رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل المائة وستة
اليوم تنعكس الصورة أمامها بوضوح، صورة حقيقية تتجسد دون تزيف ولا يُمكن لا أحد أن يتصنعها حتى يظهر أمامك بصورة غير صورته.
مسحت "زينب" تلك الدمعة التي فرت من عينيها ثم أطرقت رأسها حتى لا ينتبهوا على دموعها كُلما نظرت إليهم وهم جاثين على ركبهم عند قبر "سارة" ويسألونها إذا كانت سعيدة بتلك الأشياء التي جلبوها لها أم تُريد المزيد.
_ مامي أنا و بابي جيبنا ليكي كل حاجة بتحبيها، بابي قالي إنك كنتي بتحبي اللون الأحمر... وأنا رسمتك ماسكة في أيدك بلونه حمرا و ورد أحمر كتير تحت رجلك عشان هو قالي إنك بتحبيهم وكمان بتحبي غزل البنات والشكولاته... مامي تعالي ليا في أحلامي كتير من فضلك.
لم تتحمل "زينب" سماع المزيد من كلام الصغير وأنسحبت من جانبهم بخطوات سريعة جعلت "صالح" يلتف جهتها ومثله فعل "يزيد".
_ "زوزو" راحت فين يا بابي، هي مش عايزه تتكلم مع مامي ليه ولا هي مش بتحبها زي ما جدو قال.
أسبل "صالح" جفنيه ثم استدار جهة صغيره مُداعبًا خصلات شعره.
_ "يزيد" يا حبيبي أنت نسيت إن "زينب" زيك الـ مامي بتاعتها ماتت وهي صغيرة وكمان معندهاش بابا.. هي أكيد افتكرتهم يا حبيبي.
_ صح يا بابي، نسيت إن "زوزو" معندهاش لا مامي ولا بابي، أنا هروح أمسك أيدها وأجيبها تقف معانا عشان اللي بيعيط لوحده هنا ، العفريت ممكن ياكله علطول.
أبتسم "صالح" أبتسامة باهته قائلًا بصوت رخيم.
_ روحلها يا حبيبي وأمسك أيدها وهاتها عشان متفضلش لوحدها ،مش ديه "زوزو" حببتك...
هزّ "يزيد" رأسه دون تفكير متمتمًا.
_ أيوة يا بابي، أنا بحب "زوزو" أوي أوي عشان هي بتعمل ليا كل حاجة بحبها.
اهتزت أجفان "صالح" وهو يرى صغيره يركض إليها ثم عاد ينفض بنطاله الذي أتسخ من تلك الأتربة التي علقت به ونظر نحو رباط البلونتين وتنهد.
_ مكنتش بحب أجيبوا ليكي لما بدء يسأل عنك ويقولي روحتي فين.
وبوجع أردف، فــ ذكرى الحادثة لا تغيب عن عقله حتى مع مرور السنوات.
_ "يزيد" لما بيشوف الدم بيفضل يصرخ وينطق أسمك وهو مش حاسس ، أبننا كان بيضيع يا "سارة" وأنا كنت بضيع معاه.
هبَّت ريح خفيفة داعبت خديه بلطف ،فأبتسم وألتف بجسده ينظر نحوهم.
_ شايفه يا "سارة"، هي ديه الست اللي دخلت حياتنا وغيرتنا وخلتني أقدر أجي ليكي بأبننا وأحكيله عنك ، سامحيني يا بنت عمي وأوعدك هقف في وش "شاكر" باشا بالقوي عشان ميهدمش عيلتنا من تاني، عيلتنا اللي أنتِ هتكوني ديمًا موجوده فيها.
رفعت "زينب" عيناها في اللحظة التي اِستدار فيها "صالح" وعاد ينظر إلى قبر زوجته الراحلة.
_ "زوزو"، متعيطيش...
هتف بها "يزيد " ثم أسرع بمدَّ يده لها بالمنديل الذي معه.
_ خدي المنديل بتاعي أمسحي دموعك.
نظرت "زينب" إليه ثم إلى المنديل الذي يمده لها ، أرتجف قلبها وعادت الدموع إلى عينيها.
_ هتعيطي تاني يا "زوزو"، هتكوني بنت وحشة ومش هنجيبلك أنا وبابي حاجة حلوة..
لم تشعر "زينب" بنفسها إلا وهي تُحرر دموعها الحبيسة لتفيض على وجنتيها.
_ "زوزو"....
أسرعت بأحتضان "يزيد" قبل أن يستطرد في حديثه ويقترب منهم صالح الذي أنتبه على وضعهم وأصابه القلق.
وضع "يزيد" رأسه على بطنها مُتشبثًا بها بقوة متمتمًا.
_ هاتي نونو بنت يا "زوزو"، ونسميها "سارة"..
أرتعش جسد "زينب" وتوقفت عن ذرف الدموع ، وقف "صالح" مكانه ينظر إليهم دون حركة.
_ أنا حلمت إنك شايله نونو صغير حلو وسألتك مين ده قولتيلي، أختك وخلتيني أشيلها وأبوسها على خدها..
وأبتعد "يزيد" عنها حتى يتمكن من رؤية وجهها بوضوح ثم نظر نحو والده الذي وقف مُحدقًا بهم وأسترسل بحديثه الطفولي.
_ ولما سألتك هنسميها إيه قولتيلي "سارة"...
تعالت أنفاس "زينب" وتقابلت عيناها بعينين "صالح" وأنتقلت عيناه هذه المرة نحو بطنها وكأنه يُخبرها من نظرته إن حلم صغيره تحقق وأن صغيرته التي لم تُخبره بعد عنها... هنا في رحمها تنمو.
_ بابي الحلم هيتحقق صح.. وهنسمي النونو "سارة".
أخفت "زينب" عيناها عنه بأشاحة وجهها، فأبتسم وتعمق بالنظر إليها.
_ ما دام "زوزو" في الحلم قالتلك إنها "سارة" متقلقش "زوزو" بتنفذ وعودها يا حبيبي عشان هي كبيرة وعاقلة...
أتجهت "زينب" بأنظارها التي أتضح فيها نظرة زادته يقينًا بما تخفيه عنه ولا يعلم السبب.
_ "زوزو" تعالي معايا عشان تقولي لـ مامي إنك هتجيبي بنت حلوه زيها وتسميها "سارة" عشان أنتِ بتحبيها.
وألتقط "يزيد" يدها وسحبها ورائه لتسمع غمغمته الساخرة والواضحة.
_ مبروك يا أم "سارة".
....
أتجهت "ليلى" نحو مسكن عمها بخطوات تحمل أبتسامتها من تلك السعادة التي تشعر بها ثم وقفت مكانها عندما أستمعت إلى صوت "سيف" الذي يبدو إنه على عجالة من أمره وهو يسير جهتها.
_ "ليلى"، "ليلى".
أبتسمت ونظرت إليه وقد أتت الفرصة لها حتى تشكره على ما فعله معها وقبل أن تتحدث بكلمات شكر، هتف قائلًا:
_ شكلك مبسوطة ،بصراحة الأبتسامة بتليق عليكي وبتنور وشك...
أرتبكت وأخفضت رأسها بخجل ، خجل كان يراه فيما مضى مُصطنعًا حتى تخدعهم بصورتها المُزيفة لكن مع مرور الأيام تأكد أن شيطانه مع والدته هم من صوروا له هذا.
_ أنا عارفه إن أنت اللي خليت "عزيز" ينتبه على معاملته ليا ولو مكنتش عملت كده أنا كنت واخده قراري إني أمشي.
كشَّر "سيف" بوجهه بتكشيرة مُضحكة وتساءل.
_ وكنتي هتقدري يا "ليلى"..
رفعت رأسها ثم هزتها بمرارة وقالت وهي تبتلع ريقها.
_ لأ مكنتش هقدر لكن كنت هحاول، أنا برضو عندي كرامة مش عشان أنا ماليش حد...
انقطعت الكلمات من بين شفتيها وأجهشت بالبكاء ، فشعر "سيف" بالأسف نحوها واضعًا بيده على خصلات شعره فهو في المواساة ليس إلا أحمقًا.
_ هو عمي معرفش يصالح كويس أمبارح ولا إيه ، لأ كده أشد عليه زيادة.
مزحته أصابت هدفها وتوقفت عن البكاء وأسرعت برفع يديها عن وجهها.
ضحك "سيف" عندما رأها تُرفرف بأهدابها وخديها توردوا من البكاء وخجلها.
_ ها قولي أشد ليكي على ودن الكبير بتاعنا وأقوله قصرت ولا...
اِستدارت "ليلى" بكامل جسدها حتى تخفي أحمرار خديها وتمتمت بصوت مُتحشرج.
_ لأ خلاص أنا سامحته وهو وعدني إنه هيصارحني عن السبب قريب.
ألتمعت عينين "سيف" وقال برجاء.
_ أنا كنت بنادي عليكي عشان كده يا "ليلى"، أنا متأكد إن عمي مخبي علينا حاجة مش قادر يصارحنا بيها وخايف يكون تعبان...
أطلقت "ليلى" شهقة قوية وألتفت إليه وفي عينيها ظهر الذعر.
_ "عزيز" تعبان، "عزيز" عنده إيه...
حرك "سيف" رأسه بحيرة.
_ معرفتش، ما أنا بقولك مخبي علينا حاجة وأنتِ الوحيدة ومتأكد من كده كمان... إنه أكيد هيصارحك.
تقابلت عيناهم ، فأردف وهو يمسح على وجهه.
_ عمي بيحبك يا "ليلى" لكن في حاجة كبيرة مخلياه بالشكل ده ، أنا هحاول أعرف بطريقتي وأنتِ كمان أستخدمي ذكائك كـ ست وحاولي من فضلك تعرفي..
وضعت "ليلى" يدها على صدرها بخوف بعدما بدأت دقات قلبها تتصاعد بوتيرة غير منتظمة.
_ لا لا ،"عزيز" مفيهوش حاجة متخوفنيش، أنا مقدرش أعيش من غيره، هو كل حاجة في حياتي...
تنهد "سيف" بقوة ثم تمالك نفسه وأبتسم ومازحها.
_ ما يمكن خوفنا ده غلط وعمي بيلعب بديله من وراكي...
قالها وتراجع مُترقبًا ردة فعلها وقد تحولت نظرتها القلقة إلى الشر.
_ أنا بقول أمشي عشان العمال أكيد مستنيني وأنا اصلا السبب في عطلت الشغل النهاردة، لأن نسيت مفتاح الورشة.
زمّت "ليلى" شفتيها بعبوس وهتفت صائحة.
_ خوفتني وشككتني في "عزيز" في كام دقيقه،أنا دلوقتي أفكر إزاي وأشغل عقلي...
داعبت شفتيّ "سيف" أبتسامة خفيفة وألقى عليها نظرة خاطفة أنتبها من خلالها على تلك الحشرة القريبة منها.
_ وطي رأسك يا "ليلى".
واندفع جهتها عندما وجدها تُحرك رأسها بحماقة ثم ألتقط ذراعها حتى لا تلدغها الحشرة.
_ خوفتني حرام عليك.
رد بعدما ترك ذراعها.
_ أقولك وطي رأسك ،تحركيها ،. أنا دلوقتي عرفت عمي ممكن يخونك ليه.
أشتعلت عيناها بنظرة مُستاءة، فهرول من أمامها ضاحكًا.
_ والله أنتِ مصيبة وقعت على رأسنا لكن مصيبة حلوة...
ازاحت "شهد" الستار بعنف بعدما شاهدتهم متمتمة بوجه حانق.
_ مكنتش بتطيق تشوفها يا "سيف" ، دلوقتي "ليلى" بقت حلوة في عينك وواقف تهزر معاها ، طلعتي خبيثة يا "ليلى" زي ما طنط "سمية" قالت وأنا غبية عشان كنت بدافع عنك.
توهجت عينين "ليلي" بلمعة أختفت سريعًا عندما عاد الخوف يُسيطر عليها.
_ لأ لأ ، "عزيز" كويس، يا رب مشوفش فيه حاجة وحشة.
ثم مطت شفتيها وتركت عقلها أن يُفكر قليلًا.
_ "عزيز" راجل مش خاين، ده بيخاف ربنا أوي... هو في حاجة أكيد مخبيها عليا ولازم أحاول أعرفها بشطارتي.
وشطارة الزوجة التي تعرفها "ليلى" وعلمتها لها "عائشة" والدتها التي تبنتها.
« الراجل بيبوح لـ مراته بكل حاجة وهي في حضنه يا "ليلى"، أنا عارفه إن بنتي لما تتجوز هتكون زوجة شاطرة.»
_ "عزيز" رجع لحضني ولازم أفهم منه ليه كان بعيد عني وأتغير فجأة...أنا مش مصدقه إن "عزيز" قلبه يقسى عليا فجأة من غير سبب.
غمغمت بحديثها في نفسها ثم طأطأت رأسها و ترقرقت الدموع في عينها، فهي تخاف من ذلك اليوم الذي يضجر فيه "عزيز" منها بعدما يجد امرأة تليق به.
_ لازم تنجحي في شغلك يا "ليلى" عشان تفاجئ "عزيز" إنك تقدري تنجحي لواحدك لأنه لو عرف كان هيعمل زي ما عمل في موضوع الشقة.
أخذتها دوامة أفكارها لبعض الوقت ، فــ أنتشلها رنين هاتفها وأسرعت بالتحرك نحو مسكن عمها حتى تُبلغ زوجة عمها بما قررت أن تفعله وتستأذنها.
طرقت "ليلى" الباب وأنتظرت أن تفتح لها زوجة عمها كالعادة لتضيق حدقتاها ونظرت بدهشة إلى "شهد" التي فتحت لها الباب وسارت من أمامها تُخبرها بنبرة صوت تحمل ضيقها.
_ ماما مش هنا، خرجت مع خالي "سعيد" يشتروا شوية طلبات...
حدقت "ليلى" بها ثم انفرج ثغرها بأبتسامة ونفضت ذلك الشعور الذي أقتحمها.
_ أنا عارفه إن عم "سعيد" خرج لكن معرفش إن مرات عمي خرجت معاه، أكيد راحت تشتري الخامات اللي بنحتاجها في الشغل.
اِستدارت "شهد" إليها ورمقتها بنظرة مُحتقرة لم تُلاحظها "ليلى".
_ طب ما أنتِ عارفة أهو، في حاجة بقى عايزاها مني...
تلاشت أبتسامة "ليلى" وأقتربت منها.
_ مالك يا "شهد" بتكلميني كده ليه ،أنا زعلتك في حاجة.
زفرت "شهد" أنفاسها بتأفف وردت وهي تتحرك نحو غرفتها.
_ "ليلى"، أنا دماغي مصدعه ومش واخده أجازه من...
كاد أن ينفلت لسانها لكن أنتبهت وأردفت.
_ أنا مردتش أروح الجامعة عشان مخنوقة من الدراسة ومن الكلية.
أسرعت "ليلى" بالتحرك ورائها.
_ لسا برضو متأقلمتيش على الكلية ، ده حلمك وحلم عمي يا "شهد" ، أقولك على حاجة ألتزمي في الصلاة وأدعي ربنا هتلاقي خنقتك راحت علطول...
التفت "شهد" إليها ورمقتها بنفس النطرة التي غفلت "ليلى" عنها.
_ "ليلى" ، أنا هنام ممكن تخرجي من الأوضة...
تراجعت "ليلى" بخطواتها بذهول وكادت أن تغادر الغرفة بعد وقاحة "شهد" إلا إنها تذكرت شعورها بالاختناق لذلك لم تذهب إلى جامعتها.
_ "شهد" ، فيكي إيه، أحكيلي أنا بنت عمك...
وأقتربت "ليلى" منها، فأشاحت "شهد" بوجهها عنها لتجلس "ليلى" علي الفراش الذي كان لها من قبل.
_ طب أقولك على حاجة ممكن تخليكي تغيري جو وأنا عارفة إنك كنتي عايزه تقصي شعرك وتغيري لونه... إيه رأيك تيجي معايا.
قطبت "شهد" جبينها وحدقت بها مُتسائلة.
_ أجي معاكي فين... ؟
اِفتر ثغر "ليلى" بأبتسامة خفيفة ولم تقصد أن تظهر حماسها وأخذت تُخبرها عن أقتراح "كارولين".
_ عايزاني أروح معاكي فين؟
تفاجأت "ليلى" من ردة فعلها و أختفت أبتسامتها ثم نظرت إليها بفزع وقد أدهشها صراخها عليها.
_ بابا مكملش تلت شهور على وفاته ، وأنتِ عايزاني أروح معاكي أنتِ و "كارولين" هانم عشان تظبطوا من نفسكم وكل واحدة فيكم ترجع عروسة لجوزها من تاني و تقضوها حب ودلع ، أنتِ إيه معندكيش دم خالص ولا أحساس..
أنتفض جسدها برعشة قوية ثم أطرقت رأسها وشعرت بالذنب وتفاقَم هذا الشعور داخلها عندما وجدت "شهد" تبكي وتدور حول نفسها.
_ ما أنتِ متعرفيش يعني إيه أب...
جف حلق "ليلى" وجحظت عيناها ثم رفرفت بأهدابها بعدما بدأت تستوعب قسوة كلامها.
_ ياريتك ما دورتي علينا ولا شوفناكي ، أنتِ نحس علينا، نحس زي "كارولين" ...
أبتلعت "ليلى" لعابها غير مُصدقة ما تسمعه من أبنة عمها ،فما الذي فعلته يستحق هذا.
انسابت دموعها ثم خرج صوتها بنبرة مُرتجفة.
_ أنا نحس يا "شهد"!!
أرتفعت ضحكات "شهد" بجنون ونظرت إليها بحقد.
_ أيوة نحس وأوعي تكوني مش واخدة بالك.. ده حتى مشروعك أنتِ و ماما بيخسر مش بيكسب...
...
ألقت "سمية" كل ما تطوله يديها من على طاولة مكتبها بعدما رأت الرسالة المُرسلة من "ليلى"، تُخبر فيها "كارولين" إنها لا تستطيع الذهاب معها لأنها أبلغت "عزيز" ورفض الأمر.
_ بعد ما جهزت كل حاجة ، عرفت تفلت من أيدي، كان نفسي أكسر مناخيرك المرفوعة يا "عزيز" وأعرفك أنك متجوزتش واحدة شريفة وبتحاول تميل أبني ليها...
وشردت "سمية" فيما خططت له وكيف كانت ستأتي بأبنها إلى ذلك المركز الذي صار مُجهز للقاء الفاضح.
صاحت "سمية" فجأة وحدقت بـ "كارولين" التي ارتعدت خوفًا.
_ أتصلي بيها...
أجابتها "كارولين" بصوت مهزوز.
_ الهاتف أنغلق...
أشاحت "سمية" بوجهها وأطبقت يديها وأخذت تلتقط أنفاسها بهدوء.
_ أخرجي مش عايزه أشوف حد قدامي دلوقتي...
فرت "كارولين" من الغرفة ولأول مره تشعر بالندم من تعاونها معها.
....
خرجت "سما" من مبنى المطار وفي عينيها نظرة ذهول ثم نظرت إلى المبنى وتساءلت.
_ معقول أخدت أجازه أسبوعين أفكر فيهم إذا كنت عايزه أكمل في الضيافة او أتنقل لقسم تاني ، لأ وكمان التحقيق في المُشاجرة أتقفل وكأنه محصلش...
وأحتلت الدهشة قسمات وجهها للحظة ثم أتسعت أبتسامتها وألتمعت عيناها.
_ مافيش غيره عملها هو اللي يملك السلطة إنه يغير بعض القرارت وطبعًا الموضوع وراه من الأساس حد واحد وبس...
فتحت "زينب" باب السيارة بعدما اشتروا جميع الأغراض التي يحتاجونها في رحلتهم التي لم يفصح لها عنها حتى "يزيد" تحالف معه.
_ نفسي أعرف ليه المرادي مخليني ماشية وراكم زي المغفلة...
أبتسم "صالح" ونظر إليها ، فوجدها غير عابئة برنين هاتفها الذي صدح صوته.
_ ردي علي تليفونك يا حضرت المغفلة وأفتكري إنك غفلتيني ولسا مغفلاني...
هربت "زينب" بعينيها عنه، فتساءل "يزيد".
_ مين المغفل يا بابي...
داعب "صالح" خدين صغيره ثم ساعده حتى يدخل السيارة.
_ متركزش معانا يا حبيبي.
توترت "زينب" ،فهتف بها.
_ تليفونك بيرن للمرة التانية، ردي عشان هنقفل تليفوناتنا خالص... عايزين نستجم في رحلتنا.
ألتقطت" زينب" الهاتف ثم نظرت بغرابة إلى رقم المتصل وتمتمت.
_ ديه "سما".
وردت على الفور لتهتف "سما".
_ "زوزو" أنتِ فين عايزه، لو في البيت هجيلك ولا أقولك تعالي نتقابل.
تقابلت عيناها بعينين "صالح" الذي صعد السيارة.
_ لأ، أنا مش في البيت ، وهغيب يومين كده، أنتِ كويسة يا "سما".
انتاب "سما" القلق وهي تتحرك نحو سيارتها.
_ هتختفي على فين، أنتِ شكلك بره... هو الكابتن هيخطفك ولا إيه... ؟
أستمع "صالح" إلى عبارتها وألتقط الهاتف.
_ أه هخطفها يا "سما" هانم ويلا الأجازة بتاعتك بدأت أنتِ كمان وبعدين تبلغيني بقرارك وعلى فكرة مش "زينب" سبب تدخلي في موضوع خناقتك مع زميلتك... حضرت الرائد هو السبب... أبقى أشكري هو.
أنهى "صالح" المكالمة دون أن يعطيها فرصة للرد ونظر نحو "زينب" التي فتحت فمها مدهوشة.
_ أقفلي بؤك ومتسأليش عشان عقابًا ليكي علي تغفيلتك ليا هخليكي كده لمدة محتارة في حاجات كتير.
عبست بشفتيها حانقة وصاحت بصوت خفيض.
_ هو أنا عملت إيه!!
أرتفع كلا حاجبين "صالح" ، فوضع "يزيد" يديه على مقعديهم مُتسائلًا وهو يُحرك رأسه بينهم.
_ صح يا بابي، هي "زوزو" عملت إيه، ده حتى النهاردة بتسمع الكلام ومش بتسأل كتير وماشية معانا زي المغفلة.
خرجت شهقة خافتة من شفتيّ "زينب" ، فأبتعد "يزيد" عندما ألتقط نظرة والده له في المرآة.
_ أعتذر من "زينب" يا "يزيد" حالا بدل ما أغير قراري ومنكملش رحلتنا.
أسرع "يزيد" بالأعتذار.
_ أنا آسف يا "زوزو"، متزعليش.
اِستدارت "زينب" إليه وعلى ثغرها أبتسامة عريضة.
_ خلاص يا حبيبي مش زعلانه أنا عارفه إنك متقصدش.
رمقها "صالح" بنظرة سريعة، فنظرت إليه ثم إلى "يزيد" .
_ "صالح" وقف العربية ، أنا عايزه أقعد ورا جانب "يزيد" نلعب سوا على التابلت بتاعه...
أختطف" صالح" نظرة ماقتة إليها دون رد ، فصاح "يزيد" بحماس.
_ بابي ، وقف العربية وخليها تقعد جانبي...
عقدت" زينب" ساعديها أمامها بتذمر عندما وجدته لا يعطيهم أهتمامًا.
_ أنا عايزه أقعد ورا ، وقف العربية...
قال دون أن ينظر إليها.
_ ما أنا عايش مع أطفال، أما أشوف الفرد التالت هيكون إيه نظامه.
_ تقصد مين يا بابي؟
تساءل يزيد وهو ينقل عيناه بينهم.
_ النونو اللي في بطن "زوزو" يا حبيبي، مش أنت حلمت بي برضو.
وعبارة أخرى يؤكد لها فيها بمعرفته عما أخفته ثم أبتسم بخبث عندما رأها تشيح بوجهها وانخرست عن مجادلته.
....
دخلت "زينة" المنزل الذي وطأت قدماها داخله قبل ذلك ثم فركت يديها بتوتر وسارت نحو الجهة التي يقف فيها ويتحدث بالهاتف.
توقفت ورائه ونظرت إليه بنظرة مُشتاقة، فأستدار "هشام" إليها بملامح جامده.
تحركت بخطواتها إلى الوراء وأبتعلت ريقها وهي ترى نظرته المصوبة نحوها.
_ تمام، أنهي كل المطلوب منك..
وأرتعش جسدها عندما رأته يرمقها بنظرة ثاقبة ثم هز رأسه يسأل نفسه ، كيف أستطاعت تلك الفتاة اِستدراجه بهيئتها الطفولية وأسقطته في الخطيئة وجعلته يلعن ضعفه كل ليلة وهو يتخيل ما عاشه معها.
اشاح بوجهه وتحرك من أمامها مُطلقًا زفيرًا قويًا.
_ تعالي أقعدي عايز أتكلم معاكي....
سارت ورائه في طاعة ثم جلست حيث أشار إليها.
_ تفتكري يا "زينة" أنا طلبتك ليه النهاردة؟
أسبلت أهدابها ثم خرج صوتها مُتحشرجًا وخافتًا.
_ عشان وحشتك، أنت قولتلي كده.
ضحك "هشام" ، فرفعت عيناها إليه وأردفت بغصة.
_ أنا موحشتكش، طب ليه أتصلت عليا بعد ما كنت عامل ليا حظر لكل الأرقام اللي بتعرف إنها بتاعتي...
كاد أن يبدء حديثه عن ما سوف تفعله زوجته وسعيها على تزويج "قصي" منها لكن نهوضها من مكانها ثم جلوسها أسفل قدميه ، جعله يشعر بالذهول.
_ أنت ليه مش عايزني في حياتك، أنا مستعدة أعمل أي حاجة عشان أكون معاك...
بدأت بالبكاء والتوسل لتحتد ملامح "هشام" لوهلة ثم نفضها عنه ونهض سريعًا.
_ "زينة"، أنا جايبك هنا عشان أحذرك للمرة الأخيرة... أي أقتراح من "لبنى" مراتي لموضوع خطوبتك من "قصي" تتكلم في مع خالتك مرفوض.
هزت رأسها وردت دون جدال.
_ حاضر، هو خلاص مبقاش ينفع عشان أنا مراتك مش كده.
صعقته الكلمة، فهل أصبحت تعتبر نفسها زوجته.
_ لأ أنتِ مش مراتي يا "زينة" ، ديه حتت ورقة صحيح أنا مقطعتهاش لسا لكن ...
برقت عينين "زينة" ، فهو لم ينهي زواجهم الذي يُنكره وسرعان ما أختفى هذا البريق وهو تسمعه يقول بحدة.
_ عموما أنا مقرر أحرقها قدامك النهاردة ، وزي ما قولتلك تنسي أي حاجة جمعتنا وكده كده أنتِ مكنتيش بنت متحسسنيش بالذنب.
أغرقت الدموع خديها وهزت رأسها وهي تُحاول النهوض.
_ بس أنت أول راجل يلمسني بجد ، هما، هما أغتصبوني...
تهدجت أنفاس "هشام" وتساءل.
_ بتقولي إيه!!
شعرت بالأختناق ونظرت إلى الأرض وهي تترنح.
_ أنا معرفهومش، لما صحيت من النوم عرفت إني مبقتش بنت...
قالتها ثم سقطت مُغشية عليها بعدما تذكرت صراخ والدها تلك الليلة ومحاولته لقتلها حتى يخفي عارها وألا تكون نقطة ضعفه بذلك الشريط المُسجل عليه ما حدث.
صرخ "هشام" وأقترب منها بخوف جاثيًا على ركبتيه.
_ "زينة"، "زينة" فوقي... "زينة".
....
دخل "عزيز" الغرفة مهمومًا بعد أن أخبره الطبيب بأن قرار إخفاء علاجه عن زوجته خطأ كبير وعليه أن يُخبرها عن تلك المرحلة حتى تكون بجانبه و ربما يخضع لعملية واحدة أو أثنتين لأن هذا ضروري في حالته.
رفع رأسه وضاع همه عندما أستمع إلى صوت بكائها.
_" ليلى" ، مالك... بتعيطي كده ليه؟
أخفت وجهها بيديها، فأتجه إليها وفي عينيه الهلع.
_ لأ مش معقول تكوني لسا زعلانه مني ، طب بصيلي،
" ليلى" أرجوكي بصيلي عشان خاطري ده أنا محتاج حضنك أوي النهاردة.
توقفت عن البكاء ورفعت يديها عن وجهها وبصوت متقطع تساءلت وهي تلعق دموعها.
_ "عزيز" هو أنت تعبان.
أسرع بضمها إلى صدره حتى يخفي رقرقة الدموع في عينيه.
_ تعبان أوي يا "ليلى"، تعبان...
شحب وجهها وحاولت دفعه عنها حتى ترى وجهه وتفهم سبب علّته.
_ "عزيز"،قولي حاسس بأيه... خلينا نروح للدكتور طيب..
تمسك بها دافنًا رأسه في حضنها ، فأخذت تتساءل بلسان ثقيل.
_ قلبك بيوجعك ولا إيه بالظبط... "عزيز" رد عليا.
ازداد في تمسكه بها.
_ خليني في حضنك يا " ليلى" ومتسأليش...
دمعت عيناها هذه المرة من أجله ومررت يدها على ظهره.
_ طب قولي وريحني فيك إيه.
أبتعد عنها ووقف سريعا مُنتصبًا حتى لا ترى دموعه.
_ أنا هدخل الحمام أتوضا وأصلي لأني حاسس نفسي مخنوق أوي.
تحرك من أمامها دون أن يعطيها فرصة للتساؤل مجددًا وقد أقتحم عقلها العديد من الأفكار التي زادتها أختناقًا.
أغلق باب الحمام ثم استند إليه وحرر دموعه الحبيسة.
_ هتفضل في دايرة من الكذب طول ما أنت مخبي عليها وهتفضل هي معاك في دايرة من الحيرة...
ولولا معرفته أنه أختار المكان الذي لا يصلح فيه البكاء لكان بكى بكل قوته.
أطبق جفنيه لدقائق ثم فتحهما بعدما أستمع إلى طرقاتها على الباب ودلوفها.
_ "عزيز" ، مش هسيبك غير لما تقولي فيك إيه... أو أخدك من أيدك ونروح للدكتور.
...
رفرفت "زينة" بأهدابها عدة مرات بعدما بدأت تلك الرائحة القوية الخاصة به تتسلل إلى أنفها.
_ "زينة"، أنت سمعاني، أفتحي عينك.
فتحت عينيها ببطء، فزفر "هشام" أنفاسه دفعة واحدة.
_ خضتيني عليكي ،الحمدلله فوقتي.
أبتسمت و أسرعت بألتقاط يده.
_ خليك جانبي، أنا مش عايزه حاجة منك غير إني أكون معاك...
أطلق "هشام" تنهيدة طويلة ونظر إليها بتعمق.
_ أمتى حصلتلك حادثة الأغتصاب.. ؟
أغمضت عينيها وحركت رأسها برفض.
_ مش عايزة أتكلم، لما بفتكر بتخنق أوى وبسمع صوتهم كلهم..
أشاح "هشام" بوجهه عنها.
_ براحتك، أنا طلبت أكل عشان شكل ضغطك واطي... فـ هناكل ونمشي و زي ما قولتلك أنسيني وشوفي حياتك وحاولي تتعالجي يا "زينة".
قاسي مثل والدها، هكذا أخبرها عقلها لكنها أسرعت بهز رأسها رافضة ما جال بخاطرها، فهي رأت فزعته وقلقه عليها ، هو يكذب بالتأكيد.
_ هو أنت ليه مش عايز تحبني!!
رد وهو ينهض من جانبها.
_ عشان مينفعش، علاقتنا من الأول غلط.
أرادت الكلام لولا نداء ذلك العامل عليه.
_ "هشام" بيه، أنا جبت الأكل يا بيه.
أتجه "هشام" إلى الجهة التي أتى منها صوت العامل، فرفعت يدها تضعها على قلبها الذي هدرت دقاته لكن عيناها فجأة لمعت ببريق الأمل.
_ فين شنطتي، لازم أبعت رسالة لخالتو أقولها إني هبات عند "نيفين" النهاردة وأبعت لـ نيفين رسالة كمان.
دارت عيناها بالمكان وقد ألتقطت أخيرًا مكان حقيبتها.
...
هزت "ليلى" رأسها لا تستوعب ما تسمعه منه.
_ أنت و "نيهان" أتخانقتوا وعايزين تفضوا الشراكة.
أومأ "عزيز" برأسه دون أن ينظر إليها ، فهو يخجل من نفسه لأنه كاذبًا ومُخادعًا.
_ "نيهان" وقعني في كذا صفقة فاشلة يا "ليلى" وفي النهاية خسرت فلوس كتير وممكن أفلس.
وضعت يدها على شفتيها وحدقت به.
_ فلوس ولاد أخويا أمانة في رقبتي، لو على فلوسي بس مكنتش هزعل أوي كده لأني قادر أرجعها وأبدء من الصفر من تاني.
أسرعت بألتقاط يديه وضمتهما مع يديها.
_ إن شاء الله مش هتحصل حاجة وحشة يا "عزيز" والشغل هيرجع زي الأول ، هو عشان كده أنت أصريت إن "سيف" يشتغل معاك.
هرب "عزيز" بعينيه بعيدًا عن صدق نظراتها وقال بعدما وضع برأسه على الوسادة.
_ متقوليش حاجة لـ "سيف" لأني مفهمه إن مافيش حاجة في الشغل بتواجهنا ، تمام.
تطلعت إليه بتردد لكن عندما رأت نظرته، حركت رأسها.
_ حاضر.
أبتسم "عزيز" بأبتسامة تعكس المرارة التي تقف في حلقه وقال وهو يلتقط يدها.
_ عايز أنام في حضنك...
تسمعه عندما يُريد الكلام ، تُلبي ندائه وتطيعه كل ما لديها، تغفر له عندما يأتي إليها مُعتذرًا وتفتح له ذراعيها.
ضمت رأسه إلى صدرها ومسحت على شعره قائلة بنبرة صوت دافئة:
_ هفضل جانبك يا "عزيز" متخفش ، نام.
تمالك نفسه حتى لا يصرخ عاليًا ويُخبرها إنه لا يستحق حبها الكبير له.
_ غمض عينك ونام وأنت مطمن...
والقرب لا يزيد قلبه إلا وجعًا، هو يخدعها ويكذب عليها مرارًا ، هل هذا ما تستحقه منه؟
_ سامحيني يا "ليلى"، سامحيني مقدرش أصارحك دلوقتي.. هكون أناني معاكي للمرة التانية.
قالها مُغمغمًا بصوت لا تسمعه...
...
وضع "هشام" الطعام ونظر إليها.
_ تعالي عشان ناكل وبعدين أخلي السواق بتاعي يوصلك بعربيتك لأنك مش هتقدري تروحي لواحدك.
نهضت "زينة" من مكانها وتحركت نحو طاولة الطعام المُستديرة.
_ عارف إنك بتحبي السمك، فحبيت أخر حاجة بينا تكون عزومة حلوة.
هتف بكلامه وهو يربت على خدها ، فأغلقت عينيها مستمتعه بحنان لا تراه ولا ترسمه في خيالها إلا معه لأنها أختارته بطلها.
_ أقعدي يلا.
حرك المقعد لها وعاملها بكل تهذيب تعجبت منه وتعجب هو أيضًا من نفسه.
بدأت في تناول حساء السمك أولًا ثم نظرت إليه، فوجدته مُنشغلًا في تناول وجبته.
أبتلعت ما تناولته ثم أفلتت الطبق من يدها حتى ينسكب عليها.
_ هروح إزاي كده، ريحتي بقت كلها سمك.
أجفله صوت صياحها ثم إزاحتها للمقعد ونهوضها من عليه.
_ الشوربة مكنتش سخنه يا "زينة" ولا أنا بيتهيألي..
أمتقع وجهها وهتفت بضجر.
_ ريحة السمك بقت على هدومي...
أشار "هشام" نحو الحمام.
_ طب الحمام عندك روحي نضفي نفسك...
أومأت برأسها وسارت نحو الحمام، فتنهد بضيق وهو يُخلل أصابعه في خصلات شعره.
أجفلته مرة أخرى بصياحها، فأتجه نحو الحمام مهرولًا ليجدها على الأرض وتمسك إحدى ساقيها.
_ رجلي، آه...
لم ينتبه "هشام" على ما كشفته من جسدها بعدما تخلصت من بلوزتها وأقترب منها.
_ إيه حصل لرجلك، خليني أشوفها..
بعينين دامعتين تمتمت.
_ أتزحلقت.
زفر أنفاسه بسأم ونظر لمكان وجودهم.
_ خليني أسندك عشان نخرج من الحمام..
تظاهرت بمحاولتها على النهوض ثم خرجت صرختها.
_ مش قادرة أتحرك.
أغمض "هشام" عينيه لوهلة ثم حملها متمتمًا.
_ خلينا نشوف رجلك عشان نخلص من اليوم العجيب ده...
سار بها، فأحاطت بذراعيها عنقه.
_ خلينا نطلع فوق عشان أنا مش لابسه حاجة غير...
قطعت كلامها عندما وجدته ينظر إلى ما لم يعد مستورًا من جسدها.
رمقها بنظرة طويلة وثاقبة ثم صعد بها لأعلى وقد بدء يفهم نواياها وأن ما حدث دبرته تلك الحمقاء الصغيرة.
وضعها على الفراش ثم نظر حوله.
_ شوفي حاجة غطي بيها جسمك من فوق وأنا هشوف مرهم يخفف الوجع.
_ "هشام".
خرج صوتها بخفوت و أسرعت بألتقاط يده.
_ مش ديه أخر ليلة سوا وبعدين هتحرق الورقة ،خليني أقضيها معاك...
أطبق على يده الأخرى دون أن ينظر إليها.
_ أنا بعت رسالة لخالتو قولتلها إني هبات عند واحده صاحبتي.
والكذب في دمائها كالعادة.
_ خليني معاك...
أستمرت في التوسل إليه ،فاستدار إليها يرمقها بنظرة مُظلمة.
_ ماشي يا بنت "عدنان" ، بعد الليلة ديه طريقنا هينتهي ومش عايز أشوفك تاني.
أبتسمت ابتسامة واسعة وحركت رأسها وهي تعلم إنها لن تكون الليلة الأخيرة معه.
أتجه "هشام" نحو الباب المفتوح وأغلقه وقد عادت الرغبة تتوقد في عينيه وعاد إلى خطيئته المُحرمة.
والليلة ستكون ليلة بلا قيود و بلا أحتراس.
_ أنتِ لعنة حطت عليا يا بنت "عدنان".
...
دخل "سيف" المطبخ مُناديًا على العم "سعيد" بمرح بدء يعود إليه.
_ طبخت لينا إيه النهاردة يا راجل يا عجوز.
اِستدار العم "سعيد" إليه ونظر إلى الخادمة التي تقف معه.
_ ورق عنب بالكوارع.
أرتفع صياح "سيف" بسعادة.
_ أيوة بقى يا عم "سعيد"، قول وأشجيني.
بدء العم "سعيد" يُخبره بأصناف اليوم ،فأقترب منه "سيف" وقبله على خده.
_ عمي في أوضته مش كده...
_ أه و ليلى نزلت أخدت الاكل وطلعت أوضتهم تاني.
حرك "سيف" حاجبيه بطريقة مضحكة وقال وهو يرفع رأسه إلى أعلى.
_ يا سلام على الدلع، أنا عايز أدلع يا عم "سعيد".
وَكَزَه العم "سعيد" علي ذراعه قائلًا بأستياء عندما رأى
" كارولين" تدلف إلى المطبخ.
_ والله أنت أختارت دلع طعمه ماسخ، أشرب بقى.
أتجهت أنظار "سيف" نحو "كارولين" التي تساءلت بوجه ممتعض.
_ أين هي "ليلى"؟
ألتوت شفتيّ العم "سعيد" عندما أستمع إلى صوتها.
_" ليلى" مع البيه فوق بتأكله بأيدها.
ضاقت حدقتيّ" كارولين" بطريقة مُلفته ، لتصدح ضحكات
"سيف" بقوة ثم غمز بطرف عينه له.
_ ياريتني سمعت كلامك يا عم" سعيد" كان زماني مدلع...
...
توقف" مراد" عن حديثه بالهاتف ثم أغلق الباب ونظر إليها.
ألتفت" أشرقت" جهته ورمقته بنظرة شزرة وعادت إلى ما تفعله أمام المرآة.
أستكمل مكالمته وعيناه عليها وقد ألقت بتلك العبوات من على طاولة الزينة.
_ نكمل كلامنا بعدين وزي ما فهمتك خلي عينك عليها كويس...
ضربت "أشرقت" طاولة الزينة بيديها بغضب ،فأقترب منها مُجتذبًا ذراعها قبل أن يصل جنونها إلى المرآة وتُهشمها.
_ لا بلاش جنون، عندنا حفله بعد كام يوم مش ناقص تحطيني تحت العيون ويقولوا معذبك.
دفعته عنها بكل قوتها.
_ أبعد أيدك عني مبطقش لمستك ليا وأعمل حسابك بكره هرجع شغلي...
اِفتر ثغر "مراد" عن أبتسامة عابثة وألقى بنظرة خاطفة نحو العبوات التي ألقتها أرضًا.
_ أنا فهمت دلوقتي سر عصبيتك يا حببتي ،طبعًا إزاي المستشارة بنت المستشار تظهر بوشها الشاحب البهتان وعيناها اللي كلها نظرة ذل.
أخفضت رأسها سريعًا وأطبقت شفتيها حتى لا تبكي أمامه.
_ هترجعي شغلك يا حببتي عشان تعرفي تدوري ورانا كويس وترمينا في السجن.
رفعت عيناها التي تقابلت مع نظرته التي ومضت بالسخرية.
_ مش سهله أنتِ يا حببتي.
صرخت بعلو صوتها عندما أجتذب خصلات من شعرها.
_ تعرفي أكتر حاجة بقيت أحبها إيه ، لما أسمع صوتك الحلو وبعدها أنتِ عارفة ببسط نفسي وأبسطك إزاي.
تمالكت ضعفها ودفعته عنها ثم أسرعت نحو باب الغرفة حتى تفتحه لكنه كان أسرع منها وأغلقه ثم ألتقط المفتاح.
_ هسجنك يا "مراد" ولو مسجنتكش يبقى هقتلك...
ضاقت حدقتيّ "مراد" ثم قهقه وهو يُمرر يده على عنقها.
_ موافق تقتليني يا "شوشو"..
وأبتعد عنها حتى يُخرج لها سلاحه.
_ خدي أقتليني، يلا أعمليها ديه فرصتك...
دفع سلاحه إليها ،فأرتعشت يدها وهي تلتقطه منه.
_ أه، قبل ما تقتليني عايز أقولك إني وفيت بوعدي وروحت
لـ "لبنى" هانم للمرة التانية وقالتلي مش عايزه تشوفك غير لما ترجعي بنتها القوية وتاخدي حقك مني
وأستطرد بأستخفاف.
_ بصراحه أبهرتني، هي أمك متعرفش أنتوا بتلعبوا مع مين كويس.
أرتعشت شفتيها وتقهقرت إلى الوراء ثم سقطت على الفراش ومازالت تقبض على سلاحه بيديها.
_ أنت عايز مننا إيه ؟
تجلجلت ضحكات "مراد".
_ هعوز منكم إيه يا حببتي ، اللي كنت عايزه نفذته وبقيتي عارفه بشغلنا وإزاي أستغلينا كل أحتفال من مراحل أرتباطنا في مصالحنا...
باغتها بأجتذب السلاح من يدها عندما رأى الحيرة في عينيها.
_ هقولك على سر ، بس خلي بينا يا "شوشو"، أنا مستني طفل تاني منك... والمرادي هتخلفي وهاخده منك وأسافر.
انتفض جسدها في فزغ، فهل وقعت في يدين رجل مريض، رجل ربما مسه الجنون؟
_ مصدومة كده ليه، فكري تعمليها تاني وتجهضي... و أنتقامي هيكون عسير يا بنت المستشار ومش بعيد يطول أهلك ... وأنا بصراحه مبحبش سيادة الرائد أخوكي.
_ لأ، لأ...
بحّ صوتها من شدة صراخها الذي هزَّ أرجاء الفيلا... فنظرت "سيلين" زوجة "عدنان" إلى الخادمة التي وقفت أمامها.
_ زي ما أتفقنا هتحطي ليها في الأول جرعة بسيطة...
...
نظر "هارون" إلى تلك الخادمة التي أتت إليه بحبة الدواء وكوب الماء ، ألتقط منها الحبة ووضعها بتمهل بين شفتيه ثم أخذ الكوب وأرتشف منه ومازالت عيناه عليها.
أرتبكت الخادمة من نظرته لها ، فهي تعلم إنها ليست نظرة عادية.. نظرة يُخبرها فيها بما صارت تفهمه.
_ حبيبي، أنا عندي عشاء عمل النهاردة و "بيسان" هتكون معايا ... فـ اتعشا أنت.
توتر وأنتفض قلبه عندما أستمع إلى صوت "سمية" ثم أشاح عيناه عن تلك الواقفة أمامه.
_ محتاج مني حاجة تانيه يا بيه.
أتجهت عينين "هارون" إلى "سمية" التي تولت مهمة الرد عنه.
_ لو البيه محتاج حاجه هيطلبك... على المطبخ وناديلي "شادية".
جفاء "سمية" في معاملة تلك الخادمة جعل "هارون" يهتف بلوم.
_ براحه يا "سمية" هي قالت إيه...
قطعت "سمية" كلامه وهي تضع هاتفها داخل حقيبة يدها.
_" هارون" من فضلك ، سيبني أنا أتعامل مع الخدم.. حنية قلبك ديه مخلياهم كل شوية يأما أجازات أو عايزين أكراميات فوق مرتبتهم أو بيتوسطوا لينا نشغل حد وأهي أخرهم البنت ديه وجات زيادة عدد.
تنهد" هارون" ثم أغلق عينيه مُتظاهرًا بالتعب ورغبته بالعودة إلى الفراش.
_ شكلك تعبان يا حبيبي، "شادية" يا "شادية"..
أتت الخادمة "شادية" سريعًا ، فأشارت إليها.
_ "هارون" بيه مواعيد أدويته ياخدها زي ما أنا قايله ليكي ومحدش يكون مسئول عنه غيرك ، مفهوم.
هزت الخادمة رأسها دون أن ترفع عيناها، فخرج صوت "هارون" بوهن.
_ حببتي، متقلقيش عليا أنا كويس...
ابتسمت "سمية" واقترب منه تلثم خده بقبلة سريعة.
_ أهم حاجة عندي صحتك يا حبيبي، متنساش تاخد أدويتك.
حرك "هارون" رأسه رابتًا على يديها بعدما ألتقطهما.
_ حاضر يا حببتي...
غادرت "سمية" بعد أن أعطت تعليماتها للخادمة موصية ألا يهتم أحد به إلا هي.
_ "شادية" أنا طالع أوضتي وبعد شوية أبعتيلي "سماح" بطبق المية الدافية لأني محتاج حد يدلك رجلي...
أسرعت "شادية" بالرد.
_ حاضر يا بيه..
سار "هارون" أمام أنظارها بخطوات بطيئة تُناسب صحته ثم اِستدار إليها.
_ أنتِ عارفة أكيد إيه المطلوب منك يا "شادية" بعد ما
"سماح" تطلعلي أوضتي...
أخفضت "شادية" رأسها ، فهى تعلم العلاقة التي تجمع سيدها بتلك الخادمة ، علاقة لا أحد يعرفها إلا هي وما عليها إلا الصمت وعدم الخيانة لا إلا العقاب سيكون وَخِيمًا....
