رواية البوص الفصل السابع عشر
 المصير المجهول
جلست فريدة بجوار عاصي بعربته وهي تشيخ بوجهها بعيدا عنه نحو زجاج النافذة، لا تريد التحدث معه منذ أن أحزنها يسبب ملك.
التفت إليها حائقاً، فهي تتجاهله منذ عدة أيام مرت قائلاً بضيق ممكن أعرف هتفضلي كده لغاية امتى
لم ترد على تساؤله وأمسكت أعصابها حتى لا تتحدث بما يغضيه أكثر فتزيد الفجوة بينهما أكثر من ذي قبل .... زفر بحنق مستطرداً بضيق فريدة أنا بكلمك من يكلم نفسي.
اطرقت براسها تحاول أن لا تواجهه ودعت ربها أن يكمل الطريق إلى كليتها دون أن ينفعل عليها.
لكن من الواضح أن صمتها الطويل هذا وتجاهله قد بلغ مبلغه فتوقف بالسيارة بعنف، حتى كاد أن يرتطم رأسها بمقدمة العربة.
قائلاً يسخط الأمنى هتعامليني المعاملة الزفت دي، رغم أن المفروض تقدري اللي أنا فيه. وخصوصا إنك عارفه الظروف التي يعيشها من بعد اختفاء ملك.
المسكت بحقيبتها بقوة تفرز أظافرها بها، تتأملها بحزن قائلة بخفوت عارفه و مقدره كل ده...... قاطعها بحدة قائلاً بضيق حاد لا ما هو باين فعلاً إنك مقدره اللي أنا فيه.
حبست دموعها رغماً عنها وقررت إنهاء هذا النقاش الغاضب بينهما قائلة بارتباك: أنا أسفه يا أبيه لو زعلتك من غير ما أقصد من فضلك وصلنى الكلية المحاضرة قربت تبدأ.
قبض بكفيه على عجلة المقود بغضب قائلاً بعصبية ماشي يا قريدة حسابك معايا بعدين ...... ما أن رأت فريدة صديقتها بالكلية حتى التحيت من البكاء الشديد، قائلة بوهن تعبت ومبقتش
قادرة اتحمل اللي أنا فيه.
احتضنتها بحنان قائلة بقلق طب اهدي وفهميني إيه اللي حصل يخليه ينفعل بالشكل ده.
رفعت أهدابها المبللة بالدموع قائلة بحزن: من ساعة ما ملك هربت والغير للأسوأ وكل حاجه بقت فوق راسي انا ومبقتش عارفه اتكلم معاه من غير ما يتعصب عليا، طب أنا ذنبي إيه في
اللي حصل.
رينت الفتاة على يدها قائلة بعطف أنا عارفه إن مش ذنبك حاجه بس اللي بيمر بيه بجد صعب جدا عليه.
تنهدت يحزن قائلة بصوت مخنوق مقدره كل ده ومتحمله عصبيته بس اللي حصل اخر مرة فاق كل غضبه وخصوصاً لما عرف بقصة الأجندة المحروقة.
صمنت صديقتها قليلاً قائلة بشرود يمكن خايف لتعملى زيها يا فريدة، تطلعت إليها بصدمة قائلة بدهشة بس هوا عارف كويس أوي ان مقدرش أسيبه مهما عمل.
رفعت الفتاة كنفيها عدم معرفة الدليل يتردد بردو بالتأكيد بحاجة بخاف يا مميزة الاختفاء اخته مش شوية علشان ما يعملش اللي بيعمله.
هزت رأسها بعدم التصديق قائلة بتفكير: طب اطمنه ازاي بس أنا عمري ما هعمل كده أبدا.
صمت صديقتها قليلاً ثم تحدثت بنيرة شاردة حاولي تقربي منه أكثر من كده.
عقدت حاجبيها بتعجب، تحاول أن تفهم معنى كلمات صديقتها قائلة باستفهام إزاي يعني ...؟ اومات رأسها بإصرار قائلة بهدوء انت مش بتحبيه حسسيه بشوية اهتمام وخليه يشوف إلك زعلانة وخايفة على زعله.
تراجعت بمقعدها قائلة باستفسار: إزاي بس وهوا مش طايقني تنهدت الفتاة قائلة: يابنتي افهميني عاصي عصبي صحيح لكن بيحبك أكيد وبيخاف عليك، طب هقولك ممكن تعملي ايه يبين كل اللي جواه غصب عنه.
تطلع إليها البوص بنظرات غاضبة ..... جمدتها في مكانها لا تقوى على الحراك ولا التفوه بأي كلمة أخرى.
جعلتها تندم على فعلتها .... قبض بغتة على ذراعها قائلاً بغضب: قوليلي بسرعة شوفتيها فين، ومين قالك عليها ... اتكلمي..
صرخة برعب والم قائلة بنيرة مرتجفة شفتها ..... شفتها ... قاطعها بعصبية مشدداً قبضته بإحكام قائلاً بانفعال: ما تكملي وتنطقي عرفتيها إزاي .....؟
انهمرت الدموع من بين رموشها الطويلة وذهبت كل الشجاعة أدراج الرياح .. وعادت كما كانت من قبل تشعر بالضعف كلما التقت به.
قائلة بذعر قلق : لما .... لما كنت... كنت حابستي في البدروم تحت سمعت صوت عياطها...... صدفة ولما خرجت منه بعد كده اتجرأت ونزلت وشوقتها من غير ما أي حد ياخد باله.
تحجر بصره على محياها لا تعرف بأي شيء يدير لها، ولا بأي أمر يفكر قائلاً بغلظة: بكل سهولة كده اتجرأتي ونزلتي تحت ..... وطبعاً دورتي على مصدر الصوت مش كده.
اومات راسها ببطء بالأيجاب تترقب بحذر ردت فعله التي تهابها دائما على أي كلمة تتفوه بها
ضيق البوص عيونه يتأمل محياها عن قرب قائلاً بحدة غامضة شكلي كده داعتك أكثر من اللزوم يا ملوكه وفهمتي كل تصرفاتي الذوق معاك غلط.
شعرت بكلماته مثل الدوامة تسحيها لقاع عميق لا تعرف إلى أين توصل بها ولا متى ستخرج منها بسلام إذا خرجت بالفعل مثلما تتمنى دائماً.
تطلعت إليه بكثير من التساؤل، ففهم ما يدور بخلدها قدم شفتيه بغضب قائلاً بتشفي: حذرتك قبل كده مش أنا اللي يتعمل معاه كده، ولا يتفتش وراه لأنه ببساطه محدش يقدر يعملها واللي بيعمل كده عارف مصيره معايا هيكون إيه.
جحظت عيونها أكثر وحاولت الإفلات من قبضته دون فائدة، انطلقت ضحكاته الغامضة، تملىء المكان متابعاً حديثه بتهكم: إذا كنت عايزه تقضي على حياتك الغالية في ثواني ابقي ادخلي في حاجه متخصکيش سامعاني يا قطة.
وقبل أن تستفيق من الربية التي انتابت جميع جسدها أزاحها بقسوة بعيداً عنها، مردفا بغلظة. وكتب الكتاب بكره يا حلوه زي منا قلت.... يا إما إذا كان مش عجبك كلامي ممكن أوي ألغيه ونقضيها عرفي زي ما كنت عايز ويبقى غصب عنك وتشوفي معايا اللي عمرك ما شفتيه.
تحجر بصرها على محياه القاسي وهزت رأسها بالنقي السريع الصامت..... تدافع به عن نفسها. فاستكمل كلماته المحذرة بلهجة أمره يبقى اوامري تننفذ وبس من غير حرف واحد زيادة. واحمدي ربنا انك لسه عايشه لدلوقتي.
اسرعت تهرع خارج حجرة المكتب، من أمامه ونبضات قلبها تخفق بعنف دون تفكير في كل تهديداته أغلقت خلقها الباب تحدق بالبطاقة الجديدة بشرود فيما تحدث به إليها.
قائلة برعب مفيش سفر يا ملك هيتجوزك يعني هيتجوزك وشكل كده كل ده مش هيعدي على خير.
أمسكت برقبتها بارتباك قلق تتخيل موتها على يديه كما ههددها منذ قليل، لهذا فكرت كيف ستخرج من هذه الورطة التي لا مهرب منها مهما فعلت كل ما في وسعها وبذلت قصاري جهدها فزواجها منه سيتم والانتقام آب لا محالة.
وقف فتحي أمام سهر يحدجها بنظرات صامته طالباً منها أن تتفوه بما تشعر به بعد مرور يومين على مجيء سليم إليها.
العجيب أنها ظلت على صمتها المتواصل منذ تحدثها إليه، لذلك ما زالت الدهشة تعتريه من جراء ما يحدث معها.
جلس بجوارها على الأريكة قائلاً بهدوء مفتعل : هتفضلي ساكته كده كثير، لم تحرك ساكنا وكأن عيناها قطعتي من الصخر لا حياة فيهما.
زهر فتحي بضيق متحدثاً بجدية : ممكن أعرف السكوت ده ايه لازمته دلوقتي.
اشاحت بوجهها بعيداً عنه، ثم نهضت من جانبه تريد الانسحاب بهدوء لكنه باغتها بإمساكه لها من مرفقها قائلاً بحنق رايحه فين كده من غير ما نتكلم.
سحبت يدها من قبضته ونظراتها الساخطة بصمت تريد الثورة عليه، وقف أمامها يكاد يلتصق بها قائلا بغضب مكتوم أنا هسيبك دلوقتي لان عارف كويس أوي أن من جواك نار عايزاها تنفجر في وشي لكن أنا هقدر بس انك تعبانة وهأجل الكلام لبعدين.
زاغ بصرها على محياه تحاول إمساك أعصابها جيدا مخافة من عصبيته عليها كلما تحدث إليها. تركها فتحي على هذه الحالة مغادراً المنزل.
تهاوت سهر جالسة على الأريكة واضعة كفيها على وجهها منهارة بالبكاء المكبوت داخل صدرها منذ أن أتى لها سليم الأنصاري.
قائلة لنفسها بانهيار حاسه إن ضايعة بين اثنين عمرهم ما سمعوا أنا عايزة إيه ولا نفسي في إيه ..... كل اللى يهمهم إن أبقى مطبعة ليهم وخلاص.
ارتجف جسدها من أثر الانفعال التي تشعر به فأحاطت خصرها بذراعيها... تحاول تجنب هذه النوية العصبية التي تعاني منها كلما انهارت نفسياً هكذا..
قائلة بوهن : أنا لازم ارتاح في سريري قبل ما اتعب أكثر من كده هبت من مكانها تسير بخطوات بطيئة نحو غرفتها.
تمددت على الفراش، بعد أن تناولت حبة دواء يهدأ أعصابها المتوترة، أغلقت عيونها تستعيد ذكرى وجود البوص أمامها وبطريقة مفاجأة.
قاتلاً ببطء: بلغني إنك عايزة تقابليني خير في حاجه ....!!! ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة تريد الثبات أمامه.
قائلة بخفوت قلق: ولسه فاكر ان طلبت اقابلك تنهد رافعاً أحد حاجبيه بتهكم وهو يجلس خلفه على مقعد واضعاً قدماً فوق الأخرى بكبرياء.
مجيباً تساؤلها بسخرية طبعاً في حد ينسى سهر هاتم اللي مشاكلها مبتخلصش، أطرقت ببصرها بضيق قائلة باضطراب ليه ... ليه جوزنتي افتحي من غير ما أعرف.
ابتسم بسخط من قولها قائلاً بعبث وهيه دي حاجه محتاجه استاذان .....!!!
عادت تطلع إليه بحدة قائلة بغلظة: ده جواز من لعبة ولا تكون فاكرني إني لعبة في إيدك توديها مطرح ما توديها وتجيبها مطرح ما تجيبها.
رفع سليم حاجبيه من هجومها المضحك هذا، متأملاً إياها بشرود قائلاً بتأني: يتصرفاتك دي خليتي نفسك لعبة في ايدي وفي إيد غيري .... ده غير اني معايا توكيل عام يخليني أعمل اللي انا عايزه...... فاكرة آخر مرة جبتك من شقة مين، إذا كنت ناسية أفكرك
أغلقت أهدائها متذكرة تلك الصفعة التي تلقتها على وجهها منه وسحبه إياها بدون أن يتحدث إليها إلى عربته.
أحرجت من هذه الذكرى الأليمة التي جعلها تستعيدها مرة أخرى، قائلة بصوت خفيض: انت السبب يا سليم.
زفر بحدة قائلاً يحتق أنا السبب إزاي ها ممکن تفهميني نهضت من مكانها لا تعرف بأي شيء تجيبه.
فقد اعتراها الأحراج من كذبها طال صمتها فلم ينتظر اجابتها على سؤاله مردفاً يسخط: طبعاً معندكيش إجابة السؤالي لانك عارفه كويس أوي انك كدابة وملكيش اني أعمل فيك غير كده والمفروض تشكريني اني جوزتك لواحد أحسن منك.
لمعت عيونها بالدموع من كلماته الجارحه لمشاعرها قائلة بألم : أنا مش هلومك يا سليم على كلامك أنا علوم الراجل اللي سافر وسابني الشيطان زيك يتحكم فيا زي ماهوا عايز.
وقف سليم بالقرب منها منفعلاً بداخله عن ما تقوله قائلاً بحدة غاضبة الشيطان ده اللي مش عجبك خلصك من واحد كان خلاص هيقضي عليك بعد ما والدك استنفذ معاك كل الحيل علشان يرجعك عن طريق غلط اخترتيه بنفسك ..... علشان كده وصاني عليك وسابلي حربة التصرف معاك
صرخت به قائلة بثورة : لأن هوا كان أحن واحد عليا... قاطعها بانفعال هذه المرة قائلاً بصوت
عالي: لأن دي كانت خطته من البداية، انه يوقعك علشان يوصلي ويقضي عليا، وطبعاً كان فتحي من ضمن بناء اللي كان رسمها.... بس مقدرش يوصل لي هوا يريده معايا وكشفت كل الاعيبة.
أحست كان كل ذكرياتها القديمة التي لا تحبها قد داهمتها وبقسوة من جديد، همست بعذاب: اشمعتي هوا منا طول عمري لعبه في إيدك وفي ايد غيرك.... من ساعة ما بابا أتخلى علي و سابني تحت وصايتك.
زفر بحدة يتأملها مجيباً إياها باختصار على العموم كل ده ميهمنيش كل اللي يهمني علاقتك دلوقتي بفتحي.
ضيقت بين حاجبيها بحنق قائلة بعصبية: طلقني منه زي ما جوزتني له ذم شفتيه بشدة قائلاً بغضب: مفيش طلاق واحمدي ربنا انه رضي يتجوزك بعد اللي عملتيه فيه.
ضمت ذراعيها فوق صدرها يسخط شديد قائلة بانفعال : يعني ايه هفضل مع واحد صورة مصغرة منك، ده غير إني مش طايقه أشوف أو اسمع صوته.
أغمض عيونه بضيق قائلاً ببرود: أيوة هتعيشي معاه غصب عنك مينفعش حد ثاني غيره في حياتك وهوا الوحيد اللي هيحافظ عليك من الطريق اللي كنت فيه.
اعتدلت على فراشها بعد أن توقف شرودها عن استعادة ذكريات ذلك اليوم الذي خسم فيه أمر عدم طلاقها من فتحي.
والدموع تترقرق في عيونها التي ذبلت من كثرة البكاء المتواصل منذ أن كان معها البوص ذلك الذي تطلق عليه لقب الشيطان والذي يتحكم بها طيلة الوقت....
فقط لأنه كان صديق والده منذ زمن طويل ..... قبل أن يتوفى .... ووصاه والدها عليها بشدة وقبل بذلك بترحيب شديد.
رغم أنها أكبر من سليم بخمسة أعوام.
بعد أن فشل في إرجاعها عن الطريق الخاطئ... تركها له وسافر بعد أن اطمئن عليها ... من أنه سيعتني بها رغما عنها.
فوجنت ملك بوقوف سليم أمامها يحمل عبوة كبيرة قائلاً باللامبالاة ده فستان كتب الكتاب......
عايزك تلبسيه
اتسع بصرها من الصدمة وقبل أن ترفض هديته، كان قد انصرف بهدوء مغلقاً باب غرفتها خلفه.
فاليوم هو عقد قرانهما التي تريد نسيانه ولكنه عاد وذكرها به مرة أخرى، الهمرت عبراتها أكثر وهي تفتح العبوة لترى الفستان الجديد، الذي يشتريها به.
زادت تلك العبرات وهي تتأمل جمال الثوب والذي لم تطفى أناقته وفخامته عن الحزن الذي يزداد بداخل قلبها.
لقد تمنت أن ترتدي ثوباً مثله يوم زواجها من أيمن الذي تهرب منها في الأونة الأخيرة قبل هروبها من شقيقها عاصي..... والذي لم تعرف عنه أي شيء، ومازال هاتفه مغلق إلى الآن.
قائلة لنفسها بوجع ليه يا أيمن تتخلى على وقت ما كنت محتاجه ليك ووقت ما قلتلك أنا مستعدة أضحي بأي حاجه علشانك انخليت عني وهربت مني.
مسحت دموعها سريعاً عندما أطرقت الخادمة على باب حجرتها قائلة: ادخلي يا انتصار...... تقدمت بخطوات بطيئة قائلة : اتفضلي اجهزي دلوقتي لأن المأذون جاي في الطريق.
ابتلعت ريقها بصعوبة شديدة قائلة بخوف: البوص اللي قالك كده، اومات الخادمة برأسها
بالموافقة قائلة: وانا هفضل معاك هنا علشان اساعدك.
نظرت إليها يصمت تقيل فها قد حانت اللحظة التي تهابها منذ عدة أيام ولت سريعاً عليها أن تبدو شجاعة، لكن الآن تأبى وترفض ذلك المجهول الحتمي لعلاقته بها.......
وضعت ملك كفها على جبهتها بحيرة وعذاب جديد فها هي ستكون زوجة ذلك المجرم بعد عدة دقائق، الذي بالتأكيد يدير لها انتقاماً يشفي غليله منها.
هامسة لنفسها على أد منا اللي طلبت ان جوازنا يكون رسمي إلا الي خايفة من مصيري المجهول معاه.
وقفت ملك بغرفة جانبيه والقلق والرعب ينهشان قلبها.... قبل أن تدخل إلى الغرفة الذي يوجد بداخلها المأذون كما أبلغتها انتصار بعد أن انتهت من تجهيز نفسها.
دخل البوص إليها في هذه اللحظة يتأملها بغموض، نام ممسكاً يدها في قبضته برقة مزعومة. بلغها حول نفسها مثل دمية جميلة يتفقدها من كل النواحي... يريد إلقاء نظرة أخيرة عليها باهتمام قبل شراؤها.
مما دب الذعر أكثر في اطرافها وجسدها الذي انتفض لمجرد لمسة كفه على يدها.
مدنياً رأسه منها بنظراته الجذابة قائلاً بهدوء مفتعل شكل كده كان اختياري للبضاعة في محله. ويظهر كمان ان حظي حلو أوي.
دق قلبها بعنف من نظراته وكلماته التي تحمل بين طياتها السخرية والعبث معا.... والتي هزت كيانها من الداخل على الرغم منها، مما جعلها تجذب يدها سريعاً من راحته ولم تقوى على الرد عليه.
حركتها تلك جعلته يتهكم منها أكثر فأردف بدهاء القطة الضالة اللي لقيتها بالشارع، بقت عروسة حلوة مش كده بردو ولا ايه .....!!!!
امتقع وجهها تحتاج إلى البعد عنه سريعا، واخفاء نفسها فنظراته الشيطانية تكاد تلتهمها ... تريد التراجع ولكن لا تستطيع فهذا مطلبها هي...... يبدت كأنها تمثال نقش من حجر... لجم لسانها ولم تعد تقوى على النطق.
ابتسم ابتسامة عذبة زداته وسامة بحلته الأنيقة ذات اللون الأسود الذي يرتديها من أجل تلك المناسبة.
عندما طال الصمت المميت بينهما تحدث هو قائلا بصوت مميز بالا بينا يا جميل على الماذون أحسن الأخرنا عليه وممكن يقلق ويمشي.
اتجهت معه صوب الباب بخطى ثقيلة كأنها ذاهبة إلى المشتقة كان إعدامها اليوم ...... على يد ذلك الرجل الذي سيعقد قرانها عليه، شعر سليم بذلك الرعب الذي يعتري قسمات وجهها الشاحب .... فابتسم بعيث.
جاذبا اياها من كفها المرتجف ليجعلها تتأبط ذراعه قائلاً بمكر: ما تخافيش مش هتعدمك النهاردة ...... لسه ليك عمر.
قال ذلك تم انطلقت ضحكاته الساخرة تملأ ارجاء المكان، اندلع الذعر أكثر في داخلها، وزاد وهي ترى المأذون وبصحبته ابراهيم ورجلان آخران
يحضران عقد القرآن.... أشار سليم إليها بيده کي تجلس في مكانها بالقرب منه، وبجوارهما على الناحية الأخرى المأذون.
ظهر الرعب متجليا على وجهها، وهي تحدق في جميع الوجوه التي نقض الطرف عنها رغماً عنهم.
حتى أنه أحس بذلك فقال بجدية: اتفضل اكتب الكتاب على طول ابراهيم هيكون وکیل العروسة.
أخرج الوكيل بسرعة بطاقته الشخصية، والرجلان الآخران هما الشهود.... مر الوقت عليها وهي ما بين الشرود تارة والخوف من المستقبل تارة أخرى.
جاءت عند إمضاؤها على العقد وتوقيعه بإسمها ..... شعرت بالدموع تتساقط على قسيمة الزواج امامها دون سابق إنذار... فاختل القلم بيدها من أثر ما تعيشه من رهبه.
حدجها البوص بنظرات نارية غاضبة تحذيرية .... كأنه ينبهها ألا يحدث ذلك مرة أخرى.....
أسرعت إلى محو دموعها من على وجنتيها .... واستكملت توقيعها على باقي القسائم .... رغماً
تناول سليم القلم منها باللامبالاة غير أيه لما تعيش في هذه اللحظات الحزينة بالنسبة لها.
جاء دوره هو الاخر كي يقوم بنفس ما فعلته ملك من امضاء القسائم، فارتسمت ابتسامة تشفي
على شفتيه
وهو يرمقها بنظراته الخبيثة، ثم قام بالتوقيع بإسمه هو الآخر وعند آخر ورقة في القسائم قبل أن يقوم بالأمضاء الأخير.
قام شخص ما يقطع هذه اللحظات عند حافة الباب..... قائلا بسخرية لاذعة: يظهر كده إلي جيت بوقت غير مناسب ولا إيه.
دخل فتحي غرفة زوجته سهر فوجدها نائمة .... تأملها قليلاً ثم خرج من الغرفة متجهاً إلى المطبخ، قام بصنع فنجان من القهوة له على الموقد.
بعد قليل خرج من المطبخ صوب الردهة الجالس ليجلس بها، فهو قلق إلى حد ما على سهر التي. ما تزال على صمتها منذ ان رات سليم ابن عمه بفته.
جلس على الأريكة شارد الذهن رغماً عنه فيما الى إليه حاله الآن.... زوجاً لإمرأة رغما عنها... فقد وافق على الزواج بها على أمل اصلاح أحوالها ..... لكن العكس هو الواضح.
الغمض عيونه بنفاذ صبر قائلاً لنفسه بضيق: الأمني هتفضل كده يا فتحي تحب واحده عمرها ما حست بيك، ولا بالنار اللي جواك....
ارتشف قليلاً من القهوة، ثم وضعه على على المنضدة امامه ..... هب فجأة من مكانه عندما تناهى إلى سمعه صوت صرخاتها كان هناك شيء ما يفزعها من نومها.
هرول ناحية غرفتها سريعاً، وجدها في حالة من الخوف والهلع، احتضنها بشدة كي يهدأ من روعها قائلاً بقلق: اهدي خلاص مفيش حاجه حصلت.
ارتعشت بین ذراعيه برجفة شديدة جعلتها تقول بنفس منقطع أنا ... أنا ... خ... خا... خايفة يا
فتحي.
تنهد قائلاً بتوتر : مفيش حاجه تخوف اهدي كده وأنا معاك أهوه مش هسيبك، ثم قام بأخذ كوب من الماء وتاولها إياها.
ارتشفت منه ونظراتها الزائفة عليه..... تأملها قليلاً ثم عاد واحتضنها قاتلاً بخفوت: أحسن
دلوقتي... ولا اتصل على الدكتور.
هزت رأسها رافضة بسرعة قائلة بنيرة مرتجفة: لا لا أنا بقيت كويسة بس متسبنيش نايمة. لوحدي.
تنفس بعمق واضعاً كفه على شعرها قائلاً بهدوء ظاهري: متقلقيش مش هسيبك نامي وانا جنبك.
اعتدلت في الفراش وتمددت به علها تنام، لكنها فعلت شيئاً لم يكن يتوقعه فقد احتضنت يده وأغمضت أهدابها .... كأنها تطمئن نفسها أنه موجود بجوارها ولن يتركها.
تطلع اليها بوجه ميهم لا يعرف لماذا فعلت ذلك أهي تريد أن تطمئن نفسها بوجوده أم هي بحاجة إليه بالفعل.
غفت عيونه بجوارها من عدم نومه المنتظم الأيام الماضية مستنداً بظهره على مسند الفراش. انتبه لنفسه بعد حوالي ساعة فالتفت إليها فوجد ذراعه مازالت تحتضنه رغم تململها في نومها.
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يحدجها بنظراته الحائرة ... فهي مازلت تسكن هذا القلب الذي لم ينساها يوماً بالرغم من شده جراحها له.
افاق من من شروده على صوتها الخافت تناديه بقولها : فتحي... أجابها بقلق: ها فيك حاجه أطلبلك الدكتور.
أغمضت بصرها تذرف دمعة حزينة قائلة بهمس : لا مش عايزة دكاترة زهقت منهم.
زهر بحرارة قائلاً: طب هجيلك أكل بسرعة علشان تاكلي وتاخدي العلاج ... كادت أن ترفض لكنه نهض من جوارها كي لا تعترض من جديد على اوامره.
تناولت القليل من الطعام بالحاج وتصميم منه، ثم أخذت الأدوية التي تنتظم على أخذها باستمرار.
ظهر بعدها على ملامح وجهها التردد فسألها فتحي بدهشة: في حاجه ولا إيه، أشاحت ببصرها بعيداً عنه قائلة بصوت خفيض : أنا بس عايزة أطلب منك طلب وياريت متر فضوش
شمل وجهها بنظراته القلقة والمتسائلة قائلاً باستفسار: طلب إيه ده قوليلي، ضغطت باستانها الأمامية على شفتيها يملؤها الأضطراب قائلة بنفس النبرة نفسي أخرج بره زهقت من الحبسة اللي انا فيها دي..... حاسة اني محتاجه لده أوي.
فكر برهة ثم أجابها بتساؤل : وعايزة تخرجي تروحي فين تأملته هذه المرة بأمل قائلة: أي مكان تختاره بس انت توافق.
تنهد بحيرة هذه المرة مجيباً إياها ببطء: طيب سبيني أفكر، تهلل وجه سهر ما أن نطق بعبارته المختصرة وهبت من مكانها وألقت بنفسها بين ذراعيه دون وعي منها تريد الشعور بالأمان.
ولج عاصي إلى مكتبه يستكمل بعض أعمال عندما دخلت اليه فريدة وعلامات الخجل تبدو على ملامح وجهها ..
رفع بصره إليها قائلاً بتعجب خير إيه اللي جابك مش كنت رافضة تكلميني.
اقتربت بخطى بطيئة قائلة بتوتر: أنا أسفه يا أبيه مش هعملها ثاني، عاد بظهره في مقعده إلى الوراء يتأملها باندهاش.
قائلاً بسخرية غربية يعني فريدة بتعتذر دي قليل لما يتحصل وان حصلت بيبقى من خوفك متي
ظهر التردد جلياً على وجهها بعد هذا الأسلوب الفظ في التعامل معها، وكانت تعود أدراجها لولا تذكرها لكلمات صديقتها.
از دردت لعابها بصعوبة قائلة بخفوت مضطرب أصل ..... أصل حسيت إلى زودتها.... والمفروض اني اتحملك أكثر من كده .... علشان الظروف اللي بتمر بيها
ضيق حاجبيه بشدة متعجباً من تلك البريئة ومن تصرفاتها التي تدهشه قائلاً بجدية: طب روحي اعمليلي فنجان شاي وهاتيه بسرعة.
ركضت خارج الغرفة دون تفكير يذكر.... مسرعة بتلبية طلبه تنهد عاصي بضيق مصحوب بنفاذ صبر متسائلاً عن السر وراء هذا التغيير.
عاد إليه بفنجان الشاي ووضعته أمامه على المكتب، قائلاً بلهجة مقتضبة متشكر ممكن بقى تروحي تذاكري علشان عايز اشوف شغلي.
اومات برأسها بالموافقة لكنها قالت بهدوء مفتعل هذاكر طبعاً بس هجيب حاجاتي وهذاكر جنبك هنا في المكتب.
ضاقت عيونه كالصفر الذي يحدد من أي اتجاه يلتهم فريسته مما جعل قلبها ينتفض بقوة من الفزع، فقد ألفت جمتلها بطريقة مفاجأة قبل أن تتراجع عن موقفها من اتفاقها مع صديقتها
بالأمس.
رفع حاجبه مستكراً بقوله الساخر غربية يعني منا طلبت منك قبل كده تيجي تذاكري هنا قصادي كذا مرة، اشمعنى المرادي
أطبقت كفيها بارتباك شديد قائلة بتردد: عادي المرادي قلت أغير المكان علشان حتى إذا وقفت قدامي معلومة حضرتك تقولهالي.
رغم شعوره بالشك من ناحيتها إلا أنه قال ببرود خلاص روحي هاني حاجتك وتعالي.
أغلقت خلفها الباب باب حجرتها مستندة إليه، واضعة كفها فوق صدرها الذي يعلو وينخفض رغماً عنها فهي تفعل كل ذلك والخجل يعتريها كي تنفذ خطتها قبل أن تتردد مرة أخرى.
جمعت اشیاءها سريعاً ثم هرولت إلى الأسفل عائدة إلى مكتبه، تجاهلها عاصي متعمداً ذلك.
جلست بإحباط على طاولة متوسطة الحجم ..... تستذكر دروسها حاولت أن تستجمع أفكارها جيداً حتى لا تشرد به.
بعد ساعة تقريباً وضعت يدها تحت دقتها تنامله بهيام مضحك ..... ناسية كل شيء عداه هو، تنظر له وهو يعمل على بعض التصاميم المطلوبة منه في عمله.
وتركت مذاكرتها ودون أن يرفع بصره عن الورق أمامه قال ببرود ولا مبالاة: السرحان ده مش في مصلحتك امتحاناتك قربت.
أحرجت فريدة من كلماته لها وعادت إلى النظر من جديد فيما كانت تفعله، وقلبها يخفق بقوة بارتباك
مما جعله يؤثر على تركيزها فلملمت أشياؤها وقررت الصعود إلى غرفتها دون أن يشعر بها، فهو كل اهتمامه ينصب على عمله..
جاءت لتخرج من الحجرة ناداها قائلاً بحدة على فين ماشية كده، امتقع وجهها وتيبست في مكانها دون حراك..... فهو إذن يراقبها من طرف خفي ويظهر لها الجمود.
قائلة بنبرة مرتجفة: رايحه أذاكر في اوضتي.... زفر بسخط قائلاً: مش انت اللي طلبتي تذاكري هناء اندرت لعابها قائلة بتوتر : صحيح بس... بس ... علشان يعني تبقى بحريتك.
هتف بها بحنق: هوا انا كنت اشتكتلك ايه تصرفات العيال بتاعتك دي.... شعرت بأنها ستنهار أعصابها من هذه العبارة الجارحة وقررت الدفاع عن نفسها.
مجيبة إياه بضيق بس أنا مش عيلة يا أبيه أنا عندي ١٩ سنة منيش لسه طفلة زي زمان.
عقد حاجبيه والغضب يحتل عيونه التي تحدقان بها يغيظ تم اقترب منها بخطوات مهددة مما جعلها تدرك أن تخطت الحدود هذه المرة، فكلما يخطو نحوها تتراجع إلى الوراء بخوف.
إلى أن التصقت بظهرها للباب ... ولم تستطع التحدث وهو يقف أمامها يكاد يلتصق بها، وحدت نفسها تغلق رموشها بقوة.
وهو مازال يحدجها بنظراته النارية قائلاً بعصبية من امتى وانت بتردي عليا ها.
ارتفعت دقات قلبها في ربية قائلة بارتباك أنا ... أنا أسفه، تنهد بعصبية قائلا بحدة: مش بقولك عيلة... نفس الحركة دي بتعمليها من وانت طفلة لما تعرفي انك غلطانه.
فتحت أهدابها ببطء وتلاقت عيونهم وظهر الذعر بهما فهي لن تصل إلى قلبه طالما مازال يراها كالطفلة الصغيرة ... تود الهروب إلى غرفتها.
زفر بحنق صامت، قائلاً يضيق على أوضتك يا فريدة بسرعة قبل ما ارجع في كلامي.
ضمت كتبها إلى صدرها قائلة بتساؤل مرتبك: يعني خلاص مش زعلان مني، هز رأسه بطريقة مبهمة لم تفهمها خصوصاً أنه ابتعد عنها وأولاها ظهره.
فاقتربت هي منه ووقفت أمامه قائلة: يعني مردتش عليا يا أبيه، رفع حاجبه بتهكم قائلاً بسخرية عايزاني أقول إيه ... أقول الي خلاص مبقاش ليه قيمة هنا في البيت ده... وبقيت
بتستهوني بكلامي.
هزت رأسها سريعاً نافية عنها هذا الاتهام القاسي قائلة بلهفة: أنا مقدرش أعمل كده ولا أقدر اعارضك في يوم من الأيام.
لم يرد عليها إنما تلاقت ابصارهم في نوع ما بين الحيرة والعذاب.
تتأمله برجاء أن يسامحها على ما بدر منها ... ويرى ذلك الحب الدفين في عيونها دون أن تعبر عنه بكلمات تحرجها أكثر من ذلك.
أما هو شارد الذهن في تلك الصغيرة التي كبرت يوماً بعد يوم ، وها قد بدأت في معارضته دون ان تهابه مثلما كانت طفلة.
تنهد بضيق قائلاً بلهجة حادة: ما بردو كانت ملك بتقولي نفس الكلام وهريت... وطلعتي مخبية علي حاجات كتير أوي انا معرفهاش في حرقها للأجندة.
ابتلعت ريقها الذي جف ببطء قائلة بخفوت مضطرب: انا غيرها صدقني .... وكنت خايفه عليها
مش اكثر.
هتف بها بشدة قائلاً بغضب: طبعاً منا يقيت الوحش الكاسر دلوقتي مش كده
هزت رأسها بسرعة كبيرة نافية ما قاله... وقبل أن تحدثه قال لها بغلظة: اوعي تكدبي فاهمة كلكم زي بعض الهروب في دمكم وراثة.
بهت وجهها بشدة من جملته ... فها هو يتهمها من جديد بسبب ملك ولكن ماذا يقصد بكلمة وراثة.
لم تجرؤ على أن تستفسر منه فوجهه لا يبشر بالخير .... وودت لو أبلغته وتطمئن قلبه أنها بالفعل لن تستطيع تركه أبدا مهما فعل.
أخرجه من تطلعه إليها صوت رنين جرس باب المنزل ..... تنهد يسخط قائلاً بنبرة حادة ثواني هشوف مين ورجعلك.
زفرت فريدة بارتياح نوعاً ما بعد انصرافه بعيدا عنها، خوفاً من بطشه.... فتح عاصي الباب ولم يجد أحدا... فتعجب في نفسه، مط شفتيه بضيق وجاء ليغلق الباب مرة أخرى.
إذ فوجئ بوجود مظروف من الورق فلقى على الأرض ... انثنى عاصي قليلاً وتناوله بدهشة.
أغلق الباب وفتحه لیری ما به..... اتسعت مقلتيه على آخرهما من وجود ما يحتويه المظروف الورقي.
رمق فريدة بنظراته الغير مريحة متأملاً لها بوجه ميهم لا يعرف أيصدق ما رأته عيناه... أم يكتبه فهو يكفي ما يمر به من مشاكل هذه الأيام ليزيد ذلك من عيبا على كاهله من جديد.
ابتعاث فريدة ريقها يصعوبة بالغة..... يرتجف قلبها بريبة قائلة بخفوت في حاجه يا أبيه. أغمض أهدابه بقسوة شديدة دون أن ينظر إليها ولا يجيب تساؤلها الخالف.
اقتربت منه تحاول معرفة ما به من غموض مفاجئ
قائلة بتوتر الظرف في ايه يا أبيه، بوغتت به تلقيه بوجهها بقوة.
قائلاً بلهجة يشوبها الغضب خدي شوفي فيه إيه.
