رواية عودة الذئاب الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم ميفو السلطان

 

 

 

 

 رواية عودة الذئاب الفصل الثامن والأربعون بقلم ميفو السلطان

#عودة_الذئاب نزلت "مَهرة" يتبعها "وَجد" و"شَجن"، ووقفت بثبات يُشبه وقفة الرجال، تسبقها نظراتها الواثقة التي أربكت من حولها. كانت الأعين تلاحقهن، وخاصة عينا "نديم" الذي خفق قلبه بعنف حين وقعت نظراته على "وَجد".

خلعت "وجد" عباءتها، وأزالت ما علق بوجهها من آثار المكياج، وبدت على طبيعتها بفستانٍ رقيقٍ زاد من توترها. هبطت عيناها للأرض، وعادت تلك القطة التي عهدها "نديم" في الماضي... خجولة، مرتعشة، ولكنها آسرة.

اقترب "نديم" منها بخطى بطيئة، وهمس بصوتٍ مبحوح:

"حمدالله عالسلامة... نورتي قلبي."

رفعت "وجد" عينيها إليه، والغضب يتطاير من نظرتها، ثم التصقت بـ"مهرة" كأنما تهرب من وجعه.

شدّت "مَهرة" يد "وَجد" خلفها بقوة،فتوجّس الجميع من تصرّفها المفاجئ.صوت الجد اخترق الصمت قائلاً بصرامة:

"طب يا بنات، امضوا يلا، وكل واحد هياخد نصيبه آخر السنة."

وقفت "مَهرة" بثبات وقالت:

"هنمضي يا جدي... بس بشرط."

ارتفعت العيون نحوها، والدهشة ترتسم على الوجوه.
هبّ "جابر" غاضبًا، وهو يهتف:

"شرط إيه ده؟! بتي هتمضي من سكات!"

لكن "وجد" اقتربت من "مَهرة"، وقالت برقة:

"لا يا بابا... أنا مع مَهرة."

نظر "نديم" إلى "وجد" بعينين يملؤهما العشق، وابتسم على رقتها ونعومة صوتها الذي طالما اشتاقه، لكنه توجّس في داخله، فـ"مَهرة" ليست من يُتوقّع منها الهدوء طويلاً.

وقفت "مَهرة" أمامهم، وقالت بنبرة تتحدّى الجميع:

"إنتو كلكو عايزين الفلوس والشركات... واحنا مش عايزين!"

صرخ "جابر" غاضبًا:

"مالك إنتِ؟ بتعصي بتي ليه؟! ماتغوري انتِ!"

صرخ "أسمر" بغضب:

"عمي! خلي بالك... بتكلم مين جُولت؟!"

تنهد "عِمران" وقال بضيق:

"انكتم... أما نشوف عايزة تجول إيه."

هتفت "مَهرة"، وصوتها يرتجف من شدّة القهر:

"إنتو يا جدي، حاطين قدّام عنيكم الشركات والفلوس والورث وبَس... واحنا اتوجعنا بسببهم! إن كت أنا، ولا أختي، ولا الغلبانة اللي أكتر واحدة انوجعت فينا..."

فأحنت "وجد" رأسها خجلًا، والصمت خيّم على المكان.

هتف "نديم" بصوت متهدّج، وكأن شيئًا ما انكسر داخله:

"فيه إيه يا مَهرة؟! ما تجولي!"

تنهدت "مَهرة"، وعيونها معلّقة بعينيه، ثم قالت بوجع عميق:

"فيه يا نديم... إني خُفت منك! فيه... إني كنت في ضهرك طول عمري.فيه... إني ماشُفتش فرح في دنيتي بسبب الانتقام...
اللي لو كنا عشنا حياتنا بعيد عنه، كنا كبرنا برضه!

يا نديم...شركة الديب كسبت ملايين،وانت استغنيت عن اسمك بسهولة...الاسم اللي عشت تكبره، عشان اسم أبو الدهب...اللي ماخدناش منه غير الوجع.

بس لما كملت في انتقامك ودخلت ناس أبرياء مالهمش ذنب،إنت كده بقيت زيهم...
واللي مارضيتوش لنفسي،مارضهوش لغيري.

وعشان كده...علشان نرضى،نمسك حاجة في الشركات.الورق اللي اتاخد علينا...
إنت تمسكه يا جدي!"

قطّب الجد جبينه وقال بتوتر:

"ورج؟ ورط إيه ده؟!"

هتفت "مَهرة" بقوة:

"ورق العُرفي... اللي ماسكنا من رقابنا يا جدي!"

هنا هبّ "نديم" و"أسمر" و"براء" في لحظة واحدة، وكأنهم تلقّوا صفعة غير متوقّعة:

"إنتي بتجولي إيه؟! الأوراج دي... محدش هياخدها!"

صرخ "نديم" بعنف، والغضب يكسو صوته:

"إنت بتعصي مرتي عليا؟! دي آخرتها يا مَهرة؟!"

فجأة، ارتفعت نبرة "مَهره"، وانفجرت الكلمات من فمها كأنها طعنة موجعة:

"إيه؟! هتذلها وتقعدها جَبر؟!تفرّق إيه يا نديم عن دول؟!قولي ياخويا... يا بن أمي وأبويا... تفرّق في إيه؟!

أنا لحد آخر دقيقة، كنت واقفة ما بعصيش، ولا بقرّب من خطتك،كنت بنفّذ وبس!

إنما إنت...بسببك وُجعِت ناس، بس عشان تكمّل انتقامك!"وَجد" و"شَجن" ماتوا... ماتوا بسببك!!"

صُدم "نديم"، وأحنى رأسه كأن الكلمات اخترقت صدره، ثم هتف بوجع:

"مَهره! أعجلي! إنتِ عارفاني كويس!"

رفعت عينيها إليه، والدموع تكاد تخنق صوتها، وقالت بنبرة مكسورة:

"وعشان عارفاك كويس... خُفت، والله خفت!عارفة إن قلبك دهب، رغم كل اللي حصل...أنا أكتر واحدة عارفاك،عارفة إن انتقامك ده مش حقد... ده وجع! عارفاك أكتر من روحي،بس في الآخر...خُفت!

خُفت تبقى "جابر"... وتوجع! لا.. إنت وجعت فعلًا! الاتنين دول... قولي ذنبهم إيه؟!
أختك الغلبانة ذنبها إيه؟دي ماشافتش حنية،
ولما ده جه... وجعها!"

وفجأة صرخ "براء"، وهو يرفع يديه مدافعًا، وصوته يعلو بالأسى:

"والله غصب عني!كنت بـهيم!بطّلي توحيها عليّا إيه ده؟!"

تجاهلت "مَهره" صرخة "براء"، واستدارت نحو "وَجد"، وعيناها تلتهبان بنار الغضب والوجع. أشارت إليها وكأنها تشير إلى جرحٍ نازف لم يندمل، وهتفت:

"طب ودي؟! ذنبها إيه؟! ذنبها إنها وُجد جابر؟! بطاقتها دبحِتها، وانت كمّلت،ما هو أبوها لا كان أب، ولا تهمّه!"

صرخ "جابر" من مكانه، وصوته مزيج من عناد وخزي:

"مالك إنتِ بتي؟! وأنا حرّ فيها!"

اقتربت منه "مَهره"، والغضب يسبق خطواتها، وقالت بحدة:

"بِتّك وإنت حر؟!ليه؟! كلبة مالهاش حد؟!"

صرخ هو بوحشية:

"آه! مالهاش!"

وهنا، انفجرت "مَهره"، ورفعت يدها في وجهه، تصرخ بكل ما في صدرها من وجع:

"لأااااا!!! فوق يا بابا!!! هيّا مين اللي مالهاش؟!
"وَجد" ليها مرات أخوها... أو بلاش!
ليها بنت عمّها وسندها!

وجد يا جابر...ليها "مَهره"،واللي "مَهره" تكون ليه...مافيش مخلوق يقرب منها!
يا راجل اختشي!ده إنت نطّيت في حُضن "نديم"،ورميت بنتك علشان الفلوس!
اتكسف! شكلك عِرّه!والله بطني بتتقلب لمّا بشوفك!"

وفي لحظة جنونية، رفع "جابر" يده، وصفعها بقوة، فانفجرت اللحظة.

اندفع "أسمر" كالرصاصة، ودفع "جابر" بكل ما أوتي من قوة، ليسقط أرضًا، وصاح به بغضبٍ هادر:

"هتمد يدك؟!أنا همدّ يدي!وهَجِلّك من جيمتك... جدّام الكل.. غلبت احولك اصحي بتكلم مين !"
ابتلعت "مَهرة" ريقها بصعوبة، وعيناها تتابعان "اسمر" بتركيزٍ عميق. كانت تلمح شيئًا يتسرّب من داخله... ومضة ضعف أو ندم وربما اهتمام وخوف ، تظهر للحظة، ثم يُسارع بدفنها كمن يُخفي عارًا لا يُغتفر.

تنهدت، ثم اقتربت من جابر بخطواتٍ ثابتة، وقالت بصوتٍ واطئ لكنه مشحون بالمرارة:

"هو إنت ما بتفكّرش في حد من اللي واقفين؟ولا عارف لما تتقلب وتموت...ان جنازتك هتبقى راحة؟نُص شمتان... ونُص قال: بَخته، كان عملها من زمان!

يا أخي... بقه إنت إيه؟ ما بتتعبش؟عارف... أنا أكتر واحدة عارفاك من اللي موجودين،
ونفسي أطلّعلك عفاشتك،بس خايفة...

أكتر واحدة عارفة الليلة دي،وعارفة غِلّك ليه...بس ساكتة،وعاملة حساب لعَضم التُّربة."

ثم اقتربت أكثر، حتى صار وجهها قريبًا من وجهه، وهمست ببطء يشبه وخز السكاكين:

"عارفاك يا جابر..وخد بالك...مش هسكت كتير!لِمّ وساختك...بدل ما أفرج عليك خلقة،وأفضحك قدّام الرجّالة، واطلع النجاسه المستخبيه.. وساعتها تبقى... جابر العيوب اقفل لساني واتقي شري بدل ماتبقي فرجه وبحور دم من خستك اللي كتمتها سنين بقلبي !"

استدارت "مَهره" نحو "نديم"، نظراتها مزيجٌ من التحدّي والوجع. رفعت رأسها، وصوتها خرج ثابتًا رغم كل ما يهتز بداخلها:

"اسمع يا نديم...إن كان عليّا أنا،ماحدش يقدر يغصبني،وأقدر أقف لعشرة... وإنت عارف.وقلبي؟ أمزّعه بإيدي،بس الاتنين دول... مش زَيّي.

الاتنين دول...بنات طبيعيّة!حبّوا، وانوجعوا،
ومايقدروش يكملوا كده...وأنا مش هسيبهم ليكم!وإنت عارفني كويس..لما بقول، بنفّذ."

هنا هتف "أسمر" بصوتٍ غاضب يقطر بالعنفوان، وقد ارتفع صدره كأنها تحدّته في كبريائه:

"وإنتِ بقه اللي هتجفلينا؟!ومفكّرة نفسك تِطدري؟!"

صمتت "مهره" للحظة، ولم يبدُ عليه أنه يلين أو يتراجع، فاقتربت منه بخطوة، وقالت بصوتٍ منخفض لكنه مشحون بثقة لا تُكسر:

"أقدر يا أسمر بيه...مهره تِقدَر، والله.إنت بس... مش واخد بالك مهره دي ايه عن حق!

عارف... لو كنت تعرفني كويس،كنت عرفت...بس ماشي، هقولك...أعرّفك بنفسي أكتر."

رفعت يدها إلى صدرها، وضغطت عليه كأنها تستخرج منه آخر بقايا النبض، وهتفت بصوتٍ مبحوح:

"عارف ليه أقدر؟لإني من جُوّا... مِت. آه والله... مِت من زمن!مِت...من قِلّة الحنية اللي إنت ما تعرفهاش،مِت من قسوة الزمن...اللي إنت بتمارسها علينا دلوقتي،
مِت...وقلبي اتدفنمن الجحود، والقهر، والغُلب!

قولي...هتقدر تعمل إيه؟وعلى مين بيقولك...اللي تعرف آخره اقتُله،وأنا آخري... ميت، يا أسمر بيه.قولي...عرّفني، هتعمل إيه...أكتر من القتل؟!"

ابتلع "أسمر" ريقه، وقد شعر بوخزٍ داخلي يلسعه كأن كلماتها حفرت فيه غُصة لم يكن يعترف بها من قبل، ثم هتف متراجعًا بخفوت:

"ماحدش بيقدَر يعيش ميت... من غير مشاعر."

ضحكت "مَهره" ضحكة جافة، لا حياة فيها، وقالت ساخرة:

"مين قال؟شاور كده حواليك...شايف؟ كام واحد عايش من غير مشاعر! بُص كده لعمّك...ما شاء الله، واخد النصيب الأكبر،
حاجة تفرّح!

بُص لأخويا...ابن أمي وأبويا،حِجر!قلبه صُوّان...يتخاف منه،ما عدتش أعرفه."

اقتربت منه أكثر، ونظرت في عينيه طويلًا، كأنها تبحث عن بارقة... لمحة... نبضة صغيرة، لعلّها تراها، لكن... لا فائدة.

همست بوجع:

"بُص لنفسك...دَوَّر جواك...عندك مشاعر، يا أسمر؟قول!"

ثم ضربت بيدها على صدره:

"عندك إيه هنا؟جُوّا؟مافيش!عارف ليه؟
ولو عندك... بتعتبرها عيب!عار تطلّع مشاعر!عار تِلين!تِطبطب!تِحسّ بحد تاني!"

ابتلعت ريقها وهي تحاول السيطرة على اختناقها، ثم أشارت إلى قلبها، وضربت عليه بقبضتها:

"بُص ليا...هنا؟مافيهوش ريحة مشاعر...
آه والله مافهوش!عارف ليه؟عشان ماشافش!
مايعرفش يعني إيه مشاعر...معرفهاش!
تقولي أعيش من غيرها؟كنت لقيت حد يدهالي وقلت لأ؟اللي جِتّته نحست،واتربى على الغِلّ والجُحود،مامنوش خير!

مشاعر إيه؟صَلِّي عالنبي...الواحد من قِلّتها بقى زي الخشبة،تخبطها؟ما تحسّش بحاجة!"

صرخ "أسمر"، وقد فقد قدرته على التحمل:

"بطّلي تجولي اكِده!إنتي جُواتك بس مخبّياها!لازمن تِطلّعيها!"

ضحكت "مهره" ضحكة حزينة، وقالت بنبرة منهكة:

"جُوّايا؟ومخبّياها؟وأطلّعها؟يسمع منك يا شيخ...بس أطلّعها لمين؟وهتطلّع إزاي...
وهيا مقفول عليها بسلاسل بتخنق؟!

ياخي...كله ميت!إنت...وأخويا...وأنا...
وعمك...ماعرفش أخوك شكله إيه...
بس الواضح إنه نفس الصنف.فاضل مين؟
البِنتين دول...اللي كان عندهم مشاعر الدنيا كلها!

اتقتلوا...

دُول أصعب مننا...إحنا ما بنفهمش في المشاعر.هما كانوا بيحسّوا...كانوا ناس طبيعيين،وكتر خيركم...قتلتوهم."

نظرت إليه مطوّلًا، عيناها لا تبرحان عينيه، كأنها تُنادي قلبه، لا وجهه.كل كلمة خرجت منها كانت طعنة في واقع مرّ، لكنها قالتها بثبات امرأة نضجها الوجع.

قالت بهدوءٍ قاتل:

"عارف يا أسمر بيه...من أكبر غلطات عمرنا إننا ساعات بنطلب الحنية من ناس قلوبها قاسية...ناس قلوبها حجر!وبنعمي عنينا عن قسوتهم،وننسى إن الحنية مش حاجة بنتعلمها،دي يا بيتولد بيها الإنسان،يا بيعيش عمره كله بيسمع عنها من بعيد وما يعرفهاش!" 

ثم ابتسمت بسخرية، وأكملت:

"اللي اتولد حنين؟ هيكمل كده.واللي اتولد قاسي؟ هيفضل قاسي... حتى لو حاول يمثل غير كده.وإحنا بنتعب نفسنا معاهم،
ولما يحنّوا شوية؟بيبقى مش من جواهم...
مش حقيقي...ومش بيستمر...عشان الطبع بيغلب التطبّع."

سكتت لحظة كأنها تترك لكلماتها أن تترسخ في صدورهم، ثم قالت بمرارة:

"الناس الحنينة رزق...بس للأسف، عيلة أبو الدهب مالهاش نصيب فيهم."

ثم استدارت ناحية الجد، بثبات ووضوح:

"وعشان كده يا جدي،إحنا مش هنقعد تحت رحمة ناس مابتعرفش تحس.ده شرطنا...
لو عايزنا نكمل، الورق يبقى معاك.ولما نقرر نمشي، يتقطع... ونخلّص."

في تلك اللحظة، صرخ نديم بانفعال:

"إنتِ بتجولي إيه!وجد بقت مراتي!"

رفعت "وِجد" رأسها، وصوتها ناعم لكن فيه كسر واضح:

"قصدك يعني... إننا دخلنا، وهعيش مطلقة؟"

ثم ابتسمت بسخرية مريرة، ونظرت له نظرة أخيرة:

"ما تشيلش هم يا نديم...أنا أصلاً مش هقرب من صنف راجل تاني،والفضل يرجع ليك."

ثم استدارت نحو الجد، وقالت:

"جدي...أنا موافقة على اللي قالته مهره.
هتطلقني منه آخر السنة،ويا ريت لما تيجي اللحظة دي،الورق يتقطع ونخلص من كل ده."

صرخ جابر بصوت مبحوح بالغضب:
"اتلمي يا بت جابر! إنتِ لجوزك، ونّحاجي على مالنا."

رفعت "مِهرة" رأسها بثبات، ونظرت إلى جدها بعينين لا يعرف الخوف طريقًا إليهما، وقالت:
"لو مشيت من هنا، يا جدي، اديله نصيبي...
يباركله فيه، أنا مش عايزاه،هو أصلاً باعني بالرخيص،وخلصت!"

ظل الجد واقفًا بين نارين، لا يدري كيف يمسك أطراف الخيوط التي تتفلت من بين يديه، فصرخ "براء" فجأة، محاولًا أن يسيطر على الأمور:
"أنا ما هديش ورجتي لحد!"

ردّت عليه "شجن" بنبرة فيها من السخرية ما يُخفي مرارة عمرها كله:"هتعمل بيها إيه طيب؟فاكر نفسك ماسكني من رقبتي؟ خُدها... ولا أحسن، روح بيها على المحكمة!
عايز تفضحني؟هننفضح سوا، عادي،ماهو مش أنتو بتقولوا علينا بنت الحرامي؟
والغازية؟ زوّد عليهم كمان: بتاعة العُرفي!"

صرخ "براء" بقهر:
"أنا ما جُولتش اكده!"

ضحكت "شجن" بمرارة:
"صح... ماقولتش،بس اللي اتاخدت عرفى ماقلتش؟

اشتد قهره، لكن "شجن" لم تتوقف:
"اعقل كده، انتو كل همكم الفلوس والشركات؟يبقى خلاص، ده شرطي يا جدي...سنة... سنة وهتعدي،وساعتها اللي هيمشي، يسيب نصيبه للتاني."

ثم التفتت إلى الجد، وقالت بنبرة حاسمة:
"شُفت؟ اهو هكسبك،خُد يا جدي، اديله نصيبي، يشبع بيه.أنا مش بتاعة فلوس!"

وقفت "مِهرة"، ووضعت يديها على صدرها بقوة، ونظرت إليهم جميعًا في حدة، ثم استدارت نحو "أسمر"، الذي بدا وجهه متصلبًا، يكتم بركانًا داخله، لا يريد أن يفقد السيطرة عليها.
وفي لحظة، دوى صوت الجد، حازمًا:
"إيه يا أسمر؟
هتجيب الورجة؟ ولا ناوي تعاندني؟"

هنا قاطعتهم "مِهرة" بحدة، وهي تلتقط أنفاسها:
"طب خلاص يا جدي،أنا هاخد البنات ونروح على الإسطبل،كفاية خنقة...قرّروا بقى،لو ناويين نكمّل، نبقى نيجي نمضي...
ولو لأ،ناخد بعضنا ونمشي من غير دوشة،
واقعدوا إنتوا افرحوا بأطيانكم وأموالكم!"

سحبت "وجد" و"شجن" من أيديهما، وأدارت ظهرها.بينما وقف الرجال في صمت مشوّه بالوجوم، والذهول يغلف الملامح.وفجأة، زمجر "جابر" في الهواء، صوته يتردد في الجدران:

"البت دي لازم تنكسر...عشان فرعنتها دي!
البت دي...ماهيكسرهاش غير أسمر!
إنت يا ولد،البت دي لازم تتحط تحت رجلك!"

هنا هب "نديم" واقفًا، ونظراته تشتعل بالغضب المكبوت منذ سنين، وصرخ بصوت هزَّ المكان:
"هو مين اللي هيحطها تحت رجله؟!
ده أنا كنت هرسته بيدي،إنت فاكر نفسك مين؟!"

صرخ "جابر" بوجهه بعنف:
"فاكر نفسي الراجل اللي بيحافظ على ماله،
اللي الست هانم الفاجرة واجفة تتبجح وسط الرجالة!وأهو انت ماكنتش راجل من الأول عشان تعملّك حساب!"

هنا لم يتحمّل "نديم" ما سمعه، فانقض عليه ودفعه بعنف، وهتف:
"إنت رايد إنّي أچتلك؟!لم لسانك يا جابر،
والا والله العظيم أدفنك مكانك!فاكرني هسكتلك؟!ده أنا نديم... اللي عاش حياته مستني اليوم اللي يحطك فيه تحت رجليه!"

وفي وسط الصراع، ارتفع صوت "أسمر" غاضبًا، محاولًا الفصل بينهما:
"بعدوا!هو إيه؟ هتجتّلوا بعض؟!"

 والتفت إلي جابر و يصرخ:
"وأنت يا عمي،مانش عويل،عشان احط مرتي تحت رجلي!أسمر مجام مرته من مجامه،
ومراتي مش فاجرة يا عمي...وإيّاك، إيّاك لسانك يتخطى على مرتي بكلمة!لو حصل، ساعتها هتلاجي الأسمر جدامك،وانت عارفني...لا ليا حبيب، ولا عزيز، في غضبي.
احفظ لسانك...ولمّ حالك بعيد عنها،
وطرفها ما تبصّلوش،اللي ليها أنا اللي أحاسبها!"

صُعق "جابر"، لم يكن يتخيل أن أسمر نفسه سيتخلّى عنه،فصرخ كمن ابتُلع كرامته دفعة واحدة:
"إنت هتفضلها عليّا؟!"

فهتف "أسمر" بقوةٍ لا تحتمل التأويل، وصوته يحمل قَسَمًا لا يُكسر:

"وأفضلها على روحي يا عمّي... فاهم؟
وآخر مرّة تجيب سيرة مهره على لسانك... فاهم ولا لأ؟"

ثم استدار إلى الجميع، ونظر إليهم بعينين مليئتين بالغليان:

"هتعملوا إيه دلوقتي؟!"

صرخ "نديم" في وجوههم جميعًا، بانفعال أخي يحمي أخته:

"أنا متجوز!ومش هخلّي مهره تاخدها مني،
أنا عارف أختي، جادرة وجُوّيه،هتاخدهم وتطفّش، وهنقعد نلطم."

قهقه "براء" بسخرية، ثم قال:

"نصيب إيه؟إنت ربيت ملبوسة!أختك التانية... حنينة، كانت هتتراضي."

تغيّر وجه "نديم"، وهتف بقهر:

"ووجد كمان زيها!"

هنا انطلقت كلمات "أسمر" ممتزجة بالحزن والغضب، كأنه يعترف بالهزيمة:

"يعني بختي الأسود هو اللي رشّج في وِشي...أنا عارف..."

تدخل الجد فجأة، وقد نفد صبره:

"طالما بختك أسود عنهم...هات الورجة وسيبها ف حالها."

صرخ "أسمر" بقوةٍ أكبر:

"أنا ما هسيبهاش!ما حدّش يجول اكده جدامي!"

قال الجد بحنقٍ واضح:

"إنت عبيط؟ما انت لسه جولت بختك أسود!"

ردّ "أسمر" وهو يضرب بيده على صدره:

"يعني انحصر!بلاش أبرطم بكلمتين، دا حاجة توجع الجلب."

تنهد "براء" وتنظر إلى الواقفين حوله ثم قال:

"طب وبعدين؟هنعمل إيه؟"

قال الجد بحكمة مُتهكمة:

"هاتوا الورج،وشوفوا، إنتو مش جليلين...
طلعوا الحنية اللي مدفونة فيكم،النسوان بتحب السبسبه."

صرخ "نديم" و"أسمر" معًا:

"إحنا مش بتوع سبسبه!"

رفع "براء" يده وقال بثقة:

"أنا بتاع سبسبه...مالييش دعوة بيكو، انتو جوز بهايم!"

نظر إليه "أسمر" بغيظ، بينما انفجر "جابر" غاضبًا:

"يا حزن عالرجّالة! ده مرار النسوان هتركب وتدلدل!ارموا الورج يا طين، وأنا أجيبلكو بنات عالفرازة،وسيبوا البنات دي تمشي...
هيرجعوا تاني زي الجِزَم!"

هنا صرخ والد "الجد" بانفجار مفاجئ:

"برّه!اخرج برّه!عشان والله العظيم هجيب الفرد وأفرغه فيك... غور يا بني!"

قام "جابر" وهو يتمتم ويبرطم، وخرج من المجلس غاضبا. 

هزّ الجد رأسه بأسى ثم تمتم:

"المرة بتحب الملاحجة،حتى لو جالت مش عايزه،بيبقى من جواها عايزه...يا شوية بهايم... ما تعرفوش تجيبوا جلب النسوان!
البنات دهب... ويتعملهم الحلو."

تنهد "براء" بإصرار، وهو ينظر للأسفل:

"والله يا جدي،أنا هموت على طرفها...
وهعمل المستحيل عشانها."

ضحك الجد، ثم هز رأسه وقال بسخرية:

"عجبال البهمتين الكبار لما يحسّوا."

هتف "براء":

"يلا... هاتوا الورج،واحنا مش هنسيبهم.
هناخدهم على كد عقلهم،وساعتها نتصرف."

رد الجد محذرًا:

"لاااه...لو جالوا هنمشي...هديهم ورجهم."

صرخ "أسمر" في ضيق:

"إنت بتركّبهم علينا يا جدي؟دا إيه المرار ده؟"

أمسك به "نديم"، وربّت على كتفه وقال بصوت أكثر هدوءًا:

"خلاص... لَايّم الأمور.ونتفج كلنا.نشوف هنلملم إيه في سنينّا السودة دي،أنا مش بتاع اكده دا مرار."

تنهد "أسمر"، وأخرج الورقة من جيبه، تبعه "براء"،
فأمسك الجد بالأوراق ونظر إليهم:

"يلا، روحوا هاتوهم بقى."

نظر "أسمر" بضيق وقال:

"نجيب مين؟ ما تنادي حد."

هتف الجد في استنكار:

"ما تروح يا حلوف!أهو حتى يحسّوا إنكو بتدوروا عليهم!"

تنهد "أسمر"، وتبعه "براء" و"نديم"،
وخرجوا جميعًا للبحث عن الفتيات.

كانت "وَجد" تجلس على ضفاف الماء، تُلقي بعينيها في الفراغ، وقلبها يضج بالخوف من عشقٍ لم يُكتمل بعد، عشقها لنديم... كيف ستتركه؟ كيف سيُمحى من قلبها؟

همست بصوت مكسور:

"إيه؟ هنمشي بجد يا مهره؟"

ردّت "مهره" بهدوء قاطع:

"أنا عن نفسي همشي،ولو مش عايزين دا، راجع ليكو."

أضافت "شجن" دون تردد:

"وأنا كمان همشي."

تنهدت "وَجد" وأحنت رأسها، كأنها تحتمي بضعفها، فاقتربت منها "مهره" ووضعت يدها على كتفها برفق:

"إيه؟ مش عايزه تمشي؟"

أجابت "وَجد" بوجعٍ خافت:

"همشي...بس أروح فين؟أنا ما ليش حد."

هتفت "مهره" بقوة ناعمة:

"هتبقي معانا."

نظرت "وَجد" إليها باندهاش:

"إنتِ بتقولي إيه؟إنتِ أخته!"

ضحكت "مهره" وربّتت على صدرها:

"أخويا؟ده هيفلقني نصين... أنا عارفه!
بس أنا حقانية، ومارضاش باللي عمله فيكي يا وجد."

نظرت إليها بحنان وواصلت:

"ماتحمليش هم،أنا معاكي يا حبيبتي،
أنا اعتبرتك أخت شجن،وربنا يقدرني على الكل،اطمني، يا روحي."

ابتسمت "وجد" بخفة، لكن بداخلها حزن دفين، فسمعت صهيل الفرس، فالتفتت، ورأت "مهره" تضحك وهي تلوّح بيدها:

"تعالي أركّبك!الفرس ده قمر!فكّي فكّي يا شيخة، بلا هبل!"

تراجعت "وجد" خطوة وقالت بقلق:

"لا... ده بتاع أسمر،وبخاف منه!أخاف يا أختي،الأدهم ما بيركبوش إلا أسمر."

وقفت "مهره" وضحكت بسخريةٍ مُحبة:

"أنا بقى... ما بخافش!"

ثم أمسكت بالفرس، وصعدت عليه بخفة وانطلقت في الحقل،

جلست "شجن" و"وَجد" على العشب، فابتسمت "شجن" بحزن وهي تراقب أختها:

"أختي دي... قادرة!إحنا قلوبنا بتتقطع، والدنيا قايمه،وهي رايحة تركب فرس!"

قالت "وجد" بصدقٍ موجوع:

"أختك دي أغلب واحدة يا شجن...نفسها في حب ومشاعر،بس مش لاقية حد يديها.
إحنا حسينا وحبّينا...هي؟ مالهاش نفس يعني؟"

دمعت عينا "شجن"، ثم قالت بصوتٍ مرتعش:

"طول عمرها ساكتة وشايلة،بتوجع عليها قوي.عمرها ما احتاجت حد،دايمًا هي اللي بتطبطب،وتحضن، وتداري، وتشيل."

ثم تنهدت بمرارة:

"عارفة يا وجد؟أنا عمري ما حضنت مهره...
كانت دايمًا هي اللي تحضنّي.مهره ماحدش قرب منها يحنّ عليها.جواها طيف مشاعر...
كنت بلاحظه لما نديم يزعقلي،كانت تقفله، وتاكل قلبه،وتشدني تحضني...كأنها عايزه تكسر ضلوعي وتحاوطني.ماحدش يآذيني...
عارفة ليه؟عشان هي اتآذت كتير،ومش عارفة تحوش عن نفسها."

همست "وَجد" بوجع:

"أختك دي جبل...ربنا يراضيها بجد."

تنهدت "شجن" وجلست ساكنة، غارقة في الذكريات.
وقفت "وجد" تمسح على ذراعيها:

"أنا هتمشّى شوية... تيجي؟"

أجابت "شجن" بابتسامة هادئة:

"لأ... أنا هقعد عالمَيّه شوية.
نفسي ألعب فيها."

**ابتسمت "وجد"، وشعرت للحظة أن "شجن" ما زالت طفلة،ثم بدأت تسير بين الحقول،النسيم يمرّ بخفة،لكن قلبها... كان ثقيلًا،تفكر في "نديم"، كيف ستتركه 
كيف ستعيش بدونه؟كل لحظة تمر، تنهش قلبها، وتتركه في وجعٍ بلا نهاية.

 
خرج "نديم" و"أسمر" و"براء"، يبحثون عن أرواحٍ أوجعوها دون ذنب، يحمل كلٌّ منهم في قلبه وجعًا مختلفًا، لكن الهدف واحد: أن يجدوا من سقط من بين أيديهم.

كان "نديم" يسبقهم بخطوات، يلهث، وعيناه تتفقد كل زاوية، إلى أن لمح "وَجد" من بعيد، تسير وحدها بين الحقول.

صرخ بقوة، واندفع نحوها، بينما اقترب "أسمر" و"براء" من "شجن".

"مهره فين؟"
سألها أسمر بلهفة.

تنهدت "شجن" وقالت بقلق:

"ركبت حصان... وجريت بيه."

قطب "أسمر" جبينه، واتجه بسرعة نحو الإسطبل. وما إن دخل وتفقد الأحصنة حتى اتسعت عيناه بهلع، وصاح:

"يا نهار طين... ركبت الأدهم؟!"

لم ينتظر ردًّا، بل اندفع على الفور، ركب أحد الأحصنة، وانطلق يعدو كالسهم، قلبه يرجف، فـ"الأدهم" خطر على أي أحد سواه، لا يروّضه غيره، ولا يأمن جانبه إلا هو.

في الجهة الأخرى، كانت "مهره" تمضي بالفرس، تحاول أن تبتعد عن العالم، عن الوجع... أو ربما تقترب من ذاتها أكثر.

وكزت الحصان بخفة، فصهل صهيلاً عالياً، ثم بدأ يقفز بقوة، يعلو ويهبط، فقدت السيطرة عليه، وكانت تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تثبته، لكن دون جدوى.

من بعيد، كان "أسمر" يعدو كالعاصفة، فرسه يقطع الأرض كما يقطع السيف الهواء، قلبه يضج بالرعب، عيونه لا ترى إلا "مهره" وهي تحاول النجاة، والأدهم يندفع بها بلا رحمة.

رآها ترتجف، ترتفع على السرج، ثم تهوي.

صرخ قلبه قبل صوته، وصاح بها حين اقترب:

"مهره! والنبي الحقيني... أنا خايفه... هموت!!"

هتف "أسمر" بقوة وهو يمد يده نحوها:

"ما تخافيش... أنا جارك أهو! مدي يدك!"

صرخت برعب:

"لأ... هقع... هموت!!"

"بجولك ما تخافيش! مدي يدك!والله ما هسيبك...بروحي يجرالك حاجه!"

زاد من سرعة فرسه، مد يده أكثر، يحاول أن يمسك بها، وهي مترددة، مرتعشة... قلبها يقاتل عقلها، فصرخ من جديد:

"يا مهره! يدك!والله أموت ولا ييچى لك حاجة!"

بلعت ريقها، وفي لحظة شجاعة، مدت يدها إليه، فأمسك بها بقوة، وجذبها نحوه، دفعها على صهوة فرسه، وانطلق الحصان الآخر يجري في طريقه، وهما معًا الآن، على فرسٍ واحد، وقلبٍ واحد.
استدارت "مهره" في لحظة ذعر، وتعلّقت بـ"أسمر" بقوة، كانت ترتجف، الخوف يسري في عروقها، وما إن لامست صدره حتى التصقت به كأنها تبحث عن ملاذ، وانكمشت في حضنه بعنف.

لكن الفرس شدّ نفسه فجأة، واختل توازنهما، وسقطا!

في اللحظة الأخيرة، استدار "أسمر" بجسده ليحميها، فارتطم هو بالأرض بقوة، بينما هبطت هي فوقه، متشبثة به، لا تزال ترتعش من الرعب.

مد ذراعيه ليحيطها، شدّها إليه، لم ينطق، كان يحاول أن يسيطر على نفسه، على الرعب اللي اجتاحه، على مشاعر كادت تُفقده وعيه.

كانت هي مرتعبه، مرتعشة، تبحث فيه عن أمانٍ ضائع، أما هو... فظل يمسد على ظهرها ببطء، بصمت، كأن يديه وحدهما تُهدئ العالم.

همس بلين، وصوته يكاد لا يُسمع:

"إهدي... إنتِ في حضني... ما تخافيش..."

ظلت تتلمس من حضنه الطمأنينة، تحاول أن تلتقط أنفاسها، وكل ذرة فيها ترجف، كانت مهزوزة، مكسورة، وهو يحتضنها كجدارٍ يحميها من العالم، من الألم، من الموت اللي مر جنبها ولمسها.

تنهد "أسمر" بغُلب، وقبّل رأسها بحنانٍ أبويّ، لكنه كان غاضبًا... غاضبًا من خوفه، من الموقف، من نفسه، ومنها.

نهض وهو يشدها إليه، فتعلقت به أكثر، غاصت في حضنه كأنها وجدت ملجأها الأول.
لأوّل مرة... تشعر أن هناك من يستطيع أن يحميها،
أن هناك حضنًا إذا اختبأت فيه، لن تخرج منه مكسورة.

تنهد أسمر وهتف بنبرة غاضبة:

– انتِ مخبوله؟! حد ياخد الأدهم ويطير بيه كده؟! انتِ مافيش عَقل خالص! طايحة على جُول؟!

هنا عادت مهره لنفسها، ودفعته غاضبة:

– انتَ اللي مربي متوحش زيك! انت إيه ده؟! ده فَرَس ده؟! صحيح... واحد جاحد هيُربي إيه؟!

فدفعته وهمّت أن تنصرف.
لكنه أمسك بها، ولوى ذراعها، وهتف بنبرة مكتومة يعتصرها الغضب:

– لاه! أنا اكده كفاية عليا! تلمي نفسك... أني راجلك! واسمك على اسمي! والله لأفلجك نُصين! انتِ إيه ده؟! مابتهمديش!

فصرخت بغضب، وعيناها تشتعلان نارًا:

– راجلي مين ده؟!

ثم دفعته بعنف وغضب:

– أنا مش شايفاااك راجل أصلًا! روح يا شاطر شوف واحدة واقعة ترضى بيك! أنا ما اتشرفش أبقى على اسمك! وآخرتها ورقة رخيصة وتتقطع!

دفعت كلمتها في صدره كطعنات خنجر، وهو واقف، يشعر بنار تشتعل في جوفه... ما قالته كان كثيرًا عليه.تركته ورحلت تاركه جمرا يشتعل بداخله. 

في تلك اللحظة، كان جابر يراقبهما من بعيد، يسمع كل شيء، فاقترب ببطء، وصوته مُحمل بالغلّ والشماتة:

– دي آخرتها؟! يتجالك "انت مش راجل" وتسكت؟! ورجتك رخيصة، أسمر أبو الدهب؟! يا حُزني على ولدي اللي ما حد يجدر يمس طرفه، بيجري ورا مره... هتركبك وتجولك "انت مش راجل" وتسكت؟! إنت؟! إنت يا ولدي؟! يتجالك اكده؟!

صرخ أسمر، محاولًا إسكاته:

– ما تبُس بقه!

فقال جابر بلين زائف، يخفي خلفه السمّ:

– مش سكتك يا أسمر... اعقجل يا بن سلطان! البِت دي ما هتنفعكش!
انت راجل صعيدي، هتسمح إنها علّمت عليك؟! هتسمح إنها ضحكت عليك؟! هتجلب مره؟!

هتف أسمر بتحذير:

– عمي، حافظ على كلامك!

فأجابه جابر بهدوء مدروس:

– حاضر يا أسمر... بس اسمع مني.أنا كبير عنك، والمرة الجادْرة مالهاش حاكم! ما هتعملكش حساب...عُمرها.. شوفت وجفّت وطاحت في الكل! وحتى أخوها شورابه، خرج معاها، ما بيجدّر عليها...
هتاخدها إزاي دي؟!لو حصل، كل يوم طحن وضرب، وهتموّتها، وهي حرنانه... ما هتسكتش!ده طبع... دي واحدة دَكر!
ابعد، يا بن أخوي، عنها!إنت مالكش لا في نِحنحه ولا غيره.إيه؟! هتِنذَل ليها علشان المال؟!علشان الشركات؟!آخرتها... أسمر؟! هيبُص لفلوس مره؟!

صرخ أسمر، والنار تتأجج في صوته:

– هو مين ده اللي يبص؟! تغور بفلوسها!
انت انخبلت؟!

هتف جابر بخُبث:

– لا، تغور إيه؟!إنت يا واد... أَهبل؟!
اجرفها في عيشتها!مش جالت هتمشي وتسيب كل حاجه؟!تسيب؟!

قال أسمر بنفاد صبر:

– مالي بمالها! إني؟! انت انخبلت يا عمي؟!
أسمر ما بيبُصش لمال حد!

صرخ جابر، وصوته أعلى:

– ماهو مالنا!المرة اللي تجول على أسمر مش راجل؟!تنجتِل!واعمل حسابك... لو حد وعي للكلام ده، ولا معاملتها ليك كده، هتبقى فضيحة!وهتندَعِس سيرتك بين الكل! يا أسمر، انت حر... عايز تكمّل مره، كمّل يا بن سلطان...بس اعرف، إن البلد كلياتها هتشوفك، وانت بتتهزّا... صبح وعشيه!وهتتزف في البلد: "أسمر أبو الدهب... وحش الصعيد الجادر... مرته بتهينه وتمسح بيه الأرض...ليه؟!عاشجها جوي؟!تذل نفسك علشان إيه؟!إنت ما بتعرفش العِشج...ولا ليك في المسخرة دي!

اقترب منه، ونظر في عينيه نظرة الأب الذي يُقنع ولده بمصيره:

– طول عمرك ولدي اللي بحبه...طول عمرك سندي وضهري.ممكن بنغلط، وإني ساعات بجول حاجات غلط...بس يا ولدي... أوعي لحالك!انت اللي فاضلي...لو مت انت هتاخد عزايا؟!ما أعرفش حد غيرك يكون ضهري...خلّي بالك منك، يا أسمر.انت كبير العيلة، وهتمسكها في يوم من الأيام، هتجعد في مجعدك إزاي وانت مِتهان من مره؟!
كل يوم... ما حد هيعملك حساب!وانت خابر في عيشتنا...اللي مره تطوّعه؟!بيتجال عليه إيه؟!إني رايد مصلحتك... يعلم الله."

وقف جابر، وقد نفث سُمّه في قلب أسمر، الذي جُرحته مهره بأبشع صورة في رجولته.
أهانته، وهو الذي يرى نفسه سيدًا بين الرجال.

توغّل الشيطان فيه من جديد، رغما عنه، ليعود ذلك الذي يعرفه الكل...أسمر، ذو القلب الحَجر، الحاسم، الذي لا يُهان.

فقال بصوت منخفض، لكنّه ينذر بالعاصفة:

– ماشي يا مهره...أسمر هيعرفك...
هو راجل...ولا لاه...
 
_ هتشوقي أسمر هيعمل إيه. 
.............
افتكر اني قولتلك بلااااش ..بلاااش ..قولولو يا عيال بلاش ..والا اقولك انت حلوف وتستاهل ..يلا بالشفا .....
تعليقاااات البارت الجاي ناااار..والله اطفش 😂😂😂. تااااكس
يا تري هيعمل ايه ابن ابو الدهب.


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1