رواية فرقة المهمات الخاصة الفصل الثامن 8 بقلم جميلة القحطانى


رواية فرقة المهمات الخاصة الفصل الثامن بقلم جميلة القحطانى

الشارع خارج المقهى كان مضاءً بمصابيح صفراء باهتة. الشاب ذو السترة الجلدية يمشي بخطوات سريعة، يتلفت حوله أحيانًا.
جسار يضع يديه في جيبيه، يسير على الجانب الآخر من الشارع، وكأنه مجرد عابر سبيل.
الهاتف في يد الشاب، وكلمات مقتطعة تصل إلى أذن جسار:وصلت الساعة اتنين نفس المستودع ابتسامة صغيرة ارتسمت على وجه جسار المستودع كلمة ثقيلة، لكنها مفتاح.
داخل المقهى، كان الحاج رضا يجلس في ركن مظلل، أمامه فنجان شاي بالنعناع.
أشار لخالد بالجلوس، وعيناه تراقبه من تحت حاجبيه الكثيفين.
الشهامة دي مش ببلاش إنت إيه حكايتك يا ابني؟
خالد أجاب بهدوء، مبتسمًا:حكايتي إني ما بحبش أشوف ظلم قدامي.
رضا أطلق ضحكة قصيرة، ثم قال:أيوه لكن مش كل واحد بيتدخل في شجار بيطلع ملاك.
كان واضحًا أنه يختبره.
التتبع يقود جسار إلى زقاق ضيق خلف مخزن قديم. الشاب يقف عند الباب الحديدي، يطرق ثلاث طرقات متقطعة، ويدخل.
جسار يتوقف في الظل، يخرج هاتفه، يلتقط صورة سريعة للواجهة، ثم يختفي قبل أن يلاحظه أحد.
في رأسه خطة: العودة ليلًا ومعه الدعم.
الحاج رضا يميل للأمام:أنا محتاج ناس زيك بس لازم أثق فيك الأول.
خالد يرد بابتسامة ثابتة:الثقة بتتبني مش بتتوزع.
رضا يضحك مرة أخرى، لكن هذه المرة أطول، وكأنه أعجب بالرد.
كان النهار طويلًا في قسم الطوارئ. صرخات المرضى، صفارات الأجهزة، خطوات الممرضات السريعة كل شيء يسير بوتيرة لا تعرف التوقف.
لكن روفان، رغم الإرهاق، كانت وجهها لا يفارق الابتسامة، يدها ثابتة وهي تربط الضمادات، وعيناها تلمعان بحب ما تفعله.
منذ وصول الدكتور سامر قبل شهر، لاحظت نظراته الثقيلة. في البداية تجاهلتها ربما هو طبعه. لكن الأمر تجاوز الحد.
تعليقات على مظهرها، مجاملات متعمدة أمام الآخرين، ثم مواقف يختلقها ليكونا وحدهما.
اليوم، بينما كانت تضع ملفات المرضى على مكتب الأطباء، اقترب منها هامسًا:إنتي بتتعبينا بجمالك ده، يا سوزان.
شدت الملف من أمامه دون أن ترد، وخرجت.
بعد الظهر، طلب منها إحضار حقن من غرفة الأدوية. دخلت وهي ترتب العلبة في يدها، فجأة سمعت صوت الباب يُغلق خلفها.
التفتت، فوجدته يقف مستندًا إلى الباب، يبتسم ابتسامة باردة.
ليه مش بتحبي تردي عليا؟
شعرت بالقشعريرة. قلبها يخفق بقوة، لكنها وقفت مستقيمة، صوتها ثابت:افتح الباب، دكتور سامر فورًا.
ضحك بخفة:ليه؟ إحنا بس بنتكلم.
خطوة منه للأمام، وخطوة منها للخلف. يدها تحركت ببطء إلى جيبها، حيث هاتفها مسجِّل يعمل بالفعل.
افتح الباب وإلا هخلي كل المستشفى يعرف حقيقتك.
تغيرت ملامحه فجأة، وعيناه ضاقتا. بعد لحظة صمت، استدار وفتح الباب، مغادرًا وكأن شيئًا لم يحدث.
وفي مكان آخر كان يوم جمعة مشمس، والهواء على الكورنيش يحمل رائحة النيل.
اجتمعت الصديقات الثلاث في المقهى المعتاد، يتبادلن أحاديث الدراسة والعمل، بينما كل واحدة تخفي خلف ابتسامتها ثقلًا على قلبها.
هدى كانت منهكة بعد أسبوع من العمل في أحد البيوت،
نورا تحمل دفترًا مليئًا برسومات هندسية لم يرها أحد،
وشهد تمسك بجهاز تسجيل صغير، تسجل به مقاطع تدريبية بصوت منخفض.
بينما كنّ يخرجن من المقهى، سمعن صوت ارتطام قوي وصراخ.
ركضن نحو الشارع المجاور، ليجدن شابًا صغيرًا ملقى على الأرض بعد أن صدمته دراجة نارية مسرعة، والدماء تسيل من ساقه.
الحشد بدأ يتجمع، لكن لا أحد يتحرك لإنقاذه.
هدى، بلا تفكير، ركعت بجانبه، ضغطت على الجرح بقطعة قماش أخذتها من حقيبتها، وصوتها حازم:اتصلوا بالإسعاف فورًا!
نورا، بذكائها العملي، بدأت في توجيه الناس لتفريغ الطريق، وأخرجت قلمًا وورقة لتسجل أرقام الشهود الذين رأوا الحادث.
شهد، ممسكة بجهاز تسجيلها، راحت توثق المشهد بالصوت والصورة، وتصف ما يحدث بصوت واضح، وكأنها في بث حي.
وصلت الإسعاف بعد دقائق، وبفضل ضغط هدى توقف النزيف، والممرضة أكدت أن إنقاذه في الوقت المناسب منعه من فقدان الوعي.
أحد المارة نظر إليهن بإعجاب:واضح إنكم فريق كل واحدة بتعرف تعمل حاجة مميزة.
تبادل الثلاث نظرات صامتة ربما كان هذا أول مرة يدركن فيها أن قدراتهن الفردية يمكن أن تصنع فارقًا حقيقيًا إذا اجتمعت.


تعليقات