رواية البوص الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم يمني عبدالمنعم


 رواية البوص الفصل الثالث والعشرون 

 الصدمة

قطعت أيتن وعد بينها وبين نفسها أن تتسبب في طلاق سليم وزوجته ملك مهما كلفها الأمر.

بعد لقاءها الأخير به رد عثمان على اقتراحها أيتن مدخليش مراته في المشاكل اللي بينا إحنا مش ناقصين.

رفعت حاجبها الأيمن ساخرة بإسلوب حاد قائلة بتهكم ومن امتى بقى الحنية دي ان شاء الله .... ولا تكون خايف على نهلة.

زفر بضيق متذكراً وجهها الطفولي، اشاح وجهه بعيداً قائلاً بلهجة جامدة: مدخليش نهلة هيه ملهاش ذنب في كل اللي بيحصل ده.

جلست واضعة قدم فوق الأخرى قائلة ببرود: ولما انت شايل همها أوي كده دخلت مامتها السجن ظله ليه ها.

ضرب بقبضته يغضب على المكتب الذي يقف بجواره، هاتفاً بحدة قلتلك ميت مرة اقفلي على الموضوع ده و بردو مفيش غيره.

خدمت من انفعال عثمان عليها بهذه الطريقة المهيئة، قائلة بجفاء:

لازم ارد بكده لان رد فعل مني طبيعي بعد كلامك اللي كله حنية.

اعتدل بوقفته وسط الحجرة ومسح يكفه على وجهه، واليد الأخرى حول خصره، والغضب يثيره أكثر.

مجيباً إياها بقسوة: أنت بتتكلمي كده كانك مش السبب الرئيسي في دخولها السجن، ولا شكلك السيتي مين اللي مضاها بالعافية على شبكات بدون رصيد.

تنهدت بضيق شديد من اسلوبه في الحديث إليها ... مرددة بقوة كله ده بردو كان من تخطيطك انت

علشان تخلص منها قبل ما تخير أخوك بكل حاجه عرفتها.

صمت برهة من الزمن متذكراً وجهها، وهي تجابهه بحدة، بعد أن علمت بما فعله الشقيقه سليم من ظلم كبير اقترفه بحقه، مهددة إياه بأنها ستبلغه بكل ما عرفته.

التفت إلى أيتن الساخطة عليه قائلاً بلهجة جامدة وكانت فكرة مين ها قوليلي... صحيح انا خططت بس الشيكات كانت فكرتك انت... علشان متجيبش سيرتك البوص.

وقفت امامه مباشرة مشيرة إليه باصبعها بغضب هامسة بصوت قاس: اوعى تنسى نفسك وانت بتكلمني، انت بالذات أول واحد خدت عهد الأخوة مع أخوك.... باتفاقك عليه مع أدهم الشرقاوي.

هتف بها بانفعال: مش كفاية بقى خلاص أنا عارف كويس أوي مين فينا اللي خاين، ثم إن إنت

مش أقل خيانة مني... لما لعبتي على سليم دور الحبيبة وفي الآخر طعنتيه في ضهره.

جحظت حدقتيها من عصبيته عليها بهذا الأسلوب الحاد من جانبه، ثم أشاحت يبصرها بعيداً في

الفراغ أمامها.

لا تريد تذكر كل هذا فهي لم تكن تفكر إلا بنفسها وبمصالحها الشخصية هكذا هي دائما.

لذا ردت عليه يضيق عثمان انا مش موجوده هنا علشان افتكر الماضي، أنا قابلتك بس علشان أشوف حل لكل اللي احنا فيه.
تنهد بحدة مبتعداً عنها مفكراً في كلماتها الأخيرة، قائلاً بلهجة جامدة: تمام يبقى شوفي حل بعيد عن ملك مراته مفهوم.

تأملته شذرا والسخط يعتريها من الداخل ... متمسكة بصمتها المخيف، ونظراتها المبهمة بعثمان.

مما جعله يكمل حديثه بجفاء ايتن ياريت كلامي يتنفذ واعملي أي حاجه تكون بعيدة عن مرات سليم.

ابتسمت ابتسامه ماكرة، تعامله بعيون ساخطة تحاول أن لا تظهره، اتحنث لتأخذ حقيبة يدها من فوق طاولة صغيرة.

قائلة بأسلوب ماكر طب ابقى استعد لحاجه عمرها ما هتخطر على بالك ابدا.

ضيق عثمان حاجبيه قائلاً باستفسار هتعملي ايه ..... ضحكت ضحكة عالية أخرجت بها، ما بداخلها من حيث ماكر.

قائلة باستهزاء: مش لازم تعرف دلوقتي ... غادرته بعدها وبصره يتابعها بذهول من ذلك البرود والحيث الممثلة به.

شعرت ملك بالحيرة في أمرها بعد أن غادرت المرحاض.... وعن أي ورطة وقعت بها، لم تكن تعلم بأن زواجها منه سيحدث ذلك ويمثل هذه السرعة، خصوصاً من هذا الشخص المهددة حياته بالمخاطر.

جلست على السرير تفكر ماذا عليها أن تفعل، هل تخيره بالأمر أم تصمت أم تحاول الهرب من هذا السجن الموجودة بداخله مثل عصفور بين جنبات قفص من حديد يريد القرار لكن لا يعرف إلى این

وضعت يدها على بطنها غير مصدقة أنها حامل منه بالفعل، أم أنها مجرد أوهام و خیالات ليس اكثر كم تمنت ذلك بالفعل.

لكن ماذا عن ردة فعله هو .... بمجرد أن لاح ذلك بطيف خيالها، تصيب جبينها بالعرق سريعاً على الرغم من جو الغرفة لم يكن حاراً هكذا.

وضعت قبضتها اليسرى على فمها ودموع مقلتيها تنهمر دعراً مما سوف تلاقيه على المدى البعيد، حاولت تهدأت نفسها بقولها لنفسها: اهدي يا ملك وخدي نفس عميق كده وحاولي متبينيش أي حاجه دلوقتي عليكي كفاية اللي انت فيه.

اتي سليم قرب المساء على غير عادته .... فقد اعتادت ملك على رجوعه بوقت متأخر.

لكن اليوم أني مبكراً لا تعرف ما السبب وراء ذلك..... حارت في أمرها من جديد كيف ستبلغه بما تأكدت منه اليوم.

لكن همست لنفسها بتصميم استحالة يعرف دلوقتي أنا مش عارفه رد فعله عليا هيكون عامل إزاي

قررت عدم إبلاغه ورغم ذلك التوتر لا يتركها لحال سبيلها، تركت الغرفة قبيل مجينه إليها سريعاً، ذهبت إلى حجرة نهلة كأنها تختياً بها.

وجدتها تلعب بأشياءها بمفردها، تهلل وجه الطفلة فرحاً لمجينها، جلست معها تداعبها كي تنشغل عن التفكير الكثير به هذه الأيام.

تأملتها ملك بشدة ... وجدت الشبه كبيراً بين الطفلة والبوص سألتها بترقب: أنت تعرفي مامتك يا نهلة شوفتيها قبل كده.

صمتت لا تعرف كيف تجيبها فهي تتذكر تفاصيل أقل ما كانت تتمناه، لكن رغم ذلك تتذكر ذلك الحضن الدافئ التي كانت تغير به عن حنانها.

فهي محرومة منها منذ عدة أعوام وتتمنى رؤيتها من جديد، كررت الأولى سؤالها.

مما جعلها تقترب منها قائلة بخوف: أنا ... أنا بصراحة افتكرها أه بس شكلها مش أوي لكن يفتكر تصرفاتها معايا كانت عامله ازاي.

أدركت ملك في هذه اللحظة أنها لابد أن تطمئنها حتى تروي لها تفاصيل كل شيء مرت بها عبر السنين الماضية.

سألتها بهدوء تحتضن إياها بود كي لا تخشى شيئاً طب قوليلي كل حاجه تفتكريها ويمكن أقدر أساعدك

تأملتها الفتاة ببصيص أمل صغير يتجدد بداخلها ... هاتفة بسعادة انا موافقة هحكيلك على كل حاجه افتكرها بس ارجوكي يا طنط وصليني بماما نفسي أعرف مكانها فين.

ربتت على ظهرها بحنان دافق قائلة بثقة عالية أكيد مساعدك يا حبيبتي علشان توصليلها.

بدأت الطفلة بسرد تفاصيل صغيرة عن طفولتها وعائلتها وكل ما عاشته معهم وكل هذا تظن أنها ابنة سليم الأنصاري فكان قلبها يدق بسرعة من تخيلها أنه مع امرأة أخرى غيرها، ورغم ذلك كانت تصنت إليها باهتمام بالغ.
إلى أن وصلت بالحديث أنها بيوم ما من ثلاث سنوات كانت نائمة، وأتى إلى سمعها صوت صراخ عالي، خرجت وقتها من غرفتها رأت والدتها تتوسل إلى شخص ما قائلة: انا مظلومة معملتش حاجه ... انا ما مضتش على ....

هنا تدخل صوت غاضب قائلاً بنبرة حادة نهلة ..... أفلتت الفتاة كلماتها من فمها قاطعة ما كانت ستتفوه به

مبتعدة بتلقائية عن حضن ملك بذعر لم تشهده من قبل على وجه هذه الطفلة البريئة.

رفعت يصرها إليه وجدته واقفاً بشموخ عند حافة الباب لا زال بثيابه لم يستبدلها بعد.

ارتبكت ملك من نظراته التي يرمقها به شذرا، كأنها تخترقها من الداخل.

أشار إليها بمغادرة المكان ..... ظهرت الرعب على وجه الصغيرة.... وقفت بالقرب منها تريد أن تصطحبها معها.

لكن سليم بادرها بإمساكه إياها من ذراعها مانعاً لها من الوصول إلى نهلة.

قاتلاً بحزم كلمة ثانية مش عايز اطلعي على اوضتك فوق.

حاولت التحدث دون رهبة منه، ونظرات عيونها تشتعل غضباً منه، قائلة بحدة سليم أوعى تزعلها أكثر من كده... اسكنها بنظرة قوية احتد بها عليها

أطرقت بأهدابها الطويلة أرضاً شاعرة باضطراب داخلي أمام نهلة الطفلة البريئة الذي ليس لها أي ذنب فيما عاشته ونحياه إلى الآن.

جلست فريدة تستذكر دروسها كالعادة فقد تركت لوقت مؤقت خلافاتهما جانباً كما أوصتها صديقتها بذلك.

ارتدى عاصي ثيابه يريد تناسي ما حدث بالأمس، هبط للإفطار قبل ذهابه إلى العمل جلس يتناول طعامه سريعا.

كان سينادي عليها لكنه قام بتغيير قراره وبدلاً عن ذلك جعل زينب تجليه إلى غرفتها بالأعلى. تأكد من ذلك ثم عاد إلى إفطاره مفكراً في عقابه لها الذي مر عليه خمسة أيام .... كأنها لخمسة أعوام فهو لم يقطر من غيرها من قبل ورغم ذلك لم يرق قلبه لها حتى لا يتشاجران من جديد كما يفعل معها دائماً.

في حوالي الساعة الرابعة عصراً نهضت تضبط نفسها قبيل مجينه حتى لا يلاحظ تعبيرات وجهها المجهدة، رغم أنه يأتي في المساء ولكن خشيت مجينه مبكراً مثلما فعل أمس.

استمعت إلى صوت صرير سيارة بالخارج... اقتربت من النافذة بترقب تشاهد هل هو من أتى بالفعل أم لا.

عقدت حاجبيها بذهول عندما رأت تلك الفتاة التي قد أنت من قبل، انتقض قلبها بشكل تلقائي بمجرد ان لمحت وجهها الخبيث على الرغم من جمالها الواضح.

ابتعدت عن النافذة في الحال واضعة كفها على صدرها، الذي ازدادت خفقاته، متساءلة بداخلها العديد من التساؤلات عن السبب وراء قدومها من جديد إلى هنا

اسرعت تقوم بتغيير ثيابها حتى تستطيع ملاقاتها بنبات وثقة بالنفس، أكثر من ذي قبل... أنت إليها الخادمة تقول باحترام الانسه ايتن منتظرة حضرتك تحت.

اومات برأسها بالإيجاب تشير إليها بالانصراف أخذت نفساً عميقاً قبل الهبوط إلى الأسفل وارتداء ثياباً أنيقة كي تزيدها ثقة بنفسها.

وقفت آيتن تتلفت بارجاء حجرة خاصة بالضيوف بانتظار نزول ملك من الأعلى... وقفت أمام صورة البوص تعامله يعيون ما بين الماضي والحاضر تنهدت بحدة هاتفة بنفسها بلوم: إنت السبب إنه يضيع من ايدك.

هزت رأسها تنفى عنها ذلك متابعة لنفسها باعتراض بس مكنتش أعرف إنه هيبقى بالوضع المادي اللي عليه دلوقتي ولا بالسلطة والمكانه اللي بقى فيها.... وإلا مكنتش أسببه يضيع من إيدي.

أشاحت بوجهها بعيداً عن الصورة الموضوعة بداخل پرواز ذهبي فوق مكتب صغير، وجدت فتاة صغيرة تدخل إليها بالخطأ... على الفور أيقنت أيتن أنها إبنة عثمان.

ابتعدت نهلة عنها بتلقائية قائلة بخجل: أصفه كنت أحسبك طنط ملك الموجودة هنا..

لمعت حيث تجددت من جديد بداخل عيونها، عندما رأتها قائلة بمكر: انت بتكوني نهلة مش كده.

ارادت الفتاة الخروج من الحجرة دون أن تجيبها على تساؤلها، اقتربت منها أيتن على الفور قائلة بلهفة خبيثة: إيه يا حبيبتي مالك خايفة مني ولا ايه.

تطلعت الفتاة إليها بقلق لم تعهده في نفسها من قبل، لكن ملك هي من أجابة تساؤل أيتن قائلة بصرامة نهلة هتخاف منك ليه ...
ابتسمت ابتسامة ساخرة ظهرت بوضوح على محياها، ثم رفعت أحد حاجبيها بمكر قائلة

باستهزاء: هوا سليم جايبك هنا علشان تكوني مريبة ليها ولا إيه.

أشارت ملك الطفلة كي تنصرف، لم تدر عيونها عنها إلا عندما تأكدت أنها دخلت إلى غرفتها.

قائلة بصرامة: واضح جداً إنك مش جايه علشان نهلة في ممكن أوي تقولي اللي عندك.

جلست ايتن على الأريكة واضعة قدم فوق الأخرى بكبرياء وعيونها على صورة سليم.

الموضوعة داخل الإطار الذهبي قائلة باستخفاف: أكيد أنا جايه علشان عاملة على مصلحتك..

ضحكت ملك هذه المرة بسخرية بالغة، وهي تضم ذراعيها إلى صدرها قائلة بتهكم وواحدة زيك هتعمل على مصلحتي ليه بقى هوا احنا كنا أصحاب مثلاً.

هزت أيتن رأسها بالنفي قائلة بهدوء شديد أكيد يعني من بالمعنى الحرفي إننا أصدقاء بس بجد أنا عامله عليك وجايه أنورك.

زفرت ملك بضيق هذه المرة، ثم اقتربت منها ببطء قائلة بحزم انسه أيتن من فضلك لو عندك حاجه مهمة تقوليها قوليها يا إما ممكن تتفضلي على برا.

ابتسمت باستهزاء وهي تهب من مكانها ووقفت أمامها مباشرة ثم فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها ورقة صغيرة مطوية إلى نصفين قائلة بحيث سبحان الله أهو المفروض كنت أنا أكون هنا مكانك مرات سليم الأنصاري... لكن الحظ خدمتي و......

قاطعتها ملك بحدة قائلة بصرامة من فضلك مفيش داعي للكلام ده دلوقتي وقولي اللي عندك يا إما تتفضلي تمشي.

تأملتها بالامبالاه قائلة بغضب ميطن عارفه بعد اللي عرفته امبارح حمدت ربنا إني مش مكانك عارفه ليه علشان اللي في الورقة ده.

أمسكت ملك أعصابها حتى لا تلقيها بالخارج رغم قلقها من كلماتها الأخيرة، والتي لم تفهم منها

أي شيء، هاتفة بها اللي أنا فيه ميخصكيش في حاجه وكفاية بقى.

فعلت أيتن كل هذا حتى تستفذها أكثر وكي تخبرها بالخبر الذي سيزلزل كيانها كله قائلة ببطء: حقيقي اللي انت فيه يتشفق عليكي بسببه بس أرجع وأقولك إيه حقيقي انت مسكينه وأوي كمان وللأسف وقعتي في طريق واحد مبيعرفش الرحمة.

كادت ملك تنهرها بالكلمات لكن بدلاً عن ذلك أشارت بيدها ناحية باب الحجرة كي تغادرها بصمت، وبالفعل مشيت ايتن نحو الباب ووقفت بالقرب منه.

قائلة بسخرية ممكن أوي تقري الورقة دي وهتفهمي ليه أنا عامله على مصلحتك.

صرخت بها هذه المرة بعنف اطلعي برا ومش عايزة أشوف وشك هنا تاني مفهوم، ألقت الأخرى بالورقة فوق المكتب ومعها بطاقة صغيرة.

قائلة بالامبالاة: وده الكارت بتاعي يمكن تحتاجيه في حاجه لما تعرفي الحقيقة..

نظرات الحقد والكره تبادلاها قبل خروجها من المكان، شعرت ملك باليأس يعتريها من هذه الحياة البغيضة التي تكرهها.

هامسة لنفسها بضيق: معقول أنا هعيش العمر كله هنا أنا لازم اتصرف وامشي من هنا في اقرب وقت.

تذكرت جنينها الذي بدأ يترعرع في احشاءها، هل ستتركه يأتي إلى مستقبل مجهول ويعيش هنا بين أركان هذا المكان الخطر أغمضت عيونها بقهر ووضعت كفها على بطنها.

قائلة بحزن: أنا أسفه انى جيبتك لحياة كلها مخاطر ولو كان ينفع أنزلك كنت هنزلك بس إزاي وانت أصبحت جزء من روحي ومن قلبي من قبل حتى ما أعرف انت هتبقى ولد ولا ينت.

أغمضت عيونها بيأس تريد الفرار بوليدها لكن إلى أين لا تعرف حتى وإن هربت بالفعل إلى أين ستذهب لا تعلم، شردت في أيامها الماضية عندما كانت تعيش مع شقيقها بأمان على الرغم من قسوته عليها في بعض الأحيان.

زاد الحزن بقلبها ومع تلك الفتاة البغيضة زادتها من الداخل قهراً لم تكن تشهده في حياتها من قبل، وعباراتها الخببتة التي ألقتها على مسامعها قبيل انصرافها.

شرد ذهنها بالورقة التي تركتها، حدجتها من بعيد تتردد في الاقتراب منها، أم لا لكن شيئاً ما جعلها تقترب وتلمسها بقلق تتساءل عن ما تحتويها هذه الورقة.

فتحتها باضطراب تخشى ما هو مكتوب بها، لبض قلبها بقوة مع كل حرف بدأت في قراءته. اتسعت حدقتيها على آخرهما ... وفرغ فاهها غير مصدقه ما تراه عيناها .....

شعرت بالدوار يلفها من كل جانب، حاولت جلب كوبا من الماء موجودا فوق سطح المكتب الإنقاذ نفسها من الهبوط، لكن رأسها وجسدها لم يتحملا ما قرأته، سقطت أرضاً مغشياً عليها في الحال.

وقف عاصي بالقرب من غرفة فريدة يتأمل تلك العيون الشاردة، عبر باب حجرتها قائلاً لنفسه بضيق: الأمنى هنفضل كده زي القط والفار، أنا تعبت بجد من ناحية ملك وهيه من ناحية ثانية. وهيه ملهاش ذنب في كل اللي بيحصل.
افاق على صوت هاتفه.... لم يرد وكل تفكيره منصب على فريدة ووجهها الشاحب المتأثر بكل الأحداث الجارية.

رن هاتفه من جديد ففتح الهاتف وعيونه عليها تراقبها ... وجده مدير مكتبه اضطر إلى أن يجيب علیه، هدف به عاصي: ايوه انا جاي حالاً.

رد مديره طيب لان الموضوع مستعجل وتصاميم المفروض تتسلم بكرة ولسه مخلصتش.

تنهد يضيق قائلاً: طيب فلتلك جاي وكل حاجه متخلص بإذن الله، أغلق هاتفه ووجد فريدة قد ابتعدت عن النافذة، جلست تتابع استذكار دروسها.

ألقى بنظراته الأخيرة عليها، تاركاً المكان سريعا ... لم تنتبه فريدة أنه كان هناك يراقب كل حركاتها وتعبيرات محياها الشاحب

في المساء عاد من مكتبه الهندسي.... مرهقا بعض الشيء وجد زينب تضع الطعام فوق المائدة. توقفت عن عملها تنتظر أوامره، لم يتفوه بينت شفه وصعد الحجرته.

استبدل تهابه سريعاً، اتجه صوب غرفة فريدة وجدها تتحدث بالهاتف وتنضحك بصوت عالي لأول مرة، كأنها تتجاهل وجوده تماماً.

فمنذ أن راها في الصباح لم تذهب من عقله ولا من مخيلته، فهذه المرة الأولى التي تتجاهله بهذه الطريقة.

اقترب من الباب المغلق وانصت السمع جيداً وجدها تقول بالامبالاه مين ده اللي أشغل بالي بيه ليه هوا فاكر نفسه مين.

عقد عاصي حاجبيه بضيق بالغ قاتلاً لنفسه بدهشة: مين ده اللي بتتكلم عنه بالطريقة دي.

ارهف السمع أكثر وجدها تجيب أحدهم بأسلوب مستفد مين ده اللي أوقف مستقبلي وحياتي علشانه أنا أهم حاجه عندي مذاكرتي ومستقبلي وبس، ومش مهم أي حاجه ثانية سيبك منه . ثم ضحكت ضحكات عالية لم تتضاحكها من قبل شد من قبضتيه بقسوة وقوة قائلاً لنفسه يتوعد بقى كده يا ست هاتم بتتكلمي مع حد غريب من ورايا

صمت عندما وجدها تتحدث مردقة بحماس : لأ كفاية كده بقى ولما أقابلك هحكيلك الباقي، ده كلها يوم وتتقابل في الامتحانات.

اعتدل عاصي بوقفته متأملاً الباب متخيلاً أشياء كثيرة سيفعلها بها إذا فتحه، لكنه حاول ضبط أعصابه حتى يعرف ما معنى أن تتكلم بهذه الطريقة وهل لها علاقة بالفعل بأحدهم، تمثل أمامه في هذه اللحظات القاسية صورة لشخص بغيض وهو عمر ليس غيره.

أم أنه شخص اخر تتحدث إليه ضم قبضتيه يريد الولوج إليها لكن لا لم يفعل ذلك الآن بل سيصير إلى أن يمسكها بالجرم المشهود وهذا لا يتمناه أبداً.

كاد يبتعد عن الباب لولا فتحها له قائلة بدهشة: أبيه..... انت واقف هنا من امنى، زفر بضيق مجيبا إياها بجفاء لسه دلوقتي بس ليه في حاجه

ابتسمت ابتسامة صافية قائلة بهدوء: أبدأ بس يطمن عليك .... صمتت برهة تتأمله قائلة: حضرتك العشيت ولا لا.

أشاح عيونه بعيدا عنها.... مرددا: مليش نفس ..... قاطعته على الفور قائلة: لا إزاي حضرتك لازم تتعشى يالا أنا هجزلك العشاء

تركته كي تحضره له... وجدته يمسك بذراعها مانعاً إياها من الذهاب، هاتفا بها بحدة: قلتلك مش عايز يالا ادخلي ذاكري.

دفعها للداخل بفتة حتى كادت تتعثر قدميها، هامساً لنفسه بسخط تستاهلي بعد كده اللي هيحصلك.

جاء البوص من الخارج ومعه إبراهيم قائلاً بهدوء: قولهم تسليم البضاعة البوص هوا اللي ه يحددها مش هما صمت الرجل قليلاً ثم تحدث بحذر پس با بوص هما كانوا عايزنها بكره.

نظرا إليه بطرف عينيه قائلاً بصرامة وأنا من امتى يستلم ويسلم بضاعة على مزاج أي حد أنا بس التي أقول إمتى وفين.

ابتله ابراهيم ريقه بصعوبة شديدة قائلاً بارتباك حاضر في أوامر ثانية ..... قبل أن يجيبه لاح له طيفاً ملقياً على الأرض بحجرة الصالون.

انعقد حاجبيه مشيراً الإبراهيم بالصمت التام اندهش الرجل من تصرفاته الغامضة، ركز بصره على ما يهتم به البوص.

ركض سليم ناحية الحجرة الموارب بابها، دفع الباب بقوة وجد ملك مغشياً عليها في الأرض، لم ينتبه للورقة التي تتمسك بها بيدها.

دنى منها بصدمة جانياً بركبتيه بجوارها، رفعها بذراعه لاحية صدره وعيناه تتجول على محياها الشاحب قائلاً بقلق : ملك ..... ملك ..... ردي عليا.
لم تتجاوب معه مثلما تمنى وضع كفه على وجنتها اليمنى بخشونة مردفاً: ملك ... النطقي...... فوقي يا ملك ..... كلميني.

لم تستجيب له مرة أخرى رفع بصره صوب ابراهيم هاتفاً به بسرعة هات كوباية المايه اللي هناك دي.

ناوله في الحال الكوب أخذه منه سريعاً، ووضع سليم القليل من الماء بيده الأخرى وألقاها على وجنتيها لم تستجيب أيضاً.

نادي بأعلى صوت لديه انتصار... انتصار، أنت تهرول الخادمة على الفور متابعاً بلهجة أمره: مطبسرعة هاتي ازازة البرفان اللي في اوضة النوم.

اتسعت عيونها عندما وجدتها ملقية على الأرض قائلة بطاعة: حاضر يا سعات البيه.

تحركت سريعاً تركض إلى الأعلى أما ذراعه الأيمن إبراهيم لا يعرف كيف يتصرف قائلاً: أطلبلها الدكتور حسام تبعنا يا بوص.

لم يرد عليه إنما حملها بين ذراعيه صاعداً بها إلى الحجرة بالأعلى قائلاً بحزم استناني هنا يا ابراهيم لغاية ما أبلغك تعمل ايه.

هر برأسه بالموافقة، أما سليم فتح باب الغرفة بقدمة بعد أن أنت الخادمة بالعطر قائلاً: تعالي ورايا بسرعة.

وضع ملك برفق فوق الفراش مدثراً إياها بالغطاء لمنتصف جسدها... بدون أن يلتفت إليها تناول منها العطر واضعاً القليل منه تحت أنقها.

قائلاً باضطراب ملك أرجوك ردي عليا، لم تستجيب في بادىء.... بعد برهة من محاولاته العديدة. اليائسة لإفاقتها بدأت تستفيق رويدا رويدا.

أغمضت عيونها بشدة قائلة بوهن هوا إيه اللي حصلي ده، قبل أن يجيبها سليم بدأت في فتحعيونها ببط.. تلاقت أبصارهم في صمت فأغمضتهما على الفور تظن أنها تحلم به.

بعد لحظات حاولت أن تستذكر ما حدث معها، تذكرت تلك الورقة التي وجدتها لا تزال بيدها اليمنى قبضت بقوة عليها، دفعتها بسرعة تحت ساقيها حتى لا يراها أي شخص وخصوصاً اليوم.

ناداها باضطراب ملك.... ملك انتى كويسه ولا تعبانه أجيبلك دكتور، عندما نطق باسمها تأكدت أنها لا تحلم كما تخيلت وذكره للطبيب هكذا، فتحت عيونها على الفور قائلة بلهفة: لا.. لا... متشكرة أوي.... انا هتحسن لوحدي.

عقد حاجبيه بتفكير عميق قائلاً بتساؤل : ممكن أعرف إيه اللي حصل بالظبط وليه أغمى عليك فجاة

انزعجت من نظراته المتفحصة لها بدقة قائلة لنفسها بحذر لازم ما يعرفت باللي عرفته دلوقتي غير لما أتأكد بنفسي.

اقترب منها أكثر منحنياً فوقها يدقق النظر اليها وأمارات التساؤلات الغامضة على وجهه متابعاً: ليه مش بتجاوبيني على سؤالي يالا قوليلي الحقيقة.

جف حلقها من كثرة هذا الاقتراب والتحديق بها.... حتى أنها ظنت أن قلبها سيختنق من هذا الخفق الزائد بأي شيء تجيبه.

حارت بداخلها قائلة بتردد أبداً أنا ... أنا بس تعبت فجأة ودخت وكنت عايزة أشرب بس ملحقاتش ويمكن بس علشان مكنتش اكلت كويس وضغطي وطي مرة واحده.

لا يعلم لماذا ساوره الشك بداخله لكلماتها باحثاً بمحياها عن الحقيقة التي يريد التأكد منها. تراجع للخلف وعيونه تتابع ملامحها ... قائلاً بنبرة جادة طب ارتاحي دلوقتي وبعدين تتكلم.

غادر الحجرة أمراً انتصار بمراقبة حالة زوجته جيداً طوال الوقت انصاعت الأوامره ذاهبة مرة أخرى إليها.

ولج البوص إلى غرفة مكتبه وابراهيم كان مازال بانتظار أوامره، قائلاً بحذر: حضرتك عايز حاجه تانيه مني قبل ما أمشي.

زفر بضيق قائلاً بالامبالاه لا امشي انت دلوقتي وزي ما قلتلك نفذ بخصوص العزومة.

اوما الرجل برأسه بالموافقة وغادر المكان تاركاً خلفه عقل مشغول وفكر مشوش، أكثر من ذي قبل ..... هتف بداخله بغضب: أكيد مفيش هنا حاجه.

مشيراً بقبضته على قلبه بقوة قائلاً بعصبيه: أه منك يا ملك آه ضم كفه بقسوة غير مصدق ما يحدث معها ... أو ما تنفوذ به.

امسك بهاتفه قام بالإتصال على ابن عمه فتحي قائلاً بجدية إنت فين يا فتحي، نظر لزوجته الجالسة بجواره بدهشة.

رد باستغراب: أنا في البيت يا يوص في حاجه ولا ايه تنهد قائلا يشرود: عايز تتقابل مكان ما
بتتقابل كل مرة.

ذهل فتحي بنفسه قائلا بصدمة بس هنتقابل دلوقتي ..... قاطعه سليم قائلاً بحزم: أبوه يا فتحي فاضي ولا لا.

زفر غير مستوعب ما يحدث قائلاً: خلاص نازل وجاي اندهشت سهر التي سألت بحذر في حاجه ولا ايه.

هز رأسه قائلاً بعدم استيعاب هروح أشوف في إيه بالظبط، أنا مش مرتاح بس هشوف في ايه.

نهض من جوارها كي يستبدل ثيابه، أمسكت بكفه قائلة بلهفة متتأخرش عليا مش هنام لغاية ما تيجي هستناك

ابتسم لها رابعاً على رأسها قائلاً: اتفقنا محاول متاخرش عليكي بادلته الابتسام وتركته يذهب يكمل ما كان سيفعله.

جلس كل منهما في مكان هادي معتادين على اللقاء به وقمنا يريد كل منهما، اندهش فتحي من كثرة الصمت الذي يعتريه قائلاً يتساؤل : مالك يا يوص، أول مرة تبقى قاعد معايا ومش بتتكلم.

زفر بحرارة قائلاً بضيق: أبدأ حاسس إن في حاجه بتحصل ومش عارف إيه هيه، عقد حاجبيه بدهشة متطلعاً إليه بتساؤلات عدة تدور برأسه.

قاتلاً بذهول حاجه زي إيه أو بخصوص إيه عقد سليم أصابعه بحيرة واضحة قائلاً بجمود: مش عارف بس في حاجه غامضة بتحصل.

صمت مفكراً بكلماته اقترب منه يترقب قائلاً يحذر: حاجه بخصوص عثمان مثلاً ولا يكون بخصوص البنت اللي اتجوزتها.

فرك جبهته بأنامله بحدة قائلاً بنفاذ صبر: أنا متعودتش إن حاجه تحصل من ورايا ومعرفهاش أنا حاسس إن ملك محبيه حاجه زي ايه مش عارف

تأمله للحظات قائلاً يحذر أكثر طب إيه اللي حصل علشان تقول كده ما يمكن إحساسك غلط.

هز رأسه رافضاً قائلاً بضيق: انت تعرف علي إني بشك وخلاص ولا لازم بجانب شكي يكون فيه حاجه

شعر بحيرة أكبر رابتاً على كتف ابن عمه قائلاً بهدوء: طيب اهدى الأول واتكلم بوضوح أكثر من كده علشان أفهم.

ود أن يروي ما بداخله ويبيح عن كل ما يدور بخلده لكن كيف وهو شخصية غامضة لا يتحدث عن نفسه كثيراً غير و يصلعتاد على ذلك، زفر بيأس هذه المرة.

قائلاً بنفاذ صبر: أهدى إزاي وأنا بقالي كذا يوم مش مرتاح هيه مفكره إلى مش هعرف ولا هحس باللي بيحصل

فكر فتحي قليلاً في كلماته قائلاً بهدوء ظاهري طيب ما انت ممكن تواجهها باللي شاكك فيه التقت إليه بعنف قائلاً بغضب: أنا مش هواجه قبل ما أعرف بنفسي كل حاجه حصلت من ورايا.

أدرك الثاني في هذه اللحظة أن ابن عمه يريد الانفجار بوجه أي شخص يفعل أو يتصرف من وراء ظهره.

اقترب منه وواجهه قائلاً يقلق دلوقتي ملك ما يقتش أي حد المفروض يعنى إنها مراتك والمفروض كمان تتعامل معاملة خاصة غير أي حد يا سليم.

انعقد حاجبيه بشدة وضيق عينيه باهتمام قائلاً بصرامة: إنت عارف كويس أوي لا هيه ولا غيرها ليها عندي أي أهميه.

كاد يضحك هذه المرة لكنه حاول ضبط ضحكاته حتى لا ينفعل أكثر من ذل، قائلاً: تمام يا بوص، أنا عارف كل ده بس هسألك سؤال بس تديني الأمان ومتنفعلش.

رمقه بتساؤل هذه المرة قائلاً بضيق : إسأل بس مضمنش رد فعلي إيه، ابتسم فتحي بحذر قائلاً: الأمر لله هسأل وربنا يستر... صمت برهة من الوقت حتى شعر بعيون البوص التي اتسعت على اخرهما يغضب يكاد أن ينفجر منهما.

لهذا سأله بهدوء مفتعل ليه اتجوزتها طالما بتقول كده عنها، كاد أن ينفجر بوجهه لكن ابن عمه قاطعه شاعراً به من محياه متابعاً بلهفة اهدى ده مجرد سؤال عابر

زفر بحده وأولاه ظهره قائلاً بعصبية وملقتش غير السؤال ده تسأله، تنهد الأول قائلاً باستسلام: يعني مسألك أقولك إيه طالما انت مضايق كده يبقى أكيد لازم هيبقي ده سؤالي ده غير انك

مش راضي تتكلم عن اللي جواك.

لم يرد عليه هذه المرة إنما طال صمته الحائر قائلاً باستياء: أنا ماشي يا فتحي ... تفاجيء بالصرافة من أمامه لحق به قائلاً بلهفة: استنى عندك إحنا لسه مكملناش كلامنا.

حدجه بضيق قائلا باختصار صارم خلاص خلص الكلام، ثم سار من أمامه دون أن يلحق به هذه المرة.
أمسكت بالورقة بعد انصراف زوجها متنهدة بارتياح بأنه لم يراها وإلا لم تكن كما هي عليه الآن من راحة بعض الشيء، لكن هذه الراحة ظاهرية فقط بعد أن علمت بالحقيقة الصادمة، دمعت مقلتيها بألم ووجع قائلة لنفسها بحزن شديد ياربي ازاي متصرف بعد كل اللي عرفته إزاي بس.

مازلت تستريح على الفراش تشعر بالضعف جراء ما حدث وزادها ضعفاً هذا الحمل التي لم تكن تتوقعه يأتي بهذه السرعة من شخص غير مناسب، وأيضاً توقيت غير مناسب.

وضعت يدها على بطنها تريد الصراح به كيف يفعل بها ذلك، كيف سمح له ضميره بهذا الجرم الشديد بحلقها.

أغلقت أهدابها ودموع عينيها تزداد الهماراً قائلة يخفوت أنا لازم أمشي من هنا بأي ثمن، لازم انجى بنفسي وبالجنين منه والا مش عارفه هيكون مصيرنا ايه معاه.

عند هذه النقطة من التفكير زادت الحيرة بقلبها هل ستترك بالفعل بعد تعلقها به رغم فعلته فقد اعتادت على وجوده يحياتها فهي بالفعل تشعر عندما تكون معه، بأنه حصنها وأمانها بهذه الدنيا.

فكيف ستتركه لتلك الفتاة الخبيثة التي جاءت وقلبت كل الموازين أخدت نفساً عميقاً واعتدلت في فراشها عندما الصنت إلى صوت سيارة قادم.

عرفت أنه هو نهضت من مكانها وقامت باخفاء الورقة بداخل ثيابها، حتى تثبت حقيقة ما هو موجود بها.

أسرعت بالإختباء تحت الغطاء تتدثر به، أغمضت عيونها حتى لا تزيد من الشك يداخله، فتحالباب عليها وجدها نائمة تأمل وجهها لبرهة من الوقت.

أبدل ثيابه وجلس على الأريكة يفكر فيما يحدث بينهما كلما تقابلت بالأخص عيونهم، وعدد الراحة الذي يستشعرها بالفترة الأخيرة بداخل قلبه.

نهض من مكانه مقترباً منها ... انكمشت ملك على نفسها أكثر عندما شعرت بقرب أنفاسه على محياها، اندردت ريقها بصعوبة بالغة، تحاول أن تبدو هادئة حتى لا يشك بأستيقاظها لهذا الوقت.

من قبضته على شعرها مما جعل انتفاضة قلبها تزداد من لمسات أنامله.... دعت الله بأن يبتعد عنها سريعاً كي لا يفضح أمرها.

لمسات أصابعه أصبحت على وجهها ورغم ذلك تحاول أن تكون ثابته، لا تعلم لماذا يفعل بها ذلك. امعقول يشك بها أنها ما تزال مستيقظة.

رقة أنامله كادت تجعلها تفتح عيونها، لو أنه أبعدها عنها في الوقت المناسب، لكانت هبت جالسة على الفراش.

تنهدت بداخلها قائلة بارتياح الحمد لله بعد علي ..... قطع ارتياحها عندما احتضنها من ظهرها بعد أن ابتعد ونام بجوارها.

كادت تصرح به ان يبتعد عنها لا تريد قريه الذي يوجع قلبها أكثر من ذي قبل .... خصوصاً بعد أن اكتشفت ما قرأته، لذا ارتياحها لم يدم طويلاً مثلما تمنت.

همسات أنفاسه خلف أذنها تسيطر على كل حواسها... أغلقت عيونها بشدة بتوتر تتساءل هل ستقاوم كل هذا إلى الصباح كيف لا تعلم، أطاح بغتة بكل تلك الحصون الصارمة التي اتخذتها ضده.

عندما همس بعمق بجوار اذنها: أنا عارف إنك لسه صاحبة بس كفاية عليكي كده الليلة ....

ارتجف جسدها بقوة بعد تأثير كلماته الخبيثة عليها.

تتساءل مرة أخرى بداخلها ما كل هذا اللوم الذي تغير عنه تبرات صوته المميزة لديها ....

ابتسم سليم ابتسامات بها مزيج من المكر والغموض، وقد أولاها ظهره ليكمل نومه، لم تتم ملك كلما تذكرت عبارته اللئيمة، كأن النوم قد تطاير من عيونها.

استيقظت في وقت متأخر، بسبب قلة نومها ... فتحت جفنيها ببطء لم تجده بجانبها كما توقعت... تنهدت بارتياح شديد قائلة بهدوء كويس إنه مش موجود

نهضت بحرص خوفا من إغمائها مثل أمس .... دخلت المرحاض بعد قليل من الوقت خرجت منه وجدته أمامها يطوله الفارع وعيونه الثانية على محياها.

تیبست بمكانها مصدومة من وجوده هكذا ... بعد أن ظنت أنه بعمله الآن.... جاءها شعورها بالدوار من جديد لدى رؤيته.

اقترب منها بخطوات ثابتة قائلا بهدوء غامض: يارب تكوني أفضل من امبارح ولا لسه تعبانه.

بهت وجهها من عبارته الموجود بها بعضاً من السخرية، قائلة بخفوت أنا بخير الحمد لله..... تنهد قائلاً ببطء: طب طالما كده أنا معزوم الليلة برا وهتروحي معايا
ابتلعت ريقها بقوة غير مصدقة أنه سيخرجها أخيراً من هذا السجن، قائلة بتوتر: بس أنا ... أنا ....

قاطعها قائلاً باستفسار: بس إيه قولي.

جف حلقها وأشاحت بوجهها حتى لا يعرف حقيقة ما تخبأه وراء عيونها قائلة بصوت خفيض: أخاف بس لأنعب من تاني

ابتسم ساخراً وهو يدقق بمحياها قائلاً بحزم مظنش انك هتتعبي وبالذات إلي هكون موجود.

يبقى متقلقيش من أي حاجه إذا حصلت أنا معاكي.

تقابلت أبصارهم في هذه اللحظة لا تعلم لماذا أدركت أنها في أمان طالما هو موجود معها، مهما شعرت أنه خطر عليها.

احمر وجهها بعد تحدث باسلوب يعرف تأثيره عليها مسكاً بخصله من خصلات شعرها قائلا بخفوت ها ايه رأيك يا حلوه

تأملته للحظات ثم ابتعدت عنه كأنه لدغها عقرب، تعترت للخلف من سرعتها شاعرة بأن قلبها سيتوقف عن الخفقان من قوة سرعته لحقها سليم محاضراً إياها من خصرها.

تفرس محياها مبتسماً بعيث قائلاً بمكر شكلك كده بقيتي حساسة لأي حاجه في الفترة الأخيرة.

غزى الإحمرار الثاني وجنتيها دون أن تجيب تساؤله الغامض، قربها أكثر لصدره مردفاً بإعجاب: في فستان جدید انتصار هنجيبه قبل ميعاد العزومة بساعتين عايزك تلبسيه وتكوني جاهزة

على الساعة سابعة.

اومات برأسها باستسلام ولم تدري أنها اسندت بقبضتيها على صدره، لا تريد الابتعاد عن عينيه التي تحاصرها، رفع حاجبه ميتسما ابتسامة جذابة.

انتبهت لما تفعله، ابتعدت عنه للوراء والخجل يعتريها، من يراهما هكذا كأنهما يعشقان بعضهما

البعض بالفعل.

بعد انصرافه وضعت كفها على قلبها بوجع، قائلة لنفسها بياس ليه كل المشاعر دي طول ما هوا معايا على الرغم اني عايزه أسببه النهاردة قبل بكرة.

أسندت على الحائط بجوارها شاعرة بالدوار يلفها، أمسكت بكوب الماء ترتشف منه القليل قبل أن يغشى عليها مرة أخرى.

منادية الانتصار يضعف انتصار... انتصار..... أنت تهرول من المطبخ قائلة: نعم يا ست هانم...... ردت بوهن إعمليلي كوباية ليمون بسرعة.

عقدت حاجبيها باندهاش قائلة بقلق: انت بخير يا ست هانم جلست ملك على الفراش قائلة بخفوت اه كويسه بس بسرعة هاتبلي الليمون.

تمددت على الفراش سريعاً كي تستريح ولا يلاحظ أحداً ما تعانيه، أنت إليها نهلة كما إعتادت عندما لا تذهب الأولى إليها كل صباح

قائلة برقة: أنا فطرت لوحدي النهاردة ليه مقطرنيش معايا في كل يوم، ابتسمت له قائلة: أنا مقدرتش انزل .... بس إن شاء الله هنتغدى سوا النهاردة.

في المساء ارتدت الثوب الجديد الذي بعثه سليم مع الخادمة، تأملت نفسها بالمرأه لم تدري اتفرح أم تحزن لكل هذا التغيير الذي حدث لها ناحية البوص، ذلك الغامض الذي تكتشف عنه

يومياً شيء جديد من جوانب شخصيته الخطرة.

لم تضع أي مساحيق التجميل على وجهها، بل تركته هكذا اندهشت عندما وجدت الساعة قد تجاوزت السادسة ولم يأتي بعد.

نظرت من النافذة وجدت إبراهيم يقف معه بالأسفل، ابتعدت سريعاً قبل أن يلمح طيفها. ويزعجها مرة ثانية.

نظرت لنفسها مرة أخرى في المرأه .... حارت بينها وبين نفسها أتهبط للأسفل أم تظل إلى أن يأتي هو.

بعد شرود طويل استقرت على النزول .... هبطت من أعلى الدرج وخطت يحرص حتى لا تتعثر بخطواتها المضطربة، وعيونها على قدميها.

لم تكن منتبهه لمن يخرج من مكتبه .... وعيونه تتابعها كالصقر على فريسته قبيل اقترابه منها. خطى ناحية درجات السلم بخطوات هادئة، استند يكفه على سور الدرج.

كانت ملك تستند هي الأخرى بقبضتها وهي تهبط هكذا... لمست أناملها كفه برقة دون قصد. رفعت بصرها إليه غير مستوعبة متى وكيف أتى إلى هنا دون أن تنتبه إليه.

سحبت يدها سريعاً كمن لدغها ثعبان الفرس بمحياها من رأسها حتى أخمص قدميها بإعجاب قاتلاً بعبث تمام طالعه زي ما انا عايز بالظبط.
احمرت وجنتيها بشدة ولم تستطع أن تنطق بحرف واحد... حاولت أن تبتعد عنه لكنه جذبها

ناحية صدره قائلا يهمس: ملوكة أنا بعتبر نفسي محظوظ بيك..

اقشعر جسدها بمجرد أن استمعت لهمساته تلك هل تعتبرها غزل أم إعجاب بها حقاً أم يستهزا بمنظرها الجديد.

وبالأخص الفستان الجديد الذي قد أبرز جمالها الشاحب بالفترة الأخيرة، جذبت نفسها من ذراعه قائلة بإحراج طب ممكن تغير لبسك علشان الوقت.

ابتسم بسخرية متفهماً موقفها جيداً، هز رأسه بتهكم قائلاً: تمام استنيني هنا خمس دقايق وهكون عندك.

بعد أن تركها تنهدت بارتياح وهدأ قلبها قليلاً... تحاول إعادة نفسها إلى رشدها قائلة بتفكير: لازم اتأكد الأول من اللي قريته بالورقة.

هرعت صوب حجرة مكتبه..... ولجت نحو الداخل تبحث بكل قطعة أثات بغرفة المكتب على قلبها يطمئن وتتأكد.

فتحت الكل قبل إتيانه إليها حتى وجدت ملفا من البلاستيك أصفر اللون... به العديد من

الأوراق فتحته والقلق يعتري قلبها بشدة، بحثت بين أوراقه حتى وجدت ورقتين مطويتين مع بعضهم البعض.

فتحتهم ببطء وقلبها يخفق بقوة، أغمضت أهدابها وأخذت نفساً عميقاً قبل قراء تهم ... بدأت القراءة ويديها ترتعشان من هول صدمتها.

في مساء اليوم التالي أتى اليوم وعلامات الغضب تبدو واضحة على محياه وبحوزته حقيبة أنيقة من البلاستيك ... فتح باب الغرفة بحدة.

قدمت ملك من تصرفه هذا، حتى أنها تراجعت للخلف بقلق وفزع قائلة بتردد: في حاجه حصلت وأنا معرفش.

قرأت العديد من الإنفعالات على وجهه لم يجيبها إنما ألقى بالحقيبة إياها على الفراش أمامها قائلاً يغضب: ده يتلبس قدام أي حد غيري فاهمة.

بهت وجهها بشدة مشدوهة بكلماته قائلة بصدمة: إيه ده اللي البسه ... قاطعها بجفاء حادث ده نقاب هتلبسيه قدام أي شخص غريب.

اتسعت مقلتيها على آخرهما مذهولة على ما يتفوه به غير مصدقة ما يقوله قائلة بحدة نقاب إيه ده اللي اليسه أنا استحالة أليسه أبداً.

أمسكها بغتة من ذراعها بعنف حتى أنها شعرت بأن أنامله ستنفذ من الناحية الأخرى من جلدها الرفيق .... تألمت بشدة ولم يأبي لذلك.

قائلا بغلظة : أنا أو امري تتسمع وتنتفذ من كلمة واحدة وأي معارضة يبقى انت الجانية على

توجعت أكثر قائلة بحدة بأي حق وبأنهي صفه تأمرنيها، أزاجها على السرير وراءها بمنتهى القسوة حتى أنها صرخت بذعر اليم.

اشتعلت عيونه من الغضب الكامن بهما هادراً بصوته انت اتجننتي ولا ايه، بصفتي جوزك يا است هانم .......

من كثرة ما تعانيه من وجع وكثرة نفس بداخلها ... ابتسمت بيأس حزين ووقفت أمامه تواجهه غير مبالية بما سيحدث بعد ذلك قائلة بقهر: جوزي إنت هتضحك عليا ولا على نفسك.

زفر بحرارة ممسكاً ضم قبضتيه بجواره حتى لا ينهور عليها أكثر قائلاً بعصبية: ملك واضح كده إنك مش واعية كويس للى بتقوليه.

صرخت به تدفعه بقبضتيها بقوة من صدره للخلف قائلة بغضب : فعلاً أنا مكنتش في وعبي للي عملته فيه طول الفترة اللي فانت.

قطب حاجبيه بحدة، مندهشاً لما تتفوه به يثقة زائدة قائلاً باستفسار حادث تقصدي ايه بكلامك الفارغ ده ..... دفعته مرة ثانية من صدره قائلة بغضب: القصد إنك كذبت عليا علشان توصل للي انت عايزه.

ضيق عيونه مفكراً بكلماتها، عاقداً ذراعيه أمام صدره قائلاً بحدة وكذبت في إيه بقى إن شاء الله

انفعلت أكثر هادرة بعصبية جيت واحد نصاب زيك وعملته مأذون وفي الآخر طلع جوازنا عرفي ومزيق.

راقب عاصي جميع تصرفات فريدة منذ أن غادرت الإمتحان وقت الظهيرة إلى أن أنت المنزل .... طوال الوقت عيونه تبحث عما يكمن في التجاهل هذا الذي تتبعه في التعامل معه.
جلس على مائدة العشاء تبدو يأكلون يصمت مريب، اقتربت زينب منها تحتها على تناول الطعام

قائلة برفق كلي كويس يا فريدة علشان تقدري تركزي في المذاكرة.

أشاحت بعيونها بعيدا عن عاصي الي يراقبها قائلة بهدوء منا باكل كويس يا دادة أهو... وبدأت تأكل بسرعة حتى تتخلص من نظراته المحاصرة لها.

تركتهم زيدي تدلف إلى المطبخ كي تصنع القهوة، ما لبث أن تحدث إليها بجفاء: عملتي ايه النهاردة في الامتحان، ترددت في الإجابة قائلة بهدوء ظاهري الحمد لله حليت كويس .... لطقت بذلك على الرغم منها عكس ما توقعت فإنها لم تجب كما تمنت من قبل.

نهضت من مكانها بعدما انتهت من طعامها، جاءت تصعد إلى حجرتها أوقتها بصرامة قائلاً باستنكار على فين كده وأنا لسه مكملتش كلامي معاك.

ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة: مطلع اوضتي أكمل مذاكرة، ترك المعلقة جانباً قائلاً بغلظة: مين قال انك هتذاكري في اوضتك.

عقدت حاجبيها بدهشة قائلة بتساؤل : أومال هذاكر فين زفر بضيق قائلاً بحدة: هاتي كتيك وذاكري قدامي وأنا بشتغل في المكتب وأي حاجه متحاجيها أنا هذاكرها لك.

رغم الاستغراب الذي بداخل قلبها إلا أنها جاوبته بخفوت بس أنا مش محتاجه حد أنا بذاكر مع

نفسي أفضل.

هب من مكانه هو الآخر مقترباً منها قائلاً بلهجة أمره أنا قولتها كلمة وبالا إعملي زي ما قلتلك.

وحتى لا يترك لها مجالاً للإعتراض تركها ودخل مكتبه تنهدت بعدم ارتياح كأنه هناك فخاً ينصب لها ولا تعلم ماهو.


تعليقات