رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السادس والسبعون 76 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السادس والسبعون

حدقت سارة في صفحة السماء الملبدة تائهة في صمت القمر الشاحب المعلق كندبة نازفة في جبين الليل كان قرصه الأبيض الباهت امتدادا لحياتها التي انطفأت تدريجيا كما تخفت شمعة أهملت في ممر مهجور لم تعد تطلب وصلا ولا رجاء في بقاء كل ما رغبت به الآن هو الرحيل فالموت كما خيل لها بلا حب بلا خيبة بلا ملاحقة من ظل رجل أحبته بمرارة.
ولما قررت السقوط هرع إليها أحمد يتخطى السريربقفزة مباغتة كخيل سبق جسور كأن الزمن قد تجمد واختنقت عقارب الساعة في حلق لحظة لا تعرف العودة أسرع يمسك بمعصمها كمن يتشبث بآخر خيط من حياته المبتورة.
في الجهة الأخرى من المشهد كان كونور يتقلب في السرير ومن ثم نهض فزعا كمن سمع صدى كابوس لم يحك. وإذا به يقفز نحو الباب راكضا بلا اتزان يبحث عن مأمن أو تفسير.
كان برنت خارج الغرفة يراقب احتراق لفافته الأخيرة حين ظهر الطفل يترنح نحوه كظل باك. فبادر بإطفاء ما بيده وانحنى إليه يسأله بصبر أبوي 
ما بك كونور ماذا تفعل هنا 
لفظ الطفل كلماته بعثرات من الذعر 
ماما تبكي 
ثم أشار بعشوائية إلى الخلف والقلق في عينيه أبلغ من كل تفسير.
لم يفهم برنت سوى أن هناك شيئا لا يطمئن. فحمله

سريعا وقال بنبرة حنونة تخفي ارتجافها 
سنعيدك إلى الداخل الجو بارد هنا لا نريدك مريضا. 
في الداخل كان أحمد لا يزال ممسكا بسارة. نصف جسده معلق خارج الشرفة والأرض السابعة تحتهم تبتلع الريح كمناديل تسقط في بئر لا قاع له. زمجر بألم خافت 
سارة لا تفعليها بالله عليك لا تذهبي. 
أجابت بصوت هادئ كأنها تهمس لظلها 
ألم تتمن موتي ألم تكرهني حين فقدت أختك أليس هذا ما كنت تريده 
جسده المتدلي كان يتلوى مع الريح ويداه تمسكان بها كما يمسك الغريق بخشبة نجاة مهترئة كان وجهه محمرا وصدغاه ينبضان كطبل مكسور يضرب آخر نغمة قبل أن ينفجر.
سأقتل والدك إن حاولت تركي بهذه الطريقة سارة! أقسم أني سأفعلها وأبشع الطرق قالها بصوت مبحوح فيه ما يثير الرعب أكثر من التهديد.
ابتسمت ببرود مفجع 
إنه لا يشعر بشيء غائب بين الحياة واللاشيء. ربما الراحة الحقيقية له ألا يستيقظ أبدا. 
همس بشيء لم تتوقعه بكلمات مبعثرة غير مترابطة 
ليو سيتولى العملية لقد تحدثت معه والآن في هذه اللحظة هو بجناح والدك إن فعل ففرصة استيقاظه ثمانون بالمئة. تعرفين سمعته أنت من عالم الطب وتعي ذلك جيدا. 
ترددت للمرة
الأولى وارتعش بريق عينيها. لكنه لم يطمئن لذا تابع كالمجنون 
كرهتك نعم وكرهت والدك. لكن الآن لا شيء تبقى لا أنا ولا أنت كما كنا. لم أعد أكرهك ولم أعد أعرف من أكون بدونك. 
كانت ندف الثلج تتساقط على رموشها متجمدة كأجنحة فراشة اصطدمت بالضوء الخاطئ. تمتمت 
لديك عائلة جديدة وأنا لا أرغب في شيء دعني أرحل فهذا أفضل لنا جميعا. 
كان في كلماتها سيف مغمد لا ينزف صوتا لكنه يذبح كل احتمالات التراجع. أردفت 
لن نعود أبدا تلك الصفحة أحرقت. 
تأمل معصمها الذي نزف دون صراخ واللون القاني يتسلل من الجرح كوشم أبدي على يده. لأول مرة قرأت الخوف في عينيه ذلك الذي لا يعرفه إلا من يحب.
هل تخاف أن أموت همست بابتسامة يائسة هل ستراني بطلة إذا مت 
لن أدعك تموتين هكذا لا دون إذني. همس وكأنه يفاوض الموت نفسه سأرفعك الآن تمسكي بي. 
وفي لحظة اقتحم برنت الغرفة والعالم انكمش من حوله. صرخ 
ما الذي يحدث بحق السماء! 
ثم تحرك بسرعة كقائد معركة يطلب من الحرس المزروعين بالأسفل تجهيز الأرض لتخفيف حدة سقوطها ان خرجت الأمور عن السيطرة ثم وضع كونور على السرير ونادى 
سيدة ميلر هذا اختبار
وليس نهاية. قولي له ما بك وسنجد حلا. لا تضيعي نفسك من أجل وجع عابر. 
وبعد جهد مضن تمكنوا من سحبها أما أحمد الذي ظل يترنح كان نصفه غارقا في الخارج وسارة بين ذراعيه كظل يتلاشى لكنها لم تنكسر لم تتراجع بلهمست إلى برنت كمن يسلم مفتاح الروح 
هذه نهايتي. 
ثم ودون سابق إنذار أفلتت يدها كما يفلت أحدهم حلمه الأخير وعاد كل شيء إلى نقطة السقوط.
صرخ الجميع 
السيدة ميلر! 
انحنى أحمد بجسده الموشك على التهشم فوق النافذة كمن يراوغ الموت بذراع واحدة لكنه لم يفلتها تشبث بكفها النحيلة كما يتشبث الغريق لا حبا بالحياة بل خوفا من خسارة ما تبقى له من قلبه كانت تلك اللحة أشبه بأنفاسه الأخيرة فرغم تاريخه الممتلئ بالنجاة من فخاخ الموت لم يعرف الرعب على وجهه طريقا كما عرفه الآن لقد اصطكت روحه وهي تدرك للمرة الأولى بصدق خالص أنها إن سقطت ستنطفئ كل شموعه.
همس وصوته مشروخ من فرط الرجاء 
سارة... إن مت اليوم سأعلن إفلاس عائلة روجرز... تعلمين أني لا أنكس كلمتي. 
ارتسمت على ثغرها ابتسامة باردة ككف الموت وقالت بسخرية تقطر وجعا 
حتى ونحن ننازع الحياة ما زلت الرجل الأحمق ذاته.. أحمد. تهدد
امرأة تتمنى الرحيل! أي سلطان تظنه لك
علي بعد أن قررت أن لا حياة لي هنا 
اتسعت عيناها بلمعان مضطرب كأنها تقاوم البكاء أو الجنون ثم تابعت 
لا يمكنك تهديد من تحول الخوف فيه إلى رماد... لم يعد هناك ما أخشاه بعد أن عانقت فكرة الفناء. 
لماذا صاح أحمد والدمع يطل من عينيه كسجين خلف القضبان 
لماذا تنتقين الموت إن أردت الرحيل... لما انتظرت كل هذا الوقت! أين كانت تلك الرغبة يوم انهارت عائلتك يوم تهشم كل شيء سارة متى تحولت إلى شبح يتمنى الزوال 
كان يحاول عبثا أن يفهم هذه ليست هي. تلك التي عرفها كانت تقاتل الحياة بأسنانها تصفع الصدمات
وتعود أقوى. لكنها الآن كانت مجرد ظل باهت لامرأة انطفأت ببطء.
بدا له أن لا تفسير لهذا الانهيار فبعد كل شيء كانت قد خرجت من ذلك الطلاق بثراء يكفيها لحياة بلا قيود.
همس كمن ينهار 
أستطيع أن أعطيك ما شئت... أي شيء فقط ابقي. 
لكنها رمقته بنظرة كسكين تنغرس في اللحم الحي وقالت 
وهل تظن أنني سأغفر لك لأنك فقط قررت أن تنقذني هل غيرت الماضي بكلمة 
صمتت لحظة ثم أضافت بنبرة ممزوجة بالاحتقار والحزن 
لطالما توهمت أنك تمسك زمام الأمور... لكن الحقيقة لم تكن يوما القائد. مارينا هي من دفعتني إلى الماء.
.. كانت تريد أن تختبرك لترى من ستنقذ لو سقطنا سويا. 
شهقت وهي تسترجع المشهد.
ظننت أني أجيد السباحة كنت حاملا أحمد! وتشنجت عضلاتي تحت الماء وساقاي تشابكتا في شباك الصيادين... كدت أموت أنا وطفلك! 
حدقت فيه ووجهها مبلل بدموع لا تعرف كيف تسقط.
في الحمام يوم قيدتني... توسلت إليك كما توسلت يوم أن سقطت في الماء. ومع هذا لم تر في سوى امرأة قادرة على النهوض وحدها. لقد سئمت من غرورك... من تلك الذات التي تعتقد أنها لا تخطئ. 
تحركت فجأة بعنف العاصفة وانزلقت أناملها من يده كأن القدر أرادها أن تختار.
صرخ
ممزقا وهو يصر على نجاتها ومال أكثر حتى يتمكن من الوصول إلى أي جزء فيها فقبضته على أناملها لن تدم طويلا 
لااااا... سارة! سارة بالله عليك 
لكنها كانت قد قررت أن تطفئ نفسها.
رمقته بنظرة حزينة متحجرة.
كان يمكن أن تكون حياتي أجمل... لو لم ألتق بك لم تعرف أبدا أنك كنت نجما في سماء مراهقتي رجلا حلمت به لأنك فقط نظرت إلي مرة. 
ثم ببطء مميت رسمت على ثغرها ابتسامة من جليد وقالت 
أحمد إن كان التناسخ حقيقيا فأرجو ألا تجمعني بك الأقدار مجددا. 
وانفلتت يدها من بين أصابعه ولم يبق سوى الريح والموت
وندم يشبه القيود.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1