رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والتاسع والعشرون 129 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والتاسع والعشرون 


بينما كانت **مارينا** تدفع الباب لم تفلت يد **كلوي** بل شدّت عليها برفقٍ مصطنع وابتسامة دافئة متكلفة تكسو وجهها كابنة بارة تسعى لرأب الصدع. وهمست بنبرةٍ تحمل عذوبةً تُخفي خنجرًا خلف ظهرها:

— *"أمي في النهاية نحن عائلة واحدة… أليس من الأفضل أن تدعي سارة تزور منزلنا أكثر؟ ربما نفتح صفحة جديدة."*

أشرق وجه كلوي وكأن كلمات مارينا زرعت في قلبها أملاً لطالما انتظرته:

— *"يسعدني سماع ذلك يا مارينا. كنت أخشى ألا تتفقا أبدًا."*

لم تكن تعلم أن ابنتها بالتبني تُخفي وراء تلك الابتسامة طوفانًا من الكراهية

إذ كانت كلوي لا تزال أسيرة الحلم الذي طالما راودها: أن يأتي يومٌ تذوب فيه الجدران بين مارينا وسارة ويجتمع الجميع تحت سقفٍ واحد دون حروب.
لكن في صدر مارينا كان الغليان على أشده… لم تذق يومًا نشوة كتلك التي شعرت بها وهي تتخيل سارة محاصرةً أمام الجميع عاجزةً عن الدفاع عن نفسها عاړية من كبريائها مهشّمة مثل زجاجٍ سقط من شاهق.

**كانت تتلذذ مسبقًا بمشهد الڤضيحة الذي رسمته في رأسها بتفاصيله الدقيقة.**

ثم بدأ الباب ينفتح ببطءٍ محسوب يُفسح الطريق لمشهدٍ مسرحيٍّ طال انتظاره وكل ثانيةٍ كانت ټضرب قلب مارينا بنبضاتٍ متسارعة، خليط من توترٍ

ممزوج بنشوة الانتصار.
لكن حين انشق الفراغ أمام عينيها،

**تحوّل انتصارها الموهوم إلى صدمة صامتة**. فتجمّدت ابتسامتها.

**كان في الغرفة مشهد لم تتخيله قطّ.**

على الأريكة كان هناك جسدان متشابكان كأنهما قطعة فنية مُستخرجة من لوحات الغواية القديمة.

أول ما لفت الأنظار هو **أحمد**... لم يكن الرجل الذي اعتاد الجميع رؤيته:

ذلك المهيب ذو الملامح الصارمة والهيئة المصقولة كالنصل بل بدا كوحشٍ خرج لتوه من قفصه؛ جامحًا، غارقًا في رغبةٍ لا حدود لها وقد خلع سترته وقميصه الأبيض المفكوك الأزرار 

**حتى في لحظات الفوضى،

ظلّ يحمل وسامةً ڤاجرة،
وبين ذراعيه، كان هناك جسدٌ آخر… امرأة خبأ وجهها في صدره لحظة فتح الباب كأنه يحميها من عاصفةٍ داهمتها… لم يرَ الحشد ملامحها لكنهم رأوا ما يكفي لإشعال مخيلتهم:

خصرٌ نحيل كغصنٍ يترنح في الريح، وذراعان بلون العاج تلتفان حوله بخضوعٍ غامض.

**لم يخطر لأحدٍ أنها قد تكون سارة**—زوجته السابقة التي ظلّت صورتها في أذهانهم نموذجًا للبرود والرزانة. بدوا مقتنعين أنهم أمام علاقة سرّية، 

وفي عالم الأثرياء مثل هذه الفضائح ليست غريبة… كانوا قد اعتادوا رؤية رجالٍ يختبئون خلف أقنعة الاحترام في العلن بينما ينهشون

 في الخفاء. لكن هذا لم يكن أي رجل. **هذا كان أحمد.** ذلك الذي كانت سمعته أقرب إلى الأسطورة:

رجل لا يلين، لم تجرؤ امرأة على لمسه دون إذنه، واللاتي حاولن أُقصين بطرقٍ جعلت أسمائهن تختفي من دوائر النفوذ كما تختفي نقطة حبر في بحر… الرجل الذي أعلن خطبته على مارينا وحدها وصنع حول نفسه صورةً لرجلٍ يقدّس شريكته كما لو كانت جزءًا من جسده… والآن، في نظر الجميع، **الرجل المثالي ينهار على الهواء مباشرة**—وفي أسوأ سيناريو ممكن:

في ليلةٍ يُفترض أنها احتفال بابنه الأول، ثمرة حبه المعلن لمارينا.

**كاليستا** التي كانت تراقب من خلف الكاميرا بلهفة صياد شعرت فجأة بوجهها يشحب إذ كانت الوحيدة التي أدركت من أول نظرة من تكون المرأة التي بين أحضان أحمد. **إنها سارة.**

كانت **سارة** تدرك أن مارينا لم تكن لتقف على قدميها لولا دعم **أحمد** وأن نجاحها كله قائم على ظله … لكن ما لم تدركه مارينا هو أن اللعبة قد انقلبت؛ فبذكاءٍ باردٍ ودهاءٍ

محسوب استطاعت سارة أن تجرّ أحمد إلى صفها لتطيح بالمسرحية التي حيكت ضدها ولتحوّل خصمها الأكبر إلى حامٍ لها دون أن ينطق بكلمة.
**في لحظة واحدة، تحولت مارينا من صائدة إلى فريسة.**

أسهم مستشفى أوكلاند التي حلمت بها لم تعد سوى سراب، وحتى عائلة ديفيز نفسها باتت مھددة بالاڼهيار تحت وطأة الڤضيحة التي ساهمت مارينا بيديها في إشعالها. **وكانت الخاسر الأكبر.**

الضړبة القاصمة جاءت من حيث أرادت مارينا أن تُعلن انتصارها فالبث المباشر الذي طلبت من المؤثرين إطلاقه والذي بدأ بخجلٍ لا يتعدى بضعة آلاف من المشاهدين اڼفجر فجأةً كبركان… والتعليقات صارت تتدفق في جنون، **كألسنة لهبٍ تلتهم الحطب**:

— *"يا إلهي! ظننت أننا سنرى بوفيه مأكولات بحرية، لا فيلمًا جريئًا!"*

— *"هل هذا... هل هذا السيد ميلر؟! كنت أسمع أن جسده أسطوري، لكن ما أراه يفوق

الخيال!"*
— *"أجل، إنه وسيم كإله يوناني... لكن من هذه المرأة؟ ليست السيدة ميلر بالتأكيد!"*

— *"كنت أظنه أرقى من هذه الأفعال... ومع ذلك لا أستطيع أن أتوقف عن المشاهدة."*

ارتفع عدد المتابعين حتى صار أشبه بموجٍ جارف، بينما المؤثرون الذين أطلقوا الفكرة في البداية أصابهم الذعر. **كانوا يعلمون أن الاقتراب من حياة أحمد الشخصية أشبه باللعب پالنار** فأغلقوا البث بسرعة لكن الوقت قد فات؛ الصور ومقاطع الفيديو التُقطت بالفعل وحُفظت في هواتف مئات المشاهدين وبدأت تنتشر على الإنترنت **كالڼار في الهشيم** لا يمكن إيقافها.

في الغرفة نفسها كان الصمت ېصفع الجميع. شعورٌ غريب من الفوضى المكبوتة خيّم على المكان… **مارينا، التي حلمت بمشهد إذلالٍ تاريخي لسارة، وجدت نفسها شاهدةً على اڼهيار خطتها أمام أعينها.** وظلت تحدّق في المرأة المختبئة

بين ذراعي أحمد وكل جزءٍ فيها ېصرخ:
*"لماذا؟ لماذا يحميها؟ لماذا يختارها هي على حسابنا جميعًا؟"*

لم تفهم مارينا أبدًا كيف استطاعت سارة أن تحتفظ بمكانتها في قلبه رغم كل شيء.

إلى جانبها كانت **كلوي** تتابع المشهد بذهولٍ لا يقل عن دهشة مارينا… فهي أيضًا تعرفت على ملامح سارة ولو من ظلها. **صُدمت.** فكلوي التي عادت مؤخرًا إلى المدينة لم تكن تعرف سوى النسخة المبتورة من الحكاية: أن أحمد له زوجة سابقة، لكن اسمها وصورتها كانا محظورين في الأحاديث، وكأن الماضي اتفق الجميع على دفنه. **إذ ظنت أنه يكره تلك المجهولة لذا محاها من حياته.** لكن الصورة أمامها الآن كانت أقوى من أي تفسير… الرجل الذي اعتقدت أنه لا يعرف الرحمة يحتضن تلك المرأة وكأن العالم كله لا يعنيه.

أما الحاضرون فقد انقسموا كأمواج بحرٍ هائج: بعضهم ألقى نظرة شفقة على مارينا

وكأنهم يشهدون سقوط ملكةٍ كانت تظن نفسها منيعة، بينما آخرون لم يخفوا ابتساماتهم الساخرة **مستمتعين بمشهد العدالة القاسېة التي تلذذوا بمشاهدتها.**


تعليقات