![]() |
رواية حياتي البائسة الفصل الخامس بقلم اسماء مصطفي
حسيت صوتي اتكتم ومعرفتش ارد فقال بحدة
_ ايه؟ مش هتردي
رديت وصوتي بيرتجف
_ الحمدلله، الحمدلله بخير يا عمي
رد عليا باستغراب وقال
_ انا كنت فاكرك موتي وربنا خدك بعد اخر مره لما ابوكي رماكي، انتِ ايه؟ قطة بسبع ارواح؟
في اللحظة دي جه براء واتكلم باستغراب وقال
_ مين دا يا همس؟
لقيت عمي بصلي بغضب وقال بصوت عالي وهو بيحاول يمد ايده عليا
_ انتِ كمان دايرة على حل شعرك وماشية مع رجالة
قبل ما ايده تتمد عليا براء بعدها عني بعنف وقال بعصبية
_ ايدك اكسرهالك قبل ما تتمد عليها وتلمس شعرة وحدة منها، دي مراتي واللي ييجي عليها اكسر عنيه، امشي من هنا ومش عايز اشوف وشك تاني، واوعى الاقيك في يوم تتعرضلها، عشان ساعتها ما تلومش غير نفسك
بصلنا عمي بسخرية وبعدين قال بلا مبالاة
_ مبقتش تفرقلي، انا شفيت غليلي منها طول سنين عمرها اللي فات لما راحت هدر وأذى نفسي وجسدي ليها، حقي خدته منها
المهم كويس اني شوفتك عشان اقولك ان امك ماتت وابوكِ اتعمى وقاعد لوحده محدش بيخدمه، وانا مبسوط فيه وشايف ان حقي بيتردلي ومش هساعده
خلص كلامه ومشي وانا واقفة مصدومة ودموعي نازلة على خدي بصمت، براء حاول يهديني بس مفيش فايدة، خدني من غير كلام وروحنا شقتنا، الخروجة اتقلبت غم ونكد بعد ما كنا مبسوطين، روحنا وقعدني على الكنبة وقعد جنبي وخدني في حضنه
فضلت في حضنه حوالي ربع ساعة وانا بعيط في صمت وحاسة بنغزة في قلبي
بعدني شوية عنه ومسك وشي بين ايديه وقال بحب
_ ممكن تبطلي عياط عشان خاطري وتفهميني مين دا وايه اللي قاله، انا مش فاهم حاجه ولا عارف اساعدك ازاي، اهدي واتكلمي
خدت نفسي وبدأت احكيله، احكيله عن معاناتي قبل وجوده في حياتي
جدي كتب ورثه كله لبابا وحرم عمي عشان كان بيشرب ويسكر ويروح اماكن مشبوهة، كان وحش وبيضيع كل فلوسه لكن بابا كان بيشتغل وبيحب شغله وكون نفسه وفتح مطعم وبعدين كبره وعمله فرعين، عشان كدا جدي كتب الورث كله لبابا وعشان كدا عمي بيكره بابا اوي ودايمًا كان بيعمله مشاكل
بتمر السنين وعمي بيتجوز وحاله بيبدأ يتصلح وبعد فترة بيخلف ولد، الولد دا كان من سني، اتولدنا مع بعض وللاسف في يوم حصل ماس كهربائي والبيت ولع
ماما راحت مشوار وسابتني مع مرات عمي، مراته ماتت في الحريق والجيران حاولوا يلحقونا انا والولد وانا بس اللي طلعت من الحريق وابن عمي مات هو كمان
عمي في الوقت دا كان هيتجنن، كان بيحب مراته اوي وفقدها هو وابنه في يوم واحد، دايمًا كان بيشوف اني السبب في موت مراته وابنه، كان بيقولي اني المفروض انا اللي كنت اكون مكانهم مش هم واني محدش بيحبني
ومن بعد الحادثة دي وعمي رجع زي ما كان في الأول ومحدش رضي يجوزه بنته وهو بحالته دي، غير مسؤول وبيشرب ومش قادر يصرف على نفسه، وبابا وماما مخلفوش غيري وبابا كان عايز ولد، كل مره كانت ماما بنحمل في ولد الحمل مبيكملش، فا كان بابا بيكرهني وعمي استغل النقطة دي وكان بيزود كره بابا ليا اكتر
دايمًا يخلق سيناريوهات وحاجات محصلتش ويتبلى عليا عشان بس بابا يضربني ويعذبني، كان بيخليه يحبسني لوحدي بالساعات من غير اكل وشرب، كان شايف اني خدت ابنه ومراته
فضلنا على الوضع دا لحد اخر مره بابا رماني في اسكندريه وساعتها مريت بمحاولة التحرش وبعدين قابلت براء وبعدها اتغيرت حياتي للأحسن
نهيت كلامي بنظرات أمل وانا كلي رجاء لبراء واتكلمت وقولت
_ عايزه اروح اشوف بابا يا براء، مهما عمل هيفضل ابويا وليه حق عليا، وهو دلوقتي ملهوش حد بعد وفاة ماما وبقى كفيف
_ حاضر يا حبيبي، روحي جهزي نفسك وهنسافر بكرا الفجر
بالفعل اتحركنا الفجر ومشينا بعد ما سبنا يوسف وحنين مع ماما، كنت طول الطريق خايفة، متوترة، بفكر ازاي هتكون اول مقابلة ليا معاه بعد السنين دي، يترى هيعرفني ولا لأ، لو عرفني هيستقبلني ازاي
لقيت براء بيمسك ايدي وبيضغط عليها وهو بيقول بابتسامة هادية
_ متفكريش كتير، هنروح وهتعملي اللي انتِ عايزاه وترضي ربك وترضي ضميرك، اما النتيجة فا سبيها على ربنا
ابتسمت وحطيت راسي على كتفه وانا حاسه بالأمان، دايمًا بينتشلني من أفكاري ويساعدني في كل ظروفي
بعد كام ساعة وصلنا، خدنا تاكسي وروحنا بيتنا، خبطت على الباب لأنه متفتحش معايا، بعد كام دقيقة طلع راجل غريب، اتكلم بهدوء وقال تحت نظرات الاستغراب مني
_ ايوا يا فندم في حاجه
_ هو دا مش بيت الأستاذ شادي
_ لأ حضرتك البيت دا اتباع وانا اشتريته، لكن معرفش حد بالاسم دا
شكرنا الراجل والدموع بدأت تتجمع في عنيا ومش عارفه اعمل ايه، لقيت براء راح سأل راجل وبعدها رجع وقالي
_ ابوكي قاعد مع حد من الجيران عنوانه***
روحنا عند جارنا دا وكان راجل محترم دخلنا في اوضة كان بابا قاعد على كرسي وملامحه باهتة وباين عليه التعب، في اللحظة دي اتكلم بابا وقال وهو مش عارف اننا معاه في الاوضة
_ عايز مية يا مجدي، انا عطشان
روحت جبتله مية وبدأت اشربه، بعد ما شرب اتكلم باستغراب وقال
_ ربنا يجزيكِ كل خير يا بنتي، انتِ مين، مجدي معندهوش بنات
اتكلمت بصوت مخنوق وقولت
_ ليلك الأسود
صمت، صمت بس عم المكان وبابا ملامحه بدأت تتحول للحزن وبدأ بعيط وهو بيقول
_ همس! بنتي
_ ايوا همس، ليلك الأسود زي ما كنت بتناديتي، جيت علشانك يا بابا
كمل كلامه وهو بيعيط وقال بحزن وندم
_ انا اسف يا همس، اسف يا بنتي سامحيني، ربنا ردلك حقك من كل اللي عملته فيكِ، خد مني بصري وعمك بيعني كل حاجتي ورماني في الشارع بعد ما مبقتش اشوف وامك ماتت، لولا مجدي كان زمان كلاب السكك بتنهش فيا دلوقتي، سامحيني يا بنتي
قربت منه وحضنته ومسحتله دموعه وقولت
_ خلاص اللي حصل حصل وكل دا عدى، يمكن عمري ما هقدر انسى ولا اتخطى لكن بتعايش مع الواقع، وانت مهما عملت فيا هتفضل ابويا وواجب عليا ابرك لاخر يوم في عمري، انا هنا عشانك مش عشان نفتح في اللي فات، عشان نفتح صفحة جديدة بدايتها رضا ربنا
_ انا كنت شايل مبلغ مع مجدي، عمك مكنش يعرف عنه حاجه، المبلغ دا يا بنتي ليكِ انا مش عايز حاجه، كلها ايام واموت، كل اللي عايزه بس تسامحيني عشان اقدر اعيش اليومين الباقيين من عمري وانا مرتاح
اليوم دا بيتنا عند عمي مجدي، بصراحة كان رجل محترم ووقور، ربنا يبارك فيه، اتفقنا ان بابا هيسافر معانا اسكندرية وهناخدله شقة بالإيجار جنبنا، عشان اقدر اخدمه واقضيله كل طلباته وارعاه واكون مع جوزي وولادي وعيلتي وحبايبي
تاني يوم سافرنا وخدنا بابا معانا، وخدناله شقة جنبنا زي ما اتفقنا، ومرت الأيام ونوعًا ما اتحسنت علاقتي ببابا وكنت كل يوم بخدمه واقضيله حاجته ودايمًا ولادي معاه بيلعبوا حواليه
يمكن عمري ما هقدر انسى اي أذى سببهولي سواء جسدي أو نفسي، ولا عمري هقدر انسى قسوته عليا والأيام الصعبة اللي عشتها معاه، لكن لازم أبره وأحسن إليه لإنه والدي ولإنه حقه وفرض عليا، ويمكن دلوقتي انا بسامحه لإن لولاه مكنتش قابلت براء ومكانتش دي بقت حياتي، يمكن من غير قسوته عليا اليوم دا مكنش بقا عندي عيلتي دي دلوقتي ولا كان عندي بيتي الهادي دا
دايمًا لازم مهما الأب والأم عملوا، مينفعش نعاملهم وحش او نرفض نساعدهم في وقت حاجتهم لينا، لإن دا فرض ربنا فرضه علينا ودا حقهم، ربنا بيقول
( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا )
يمكن في ناس كتير اتأذت من أهلها ومش هتقدر تسامحهم ولا تحبهم زي الأول ولا حتى تعاملهم زي زمان، لكن خليك فاكر انه واجب عليك تعاملهم كويس حتى لو مش قادر
وخليك دايمًا فاكر *ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا* وخليك فاكر *إن بعد العسر يسرًا* خليك فاكر إن رب الخير لا يأتي إلا بالخير
ودلوقتي بابا قاعد بيحكي ليوسف وحنين قصة زي كل يوم وهم بيسمعوه، حطيت راسي على كتف براء وهو مشى ايده على بطني وقال بحب
_ هنسميها همس، والمره دي قصتها مختلفة، هتكون همس بس بحياة أخرى
ضحكت وقولته
_ احنا لسه في اول شهرين، يعني ممكن يطلع ولد
_ حاسس انها بنت، عايزها شبهك، حنينة واسمها على اسمك، همس
نظرتُ لعينيكِ ذاتَ مرة
وأنتِ تضحكين
أدركتُ حينها
أنني سأقضي ما تبقى من عمري
عالقٌ
في هذهِ النظرة الحنونة .
#تمت
