رواية حين يعود الحلم الحلم الفصل الرابع بقلم ملك عبدالله احمد
_أطلقنا.
بعدت خطوتين للورا بحاول أستوعب، واللي كان صدمة بالنسبالي، بدأت أوزع نظراتي عليهم وكأنهم منتظرين ردي بحماس ـ أعتقد ـ لكن المرة دي أنا اللي خيبت آمالهم وتوقعاتهم. رديت بأسف مصطنع:
_بعتذر حقيقي، مكنتش أعرف بمعلومة شبه كده. زعلتني حقيقي كنت ناوية أتصاحب عليها ونبقى أخوات بدل ما أنا شبه وحيدة هنا، بس ربنا يرزقك بالخير، والمرة الجاية تكون بنوتة من اختياري، ها.
حد يصفقلي! مكنتش متخيلة إني هفضل بالثبات ده، بس أستاهل والله يتصفقلي.
_طبعًا يا نور، المهم امتحاناتك الأسبوع الجاي. وأكيد حضرتك متعرفيش حاجة عن مقررك. ارتاحي وابقى تعاليلي أشرحلك وأديكي فكرة.
_شكرًا، بس مش محتاجة منك حاجة.
_أفندم؟!
_أنا محتاجة أرتاح، السفر كان مرهق. هستأذن أنا.
دخلت أوضتي بهدوء، بس الغريب إن إحساسي كان مزيج.
فكرت إني هتنطط وهفرح، واحتمال كنت آخده في حضني كمان والله، بس الحقيقة محستش بكده.
كان جوايا خوف، توتر، واستنكار لفعله.
مش فاهمة إزاي كنت معمية بالشكل ده؟ ليه فضلت أستناه وأحبه؟
مش فاهمة ليه عايشة على ذكريات كدابة بينّا، أو حتى ليه ثُرت وزعلت!
هو من حقه يتجوز ويحب، ما وعدنيش بالحب ولا بالزواج، ما صدرش منه كلمة "بحبك".
أيوة صدر منه أفعال ومواقف وذكريات وتفاصيل،
بس يمكن كأخت ليه زي ما ماما قالت فعلًا.
ليه اتوهمت؟ وليه حطيت سيناريوهات وهمية؟
كان حبّ من طرف واحد!
بس كلامه المعلَّم ومراوغته، أفعاله...
دماغي هتنفجر، بس لأول مرة أصارح نفسي بالحقيقة اللي دايمًا بتهرّب منها.
ليه بطل يتواصل معايا؟ إزاي أربع سنين عدّوا من غير ما يكلمني؟
ليه اتجوز وليه طلق؟
طب هل أنا هرضى يكون ليه مكانة في قلبي بعد ما عرفت بخبر جوازه وطلاقه؟
دخلت ماما عندي وكانت بتقرب باستغراب مني:
_يعني ردك على أمير مش شايفة غريب شوية؟!
_نعم؟! غريب فين؟ كنتي عايزاني أرد وأقول إيه؟ آخده بالحضن مثلاً؟
_مش قصدي ده، قصدي لما عرفتي بخبر طلاقه، حسيت عندك لامبالاة بشكل واضح.
_ما طبيعي يا ماما، عايزاني أفرح يعني وابن عمي طلق مراته؟
_فكرت فعلاً هتفرحي، يعني كلامك معايا آخر مرة، تصريحك بحبك لأمير... كنتي مقهورة، مكنتش عارفة أساعدك إزاي، لأن وقتها كان متجوز. لكن دلوقتي خلاص هو حر، يعني يقدر...
قطعت كلامها بسرعة وبنفاذ صبر:
_ماما حبيبتي، خلاص، كان موضوع وعدّى. يعني لا فيه حب ولا فيه وجع وقهر زي ما متخيلة. أنا سافرت واتغير تفكيري بشكل كبير، عرفت إني واهمة نفسي. يعني أمير بالنسبالي ابن عم وبس، وده كله اللي في قلبي ليه؛ لا حب ولا كراهية، مجرد شعور عادي بحسّه لأي شخص غريب عني.
حسيتها انصدمت... لاء، ده أكيد تعبيراتها كانت مستحوذ عليها الذهول والصدمة.
_يعني مش عايزة تعرفي سبب الطلاق؟!
_ولا يهمني.
_حتى الجواز؟!
ضربات قلبي عليت. هو الجواز ليه أسباب؟ إيه سببه غير الحب؟!
بدأ الشك يروادني هو ممكن...؟! لكن تصنعت اللامبالاة من تاني، لأني مش ههدم اللي عملته، مش هضعف وأرجع لنقطة الصفر.
_زي ما قولتلك أول مرة... ولا يهمني.
إليكَ أُدَوِّنُ مداعمي:
لي عزيزٌ سكن فؤادي برجفةٍ عارمة،
وسُلبتُ من قاع خيبةٍ طالت مسكني.
وآمنتُ بنفائس روحي معكَ،
ولمحتُ الإنسَ بجواركَ.
لكن ما طالني سوى
معركةٍ في ساحةِ غدرٍ،
كان ناصرُها أنتَ،
وهزيمتُها أنا.
شهر كامل كان تركيزي على امتحاناتي بس،
وقت مُنهِك بشكل،
قضيت فيه حزني كله.
امتحانات وما أدراك بالفاينال ونهايته الحزينة.
في آخر يوم، قررت أكون لوحدي،
أعيش اللحظات مع نفسي من غير حد.
اخترت نفس المكان اللي دايمًا بنهار وبشكي فيه.
خدت معظم الحاجات اللي بحبها،
وأهمها عصير المانجا المفضل ليّ.
قعدت، وكان المكان فاضي،
لإن الكل مع أصحابه وحبايبه… إلا أنا.
بس للحق، الشعور يستاهل ألف نجمة،
لإني بحب الهدوء والجو المريح.
طلعت دفتري،
اللي شَهِد على ذكرياتي الحزينة.
كل صفحاته عبارة عن نصوص حزينة،
بس كان بيشيل الحِمل معايا.
وكتبت فيه نص حزين يوافق جرحي:
لَجَأتُ إليكَ
من كلِّ منافي العُمر،
لِتُلائمَ ذاكَ الجُرح.
لكن… ما بي أرى؟
طَيفُكَ المسلوبُ بغرزةٍ،
فينغمرُ دَمُه في الأرجاء،
تاركًا خلفهُ وصلاً من نُدبة.
وتعودُ تلكَ الخيبةُ
مرّةً أُخرى…
أتأمّلُ ذاكَ الطيفَ الأليم،
فلا غيرُكَ يُداوي…
لكن…
أنتَ مَن طعَنتَني!
يا مَن هَوَيتُهُ،
كيفَ لكَ أن تَطعَن؟
وأنتَ الذي
أمِنتُهُ على نفائسي؟
أنا أصلًا شخص بيحب الحزن وبنغمر فيه، بحب جلد الذات والوجع.
ممكن أكون مريضة نفسية؟! ضحكت والله، فعلًا باين إني لازم أروح للدكتور بدل العتمة اللي جوايا.
بس هل يا ترى هبدأ من جديد، أعيش من تاني، أحب تاني؟!
هو بجد نسيته؟! أكيد لسه بحبه بس نسيته! حاسة إني ممكن أعيش من غيره عادي، بس نسيته… مش عارفة أفهم نفسي.
بجد ليه الصعب ده؟! أعيط؟ طب يمكن أرتاح… ويا ترى البُكا هيفيد؟! ما عيني باشت من البُكا.
كملت عياط عادي، فاكريني هنسى بسرعة ومش هبكي.
عيطت وكملت عياط بس مش عشان حب خالص، أو عشان أمير.
عيطت عشان حسيت إني وحيدة جدًا، بشكل يخليني أستوحش نفسي.
طلعت وحيدة، طلعت محرومة من حاجات كتير في حياتي.
وقفت حياتي على شخص واحد على أساس إني هكمل حياتي معاه.
بس دلوقتي هو اختفى، كشفلي قد إيه أنا شخص منبوذ لحاله.
بطلت أفتكر معاني كتير.
أنا محرومة من صديق يكمل معايا مشواري،
أب يحميني من بشاعة الدنيا،
وأخ يقف معايا في أصعب مواقفي.
بس ده كله كان فيه، كان موجود فيه،
وكان بيغرّمني بكل المشاعر اللي محرومة منها.
عوّدني عليه واختفى.
ادّاني طُعم للسعادة، واستندت عليه في حزن الدنيا.
جفّت دموعي وقمت، وكفاية على قلبي حزن.
مضى وقت ووصلت البيت، دخلت وأنا بفكّر هكمل هنا ولا أرجع أسافر تاني؟ أسيب كل حاجة حواليَّ وأهرب، ولا أخليني وأواجه؟
أفكار مزدحمة جوايا… عيني لمحتُه قاعد في الصالون، وماكنش لوحده، كان معاه أهله وماما.
اتوترت ودخلت.
_السلام عليكم.
ردّوا كلهم السلام، وعيني بتحاول تلمح سبب وجودهم، بس من هيئتهم لبسهم المرتب، الورد… حاجات تدلّ على شيء مش مبشّر نهائي. لكن قعدت بهدوء، وفضولي بيخليني أفهم هما جايين ليه.
_ليه اتأخرتِ يا حبيبتي؟
_عادي يا ماما، خلصت وخرجت شوية. أنا قولتلك امبارح.
_أيوة، بس ما توقعتش تتأخري كده، وكمان تليفونك مقفول.
_آسفة، هو فصل شحن والجو برّه كان لطيف فسرقني.
_سيبي البنت في حالها يا "نرمين". أخبارك إيه يا نور يا حبيبتي؟ وحشتينا الفترة دي. من وقت سفرك وكمان امتحاناتك ما بقيتيش تيجي عندنا. زعلانة مننا ولا إيه؟
_يا خبر يا مرات عمي، إزاي بس؟ حد يزعل من حبايبه؟ زي ما قولتي، كنت مسافرة وبعدها شهر الامتحانات، فماكنتش بلحق أعمل أي حاجة اعذريني.
_طبعًا يا حبيبتي، ربنا معاكي ويوفقك.
_خلينا في الموضوع الأساسي. بنتي يا نور، إحنا فاتحنا مامتك في الموضوع ده من شهر، بس "أمير" كان مقرر ما تعرفيش حاجة غير بعد ما تخلصي امتحانات. والحمد لله خلصتي.
توتر… خوف… كان هاين عليّ أصرخ وامشي. ببص حواليّ باستغراب، لكن من جوايا فهمت. ركّزت عليه… كان قاعد مسترخي، وكأنه عارف إيه اللي هيحصل، متوقّع وفاهم. لكن نظراته كانت مليانة حنية وحب… هي نفسها النظرات اللي كنت بشوفها زمان، وقت ما كان في حياة بينا. بس المرة دي فيها خوف وتردّد.
ساعتها قطع عمّي الصمت وقال:
_ يا نور، إحنا جايين النهارده مخصوص عشان نطلبك لابننا أمير. عايزينك تكوني مننا وفينا، عروسة في عيلتنا، وشريكة حياة لابننا.
قلبي اتقبض فجأة من صاعقة الكلام،
وكأني مش مستوعبة ولسه نظراتي مليانة استغراب.
إحساس الفقد بدأ جوايا من جديد، حسّسني إني من غير قيمة، مجرد بنت معندهاش مشاعر.
مش فاهمة إيه نظرة الترقب اللي في عيونهم.
مفرحتش ولا لحظة، بالعكس الوجع استحوذ عليّا، وأثار الذكريات القديمة بدأت تحتلني.
بصيت له، وهنا كنت مسحت أي أثر لحبه من جوايا.
كنت فاكرة إن صعب الواحد يتخلى عن حبه حتى لو عدى العمر كله، بس في اللحظة دي كرهت نفسي،
لإني حبيت شخص شبه ده، وثقت فيه وأمانته عليّا.
كرهت نفسي أكتر من كرهي ليه.
مش فاهمة هما مستنيين مني إيه، متوقعين رد إزاي؟
هل فعلاً في دماغهم إني ممكن أوافق؟
هو فاكر إني هوافق وإني ما صدقت؟!
ده بجد؟
ممكن نقعد لوحدنا، قبل قرار نور؟! لازم تفهم الأول وبعدها تقرر.
_طبعًا يا حبيبي، إحنا هنخرج ونسيبكوا لوحدكم شوية.
المكان بقى خالي منهم إلا أنا وهو، وأنا مش قادرة أتكلم أو أحاول أفهم كل اللي بيحصل، بس ساكتة.
_نور، تعبت وأنا بحاول أتكلم معاكي، كنتي دايمًا بتهربي مني، حاولت كتير معاكي، بس كنتي بتفلتي مني دايمًا. بس المرة دي مفيش هروب، أنا وأنتِ هنواجه بعض. أنتِ تعاتبي، وأنا أشرحلك.
_مش عايزة. مفيش عتاب بينا عشان تشرحلي حاجة يا ابن عمي.
_حقك، وآسف. بس والله غصب عني، أو حتى لو كان بإرادتي أعمل كده، برضه غصب عني إني أوجعك. اسمعيني مرة واحدة… مرة.
_لأ، مش عايزة. أمير أنا بكرهك.
_مستحيل. أنتِ مستحيل تفكري فيا كده، أنا أمير يا نور.
_فاكرني هضعف دلوقتي وأقولك فعلًا أنتَ أمير؟ فعلًا أنتَ أمير، شخص لا يحق له يتكلم معايا، ولا يشرح أسباب تافهة لغيابه، ولا يبرر جوازه. ولا يحاول، لإني مش هرضى بيه. انتهيت خلاص، كنت مجرد حاجة بالنسبالي لفترة، وقت ما كان قلبي بينضحك عليه بكلام غبي، وقت ما كنت بصدق ذكريات كدابة بينا. دلوقتي كبرت، واهتماماتي اتغيرت، وأولوياتي اتغيرت حظ أوفر ليك.
_حقك والله، لو عايزة تقولي إيه حقك، بس يشهد ربنا إن كل الذكريات والتفاصيل كانت صدق وحقيقة. أنتِ نور الطفلة اللي كنت بعاملها وكأنها بنتي، كبرتي قدام عيني، إزاي هوجعك بمزاجي؟!
_تلت ساعة بالضبط وهخرج، عايزاك تجمعلي فيهم وجعي لأربع سنين، وضيف عليهم لما جيت. وده مش عشان سواد عيونك، عشان بس أعترف لنفسي إني الغلط إني استنيت شخص أناني زيك. أهم حاجة مصلحته وبعدها اللي حواليه. عشان أثبت لنفسي إن الكرة اللي جوايا يستاهل فعلًا ليك.
_مش هلوم على كلامك، بس عايز أقولك زي ما كنتي موجوعة طوال الأربع سنين، أنا كمان كنت موجوع أكتر منك، خصوصًا وأنا عارف إني السبب.
_لما سافرت عشان أحضر الدكتوراه، قررت أبعد عنك فترة من غير تواصل بينا. وده عشان معرفتش هل أنتِ بتحبيني ولا لأ، أنا بالنسبة لك أخ ولا لأ. لو كنا كملنا زي ما إحنا، مكنتش هعرف أجي أعترفلك بحبي. الكل عارف علاقتنا عاملة إزاي أخ وأخت. زمان وإحنا صغار الكل كان فاكرنا إخوات مدرستك، الجيران، الأهل، القرايب. أنا كنت فاهم وعارف إنك بنت عمي مش أختي. لكن أنتِ كنتِ صغيرة، طبيعي تكبري على إني أخوكي، تكبري على كلام اللي حواليكي. تعاملنا مع بعض كان كأخوات. أنا حبيتك، بس لأني بحبك كبنت وناوي في يوم أتجوزك. لكن أنتِ كنتي بتحبيني كأخ، وأب، ورفيق. إزاي كنت هكمل كده وأنا مش عارف علاقتنا هتوصل لإيه؟! فكرت أسافر، وهنا هنبعد عن بعض وساعتها نشوف مشاعرك ونتأكد منها.
رفضت كلامه ورفضت مبدؤه. يعني إيه يوجعني عشان أوهام في دماغه؟ تفكيره غلط. إزاي؟! بس افتكرت جوازه، وهل يا ترى سببه إيه؟ هيخترع حجج إيه المرة دي؟! سألت بحدة:
_ومراتك وجوازك؟! كان إيه يا دكتور؟! عشان تتأكد أكتر من مشاعري وتشوفني هتوجع إزاي لما تيجي وإنت في إيدك واحدة؟ تشوفني بغير وهتعامل كأخت ولا حبيبة؟! برافو والله! تمثيلية نخترعها ونجيب أهلنا يطبلوا معانا.
_أنا مش ساذج للدرجة دي يا نور، مش فاهم من إمتى وأنتِ بقيتي تقسي كده.
_الوقت والوجع كفيل يعلّم يا دكتور.
_نور اسمعيني، أنا اتجوزت مش عشان الهبل اللي قولتيه ده ولا فكرت فيه مرة. جوازي من مريم كان سبب تاني، مش يخصني ولا يخصك، كان يخصها هي. أنا اتجوزت مريم عشان كانت مسيحية.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم