![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الخامس والثلاثون والاخير بقلم نورهان ال عشري
" آثام لا تغتفر و عشق لا يُنتسى، وحقائق لا يُمكن التبرأ منها"
تختلف طبائع البشر إلى حدٍّ قد يُصيبنا بالحَيْرة؛ فهناك من يتدثَّر بأقنعة شتّى تُخفي ما يختلج في أعماقه من زيفٍ وقُبْحٍ، وهناك من يحاول زخرفة قُبحه، فيكسوه بعباءة الحُب المُطرَّزة بالعواطف الكاذبة التي تمنحه مظهرًا جماليًّا خادعًا في أعين المُغفَّلين، وهناك من ضلَّلتهم الأنانية وأعمت بصيرتهم، مما أدّى إلى اختلال ميزان الإدراك لديهم، فأصبح تجاوزهم في حقوق الغير أمرًا مُبرَّرًا ودفاعًا مشروعًا عن حقوقهم المزعومة.
ومع غياب الضمير واندثار أثره، يشرعون في تزيين أفعالهم وإقناع الجميع بعدالة مسارهم. كلُّ هؤلاء ضلّوا عمدًا، ولم تخدعهم الطُّرقات، بل سلكوها عن وعيٍ وإدراكٍ . لذا لا تقل : "تغيّروا"، بل قل : "سقطت أقنعتهم المُزيَّفة"، ولا تتساءل لِمَ تبدَّلوا ليُصبحوا بهذا السوء، بل قل : "انقشعت الغمامة عن عينيَّ، فأصبحتُ أرى حقيقتهم جيّدًا". فهذه هي وجوههم الحقيقية، وتلك الصورة الرائعة التي كنتَ تراهم بها ليست سوى انعكاسٍ لروحك التي كانت أنقى من أن تُلوِّثها قذارتهم.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
شعرت بالاختناق من استفهامات ضابط الشرطة، و من خوفها من الإدلاء بما حدث ذلك اليوم بينها و بين المدعوة عنايات لتستغل انشغال ياسر معهم، و تخرج لاستنشاق الهواء لتجلس قليلًا في الحديقة، و لكن سرعان ما لفت انتباهها إمرأة حامل تمشي بحذر و ذراعي زوجها تُحيطها بحنو، ليتولد داخلها شوق كبير للحظة مثل هذه، و فجأة خطر على بالها فكرة قد تُفيدها لتشرع في تنفيذها فوراً بأقدام مُتلهفة، و قلب يدُق بعُنف ويتمنى لو تساعدها طبيبة النساء و التوليد في فهم حالتها، و هل ستؤثر عليها في المستقبل ؟ لا تعرف شعرت بأنها بحاجة للبوح لشخص تعلم أنها لن تراه مرة أخرى. وصلت إلى الطابق الخاص بهذا القسم لتجده فارغ، فأخذت تتلفت حولها لرؤية أي شخص تسأله عن الطبيبة، ولكن لفت انتباهها أحد الممرضات التي كانت تتلفت حولها قبل أن تُشير إلى أحداهن و التي كانت إمرأة ستينية و معها فتاة جسدها ضئيل نوعًا ما، فاقتربت غنى التي احتمت بعربة النظافة لتستمع إلى همسهم الذي جعل حفنة الوخزات تجتاح جسدها كالإبر
ـ بصي انا فضتلك العيادة، و قولتلهم الدكتورة بتتغدى، و هدخلك ليها من الأوضة دي و لما تخلصوا هتطلعوا منها بردو .
ـ عفارم عليكِ. خدي دول عشانك.
أنهت المرأة البغيضة حديثها وهي تدس يدها في ملابسها العلوية لتخرج حفنة من النقود، و تضعها بين يد الممرضة، ولكن ما قبض قلب غنى حد الألم هو هذه الفتاة التي كانت ترتعش كالشاة قبل ذبحها و على وجهها علامات الضرب التي كانت تشبه التي شوهت وجهها ذات يوم لتجرفها الذكرى المؤلمة التي جعلت جسدها يقشعر، وهي تتخيل أن تُلاقي هذه الفتاة نفس المصير السيء الذي آل إليه حالها، و هنا أخذ عقلها يستيقظ من وطأة الذكريات الأليمة وهي تُفكر في منع هذه الكارثة، فكرت أن تُعلم ياسر و لكن سيكون الوقت قد أزف، فما العمل؟
انتظرت حتى خرجت الممرضة من الغرفة إلى الحمام المُقابل لها، و توجهت إلى الغرفة ودقات قلبها تضرب بعُنف الم صدرها من فرط الخوف، فلم تُمهل نفسها الوقت حتى للتفكير بل انساقت وراء خوفها على تلك الفتاة لتقوم بفتح باب الغرفة بعُنف و عينيها على سرير الكشف لتبهت ملامحها، وهي ترى الزمن يُعاد مرة أخرى، فقد كانت الفتاة تبكي وهي نائمة على السرير، و قدميها مرفوعتان لأعلى و فوقهم ملاءة بيضاء تتناقض مع سواد قلوبهم، هذه الشمطاء تخبرها بأن تثق بها مثلما فعلت عنايات معها، و الطبيبة توشك على ارتكاب هذا الجُرم لتصرخ غنى بقوة آلمت أحبالها الصوتية
ـ يا مجرمييين.
لحظة هوجاء لم يعرف فيها أيًا منهما ماذا يفعل، فالطبيبة خلعت جوربها البلاستيكية و تراجعت للخلف، والمرأة شهقت بعُنف، وحدها الفتاة من اعتدلت وهي تحاول ستر نفسها وسط نهنهاتها التي تردد صداها في أرجاء الغرفة، لتهرول غنى تجاهها وهي تحتضنها وتصرُخ بجنون
ـ ابعدي عنها يا مجرمة. عايزة تعملي فيها ايه؟
استعادت المرأة جبروتها وهي ترى زوجة ابنها بين أحضان غنى تتوسلها بأن لا تتركها
ـ أبوس ايديكِ متسبنيش.
لتهتف المرأة بتجبر
ـ جرى ايه يا مخبولة أنتِ؟ شيلي ايدك من عالبت.
غنى بهياج
ـ أنا مخبولة يا شيطانة! عايزة تقتليها عشان تحيي ابنك المريض
المرأة بصدمة
ـ أنتِ تعرفي ابني منين يا بت أنتِ؟ مرض لما يبقى ياخدك.
هنا تدخلت الطبيبة بارتباك
ـ أنتِ ازاي تتجرأي و تقتحمي غرفة الكشف بالطريقة دي! أنتِ مين أصلًا تعرفيها!
تراجعت غنى إلى الخلف وهي تصرخ فيما بينهم
ـ بس يا مجرمة منك ليها. عايزين تضيعوا البت الغلبانه . مش هسمحلكوا.
كان انفعالها و هياجها بهذه الطريقة أمرًا مُثيرًا للدهشة، فقد كانت تحمي الفتاة و كأنها تعرفها. تُشير إليهن بأصابع الاتهامات وكأنها تعرف ما حدث، والحقيقة أنها كانت تفعل ما تمنت لو أنه أحدهم قام به عنها. انساقت خلف أمنية لطالما احتجزت خلف جدار المُستحيل بأن يعود الزمن بها إلى الخلف، ويُنقذها أحد من بين براثن الذئاب. تصرُخ من أجل هذه الفتاة تمامًا كما تمنت أن يصرُخ لأجلها أحد. تحتضنها بقوة تشبة القوة التي تمنت لو عانقها بها أحدهم في هذه اللحظة. تُثيؤ زوبعة من الفوضى لتحول بين هذا الفعل الدنيء، و تُلقي الضوء على جرائم تُرتكب في الخفاء، و أرواح تُنتهك برائتها خلف الجدران دون أن يشعر بها أحد
ـ لاااا دا أنتِ باين عليكٓ مجنونة. أنا هطلبلك الأمن.
غنى بنبرة بُحت من فرط صُراخها
ـ أيوا اطلبي الأمن. أنا عايزة الأمن ييجي.
ثم التفتت إلى الفتاة وهي تستفهم بحروف مُبعثرة
ـ أنتُ أهلك فين؟
الفتاة بنبرة ترتجف رعبًا
ـ ابويا ميت و أمي متعرفش حاجة.
عند هذا الحد شعرت المرأة بالذُعر، فاقتربت تجذب الفتاة من بين يد غنى وهي تصيح بجهامة
ـ اوعي قطع ايديك. مالك أنتِ و مالها، و مال أهلها. غوري امشي من هنا، و لا شوفيلك مستشفى مجانين تلمك.
كادت أن تقع لولا أنها استندت على مقبض الباب الذي انفتح لتدلف الممرضة و هي تقول بذُعر
ـ ايه الصويت دا في اي؟
صاحت الطبيبة بلهفة
ـ خدي المجنونة دي طلعيها بره على ما أطلبلها الأمن.
صاحت غنى بانفعال
ـ اللي هيقرب مني هوديه في ستين داهية.
اطبقت الممرضة الضخمة عليها وهي تحاول جرها إلى الخارج، و في هذه الأثناء كان ياسر يبحث في كل مكان عنها إلى أن صُدِم حين شاهد أحد الممرضات وهي تجرها بعُنف ليصرُخ بصوت جهوري ارتجت له جدران المشفى
ـ شيلي ايدك من عليها.
انتفضت المرأة مذعورة من هذا الصوت، قبل حتى أن تُفكر كانت غنى تندفع إلى طوق الأمان المتمثل في ذراعيه وهي تصيح بملء صوتها
ـ ياسر.
احتضنها بقوة كمن عُتِقت رقبته من طوق المشنقة قبل إعدامه بلحظات، فخسارتها تعني هلاكه، ولكنها لم تُعطيه الفُرصة حتى للإطمئنان عليها بل ارتدت إلى الخلف وهي تصيح بانفعال
ـ الحقها يا ياسر. الحقها هيضيعوها.
ياسر بعدم فهم
ـ مين دي اللي الحقها؟
جذبته من يده وهي تصرُخ
ـ تعالى بسرعة.
دلفت خلفها إلى الغرفة التي كانت خالية الا من الطبيبة التي ترتجف ذعرًا، ولكن في الجهة الأخرى من الغرفة كانت المرأة تغادر عبر الباب الخلفي لتصرُخ غنى بهياج
ـ استني يا مجرمة.
اندفعت وهو خلفها لتلحق بالمرأة و الفتاة التي تعثرت وكادت أن تسقطت لتحول بين محاولتهم للهرب، فأمسكت غنى بشعر المرأة وهي تصيح بجنون
ـ رايحه فين؟ فاكرة نفسك هتعرفي تهربي يا عنايات.
كان المشهد غريبًا على الجميع، و أولهم ياسر الذي اقترب ليخلص المرأة من بين يديها وهو يهتف بانفعال
ـ كفاية يا غنى. عرفيني في ايه؟
احتشد الجميع على أصوات الصُراخ، فلم تعرف شفاهها طريقة للتعبير عن ما يحدُث، و لكن أتاها صوت يزيد اللاهث وهو يستفهم
ـ في ايه يا غنى ؟ صوت صريخك قالب المستشفى كلها!
اندفعت تجاهه وهي تهتف بتعلثُم و نبرة مبحوحة
ـ يزيد. الحق البنت دي . الدكتورة المجرمة و الست دي كانوا هيضيعوا مستقبلها.
يزيد وقد وصل إليه أن الأمر خادش للحياء، فالتفت إلى الفتاة المُرتجفة بملامحها المتورمة و هذه الكدمات التي تُفسِد رونق معالمها، فأتاهم صوت ياسر الغاضب
ـ أنا عايزة اعرف في اي؟ و مين البنت دي ؟ تعرفيها منين!
ارتسم العذاب فوق ملامحها و أجل التوسل من عينيها وهي تطالع يزيد الذي اقترب من الفتاة وهو يقول باستفهام
ـ الست دي تبقالك ايه؟
الفتاة بنبرة مُرتجفة
ـ حماتي.
المرأة بذُعر من افتضاح أمرها
ـ أنت مين يا جدع أنت؟
يزيد بنبرة جافة بعد أن وصل إلى عقله حقيقة الأمر
ـ أنا الدكتور يزيد، و البنت دي باين عليها قاصر، و جوازها جريمة، و أنا لازم ابلغ البوليس.
شهقت المرأة من تهديده الواهي لتقترب غنى من ياسر وهي تقول بتوسل
ـ خلينا نكلم أهلها يا ياسر .
ياسر بحنق
ـ هو انا اعرفها عشان أعرف أهلها!
التفت يزيد إلى الفتاة وهو يستفهم قائلًا
ـ معاكِ رقم حد من أهلك.
ارتجف جسد الفتاة حين التفتت الى المرأة المدعوة بحماتها التي رمقتها بوعيد ألجم الكلمات فوق شفاهها ليرى ياسر ما حدث، فاقترب منها وهو يقول بنبرة صارمة
ـ متخافيش من أي حد. محدش هيقدر يقربلك و احنا موجودين.
ما أن لامس نسيم الأمان صدرها حتى هتفت بلهفة
ـ معايا رقم خالي.
ياسر باختصار
ـ مليهولي.
أخذ ياسر الرقم و ادخل يزيد غنى و الفتاة إلى أحد الغرف لتحتضنها غنى و كلتاهما تبكيان بقهر لتخرج الكلمات ملتاعة من بين شفتي غنى
ـ ضربك جامد
الفتاة من بين بكائها
ـ كسر عضمي، وانا والله ما عملتله حاجة.
شددت غنى من احتضانها وهي تهتف بغل
ـ يارب تتكسر أيده.
رفعت الفتاة رأسها تطالعها بقهر تجلى في كلماتها حين قالت
ـ أنا معرفش انا عملت أيه؟ انا كنت بحبه. معرفش ليه عمل فيا كدا؟ والله ما عملت حاجة ولا غلطت في حاجة
تعالت شهقات غنى التي نزفت جميع جروحها الداخلية و الخارجية وهي تهتف بنبرة متقطعة من فرط بكائها
ـ عارفة انك معملتيش حاجة. عارفة انك ملكيش ذنب. عارفة.
مر وقت لم يكُن طويل حتى حضر أهل الفتاة ليتحدث إليهم يزيد، فصرخت والدتها بتحسُر
ـ بنتي. عملوا أيه في بنتي؟
يزيد في محاولة لتهدئتها
ـ متخافيش يا حاجة. بنتك كويسة. محصلش حاجة.
ـ طب هي فين عايزة أشوفها؟
اخذها يزيد إلى الغرفة المتواجد بها الفتاة وغنى لتصرُخ والدتها بفزع حين رأت وجه ابنتها
ـ يا قلبي يا بنتي.
اندفعت الفتاة إلى حضن والدتها التي كانت تبكي وتنوح وهي تشدد من عناق طفلتها و تُكرر بوعيد
ـ ولاد الك... عملوا فيكِ ايه؟ ولاد الك… والله لهكلهم بسناني.
اقتربت منها غنى وهي تقول بلوم
ـ و سبتيها ليهم ليه من الأول ؟
المرأة بانفعال
ـ والله كانت بتحبه و بيحبها، ويوم لما روحت أزورهم في الصباحية المخفية حماتها قالت أنهم سافروا الغردقة يقضوا شهر العسل. والله ما اعرف. احكيلي عملوا فيكِ ايه يا بتي؟
هنا تدخل يزيد الذي تحدث بحرج
ـ معلش يا حاجة لازم الدكتورة تكون حاضرة الكلام عشان نوفر عليها انها تحكيه مرتين، لأنها لازم تكشف عليها، و تعرف هل حالتها محتاجة تدخل طبي، لاتمام عملية الزواج، ولا لا، و بعد كدا هنحدد.
اومأت المرأة بلهفة ليرشدهم يزيد إلى أحد الطبيبات التي يقف بها، و بنزاهتها ثم عاد إلى غنى يناظرها بريبة تجلت في نبرته وهو يتحدث أثناء تضميد جراحها
ـ هو أنتِ عرفتي اللي حصل ازاي؟
تجاهلت استفهامه، و استفهمت بنبرة جافة
ـ أنت واثق من الدكتورة دي؟
يزيد بتأكيد
ـ طبعًا واثق.
غنى باستفهام
ـ الموضوع هيطول!
يزيد باختصار
ـ لا.
ـ ينفع امشي، و تبقى تطمني عليها بالتليفون؟
يزيد بتحيُر
ـ لا مينفعش. عشان لو طلعت فعلًا حالتها تستدعي التدخل الجراحي لا الدكتورة هتسكت ولا حماتها، و المستشفى لازم تتحفظ على كل الموجودين لحد ما نعرف الدنيا فيها ايه؟
أومأت برأسها، ليغادر دون الضغط عليها أكثر فمر الوقت على ظهر سُلحفاة، وهي تجلس صامتة و كأنها في عالم آخر تحارب شياطين الذكرى الأليمه لما حدث لها، ولكن تبدد كل شيء حين دلف يزيد إلى الغرفة وهو يقول بنبرة قاتمة
ـ كان عندك حق.
غنى بلهفة
ـ طب و هتعملوا ايه؟
يزيد بهدوء
ـ أهلها هيحرروا محضر بواقعة الضرب وطبعًا هنذكر اللي حصل، و الموضوع كبير بس متقلقيش حق البنت هييجي، كل حاجة في صالحها.
اومأت بصمت ليدلف ياسر إلى الداخل، وهو يناظرها بغموض تجاهلته وهي تقول باختصار
ـ عايزة امشي.
لم يُجادلها أحد لتتوجه مع ياسر الى السيارة بأعيُن شاردة إلى البعيد و ذكرى هذا اليوم البعيد تستعرض بوضوح أمام ناظريها، و كلمات هذه المرأة المقيتة تتردد بأذنها
ـ خلاص يا عين خالتك. دلوقتي بقيتي مدام، عيزاكي بقى أيه تنسي اللي حصل دا، و تفوقي لبيتك و جوزك. عيزاكي تحت رجله.
كان الألم يفتك بروحها وهي تتذكر كم بكت من فرط الألم الجثماني، و كيف تم هتك برائتها بقسوة، و كأنهم أرادوا أن تظل هذه الذكرى محفورة في عقلها و قلبها إلى الأبد.
كان يطالعها بنظرات يملؤها التساؤل، و عقل تدور به الأفكار كالطواحين مما جعله يهتف بحدة
ـ ممكن اعرف في ايه؟ و تعرفي البنت دي منين؟ و ايه عرفك باللي حصل معاها؟
ابتسامة جانبية ساخرة ارتسمت على ثغرها وهي تهتف بمرارة
ـ أنا اكتر واحدة عارفة اللي حصل معاها.
ياسر بنبرة أشبه بالجنون
ـ يعني ايه دا فهميني!
لم تُجيبه انما وضعت يدها حول رأسها، فقد أوشكت على الإصابة بسكتة دماغية من فرط الضغط ليُقرر إنهاء الحديث إلى أن يصلوا، وما أن توقف سيارته حتى ترجلت و هي تتجاهل صراخه لتهرب من ذكرياتها و منه و تدلف إلى غرفتهم وهي تُغلِق الباب خلفها في وجهه لتسقط على الأرض وهي تبكي كما لم تفعل من قبل، مما جعله يصل إلى حافة الجنون وهو يصرُخ بهياج
ـ غنى. افتحي الباب يا غنى . قوليلي في ايه؟
فوصل صوته إلى روضة التي هتفت بلهفة
ـ في ايه يا ياسر ؟ غنى مالها!
نفى عقله هذا الهاجس الذي دق ابوابه ليُجيبها بضياع
ـ مش عارف.
وضع يده فوق جبهته وهو يدور حول رأسه بأنفاس مُتهدجة، فتعالى صوت شهقاتها ليصرُخ بعُنف
ـ هيام. فين هيام ؟
روضة بذُعر
ـ في أوضة حمادة.
توجه إليها وهو يفتح الباب بعُنف، وما أن وجدها حتى صرخ بجنون
ـ هيام.
هيام بذُعر وهي تنتفض من جانب صغيرها
ـ في ايه يا ياسر؟
ياسر بنبرة غاضبة جريحة
ـ تعالي شوفي غنى مالها!
ـ مالها غنى.
توجه إليها يجذبهاو يجرها خلفه وهو يزأر بغضب
ـ اعرفي منها في ايه؟
هيام بلهفة
ـ انتوا اتخانقتوا ولا ايه؟
أخذ يدور حول نفسه وهو. لا يعرف بماذا يُجيبها فقط هتف من بين عبرات تهدد بالهطول
ـ معرفش. شافت ست في المستشفى واخدة مرات ابنها للدكتورة عشان…
صمت لثوان وعقله يستنكر ما يحدُث وشفتاه لا تعرف كيف تعبر عنه ليصرخ بعُنف
. اعرفي منها حصل ايه؟ اعرفي حالتها دي ايه سببها ؟ انا خلاص قربت أتجنن.
صرخ بجملته الأخيرة مما جعل هيام تنتفض بجانبه وهي توميء برأسها بلهفة و تتوجه إلى غنى قائلة
ـ افتحي يا غنى. أنا هيام. افتحيلي.
في هذه اللحظة كان تستطيع الحديث مع أي شخص في العالم سواه. هو الوحيد الذي لا تستطِع سرد معاناتها و مأساتها أمامه. لذا فتحت الباب لتدلف هيام إلى الداخل و تغلق الباب خلفها وهي تشهق بصدمة
ـ ايه اللي عمل فيكِ كدا ؟
دون حديث ارتمت بين ذارعيها تبكي بحرقه، وجسدها يهتز من فرط الألم الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ أنا ليه ملقتش حد يلحقني! أنا ليه محدش صرخ وقال الحقوها؟ ليه محدش نجدني من بين أيديهم يا هيام ليه؟!
تناثر الدمع من بين عيني هيام تأثرًا بحالتها التي تجهل ما أوصلها إليها لتجذبها إلى السرير و تجلسها فوقه وهي تهتف بعدم فهم
ـ فهميني في ايه و مين دول ؟ انا مش فاهمة حاجة.
سرحت نظراتها في البعيد وهي تهتف بنبرة مُلتاعة
ـ عنايات و رأفت.
هيام بلهفة
ـ مالهم عملوا فيكِ ايه؟
غنى بأسى من بين عبراتها
ـ دمروني. مكنتش عارفة حاجة، ولا فاهمة هو بيضربني ليه؟ ضربني وانا بفستان فرحي. بقيت اصرخ عشان حد يرحمني و ملقتش. حتى وانا في المستشفى. معرفش خدتني ليه و لا كنت اعرف هتعمل فيا اي؟
صمتت هيام لثوان لتحتضن غنى نفسها بذراعيها وهي تهتف بأسى
ـ أنا ليه موجوعة. لسه شايفة دمي وهو على أيديهم. كنت بحاول انسى. بس النهاردة شفت اللي حصلي بيحصل لواحدة تانية غيري.
بدأت هيام بفهم ما حدث ليقشعر جسدها وهي تناظر غنى كالتمثال لتهتف الأخيرة بلوعة
ـ شوفت عذابي كله. نفس النظرة. نفس الخوف. نفس الرعشة.
كانت شهقاتها تتردد بكل انحاء الغرفة، وهي ترى ذلك المشهد يُعاد أمامها بحذافيره لتضع يدها فوق صدرها وهي تقول بنبرة مُتهدجة من فرط البكاء
ـ دبحني. دبحني بدل المرة ألف. انا كنت بموت بين ايديه، و ملقتش حد ينجدني منه. سابوني. سابوني ليه و ليها. انا كنت خايفة. مش فاهمه. مش قادرة انطق بحرف.
ـ ابوس ايدك اهدي جرحك فتح تاني.
هكذا هتفت هيام وهي ترى يدها تنزف ، ولكنها لم تكُن تستمع إلى أي شيء سوى صراخه عليها. بل كانت تشعر بضرباته التي لازالت آثارها محفورة بين ثنايا روحها لتهمس بنبرة مبحوحة من فرط البكاء
ـ كان بيداري عجزه فيا. كان بيطلع كل طاقته في تعذيبي، و كأنه كان بياخد الأدوية دي عشان يموتني. كان بيحملني سبب عجزه، وانا مكنتش فاهمه ولا عارفه أنا ايه ذنبي!
صمتت لثوان قبل أن تقول بنبرة تقطر قهرً ووجعًا
ـ انا ايه ذنبي؟
احتوتها هذه اليد الحانية وهي تحاول وقف النزيف الذي بدأ بالعودة مرة أخرى بصورة أقوى، ولكنها كانت في وادٍ آخر ترى صورتها وهي أسفل قدميه وهو يمارس عنفه المريض فوق ساحة جسدها الذي أخذ ينتفض و هي تصرُخ بحرقة
ـ انا شفت كل دا النهاردة تاني. حسيت بيه كله تاني.
أخذت تصرُخ و كأن مسًا من الجنون طالها وهي تهتف و كأنها وقعت أسيرة لمس شيطاني
ـ بكرهك يا رأفت. بكرهك. بكرهك يا ياسر. بكرهكوا كلكوا.
أخذت تتخبط بين يدي هيام لينفتح الباب و يطِل منه ياسر الذي تراشقت كلماتها كالخناجر في صدره، فقد فطن إلى حقيقة ما حدث معها، و كل هذا الظلم و القهر الذي تعرضت له لتأخذه أقدامه إليها لتتفرق نظرات هيام بينهم، لتقرر الهرب، فهي الأخرى كانت تعاني من جلد ضميرها لتتركهم برفقة الألم و اللوعة و القهر الذي يُخيم على كليهما ليقترب ياسر و هو يعانق ظهرها بقوة، فشعرت به لتتعالى شهقاتها وهي تضع يدها فوق وجهها خذيًا لا تعرف سببه، ولكنه كان شعور مرير آخر انضم لكل هذه المشاعر المؤلمة التي تحياها ليُشدد من عناقها وهو يبكي كالأطفال لتتعانق شهقاتهم التي دوى صداها في أرجاء الغرفة
في الخارج كانت تبكي هي الأخرى ذنبًا يشتد طوقه حول عنقها يومًا بعد يوم، ولكن الآن أصبح خانقًا حد الموت، و خاصةً حين استمعت إلى كلمات جابر الجارحة
ـ دلوقتي بتعيطي يا هيام! معيطيش ليه و أنتِ بتفرقي بينهم؟
شهقت روضة بصدمة و التفتت هيام تناظره ورأسها يلتف في كلا الجهتين، و عينيها تتوسله بالرحمة ليصرُخ جابر بلوم
ـ مبكتيش ليه وأنتِ بتبعتي مها تتبلى على اخوكي عشان توقع بينه و بين حبيبته ؟
صدمة قوية اجتاحت الجميع تلاها صوت إرتطام قوي، فالتفت كُلًا من جابر و هيام و روضة و يزيد القادم من الخلف لتبرق الأعيُن حين رأت ياسر الذي خر على ركبتيه من فرط الصدمة في شقيقته..
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ♥️
★★★★★★★★★
ما أثقل شعور شخص خُيّل له أنه بيده مفاتيحُ الجنة، ليفيق بعد وهلةٍ على حقيقة أنه سجين لجحيم ينهش في روحه دون رحمة !
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
لأول مرة منذ زمن بعيد يشعر بأن هواء الصباح رائعًا، ولما لا! و قد قضى ليلة البارحة في الجنة بين ذراعيها. هذه الفتاة التي شغلت عقله و قلبه في الفترة المنصرمة، وقد كان يقاومها بشتى الطرق خوفًا منها و عليها، و من ذلك الذنب الذي يطوق عنقه تجاهها، فهي تُعاني من جُرح كان هو من حفره بقلبها و جسدها تلك الليلة حين وضع له ذلك الوغد السُم في المياة، ليغيب عقله، و يتلبسه شيطان رچيم كاد أن يقتل هذه الفتاة بين براثنه، لولا صوت أذان الفجر الذي لا يعرف من أين جاء، ربما من أحد المساجد البعيدة، لينقذه و ينقذها، و على الرغم من أنه كان عاقب شعبان على ما فعله إلا أنه لازال ناقمًا على نفسه، و لهذا استمع الى حديث خالد حين أخبره أنه عليه دين يجب تسديده، وهو الزواج بها، فهو لم يُخبر أحد عن هذا الجرم الذي كاد أن يرتكبه سواه.
تناول هاتفه من جيب جلبابه الصعيدي وقام بالإتصال على خالد الذي أجاب ساخرًا
ـ ايه يا عمدة. أخيرًا اتصلت عليا.
رحيم بحنق
ـ بجولك اي متحسسنيش اني جاطعك بجالي زمن.
قهقه خالد بصخب على حديثه قبل أن يُجيبه بنبرة ماكرة
ـ سيبك انت. مش هتاخدني بالكلمتين دول. أموت واعرف ايه اللي كان شاغلك اوي كدا يخليك تخلع قبل الجون على طول! قر و اعترف.
زفر رحيم بحدة قبل أن يقول بإزعان
ـ حبيتها يا خالد، و مجدرش اخبي عليها أكتر من اكده.
خالد بخشونة
ـ جمد قلبك، واحكي وابدأ معاها على نور، ولو مهما عملت انت هتقدر تحتويها. دا أنت وتيدي على أبوه هو أنت أي حد!
رحيم بنبرة مغمومة
ـ ادعيلي يا واد عمي.
ـ ربنا معاك. المهم قولي ايه الدنيا عندك!
هكذا استفهم خالد ليُجيبه رحيم بسعادة
ـ زينة جوي. لعبناها صوح، و الكلب لساته في المركز، و على ما يفوج نكون ظبطناها.
خالد بحبور
ـ عال اوي الكلام دا، وان شاء الله تكون عمتك فاقت، و نقدر نعرف منها اللي حصل.
استرعى انتباهه صوت صرخة مكتومة، فارتجف قلبه، ليغلق الهاتف مع خالد وهو يتوجه إلى الداخل ليجدها تتوسط السرير جالسة، وهي تضم الشرشف حول جسدها، و خصلات شعرها المُشعثة تخفي ملامحه وجهها عنه، فانتفضت لوعات الشوق بداخله، وهو يرى الغرفة التي تبعثرت بالكامل من أثر ليلتهم الصاخبة، ليتحمحم بخشونة وهو يبلل حلقه قبل أن يتحدث قائلًا
ـ من ميتا، وأنتِ صاحية؟
لم ترفع رأسها إليه أو تُجيبه، فالتفت يجلس بجانبها لترفع رأسها ناظره للبعيد ليُصدم بملامحها المنكمشة بألم و عينيها التي فاض منها الدمع كالسيل على وجنتيها وهي شاخصة بنظراتها إلى البعيد، فاقترب منها رحيم بلهفة، وهو يستفهم بلوعة
ـ حوصول ايه يا نچاة؟
انتفضت كالملدوغة من جانبه، وهي تصيح بعُنف
ـ بعد عني. اوعاك تلمسني.
تجمدت أوصاله من فرط الصدمة لحديثها لتتراشق ألسنة الاتهامات من عينيها التي ناظرته بكره ليهتف بنبرة جافة من فرط الخوف
ـ ليه بتجولي اكده؟
نجاة بألم و نبرة جريحة
ـ عشان بكرهك.
انغرزت أنصال كلماتها في أعمق نقطه من فؤاده، لتنكمش ملامحه بألم اجتاح نبرته حين قال
ـ بتكرهيني يا نچاة!
تدلّى الحزن من عينيها، وتكسّرت بقاياه في نبرتها، كزجاجٍ هش تحطم من فرط القسوة حين هتفت قائلة
ـ أنت اللي عِملت فيا اكده. أنت اللي أديلي سنين بعاني بسببه. أنت اللي چريت ورايا الليلة دي، و كنت عايز تجتل روحي.
قالت جملتها الأخيرة بنبرة صارخة، تنزف حروفها دمًا لا يُرى لجروح تؤلم حد الموت الذي جعل الندم يتبلور في عينيه، و ينبلج في نبرته كاعتذارٍ متأخرٍ أثقلته الدموع حين قال
ـ مكنتش في وعيي.
لم تكُن في وضع يسمحلها أن تستمع لمبرر، فقلبها غارقًا في طعناته، وروحها المذبوحة ترفرف يائسةً كطائرٍ مكسور الجناح يبحث عن نجاة، فمن أسماها نجاته تبحث عن مُعجزة لتنجو لذا صرخت بانفعال
ـ اسكت. اوعاك تبرِر. اني شوفتك بعيني، اديلي سنين بعيش كل ليلة وچعى، و اجوم مفزوعة ادعي على اللي عِمل فيا أكده، و النهاردة بس شفتك. شفت عنيك و وشك و ملامحك. كان أنت. أنت الشيطان اللي جتلني. أنا بكرهك. بكرهك. بكرهك. يا رحيم يا وتيدي…
اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْهَرَمِ، وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ♥️
★★★★★★★★★★★
أخيرًا نجحت محاولتهم في السيطرة على هذا الحريق الذي بدا لوهلة كالجحيم الذي لا ينطفيء أبدًا، و على الرغم من الجراح المتفرقة، ولكن الانتصار عليه فاق كل شعور له الآن، لتطوف نظراته على المكان حوله الذي تحول إلى رماد مُحترق، و هناك تساؤلات تتناحر بعقله عن كيفية حدوث كل هذا الدمار؟
ـ يا كبير. الحج. يا كبير.
كانت الأنفاس تتشاجر بصدره، فلم يكن ينقصه مُصيبة أخرى ليهتف بغضب
ـ ايه تاني يا غراب البين أنت ؟
الخفير بأنفاس متقطعة
ـ الحكومة يا كبير. چايين يجبضوا عليك.
رماح بصدمة
ـ وه! يجبضوا على مين يا حمار انت! داني المضرور!
لم يكد يُتهي جملته حتى تفاجيء من أفراد الشرطة المُسلحين تحسباً لأي مقاومة يتقدمون منه، و الضابط يهتف بجفاء
ـ يالا معانا يا رماح.
رماح بتهكم
ـ خبر ايه يا بيه؟ چايين تاخدوا المچروح بدل ما تشوفوا مين چرحه؟
الضابط بفظاظة
ـ المجروح خاطف و متهم بشروع في قتل!
رماح بصدمة
ـ مين دا اللي عتتكلم عنِه؟
ـ أنت يا رماح. متهم بخطف بدرية سليمان، و الشروع في قتلها.
رماح بحنق
ـ كيف ده؟ حد يجتل مرته يا بيه!
الضابط بتهكم
ـ يا راجل، و حد بردو يضرب مراته ويرميها في مخزن عشان تموت بالبطيء. هاتوه.
لم يقاوم، فقد كان يعلم بأنه سيخرج من الأمر كخروج الشعر من العجين، ولكن عقله كان يعمل في اتجاه آخر إلى أن اقترب منه أحد رجاله ليهمس بجانب أذنه بشيء جعل ملامحه تتبدل إلى شيء آخر لا يسر المرأ في النظر إليه، ليتحول فجأة إلى مسخ يقاوم للهروب، فألقى الضابط أوامره ليتجمع حوله العساكر و يحاولون السيطرة على هذا المسخ الضخم إلى أن استطاعوا تكبيله، و الزج به في سيارة الشرطة رغم زئيره الذي أفزع جميع المتفرجين.
اللهم إني أعوذ بك من فواجع الأقدار، ومن فقد الأهل، ومن حزن القلب، وحرقة الشعور. اللهم لا تفجعنا بمن نحب، اللهم احسن خاتمتنا وأجرنا من موت الغفلة، ولا تأخذنا من الدنيا إلا وأنت راضٍ عنا"، ♥️
★★★★★★★★★★★
أتساءل: كيف أمكنك أن تصبح قاسيًا إلى الحد الذي يجعلك تؤذيني، وقد رأيت كل هذا الحب الذي يحتضنه قلبي من أجلك؟
وكيف استطعت أن تطفئ روحًا انتشلتك من بين براثن الهلاك، وغرستك في تربة الحياة لتُزهِر من جديد؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
لأول مرة لا تبتهج وهى تنظر إلى المرآة تطالع جمالها المُشِع في هذا الرداء الباهظ الثمن، بألماساته التي يُضفي بريقها عظمة و جمال على جمالها، و على هذا العقد الألماسي الذي كان أحدى هداياه الثمينة، فما حدث صباحًا لازال آثاره منطبعة داخل قلبها، ولازالت تحت تأثير هذه الموجة من التعنيف التي يقودها عقلها، و يستمر بترديد كلمات رؤوف المُهينة على مسامعها، ليتولى ضميرها دوره الذي كان ينهال عليها بسياط من نار ليسوقها إلى محراب العذاب دون مهرب، ولا ملجأ سوى الاعتراف بذنبها الذي يضعها تحت طائلة قانون الحياة، فحتى الاعتراف به لم يرحمها من العقاب، و خاصةً و أن عقلها ولو أبى تصرفها، فلا يزال هناك سيطرة مُطلقة لفكرة الانتقام التي لم تبارحها بالرغم من كل هذه الإنذارات، فهي عندما توجهت للأسفل لملاقاته، استوقفها رؤية ميرهان التي كانت تصعد الدرج وهي تبتسم بسعادة أثناء حديثها على الهاتف، فدهست جميع مشاعرها، و إثمها المزعوم ليتولى شيطانها الدفة و تتوجه خلفها لتغلق باب الغرفة مما جعل ميرهان تلتفت إلى الخلف تناظرها بصدمة سرعان ما تبدلت إلى مكر حين شاهدت غضبها لتهتف بدلال:
ـ طيب يا رؤوف هسيبك دلوقتي، ونكمل بعدين يا روحي.
كانت تتقن استفزازها للحد الذي جعل عينيها تبرقان من شدة الغضب الذي توارى خلف قناع السخرية التي ارتدته حين قالت:
ـ يا روحي! بتقولي لرؤوف يا روحي! دا أنتِ صدقتي نفسك اوي!
ميرهان بلامُبالاة مُتعمدة:
ـ و أنتِ ايه مشكلتك اصدق نفسي اصدق رؤوف انا حرة أصدق اللي أصدقه.
آسيا بنبرة بها عُنف مكتوم:
ـ عشان أنا من مكاني شايفة نهاية الليلة دي، و أنتِ يا حرام قاعدة على السرير دا بتعيطي، و مقهورة لما رؤوف يقولك انك زي أخته. عارفة ليه هيقولك كدا ؟
كانت ميرهان تستمع إلى حديث آسيا وهي تنظر إلى أظافرها بلامُبالاة تجلت في نبرتها حين قالت:
ـ لية؟
آسيا بنبرة فاحت منها رائحة الغرور:
ـ عشان أنا وبس اللي في قلبه.
ميرهان بنبرة هادئة أثارت حنق آسيا أكثر:
ـ وانس. أن دا صح. بس هو مش في قلبك كدا ولا اي؟
طحنت ضروسها بغل تجلى في نبرتها حين قالت:
ـ حتى لو دا صحيح. بس قلبه محجوز ليا انا وبس.
تعمدت الاستفزاز في نبرتها التي كان إيقاعها ناشزًا على الآذان :
ـ معلش هو انا ليه شامة ريحة غيرة في كلامك؟ يا مدام..
قالت جملتها الأخير. بطريقة ساخرة أججت حمم الغضب بداخلها حتى بدت كبركان في طور الانفجار لتتعمد صب الزيت على شعلة غضبها :
ـ ايه! فكرتك انك متجوزة! حطيتك قدام حقيقتك الحقيرة انك بعتي حبيب القلب عشان الفلوس و النفوذ ! سوري يا روحي مقصدتش.
استفزت غرور الصمت بداخلها لتهتف آسيا بنبرة تميز من الغضب، و كأن النار تتقطّر من حروفها.
ـ اخرسي يا تافه. يا فاشلة. عايزة تعملي ايه حاجة عشان تنتصري عليا وخلاص. بتلمي من ورايا. بس لازم تعرفي اني انتصرت، و الدليل اني واقفة قدامك. آسيا هانم مرات كمال بيه الوتيدي. اللي لو صرخت دلوقتي و قولتله الحق دي ضايقتني هيدوس عليكِ زي الكلبة.
اهتاجت من فرط الغضب، لتهتف كبحر هائج يوشك على ابتلاع كل شيء أمامه
ـ هو دا بالظبط اللي اتجوزتيه عشانه. عشان النقص اللي جواكي، وفاكرة أن اخويا هيبقى لعبة في ايدك، وهتقدري تكرهيه فينا. دا في أحلامك.
استفحل الخُبث في نظراتها و تمكن الكبر من نبرتها حين قالت:
ـ لا يا روحي أحلامي كلها حققتها، و أيوا اتجوزت أخوكي عشان أذلك، و بقى خاتم في صباعي، وممكن اخليه يتبرى منك كمان.
لمع الخبث في عينيها لوهلة عابرة، كبرق يفضح مكنونها، ثم سرعان ما ارتدت ثوب الضعف، و الألم يجتاح قسماتها المرتجفة وهي تقول باستنكار وكأنها خنجرها المسموع خلف تأثرها:
ـ سمعت يا ابية كمال، و عرفت حقيقتها بنفسك!
❤️❤️❤️
تابع الجزء الثاني 👇
تجمدت من فرط الصدمة التي شلت حركتها، فيما بدأ الألم يتسلل إلى قلبها كالسُم بطيء المفعول، وهي تلتفت لتصطدم بعينيه التي غمرتها الدهشة و الذهول حتى بدت كبحر مضطرب، و اغتيلت وسامة ملامحه تحت وطأة الصدمة الجارحة التي تلقاها، فأفقدته توازنه للحظة جعلته يهمس باسمها
ـ آسيا.
تداعى عالمها فجأة، و انقلب رأسًا على عقب، فهي لم تتخيل أن كذبتها التي حاكت خيوطها بمنتهى الدهاء حبلها قصير مهما طال، و حتى لو تبدلت المشاعر، ليتحول قلبها إلى ساحة من المشاعر الضارية تجاهه، فهاهي تقف عارية أمام الحقيقة لا تملك سوى التبرير بحروف ترتجف من فرط هشاشتها
ـ كمال. لا . متصدقهاش. انا . دي . دي. بتكذب . عشان. عشان تفرقنا. هي. هي بتكرهني أنت عارف.
كان حائرًا بين الألم و الصدمة ليحاول البحث عن أرض صلبة تحتوي تخبطه، فتكلم بنبرة مُتحشرجة و أنفاس مقطوعة من فرط الوجع الذي يخضع لطغيانه
ـ بس أنا سمعتك و أنتِ بتقولي عكس دا.
تدفقت الكلمات كالسيل من بين شفاهها مرتبكة و ممزقة تحاول نفس حقارة فعلها بكل ما أوتيت من تبرير، رغم أن الوجع بملامحها كان يصرخ مُكذبًا كل ما تتفوه به
ـ لا. اقصد. ايوا. انا قولت كدا. بس . بس عشان أوجعها زي ما وجعتني.
أنهت كلماتها و اندفعت إلى أحضانه تحول ترميم الصدع التي تسببت به عبر عناق صامت و كأنها تتلمس الحماية بين ذراعيه من شياطين عقلها المسموم الذي أودى بها إلى الهلاك، لتحتضنها ذراعيه، و كأنه يتوسل ألا تخذله بصمت، فيما جسده بجميع ارتعاشته يرفض التصديق على خطيأتها متمردًا على العقل رافعًا لواء الحب
امتقعت ملامحها و تشوه قناع الجمال الذي بُميزها لتبصق سمومها هاتفة بنبرة مُشبعة بالغل
ـ وجعتها ازاي ؟ ما تسألها، ولا اقولك مش لازم عشان هي معجونة بالكذب.
هب لحمايتها مدفوعّا بغريزة الحب، و هو يهتف بصرامة
ـ متغلطيش فيها قدامي.
لمحة من الراحة غزت عينيها لوهلة سرعان ما تبددت إثر هذا الهجوم الضاري لميرهان التي صرخت بلوعة
ـ متدافعش عنها. دي مبتحبكش، و بتخونك، و إلا ايه اللي وداها تزور رؤوف في شقته النهاردة.
باغت حديثها بصفعة مدوية ألجمت الحروف على شفتيها ليتحول صوتها إلى ذهول مُختنق بعبرات جريحة جردتها من نصيبها في الرحمة لتصرُخ بصوت ارتعد له أوصال قلبه
ـ بتضربني عشانها! طيب ايه رأيك أن الكاميرات مسجلة دخولها و خروجها؟ اقولك تعالى اسمع الهانم وهي بتعترف انك لعبة في أيدها و وسيلة عشان تخرج من المستنقع اللي جت منه.
أغمض عينيه وهو يرفرف برموشه الكثيفة كمن يحاول التشبث بقوة لم يعد يملكها، يحاول محاربة القادم الموجع، و هي بجانبه تنتفض كطير مفجوع يخنقها الرعب من انكشاف الحقيقة التي ستجرها إلى الهاوية لا محالة وهي تنظر إلى ميرهان التي كانت تعبث بهاتفها ليصدح صوتها في الغرفة بهذه المحادثة التي تمت بينها و بين رؤوف يوم الزفاف، و التي استخدمتها يد الشر و وضعتها في مكانها الصحيح، بعد أن جزت منها باقي الحقيقة لينتهي التسجيل عند جملة
ـ حبك دا أكبر ابتلاء ربنا بلاني بيه، وأنا راضي عشان عارف ان ربنا هيراضيني، و حقيقي مُشفق على عريسك عشان لو في يوم من الأيام خسر كل اللي عنده مش هيلاقي منك غير الخذلان لأنك عمرك ما عرفتي يعني ايه حب.
أصابها مس من الجنون جعل جسدها يرتعش كغصن ضعيف في مهب العاصفة، و تباينت لهجتها ما بين الارتباك و الذُعر، فصارت لهجتها تفضحها وهي تحاول انكار الحقيقة بها
ـ لا. كمال. اصل. هقولك. يعني.
شوه الوجع وسامته، و انمحى من عينيه بريق الحياة، و سحقه الألم بقوة ليتحول فجأة إلى ظل لشخص كان يومًا يفيض حضورًا، ليدفعها بكل قوته، و يغادر بنفس القوة التي كان يحاول بها أن يبقى ليصدح الألم من أعمق بؤرة في قلبها و يتغلب نبرتها حين صاحت بصوت جهوري
ـ كماااااال…
اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي♥️
★★★★★★★★
لم اكُن يومًا من النساء اللواتي ينفقن العبرات على أتفه الأسباب، ولم يكن النواح أو العويل من ضمن طقوسي مثل الكثير من فتيات جنسي . على العكس تمامًا كنت امرأة ذات شكيمة، أتقن الرقص على أنغام الغضب دون أن يختل ثباتي مثقال ذرة. اتفنن في القتل بالكلمات دون أن يتلوث خنجري بدماء الانفعال، ولكنني الآن أريد البكاء حتى تنضب جميع البحار و تجف المُحيطات، أريد الصراخ بملء صوتي حتى تهترأ احبالي الصوتية، و كأن صرخاتي ستُتقذني من جحيم يستعر داخل صدري، فالألم الذي ينهش بقلبي كوحش جائع لا يُحتمل، يجعلني إمرأة عارية أمام ضعفي الذي لم اعترف بيه يومًا، وهاهو يُهدد باحتلال عالمي، ولا أملك سوى البُكاء كحبل نجاة يقيني من الهلاك.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
توقفت سيارته أسفل البناية الضخمة بقلب هذه المقاطعة التي لا يرتادها الا من هم من الطبقة المُخملية، و من يرتدون قناع الثراء الفاحش
ارجع رأسه إلى الخلف وهو ينظر إلى لآلئ الندى التي تلمع فوق زجاج سيارته التي تحجب عنه البرد القارص في الخارج، ليجد عقله الجو مناسب حتى يبدأ في تشييد جدران من الثلج حول قلبه ذلك القلب الذي هدم كل هذه الجدران باستفهام واحد
ـ أيُمكن لذراعيك إحتواء إمراة أخرى غيرها!
خفقة قوية تُشبة انذار بالخطأ انطلق من أعماق روحه بأن هذا لن يحدُث، فصار يستعيد بعض من مشاهده معها، و هو يستشعر حلاوة قربها و دفء قربها الذي أصبح قلبه أسير له، ليستند برأسه إلى الخلف وهو يهتف بحروف نضجت في إناء الحيرة
ـ و بعدين ياعمر! هتعمل ايه في الحيرة اللي أنت فيها دي!
كان يُخاطب نفسًا انقسم شقيها في حربًا هوجاء بين تجبر و تسلط عقل في الدفاع عن معتقداته البالية، و بين ثورة و تشبس قلب أخيرًا التحم ضلعه الأعوج بمن خُلِقت منه ليشعر بالكمال بين يديها، اختل توازنه من هذه الحيرة ليضرب بقوة على المقود وقد ضاق ذرعًا من كل هذا التخبط ليقوم بجذب مفتاحه، ليترجل من السيارة، فإذا بصورتها تتشكل أمامه على هامش السراب، و جملتها حين كانت بين ذراعيه ترتجف من كابوس مزعج اغتال نومها الهانيء ترن بأذنه
ـ خليك جنبي يا عمر. بتطمن وريحتك محوطاني.
شعور كامل بالنشوة غمر جسده، وهو يتذكر ما حدث بعدها، وكيف يتيقظ قلبه في حضرة وجودها كما لم يفعل مع أي انثى مُسبقًا، و هنا بتر كل اتصال لعقله مع شيطان الأنانية الذي يتسلط عليه دائمًا ليقود السيارة عائدًا إلى امرأة الصقيع التي لم يجد إمرأة في دفئها، و قد اختار طريقه، فهي فلكه ومداره ولن يحيد مرة أخرى عنها.
تعالى رنين هاتفه تزامنًا مع توقفه أمام باب القصر الداخلي ليُجيب حانقًا
ـ في ايه؟ رن رن رن. زهقتيني. قولتلك مليون مرة مترنيش عليا تاني.
صدمت شاهي من حديثه لتهتف بغضب
ـ بتكلمني كدا ليه يا عمر، وبعدين مانا رنيت عليك لما غلبت مبقتش عارفة اوصلك، و عملتلي بلوك على الواتس.
عمر بحدة
ـ عشان قرفتيني عماله تبعتي رسايل و تحذفيها من امبارح. شاهي فكك مني. أنتِ زيك زي هايدي. شوفي بتعمل ايه بعيد عني.
شاهيناز بانفعال
ـ كدا يا عمر ! خليك فاكر اللي بتقوله دا بكرة هتندم عليه وانا عمري ما هرن عليك تاني.
عمر بجفاء
ـ حلو اوي دا. اثبتِ على كدا بقى.
اغلق الهاتف في وجهها بل و اغلقه كُليًا حين وجد مصطفى يتصل هو الآخر، فلن يدع شيء يؤثر على قراره و توجه إلى الأعلى، ولكن من منا يملك رفاهية أن يُعيد السهم إلى نقطة الإنطلاق مرة أخرى؟ وهل لحبل المشنقة الذي نحر عنق بريء أن يُعيد النظر في فعله؟
قُضي الأمر، و شُوهت كل ذرة حب داخلها لأجله، فقد سحق قلبها و عشقه أسفل عجلات الخيانة التي في قانونها الخاص شعور، وليس فعل، لتُقرر قطع كل صلة له بقلبها، لتأخذ استراحة مُحارب، و تتخلص من كل هذه العبرات التي تعج بها مُقلتيها هُنا في هذه الغرفة و على هذا السرير الذي شهد على سعادتها الواهية بين ذراعيه، و الآن يشهد على ضعفها الذي واجهته كخصم شرِس، تحاول هزمه قبل أن يقضي عليها، ولكن سرعان ما تجمد كل شيء حين سمعت قفل الباب يدور، وصوت أقدامه التي يحفظها قلبها تتقدم لتقف أمام مخدع الغرام و الخديعة لتتفاجيء حين وجدته يحتضنها من الخلف، وهو يهمس بنبرة تحترق من فرط لوعتها
ـ مقدرتش يا شروق. مقدرتش اعمل معاكِ كدا.
أفصحت عينيه عن ضعفها الذي صفع صفحة خدها البيضاء ليُتابع وهو يُشدد من احتضانها وكأنه يريد أن يمرعبر جسدها ليرتديه
ـ قلبي مقدرش يعمل فيكِ كدا، مقدرش حتى يشوف واحدة غيرك. أنتِ اكبر مانا اتخيلت جوايا. أنتِ بقيتي لروحي سكن، و اي مكان غير حضنك غريب عليها.
كان فخًا بالحب كما خيل لها عقلها الذي غض بصره عن صدق كلماته لتُقرر الثأر من ضعفه لكرامتها المهدورة أسفل حذائه، فجذلت نفسها من بين ذراعيه ممن انتزع من بين يدي لعبته المفضلة لتعتدل جالسة، وهي تقول بنبرة جافة يغلب عليها التجبر
ـ تبقى غلطان و قلبك محتاج تروضه يا دكتور عمر.
تجاهل إرتطام صخرة كلماتها بقلبه، وهتف بنبرة تتوسل لها أن تنفي ما تقصده
ـ تقصدي ايه بكلامك دا ؟
تناقضت ملامحها التي تعج بالألم مع نبرتها التي تسلحت بسلاح القسوة، ولكنه كان تضاد يُبرز المعنى الذي أرادت إيصاله حين قالت
ـ يعني متلزمنيش يا عمر، و مبقتش عيزاك، ولا يشرفني اني افضل مراتك.
ألقت بقلبه عمدًا في حقل الأشواك المُعبئة بقيح الإهانة ليعتدل في نومته، وهو يصارع أنفاس و يقاوم وحوش الإلم التي تزحف إلى صدره حين قال بنبرة جريحة:
ـ بتقولي ايه يا شروق؟ أنتِ متضايقة، فبلاش نتكلم دلوقتي!
كانت في موضع قوة واهية سببها ضعفه وليس صلابتها التي تدعيها، وبالرغم من كل شيء هتفت بنبرة يكسوها القسوة:
ـ لا يا عمر. انا مش متضايقة بالعكس. انا متصالحة جدًا مع فكرة انك متنفعش اي حاجة خالص. لا تنفع زوج ولا أخ، ولا حبيب، ولا حتى تنفع اعتبرك ضل اتحامى فيه من شوية هوا. مجرد صورة باهته لإنسان أناني شايف أنه يستحق احسن حاجة في الدنيا. بس في الحقيقة هو ميصلحش لأي حاجة في الدنيا.
تفاقم الأمر ليتخطى حدود غضب العقل و ألم القلب ، و يخطو إلى ما هو أشرس و أعنف، وهو الكبرياء الذي اهتاج بداخله حين صرخ بنبرة أفزعت نوافذ وجدران الغرفة
ـ اسكتِ يا شروق، واعرفي انك لو اتماديتي اكتر من كدا هتشوفي النسخة اللي أسوء من اللي في خيالك عني.
استفهام ساخر طرأ من جوف الألم الذي يتوسط قلبها وهل لم أرى؟
سكن كل شيء بها حد الجمود، وهي تطالع ألمه الذي ينهش وسامته، و يُطفيء بريق عينيه لتنتظر حتى تعرى ضعفه أمامها حين قال
ـ اللي مينفعش في أي حاجة دا حتى ضل تتحامي بيه من شوية هوا. حماكي من كل شيء، بس أنتِ جاحدة، وقلبك نكار أوي.
ترقرق العبرات في مقلتيه، وارتجاف نبرته وضعوها أمام طريقين، إحداهما الارتماء بين ذراعيه حتى يهدأ الوجع، أو الأعراض عن هذا العشق المسموم الذي يقتلها بالبطيء، ولكنها الخيانة!
الخيانة هي غُصن أزهر ثقة، ثم أثمر شوكًا في قلب لم يتوقع إلا وردًا.
لذا هتفت بنبرة قاسية تشبة قسوة الألم بصدرها
ـ و دا يعرفك أننا انتهينا خلاص.
عمر بنبرة يصرخ بين طياتها الوجع
ـ يعني ايه.
توسلت لثباتها بعدم التخلي عنها ككل شيء لتهتف بنبرة جامدة
ـ طلقني. انا مش عايزاك، ولا قادرة اتحمل اني أفضل على زمتك دقيقة…
قاطعها بجفاء
ـ أنتِ طالق..
اللهم ارزقني رزقًا واسعًا حلالًا طيبًا، واستجب دعائي من غير رد، وأعوذ بك من الفضيحتين؛ الفقر والدين.
اللهم إني أسألك رزقًا واسعًا طيبًا من رزقك، يا مقيل العثرات، يا قاضي الحاجات، اقض حاجتي، وفرج كربتي، وارزقني من حيث لا أحتسب.
اللهم ارزقني رزقًا حلالًا طيبًا، وبارك لي فيه، واجعله سببًا في سعادتي ♥️
★★★★★★★★★★
هو رجل قضى عمره قائدًا، لا يعرف في معاركه سوى الانتصار، وهي إمرأة ظنت أنها ما خُلِقت إلا للهزيمة فقط، وحين التقت طرقهم في محراب الحياة، التي لا تنفك في هدم جميع ثوابتنا، لينحني القائد طواعيه أمام امراة هزمها القدر مرارًا و تكراراً، ثم انصفها لمرة واحدة، ليكون هو أول إنتصار تذوقته بحياتها.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ـ هو انا ينفع أسأل أنت ليه أصريت أننا نقضي الليلة في أوتيل مش في الفندق !
هكذا استفهمت أشجان على استحياء قابله خالد الذي احتوى خصرها بحنان يفيض تملكًا، وهو يستنشق عطرها كأنه نَفَس النجاة، ويروِي قلبه من أريجها حتى انتشى بها و كأنها خمرة لا يُفيق منها أبدًا، فقد أصبحت روحها و كأنها امتداد لروحه، فهتف مُغمغمًا و أنفاسه تداعب عنقها من الخلف
ـ مانا قولتلك هستفرد بيكِ بطريقتي.
صمت لثوان يستشعر حلاوة طعمها الرائع بين شفتيه قبل أن يُتابع بخشونة
ـ و بعدين ايه ممكن أسأل دي! أنتِ الوحيدة اللي مسموحلك تعملي كل حاجة، و تسألي عن كل حاجة، و قلبي رهن إشارتك يا شجنِ.
تدثرت بذراعيه أكثر وهي تغمس جسدها بين احضان جسده لتتكور بين يديه وهي تهتف بخفوت
ـ عايزة كل شويه اثبت لنفسي انك حقيقة مش حلم.
مد أناملة لتلامس ذقنها بكل ما يملك من حنان ليرفعه حتى يرى عينيها التي يتوهج بريقها بأغواء قاتل جعل الكلمات تخرج من بين شفتيه بنبرة مُتحشرجة
ـ أهو انا مش هبطل أحب فيكِ عشان أثبتلك اني حقيقة.
أنهى جملته و اندفع يأخذ ثغرها بين خاصته بشغف عارم في رحلة من السعادة و السكينة، بينما قلبه يذوب في قبله رائعة كأنها معزوفة موسيقية تعزفها أرواحهم معًا.
ـ لسه عايزة إثبات اني حقيقة!
هكذا تحدث مُشاكسًا، فأخفضت رأسها خجلًا ليصطدم جبينها بشفتيه ليغرس بتلات عشقه فوقه، وهو يُتابع بنبرة عابثة
ـ أنا بقول افضل أثبتلك من هنا للصبح عشان ميبقاش في ذرة شك. أنا في الإثباتات معنديش هزار.
لكزته في كتفه وهي تهتف بخجل
ـ خالد بطل بقى؟
استفهم بخداع قائلًا
ـ بتقولي ايه مسمعتكيش!
رفعت رأسها إليه وهي تهتف بدلال
ـ خالد ب….
لم يسمح لها أن تُكمِل جملتها، فقد اندفع يرتشف حلاوة اسمه من بين شفاهها، ليجرفها معه في تيار عشقه الجارف الذي لا ينضب أبدًا، و لأول مرة تبادله بعد أن خلعت عنها خجلها أمام فيض حنانه الذي احتوى سائر كيانها ليوقع معها وعد روحاني، وخمرة حلال لا تُسكُر الجسد بل تُسكِر الروح، وتترك في القلب لذة لا يفيق منها أبدًا.
انبثق الصباح عنوة من بين ستائر الليل الحالك الذي كان كرداء مُخملي، اسدلته السماء ليخفي عناق الأرواح، و يحرس سر الهوى بين العاشقين عن أعين الفضول، ليصدح معه رنين الهاتف بإلحاح، و كلما تنبه عقله إليه، يجذبه قلبه أكثر ليلتصق بها، وكأنه يهرب من ثقل مسؤولياته بين ذراعيها، ولكن مطرقة القدر حين تهوى لا تُفرق ولا تلتفت للأذى التي تتسبب به، لينهض على مضض وهو يتوجه الى هاتفه مُجيبًا بنبرة مُتحشرجة من أثر النوم
ـ في ايه يا عابد؟
لحظة تبدد بها كل شيء لتختلط الصدمة بالغضب، وشعور مُريع بالألم حين وصل إلى مسامعه جملة خالد التي أشبه بالقنبلة
ـ رنا بنت حضرتك اتخطفت يا خالد بيه.
الى لقاء مع الجزء الثانى