![]() |
رواية علي ناصيه الحب الفصل العاشر بقلم حبيبه محمد
-بودّره ! عّاوزانا نِشم بودّره يا ياقوت !.
وصلنا الفندق الساعه أربعه العّصر بالتّمام ؛ كان فُندق كبير معروف فِي دّهب ، شّكله مُلفت ومُبّهر مِن أول مره عينك تّقع عليه بواجهه زُجاجيه جّميله بيطّل على البّحر مُباشره .
مكانتش دي أول مّره ليا أطلع فيها رحله لدهب بس المختلف المره دي إني كُنت بّجرب كل حاجه جديده ومختلفه مَع ياقوت كانت عامله زي الفراشه بتضحك وبتجري وبتهزر مّع كُل اللي حوالينا .
كَانت جميله بّشكل يجنن ، فستانها الازرق الواسع بيطير حواليها ، شعرها بيتحرك معاها مع كل خطوه بتخطيها ، كانت مليانه طاقه وحياه ، مُلفته لدرجة إنها كانت مَحط أنظار الجّميع ودي حاجه خلتني مغرور بِنّفسي .
مغرور إن معايا جوهره كُله بيحسدني عليها .
كل واحد كان واخدّ أوضه ليه لوحده كنا حوالي تلاتين شّخص ، إنتشرنا في الفّندق ، كله خد مكانه ، واللي طلع الاوض بتاعته ، كان المشوار مرهق ومتعب عشان كده مخدتش ثواني وكُنت باكل رز ولبن مَع الملايكه.
صحيت الساعه سبعه على صوت تلفوني بيرن فتحته وانا بحاول أقاوم إني منمش تاني لقيت اكتر من عشر مكالمات مِن ياقوت في اوقات مختلفه وكأنها منامتش من ساعة ما وصلنا .
-ايوا يا ياقوت .
-كل ده نوم يا عمر ! انزل يلا بسرعه في حفله جامده تحت .
-حاضر هغير هدومي وهنزل .
قفلت معاها وقومت وانا حاسس بكسل رهيب مسيطر عليا لكني قاومته عشان متزعلش وتكون لوحدها ، خدت دش سريع ، غيرت هدومي لبرمودا جِينز وقميص أزرق ولبست كوتشي نايك جديد ونزلت بسرعه .
ملقتش حد في الرسيبشن سألت على مكان الحفله قالولي إنها على البحر ، طلعت ومشيت براحه وانا بتأمل الالوان المنوره في السما ، صوت الاغاني العالي ، صوت هيصة وصفير الشباب والبنات ، هِنا ؛ كان مسموح ليك تعمل كل حاجه إنت نفسك تعملها .
إستديج كبير عليه فرقة راب متجمع حواليه الشباب برقصاتهم الغريبه والبنات برقصهم الأغرب ، أجانب ومصرين ، في اللحظه دي مكنتش تقدر تفرق بِين مِين فيهم إبن بلدك ومين سائح !.
كله كان شبه بعضه في الشكل والطبع والتحرر !.
بصيت حواليا وانا بحاول أشوف ياقوت ممكن تكون فين وسط الهيصه دي كلها ، لكن لمحت مِن بعيد شلة شباب وبنات قاعدين على صخره قريبه مِن البحر شيء جوايا قالي إن ياقوت هتكون معاهم .
روحت ناحيتهم وبالفعل لقيت ياقوت معاهم ، لابسه شورت جينز قصير جداً قميص ابيض ضيق ، رافعه شعرها ديل حصان ، حسيت بضيق غريب وانا شايفها قاعده بالشكل ده بتضحك وبتهزر مع شاب كان جنبها بالظبط .
كانت دي أول مره أحس إني غيران عليها بجد !.
-عمر حبيبي اخيراً صحيت فاتك كتير اوي .
-واضح .
-تعالى أعرفك جْو ده عمر حبيبي عمر ده جْو ماي بيست فريند .
-بيست فريند ؟ امم منور يا استاذ جو .
-ويلكم عمر آيام سُو هَابي بِجد إني قّابلتك .
-انت بتتكلم كده ليه ؟ في واحده ست قاعده جواك ولا إيه !.
كلهم ضحكوا وكأني قولت نُكته مش حقيقه !.
قربت وبعدته بضيق وقعدت جنب ياقوت اللي بصت ليا وكإنها إستغربت أنا مضايق ليه ؟ وهو فيه حاجه تضايق ؟ ليه حاسس إن الجو ده لأول مره غريب عليا رغم إن نص حياتي ضيعتها في الحفلات والخروج والسهر !
ليه المره دي حاسس إن غريب وده مش مكاني !.
-مالك قالب وشك ليه !.
-إنتي نزلتي من غيري ليه ؟ وإيه اللبس اللي انتي لبساه ده !.
-فيه إيه يا عمر ؟ ده لبسي العادي وده الاستايل بتاعي اول مره تاخد بالك !.
-ايوا اول مره اخد بالي إني بتلبسي قصير بالشكل ده عمري ما شوفتك ما عمران لابسه كده !.
-يووه هو كل شويه عمران عمر أنا جايه هِنا عشان اتبسطت ، افرح ، اغني ، مش جايه عشان يتنكد عليا !.
-أنا بنكد عليكي ؟.
-يا عمر يا حبيبي بص حواليك هتلاقي كله لابس كده ، كله فرحان ومبسوط إحنا جايين نتبسط مش كده متزعلنيش منك بقى !.
كان عندها حق .
كل حاجه حواليا كانت غريبه ومش غريبه في نفس الوقت ، طول عمري بشوف ستات بجميع الأشكال والألوان ، محجبه وبشعرها ، لابسه واسع ولابسه ضيق ، بس عمري ما فكرت هّل ممكن لما آجي أفكر اتجوز او ارتبط هرتبط بواحده شكلها إيه !.
هل ياقوت تنفع تكون شريكة حياه ليا فِعلاً !.
تنفع تكون أم ؟ زوجه ؟ حضن ودفى وبيت ؟ حسيت إني كل مره بقرب منها اوي في حاجه جوايا غصب بتبعدني عنها !.
بتخليني أشوف حاجه مختلفه ، أشوف حاجات مكنتش شايفها وانا بعيد !.
أنا بحب ياقوت ، بحبها جداً بس يا ترا الحب ده كفايه؟.
-أما أنا يا شباب جايب ليكم حاجه اوريجنال لسه حتى منزلتش السوق !.
-حاجة إيه يا جْو شّوقتني !.
-باودّر بيعمل دِماغ فيري فيري هَاي أنا جربته مره وبجد خلاني فيري هابي .
بصيت ليه وهو بيطلع مِن جّيبه أكياس صغيره جداً قد عُقلة الصابع كل واحد مد إيده وخدها مِنه بسرعه حتى ياقوت !.
اتصدمت ، أنا اه جربت كل حاجه في حياتي بس مش لدرجة إنها توصل للمخدرات ! .
-إنتي بتعملي إيه ! إنتي هتشمي مخدرات !.
-في ايه يا عمر مالك بقيت كئيب كده ليه ! ما تجرب ، كل حاجه في الدنيا قايمه على التجربه ، وانا بحب أغامر واجرب حاجات جديده .
-إنتي بتقولي إيه ! تجربي إيه ؟ ده اسمه دمار مش تجربه إنتي متخيله البتاع ده لو دخل الدم ممكن يعمل فيكي إيه !.
-وإنت عرفت منين جربت !.
-لا بس عارف وكل الناس بتحذر مِنه .
-بتحذر منه ليه هّما كانوا جربوا ؟ عمر لو فشلت طول عمرك خايف من التجربه وحابس نفسك جوا قفص بتتفرج على الدنيا من بعيد ، الخوف مش هيخليك تعيش بس التجربة ممكن تغيّرك، تخليك تبص للحياة من زاوية تانية!.
-إنتي مجنونه !.
-عشان عاوزه اعيش ؟.
-وهي دي تبقى عيشه ؟ تبقي مدمنه !.
-المدمن ده اللي بيفضل مستمر على نفس الحاجه إنما دي مره وهتروح لحالها .
-وإيه اللي يضمنلي إن ده مش هيدمرك !.
-مفيش ضمان. ولا في أي حاجة في الدنيا ضمان. حتى الحب اللي بينا مالوش ضمان بس التجربة هي اللي بتثبتلك إنت مين، وإيه اللي تقدر عليه جرّب معايا يا عمر جرّب، ولو مرة واحدة عيش حس المغامره .
-خايف !.
-كل الي حواليك دول جربوا ، شربوا ، ماتو؟ بالعكس مبسوطين وعايشين أهو على أحسن حال بص حواليك وإنت هتعرف الحقيقه بعينك مش اللي الناس بتقوله إعتبره مشروب طاقه يا سيدي!.
بصيت حواليا كانوا كلهم في وادي غير الوادي اللي أنا فيه ! بصيت لباقي الشِله الي كانت قاعده معانا واللي كل واحد فيهم شم الكيس وقام يجري ويتنطط ويقرص بسعاده !.
كانوا عكس كل الكلام اللي سمعته ؛ كانوا عايشين مش زي ما الناس بتقول .
كانوا مبسوطين !.
بصيت ليها كان في عينيها حب المغامره شّدني ، فضول الواحد دايماً إنه يجرب كل حاجه جديده يا إما بيدفعه لقدام يا إما بيوقع في الارض ، مديت ليا إيديها بالكيس الصغير ، شجعتني بضحكه منها ونظره بطمني إن مفيش حاجه هتحصل !.
حسيت إن ده عادي ! عادي إن الإنسان يجرب .
سيبت نفسي أمشي ورا كلامها ، فتحت الكيس وقربته وشميته ، غمضت عيني لثواني وانا حاسس بحاجات كتير بتحصل ليا ، نشاط غريب ، طاقه حسيت بيها عكس الكسل اللي كنت نازل بيه ، كإني شربت كوباية قهوه فجأه فوقتني !.
فتحت عيني وبصيت ليها لقيتها مبتسمه ، بتضحك مع جْو وبتضرب معاه كف على كف وبتغمز ليه ، قامت وقفت فجأه شدتني مِن إيدي وبكل بساطه قومت معاها ، صوت الدوشه مِن حواليا كان بيزيد ، الانوار كانت بتوجع عيني ، كنت غريب .
غريب حتى عن نفسي .
مره واحده لقيتني في البحر !.
الموج الهادي بيخبطني ، بصيت حواليا لقيتها بتعوم وكأنها حوريه بتخرج بليل بس عشان تسحر الرجاله ، قربت مِنها ، رميت نفسي للبحر زيها، قررت أتهور ، اعيش ، أغامر ، اجرب .
-مبسوط ؟.
-أول مره احس إني مبسوط بالشكل ده !.
-عمرك فكرت تنزل البحر بليل ؟.
-ابداً كانوا بيخوفوني منه ؛ حكاوي كتير بتقول إن البحر بليل مليان شّر.
-وإيه يعني؟ مش كل حاجة بيقولوا عليها شر لازم نصدقها ساعات الشر اللي بيحكوا عنه بيبقى في عقلنا بس!.
-يمكن…يمكن البحر في الليل مش مخيف بقد ما هو مراية بيوريك نفسك، بيكشفلك عن حاجات مستخبية جواك.
-عارف يا عمر… البحر بالليل شبه الحياة. غامق، مجهول، محدش يقدر يتوقع عمقه بس لو خفت منه عمرك ما هتعرف جماله.
-يعني عايزة تقوليلي إني لازم أغامر عشان أشوف الجمال المستخبي ؟.
-لازم تغامر وتغوص…مش بس في البحر، في نفسك كمان يمكن تكتشف إن اللي بتخاف منه هو اللي هيحررك!.
-طب ولو غرقت؟
-الغرق الحقيقي مش في البحر…الغرق إنك تفضل طول عمرك واقف على الشاطئ، خايف، ومش بتجرب.
للدرجه دي البّودره دي تقدر تخلينا نقول كلام حكيم بالشكل ده !.
قربت مِنها ، القمر عكس نوره عليها ، كانت ملفته ، مغريه ، بعدت خُصله من شعرها كانت مضيقاها ، كانت جميله في كل حالاتها ، زي النداهه تسحرك مِن نظره ليها .
-بتحبيني ؟.
-إيه السؤال الغريب ده ؟ البتاع لحق يعملك دماغ !.
-ابداً بس محتاج أطمن .
-لو مش بحبك إيه اللي هيخليني اقف معاك في نص البحر ؟.
-عمرك ما قولتيها ليا محتاج اسمعها !.
-هتفرق ؟.
-طبعاً هتفرق ده إعتراف منك صريح إنك فعلا بتحبيني .
-قد كِده الكلمه بتفرق ؟.
-في كلمه بتخلي الانسان يعيش وكلمه تانيه تموته .
-وكلمتي هتخليك تعيش ؟.
-أكيد .
-يبقى بحبك .
-من قلبك ؟ .
-تؤ من عقلي قولتلك قبل كده مش بعترف بالعواطف بس أنا إخترتك بعقلي .
-والعقل لما يختار بيبقى أصدق من القلب؟.
-القلب ساعات بيغلط بيندفع، يتهور، يخلّي الواحد يشوف الحلم حقيقة لكن العقل لما يختار، يبقى شايف العيوب قبل المزايا وبرضه متمسّك.
مستغربتش كلامها ، يمكن لإني مكنتش بكامل وعيي بس حاجه جوايا إرتاحت وحاجه جوايا خافت .
مسكت إيديها وطلعنا مِن البحر ، شديتها ودخلت بيها وسط الحفله ، كل بيرقص ، بيغني ، حضنتها وبدأنا نرقص أنا وهيا .
صوت الموسيقى بقى عالي .
الدوشه ، التصفيق ، الصريخ ، كل حاجه كانت مبهره ، مليانه روح المغامره والحياه .
حسيت وكإن دي المره الاولى اللي شوفت فيها الحياه جميله بالشكل ده.
يمكن ..يمكن فعلا الواحد فينا بيحتاج يجرب حاجات مختلفه عشان يشوف الدنيا بشكل وطعم مختلف .
بطعم الياقوت .
•••••••••••••••••••••••••••••
-بقالك ساعتين بتقولي نازله يا مسك انجزي يا بنتي !.
عّم نعيم وافق طبعاً بالعافيه إن نخرج أنا وهيا سّوا بعد ما وعدته إني هجيب ليه علبة الهريسه بالمكسرات وبعد صِراع آزلي وخِناقات كتير قرر إننا كُبار كفايه إنه يبطل خوف علينا ويسيبنا نُخرج سوا .
بعد ما قال ليا طبعا السبع وّصايا .
ممكن تِفكر للحظه هّل أنا لحقت أنسى ياقوت بالسرعه دي واتعلق بـ مسك ؟
هقولك إن الحقيقه ياقوت لِسه موجوده جوايا ، هاخد وقت على ما اعرف أتخطى عدم وجودها فِي حياتي ، لكِن مِسك ! ظهورها فجأه أو إكتشافي إنها لسه موجوده في حياتي صحى جوايا حاجات كتير كُنت فاكر إنها مش موجوده !.
يمكن أنا دلوقت ماشي في ممر طويل جواه مرايات كتير، كل مراية بتورّيلي وشّ مختلف من وجعي وفرحي..
ياقوت مراية بتعكس اللي ضاع واللي اتسرق من عمري، ومسك مراية تانية بتورّيلي إنّي لسه قادر أحب وأحس وأتألم وأحلم من تاني .
وجود مسك جنبي مش معناه إن الجرح لم، لكن بيقول إنّي مش هافضل عبد للجرح ده.
مسك مش بديل، مسك دليل؛ دليل على إن القلب اللي اتوجع لسه عايش، ولسه ممكن يدقّ من جديد حتى لو خَطواته متردده، ولسه شايل حنينه القديم معاه.
يمكن أكون في النص، بين غياب ياقوت وحضور مسك، بين ذكرى ما بتموتش وبداية لسه بتتكوّن، بس اللي متأكد منه إنّي لسه إنسان ولسه قادر أعيش التناقض ده وأتقبّله.
حاولت أتصل بعمر كتير واعرف مكانه فين واطلب مِنه نتقابل ممكن يكون عنده تفسير وتبرير واضح للي عمله لكن للأسف يا إما مكنش بيرد يا إما تلفونه كان بره نطاق الخِدمه وده خلاني أأجل المواجهه شِويه .
-خلصت.
رفعت عِيني اول ما سمعت صوتها ، حسيت إني لاول مره حاسس مشاعر البطل في الفيلم الأجنبي لما كل حاجه حواليه بتقف ، الهوا ،الناس، الزمان ، ومفيش قدامه غِير حبيبته وبس .
شعَر بُني طويل إتضح إن كان سبب تأخيرها هّو تصفيفها ليه بالطريقه الجميله دي ، مفرود وراها ، قصه مموجه ، لابسه فستان وردي جّميل ، طويل وواسع ، شنطه لولي بيضه في إيديها كانت مدهشه .
مدهشه لدرجة إني مقدرتش آشيل عِيني عّنها ، مراقبها وهيا بتقرب ناحيتي ، بإبتسامه أروع ما يكون ، صافيه ، ناعمه ، رقيقه ، إبتسامه تشبهها .
تِشبه مِسك وبس .
-إتأخرت عليك؟.
-ده لو كل تأخير نتيجته حلوه كده مستعد أستناكِ على طول !.
-عــمــران !.
-متقوليش ليا إتلم عشان ابقى راجل حمار لو سكت قدام الجمال ده كله ! اول مره اشوفك بالشكل ده .
-مالو شكلي ؟.
-مُبهر ، يخطف ، يسّحر ، يخلي الواحد قدامك واقف مِتّبرجل وجواه مليون شعور وإحساس عاوز يظهر بس خايف يبينه .
-خايف ليه ؟ .
-يعني اسمع كلام احساسي واحضنك في نص الشارع !.
-عـــمـران !.
-ده حضن بريئ زي اللي كنت بحضنه ليكي واحنا صغيرين .
-أنا طالعه مش خارجه في حِته .
-يا ستي طولي بالك حقك عليا أنا هراضي فيكي ولا في ابوكي !.
-مش عاجبك ؟.
-عاجبني ونص ومقدرش اقول غِير كِده إتفضلي يا برنسيسه إركبي كان نفسي أركبك مرسيدس بس مفيش حيلتي غير سونه .
-ومالها سّونه ؟ العِبره باللي هيركب معاك فيها ، ياما ناس كتير معاها عربيات أحسن موديل بّس ملهاش حد يركب معاه فيها .
-يعني مش مضايقه ؟.
-أضايق ليه الشكليات دي عمرها ما فرقت معايا المهم عندي هو إني هركب معاك .
-يا سلام ؟.
-وحياة عبدالسلام .
فتحت ليها باب العربيه بحركه جِنتل مان مني وهيا إبتسمت وركبت برقه لفيت وركبت مكاني وشغلت العربيه ومشيت بيها .
وغصب عّني لقيتني بقارن بينها وبين ياقوت في رد فعلها !
فاكر أول مره قررت فيها أخرج مع ياقوت طلبت من عم نعيم يسلفني عربيته وبعد إصرار كالعاده إداها ليا كنت فرحان ، كنت لسه صغير في تالته جامعه .
وصلت ليها وركنت العربيه قدام بوابة الكليه بتاعتها ، إستنيتها تطلع ، ولما خرجت قربت مِنها وانا بسلم عليها وبسمع كالعاده تذمرها من الكليه والمواد والدكاتره ، كنت بسمعها مِنّ غير زهق .
لما قربنا من العربيه نركب كشرت ، اضايقت ، رفضت تركب ، برستيجها قدام صحابها مكانش يرضى إنها تركب عربيه بالموديل ده ، إتحرجت ، إتكسفت ، ومن غير ولا كلمه خدت العربيه ومشيت بجّر خيبتي ورايا .
|| ساكن قصادي وبحبه وأتمنى اقابله
فكرت أصارحه لكن أبدا مأقدرش أقوله
وفضلت استنى الأيام في معاد مايسهر ومعاد ما يرجع
كل خطوة أرسم احلام تكبر ف قلبي والقلب يطمع||.
شغلت التسجيل وطلعت مِنه الاغنيه دي حسيت كأنها بتقولي ألمح ليك بإيه أكتر مِن كِده افهم بقى يا غبي !.
-تحبي نروح فين !.
-آي مكان مش مشكله .
-نطلع على الكورنيش ولا تحبي نروح سينما !.
-نطلع الكورنيش أحسن .
-بتسترخصي ليه معايا فلوس على فكره ده أنا بايع إنهارده برنامج بألوفات !.
-يا عم براحتي ! أنا مرتاحه كده ! سينما إيه وضلمة مين مالو الكورنيش .
-اللي يريحك يا ست البنات .
ابتسمت ، كانت بسيطه وطلباتها ابسط تخليك تِحس إنك مش محتاج تطلع الفضاء عشان ترضيها !
اقل كلمه ، اقل فعل ، اقل نظره ممكن ترضيها .
وصلنا الكورنيش كانت الساعه تمانيه بليل ، فتحنا الباب ونزلنا ، كان الجو جميل يدل على بداية الخريف ، بارد ورقيق ، مشيت أنا وهيا على الرصيف بخطوات هاديه ، كانت دي اول مره ألاحظ فرق الطول اللي بيني وبينها ، واصله لحد كتفي بالعافيه .
-ورد يا بيه ورد يا هانم وغلاوتها عندك بتاخد ليها ورده يارب تتجوزها وتملى البيت عيال !.
-بس بس إيه كل ده بكام الورده يا ستي ؟.
-عشره جنيه وعشانك تسعه جنيه ونص .
-أما تخفيض بصحيح هاتي اللي معاكي وروحي الدنيا ليلة والجّو برد حسابك كام ؟.
-100 جنيه يا بيه ربنا يسترك ويسعدك ويوسع مرازقك ويجبر بخاطرك قادر يا كريم .
خدت مِنها الورد كُله بصيت لمسك اللي كانت عيونها متعلقه بيا وكإني في اللحظه دي بالنسبه ليها كنت سوبر هيرو !.
مديت ليها إيدي بالورد اللي كان مالي حضني وحطيته كله في حضنه وهيا ضحكت وبدأت تشم فيهم بسعاده وكإن دي اول مره حد يجيب ليها ورد !.
-مبسوطه ؟.
-جداً متعرفش أنا بحب الورد قد إيه !.
-خلاص فكريني كل يوم تجيبلك ورد وانا مروح .
-بجد! هتعمل كده عشاني ؟.
-لا عشان طنط ناني أكيد عشانك يا مسك .
-ده انت فصيل بشكل !.
-وانتي جميله بشكل ! تعالي أصورك .
ضحكت ، وقفت ووراها سور الكورنيش رفعت تلفون المتواضع وبقيت اخذ ليها صور وهيا تضحك وتعمل وضعيات مختلفه بالورد ، والمشكله هِنا كانت إزاي أقنعها إنها احلى ورده بينهم !.
-تحب أصورك معاها ؟.
كان عرض من بنت شابه صغيره ماشيه مع والدها ابتسمت ليها ووافقت وقربت ووقفت جنبها وهنا هي عينيها وسعت من الفرحه .
-اول مره نتصور سوا !.
-دي اول مره لينا في كل حاجه ، عمران إنت مبسوط وانت معايا ؟.
-أنا عمري ما كنت مبسوط ولا مرتاح بالشكل ده غير دلوقت !.
-يعني…يعني عمرك ما حسيت كده ما ياقوت !.
-الصراحه لا ؛ كنت حاسس إني دايما متكتف قدامها بأفعالي ، كل رد فعل مني محسوب ، هيا عاوزاني على مزاجها وانا راجل عاوز اكون زي ما أنا ، ساعات كتير لازم نبعد عشان نشوف الحقيقه ونعرف إن الشّهد بيكون مُر للي عايش وحلو للي ميت .
-خسرت كتير لما سابتك.
-وانا كسبت كتير لما سابتني ؛ اولهم إنتي .
عيوني كانت في عيونها وهنا البنت لقطت لينا الصوره وقربت مننا واديتنا الفون فتحت الصوره وعيني لمعت وانا بشوف مشاعري اللي متصوره .
الراحه ، الهدوء ، الموده ، الحب !.
|| حبيبي طول ما إنت، إنت أنا وياك للنهاية
مش بعرف حتى نفسي لما تكون مش معايّا
حبيبي كإن قلبك قلبي وبحب بيه
والدنيا لو مرة ضحكت بعرفها ضحكت ليه ||.
-ده نجاه مقصداني إنهارده بقى ؟.
-ست بتفهم وبتقولك إفهم .
-يا سلام ؟.
-وحياة عبدالسلام.
-امم بتعرفي ترقصي ؟.
-نعم ؟.
-مش اللي في دماغك يا محترمه ترقصي سّلو !.
-على قدي بس ليه .
-عاوز ارقص معاكي ينفع !.
-هنا ! دلوقت ؟.
-وإيه يمنع ؟.
-والناس .
-خلي الناس تقلدنا مِش نخاف مِنها ، حطي الورد على جنب وهاتي إيدك في إيدي .
-اخاف تسيبها تاني !.
-ابقى عبيط لو سيبتك تضيعي تاني .
وأنا ماسك إيدها ورجلي بتتحرك معاها على الكورنيش، حسّيت إني لأول مرة من سنين طويلة قلبي بيرقص قبلي البحر قدامنا عامل سيمفونية مية بتنادي علينا، والهواء بيعدّي من بيننا كأنه بيزغرد للخطوة اللي جمعتنا.
كل حاجة حوالينا اختفت: العربيات، الناس، أصوات البياعين كأن الدنيا كلها اتسحبت وبقت هي.
عينها في عيني، لمستها في إيدي، والضحكة اللي طالعة من قلبها كلهم بيلغوا فكرة الغياب اللي كنت غرقان فيها.
كنت فاكر إني انتهيت مع ياقوت، وإن الحلم بيموت مرة واحدة وما بيرجعش.
بس دلوقتي لا، الحلم رجع يلبس وشّ جديد، أرقّ وأصدق، في صورة مسك.
وأنا مش برقص دلوقت، أنا بتصالح مع نفسي، وبقول للقدر: “لسه قادر تدوقني حلاوة الحُب من غير ما تسرقني.”.
كل خطوة مع مسك كانت إعلان صغير إنّي مش مكسور زي ما كنت فاكر، وإن القلب اللي اتوجع يقدر يمد إيده ويشيل تاني، يقدر يرقص وسط الناس وما يخافش من كلامهم، يقدر يحبّ وهو عارف إنّه لو ضيّعها تاني يبقى أغبى من الغباء نفسه.
في اللحظة دي ما كانش في كورنيش ولا ناس كان في كون كامل معمول من رقصة واحدة رقصة أنا وهي.
-مفيش حاجه عاوز تقولها ؟.
-زي ؟.
-دي حاجات مبتتقالش بتتحس بس ؟.
-محتاج وقت عشان اقولها ابقى بظلمك معايا لو قولتها دلوقت بس ده ميمنعش إني حاسسها .
-وعد هتقولها ؟.
-وعد لازم اقولها .
خلصت الرقصه بينا بسيطه وهاديه تحت ضوء القمر بدون آي تكاليف ، قربت مسك من الورد وشالت من جديد بين حضنها ومشيت جنبها مبسوط بالمشاعر الجديده اللي بحس بيها .
طلعت تلفوني تاني عشان اتأمل في الصوره وهنا لقيت نوتفكشن من الفيس ففتحت اشوفه وهنا اتفاجئت ببوست لعمر وهو في البحر وبعده بالظبط بوست لياقوت وهيا برضو في البحر .
غريبه إن الانسان يكون عنده البجاحه دي كلها وعايش عادي !
الغريب هنا يا صديقي إن الإحساس ساعات مش بيموت تدريجي…ساعات بيختفي زي لمبة اتحرقت فجأة، أو زي موجة البحر اللي كانت مغرقاك وتلاشت من غير إنذار.
الخيبة بتشتغل أسرع من الزمن.
الخذلان أقوى من أي سنين.
وعشان كده الإحساس يقدر يختفي مرة واحدة مش عشان ما كنتش بتحب، بالعكس، لكن عشان اتوجعت أوي لدرجة إن قلبك قرر يحمي نفسه ويطفّي الشعور ده من جذوره.