقة ألد الخصام، تعرفي كان لازم تموتي يوم ما اتولدتي، باباك كان حاسس من الأول إنك شر، كنت بستغرب ليه أب يقول كدا لبنته ليه ما بيحبكيش؟ بس عرفت دلوقت، كنت في أوقات بتصعبي علينا بس طلعتي خسارة فيك أي حاجه. 

بنبرة غليظة صرخت سمر بقوة :

_ اخرسي ...اخرسي بقولك أنا هقتلكم كلكم ...من انهارده مفيش حاجه هتردعني على اللي في دماغي هدمركم يا .._تبدل صوتها مرة أخرى _ جنس آدم، الجن والشياطين  اللي هيحكموا ويسيطروا على العالم، وأنا هكون معاهم وأنتم هتموتوا كلكم، مفيش سعادة ومفيش فرح فيه حزن وأسىٰ وبس، هقهر قلوبكم واعذبكم. 

وفجأة اخترق المكان آيات تتلى إلى قيام الساعة بصوت قوي في تلك المكبرات التي كانت أعدتها سماح بعد أن ضغطت على زر التشغيل. 

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

صرخت سمر بقوة تركع على الأرض بركبتيها، وهي تضع كلتا يديها على أذنيها. 

خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

ابتسمت سماح وهي تتلو مع الشيخ بصوت قوي، تصرخ بكل قوتها، لتنسل الأفعى من حول جسدها، تتجه صوب سمر تلتف عليها. 

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ

تعالى صراخها أكثر، وهي تنزوي على نفسها وتشوفار يعتصر جسدها، من شدة الهول ووقع الكلمات على مسامعه، بل وخرجت مئات الأفاعي الصغيرة والثعابين لتلتف حولها أيضًا، في حين بهتت ظلالها وتلاشت كالسراب حينما أشارت إليهم بتدمير تلك السماعات الضخمة، ولكن لم يستطيعوا أن يحركوا ساكنًا. 

يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ

تهدل وجهها وبدأت تقطع فيه بأظافرها وهي تصرخ بقوة ويتبدل صوتها كل ثانية وأختها متمتمة. بكلمات لن تتعدى حلقها، ليتساقط الجلد عن وجهها، وشعرها بينما ثعابينها وأفاعيها تحاول الاختباء في جسدها هروبًا من سماع الكلمات المعظمة، وبرزت بقع غريبة على جسدها، وبدأت تنزف دما من كل مكان في جسدها، أثر التهام الثعابين لجسدها والأفاعي، لتبدو بشكلٍ مقرف للغاية، أقبح ما يمكن للعين أن تراه. 

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 

وعند الآية التالية رددت سماح بعيون باكيه 

أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ

وقفت سمر تنظر إلى يديها التي تساقط اللحم عنها وهي تصرخ بحرقة، حينما اختفت يدها داخل فم الأفعى، بينما اسود جسد تشوفار وصار كالرماد، تساقطت دموعها، أين طاقتها أين جمالها؟ أين ذهب جبروتها؟ أنسيتِ أن الله فوق الجميع وأن لا قوة فوق قوته، خانتك قواكِ وجبروتك أمام الله، وما تركه لهم ليعيثوا في الأرض الفساد ويؤذوا عباده بضعفٍ_ حاشاه _ عن منعهم، ولكن يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار. 

وقعت عينيها على كل ضحية تسببت بقتلهم ينظرون إليها وعلى محياهم ابتسامة عريضة، وهم يرددون الآيات القرآنية مع سماح، تقدمت منها سماح مخرجة سيف قديم يعود إلى جدها،  ثم بلا تردد وضعته في منتصف صدرها والافاعي تملأ جسدها لتشتعل تلك النار التي بداخلها وتلتهمها هي وأفاعيها اللعينة. 

تمت بحمد الله 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1