رواية تراب القمر الفصل الثاني بقلم نورهان علام
" مش عيب يا چو تتجوز من غير ما تعزمني! "
"انزلي بالأدب يا تاليا، عشان مش فاضيلك."
"ألاّه يا چو، أنت على طول شادد أعصابك كده، روق شوية عشان الضغط عالي لوحده."
"والله ضغطي مبيعلاش إلا لما بشوفك، انزلي أحسن لك."
"طب وسّع وسّع بس، أنا هسوق لغاية القصر. انت متأكد إنّي لو سبتك هتعمل حادثة؟"
كانت بتتكلم بجد. الصداع هيقتلني، والدوخة والرؤية المشوشة. بدلّت مكاني معاها، وفعلاً اتحركنا للقصر. كانت كالعادة بتتكلم وأنا مش سامع أصلًا بتقول إيه. التفكير مرض مزمن ممكن يفتك بالإنسان. وصلنا قدام بوابة القصر الكبيرة، ودخلت بيا لغاية جوه. نزلت وهي نزلت بسرعة تسندني لكني بعدها قلت:
"ابعدي عني."
"خلاص لو وقعت على وشك، مش هقومك حتى."
قالتها بتحدٍ لكني تجاهلتها ودخلت. كان الكل متجمع على العشا وهي فوق، ولقيت سارة واقفة جنبهم فناديت عليها بتعب:
"سارة! إيه نزلك من عند ورد؟ أنا مش قلت متتحركيش عن بابها؟"
جت لعندي بسرعة وهي بتقول:
"مدام ورد قالت لي إنها هتنام شوية وخلتني أنزل."
هزت راسي بلطف وتعب وطلعت فوق. جدي كان فاهم إني تعبان عشان كده ما تكلمش. وصلت لبابها وخبطت، كنت متوقع أنها مش نايمة وفعلاً سمعت صوتها صاحي وبتقول:
"مين؟"
"أنا يوسف... ممكن أدخل؟"
توقعت إن دقيقة أو اتنين تضبط فيهم حجابها وبعدين تقولي ادخل، لكن بعد ما استأذنت سمحت لي بالدخول في نفس اللحظة. دخلت؛ كانت لابسة فستان أسود تاني، وبرضه ضيق، ويمكن مستفز أكتر من التاني. زفرت بتعب وأنا بقرب من الردهات وخايف إن زَيّني يخونني ويغمى عليا. اخذت شريط الدوا وقبل ما ارفع كوباية الميّ، فقدت الوعي لدقايق، لكني صحيت على صرختها باسم سارة:
"سارة... سارة..."
فتحت عيوني وكان جدي واقف وهي وخالد جنبه، وأمي وتاليا كمان واقفين الناحية التانية.
"أنا كويس يا جدي، هات الدوا يا خالد وكوباية مياه عشان الصداع هيموتني."
"شوفت يا جدو هارون؟ بينسى مواعيد الدوا إزاي، وكمان تلاقيه مأكلش لقمة طول النهار."
كان صوت تاليا اللي مابحبش نبرته أبدًا. بصيت لخالد وهو ما كدّبش خبر؛ أخد تاليا وطلع بيها.
"عتبتها فقر زيها... أول ليلة ابني أغمى عليه جنبها، نحسك المنيل دا هيجيب أجله بعيد الشر عنه."
"ابنك عندك هو؟ أنا جيت جنبه أصلًا ولا شوفته؟ لو خايفة عليه أوي نيميه في حضنك."
ابتسمت على ردها وبصيت لعيون جدي؛ كنت فاهم كويس إنه مردش على أمي عشان هي تتكلم وتاخد حقها بلسانها، وإنه كله كلام فاضي.
"يلا يا بهية روحي عند جوزك. وأنتِ يا ورد، خدي بالك من جوزك واتأكدي إنه ياخد دواء الضغط تلات مرات في اليوم، قبل الأكل بنص ساعة."
خرج جدي وأمي وأنا ابتسمتلها وقلت:
"ممكن تخليهم يحضروا عشا ونتعشى سوا؟"
"أنا مش جعانة."
"طب أكليني أنا وأاخد دوا من غير ما أكل."
هزّت راسها وخرجت تنادي على سارة، وبعدها دخلت الأوضة تاني، لقتني واقف.
"أنا هدخل البلكونة، الزجاج متصنفر يعني مش هشوفك من جوّه. هريح على الكنبة اللي جوّه لغاية ما الأكل يجهز، وانتِ اقفلي عليّا واقلعي طرحتك شوية."
مكنش في اعتراض ولا موافقة، عشان كده دخلت من سكات البلكونة وريّحت، وهي فعلاً قفلت الباب عليّا. كنت مضايق، بس راضي على الأقل إنها بتطمن بالحاجز اللي بينّا.
بعد شوية سمعت خبطة وبعدين فتحت الباب وهي ماسكة صينية وقالت:
"الأكل جه."
أخذت منها الصينية وحطيتها قدّامي وقلت:
"قولتي لسارة تحضّرلك عشا؟"
"لا."
"طب ممكن تقعدي تتعشي، وأنا هخلي حد يحضرلي عشا غيره، عشان لو مش عاوزة تاكلي معايا."
اتنهدت وقعدت قصادي وبدأت تاكل بصمت، لقمة في التانية، وأنا متابع كل حركة منها ولسه مبدأتش. وبعد لحظات بدأت آكل، وابتسامتي بتكبر وأنا شايف إنها رضيت تاكل معايا لوحدي.
بس قامت بسرعة جدًا. قمت وراها وأنا بقول:
"بصي، لو عاوزاني أنام في البلكونة قولي. بس بالله تصحّيني على الفجر عشان أنزل أصلي، وكمان الساعة 7 تفتحيلي عشان عندي شغل."
هزّت راسها بتأكيد، وأنا أخذت غطا ومخدة ودخلت نمت.
—————————-————————————-
اليوم كله عدى، وبعده أسبوع واتنين، التوتر قلّ وكذلك الخوف، وبقيت بفكر في أمري العجيب. كنت حاسة بإحساس غريب، بحاول أتهرب منه، وإحساس جديد خالص تجاه يوسف، وهو إنه صعبان عليا. شاب عنده 30 سنة، إيه يخليه مريض ضغط لدرجة إنه لو لخبط معاد الدواء بيتعب أوي كده؟ وكنت شايفة فيه كم طاعة عشان يريح… يريحني.
أنا مستغربة جدًا أفعاله معايا. جدي مثلًا، لما اتجوز تيتا زينب، كان بالغصب، وكانت بتحب واحد غيره. كانت مكرَهة على كل لمسة منه، وكان لها ورد يومي من الإهانة والضرب. توقعت إني هقابل ولو 50% من اللي هي اتعرضت له. لكن يوسف محسسني إحساس غريب، كأني لقائق ثلج، اللي لو نفخت فيها تذوب.
من يومين بس بدأت أحس إنه مش مصدر أذى، بس لسه مش عارفة أنام في وجوده. فضلت كعادتي كل يوم صاحية لغاية ما سمعت أذان الفجر. شدّيت على طرحتي اللي اتراخت وقمت، خبطت على الباب وفتحته، لقيته بيتعدل على مهله وشعره متبدل وبيحاول يصلحه بإيده. ابتسم لي ابتسامته الهادية اللي بشوفها كل يوم وهو بيقول:
"صباح الخير يا ورد. جزاكِ الله خير، كنت نايم قلقان لتنامي ومتصحيش على الفجر."
فضلت ساكتة وخرجت للبلكونة، كان فيها لسعة هوا فجرية محببة لقلبي. دخل الأوضة، جهّز هدومه، ودخل الحمام بسرعة وخرج. سألني لو محتاجة حاجة، فهزيت راسي بـ "لا"، فقال بابتسامة وبنبرة هادية ما سمعتش غيرها منه:
"أنا هاجي بعد الصلاة… قومي صلي الفجر إنتِ كمان."
صليت الفجر بسرعة وكمان غيرت هدومي. كنت مضايقة إن الفساتين معظمها مش مقاسي. كنت بتضايق وأنا قاعدة أو نايمة بيهم، ومش عادتي أصلًا إني أقعد بهدوم الخروج فترات طويلة. خرجت فستان زيتي واسع شوية ولبست طرحة سودا سريعة.
الباب خبط، فسمحت له بالدخول. لكن مكنش يوسف، كانت سارة.
"صباح الخير يا آنسة ورد، أستاذ يوسف قالي أجهزلك شاي بالنعناع عشان بتحبيه. تحبي أحطه هنا ولا في البلكونة؟"
اتنهدت بعدم استيعاب. الراجل ده عاوز مني إيه؟ قلتلها تحطه، وقبل ما تخرج ناديت عليها:
"استني يا سارة…"
"نعم يا آنسة ورد."
"إنتِ ليه بتقوليلي يا آنسة وإحنا لوحدنا، ولما بيبقى في حد بتقولي يا مدام؟؟"
"عشان أستاذ يوسف قال إنك بتضيقي من كلمة مدام، فمش بقولها إلا لو حد غريب واقف عشان محدش يعترضلك بكلمة. شوفي إنتِ عاوزة أقول لحضرتك إيه وأنا هقوله."
سكت شوية وبعدين ابتسمت وقلت لها:
"جربي تقولي ورد بس، لا مدام ولا آنسة."
"ميصحش، جدي هارون لو سمعني هيعقبني."
"طب اشمعنا إنتِ بتقولي جدي هارون، ومامتك وباقي خدم البيت بيقولوا الحج هارون؟"
"عشان أنا اتولدت على إيده هو وأستاذ يوسف، ومن صغري وهو بيسيبني ألعب مع أحفاده. حتى خدمة البيت أنا مش بشارك فيها إلا لأستاذ يوسف وأستاذ خالد ومراته ليلى… قصدي مدام ليلى."
"مسكتك متلبسة… قولتي ليلى. معنى كده إنك متعودة تقولي اسمها من غير ألقاب."
"فعلاً بقوله من غير ألقاب وإحنا لوحدنا، بس لو معانا حد واجب عليا أحترمها."
"شكلك غالية على أهل البيت ده يا سارة."
ابتسمت بخجل، وأنا شايفة رحمتهم في معاملة البنت دي. كلامها عن هارون وحتى نبرتها ونظرتها ليوسف كله بحب وعِشم، كأن في علاقة جميلة بتربطهم. سكت شوية وبعدين قلت:
"زي ما بتعملي مع ليلى، اعملي معايا أنا كمان. اعتبريني صحبتك أو أختك الكبيرة… أظن كمان إنك بتعاملي خالد زي ليلى."
"أستاذ خالد وأستاذ يوسف وليلى كلهم إخواتي الكبار. بناديهم من غير ألقاب وبطلب منهم اللي أنا عاوزاه كمان."
"يعني بتقولي لخالد يا خالد عادي، وكذلك ليوسف؟؟"
"أيوه، بس يوسف مش دايمًا بقوله باسمه. أحيانًا بقوله يا يويو، لأني زمان كان اسمه صعب عليا، فكنت بقول يويو من ساعتها."
"عشان الفضيحة دي ما فيش شوكولاتة النهاردة يا ست سارة."
قالها يوسف وهو داخل من وراها وحاطط إيده على كتفها. لأول مرة أركز في طوله الفارع. أنا نفس طول سارة تقريبًا، فانكمشت شوية وأنا بتأكد إن الطرحة مضبوطة. بصت سارة له وقالت:
"بالله عليك يا يوسف… قصدي أستاذ يوسف…"
"أستاذ يوسف إيه بقى، ده إنتِ قولتي لها إن بيتقال ليا يويو!!"
انسحبت سارة بلطف، وبقينا أنا وهو لوحدنا تاني. بصلي وتنهد تنهيدة مش مفهومة، كأنه شايل هم أو زعلان من حاجة قوي، وبعدين قال:
"أنا هخرج من الأوضة، هروح أشتغل في مكتب جدي، بس ممكن أرجع أخد ملف أو اتنين لو احتاجتهم. خليكي على راحتك."
هزيت راسي، وفضلت مترددة إني أطلب منه الطلب ده. بس هو شجعني وقال:
"لو محتاجة أي حاجة قولي، في ظرف دقايق هنفذها لك."
عضيت شفايفي بتردد أكبر وأخيرًا قلت:
"عاوزة… كنت عاوزة أعرف أنا هكلم أهلي إمتى. يعني ده تالت أسبوع وما سمعتش صوت ماما."
"بصي، هو مينفعش… بس ممكن تكلميها من موبايلي لو حابة، لغاية ما أتصرف في الموضوع ده وأجيبلك موبايل، وتقدري تخرجي من القصر براحتك وتزوري أهلك."
"إيه اللي يمنع أصلًا؟"
"عُرف العيلة… عُرف عداوة غريب وهارون… عُرف مستحيل حاجة تحصل غير لما يتحقق. بس أنا هلغيه، وهكسّر أي حاجة علشانك. عشان محدش يجبرك على حاجة إنتِ مش راضية بيها."
كلمة "علشانك" بتهز كيان أي واحدة تسمعها. كلمة دورت عليها في كلام ناس كتير أوي. بس يوسف، مش عارفة ليه، حاسة إنها خارجة منه على هيئة أفعال صامتة. مش عاوزها حتى تخرج للنور ويتشكر عليها.
خرج من قدامي، ويوم كامل مر، وبعدها أسبوع… شبه مش بخرج غير وقت العشاء. لسه بينام في البلكونة، ولسه بيصعب عليّ. بس النوم سلطان… اتعودت أنام وهو موجود. كنت بلاحظ إنه بيصحى جسمه مكسّر، وبيخد شاور سخن كل يوم عشان تشنج عضلاته. هو طويل، والكنبة صغيرة خالص. خلاني أكلم ماما يوم ويوم.
وفي يوم، طلعنا سوا من العشا الصامت، وهو دخل أخد أوراق مهمة من مكتبه. وفجأة خرج ليا بآيباد، فتحه وادهولي وقال:
"ممكن أطلب منكِ طلب؟"
سكت شوية وبصيت له بخوف… خوف وقلق كبير. لقيته فرك وشه بضيق ملحوظ وقال:
"يا ورد، افهمي… أنا مش هطلب منكِ حتى تقلعي طرحتك طول ما إنتِ مش راضية وموافقة. فبالله عليكِ بلاش نظرة الخوف مني… عشان بتقتلني. أنا مقدرش آذيكِ."
كلامه أصابني برجفة في قلبي. دلوقتي فهمت سر نظراته الحزينة وتنهيداته المتعبة لما عيونا بتتلاقى. هو مضايق عشان أنا خايفة منه!
"عاوز إيه طيب… لو إنت مش بتطالبني بحقك… عاوز إيه؟"
"يا بنتي افهمي بقى. أنا مليش حق عليكِ من غير رضاكِ بيا. ولو سمحتي اقفلي الموضوع ده. وافتحي النت… اطلبيلك فساتين وطرح، عشان كل الفساتين اللي جبتها طلعوا ضيقين عليكِ، ومينفعش تخرجي بيهم بره الأوضة. القصر مليان رجالة."
رفعت عيني ناحيته، وحاجبي موصول من التكشيرة. مكنتش عارفة أنا بعمل إيه، بس لسه هتكلم فقال:
"اطلبي أي حاجة إنتِ عاوزاها… بس ما تطلبيش بناطيل."
رفعت حاجبي. أنا أصلًا معظم لبسي بناطيل وبلوزات أو كارديجان طويل على بنطلون. الفساتين مش دايمًا بلبسها. لكن من ساعة ما جيت هنا، لبسي كله فساتين… لأنه ببساطة ما فيش غيرها في الدولاب.
"ممكن أفهم ليه؟
أنا مش برتاح في الفساتين أصلًا."
"يبقى تتعودي ترتاحي."
"ده كده إنت بتفرض حاجة عليا بالإجبار!"
"عشان إنتِ مراتي. مقبلش واحد يبصلكِ ولا يشوف تقسيمة جسمكِ. واحدة واحدة هتتعودي على الفساتين. ما فيش حاجة بتيجي من أول مرة. بس انسي إنكِ تلبسي أكتر من بنطلون بيجامة في أوضتكِ."
بصيت له شوية، كنت بحاول أمسك ثغرة أخليه يتراجع، فقلت:
"على كده بقى… ده من غيرتك عليا؟ دي حاجة برضو أنا مش راضية بيها."
"أيوه بغير عليكِ. إنتِ مراتي. واللي ما يغيرش على أهل بيته ما يستحقش كلمة راجل أصلًا. دي مش حاجة ترضي بيها أو ما ترضيش. دي حاجة ثابتة. إنتِ دلوقتي على ذمتي حتى لو شكلاً… يبقى مينفعش تخرجي غير وإنتِ مستورة."
هو… الراجل ده إزاي كده؟
أي راجل لما تسأليه "إنت بتغير عليا؟"
يتهرب من الإجابة… يمكن ينكر.
لكن يوسف قالها صريحة في وشي!
مش عارفة فضل قاعد قدامي بيراجع كام ملف وأنا بطلب، لأنه مينفعش يسيبني مع الآيباد لوحدي، عشان ممكن أتواصل مع أي حد من أهلي أو صحابي… وده ممنوع. كنت شايفة عيونه كل شوية بتيجي على الشاشة. متأكدة مش عشان يشوف أنا بعمل إيه، لا… ده كان بيشوف أنا باختار إيه.
لحد ما وقفت على جيبة عجبتني أوي. رفع عيونه من الورق وقال:
"ما تطلبيهاش إلا لو هتقعدي بيها في أوضتكِ."
بصيت له بعصبية وأنا بقول:
"ما هي واسعة أهي! ولا عشان لونها أحمر!"
أوكي… لونها ملفت. وأظن اللي بيضايق من الهدوم الضيقة، يضايق كمان من الألوان الملفتة. أنا شخصيًا مش بلبس ألوان كتير، بس أحيانًا باخد الريسك وألبس لون مختلف… زي الأحمر مثلاً.
"هي مش واسعة زي ما إنتِ متخيلة. وكويس إنكِ أخدتي بالك إن لونها ملفت."
"لا، واسعة. إنت مش شايف واسعة إزاي على الموديل؟ أنا شايفاها مناسبة."
"هي واسعة على الموديل… بس مش هتبقى واسعة عليكِ يا ورد. شوفي حاجة تانية."
سكت لحظة أستوعب… بلعت ريقي بحرج، وخدودي احمرت من العصبية. وبلا أي مقدمات، وبجراءة معتادة مني، رميتله الآيباد وقلت:
"إنت حيوان وقليل الأدب… أنا مش عاوزة حاجة. ولو مضايق من الفساتين الضيقة… البس إنت واسع!"
فضل ساكت لثواني، وبعدين انفجر من الضحك بعفوية. بصلي بلطف وقال:
"أكيد مكنش قصدي كده."
"لا… ده قصدك. واتفضل اطلع بره. أنا مش عاوزة حاجة منك."
قام من مكانه وأخذ الحاجة وقال:
"أنا هخرج... بس مافيش خروج لكِ من الأوضة قبل ما أشتري لكِ فساتين واسعة."
لسه كنت هرد، لكن باب الأوضة خبط، والسرير في وش الباب خلّاني أقوم من مكاني عشان يفتح. مجرد أمر من عيونه اتحركت فعلاً. ابتسم لما شاف ليلى أخته على الباب وقالت:
"فينك يا ابني؟ خالد قومني من السرير مخصوص عشان عاوزك."
بص ليًّا بتحذير، وخرج من غير كلمة وقفل الباب وراه. ليلى قعدت على السرير مكانه قصاد ورق الشغل، وأنا قعدت قدامها.
"أخبارك إيه يا ورد؟
قولتي هتيجي تقعدي معايا ومش بتخرجي من أوضتك أصلًا."
"مش عارفة... ممكن ننزل دلوقتي لو حابة."
ابتسمت بحماس وفعلاً نزلنا وقعدنا نتكلم. كانت بتحكي عن نفسها وخالد جوزها:
"طب تعرفي... أنا وخالد مكناش بنحب بعض. أنا ماكنتش بحبه بصراحة. كان دايمًا بيدخل في حياتي: بكلم مين، رايحة فين؛ وعلى طول القصر كله سامع صوتنا. ولما اتقدم لي، القصر كله موافق البنت لابن عمها، مافيش واحدة منا بتتجوز برَّه عيلتها.
واتجوزته وأنا مش رافضة تمام الرفض، بس مش موافقة تمام الموافقة... والله ما أعرف إيه حصلي. خلفت صالح بسرعة جدًا عشان عرف العيلة وشوف اهتمامه مع خالد. كان هو هو خالد الغلس بس غلاسته حنينة بشكل؛ كان بيعد أنفاسه عشان ما يضايقش مني."
كنت فاهمة نيتها الجميلة من إنّها تحكيلي كده، لكن كلامها حسسني بالذنب. رفعت عيوني ناحية يوسف اللي جاي من بعيد؛ وصل عندنا هو وخالد اللي انحنى ورا ليلى وباس خدها، وبعدها قعد وشدها في حضنه. وصلت له المخدة اللي حدفها يوسف.
"اعمل اعتبار إني موجود."
"جرى إيه يا عم... سبع سنين نفسي أخليك تستوعب إنها مراتي، وبعدين ما إحنا جوزناك روح بقى لمراتك وسبني أنا ومراتي لوحدنا..."
مكملش كلامه، ويوسف حدف عليه مخدة تانية وهو بيقوله:
"بلاش أقل منك قدام مراتك اللي انت فرحان بالكلمة وناقص تغنيها لي."
قاعدوا ربع ساعة بيتناقشوا، وأنا مبتسمة على لطافة العلاقة، بس عقلي مشغول بحاجة وشخص مفروض يتمحوا من حياتي. كنا قاعدين ويوسف قاعد بعيد عني وبيرغي مع خالد وليلى، وصالح وسارة جم وقعدوا جنبي وقعدنا نتكلم لغاية ما جات بهية:
"حلوة جمعتكم يا ولاد... ربنا بس يبعد عنكم ولاد الـ..."
كانت بتقصدني، أنا عارفة ده. بس رغم أنها مستفزة، فعلاً ماكنش فارق معايا أبقى معاهم؛ عاوزة أرجع لحياتي، بس من جوايا عارفة إن ده مش هيحصل، فعايِشة بكذب على نفسي إن في يوم من الأيام هطلع من الحياة الغير مرغوبة دي. شُفت يوسف وهو بيتأفف على كلام مامته، وبعدي خلّى سارة تاخد صالح ويقوموا، فأمه قالت:
"عموما يا يوسف، عمك محمود جاي ومعاه تاليا ومراته كمان. ياريت ما تنمش بدري عشان جدك نفسه هيسهر معانا."
ملامحه اتغيرت 180 درجة. مكنتش فاهمة هو اتعصب ليه، وكان خالد زفر بخنقة وقال… لقيته بصلي وبهدوء قال:
"ممكن نتكلم شوية لوحدنا؟"
بصيت باستغراب، وهزيت راسي، وقمنا بعدنا عنهم شوية. هو وقف قصادي بمسافة ما توترنيش، مش عارف إن وجوده نفسه بيوترني.
"بصي... أنا مش عاوزكِ تظهري قصاد محمود وتاليا خالص. ممكن تطلعي أوضتكِ وتقعدي مع سارة أو ترتاحي شوية لغاية ما السهرة دي تخلص."
مش مرتاحة… حاسة كلامه صح، بس أنا شاكة في حاجة ولازم أتأكد منها.
"هو محمود ده... محمود الراوي؟"
"إنتِ تعرفيه منين؟ وإنتِ أصلًا عيلتكِ مقطعاينه."
كنت هقع من طولي! مش معقول يكون هو… وشي بقى أصفر من الرعب والخضة. هزيت راسي بالعافية وقلت:
"تمام... هطلع الأوضة ومش هنزل تاني."
"يا نهار أبيض يا يوسف، بنفسك واقف تستقبلني كده!"
اتنهدت وأنا بحاول أتمالك توازني لما سمعت صوت محمود الراوي على بُعد خطوات مننا وبيقرب من يوسف بحفاوة. بدون إدراك مسكت معصم يوسف قبل ما يرد عليه، وقربت منه شوية، فسألني بخضة:
"ورد، إنتِ كويسة؟"
"مالك يا عروستنا... تعبانة ولا إيه؟"
قرب قوي وبقى واقف جنبنا، عيونه بتتفحصني بقلق. من بعده وقفت تاليا وأمها بصين ليا بنظرات غريبة! كنت مرعوبة وبحاول أطمن نفسي، لكن لأول مرة يوسف رفع كفه ولمسني، مسح على خدي وجزء من جبهتي، ونطق بصوت كله قلق:
"ورد... حاسة بحاجة طيب؟ وجع، دوخة مثلاً؟"
هزيت راسي بـ "لا" وقلت:
"أنا كويسة، ما تقلقوش."
دخلنا جوه، ويوسف بيسندني، وبيحاول محدش يلمسني أو يمشي ورايا. بعد خطوات بقيت كويسة وبعدت إيده عني، فقال:
"هطلعك فوق ترتاحي."
"لا، أنا هخرج الجنينة أشم شوية هوا."
هز راسه بضيق، وكنت شايفة في عيونه خوف حقيقي عليا. سبته ومشيت وفعلاً خرجت، وكنت واقفة قرب البوابة أتأملها. إزاي كنت قبلها؟ وإزاي بقيت بعدها؟ حتى أحلامي… اتقلعت من جذورها. أنا… بقيت متجوزة!
"ورد."
لو كان للرعب صوت فدا صوته. التفت وأنا بتمنى أنه يكون شخص تاني، بتمنى إني أخيب مرة في صوته.
"ياسر! إنت بتعمل إيه هنا؟! إنت اتجننت؟"
قرب من جامد والغضب على ملامحه؛ مش شايفة أي رقة وحنية من بتاعت زمان. كنت خايفة منه أكتر من خوفي منهم كلهم.
"الكلام بجد كده! أسيبك شهر يا ورد! نسيب بعض شهر، شهر واحد بس، ألاقيكِ متجوزة! ومن يوسف وهدان... كنتِ بتحبِيه أكيد، كنتِ وخداني كوبري عشان تعرفي أخباره!!!"
كنت رافعة إيدي في الهوا، بحاول أعمل إشارة عشان يهدى، لكنه كان بيقول كلام عقلي ميستوعبوش! دوّست على كلامه واتهامه، وكل همّي إنه يمشي. كنت خايفة عليه حتى وأنا عارفة إن علاقته بعائلة الصدّيق كويسة، بس كونه بيحب مرة ابنهم، مش هتكون العلاقة كويسة أبدًا.
"ياسر، افهمني... ممكن تمشي؟
كلامك ده ما يصحش لا في دين ولا في أصول. ممكن تمشي."
لساني ارتجف؛ كنت هقول جوازِة غصب! أنا محدش غصبني على حاجة غير أهلي. فضل واقف وقرب مني بطريقته المريبة، مال ناحية وهو يمسك إيدي وباصص لعيوني وقال:
"بصيلي يا ورد، إنتِ مش بتكدبي أبدًا. قولي إنك لسه بتحبّيني... قولي إن ياسر لسه حبيبك الوحيد و..."
بعدت عنه بسرعة وسبت إيده. كنت مفكرة هيكون عاقل؛ إزاي يقول كده لوحدة متجوزة! حتى بعد كل ده، أنا على ذمّة رجل غيره، حتى لو قلبه لسه بيخاف عليه؛ مينفعش أنطق بكده. كانت غلطتي إنّي وقفت معاه. مشيت من قدامه من غير كلمة، فجاء ورايا وصوته عالي زي المجنون ومسك إيدي أكتر قبل ما يقول أي حاجة. سمعت صوت يوسف الجهوري وهو بينطق:
"ياسر!"