رواية الغرفة الخالية الفصل السابع بقلم مصطفى محسن
اللحظة اللي وقف فيها الشيخ غلاب قدام حمدول كانت مرعبة.
الاتنين واقفين زي تماثيل… ولا كلمة خارجة منهم، بس العيون بتتكلم.
أنا ومحمد واقفين مش فاهمين حاجة.
أحمد لسه مرمي على الكنبة، بس نفسُه بقى سريع… كأن اللي جواه صاحي وبيتابع المواجهة دي.
الشيخ غلاب قال بصوت هادي، مليان تحذير:
ـ "ما توقعتش أشوفك هنا."
حمدول ابتسم ابتسامة باهتة وقال:
ـ "وأنا كمان… بس يمكن وجودنا هنا مش صدفة."
الجو تقل… حسيت كأن الهوا نفسه بيضغط على صدري.
محمد وشه اصفر وقال:
ـ "يا يوسف… هو إيه اللي بيحصل؟ هما يعرفوا بعض؟"
أنا ما كنتش قادر أرد.
غلاب قرب خطوة من حمدول، ورفع عصايته الخشب اللي ملفوفة بخيوط حمرا… بس ما استخدمهاش.
اكتفى يبص في عينه.
حمدول قال بنبرة غامضة:
ـ "إنت جاي تحميهم… ولا تخلص الموضوع؟"
غلاب شد نفسه وقال:
ـ "أنا جاي أوقف اللي بدأ من سنين… بس واضح إنك مخبي عنهم."
أول ما قال الكلمة دي… أحمد فجأة صرخ صرخة عالية.
الأنوار كلها طفت ورجعت نورت بسرعة، كأن المكان بيتنفس معاهم.
غلاب ما بصش حتى على أحمد، عينه سابتة على حمدول.
غمغم بكلمة قصيرة:
ـ "لسه فاكرين."
حمدول رد من غير تردد:
ـ "النسيان مش بإيدينا."
وسكتوا.
وسابونا إحنا غرقانين في رعبنا… مش عارفين مين فيهم "المنقذ" ومين "العدو".
بعد اللي حصل، حمدول دخل أوضته.
الشيخ غلاب بص ليا ولمحمد وقال بهدوء:
ـ "متخافوش يا ولاد… كل حاجة هتبقى بخير."
قلت له بحدة:
ـ "طمني… هو فيه إيه؟"
غلاب رد وهو ماشي:
ـ "هتعرف كل حاجة في الوقت المناسب."
وسابني واقف بين الرعب والفضول، مش عارف أصدق كلامه ولا لأ.
بعد ما مشي غلاب، الجو في الشقة تقل أكتر من الأول.
أحمد كان قاعد على الكنبة، جسمه بيرتعش، وصوت غريب بيخرج من صدره… همهمات بلغات مش مفهومة.
محمد قرب مني وقال بصوت واطي:
ـ "يا يوسف… عين أحمد سودا. مش طبيعية."
وأنا لسه بهز راسي… أحمد فجأة وقف.
ابتسم ابتسامة مكسورة وبدأ يضحك ضحكة عالية مش شبهه.
الضحكة رجّت الشقة كلها… والنور بقى يقفل ويفتح زي المرة الأولى.
محمد صرخ:
ـ "امسكه!"
قربت أمسكه… إيده كانت سخنة جدًا، كأنها نار.
زقيت نفسي بعيد، وهو فضل يضحك وبعدين وقع قاعد كأن ما حصلش حاجة.
وقتها… باب أوضة حمدول اتفتح.
خرج واقف في الطرقة، صوته غليظ:
ـ "خلي بالكوا… غلاب مش زي ما متصورين."
بصيت له بحدة:
ـ "إزاي يعني؟! ده أبويا هو اللي بعتهولي مخصوص!"
هز راسه وقال بهدوء مرعب:
ـ "اللي إنت كلمته… مش أبوك."
الكلمة نزلت عليا زي صاعقة.
قلبي بيخبط بسرعة، عقلي رافض يصدق.
مسكت الموبايل أبص على آخر مكالمة… الرقم رقم أبويا فعلًا.
بس جوايا حاجة قالتلي: يمكن حمدول صح.
محمد كان واقف مرعوب… عينه رايحة جاية بيني وبين حمدول.
وأحمد لسه بيهمس بكلام مش مفهوم.
حمدول قال بصوت قوي:
ـ "إنتوا ليكوا الاختيار."
ودخل أوضته وقفل الباب.
محمد قرب مني وقال بهمس:
ـ "يوسف… هو أحمد بيعمل كده ليه؟"
قبل ما أرد… أحمد فتح عينه.
السواد جواها أعمق من أي مرة.
وقف بهدوء… خطواته تقيلة.
بص ليا مباشرة وقال بصوت مش صوته:
ـ "إنت السبب… وإنت أول واحد لازم تدفع التمن."
جري عليا بسرعة غير طبيعية.
زقني على الحيطة، وإيده نازلة على رقبتي… سخنة لدرجة حسيت جلدي بيسيح.
محمد حاول يشده، لكن أحمد لف ورماه على الأرض كأنه عنده قوة خارقة.
محمد اتخبط راسه في الترابيزة وفضل يتوجع.
أنا كنت بتخنق… وأحمد بيهمس في ودني:
ـ "أنا مش لوحدي… إحنا كتير جوا."
كنت هافقد الوعي… لحد ما باب أوضة حمدول اتفتح بعنف.
خرج حمدول ماسك عصا ملفوفة بخيوط حمرا.
قرب بخطوات سريعة، وصوته جهوري:
ـ "سِتر الغيب حواليك… مفيش شر يقرب ليك… خَطّ مرسوم حواليك… يرد العين ويبعد الضلال."
فجأة، إيد أحمد اتفكت من على رقبتي.
وقع على الأرض يصرخ صرخة هزت الشقة.
النور لعب تاني، والمروحة لفت بسرعة مرعبة كأنها هتطير.
حمدول رفع العصا فوق راسه وقال:
ـ "طَوق سِتر مخفي… كل نفس خبيث يرجع للهوى."
أحمد اتشنج، جسمه بيتلوي، عينه بتفتح وتقفل بسرعة…
وبعدين فجأة هدي وسكت… كأنه أغمي عليه.
أنا قاعد على الأرض مش قادر أتنفس، ومحمد لسه بيحاول يقوم.
بصيت على حمدول… لقيته واقف فوق أحمد، ساكت.
بس في عينه مش بس قلق… في حاجة تانية.
حاجة بتقول إنه مش بينقذنا إحنا… هو بينقذ "أحمد" عشان سر هو بس يعرفه.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم