رواية قلبه لم يكن لي الفصل الثاني بقلم ألاء محمد
ـ آية ترفع وشها ببطء، وعينيها مليانة دموع وكسرة وتقول بسخريه:
إنت لسه واخد بالك؟، على العموم، ما فيش حاجة، تصبح على خير.
تقوم بهدوء، مسح دموعها بإيدها المرتعشة، وتمشي لحد أوضة تانية، مش الأوضة اللي بيناموا فيها، وتقفل الباب وراها.
~مالك بصدمه يفضل واقف مكانه، مش قادر يحرك رجله، شنطته لسه على الأرض.
يقعد على طرف الكنبة، يدفن وشه في كفه.
~مالك وهو بيكلم نفسه: أنا ليه اتخضيت كده؟
ليه شكلها وجعني بالمنظر ده؟
أنا عمري ما شفتها بتعيط بالشكل ده،
طب يا ترى مالها؟
إيه اللي جواها ومخبية عليا؟
أنا ليه حاسس إني مقصر؟ ليه حاسس إن قلبي اتسحب من مكانه وأنا ببص في عينيها؟
يقوم بعد شوية متوتر، يفتح باب أوضته هو، ينام على السرير بس عينه مفتوحة في السقف، وصوته الداخلي لسه بيرن:
يا ترى إيه سبب دوعها وليه أنا… خايف أعرف؟
---------------
بعد مرور اسبوعين من تجاهل آية المستمر لمالك وفي يوم الصبح:
آية في المطبخ واقفة بهدوء، وربطه شعرها، وبتجهز الفطار.
بتحط الأطباق على السفرة قدامه من غير ما تقول كلمة.
يقعد هو، يبص لها، وبيحاول يكسر الصمت:
~إيه يا آية مش هتقعدي تفطري معايا؟
-آية بهدوء:
كل، أنا كلت خلاص.
تمسح إيديها في الفوطة وتسيبه، وتروح على الأوضة.
هو يفضل بصص وراها، ويكمل اكل بالعافيه.
هو في اي بجد؟ فين الضحكة اللي كانت بتفاجئني على الصبح؟ فين كلامها وهزارها، فين لهفتها عليا؟
بالليل مالك قاعد قدام التلفزيون يتفرج على فيلم:
بتدخل آية تمسك التليفون تبص فيه شوية وتقعد بعيد.
يحاول يكسر السكوت اللي هما فيه:
~تعالي نتفرج مع بعض، علي الفيلم ده سمعت انه كويس؟
-آية بابتسامة باهتة:
اتفرج إنت، أنا تعبانة.
بتقوم تدخل أوضتها وتقفل الباب وراها.
هو يبص للتليفزيون لكن دماغه مش في الفيلم هو مستغرب تصرفتها كلها بس كده خلاص هو مش قادر يستحمل خلاص ده حتى القعدة جنبي بقت صعبة عليها؟
أنا بجد، مش فاهمها.
في نهاية الأسبوع مالك يقترح:
~إيه رأيك نخرج بكرة؟ نتمشى شوية، نغير جو.
-آية بلا مبالاه:
مش وقته يا مالك، خليها يوم تاني؟
~مالك بهدوء:
ليه بس؟ بقالنا كتير ما خرجناش.
-آية بابتسامة مكسورة:
بقولك مش وقته، ما فيش داعي.
ترجع تكمل اللي بتعمله من غير ما تبص له.
بيسكت،ويسبهاو يقعد على السرير، ويقول بصوت متألم:
ما فيش…
الكلمة دي بقت سيف في وشي كل يوم.
أسألها: مالك؟
ترد: ما فيش.
أقولها نخرج؟ نتكلم؟ نتسلى؟
برضه: ما فيش.
طيب فين آية اللي كانت بتيجي تقول لي: يلا نضحك، يلا نخرج؟
أنا حاسس إن في حاجة كبيرة اتكسرت جواها، وحاجات أكبر ناقصة جوايا، طب هو انا ليه تايه من غيرها كده؟
وفي يوم رجع من الشغل بليل ودخل البيت لقى الصالة مظلمة إلا من نور خافت جاي من الأباجورة.
متضايق، ورمي المفاتيح على الترابيزة.
-آية قاعدة على الكرسي بعيد، ساكتة، ملامحها هادية ببرود.
~مالك بستفسار:
آية أنا مش فاهم! بقالك فترة متغيرة عليا
مالك؟ ايه اللي حصل لكل ده؟
-آية وهي بتبص له بهدوء بارد:
ما ليش يا مالك أنا كويسة.
~مالك بعصبية:
كويسة إيه؟ لا مش كويسة، إنتِ فيك حاجة. إنتِ مش زي الأول!
يقف، ويقرب منها، يحاول يقرأ ملامحها.
ويكمل بحدة:
لا بتاكلي معايا، لا بتقعدي معايا، حتى بقيتي تنامي في أوضة تانية! في إيه؟ مالك؟!اسمه اي ده؟
-آية بوجع:
اسمه انك اتأخرت اوي علشان تاخد بالك؟
~أنا مش فاهم حاجة، إنتِ زهقتي مني؟ إنتِ بتبعدي ليه؟ طب قوليلي! ما تعذبينيش بالسكوت ده!
ـ قولتلك مفيش يا مالك خلاص؟
~مالك بصوت عالي وهو بيضرب كفه في الترابيزى بعصبية:
لا! في حاجة، وأنا لازم أعرف.
آية، إيه اللي حصل؟ إيه اللي متغير؟ إنتِ زهقتي مني؟ إيه؟!
-آية تتنهد،و تبص للأرض لحظة وبعدين ترفع عينيها عليه، وتقول بصوت واضح:
أنا اللي عايزة أسألك.
~تسأليني عن اي؟
-آية بنبره تقيلة:
إنت اتجوزتني ليه؟
~مالك بيتجمد، ويرمش بسرعة، ويقول بصوت مرتبك:
إيه الكلام ده؟ إزاي يعني اتجوزتك ليه؟! إيه السؤال الغريب ده يا آية؟ اتجوزتك عشان أعيش معاك، عشان أعمل بيت وأسرة، عشان…
-آية بمقاطعه وصرخة مكتومة:
جاوبني! اتجوزتني ليه يا يمالك؟!
بيسكت مالك ،و يتنفس بسرعة، مش لاقي رد، بيبص في كل حته إلا عينيها.
-آية بتكمل بمرارة:
اتجوزتني عشان إيه؟ عشان أنا كنت قدامك؟
ولا… عشان أنسى مكان واحدة تانية؟
الكلمة تقع علي مالك زي القنبلة.
عينيه تتسع، يتراجع خطوة لورا، يتلخبط، نفسه يتقطع.
-آية بهمس مكسور:
جاوبني يا مالك، أنا كنت مراتك؟
ولا، كنت مجرد بديل؟
كل ده ومالك واقف مصدوم، عينيه مليانة ذنب، عاجز عن الكلام.
-آية واقفة قدامه، جسمها بيرتعش، صوتها مليان كسرة ووجع:
إنت اتجوزتني ليه يا مالك؟! قول لي!
إنت اخترتني ولا أنا اللي لقيت نفسي لعبة في حياتك؟!
كنت مراتك ولا مجرد بديل؟!
~مالك بارتباك:
إنتي إنتي عرفت الكلام ده منين؟.
-آية بوجع:
إنت كل اللي فارق معاك عرفت الكلام منين؟
مش فارق معاك سنتين عذاب؟!
مش فارق معاك كل مرة كنت بستناك تكلمني، تضمّني، تقولي كلمة حب، وما حصلش؟!
إنت شخص أناني يا مالك، عمرك ما شوفت غير نفسك!
~مالك بصوت عالي وغضب:
أنا حاولت! حاولت أديكي حقك، حاولت أحبك والله!
-آية تقاطعه بعصبية، دموعها مخنوقة في صوتها:
حاولت؟!
الحب يا مالك ما بيتحاولش، الحب بيجي من القلب، مش من دماغك!
أنا كنت زوجة على الورق بس، إنما الحقيقة؟ كنت استبن! كنت ظل واحدة تانية، عايش معايا بجسدك، وقلبك معاها هناك؟
~مالك بتهور وغضب:
أهلي!
أهلي ما وافقوش عليها، ضغطوا عليا، فرضوكي عليا!
قلت يمكن أحبك، يمكن أتعوّد، بس ما عرفتش، ما قدرتش!
كلامه نزل زي مياه النار علي قلب آية بتتجمد ثواني، وبعدين تضحك ضحكة وجع كبيرة، الدموع نازلة زي المطر:
-يعني أنا طلعت مجرد خطة بديلة!
بيت اتبنى على كذبة، وحياة اتسرقت منّي!
كنت فاكرة نفسي زوجة، وأنا في الحقيقة كنت عقابك من الدنيا!
إنت قتلتني يا مالك، قتلتني وأنا عايشة!
حسبي الله ونعم الوكيل علي حرقه قلبي دلوقتي بسببك انت واهلك، منك لله يا مالك، انا عمري ما هسامحك ابدا.
مالك الكلمه تنزل عليه زي جردل المياه الساقعه في عز الشتا.
-آية تقرب منه خطوة، عينيها كلها دموع، بس صوتها قوي:
طلقني يا مالك، طلقني!
~مالك يهتز، وعينه فيها لمعه دموع ويقول بصوت مبحوح:
لا! لا يا آية، ما تقوليش كده، أنا مش هطلقك! إنتِ حياتي دلوقتي!
آ-ية تصرخ بوجع:
دلوقتي؟! دلوقتي افتكرت إني حياتك؟!
فين كنت من سنتين وأنا بموت كل يوم جنبك؟
فين كنت لما كنت بحلم بضحكة صغيرة تملأ البيت، وكنت تهرب مني؟
فين كنت لما كنت بقول لك: يلا نخرج، يلا نضحك وكنت بتصدني؟!
بتسكت لحظة،وبعدين تكمل بصوت مكسور:
إنت حتى حرمتني من الخلفة، عشان ما يكونش بينا رابط…
ليه؟! ليه عملت فيا كده؟! إيه ذنبي؟!
~مالك يدفن وشه في إيده، صوته مكسور:
أنا… أنا ضايع يا آية، كنت ضعيف، كنت بخاف! حاولت أتعوّد عليكي، بس، قلبي عمره ما اتحرّك زي ما المفروض!
-آية بتهز راسها، وتضحك بس الدموع مش بتقف:
يبقى أنا ماليش مكان في حياتك من الأول
يبقى وجودي جريمة.
وإنت مش هتفضل تقتلني بالبطء ده!
وتصرخ فجأة:
وغصب عنك يا مالك هتطلقني أنا مش هكمّل دقيقة واحدة في الجحيم ده.
~مالك يهتز، يمد إيده نحوها كأنه بيتعلق بقشة، وصوته بيتكسّر:
لا، لا يا آية، ما تقوليش كده!
أنا، أنا هحاول! أيوه، هحاول عشانك، استني!
اديني فرصة، هحاول أحبك، هغير كل حاجة، س ما تسيبينيش!
آية تبص له بضحكة موجوعة، تهز راسها ببطء:
إنت بقلك سنتين بتحاول…
ولو ما عرفتش تحبني سنتين،
مش هتعرف دلوقتي.
الكلمة بتقع زي الخنجر في صدر مالك.
وآية بتمسح دموعها بسرعة، وتاخد نفسها بصعوبة وتقول بصوت مبحوح:
أنا رايحة عند أهلي… ورقتي توصل لي.
وتمشي بخطوات تقيلة، تقفل باب أوضتها بعنف.
مالك يفضل واقف متجمد، عينه على الباب، بيصرخ:
إزاي وصلت بينا للدرجة دي؟!
إزاي ضيّعت كل حاجة… وإزاي هرجعها؟!
ينهار على الأرض، دموعه تنزل على وشه المكسور ويقول:
أنا اللي خرّبتها…أنا اللي كسرت أحسن ست في حياتي.
هي رايحة، وأنا مش قادر أخسرها.
-------------
تاني يوم بعد ما آية سابت البيت…
ومالك من وقتها مش عارف يعيش. حاول يروح لها كذا مرة، يكلمها، يبعتلها… وهي كل مرة تقفله الباب أو ترفض تقابله.
بعد محاولات كتير فاشلة، يقرر يروح لها من غير مواعيد.
آية بتفتح الباب، وشها باين عليه إنها تعبانه بس ثابتة.
هو يدخل بسرعة قبل ما تقول كلمة.
~مالك بصوت عالي وهو مرعوب:
آية! إنتِ لحد إمتى هتفضلي كده؟! أنا اتجننت من غيرك والله!
-آية ببرود ساخر:
اتجننت؟ يا سلام. سنتين وأنا بتجنن كل ليلة جنبك، وإنت ما أخدتش بالك. دلوقتي بس حسيت؟
~مالك وهو بيمد إيده ناحيتها:
آية بالله عليكي،تعالي نرجع، أنا غلطت، أنا هحاول أصلح—
-آية تقاطعه بعصبية وانفجار:
هتحاول إيه يا مالك؟! هتحاول تحبني؟! الحب ما بيتعلمش، الحب بيتحس! وإنت عمرك ما حسيت بيا، عمرك ما شفتني أصلاً!
~مالك بصوت مكسور:
ما تقوليش كده، إنتي كل حياتي—
-آية وهي بتصرخ:
حياتك؟! حياتك كانت فين لما كنت كل يوم أبكي من غير ما تحس؟ لما كنت أفتح معاك موضوع الخلفة وأنت تتهرب زي العيل الصغير؟ لما كنت بقولك نفسي في طفل يملأ البيت ضحك وأنت تسيبني وتروح عند أمك أو تمسك تليفونك؟! كنت فين وقتها؟!
~مالك وهو بيتنفس بسرعة، وبيحاول يقرب:
كنت كنت خايف، كنت محتار…
-آية تصرخ بأعلي صوت عندها من القهرها:
كنت جبان!! آه جبان، وحرمتني من حقي أبقى أم. حرمتني من حقي أفرح. حرمتني من حقي أعيش زي باقي الستات! عشت سنتين بدور على كلمة منك تخليني أصدق إنك بتحبني… وما لقيتش!
~مالك يتراجع خطوة، وصوته بيرتعش:
آية، بالله عليكي سامحيني؟ وديني فرصة؟"
-آية بضحكة مليانة وجع:
فرصة؟! سنتين وأنا بأديك فرص، وكل مرة كنت بتثبت إنك ما تستهلش. دلوقتي جاي تقوللي فرصة؟!
~مالك وهو بيصرخ فجأة:
أنا مستعد أعمل أي حاجة! أخلف، أجيب طفل، أعملك اللي إنتِ عايزاه كله! كفاية تبعدي عني!
-آية تبص له بعيون كلها دموع وكسرة:
الخلفة مش كانت ناقصة بس طفل يا مالك، الخلفة كانت محتاجة حب! وإنت عمرك ما اديتني الحب! هتجيب طفل إزاي وإنت قلبك مش معايا؟! هتربي إيه جواه؟
~مالك بنهيار، وصوته يتكسر:
أنا، أنا مش قادر من غيرك.
-آية تصرخ آخر مرة، صوتها يرتعش بالوجع:
كنت سيبني من الأول يا مالك!! ما كانش ذنبي أبقى بديل في حياتك! كنت طلقتني ووفرت عليا العذاب ده. لكن إنت أناني، فكرت في نفسك، في كلام أهلك، في صورتك قدام الناس وأنا اتحرقت.
توقف لحظة، وبصوت حاد قاطع:
طلقني يا مالك. طلقني دلوقتي. دي آخر كلمة عندي.
مالك بيتجمد مكانه، كأنه اتشل، والدموع بتغرق عينيه.
آية بتدير وشها وتدخل لجوا، وتقفل الباب وراه.
وهو بيسيب نفسه يقع على الأرض، صوته يطلع مبحوح:
أنا خسرتك، أنا فعلاً خسرتك.
--------------
بعد أسبوع…
البيت كله متوتر. أهل آية قاعدين، ومالك داخل ووشه شاحب، جنبه المأذون، وعيونه مش قادرة تبص في عيونها.
آية قاعدة في هدوء، ملامحها جامدة، بس جواها حرب.
المأذون يبدأ الكلام بصوت رسمي:
يا جماعة، قبل ما نمشي في الإجراءات دي، عايز أقولكم، إن أبغض الحلال عند الله الطلاق، ودي خطوة كبيرة. هل راجعتم نفسكم كويس؟
يسود الصمت، مالك يفضل ساكت لحظة طويلة، قلبه بيتقطع.
المأذون يكمل:
طيب، لو ده قراركم النهائي، نبدأ الإجراءات.
يبص لمالك:
قول ورايا يا أستاذ مالك: أنتِ طالق.
مالك يبلع ريقه، يرفع عينه بالعافية لآية، قلبه بيتقطع.
بصوت متكسر يبدأ يقول:
إنتِ… طا—"
فجأة آية ترفع إيدها وتوقفه:
لحظة يا شيخنا.
المأذون يبص لها باستغراب:
خير يا بنتي؟
آية تاخد نفس عميق، تبص لمالك بثبات، وصوتها مليان قهر:
أنا عايزة مالك في كلمة.
الكل يسكت…
المأذون يتراجع بخطوة، وعيون الكل رايحة من آية لمالك.
ومالك يتجمد مكانه
---