قصة ملف سري كاملة بقلم ايمان خالد
ملف سري
في خفاء الصمت، حيث لا يسمع سوى نبض القلب المرهق، تكمن قوة غير مرئية، لا تدركها العيون ولا تلمسها الكلمات. هي قوة الصمت الذي يَحمل عبئًا ثقيلاً لا يظهره الوجه، وقوة الهدوء الذي يختفي وراءه صراع داخلي لا يراه إلا صاحبه. يمضي الإنسان في حياته متجاوزًا كل ألمه وجراحه، وكأن شيئا لم يحدث، بينما يظل يتنقل بين آلامه وأحلامه المكسورة، لا يجرؤ على البوح، ولا حتى على التفكر بصوت عال. يبتسم أمام الناس، ولا يدرك أحد أن تلك الابتسامة ما هي إلا درعٌ يخفي وراءه عاصفة من الحزن والتعب، وأنه قد قطع في درب المعاناة مسافاتٍ طويلة، ربما أبدًا لن يفهمها سواه. ومع ذلك، لا يملك إلا أن يستمر، يتجاوز، ويصمت، ليظل أقوى مما يظن الآخرون، وأضعف مما يعترف به لنفسه....
فهذه القصة ليست كباقي القصص أو الروايات التي سمعتم عنها أو قرأتموها من قبل بل هي مختلفة كل الاختلاف، فهي تحمل في داخلها طراز آخر من نوع خاص أكثر واقعية لما يحدث في تلك الأيام الغامضة، فهي تحمل في طياتها أنواع مختلفة من أساليب الانتقام، محاطة بأسلاك شائكة لتصبح أسوأ من كابوس مرعب لبطلة هذه القصة، ولهذا السبب أطلق عليها ملف سري ...
أما بعد
فريدة سيدة فى العقد الثالث من عمرها فهي الآن في سن التاسعة والثلاثين عامًا من عمرها، تُوفي عنها زوجها منذُ عشرين عامًا ليتركها وحيدة لم تحمل فى أحشائها سوى وحيدها ريان، استيقظت فى ساعات الصباح الباكر كعادتها اليومية منذُ رحيل زوجها للاطمئنان علىٰ ولدها قبل ذهابها إلى العمل الذى أجبرتها ظروف الحياة علىٰ الخروج إليه من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية، فقد خصصت معاش زوجها لرعاية ريان الذي يدرس في الصف الأول الجامعي الهندسي، دخلت فريدة غرفة ريان بخطوات غير متزنة بعد أن طرقت الباب مرتين، لتجد ريان يرد عليها بصوت ناعس قائلًا:
«اتفضلي يا ماما»
تحدثت فريدة بصوت بدا عليه التعب وهي تقترب من ريان
«صباح الخير يا حبيبي.»
أردف ريان بحنان بالغ بعدما ضمها لحضنه قائلًا:
«صباح الورد يا حبيبتي.»
ابتسمت فريدة له بحب بعدما خرجت من الغرفة وهي تقوم بترتيب الطعام علىٰ الطاولة
«الفطار جاهز يلا علشان تفطر قبل ما تروح الجامعة.»
نظر لها ريان وهو يتفقد أغراضه قبل الذهاب إلى الجامعة ليردف قائلًا:
«بس تفطري معايا.»
زفرت فريدة أنفاسها بقوة تردد بصوت مرهق وهي تنظر للطعام بفقدان شهية ووضعت الخبز أمامه
«مش جعانة يا حبيبي.»
نظر ريان صوبها ملاحظًا تعبها الظاهر علىٰ وجهها، ليتحدث بلطف وكأنه يتعامل مع طفلته الصغيرة
«إزاي يا حبيبتي، لأ مفيش الكلام دا اعملي حسابك مش هتروحي الشغل غير لما تفطري الأول.»
تهكمت ملامح فريدة فهي تعلم تمام العلم أن ريان لن يتركها حتىٰ تتناول طعامها، لتردف بابتسامة شاحبة تعلو ثغرها قائلة:
«طيب يلا يا حبيبي نفطر أمري لله، بس قبل كل دا صليت ولا لسه ؟!»
تحدث ريان هو مسلط نظره عليها بقلق وخوف قائلًا:
«آه الحمد لله.»
جلس ريان وفريدة في غرفة الطعام، أمسكت فريدة إناء الماء كي تروى ظمأها عندما شعرت بجفاف حلقها ولكن لم يمر وقت طويل حتى شعرت فريدة بدوار شديد يهددها بفقدان وعيها، كانت تشعر وكأنها تحلق في الهواء مع ازدياد ألم معدتها التي كادت أن تفتك بها من شدة الألم، كادت أن تفقد قوتها وتسقط إناء الماء من يديها ولكن أسرع ريان بالتدخل ليمسك بها قائلًا بصوت يملأه الفزع:
«ماما أنتِ تعبانة؟!»
أردفت فريدة بوجه شاحب، وهي تلتقط أنفاسها بقوة لتشعر بازدياد دقات قلبها حاولت إخفاء ما تشعر به كما حاولت إخفاء مرضها عن ولدها:«متخافش يا حبيبي الظاهر كدا كل دا من قلة النوم بس.»
تبدلت ملامح ريان للقلق والخوف والذعر علىٰ والدته بعدما رآها على هذا الحال فهو متأكد أنها مريضة ولكن تحاول إخفاء ذلك عنه،ليزفر أنفاسه بعدم اطمئنان عليها ليردف بخوف: «أنا لازم أكلم الدكتور علشان أطمن عليكي.»
أشاحت بنظرها بعيدًا عنه حتىٰ لا يلاحظ مرضها الواضح في عينيها، ومِن ثُمّ قامت بأخذ إحدى الشطائر كي تتناولها حتىٰ تبث الأمان في قلب ريان بأنها كانت تشعر بدوار بسيط لا يستدعي كل هذا الخوف شعرت بالغثيان عندما تناولت جزء من هذه الشطيرة، تحدثت فريدة بعد فترة قصيرة عندما شعرت بقليل من التحسن: «الموضوع مش مستاهل، دول شوية دوخة بس مش حاجة كبيره يعني.»
نظر لها ريان بعدم تصديق بما تفوهت به، شعر بأنه ليس شخص مسؤول و لذلك السبب هي تخفي عنه مرضها تحدث بضيق ظاهر من نبرة صوته قائلًا: «وشك أصفر يا ماما وباين عليكِ التعب أوي، طيب حتىٰ علىٰ الأقل بلاش تروحي الشغل النهاردة.»
تبدلت ملامح فريدة علىٰ الفور إلى النفور فهي لا تستطيع أن تأخذ أجازة حتىٰ يومًا واحدًا كي لا يطردها مديرها من العمل، أردفت بمعارضة قائلة: «مقدرش أغيب اليومين دول، عندنا شغل كتير ما أنت عارف مصنع الملابس اللي بشتغل فيه يعتبر من أكبر المصانع اللي المحلات المشهورة بتأخد منه.»
نهض ريان من مجلسه،ووقف مباشرة أمام فريدة ليقبل أعلى رأسها ويديها بخوف أن يحدث لها شيء وهي في العمل فهو يعلم أنها تفضله علىٰ صحتها، أردف بحنان وخوف بالغ ظاهر من نبرة صوته : «صحتك يا ماما أهم من مليون شغل.»
طالعته فريدة بنظرة فخر لترتسم إبتسامة خفيفة شقت أعلى ثغرها كي تلطف تلك الأجواء التي عكرها ذلك الدوار اللعين فهي لا تريد أن تشغل ولدها بمرضها كي لا يقلق عليها ويهمل دراسته فكل ما تفعله من أجله ومن أجل بناء مستقبل باهر له فكل هذا في نظرها يهون من أجله فهي تحاول أن تكون له الأم والأب قدر المستطاع حتىٰ لا يشعر بفقدان والده، أردفت بكل حب وامتنان له: «ربنا يبارك فيك يا حبيبي اطمن مامتك زي الفل وأحسن كمان.»
جلس ريان مرة أخرىٰ في مقعده رافعًا فنجان القهوة ارتشف منه القليل، كل هذا ولم يخفض نظره عن والدته وكأنه يحاول أن يطمئن عينيه بأنها بخير ولكن قلبه ينهشه من شدة خوفه عليها، بدأ ريان يتذوق الطعام وهو يلاحظ تعب والدته الذي تخفيه بصعوبة متصنعة أنها بخير ولكن لم تعلم بأن ريان لا يخال عليه ما تفعله، ارتكبت فريدة عندما وجدت ريان ينظر إليها لتحاول بكل قوتها أن لا تظهر مرضها أمامه لتخفض بصرها لتنظر إلى أسفل طاولة الطعام، في تلك اللحظة أسعفها حظها عندما سمعت صوت هاتفها نهضت سريعًا وكأنها تريد الهروب من أمامه أسرعت في خطواتها من أجل الذهاب إلى عملها، فهي كانت تعلم أن المتصل ليس سوى صديقة دربها زينب، وبمجرد أن وصلت خارج المنزل استنشقت الهواء بكل قوتها فهي كادت أن تختنق جلست علىٰ أحد المقاعد الموجودة بالخارج عندما زاد شعورها بالدوار أغمضت عينيها كادت أن تعتصرهما من شدة الألم، ذهبت زينب اتجاهها عندما رأتها وقفت خلفها وضعةً يديها علىٰ كتف فريدة أردفت بمرح: «صباح الفل يا فل.»
نهضت فريدة من مجلسها بتعب تمكن منها ممسكة بيدها حقيبتها عندما سمعت صوت زينب لتردف بصوت مرهق من التعب
«صباح النور.»
فزعت زينب عندما رأت فريدة بتلك الحالة، أردفت بلهفة خوف وقلق: «مالك يا قلبي وشك أصفر زي الليمونة كدا ليه؟!»
ترنحت فريدة وكادت أن تقع ولكن لحقتها زينب علىٰ الفور أجلستها مرة أخرى علىٰ المقعد، أردفت فريدة بألم مما تشعر به
«دوخة شديدة حاسة إني هقع من طولي.»
أخرجت زينب من حقيبتها بعض من البسكويت المملح ثم قامت بإعطائها ذلك البسكويت، ظنًا منها أنها تعاني من الضغط المنخفض، ومِن ثُمّ بدأت زينب في التحدث من جديد: «لسه الدور دا معاكي، لاء أنتِ لازم تكشفي يافريدة مينفعش تستني أكتر من كدا.»
أخذت منها البسكويت وبدأت في تناوله وهي تشعر بقرب فقدانها لوعيها، حاولت النظر عدة مرات لتشعر بعينها لا تستطيع الرؤية بوضوح أصبحت الرؤية لديها مشوشة، نزلت حبات العرق من جبينها وبعد فترة من تناولها البسكويت ارتشفت القليل من المياه أغلقت زجاجة المياه ووضعتها في حقيبتها مرة أخرى، أردفت بعدما شعرت بقليل من التحسن:
«لاء أنا هبقىٰ كويسة، وبعدين حق الكشف ابني الأحق بيه، مش هسيبه يمد إيده لحد.»
نظرت لها زينب بعتاب شديد لهذه الدرجة تعتبرها شخص غريب عنها، حملت زينب حقيبتها ثم نهضت لتقوم بإشاحت نظرها بعيد عن فريدة ثم أردفت بحزن بالغ: «أنا كدا هزعل منك علىٰ فكرة.»
اتسعت عيون فريدة بقوة نظرت لها برجاء فهي لا تقصد ما وصل لها، هي من الأساس لم تقصدها بتلك الكلمات لتردف باعتذار:
«حقك عليا يا حبيبتي ما أنتِ عارفة اللي أنا فيه.»
تجاهلت زينب حديث فريدة وهي تنظر لها بضيق لما تفوهت به منذُ قليل لتتحدث بعتاب ظاهر في نبرة صوتها: «مهما كان يا فريدة، بس تمام هعديها المرة دي علشان أنتِ تعبانة بس»
ومِن ثُمّ اتجهت فريدة وزينب نحو مقر عملهما، حيث استقرت فريدة أمام آلة الخياطة لتنغمس في عملها رغم مرضها الشديد، وبالرغم من معاناتها الكبيرة أثناء العمل، لم يرحمها مديرها، بل زاد من واجباتها دون أدنى اكتراث لتعبها الواضح الذي يغطي معالم وجهها، لم تترك فريدة آلة الخياطة حتى أتى وقت الراحة.
جلست زينب بجوار فريدة بإرهاق واضح، بسبب كثرة العمل، أردفت زينب وهي تشعر بالجوع يجتاح معدتها:
«فريدة تعالي معايا نلحق نأكل أي حاجة، الواحد تعب من كتر الشغل.»
نظرت لها فريدة برجاء أن تتركها فهي غير قادرة أن تخطو خطوة واحدة، ارتشفت قليل من المياه لتشعر بالغثيان الشديد، ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة لتردف بتعب شديد: «لاء مش قادرة أنا حاسة لو أكلت حاجة هجيب كل اللي في معدتي.»
قامت زينب بإمساك يد فريدة بقوة بعد أن نهضت من مجلسها لتقف فريدة بجوارها وهي تشعر بأنها علىٰ حافة الحاوية وأنها ستقع لا محالة ترنحت بقوة في وقفتها فتشبثت بقوة في زينب حتىٰ لا تسقط ولكن جلست مرة أخرى فهي لا تستطيع الوقوف، أردفت زينب محاولةً إقناعها فهي لن تتركها حتىٰ تذهب معها إلي الكافيه:
«شكلك آخدة دور برد في معدتك جامد، خلاص قومي معايا اشربي حاجة دافية.»
بمجرد نهوضها فقدت وعيها وعندما استعادت فريدة وعيها بعد فترة ليست بقليلة من فقدانها لوعيها، شعرت بأن قدميها الضعيفتين لا تستطيعان حملها لتسقط علىٰ الأرض غير قادرة علىٰ التحرك مرة أخرى، تعالت صرخة زينب المنادية بالمساعدة، وطلبت من إحدى الفتيات أن تساعدها في رفع فريدة ونقلها إلى أقرب طبيب لحسن الحظ، لم تتردد إحدى الفتيات في تقديم المساعدة، وأشارت إلى سيارة أجرة، ثم انطلقت زينب بها إلى أقرب مستشفى عند وصولهم، حملها العاملون في التمريض وأخذوها إلى غرفة الطوارئ، هناك قام الطبيب بفحصها بدقة فائقة، ثم قام بحقنها بإبرة تغذية لتعود قوتها وحيويتها من جديد.
أردفت زينب بلهفة بعد مساعدتها لفريدة بترتيب ملابسها المبعثرة بعد فحص الطبيب لها، ومِن ثُمّ جلسوا أمام الطبيب بعد انتهاءه من الفحص:
«طمني يا دكتور إيه الأخبار وصاحبتي عندها إيه؟!»
حاول الطبيب تهدئتهم بأن الموضوع لا يستدعي كل ذلك الخوف، أردف كي يطمئنهم أثناء تدوين علاج علىٰ الروشتة:
«الموضوع مش محتاج كل القلق دا، ضغطها كان منخفض ودا غلط خصوصًا لواحدة في وضعها وفي سنها، هي محتاجة راحة كاملة وتغذية الفترة دي.»
نظرت له زينب بخوف ثم أعادت النظر لفريدة، لتشعر بقلق ينهش قلبها علىٰ رفيقة دربها فكل اعتقادها أنها أصيبت بمرض خطير تحدثت بلهفة وخوف:
«مش فاهمة حاجة خالص، وضعها إزاي أرجوك متخبيش عني حاجة».
تبدلت ملامح فريدة من التعب إلى الخوف مما قاله الطبيب لتنظر صوبه لتراه يدون لها الكثير من العلاج، أردفت بذعر:
«أنا مش فاهمة حاجة خالص.»
تحدث الطبيب باستغراب بعد انتهاءه من تدوين العلاج متعجبًا لماذا كل هذا الخوف الظاهر علىٰ وجههم:
«يا جماعة أنتم قلقانين ليه كل الحكاية إن المدام حامل.»
نزل حديث الطبيب عليهم كالصاعقة نهضت كليهما بذعر، أردفت فريدة بعدم استيعاب لما تفوه به:
«لاء مستحيل يحصل أكيد حضرتك اتلغبطت.»
أدرف الطبيب بتأكيد لما قاله وهو يعطيها الروشتة العلاج:
«حضرتك حامل في توأم كمان مش عارف مستغربة ليه؟!!»
طالعته زينب بغضب فكيف له أن يتفوه بما قاله لتنظر له والشر يتطاير من عينيها، لتردف بصوت عالي نسبيًا:
«لأنه مستحيل يحصل دي جوزها متوفي من عشرين سنة، بالله عليك اتاكد لأن الكلام اللي بتقوله كبير وخطير.»
بدأ الطبيب في استيعاب حالهم ليتحدث بجدية بكل مارآه أثناء فحصه لفريدة:
«والله حامل وفي الشهر التاني كمان ولو مش واثقة في كلامي، قدامك بدل الدكتور ألف واحد تقدري تتأكدي منه.»
هول الموقف جعل فريدة في عالم آخر لا تشعر بشئ حولها، ظلت شاردة في حديث الطبيب فكيف تنقلب حياتها رأسًا علىٰ عقب، استفاقت عندما تحدثت زينب مع الطبيب:
«شكرًا يا دكتور.»
بعد ذلك قررت زينب أن تأخذ فريدة إلى منزلها لتفهم ما حدث وكيف أصبحت حامل دون زواج وبينما كانت تنظر إليها، شعرت زينب بنظرة احتقار تتسلل إلى عينيها تجاه فريدة، فكيف يمكن لها أن تقوم بفعل هذا العمل الشنيع، كيف فعلت ذلك دون تفكير في ولدها وبأي حق تخبره بما حدث؟! لماذا رفضت الزواج من الأساس ثم تفعل ذلك؟!، كسر ذلك الصمت عندما نظرت لها فريدة بأعين دامية من أثر البكاء: «بلاش النظرة دي أقسم بالله ما عملت حاجة ما أنا علىٰ إيدك من البيت للشغل ومن الشغل للبيت.»
ابتعدت زينب عنها كأنها سوف تتلوث بجلوسها بجوارها، ثم أردفت بكل بقسوة ولم تبالي بوضع صديقتها فما حدث ليس بهين: اسم ربنا ميجيش علىٰ لسان واحدة زيك.
أغمضت فريدة عينيها بكل قوة تعتصرهما لتنهمر الدموع من عينيها بغزارة، تحدثت وهي تتجرع مرارة الظلم: «ربنا يسامحك»
رمقتها زينب بنظرة حادة فلو كانت النظرات تتحدث كادت أن تفتك بفريدة دون أي شفقة، أردفت زينب والشر يتطاير من عينيها: «مين أبو ولادك يا هانم، بقىٰ تعملي كدا لو مش خايفة علىٰ نفسك خافي علىٰ ابنك هيبقىٰ إيه شكله وسط أصحابه، هيقولهم إيه أمي حامل و أبويا ميت من عشرين سنة، ولما أنتِ كدا كنتِ رافضة الجواز ليه؟!، ليهم حق أخوات جوزك يكرهوكي حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ علىٰ الفضيحة اللي هتحصل لابنك بسببك دي، مفيش حل غير إن أبو الأطفال ييجي ويكتب عليكي.»
تحطم قلب فريدة بتلك الكلمات لتشعر كأن خنجر يذبحها دون أدنى شفقة أو رحمة، تحدثت بصوت تائه لا تصدق كل مايحدث لها:
«أقسم بالله العظيم ما عملت حاجة ومش عارفة أنا حامل إزاي ولا منين، عايزة تصدقي براحتك بس بالله مش مسمحاكِ علىٰ كل كلمة قولتيها عليا وبكرة الأيام هتثبتلك كل كلمة بقولها.»
نظرت زينب لها بكل غضب و استهزاء، لتتحدث بسخرية شديدة: «أومال حامل إزاي لازم أعرف بس والله يوم ما أتاكد هيبقىٰ كل واحدة فينا من طريق.»
تجرعت فريدة مرارة الخذلان، أردفت بصوت شاحب ومبحوح من كثرة البكاء: ماشي.
أشاحت بنظرها بعيد عنها ثم أسرعت بالنهوض لتقوم بفتح باب المنزل، تحدثت بكل غضب وصوتًا عالي:
«يلا من غير مطرود علشان بيتي يفضل نضيف»
ركضت فريدة إلى الخارج، وهي تتجول بلا هوية ولا تعلم ما الذي ألم بها وكيف حدث هذا الأمر الغامض، استمرت في السير بخطى ثابتة حتى وصلت إلى المقابر ذلك المكان المهيب، جلست أمام قبر زوجها المحبوب، ودموعها تنهمر بلا حدود، فقد فقدت كل حيلة فى فهم ما حدث لها، قامت باحتضان المقبرة لتنهار ظلت تبكي حتىٰ شعرت بأحبالها الصوتية كادت تتمزق أردفت بإنهيار:
«تعبانة من غيرك أوي والله العظيم ما خونتك ولا أعرف أنا حامل إزاي آااااااااه يااااااااااااارب أنت العالم بحالي اعفو عني و اغفرلي، يارب أعمل إيه يارب خدني علشان أرتاح ياررررررب.»
ظلت هكذا لفترة طويلة، حتى شعرت بلمسة على كتفها، فاستفاقت فريدة لتجد زينب واقفة خلفها لتستدير أليها بوجهها...
تحدثت زينب بهدوء قاتل وهي تنظر لفريدة بنظرات تحمل في طياتها القسوة المهينة
«أنا هقف معاكِ لحد ما أعرف الحقيقة
وساعتها هيبقىٰ لينا كلام تاني.»
أعطتها فريدة ظهرها محاولة منع نفسها من البكاء مجددًا ولكن فشلت، أردفت بصوت خالي من الحياة:
«شكرًا مش عايزاكِ معايا، أنا معايا ربنا أحسن من الكل.»
اقتربت منها بعض الخطوات وشرارت الغضب تتطاير من عينيها لتردف غاضبة وبلامبالاه لما تقوله :
«ونعم بالله، بس دا آخر كلام عندي ويلا قومي ابنك اتصل بيا وقلقان عليكِ، يا خسارة شاب زي الورد يعيروه بيكِ.»
شعرت فريدة بنيران تلتهم قلبها وكان بقلبها بركان ثائر، أردفت فريدة وعيناها غائرتين في الحزن تنهمر منها الدموع بغزارة: «ارحميني بقىٰ والله العظيم مظلومة.»
رسمت إبتسامة باهتة علىٰ وجه زينب التي لم تستوعب أن صديقتها تفعل ذلك، أردفت ببرود قاسي:
«ماشي هصدقك لحد ما أشوف الحقيقة.»
ذهبت فريدة إلى منزلها مشتتة فيما حدث، وما قالته زينب من كلمات جارحة، كان موقفها مؤلمًا إلى حد بعيد، حيث تمنت أن تحتضنها وهي تبكي لتفرغ كل ما في قلبها في ذلك الحضن، بعد وقت قصير وصلت لتجد ريان ينتظرها...
نظر لها ريان ليفزع من هيئتها ومن عينيها الملتهبة من شدة البكاء، أردف بقلق ظاهر في نبرة صوته: «مالك يا ماما.»
ابتلعت ريقها بصعوبة، محاولة كبح دموعها حتىٰ لا تقلقه عليها، أردفت بألم: «مفيش حاجة تعبت شوية.»
انتفض ريان خوفًا عليها فمنظرها كان كفيل عن مدى شدة المرض الذي تشعر به فكانت أشبه بالأموات، أردف بذعر: «ألف سلامة عليكِ ياقلبي، هكلم الدكتور يطمني عليكِ.»
انتفضت فريدة في وقفتها لتشعر بالدوار يداهمها من جديد بعد حديث ريان عن كشفها، ليخفق قلبها برعب شديد متحدثة بتوتر: «لاء ما هو أنا كشفت الصبح.»
تعجب ريان من خوفها الغير مبرر فكل ما يريده هو الاطمئنان عليها ليس إلا، تنهد بحيرة، تحدث بتسأول عن ما قاله الطبيب:
«الدكتور قالك إيه طيب؟!»
حاولت فريدة أن تهدأ حتىٰ تطمئن ريان عليها ومن الناحية الأخرى لا يطلب منها مجددًا زيارة الطبيب، أردفت بهدوء بعدما سيطرت علىٰ خوفها:
«قال عندي برد في معدتي.»
تمنى ريان أن ما أخبرته به والدته أن يكون صحيحًا فهو لا يشعر بالاطمئنان ،أردف بهدوء قائلاً : «ألف مليون سلامة عليكِ يا ماما.»
رسمت إبتسامة خفيفة علىٰ وجه فريدة وتمتمت قائلة:
«الله يسلمك.»
ومن هذا المكان أسرعت فريدة بدخول إلى غرفتها قبل أن يعاود ريان الحديث فهي تريد البقاء بمفردها داخل الغرفة، حيث جلست على الفراش تبكي لما وصلت إليه، وما الذي سيحدث خلال الأيام المقبلة، ظلت هكذا حتى أن غفوت في نوم عميق، مرت الأيام ولم تخرج من غرفتها ولم تتناول الطعام حتىٰ أصبح جسدها هزيلًا للغاية، حاول ريان معرفة ما حدث مع والدته ولكنه لم يعلم، أما زينب فلم تتركها لحظة واحدة حتىٰ تتأكد من براءتها وزاد الشك في قلبها بأن فريدة تعرضت للاعتداء من قبل عم ريان فهو الوحيد الذي يمتلك نسخة من مفاتيح المنزل، قررت زينب البقاء معها، وبفضل ذلك لاحظت عدة أشياء غريبة منذ رؤيتها مجردة من ملابسها في صباح أحد الأيام، على الرغم من أنها كانت في نفس الغرفة معها في المنزل ولم تشعر بشئ، حاولت معرفة ما يحدث ولكنها لم تستطع، فالفاعل لم يترك لها أي دليل يؤكد أنه من المنزل كما ذكرنا سابقًا، فعم ريان هو الوحيد الذي يمتلك مفتاح المنزل، ذهبت إلى أحد أقاربها الذي أرشدها بأنه يجب عليها القيام بتركيب كاميرات في كل زاوية من زوايا المنزل، في هذه الأثناء، طلبت زينب من فريدة أن يخرجوا سويًا حتى تتمكن من تركيب تلك الكاميرات، وافقت فريدة ولكنها كانت غافلة ولم تلاحظ تلك السيارة حتىٰ اصطدمت بها، قامت زينب بالاتصال بالإسعاف وفي أقل من ربع ساعة تم نقل فريدة إلى المستشفى ومنها للعمليات، بعد مرور بعض الوقت، خرج الطبيب من غرفة العمليات وأخبرها بحالة فريدة الغير مستقرة ووفاة الأجنة فتنهدت زينب بهدوء، بعد مرور عدة أيام
في غرفة من الغرف بمنزل زينب كانت تنام فريدة علىٰ الفراش شاردة فيما حدث خلال الأيام الماضية، وماذا يحدث عندما يعلم ريان، هل يصدقها أم يتركها وحيدة تدفع ثمن ذنب لم ترتكبه، لم تشعر بدخول زينب الغرفة، أردفت زينب بشيء من المرح:
«ألف مليون سلامة عليكِ يا حبيبتي.»
جلست فريدة علىٰ الفراش، أردفت قائلة: «الله يسلمك.»
قامت زينب بإعطائها الدواء ومِن ثُمّ جلست بجوارها، تحدثت بثقة بالغة:
«كويس إني صممت إنك تيجي عندي، علىٰ فكرة ريان معرفش حاجة.»
عند ذكر ريان لم تستطيع فريدة التحدث بحرف واحد وفضلت الصمت: «___________»
كسرت زينب حاجز الصمت بكلمات حاولت بها بث الأمل في قلب فريدة من جديد بعدما تيقنت من براءتها، تحدثت بمرح:
«خلاص هانت كلها أيام وأثبت براءتك.»
لم تصدق فريدة أذنيها قامت بإعتدال في جلستها وموجهة نظر لزينب بذهول، أردفت بأمل ظاهر في نبرة صوتها:
«بجد..!!»
أكدت زينب ما قالته فهي علىٰ وشك معرفة الفاعل وإثبات براءة صديقتها، أردفت بتأكيد: «إن شاء الله، وخصوصًا بعد نزول الحمل.»
وبعد أن استعادت فريدة نشاطها وحيويتها، قررت العودة إلى منزلها، لكنها لم تذهب بمفردها، بل ذهبت زينب معها. لاحظ ريان تغير حالة والدته، ولكنه لم يعرف ما حدث لها، فتساءل منذ متى تأتي زينب للبقاء معهم؟ همس في داخله بضرورة معرفة الحقيقة في أسرع وقت ممكن، حتى يتمكن من مساعدة والدته وتخفيف معاناتها، شعر ريان بألم ينهش رأسه كالعادة منذ فترة طويلة، فخرج من المنزل متوجهًا إلى أقرب صيدلية، أخبره الصيدلي بارتفاع ضغط الدم لديه، ثم طلب ريان منه مسكنًا وعاد إلى المنزل ليأخذه و يغفو في نوم عميق بسبب شدة الألم الذي يعاني منه، وفي هذه الأثناء كانت فريدة جالسة على السرير، تحدق بسقف الغرفة وتطرح بعض التساؤلات، كيف ستخبر ريان بما حدث لها؟ هل سيصدقها أم ستفقده إلى الأبد؟ وبأي طريقة ستختار لتروي له الحقيقة؟ انهمرت الدموع بغزارة من عينيها، فهي لا تملك أي دليل لبراءتها تمنت أن تلقي نفسها في أحضان ابنها، ولكنها لا تستطيع، "يا رب أزِل ثقل هذه الأيام" ظلت تدعو في صمت، أما زينب فقد بدأت في ربط الأحداث المحيطة بها، وكادت أن تعرف الفاعل ولكنها تتحلى بالصبر لكشف الحقيقة في النهاية، حتىٰ جاء اليوم الذي تم فيه كشف الحقائق، دخل ريان غرفة والدته ووجدهما يتحدثان بجدية في أمر مهم قاطع حديثهما قائلًا: «مساء الخير.»
تحدث ريان بمرح مبالغ فيه مما جعل علامات التعجب ترتسم علىٰ وجه زينب مما جعل ريان في محل شك بالنسبة لها:
«أنا جهزت ليكم عصير إنما إيه حكاية.»
لم تخجل زينب و تساءلت عن سر هذا العصير ولماذا في نفس الوقت؟!،حيث أردفت بتساؤل:
«أفهم إيه حكاية العصير دا أصل مش لازم كل يوم تقوم وتعمل.»
انصدم ريان فلم يتوقع هذا السؤال من زينب، ليتحدث باستغراب مما تفوهت به زينب:
«لا عادي يا طنط أنا علىٰ طول بعمل لماما عصير قبل ما تنام .»
أردفت زينب بشك متمنية أن تكون خاطئة في ذلك الظن: «اممم طيب ممكن تجيبلي مياه أشرب.»
أردف ريان باستجابة لما قالته:
«حاضر.»
بعد خروج ريان أسرعت زينب بسكب العصير، ففي تلك اللحظة نظرت لها فريدة بعدم فهم ولكنها لم تنطق بكلمة واحدة عندما أشارت لها، وبمجرد سماع سقوط الكؤوس أرضًا، أسرع ريان بدخول الغرفة مرة أخري وهو يشعر بالقلق عندما رأى الكؤوس ملقاة على الأرض، أخذ ريان الكؤوس الفارغة وخرج من الغرفة، وبمجرد خروجه همست زينب لفريدة أن تتظاهر بالنوم حتى يعلموا ما الذي يخبئه ريان عنهم، نفذت فريدة ما قالته زينب، فبعد أقل من عشر دقائق دخل ريان بصمت حتى لا يقلق منامهم، توجه إلى الفرش عندما رأى الغطاء ملقى على الأرض قام برفع الغطاء محاولًا تغطيتها ولكنه شعر بوخزة تحت رأسه عندما ضربته زينب ليفقد وعيه، قامت زينب بتقييده وتثبيته فوق أحد الكراسي بحبل قوي حتى لا يستطيع الهروب، لم تستطع فريدة أن تتحرك خطوة واحدة فكل ما يحدث كان أكبر بكثير مما يتخيله عقلها، هل ابنها هو من اغتصبها؟! كانت حامل من ريان؟! هل هذا ممكن؟...
تملكت الصدمة منها وبعد دقائق معدودة، استعاد ريان وعيه محاولًا فك قيوده ولكن لم يستطع، بل صُدم من هجوم زينب عليه بالصفعات المتتالية، نظرت إليه فريدة بحزن واستياء وحسرة مما فعله بها...
أردفت زينب بصوت غاضب:
«بقىٰ أنت اللي عملت في أمك كدا يا جبان.»
أجابها ريان بتساؤل وذهول في نفس الوقت فهو لم يفهم ما تقصده:
«عملت إيه أنا كنت بغطي ماما»
تحدثت زينب بعصبية ممزوجة بقسوة:
«اتكلم وقول عملت كدا ليه يا خسارة تربيتها فيك.»
صاح ريان بغضب وهو يحاول فك تلك القيود اللعينة:
«مش عارف تقصدي إي؟ يعني أنا غلطان علشان قولت أطمن عليكم، اتكلمي يا ماما»
نظرت له زينب بتوعد لتتحدث بنبرة تهديد واضحة:
«والله!!، أقسم بالله لو ما اتعدلت هتشوف مني وش مش هيعجبك وبعدين أنا اللي بكلمك سيبك من أمك دلوقتي.»
«_____________»
ظل صامتاً ولا يجيبهم عن ما يريدون معرفته منه، فهو في الأساس لم يفهم شيئًا مما تتحدث به زينب، فجأة قامت زينب بأخذ هاتفه والبحث فيه، ولم تجد سوى فيديو واحد فقط، فقامت بتشغيله، يتضح أنه تم تصويره بالخطأ، حيث رأت زوجة عمه وهي تضع له المنشطات وبعض الحبوب المخدرة و هي تتحدث مع ابنها بضرورة إعطائهم لريان، ولا يتركه حتى يشرب العصير، وبالفعل هذا ما حدث، وبمجرد انتهاء الفيديو أصيب الجميع بصدمة عميقة نتيجة لما شاهدوه بأعينهم، فهل يمكن أن يصل الحقد والكراهية لهذا الحد؟!، كانت زينب تعلم أن الجاني كان قريبًا ولكن ريان هو من ارتكب الجريمة نتيجة لما شربه، أطاع ريان أوامر زينب بعد أن أقنعها بأنه لم يرتكب تلك الفعلة الشنيعة، وأنه يرغب في معرفة من فعل ذلك لكي ينتقم ويأخذ منه حق والدته،ومِن ثُمّ أخذته إلى أحد أقاربها في الشرطة حيث وضع لهم خطة من أجل الإيقاع والقبض على هذه الجانية كما طلب إجراء تحليل دي إن إي لكشف هوية الفاعل، تم تنفيذ الخطة بنجاح حيث حضرت الشرطة في الوقت المناسب وألقت القبض عليها وهي تضع له المنشطات...
أردفت فريدة بانهيار وهي تنظر لها بأعين غائرة في الحزن تنهمر منها الدموع بغزارة: «ليه ؟!»
تحدثت عفاف بأعين متسعة من الغضب وهي ترمقها بشر عندما وضعت القيود علىٰ يديها: «علشان جوزي بيعايرني بيكِ كان بيتمنىٰ أكون زيك علشان ابنك أحسن من ابني دا حتىٰ البنت الوحيدة اللي ابني حبها رفضته علشان ابنك، أيوا أنا اللي عملت كل دا كنت عايزاه يغتصب البنت اللي بيحبها ويبقىٰ مدمن تعرفي المخدر اللي كان في العصير كان بيعمل فيه إيه كان بيلغي دماغه بمعنى ابنك تاني يوم يبقي مش متذكر أي حاجة من اللي عملها، كان نفسي أشوف قلبك مكسور ومحروق عليه بس كل حاجه باظت للأسف، بس هطلع من الحبس وهقتله هقتله لازم أحرق قلبك عليه.»
اتسعت أعين ريان بذهول وهو يردد بصوت غاضب وضعًا رأسه بين كفيه:
«أنتِ مستحيل تكوني إنسانة أنتِ الشيطان بنفسه أقسم بالله العظيم هآخد حقي وحق أمي منك.»
تحدث الضابط بإستعطاف فهذه أول مرة يري مثل هذه القضية:
«مش هي لوحدها نتيجة التحليل اللي طلبته ثبت إن عمك هو اللي عامل كدا دا غير اللي كاميرات ثبتته»
في تلك اللحظة ساد الصمت الكامل في المكان، حيث شعر ريان وكأن خنجرًا قد اخترق قلبه، فلم يكن يتوقع أن عمه هو الذي ارتكب هذا الفعل الشنيع، هذا الحدث المروع جعل شعر رأس ريان يتحول إلى الشيب، تحدث ريان بصوت مكسور فلم يستطع تصور ما حدث:
«ليه يا عمي تعمل كدا دا أنا دايما كنت بعتبرك زي بابا تقوم تكسر ضهري كدا مصعبتش عليك إني يتيم تروح تدوس علىٰ شرفي وتدبحني حي وبكل قسوة منك، معملتش حساب اليوم اللي هتقف فيه مابين إيدين ربنا هتقوله إيه ولا أخوك هتقوله استحليت حرمتك، عارف أنت آخر واحد كان ممكن أشك فيه، كنت دايمًا تقولي أنا شايف أخويا فيكم والله ما هسيب حق أمي منك حسبي الله ونعم الوكيل فيكم.»
نظر عم ريان لفريدة نظرات خبيثة ليقف أمامه ريان، ضحك عمه بكل سخرية وإستهزاء وعينة تدور في كل زاوية، أردف وكأنه ما فعله كان شئ طبيعي ليتجرد من إنسانيته: « علشان حبيتها بعد وفاة أخويا كان نفسي أتجوزها بس كنت هخرب بيتي علشان كدا استغليت المفتاح وزي ما استغليت المفتاح كنت بستغل إن الكل نايم وأدخل الأوضة اللي هي نايمة فيها ورش عليها مخدر بحيث تنام و أعمل اللي أنا عايزه من غير أي مقاومة منها أو حد يصحى والدنيا تتقلب عليا وبعد ما أخلص كنت بخرج بكل سهولة أنا مش ندمان علىٰ اللي حصل ولو رجع الزمن هعمل كدا تاني وتالت وعاشر.»
نظر له ريان والشر يتطاير من عينه، صاح بغضب وهو يشعر بنيران تلتهم قلبه:
«هي علشان ماما سابت المفتاح عندك أمانة بحيث تطمن عليا طول ما هي في شغلها تبقي غلطت تقوم أنت تعمل فينا كدا، هي سبته علشان لو تعبت أو حصل لي حاجة ألقى حد يلحقني أو لو نسيت المفتاح في الشقة أجي أخده منك تقوم تعمل كدا حسبي الله ونعم الوكيل فيك من النهاردة عمي مات وحقي مش هسيبه.»
بعد أن أُلقي القبض على عم ريان وعفاف وابنهما، جلست فريدة متأملة علىٰ الأريكة، وكأنها لم تتوقع أن يحدث لها كل هذا الغدر من أقرب الناس إليها، انهمرت دموعها بحزن عميق تساءلت عن الأفعال التي قامت بها لتصل إلى هذا الحد، استمرت في البكاء حتىٰ شعرت بيد زينب تضعها على كتفها لتطمئنها بأنه لن يحدث شيء سيء بعد الآن، نظرت فريدة بألم وحزن شديد عما حدث لهم، ركض ريان بلا توقف كطفل صغير يحتاج إلى حنان أمه فاحتضنته فريدة بقوة ليبكي ريان بكل ما لديه من قوة، بكت فريدة معه كان يبكي علىٰ عجزه عن حماية والدته، بكى وهو يتخيل منظر و ردة فعل والدته بعد اكتشافها هذا الفعل الشنيع هبط لأسفل قدميها مقبلًا قدمها ويديها وجبينها بكل تواضع و إحترام معتذرًا لها عن كل ما حدث، أردف بصوت باكي معتذرًا عن ضعفه لحمايتها متوعدًا بالانتقام:
«حقك عليا يا أمي والله ما هسيبه غير لما أخد حقك منه.»
ضمته فريدة بخوف وهي تتخيل نجاح ما خططوا له لتردف بصوت ضعيف من أثر البكاء:
«أنت ملكش ذنب الحمدلله إنك كويس والحاجة اللي شربتها معملتش معاك حاجة، كل ما أفكر لو كنت أن.. مش قادرة أقولها كدا أهون كتير، أهم حاجة مخسرتكش كله يهون الحمدلله يارب علىٰ كل حال.»
اقتربت منهم زينب تحدثت باعتذار وندم وهي تشعر بالخجل لما تفوهت به لفريدة منذُ سابق و عن شكها في ريان:
«صح يا فريدة أهم حاجة ريان مش هو اللي عامل كدا وبراءتك بانت أنا آسفة ليك يا ريان لما شكيت فيك وآسفة يا فريدة علىٰ كل كلمة قولتها ليكِ.»
قبل كل من ريان وفريدة اعتذار زينب، وأكد ريان أنه لن يفعل ذلك مهما أعطوه من هذه المنشطات فهو تربية أمه العظيمة وخوفه من ربه أكبر من أن يقوم بهذا الفعل، ظل يشكر ربه على أنه لم يحدث له أي كارثة بسبب تلك الحبوب التي وضعت له دون علمه والتي تجرع منها الكثير، وبفضل ربه وقوة إيمانه لم يحدث أي كارثة حيث تسببت فقط في إرتفاع ضغطة مما جعله يفقد وعية علىٰ الفور، ولتربية أمه دور كبير فيما حدث فهي الآن تجني ثمار تعبها خلال السنوات الماضية ظلت تحتضنه حتى شعرت بالأمان مرة أخرى فهي كانت تعلم أن ريان لن يفعل ذلك بها، ظل كلاهما يصلوا و يشكران ربهما على نجاتهما من تلك الكارثة، ذهب ريان إلى المصحة للعلاج ومع طبيب نفسي ليتم شفاؤه بشكل كامل. وها الآن أصبح ريان مهندسًا مشهورًا ولكنه لم يسامح عمه واستعاد حقه وحق والدته عن طريق القضاء، ولكن فريدة لم توافق على العيش في نفس المنزل مرة أخرى، لذا انتقلوا إلى منزل جديد لينسوا صفحة الماضي، تمكن ريان من تعويض فريدة عن ما حدث لها وتم عقد قرانه وتزوج من حب حياته، وبعد زواجه حاول ريان وزوجته إقناع فريدة بالاستقرار معهما، ووافقت لأنها لا تستطيع العيش بدونهم في حياتها ورزق الله ريان بطفلة أسماها فريدة وقرر أن تربيها والدته كما فعلت معه.
وأخيرًا شعروا بطعم السعادة...
كم هو جميل أن يقترب الإنسان من ربه وأن تثق الأم بابنها حتى ينقذهما الله من كل ما حدث، فما حدث كان أسوأ كابوس مروا به...
احترس، فالغدر لا يأتي دائمًا إلا من أشخاص فُتحت لهم جميع أبوابنا ليتمكنوا من اختراق أعماق قلوبنا وتسببوا لنا في كسرة القلب بعد صدمتنا القوية بهم فعندما يتألم القلب، يخشى أن يثق مرة أخرى ويتعرض للخيانة، فتصبح الحياة مثل مدينة ملاهي، حيث ينجح من يتمكن من اللعب بداخلها ويحقق ما يريد، وإذا فشل فإنه يدمر حتى يصبح مدفونًا تحت التراب ولا يعرفه أحد، ولا تصدق كل ما تراه بعينيك، فالأمور الحقيقية وأعمق تفاصيلها لا يدركها إلا الشخص الذي يملك زمام الأمر نفسه ومن شاركه في ذلك الحدث...
.تمت بفضل الله.
انتهت احداث الرواية نتمني ان تكون نالت اعجابكم وبانتظار أراؤكم في التعليقات وشكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
للمزيد من الروايات الحصريه زورو قناتنا على التلجرام من هنا