رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن و التسعون بقلم سهام صادق
يسير "عزيز" بسيارته شارِدًا و بأنفاس ثقيلة لا يستطيع إخراجها من صدره. توقف عن القيادة وأطبق جفنيه بقوة ثم أطلق زفرة طويلة تحمل معها ألمًا وعجزًا وقلة حيلة ، فما عساه أن يفعل أو يقول ؟
_ لا أعتراض على أمرك يا رب، لا أعتراض...
أنسابت دموعه مرة أخرى وهو يُرددها ثم نظر جهة المسجد وقد أرتفع صوت المُؤَذِّن عاليًا.
أسرع بمسح وجهه من الدموع وأسبل جفونه ثم ألتقط أنفاسه ؛ فمهما أثقلت الحياة كتفيه لا يترك فرضً.
غادر سيارته بخطواتٍ ثقيلة مُطرق الرأس ثم رفع رأسه عند دخوله المسجد.
...
قطب "صالح" جبينه وتمعن بالنظر نحو البند الذي يضعه جده مدسوسًا بين بنود أخرى.
_ هتفضل تدقق في العقد كتير مش هتمضي.
حرك "صالح" رأسه بيأس من أفعاله ثم أنفجر ضاحكًا.
_ أمضي على إيه ، أمضي على عقد حاطت فيه شروطك أنت.
ألقى "شاكر" نظرة سريعة عليه وتساءل.
_ مش عجبك إنك تقدر تنقل ملكية المزرعة بعد سنه من وقت توقيع عقد التنازل ، ده أنا كنت عايز أخلي نقل الملكية بعد ما تجيبوا ليا أول حفيد لكن قولت لنفسي بلاش أضغط عليهم أكتر في كده..
رمقه "صالح" بنظرة مُستهزءة، فأخفض "شاكر" رأسه وأردف بدهاء.
_ قولت يمكن من كتر ضغطي عليكم، مسبب ليكم توتر.. ما أصل الدنيا ما بينكم تمام أوي وفكرة تأجيل الخلفة عِند فيا مش أكتر ، حاكم أنا عارفك تعمل أي حاجة ضد رغبتي.
أحتدت نظرات "صالح" وأستشاط غضبًا.
_ هتفضل لحد أمتى كده ؟ ، كفاية يا جدي ،كفاية بجد متستغلش حبي ليك.
أنتفض قلب "شاكر" في لهفة ونهض من وراء طاولة مكتبه وأقترب منه.
_ لسا جدك غالي عندك يا "صالح" ، ريح قلب جدك يا "صالح".
أشاح "صالح" وجهه عنه ثم زفر أنفاسه ببطء.
_ لو جدك غالي عندك، تعالا عيش معانا في القصر... كل حاجة من بعدي ليك أنت.
وأحتضن وجهه متوسلًا.
_ هتريح قلبي يا ابن "صفوان" ولا هتفضل تعاند معايا.
والضحكة التي خرجت منه منذ وقت قصير ،تجلجلت هذه المرة بقوة مع لطمه لكفوف يديه.
_ مش عجبك كلامي، مش عجبك كلام جدك.
توقف "صالح" عن الضحك وتقابلت عيناه بعينيه.
_ لأ إزاي ميعجبنيش كلام "شاكر" باشا ، "شاكر" باشا مكفهوش كل حاجه حصلت لينا بسبب هوسه بالعيلة و أمبراطورية الأجداد العريقة ، ما هو أسم عيلة "الزيني" لازم يفضل ديما فوق ومُخلَّد...
وبأبتسامه واسعة أردف وهو يدور حوله .
_ الحمدلله إن متكتبش نصيب لــ دكتورة "حورية" ودكتور "صفوان" إنهم يخلفوا غيري.
أرتجف قلب "شاكر" حينما حدق به "صالح".
_ لأ ومن حظهم إنك تكون السبب ويموت الطفل وبعدها تشيل الرحم، وميبقاش غيري أنا نسل ليك وليهم ...
أغمض "شاكر" عينيه هربًا من ذكرى أليمة كان هو سببً فيها لذلك لم يفكر يومًا في إجبار" صفوان" على الزواج من أخرى حتى ينجب له أطفالًا آخرين.
_ تعرف نفسي أطفالي من "زينب" يكونوا بنات عشان تشوف اخر أمل ليك بيتدمر.
اكفهرَّ وجه "شاكر" وصدح صوته بأنفاس مُتقطعة.
_ متعندش معايا يا "صالح"، متستغلش حبي ليك...
داعبت أبتسامة عريضه شفتيه وألقى بنظزة ساخطة نحوه.
_ ومين قالك إني بعنِد معاك يا "شاكر" باشا ، أنا عايزك بس تلعب معايا لعبة واضحة وتكشف أوراقك ليا ، بلاش اللعب من تحت الترابيزة لأن المرادي هتشوف "صالح" واحد تاني خالص
وحتى يؤكد له كلامه أستطرد بوعيد.
_ زينب خط فاصل ما بينا ولا أنت تحطها في حياتي وتجوزنا لبعض وتخليني أشوف حياة عمري ما عيشتها غير معاها وبعدين تلعب معايا بيها، كفتك قصادها للأسف بقت خسرانه وعشان تتأكد إني بقيت نسخة منك فعلًا، شغلي هنا في الشركة مع أحتفاظي بشغلي في المطار قصاده تنفيذ لشروطي أنا ...، أولًا "زينب" متعرفش إن أنا دفعت فلوس شقة والدها عشان تعرف تشتريها لأني متأكد إن كل تحركاتي عندك والشرط التاني بند التنازل عن المزرعة يتغير....
توحشت ملامح "شاكر"، فهل يُهدده حفيده ويُمْلي عليه شروطه وكاد أن يُقاطعه بعدما طرق بعصاه أرضًا إلا إنه لم يترك له فرصة للحديث.
_ ست شهور وبعدها يحق ليا التصرف في ملكية المزرعة وتتنازل ليا عن الأسهم اللي ليك في شركة الطيران كمان ما أنا مش هفضل طول عمري تحت رحمتك وتهددني بكل حاجة بحبها.
أظلمت عيناي "شاكر" وهو يراه ينسحب من أمامه وعلى شفتيه أبتسامة زهو.
_ مع عشان أنت حبتها أوي كده ، أنا مبقتش عايزها ليك ولازم أتخلص من وجودها قبل ما تربطنا بيها بطفل رغم إني كنت عايزه أوي لكن منها دلوقتي مبقتش عايز.
وبوعيد أردف بعدما أصبحت ملامحه أشد قسوة.
_ لازم أفكر فيها حلو وبذكاء عالي يا ابن "صفوان".
....
أمام قبر أبيه وشقيقه وقف "عزيز" بوجه مُتعب وأعين أنطفأ من داخلهما وهج الحياة.
_ سيبتلي ولادك عشان أربيهم وكأنك كنت حاسس إني مش هخلف ويكون عندي عيل من صلبي...
وبصوت متحشرج تساءل.
_ حاسس بيا "سالم"، حاسس بوجع أخوك ، أخوك مكنش بيفكر يتجوز ولا يكون عنده ولاد وكان مكتفي بولادك...
وبنبرة صوت مكتومة ومهزوزة واصل كلامه بحرقة.
_ جات هي وجابت معها حياة مكنتش شايفها ولا حاسس بطعمها، دوقتني كل حاجة حلوة، ملكت قلبي، بقيت الهوا اللي بتنفسه، عرفت معاها يعني إيه ست تخليك ملهوف على حضنها ، أنا عشقتها يا "سالم"، عشقتها يا أخويا...
وبرجفة جسد ولسان ثقيل أستطرد بنفس الحرقة.
_ تفتكر ده عقابي من ربنا ، كنت عايز أشكلها على أيدي، أملكها وكأنها خاتم في صباعي.. أسيطر عليها وكل ده عملته، كنت عايز طفل منها عشان أربطها بيا أكتر ، فرق العمر ما بينا وجمالها بالأخص كانوا أكبر عدو ليا...
طأطأ رأسه وأبتلع ريقه بمرارة.
_ "ليلى" جميلة أوي يا "سالم" وكأنها خرجة ليك من عالم الأساطير، ده انا بقيت أغير عليها من أبنك تخيل يا "سالم"، "سيف" أبنك وأبني خوفت عليها منه ولولا إني عارف ومتأكد من تربيتي و متأكد من معدن مراتي وحبها ليا كان هوسي وخوفي زادوا ، أنا في قلبي نار يا أخويا، اقولها إيه قولي...
بَحَّ صوته وأرتعشت شفتيه كحال جسده.
_ أقولها إزاي إني ممكن مخلفش ، قولي يا أخويا ، أخوك في كل علاقة كان في دماغه يثبت ليها أد إيه هو راجل قوي وبيحس بعزة و رجولة وهو شايف أحتياجها له وقادر يخليها مكتفيه وهي بيريئة أوي يا "سالم"، أنا علمتها كل حاجة على أيدي، علمتها إزاي تبسطني ولو زعلان تعملي المستحيل عشان تراضيني لكن والله ندمت وبقيت بحاول أخلي علاقتنا تمشي صح وكنت ناوي أخليها بعد ما نرزق بطفل تشوف إيه بتحبه وتعمله وأفهمها أمور شغلي وتعرف كل كبيرة وصغيرة عشان لو جرالي حاجة متضعش من بعدي هي و ولادي...
والآه هذه المرة خرجت قوية، آه اِرْتَجَّ معها صدره المُشتعل.
_ رد عليا يا "سالم" ، رد يا أخويا... قلبي وجعني أوي ... أحرمها معايا ليه من الأمومة... مش كفاية حرمتها من حلاوة الحياة ، ياريتني مكنتش قبلتها ولا جات في طريقي....
أغرقت الدموع لحيته الخفيفة وجثا على ركبتيه مُمررًا بيده على قبر شقيقه.
_ حاسس بوجع أخوك وضياعه يا "سالم"، عشان كده بقيت تجيلي في أحلامي وأنت زعلان...
وتحول إلى طفلٍا صغير يسأل والده عن الأمل.
_ الدكاتره قالولي محتاجين وقت ورحلة علاج ، تفتكر العلاج هيطول ، طب هي هتستحمل وتصبر... طب أقولها إزاي وهي بقت ملهوفة على طفل بعد ما كان الموضوع مش في دماغها، تفتكر الست ممكن تصبر على حاجة زي ديه يا "سالم"...
ثم خرج صوته بوهن وهو يمسح دموعه التي تشبعت بها لحيته الخفيفة وهتف بقلب يُمزقه الوجع.
_ يا رب، ألهمني الحكمة والصواب.
....
أبتلعت "ليلى" ما قضمته من لقمة طعام ونظرت إلى زوجة عمها مفزوعة.
_ عرضت عليها شغل ومصممه تروح تشتغل عندها ، أنا كنت حاسه إن في حاجة مشيلاكي الهم.
أخذت "عايدة" نفسًا عميقًا وتركت تلك القطعة التي تُطرزها على يديها.
_ كنت فاكره هقدر عليها والموضوع يتقفل ويتنسي لكن حتى الكلية بتضحك عليا ، تقولي بروحها ومبتروحش تحضر محاضرات و النهاردة قالتها في وشي هتفضل مصممه على رأيها، أنا ضربتها بالقلم تاني يا "ليلى" ودعيت عليها بحرقة.
سقطت دموع "عايدة" بقلة حيلة عندما تذكرت دعائها عليها ، بأن لا يوفقها الله بحياتها إذا كذبت عليها بشئ وأستمرت في عِنادها.
_ عمك مات يا "ليلى"، أنا النهاردة صدقت إنه مات وضهري أتكسر من بعده...
رددتها "عايدة" وهي تلطم فخذيها ، فقاومت " ليلى" الغصة التي اِنحشرت بحلقها وأسرعت إليها تحتضنها بكل قوتها ، فلا كلمات لديها تُخفف عنها شعور هي نفسها تجرعته لثلاث مرات.
_ أنا هدخل أتكلم معاها ، الست ديه أنا مبرتحش ليها.
ربتت "عايدة" على يديها وهتفت بصوت ضعيف.
_ ومين سمعك، أنا خدمت العيلة دين سنين طويلة وشوفت وسمعت حاجات كتير ، الست ديه زي الحيه بتتلون على كذا لون، أنا مش عارفه إيه اللي يخليها تعرض على بنتي شغل وهي عارفه إنها لسا بتدرس...
زمت "ليلى" شفتيها وقطبت حاجبيها مُفكرة في الأمر.
_ طب وعم "سعيد" رأيه إيه ، أنا عارفه إنه يطيق العما ولا يطيق سيرتها.
ردت "عايدة" وهي تلطم أحد فخذيها.
_قولتله نكلم "عزيز" بيه هو بيعرف يتعامل مع "شهد" وبتحترمه، قالي كفاية عليه همومه ومشاكله وفضل يلوم فيا و على تربيتي ودلعي ليها وطبعًا أنتِ عارفة "سعيد" مصدق.....
وأبتلعت "عايدة" ريقها بصعوبة نحو هذا الأعتراف المخزي.
_ وطلع عنده حق يا" ليلى" ، أنا دلعتها لحد ما غَصَنها أتعوج وكبرت عليا...
وبرجاءٍ هتفت وهي تنظر إلى "ليلى" بنظرة راجية.
_ "ليلى"، الله يسعدك يا بنتي ويكرمك .... أتكلمي مع "عزيز" بيه خليه يشد عليها ويمنعها، هو سند لينا بعد ربنا و أبوها الله يرحمه.
هزت "ليلى" رأسها سريعًا.
_ حاضر هكلمه النهاردة، الموضوع ميتسكتش عليه ولازم "عزيز" يتصرف بسرعة.
وكادت أن تتجه" ليلى" نحو غرفة "شهد" إلا أن يد "عايدة" منعتها.
_ لا متدخليش ليها يا" ليلى"، "عزيز" بيه أكتر واحد هيقدر عليها ويتصرف بحكمة.
تنهدت بفتور ، فأبتسمت "عايدة" وأجتذبتها لتجلس حتى يعودوا إلى عملهم.
_ أقعدي خلينا نكمل شغل قبل ما" عزيز" بيه يرجع...
أندمجت "ليلى" في عملها بكل حب، فأرخت "عايدة" أجفانها
وغمغمت في نفسها.
_ ربنا يهديكي يا "شهد" ويشيل الغشاوة من على عينيكي وترجعي تبصي لـ بنت عمك بنظرة طيبة، أنا مش فاهمة كرهتيها فجأة كده ليه إزاي.
....
وضعت "زينب" حاسوبها الشخصي ودفترها وأحد الكُتب الدراسية التي يسير المعهد في منهجه الدراسي عليها ثم زفرت أنفاسها بأرهاق.
_ لأ المرادي الطلاب الجداد متعبين وعايزين شغل جامد ومجهود.
تركت "نسمة" زميلتها بالمعهد كوب الينسون الساخن الذي ترتشف منه بتمهل ونظرت إليها بضجر.
_ أنا كنت بحب مهنة التدريس مع الأيام ومذاكرة ولادي كرهتها.
ضحكت "زينب" وجلست جانبها.
_ لأ أنا "يزيد" عندي ما شاء الله ذكي خالص و شاطر.
حدقتها "نسمة" بنظرة ثاقبة ، جذبت أنتباهها.
_ نظرتك فيها حاجة غريبة.
أسدلت "نسمة" أهدابها وألتقطت كوب الينسون.
_ أنتِ متأكدة إنك مرات أبوه، ده أنا عندي مرات أب مرتحتش منها غير لما أتجوزت.
خرجت تنهيدة طويلة من شفتيّ" زينب" و أخفضت رأسها.
_ صوابع أيدك مش زي بعضها يا "نسمه" والحمدلله إن ربنا حاطت في قلوبنا الرحمة والأحساس بشعور اليتيم وقهرته.
وبثغر داعبته أبتسامة دافئة أستطردت.
_ عارفه "يزيد" ده وش الخير عليا، أقوله بس ادعيلي الاقي الأمور بتتيسر، حبيبي ده جوه قلبي... تعرفي أني لما بكون عايزة نصيحة باخدها منه...
أرتفع كلا حاجبين "نسمة" بدهشة ، فصدح صوت "هدير" زميلتهن.
_ يا سيدي يا سيدي، يا بخت يا "يزيد" باشا... طب وأبوه الحليوة اللي لحد دلوقتي مش قادرة أصدق إنه إنتاج بلدنا...
استدارت "زينب" جهتها بوجه خجل ، فوَكَزَتها "نسمة" على ذراعها.
_ مكنتش عايزه أقولك لكن ما دام أقتحمت علينا المكان أقول بقى....
رمقتها "هدير" بنظرة مُحذرة، لتنظر زينب إليهن.
_ قوليلي قالت إيه لأحسن أنا عارفاها.
عبست "هدير" بشفتيها ، فأخرجت لها "نسمة" لسانها.
_ ماشي يا" نسمة"، عمر ما يتبل في بوقك فوله...
ضاقت حدقتيّ "زينب" وقبل أن تحث "نسمة" على مواصلة كلامها وألا تهتم بها ، أنطلقت "نسمة" بالكلام.
_ من وقت رجوعنا من رحلة أسوان بنقطع في فروتكم ومش عايزة أقولك باقي الحاجات المخجلة ولا أقولك قربي مني عشان أقولك.
أقتربت "زينب" منها، فتخضبت وجنتاها بحمرة شديدة لتجذبها "نسمة" إليها.
أنفلتت شهقة قوية من شفتيّ "زينب" ونظرت نحو "هدير" التي أستدارت بجسدها حتى تهرب من الغرفة.
_ أه يا قليلة الأدب، ماشي يا "هدير"... بقى كل تفكيرك معايا منحرف
رمقتها "هدير" بنظرة ممتعضة ثم أخذت تحرك شفتيها بطريقة مُضحكة.
_ مش عيب واحدة متجوزة تقول لواحدة متجوزة منحرفة.
أرتبكت "زينب" ،فهي ليست معتادة على تلك الثرثرة وأشاحت وجهها عنهن.
_ ده حتى رحلة أسوان بقت باينة عليكي يا "زوزو" ... مين قدك ده أنتِ والكابتن كنتوا حديث الرحلة.
أطلقت "نسمة" ضحكة قوية ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيها عندما أخفت "هدير" وجهها بيديها حتى لا ترطتم زجاجة المياة الفارغة بها.
_ قلبك أبيض يا "زوزو" ، أسكت يا لساني شويه عشان أقولكم على مشروعي الجديد ولازم تنفعوني بقى.
ظهر الحماس على وجه "نسمة" التي تسألت.
_ مشروع إيه ؟ بتعملي مشروع من ورانا.
وأقتربت "هدير" منهن وأخرجت هاتفها حتى تُطلعهم على محتويات مشروعها.
_ مشروعي كله دلع في دلع، أهم حاجة تنفعوني وقولت أبدء بيكم أنتوا الاتنين وخصوصا "زوزو" هانم عروسة جديدة بقى وجوزها حليوة بتخطف خطف.
لم تشعر "زينب" بنفسها إلا وهي تقرص "هدير" من خدها، فأتت على صرختها السيدة "كاميليا".
...
مرر "قُصي" أصابعه على شاشة هاتفه ثم أبتسم.
_ طول عمرك قدامي يا "سما"، فجأة كده تقتحمي عقلي وأفكر فيكي ليل ونهار.
ثم أطرق رأسه وزفر أنفاسه.
_ يا ترى مشاعري ناحيتها أتحركت عشان كلام جدي ولا كانت موجوده جوايا و جدي بكلامه حركها.
والأبتسامة التي زينت شفتيه تحولت إلى أخرى عريضة حينما أقتحمت أحد مواقفهم الكثيرة معًا ذاكرته.
_ ديما كنت بحب أشدها من شعرها وأتريق على تصرفاتها ، و أقولها الشويش "سما"....
قال ذلك اللقب الذي أطلقه عليها منذ سنوات وجعل بقية أفراد العائلة يُنادونها به.
_ "قصي"، "قصي"... أنت يا بني العقيد "منتصر" عايزك في مكتبه..
تلاشت أبتسامة "قصي" وألتف نحو زميله الذي يحمل نفس رتبته.
_ سرحانك بقى غريب، عقلك راح فين يا قائد.
...
بالساعة العاشرة مساءً ، غادرت "زينب" المعهد الذي تعمل به لتجد "صالح" واقفًا بسيارته ومنتظرًا لها كما أخبرها.
صعدت السيارة ونظرت أولًا نحو "يزيد" المُنشغل مع جهازه اللوحي.
_ هات بوسة يا "يزيد" عشان وحشتني
رفع يزيد رأسه ونظر إليها ثم نظر إلى والده.
_ عيب يا "زوزو" إحنا مش في البيت
اتسعت عيناها ذهولًا من رده وأتجهت بأنظارها نحو صالح الذي رمقها بطرف عينه.
_ بتبصيلي كده ليه؛؟
حدقت به بنظرة مُتفرِّسة.
_ "صالح ".
أخفى أبتسامته وألتقط كيس الحلوىٰ التي أشتراها لها مثلما أشترى لصغيره.
_ ده نصيبك، "يزيد" أختارلك بنفسه الأنواع اللي بتحبيها من السوبر ماركت لو لقيتي حاجة مبتحبهاش عقبي هو...
أزاح الصغير عينيه عن شاشة الجهاز اللوحي مُندهشًا وأنتظر سماع بقية حديثه.
_ لكن أبوه ملهوش دعوة لأحسن أنا عارفك....
باغته "يزيد" بقطع حديثه، فقهقهت "زينب" بعلو صوتها وقد أعجبها ما قاله "يزيد".
_ أنت نوتي خالص يا بابي.
أستدار "صالح" برأسه نحوه ، فرددت "زينب" كلامه.
_ نوتي خالص وقلبه قاسي.
ضحك "يزيد" على ردها ونظر إلى والده ببراءة.
_ "زوزو" هي اللي قالت عليك نوتي، شوفت أخرت دلعك فيها.
اتجهت "زينب" بعينيها سريعًا نحو "يزيد" وصاحت بتذمر.
_ بقى بتبعني يا "يزيد" وأنا ديما بدافع عنك...
دار "يزيد" بعينيه بينهم وعاد ينظر إلى ما كان يشاهده.
_ سوري يا" زوزو"، بابي طيب وبتعرفي تصالحي بسرعة.
والصغير أصبح لديه انتباه قوي نحو ما يراه منهم.
_ شوفتي بقيت نوتي وبتصالح بسرعة ، الولد بقى عارف إنك مسيطره عليا.
ألقى حديثه بتذمر لاحظته ،فأسرعت بوضع قبلة على خده قبل أن ينطلق بالسيارة.
_ ده أنت السيطرة كلها يا سيد الرجالة.
ومع كلامها اِفتر ثغره عن أبتسامة خفيفة ثم أنفلتت قهقهته بمتعه.
_ فاضلي أربي شنبي وأعيش الدور بجد.
أبتعدت عنه حتى تستقر بأعتدال في مقعد السيارة وسرعان ما كانت تقطب جبينها بفزع عندما أجتذبها إليه.
_ أنتِ بتاكلي بعقلي حلاوة يا "زينب".
وبخفة حررها من قبضة يده، فتشبثت بالمقعد.
_ من هنا ورايح مش عايزك تقوليلي غير سيد الرجالة.
وفي لحظة كانت تتحول دهشتها إلى ضحكة عالية بعدما رأته يُكرر الكلام مبهورًا ومذهولًا.
....
أعتصر الألم قلب "عزيز" وهو يراها تنام على ذراعها ومن طريقة نومها تأكد إنها أنتظرت عودته كحال اليومين السابقين.
وبخطوات حذره أقترب من الفراش ثم مدَّ يديه حتى يُحرك رأسها لتنتفض من غفوتها تهتف بلهفة.
_ "عزيز"، أتأخرت ليه تاني، لما كلمتك في التليفون قولتلي هترجع بدري.
أشاح عزيز بوجهه عنها ثم سار من أمامها.
_ عندنا طلبيات كتير عايزين ننتهي منها قبل الشهر ما يخلص.
فركت عينيها ثم نهضت وأتبعته.
_ وهو لازم تسهر لحد قبل الفجر.
ألتف جهتها ولم يُجيب عليها ، فتأكدت أن حديثها لم يعجبه... فتساءلت برقة.
_ أنزل أحضرلك حاجة تاكلها.
_ لأ ، أرجعي نامي تاني... لو أحتاجت حاجة هصحيكي.
أرادت الأعتراض لكن أبتلعت لعابها مع خروج لتلك التنهيدة الطويلة من شفتيه .
_هسمع كلامك وأرجع أنام لكن توعدني إن لما أصحا ألاقيك موجود ونفطر سوا زي ما إحنا بقينا متعودين.
أغمض عينيه لوهلة ثم أتجها نحو الحمام دون أن يُعطيها وعده.
وقد طال وقت أستحمامه إلى أن غلبها النُعاس على أمل إنها ستجده بالصباح جوارها.
وها هو صباح أخر تستيقظ فيه دون أن تشعر به وهو يغادر.
...
وقفت تتأنق بمظهر مُلفت ثم ضمت شفتيها وأقتربت من المرآة أكثر وحدجت بوجهها.
_ التجعيد رجعت تظهر في وشي المرادي بسرعة ، لازم أروح للدكتور بتاعي بسرعة.
وزفرت أنفاسها حانقة.
_ مينفعش أسافر الفترة ديه...
وسرعان ما كانت تعود إلى أفتنانها بنفسها.
_ زي القمر يا "ميرو" وأكيد هتلفتي نظرة ، أهم حاجة نعرف الثغرة اللي هندخل له منها.
صدح رنين هاتفها فجأة ، فتأففت بمقت.
_ مبحبش أخد أوامر كتير من حد.
قالتها قبل أن تفتح المكالمة التي صارت تُزعجها ليأتيها صوت المتصل.
_ مش قولنا ليكي مافيش أي خطوه تعمليها غير بأوامرنا إحنا ولا عايزانا نزعل منك.
أسرعت "مروة" بالرد وأخفت ضيقها.
_ هو أنا أقدر برضو يا باشا.
أبتسم المتصل ونظر نحو رئيسه ثم بدء يُخبرها بما عليها فعله والألتزام به.
شعرت "مروة" بعدم قدرتها على إستيعاب ما تسمعه.
_ مش فاهمه كلامك؟
هز المتصل رأسه وأعاد عليها ما يريدون منها تنفيذه.
رفرفت بأهدابها عدة مرات وتحولت ملامحها للدهشة ليخرج صوتها في حيرة وتساؤل.
_ أقرب من مراته وأخد حذري منها ؟
أرتسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ ذلك الجالس وراء طاولة مكتبه بأسترخاء وأشار إلى الرجل الذي يعطيه مُهمة مهاتفتها وأعطائها الأوامر.
_ ملامح مراته مش غريبة عليكي؟
وبنبرة ساخرة تساءل.
_ هي الحادثة أثرت على ذاكرتك كمان لا مش معقول؟
ضاقت حدقتيّ "مروة" وطأطأت رأسها.
_ أنا فعلًا حاسة إنها مش غريبة عليا، هو أنا كنت أعرفها قبل ما أسيب مصر؟
نهض الجالس من مقعده و أومأ برأسه للواقف.
_ تعرفيها وعيشتي معاها كمان ولو أكتشفت هويتك هتاخد حق أبوها منك مش أنتِ برضو اللي دبرتي حادثة موت "أسامة"....
وأردف بنبرة جعلت جسدها يرتجف و أدركت أن جميع أوراق الماضي مكشوفة لهؤلاء.
_ بلاش تتفاخري أوي باسمك الحقيقي قدامهم ،خليكي باسم هويتك المزيفة أفضل ليكي يا "أنجي" ولا نقول "مروة" هانم سيدة الأعمال...
....
سارت "ليلى" نحو بوابة الفيلا التي أنغلقت للتو وقد تأكدت أن السيارة التي غادرت هي سيارة "عزيز" وليست سيارة "سيف".
_ معقول رجع ومشي تاني بسرعة.
تسارعت دقات قلبها فجأة و اِستدارت بجسدها لتعود إلى الفيلا بعد أن قضت وقت الصباح حتى الظهيرة في مسكن عمها .
_ ليكون فعلا رجع والسواق هو اللي مشي بالعربية بعد ما وصله... أنا قولتله متضغطش على نفسك في الشغل هتتعب تاني ، أنا لازم أخده ونروح المزرعة ، بقالنا فترة بنخطط لكده لكن خلاص كفاية تأجيل...
تمتمت بما جال في خاطرها وهي تُسرع بخطواتها نحو الفيلا وقد سيطر الخوف عليها، أن يكون عاد مريضًا.
تقابلت مع العم "سعيد" الذي ظهر على وجهه الضيق.
_ فين "عزيز" يا عم "سعيد"، أنا شوفت عربيته خارجه من الفيلا وملحقتش أشوف مين فيها.
_ "عزيز" بيه ، سافر تركيا يا "ليلى".
أرتعشت شفتيها، فنظر إليها العم "سعيد" بنظرة طويلة ثم أشاح بوجهه عنها.
_ سافر إزاي ، أنت بتقول إيه يا عم "سعيد" ... إزاي سافر من غير ما أعرف.
وأسرعت بتمرير أصابع يدها على شاشة هاتفها حتى تُهاتفه لتضيق حدقتاها وتقترب من العم "سعيد".
_ تليفونه مقفول ، هو في إيه أنا مش فاهمة حاجة...
....
نظرت "شهد" نحو بوابة الشركة التي يخرج ويدلف منها وإليها الموظفين.
_ هو أنا اللي بعمله صح يا "لميس".
زفرت "لميس" أنفاسها بضجر ونظرت إليها.
_ أخرجي من دور الطفلة بقى يا "شهد"، وأه الحمدلله "عزيز" بيه مهتمش بموضوع شغلك يعني القرار قرارك مش قرارهم هما.
فركت "شهد" يديها ببعضهما ، فمدَّت "لميس" يدها نحو ذقنها حتى ترفع رأسها وتتلاقى نظراتهن.
_ "شهد" ديه فرصة كويسة ليكي ، وأهو أعتبريها تجربة.
أومأت "شهد" برأسها وألقت بنظرة أخيرة نحو الساحة الخارجية للشركة .
_ يلا بقى يا "شوشو" عشان أنا ورايا مشوار مهم وقولت أوصلك الأول.
دفعتها "لميس" برفق حتى تترجل من السيارة ثم قبضت على يدها وحركتها إلى الأمام حتى تعيد الحماس إليها.
_ متفكريش كتير، لازم تخوضي التجربة بنفسك... حظ سعيد يا "شوشو".
وأنطلقت "لميس" بسيارتها وتركتها حائرة بين خوفها وبين رغبتها بالتمرد على والدتها.
_ "لميس" عندها حق لازم أخرج من دور الطفلة عشان أقدر أوصل لأحلامي...
وفي دقائق معدودة كانت تصل إلى الطابق الذي يوجد به مكتب "سمية".
_ أهلًا وسهلًا بيكي ، مدام "سمية" مستنياكي... أتفضلى.
أشارت لها سكرتيرة "سمية" بالدخول بعد ترحيبها وقد بدء قلبها يرتاح قليلًا.
وأبتسامة سمية اليوم لا تترك شفتيها خاصة بعدما علمت بخبر سفر "عزيز" بالأمس ولم يُحدد وقت لعودته.
_ أهلًا يا "شهد" ، نورتي الشركة يا حببتي.
أبتسمت "شهد" بتوتر، فتحركت "سمية" نحوها وأحتضنت كفوف يديها.
_ متعرفش أد إيه أنا مبسوطة لأنك أخدتي القرار الصح.
ألتمعت عينين "شهد" ونظرت إلى "سمية" التي أجتذبتها من يدها نحو أحد المقاعد الموجودة أمام طاولة مكتبها.
طفلة ساذجة ومدللة، تَنقِمُ على حياتها وترى نفسها تستحق أن تنال كل ما هو يتلألأ كالنجوم ، هكذا حادثت "سمية" نفسها عندما لفت أنتباهها لمعة عينيها.
واللعبة هذه المرة أتت إليها دون سعي وهذه المرة ستقلب حياة "عزيز" رأسًا على عقب ولا حاجة لها بأبنها الذي أحكمت خيوطها حوله بعد أن جعلته عاشق لـ "بيسان" أبنة "هارون" زوجها.
