رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والخامس والعشرون 125 بقلم اسماء حميدة

 

رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والخامس والعشرون 

لم يكن كولن يشبه ذلك الذي كان يغمرها به أحمد؛ ذراعاه أنحف، ودفؤه أخف، وكأن احتواءه مجرد صدى باهت لشيء اعتادته روحها يومًا… أدركت سارة سريعًا أن بقاءها بين قد يُشعل نيران غيرة لا تُطفأ في قلب أحدهم فابتعدت بخطوة محسوبة وتمسّكها بالهدوء يخفي ارتجافة في أعماقها ومن ثم قالت بنبرة خافتة تود طيّ الصفحة:

ــ "شكرًا لك كولن.. الجو بارد هنا… دعنا نعود إلى الداخل."

عادت إلى قاعة الطعام بخطوات واثقة… عيناها تبحثان تلقائيًا عن أحمد لكن المكان الذي كان يقف فيه قبل قليل بدا فارغًا وكأن ظله انسحب تاركًا وراءه ثِقَلًا في الهواء.

جلس كولن معها وما إن همَّ بجلب شيء من الطعام حتى ظهر كالفن يخطو إليها بأناقة محسوبة يحمل كأسًا في يده فبدا كجزء من مشهد اجتماعي عابر لكنها لم تمنعه من الانضمام بل تركت الأمور تسير بسلاسة توحي باللامبالاة.

همست وهي تراقبه من طرف عينها:

ــ "هل وجدت شيئًا كالفن؟"

أجاب بصوت منخفض لا يتجاوز حدود الطاولة:

ــ "نعم. تلقيت بعض المعلومات قبل صعودي إلى السفينة، لكن لم تتح لي الفرصة لمناقشتها معكِ. كما توقعنا... أحدهم عبث بتقرير فحصكِ الطبي."

خفض رأسه أكثر ثم أخرج هاتفًا يعرض صورة مكبّرة محسّنة حوافها ضبابية لكن ملامحها الأساسية

واضحة بما يكفي.
ــ "تمكنا من التقاط هذه الصورة… ألقي نظرة... هل تعرفين هذا الرجل؟"

أمعنت سارة النظر… الوجه بدا غريبًا لكنها شعرت أن ذاكرتها تُنقّب عن شيء مدفون كانت تعرف هذه الملامح، رأتها في مكانٍ ما... لكن أين؟

همس كالفن وهو يقرأ حيرتها:

ــ "ما الأمر؟ هل تذكرتِ شيئًا؟"

وفجأة انقدح البرق في ذهنها.

**مستشفى الأمراض النفسية**.

ذاك اليوم الذي زارت فيه بيل عندما انفجرت الأخيرة في نوبة هستيرية جعلت المكان بأسره يهتز من صراخها… وجاء الحراس الذين أمسكوا بها بإحكام ورجلٌ واحد تقدم بإبرة المهدئ… نفس الوجه… نفس البرود.

شهقت سارة بخفوت كأن الهواء قد انقطع عن رئتيها لحظة الإدراك ومن ثم تمتمت لكن الكلمات التصقت بحلقها:

ــ "أنا..."

ابتلعت ما تبقى من صوتها خشية أن يلتقط أحدهم ما تقول ثم مالت نحو كالفن بعينين تعكسان قلقًا كثيفًا وقالت بنبرة تائهة لكنها حاسمة:

ــ "كالفن... لقد كنتَ عونًا كبيرًا لي… أحتاجك أن تذهب أعمق في هذا الاتجاه… أشعر أن أحدهم يستهدفني عن عمد."

كانت سارة تدرك أن أي خطوة طائشة قد تُوقظ الوحش الذي يترصدها في الخفاء لكنّها أيقنت أن **كالفن** وحده لن يثير شكّ أحد فهو بالنسبة لهم مجرد حضورٍ أنيق في مسرح الأحداث لا

يُرى كتهديد وهذا بالضبط ما يجعل منه سلاحها الخفي.
التقط كالفن الرسالة غير المنطوقة في عينيها على الفور… ولم يحتج إلى شرحٍ أطول فقد كان من النوع الذي يقرأ ما بين الكلمات.

ابتسم بخفةٍ محسوبة، وقال وهو ينهض:

ــ "حسنًا... فلنبقَ على اتصال سارة."

أجابته بهدوء يخفي عاصفةً داخلية:

ــ "بالتأكيد، كالفن."

وبينما غاب صوته في ضجيج القاعة بقي ذهنها أسير دوامة من الصور المتداخلة… حادثة **بيل** عادت ككابوسٍ يطل من مرآةٍ مشروخة… كل التفاصيل التي حاولت نسيانها صارت الآن أشبه بأصابعٍ تطرق جدران عقلها.

*موت بيل لم يكن صدفة.*

كانت متأكدة من ذلك… لم يكن انتحارًا، بل فمٌ آخر صُمم ليصمت إلى الأبد وربما كان ذلك لأنها زارتها كأن اقترابها من الحقيقة كان هو الحُكم الذي صدر على بيل دون أن تدري.

ومضت صورة الدكتور **جالواي** في ذهنها بتلك النظرة التي أطلقها نحوها، نظرة شكٍّ أكثر من كونها مهنية. *ما الذي يُخفيه؟*

بدأت خيوط الشهر الماضي تتشابك في ذاكرتها… كل شيء بدا مرتبًا على نحو مَرَضي:

الطلاق، شاهد القبر، جيف الذي ابتلعته حادثة غامضة، بيل التي أُسكتت، وتقرير الفحص الطبي الذي تم التلاعب به… كل شيء يشير إلى يدٍ واحدة تُحرّك القطع في صمت.

ارتعشت أطرافها وهي تتساءل:

*هل يمكن أن يكون حادث جيف أيضًا... جزءًا من هذه الخطة؟*

زحفت قشعريرة باردة على طول عمودها الفقري فإدراكها أن أحدهم بدأ حبك هذه المأساة قبل عامين جعل قلبها يخفق بعنف كما لو أن جسدها يحاول تحذيرها من عدو يسبقها دائمًا بخطوة.

ظهرت ملامح بيل في ذاكرتها؛ شابة مبتسمة، عينيها تلمعان بالأمل رغم الألم. والآن... مجرد خبر على شريط الأخبار: *انتحار*.
شعرت سارة وكأن يدًا خفية تضع ثقل موت بيل على صدرها. *هل ماتت بسببي؟*

أحكمت قبضتها على هاتفها حتى أبيضت مفاصل أصابعها ثم رفعت رأسها ونظراتها صارت أكثر حدة وإصرارًا. لم يعد هناك مفر: **ستكشف الحقيقة**. ليس من أجلها فقط، بل من أجل جيف، من أجل بيل... من أجل كل الأرواح التي صارت أثمانًا في هذه اللعبة.

أرسلت لكالفن كل ما لديها: تفاصيل بيل، ملاحظاتها عن جالواي، اسم المستشفى النفسي، وكل الخيوط المبعثرة التي قد تشكّل خريطة ومن ثم طلبت منه أن يحقق في الأمر سرًا بعيدًا عن أعينهم.

وبينما كانت تضع هاتفها جانبًا انبثق إشعار جديد… رسالة من **كولن**.
كانت لم تُضف اسمه بعد لكن صورة ملفه الشخصي فضحته: **سنوبول** القطة التي عادت إليها من الماضي كدليل حيّ

على أن شيئًا ما يمكن أن ينجو من العتمة.
فتحت الرسالة، والعبارة القصيرة التي قرأتها جعلت دمها يبرد فجأة:

ــ *"سارة، أنا لا أشعر بأنني على ما يرام."*

تعليقات