رواية لست وحدي الفصل الرابع 4 بقلم ميرنا عصام

 

رواية لست وحدي الفصل الرابع بقلم ميرنا عصام

رمضان دخل وغير روتين حور.
نهارها مدرسة، وليلها تراويح وقرآن، والبيت الهادي اللي ساعات بيحسسها بالوحدة وساعات تانية بالسكينة.
من أول يوم، أخدت قرار إنها تبعد عن المكتبة الشهر ده وتخصص وقتها كله للعبادة.

لكن رغم كده، كان في إحساس ناقص… كأنها اتعودت على حاجة وبقت مفتقداها.

-------

في يوم بعد المغرب، قعدت على السفرة الصغيرة، بدأت فطارها. الجو حواليها ساكن، لكن قلبها مشغول. خلصت أكلها، توضت وصلت، وفضلت تقرأ قرآن لحد ما قرب وقت التراويح ولبست اسدالها ونزلت راحت اقرب جامع ليها تصلى فيه .

رجعت من الجامع، قعدت على الكنبة تكمل وردها. فجأة الموبايل رن.
بصت على الشاشة… الاسم اللي ظهر خلاها تتوقف لحظة: "مازن ،عم معاذ".

اتلخبط قلبها وهي بترد:
 ألو.

جاها صوته الهادي:
 ألو معايا مس حور؟ أنا مازن.

ابتسمت من غير ما تاخد بالها:
أزيك يا مازن، خير في حاجة ولا إيه؟

 لأ، أم معاذ حابة تكلمك وقالتلي أرن عليكي. خدي هي معاكى.

اتنقل الصوت الناعم والمرح:
 أزيك يا حور، عاملة إيه؟

ابتسمت:
 بخير والله يا أم معاذ، أزيك أنتى؟
ردت عليها أم معاذ:
 الحمد لله… وحشتينى أوي والله. بصراحة، من يوم ما عرفتك دخلتي قلبي. عنده حق معاذ يحبك ويتعلق بيكي بالشكل ده… أنتي تخلي أي حد يحبك من أول لحظة.

حور حست بحرارة في قلبها، وقالت بلطف:
كلامك كتير أوي عليا… شكراً ليكي بجد يعلم ربنا حبيتك كأنك أختى وكنتوا بالنسبالى عيلة والله.

 لأ والله، ده أقل من اللي تستحقيه. ربنا يحفظك يا حور.

الكلام كان بيخرج من أم معاذ بصدق، وحور كانت مستغربة أزاي في وقت قصير حصل بينهم القرب ده.
أما مازن، كان واقف جنبها سامع كل كلمة، وابتسامة صغيرة مستقرة على وشه من غير ما يحس.

أم معاذ أنهت كلامها وهي بتضحك:
خلينا نبقى نشوفك قريب يا حور… أو تيجي تقضي معانا يوم تانى.

ردت حور بابتسامة خفيفة:
 بإذن الله.

سلمت عليها، ورجعت الموبايل لمازن. فضلت حور على الخط لحظة، فسمعت صوته من جديد، أهدى المرة دي:
عاملة إيه يا حور؟ طمنيني عليكي.

 ردت بخجل:
بخير والله يا مازن أنت عامل ايه.

ابتسم من غير ما تشوفه:
الحمدلله بخير الواحد مبقاش يشوفك… بطلتي تيجي المكتبة ولا ايه؟!

لا أنا بس بحب أقضي رمضان في العبادات أكتر، ومش بروح المكتبة الشهر ده.

عندك حق…في رمضان الواحد بيحاول يبعد عن أى حاجة تلهيه.

ضحكت بخفة:
 بالظبط.

اتكلموا بعدها شوية في تفاصيل بسيطة… المدرسة، معاذ اللي بيحكي عنها كتير، وأجواء رمضان. الوقت مر من غير ما يحسوا.

قبل ما يقفل، قال بنبرة صافية:
كل سنة وأنتي طيبة يا حور.

وأنت طيب يا مازن… رمضان كريم.

قفلت التليفون، لكن قلبها كان لسه مشغول بالمكالمة، وكأن الكلام البسيط ده كفاية يخلي يومها كله مختلف.

أيام رمضان عدت بسرعة… ما بين صيام وقيام ومكالمات بسيطة متقطعة بين حور وأم معاذ .
لكن المكالمة اللي كلمها فيها مازن فضلت معلقة في بالها. كل مرة تفتكر نبرته الهادية وهي بتسمعه، تحس إن قلبها بيرتاح.

جاء آخر يوم في رمضان، والمدينة كلها مليانة أنوار وفوانيس وصوت تكبيرات بتتذاع من المساجد. حور خلصت صلاة التراويح وقعدت تجهز هدوم العيد البسيطة اللي ناوية تلبسها… فستان هادي أبيض مليان فراشات بنفسجى ولبست طرحة طويلة نفس لون الفراشات.
حور مش بتخرج في العيد غير للصلاة وبس، بس بتحب تحس ببهجة العيد حتى لو فى البيت.

تاني يوم، أول يوم العيد. صحيت بدري على صوت التكبيرات، توضت ونزلت تصلي العيد في الساحة القريبة. الجو مليان فرحة وبهجة، الأطفال بيلعبوا، البلالين مالية المكان،والبنات لابسين جديد، وهي وسطهم بابتسامة هادية.

بعد ما رجعت حور من صلاة العيد، غيرت هدومها ولبست فستانها البسيط، وقعدت على السفرة الصغيرة قدامها علبة كحك وبسكويت كانت محضراهم من امبارح. الجو في البيت هادي كالعادة، مافيش غير صوت التلفزيون بيذيع تكبيرات العيد.

كانت بتشرب شاي وهي غرقانة في أفكارها، فجأة سمعت خبط على الباب. استغربت جدًا، ماكانش في حد بيزورها أول يوم العيد. قامت بخطوات مترددة، ولما فتحت الباب لقت معاذ واقف قدامها بضحكته البريئة وهو بيقول بصوت عالي:

 مس حوووور… كل سنة وأنتي طيبة!

قبل ما تستوعب، لقيته جري عليها وحضنها بقوة. قلبها اتدفى من فرحته، وابتسمت من قلبها وهي ترد:
وأنت طيب يا حبيبي… العيد أحلى بوجودك.

رفعت عينيها بسرعة، لقت ورا معاذ واقفين أم معاذ بابتسامتها الحنونة، ومازن واقف جنبها مبتسم بخجل. حور اتفاجأت جدًا وقالت باستغراب:
 إيه المفاجأة الحلوة دي؟!

أم معاذ تقدمت منها وقالت وهي ماسكة إيدها:
 مهانش علينا أبداً إنك تقضي العيد لوحدك… فقلنا نيجي نفرحك. اعذريني مكلمتكيش أستأذن قبل ما نيجوا، بس معاذ أصر يعملها مفاجأة ليكي.

دموع الفرح لمعت في عيون حور، حضنت أم معاذ وهي بتقول من قلبها:
 أحلى مفاجأة والله… كل سنة وأنتي طيبة.

وإنتي طيبة يا حور.

حور بصت بخجل ناحية مازن اللي كان واقف ساكت، ولما عينيها قابلت عينيه قال بابتسامة صغيرة:
 كل سنة وأنتي طيبة يا حور.

ردت بسرعة وهي حاسة بدفا غريب جواها:
 وأنت طيب يا مازن.

خطوة صغيرة لورا وهي تفتح الباب أكتر:
 اتفضلوا… البيت نور بيكم والله.

دخلوا الشقة الصغيرة، معاذ أول واحد دخل وهو بيجري ناحية السفرة:
 يااااه! كحك العيد!

أم معاذ ضحكت بخجل وقالت له:
 بس يا معاذ عيب .
ردت عليها حور وهى بتقرب من معاذ وبتديه طبق كعك صغير:
سيبيه براحته ،كل براحتك يا ميزو.

أم معاذ قعدت على الكنبة تبص حواليها بابتسامة دافية:
 بيتك مريح قوي يا حور، تحسيه كده مليان طيبة زي صاحبته.

حور ابتسمت بخجل:
 ربنا يخليكي يا أم معاذ… والله البيت نور بوجودكم.

مازن قعد على طرف الكنبة، عينيه بترقب الموقف في صمت، لكنه كان واضح عليه الارتياح. مجرد إنه شايف حور مبتسمة وشكلها بالفستان اللى لبساه خطف قلبه.

حور دخلت بسرعة على المطبخ، رجعت بعد شوية بصينية عليها كوبايات شاي ومعاها طبق فيه كحك وبسكويت. حطتهم قدامهم وقالت:
 اتفضلوا يا جماعة… كده العيد بقى عيد بالنسبالى والله.

معاذ قار وهو مغطى وشه بالسكر:
أحلى كحك في الدنيا!

ضحكوا كلهم من قلبهم، والجو بقى مليان فرحة.
أم معاذ حطت إيدها على إيد حور وقالت:
والله الواحد مبسوط جدا أنه أتعرف عليكى يا حور .

حور اتأثرت جدًا بالكلام ده، ردت بلطف وصوتها فيه امتنان:
 ربنا يخليكي يا أم معاذ… كلامك غالي عليا قوي.

مازن كان سامع كل كلمة، ومبتسم بهدوء من غير ما يتدخل، بس جواه حس بحاجة غريبة بتكبر كل يوم.

فضلوا قاعدين يتكلموا ويضحكوا، عن المدرسة، وعن ذكريات العيد زمان، وعن أكلات رمضان اللي راحت خلاص. الجو كان بسيط جدًا لكن مليان دفء.

وأول مرة من سنين… حور حست إن بيتها مش فاضي، وإن العيد بقى ليه طعم بوجودهم حواليها.

بعد ما قعدوا شوية مع حور في جو كله دفء وونس، قامت أم معاذ وقالت بابتسامة:
 خلاص هنسيبك ترتاحي يا حور، ومبسوطين جدًا بشوفتك والله.

حور ابتسمت وهي توّدعهم:
ده أنا اللي مبسوطة والله… نورتوني.

معاذ حضنها بسرعة وهو بيقول بطفولة صافية:
كل سنة وإنتي طيبة يا مس حور.

ضحكت وملست على شعره:
وأنت طيب يا ميزو.

خرجوا من عندها، والابتسامة لسه معلقة على وش حور… كأن البيت أخيرًا اتملاله روح بعد سنين من الوحدة.

بعد ما رجعوا من عند حور، كان البيت لسه مليان بجو العيد. معاذ نام بدري من كتر اللعب والجري طول اليوم. مازن قعد في الصالة، ماسك كباية الشاي، وعينيه سرحانة في السقف كأنه بيفكر في حاجة تقيلة على قلبه.

دخلت أم معاذ ماسكة كوباية شاى ف ايدها، حطتها على الطرابيزة وقالت بابتسامة:
شكلك غرقان في التفكير يا مازن مالك كده.

تنهد وقال:
 أيوة… عندي حاجة مهمة في بالي.
بص لها بجدية وهو بياخد نفس عميق:
 أنا عايز أتكلم معاكي شوية يا أم معاذ.

قعدت قصاده، ملامحها بقت جدية:
 خير يا مازن، في إيه؟

قالها بنبرة مليانة صدق:
 بصراحة… أنا عايز أتقدم لحور.
من أول يوم شفتها وأنا حاسس بحاجة مختلفة… بنت محترمة وطيبة، وقدرت تدخل قلبي من غير ما تاخد وقت. اتشدتلها جدًا، وبقيت بفكر فيها كل يوم.

ابتسامة واسعة ظهرت على وش أم معاذ، والفرحة لمعت في عينيها:
 والله يا مازن، أنا كنت نفسي أفتح معاك الموضوع ده من بدري… بس قولت ماحبش أفرض رأيي عليك.
بس بجد يا مازن، حور بنت أصيلة وطيبة جدًا، وتستاهل كل خير.
أنا فرحانة أوي إنك أخدت القرار ده.

مازن حس بارتياح لأول مرة من أيام، وابتسم ابتسامة صافية:
الحمد لله إنك شايفة زيي.
بص لها بامتنان:
 وإن شاء الله هاخد خطوة قريب إني أفاتحها في الموضوع… ادعيلي يا أم معاذ.
إنتي بالنسبالي أختي الكبيرة، ومقدرش أخد أي خطوة من غير ما أرجعلك.

أم معاذ مدت إيدها ولمست إيده بحنان:
 ربنا يسهلك الامور يا مازن ويسعدك يارب.
صدقني… حور هتكون أسعد إنسانة معاك، وإنت هتكون سند ليها اللي طول عمرها مستنياه.

مازن هز راسه بإصرار، وصوته كان كله عزم:
 إن شاء الله… وهعمل كل اللي أقدر عليه علشان أسعدها.

دخل مازن أوضته بعد ما خلص كلامه مع أم معاذ. قعد على السرير، ماسك الموبايل بين إيده وملامحه فيها ارتباك واضح. كان عايز يكتب رسالة لحور، يحكي لها عن اللي في قلبه… لكن كل مرة يكتب حاجة يمسحها تانى ،الخوف من انه يبوظ كل حاجة كان مسيطر عليه.

تنهد وقال لنفسه:
 يمكن أقدر أوصل حاجة من اللى جوايا ليها من غير ما أتكلم .

فتح خانة الحالة وكتب:
وَلَعَلّـنَا مِن بَعد بُعد نَلتَقِي ويَطيب قَلبِي عِندَمَا ألقَاكِ، فَمَا رَأيْتُ أَعَزّ مِنكِ فِي قَلبِي، وَمَا رَغِبتُ فِي أَحَدٍ سِوَاكِ..♡

قرأ الكلام تاني كأنه بيقراه بصوت قلبه، وبعدين ابتسم ابتسامة فيها ارتياح لأول مرة، وضغط نشر.

كتب مازن على حالته الجملة، وساب الموبايل جنبه وهو يتنهد براحة كأنه أخيرًا خرج جزء من اللي جواه.
بس جواه سؤال ما سابهوش:
يا ترى لما حور تشوف الكلام… هتفهم قصده؟
ولا هتعتبرها مجرد كلمات عابرة زي أي كلام بيتكتب ويتنسي؟
--------
 عند حور:
 كانت حور قاعدة على الكنبة ماسكة الموبايل، بتتصفح بسرعة لحد ما عينيها وقفت على حالة مازن.
الكلمات اللي قراها قلبها قبل عقلها:

حور اتسمرت مكانها، قلبها دق بسرعة. حاولت تقنع نفسها إن دي مجرد كلمات، بس جواها صوت بيقول: "هو يقصدك إنتي يا حور."
ابتسمت بخجل وهي تحاول تهرب من الفكرة، لكن طول الليل فضلت الجملة تتردد جواها من غير ما تسيبها لحظة.

---

عدت أيام قليلة بعد العيد، وفي يوم عادي بعد ما رجعت من المدرسة، سمعت خبط على الباب. فتحت، ولقت أم معاذ واقفة ومعاها معاذ، وراهم مازن بملامحه الهادية. قلبها ارتبك من المفاجأة.

دخلوا وقعدوا، وبعد لحظات من الكلام البسيط، أم معاذ ابتسمت وقالت:
مازن عنده حاجة عايز يقولها يا حور.

ساعتها مازن رفع عينيه ليها، وصوته كان هادي لكن مليان صدق:
 حور… من أول يوم عرفتك، لقيت فيكي حاجة مختلفة. طيبة وصدق وأمان… حاجات خلتني أفكر فيكي كل يوم. أنا مش جاي أقول كلام وخلاص، أنا جاي أطلب إيدك من نفسك… ومن ربنا الأول.

حور حست دموعها بتلمع من غير ما تقدر تمنعها. قلبها اتخبط أكتر من أي وقت، بس لأول مرة ما كانش خوف… كان ارتياح.

اتكلمت بصوت واطي ووشها كله خجل:
 يا مازن… أنا مش متعودة على الكلام الكبير ده، بس من يوم ما دخلتوا حياتي، حسيت إني لقيت عيلة وسند. وأنت… أنت بالذات كنت دايمًا مختلف عن أي حد.

ابتسامة دافية اتسعت على وش مازن، وأم معاذ دموع الفرح لمعت في عينيها وهي تقول:
–الله يسعدكم يارب، كنت بدعيلكم باللحظة دي من قلبي.

معاذ قرب منهم وقال بصوت كله فرحة وطفولة:
يعني كده يا مس حور هتبقي معانا على طول؟!

ضحكوا كلهم، والجو اتملأ بدفا وفرحة ما بينهم.

---

بعد فترة بسيطة، اتكتب الكتاب في جو بسيط جدًا، زي ما كانت دايمًا حور بتحب.
وفي أول ليلة بعد كتب الكتاب، حور كتبت على حالتها:

"لستُ وحدي… وجدتُ أخيرًا من يملأ فراغ قلبي بسندٍ وونسٍ وطمأنينة."

مازن شاف الكلام، وابتسم ابتسامة صافية كأنه لقى جوابه.



انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم



شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات