رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل السابع والعشرون 27 بقلم سيلا وليد


 رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل السابع والعشرون 


"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "
تبدو السعادة على ملامحه، كأنّه امتلك الدنيا،
غير أنّ في أعماقه ضجيجًا لا يهدأ...
كأنّ شيئًا خفيًّا يُنغّص صفو روحه كلما ابتسم.
هو سعيد، نعم... لكنّ بعض الفراغ يسكن قلبه،
وبعض الذكريات تأبى أن تُدفن مهما حاول نسيانها.
فالسعادة في داخله، لكنها لا تكتمل...
فبعض القلوب تُحسن التمثيل كي لا تُرهق من حولها،
وبعض الفرح يأتي ناقصًا لأنّ الوجع ما زال يقيم في الظلّ.
فالسعادة ليست غياب الألم، بل القدرة على الابتسام رغم وجوده.
وكأنّ النقص قدرُ القلوب التي عرفت الوجع...
وها هو اليوم يبتسم لأجلها، لكن هل سَيجرؤ أن يطلب منها أن تداويه؟

تراجعت بجسدها بعدما وجدت نظراته، أشارت إليه:
_يوسف، طنط ميرال برة، افتح لها عيب. 

خطت للوراء متردِّدة وهي تراه يتقدَّم نحوها، نظراته مشتعلةً كجمرٍ لا يهدأ.
_يوسف، افتح الباب..أنا مش هغيَّر الفستان عايزة ألبس اللي يعجبني، وبكرا ألبس فستانك. 
كان صامتًا، لكن عينيه تنطقان بعاصفةٍ نارية، فابتلع المسافة بينهما بصمته القاتل..وغرز عينيه بعينيها وقال: 
_رميت المفتاح تحت يا ضي، ورِّيني بقى هتنزلي إزاي...ومفيش لا حنَّة ولا فرح غير وإنتي مراتي فعلًا.

شهقت، وكأنَّ الهواء انقطع عن صدرها..وارتجفت أنفاسها وهي تهمس:
_إنتَ أكيد..مجنون.. فصاحت باسم ميرال.
لكنَّها لم تكمل، فقد التهم الغضب ماتبقَّى من الحروف بين خاصَّته للحظات، حتى ترك آثار قبلاته ثم تراجع يلهث، كأنه استيقظ من جنونه، ثم أشار نحو الباب وهو يهمس بخشونةٍ مكسورة:
_انزلي بقى بالفستان…قالها ثم انحنى ينظر الى فستانها بنظراتٍ وقحة.. 
_حلو وعجبني أوي، على الأقل متعبنيش، وعلشان كدا هسيبه سليم، وأهي ذكرى حلوة بينَّا..مش كدا ياروحي

نظرت إليه بحزن: 
_ليه عملت كدا يا يوسف؟ عايز تعند وخلاص، افتكر بس إنَّك وجعتني في يوم زي دا.
سحب جسدها بقوَّة حتى ارتطم بصدره يجذب عنقها إليه يهمس بنبرةٍ خافتةٍ حنونة:
_مش عايز غير عيوني بس اللي تشوفك يا ضي، لو شايفة إنِّ دا مش من حقِّي يبقى بتأسِّف لك يا ستِّي، بس أنا مش موافق على أي حاجة تبان من جسمك، الفستان مش مغطِّي غير رجلك ينفع كدا. 

رفعت عيناها الدامعة وقالت:
_بس كلِّنا بنات، كان نفسي أكون بحريِّتي. 
وضع جبينه فوق جبينها يهمس بأنفاسه الحارَّة:
_حتى ولو..عايزك ليَّا أنا وبس، رفع عيناه ينظر لمقلتيها: 
_إنتي بقيتي ملك يوسف بس، مش مسموح لحدِّ تاني يشوف أي فتنة منَّك غيري... مد يداه على فتحة صدر فستانها، الى أن نزل الى قطعته الشفافة على بطنها: 
_ينفع دا.. ليه، هتستفادي ايه، مش التزين دا بيكون من الست لجوزها
_النهاردة حنتي يايوسف، وطبيعي البنات تلبس كدا 
_ممكن عندك حق من وجهة نظرك، بس انا على قد حبي على قد غيرتي ياضي

ابتسمت من بين دموعها، ثم رفعت ذراعيها تعانق رقبته:
_وأنا بحبَّك أوي يا يوسف، جتلي منين، ماكنَّا ولاد عم وخلاص. 
ضمَّها يدفن رأسه بخصلاتها: 
_عمري مااتخيَّلت أحبِّ حدّ كدا، ومين إنتي!. 
تراجعت قليلا تلكزه بخفَّة:
_ليه بقى إن شاء الله حضرتك، هوَّ أنا وحشة؟
_ بالعكس قمر، ولو بإيدي كنت خطفتك دلوقتي وهربنا بعيد..نحتفل بكلِّ حاجة تخصِّنا لوحدنا. 
لمست وجنتيه بأناملها ثم طبعت قبلةً عليها: 
_كلَّها أيام وأكون معاك..ونحتفل ونعمل كلِّ اللي نفسنا فيه. 
فتحت ميرال الباب ودلفت تنظر إليهم بذعر..تراجع بعيدًا وحمحم بمزاح: 
_مليون مرَّة نقول خبَّطوا قبل ماتدخلوا، معرفش العيلة دي بتموت بفتح الباب من غير دستور. 
قالها وخرج..بينما تجمَّدت ميرال بمكانها تحدِّق في ضي، وارتفع صوتها غاضبًا، حانقًا، بعدما رأت آثار قبلاته 
فصرخت به، تلعنه، وتضمُّ ضي إلى صدرها المرتجف كمن يحمي بقايا روحٍ مهشَّمة:
_آسفة حبيبتي..متزعليش منُّه، مش هيجيبه من بعيد. 
كانت ساكنةً بأحضان ميرال تغمض عيناها تراجعُ حديثه بابتسامة..لا تريد شيئًا آخر سواه. 
أبعدتها ميرال عن أحضانها تتفحَّصها بعين الأم..ثم مسَّدت على خصلاتها بحنان: 
_أوَّل ماشمس قالت لي..عرفت إنُّه هيعترض على الفستان بالطريقة دي.
احتضنت وجهها بحنانٍ تنظر لعينيها:
_أنا قولت لك أوَّل ماشفت الفستان، بس يالَّه الحمد لله إنُّه ماقطَّعوش، 
متزعليش منُّه حبيبتي، الراجل اللي بيحبِّ أوي بيغير أوي، والله يابنتي ماتحكُّم ولا حاجة، هوَّ بيحبِّك أوي، اسأليني أنا. 
احتضنتها ضي وتبسَّمت: 
_مش زعلانة منُّه، أنا كمان بحبُّه أوي، وهوَّ عنده حق، أنا اللي غلطت..يالَّه انزلي وهغيَّر وآجي وراكي.
أومأت لها مبتسمة ثم أشارت على شفتيها: 
_عدِّلي مكياجك، والروج اللي الحلوف ابني بهدله. 
_مش تشتميه يا طنط ميرال لو سمحتي. 
رفعت ميرال حاجبها ساخرة:
_شوف إزاي، وأنا اللي هتجنِّن منُّه علشانك ودلوقتي مش تشتميه..هبلة زيي كان بينضحك عليَّا ببوسة، والله إحنا عبط..هقول ايه ابن الياس وحركات ابوه، خليكي عبيطة كدا، اقعي من بوسة

تورَّدت وجنتيها تبتعد عن نظرات ميرال..انحنت تمسِّد على خصلاتها بحنان: 
_ربِّنا يسعدكم حبيبتي يارب، ضي..يوسف دا نور عيوني ونبض قلبي، إنتي عارفة يعني إيه، عانى كتير، ومهما يعاني مش بيحكي، حبِّيه أوي يا بنتي.. صدَّقيني هيدِّيلك حياته كلَّها، ماتغلطيش غلطتي، متخليش شيطانك يسرق سعادتكم. 
_ادعي لنا يا طنط. 
احتضنت وجهها وقبَّلتها: 
_مش عايزة غير سعادتكم...قاطعهم دخول شمس: 
_ماما اتأخَّرتوا ليه؟
سحبتها ميرال سريعًا، حتى لا تنتبه لحالة ضي وغادرت الغرفة، بعدما قالت:
_ماتتأخريش يا حبيبتي. 
نهضت من مكانها وقامت بتبديل فستانها، وارتدت ماجلبه لها، دقائق قليلة وانتهت من زينتها بالكامل، توقَّفت تنظر إلى هيأتها بالمرآة، تبسَّمت بحبٍّ وكلماته مازالت تتغنَّى بها أذنها.. 
اتَّجهت إلى حجابها ورفعته كي تضعه على خصلاتها ولكنَّها توقَّفت ورفعت هاتفها لتحاكيه، ولكنَّها تراجعت وسارت خارج الغرفة متَّجهةً الى غرفته..

فتحت الباب بخفَّةٍ وتسلَّلت إلى الداخل، تبحث عنه بعينيها المتلهفتين، حتى وجدته يقف أمام المرآة يجمع أشيائه الخاصَّة.
رفع رأسه على صوت الباب، فتجمَّد لحظة يتأمَّلها كما لو رآها أوَّل مرَّة، وهمس في داخله بإجلالٍ صامت:
_سبحان من أبدع الخلق جمالًا بهذا الصفاء.

اقترب منها ببطء، عيناه تتجوَّلان على الفستان الذي يلتفُّ حول جسدها بانسيابٍ ساحر، ثم ابتسم وقال بنبرةٍ هامسة:
_حورية من الجنة...

ضحكت بخجلٍ رقيق:
_قلت أورِّيهولك قبل ما أنزل.

اقترب منها يرفع خصلاتها برفقٍ كأنَّها شيءٌ مقدَّس، ثم التقط وشاحها من بين أصابعها ولَفَّه حول عنقها، تاركًا خصلاتها تتساقط بحريَّةٍ على كتفيها:
_خلِّيكي كده...مش مهمِّ الحجاب الليلة..خلِّيها عليَّ أتحمِّل أنا نظراتهم، بس ممنوع التصوير، أي واحدة تتصوَّر معاكي..مش هقولِّك هعمل إيه.

رفعت نفسها لتعانقه ضاحكةً:
_هتعمل إيه؟

رفعها حتى صار وجهها بمستواه، وقال بعينين تلمعان بالعشق:
_مش هقولِّك..أنا مبحبِّش النظري، دراستي كلَّها عملي.

غمز بعفويةٍ جعلتها تدفعه ضاحكة:
_أسيبك بقى علشان اتأخَّرت.

توقَّفت عند الباب، التفتت نحوه كأنَّها لا تريد المغادرة:
_مش هتبات هنا؟

أومأ مبتسمًا، وقال بنبرةٍ دافئة: 
_هقعد في البيت لحدِّ الفرح.

_ليه باقي أربع أيام؟!

اقترب منها أكثر، وهمس بصوتٍ مرتجف:
_يمكن علشان نوحش بعض...

اقتربت منه تلقائيًّا وعانقته، فضمَّها إليه: 
_بلاش يا يوسف…إيه اللي بتقوله دا؟! إنتَ بتوحشني وإنتَ معايا.

أغمض عينيه على أنفاسها، كأنَّ قلبه يعترف بصمته أكثر من أيِّ كلام، ثم تراجع قليلًا ليطبع قبلةً صغيرةً بجوار شفتيها وهمس:
_انزلي يا حبيبتي…دقيقة كمان وهتبقي وحشاني أوي.

ابتسمت بخجلٍ ناعم، تركت كفَّيه كمن ينتزع قلبه ثم خرجت تاركةً خلفها رائحتها معلَّقة بملابسه..راقب مغادرتها، أغلقت الباب، هنا شعر وكأنَّها أغلقت قبره دونها، جلس على الفراش ينظر لمحرمتها التي سقطت منها، انحنى يجذبها ثم رفعها لأنفه يستنشقها يهمسُ بعشقه لها.. 

بالأسفل وصلت مع دخول رحيل ورولا،  دنت منها رحيل تضمُّها: 
_ألف مبروك حبيبة خالتو.
_الله يبارك فيكي يا خالتو رحيل، التفتت تنظر إلى رولا الصامتة:
_لسة فاكر عليكي تيجي، طيب يوم فرحك هروح على الزفَّة.
ابتلعت رحيل جمرة غصَّتها ورسمت ابتسامة: 
_ يبقى اعملي فعلًا كدا حبيبتي..اللي قدَّرك قدَّريه. 
قاطعتهما رولا: 
_حلوة الحفلة أوي يا ضي، بس ليه كلَّها بنات؟. 
رمقتها رحيل باستياءٍ وقالت:
_هيَّ الحنَّة بيكون فيها شباب!!
تأفَّفت وتحرَّكت دون أن تنظر إلى والدتها، بينما سحبت رحيل كفَّ ضي تديرها: 
_فستانك تحفة تحفة يا أجمل عروسة.
_ميرسي يا طنط رحيل..هوَّ ليه حضرتك حزينة؟ وشِّك شاحب. 
ضمَّت رحيل رأسها إلى صدرها تكتم دموعها، فلقد لاحظت ضي حالتها بينما ابنتها لم تكترث..قبَّلت رحيل رأسها وقالت:
_شوية اإرهاق يا خالتو...تعالي ندخل جوَّا..دلفوا للداخل.. 

كان المكان يتلألأ بأضواءٍ خافتة، تمتزج فيها أنغام الطبول مع ضحكات الفتيات، جلست ضي على مقعدٍ مرتفع، فستانها الأحمر المطرَّز ينساب  من حولها.
اقتربت غرام، وعيناها تلمعان بمزيجٍ  من الفخر والدموع، همست وهي تمسح على شعرها:
كنت لسه إمبارح بشيلك بين إيديا، والنهاردة بقيتي عروسة.
ضحكت ضي والدمع يوشك أن يسبقها، ثم خبأت وجهها في حضن أمِّها وسط تصفيق الحاضرين.

تقدّمت إحدى السيدات المختصَّات برسم الحنَّة، تحمل صحن الحنَّة المزيَّن بالورود والياسمين، قالت بمزاح:
يلَّا يا عروسة، الليلة دي ليلتك... هنرسم الحنَّة على إيدك..صمتت وقالت:
_عايزة إيدك بس؟
مدَّت ضي كفَّها بخجل وقالت:
_أه إيدي بس.  
انطلقت الزغاريد من كلِّ ناحية؛ وضحكات الفتيات ورقصهم حولها  في مشهدٍ غمره الدفء والأنوثة والفرح الطفوليّ الذي يسبق الخطوة الكبرى في العمر...وهو الزفاف.

دلف أرسلان بعد دعوة فريدة اليه، وقف يتأمَّلها بصمت، يبتسم بحنوٍّ يخفي خلفه وجع الفراق، رغم أنَّها لن تبتعد كثيرًا، ولكن فكرة أنَّها أصبحت ملكًا لغيره تجعل قلبه يأنُّ بصمت، ثم همس لنفسه وهو يراها بتلك الحالة:
_كبرتي يا ضي أوي كدا..وأنا لسة حاسس إنِّك طفلة بتجري ورايا تناديني "بابا استناني."

رفع رأسه، والتقت عيناه بعينيها، فبادلته نظرة امتنانٍ عميقة، كأنَّها وعدٌ، أنَّه سيظلُّ حبيبها الأوَّل.

اقترب أرسلان منها، وقفت ترتمي بأحضانه، ضمَّها بحنانٍ أبوي: 
_مبروك يا أميرة بابا.
خرجت من أحضانه وقبَّلته: 
_حبيبي يا بابا، ربِّنا يخلِّيك ليَّا يارب. 
قبَّل جبينها ثم تحرَّك يشير لغرام التي خرجت خلفه. 
وقف بأحد الأركان مبتسمًا:
_مبروك يا أمِّ العروسة. 
_الله يبارك فيك يا حبيبي..عقبال لمَّا نفرح ببلال. 
_إن شاءلله..بلاش ترهقوا ماما، إنتي شايفة حالة البيت، يعني سعادة بينكم على الضيِّق، ليه الحفلة دي كلَّها؟. 
اقتربت ووضعت كفَّها فوق ذراعه تنظر إلى وجهه الحزين:
_حبيبي، ماما قالت محدش له يتدخَّل، حتى ميرال قالت لي إلياس حاول يتكلِّم معاها وهيَّ رفضت، قالت فرح أحفادي لازم مصر كلَّها تتكلِّم عنُّه، حتى عمُّو مصطفى كمان..قالِّنا إنُّه متابع كلِّ حاجة ومش عايز تقصير، وإحنا الصراحة محبناش ندخَّل. 
حاوط أكتافها وتحرَّك بجوارها يشير إلى السلالم المزيَّنة، والزينة التي تعلَّق على الجدران بإنارتها:
_بس الحاجات دي مكلفة أوي يا غرام، ليه ماما تعمل كدا؟
توقَّفت أمامه تعقد ذراعيها وقالت بتذمُّر: 
_إنتَ نسيت إنِّ دول أحفاد الشافعي ولَّا إيه، بلاش أقولَّك حفيد السيوفي اللي عمُّو مصطفى مصرّ على كدا، وبعدين إنتَ بقيت بخيل ولَّا إيه يا أرسو، إحنا بنجوِّز كلِّ يوم. 
ابتسم بحنان وقال:
_إنتي عارفة عنِّي كدا؟ أنا قصدي مهما كان دول ولادنا، ومادفعناش حاجة، فمكنش لازم يدفعوا كدا. 
_والله يا أرسلان..تمتمت بها فريدة خلفهم، فاستدار إليها سريعًا:
_ماما..لا مش قصدي. 
_ولَّا قصدك يابنِ جمال، دا هدية منِّي لأحفادي محدش له دعوة، إن شالله أدفع ملايين محدش يتدَّخل. 
دنا منها يطبع قبلةً مطوَّلةً فوق جبينها، وضمَّها تحت ذراعيه:
_ربِّنا يخلِّيكي لينا يا ستِّ الكل، وعقبال لمَّا تجوزي ولادهم، هوَّ أنا خسران حاجة. 
لكزته بخفَّة وابتسمت: 
_ربِّنا يتمِّم فرحتهم على خير حبيبي، عايزاك تتواصل مع الفندق، مش عايزين تقصير.
_حبيبتي منظِّم الحفلات الخاص بينا متولِّي الأمر متقلقيش، وأنا كلِّمته إمبارح، والنهاردة إسلام كلِّمه كمان. 
ربتت على كتفه بدخول ليال والدة مالك فأشارت بعينيها إلى غرام: 
_قابلي حبيبتي مامت مالك..وإنتَ شوف أخوك فين خرج من فترة ولسة مرجعش.
_في بيت يوسف، كلِّموه هناك وقال هيعدي يشوف خلَّصوا فرش ولَّا لسة. 
توقَّفت تتطلَّع إليه بتساؤل:
_هوَّ يوسف مش هيقعد مع باباه؟ 
هزَّ أرسلان رأسه بالرفض وقال:
_لا، أخد اللي جنبه.
_ليه ساب بيت أبوه؟ إلياس مقاليش حاجة زي كدا. 
_ماما إحنا بنزقِّ يوسف بالعافية، وهوَّ عايز كدا، خلِّيه براحته، وبعدين البيت جنب البيت مجرَّد جدران بينهم، إلياس اتفاجئ أصلًا، لأنِّ يوسف هوَّ اللي اتَّصل بشركة الديكور، واتَّفق على كلِّ حاجة من غير ماحد منِّنا يعرف، اتفاجئنا بشغلهم، محبِّش يزعَّله وخلَّاه يعمل اللي عايزه. 
أومأت بتفهُّم ثم قالت:
_خلاص اطلع عند إسلام فوق لوحده مع مصطفى علشان مش هعرف أطلع دلوقتي. 

بغرفة إسلام: 
انتهت ملك من زينتها، ثم تحرَّكت للمغادرة..دلفت مربيِّة أطفالها: 
_مدام ملك إلياس مش مبطَّل عياط. 
تأفَّفت بضجر وألمٍ معًا حتى تكوَّرت دموعها من طفلها الذي أرهقها نفسيًا وبدنيًّا، تراجعت تتنهَّد بعدما شعرت بتهاوي جسدها وأردفت بصوتٍ واهن:
_هوَّ مش دا شغلك؟ أنا تعبانة ومش قادرة أتعامل معاه.
_والله يا مدام حاولت معاه، بس هوَّ ممكن دوشة الفرح مخوِّفاه.
أشارت إليها بالخروج: 
_خديه وانزلي الحنَّة وأنا جاية وراكم. 

بعد فترة، صعدت إلى غرفة مصطفى بخطواتٍ متردِّدة، لكن ماإن فتحت الباب حتى تجمَّدت في مكانها.
نظرت إليه بذهول، فها هو يستعدُّ للنزول، بينما يقف إسلام إلى جواره يحاول مساعدته.
ارتجف صوتها وهي تقول:
_عمُّو مصطفى حضرتك هتنزل إزاي وإنتَ تعبان؟

ابتسم بلطفٍ رغم الإرهاق الذي يسكن ملامحه، وأشار إلى إسلام قائلًا:
_هات لي السكارف يا حبيبي.

ثم التفت نحو "ملك" بخطواتٍ بطيئة متعبة:
_عايز أنزل للعروسة تحت.

عقدت حاجبيها باستنكار:
_إسلام، إنتَ إزاي توافق على كده؟!

اقترب إسلام من والده، يضع الوشاح برفق حول عنقه، وعيناه متشبِّعتان بالحزن:
_شوفت يا بابا، حتى ملك مش عجبها اللي بتعمله…قولت أجيب لك ضي هنا.

ضحك مصطفى ضحكةً خافتة ممزوجة بالوجع:
_اسكت يالا…ودي تبقى فرحة..لازم تدخل عندها وهمَّا محنِّيين إيديها، زي ما عملت مع غادة.

_بس حضرتك تعبان يا بابا…

وضع يده على كتفه، وخرج صوته دافئًا رغم ضعفه:
_أنا كويس يا حبيبي، مش عايز فريدة تحسِّ إنَّها بلا ضهر.

_بابا…همس بها إسلام بصوتٍ مبحوح، وانسابت دموعه دون مقاومة.

اقترب مصطفى منه، واحتضن رأسه وقال:
_أنا كويس.. يا ابني ربِّنا يخلِّيك لمراتك، فيه مناسبات ماينفعش تسيب فيها شريكة عمرك وكأنَّها يتيمة..علشان بعد ماتسلِّم روحك لربِّ العالمين، تبقى الذكريات الحلوة دي هيَّ اللي تصبَّرها على الفراق..
مش عايز دمعة منها وأنا لسه عايش يا إسلام..كفاية إنَّها ربِّتكم ومخلِّيتكمش تحسُّوا بيُتم الأم.

توقَّف ليلتقط أنفاسه، ثم أكمل بصوتٍ متهدِّج:
_وصيِّتي يا إسلام..فريدة، هسألك عليها يوم الدين.

تسلَّل إسلام إلى أحضان أبيه، وانفجر باكيًا كالطفل:
_بابا، لو سمحت…مش عايز أسمع منَّك الكلام ده.
ابتسم بحنان يستند على كتفه: 
_إحنا مجرَّد ضيوف في الدنيا يابنِ مصطفى..نزِّلني قبل إلياس مايجي ويعملي محاضرة. 

بالأسفل كانت الأغاني تصدح، والضحكات تتناثر بين الفتيات بمشهدٍ يسعد القلوب. 
سحبت رولا يد ضي بحماس:
_قومي بقى، ارقصي معانا متعمليش عروسة تقيلة.
تذكَّرت كلمات يوسف: 
_ترقصي بس بهدوء، مش عايز تنطيط زي العرايس المجنونة، خلِّي فيه شوية حياء، هراقبك على فكرة.. 
رفعت رأسها وهزَّتها قائلةً برفض: 
_رولا، والله مش قادرة.
قالتها بدخول شمس التي لم تترك لها مفرًّا، ضغطت عليها وهي تضحك حتى انسجمت ضي معهم، تتمايل بخفَّةٍ وسط دائرةٍ من البهجة، بينما شمس تلتقط فيديو لهُنَّ والفرحة تفيض من الوجوه.

دقائق قليلة، والسعادة تملأ المكان، إلَّا من قلبٍ واحدٍ كان يبتسم للوجوه، ولكن داخله يصرخ و يناجي خالقه في صمتٍ موجوع:
"ربِّي...إنَّ زوجي بين يديك، فاحفظه بعينك التي لا تنام."

هنا انقطع صوت الموسيقى فجأة، حين دلفت ملك بصوتها الحنون:
_عفوًا يا حلوين... جدِّ العروسة جاي يباركلها، ممكن نوسَّع شوية؟

تجمَّدت فريدة للحظة، قبل أن تهبَّ واقفةً، عيناها تبحثان بلهفةٍ من الردهة التي دخل منها، فإذا به هناك... يستند على ذراع إسلام، وخطواته مثقلةً بوجعه، لكنَّها تحمل من الكبرياء مايُبكي القلوب.

اقتربت منه بخطواتٍ مرتعشة، وعيناه تحتضنان عينيها في لقاءٍ مشحونٍ بالحب
وفي قلبها صرخةٌ موجوعةٌ لم تنبسَّ بها الشفاه تهمس داخلها:
"آهٍ يا حبيب الشباب والمشيب...

يا مَن سرق المرض منك قوَّتك ولم يسلبك مهابتك، يا من علَّمتني أنَّ الرجولة ليست صلابة الجسد، بل ثبات القلب وقت الانكسار.
كم كنتَ نبضًا يحتضن وجعي، وسندًا أستند إليه حين تزلُّ أقدامي، واليوم أراك تتهادى أمامي تسرقك الأيام من بين ذراعيّ، وكأنَّها تنتزع من صدري أنفاسي واحدةً تلو الأخرى...
آهٍ يا وجعي الجميل، ويا حبِّي الذي لم يَخن وعده رغم وجع السنين."

رغم المرض وتأوهاتك، كنت وستبقى الحبيب، والزوج الذي لم يعرف إلَّا أن يصون سعادة زوجته."

_ضي..هتفت بها فريدة تقترب منه وتشير إلى ضي: 
_تعالي لجدِّك حبيبتي. 
لكنَّه أشار إليها بالتوقُّف:
_لا يا فريدة، أنا عايز أروح لها لو سمحتي. 
ضغطت على شفتيها حتى تمنع دموعها، وهي تراه يتوجَّه نحو ضي بخطواته الثقيلة..احتضن وجهها وانحنى يطبع قبلةً دافئةً فوق جبينها: 
_ألف مبروك حبيبة جدُّو، ربِّنا يسعدكم يارب. 
احتنضنته بابتسامةٍ بريئة وقالت بصوتٍ متهدِّجٍ تمنع دموعها:
_ربِّنا يخلِّيك لينا يا جدُّو.
دقيقتين حتى دلف الياس كالمجنون دون إذنٍ بعد علمه بنزوله من غرفته: 
_بابا..تمتم بها ليستدير إليه ببطءٍ وهو مازال يحاوط جسد ضي: 
_تعال يا أبو العريس..باركت لعروسة ابنك؟ 
كان يفتِّش بملامحه كالأمِّ التي تفتِّش بجسد رضيعها:
_إيه اللي حضرتك بتعمله دا، مش قولنا كفاية الفرح؟! 
قالها وهو ينظر إلى إسلام باستنكار. 
ردَّ إسلام: 
_هوَّ اللي أصرّ يا إلياس.
اتَّجه بنظره إلى ضي:
_حبيبة عمُّو روحي مكانك، هطلَّع جدُّو فوق علشان مايتعبش.
_حاضر يا عمُّو..تمتمت بها ثم رفعت نفسها تطبع قبلةً على وجنة مصطفى: 
_نوَّرت حنِّتي يا جدُّو، ربِّنا يخلِّيك لينا. 
ابتسم وهزَّ رأسه: 
_ربِّنا يسعدكم حبيبة جدُّو. 
حاوطه إلياس برفق وقال بين الحضور: 
_آسف يا جماعة دخلت من غير إذن.. جدِّ العريس والعروسة مش مريَّحني. 
اقتربت منه ليال والدة مالك: 
_ألف سلامة عليك يا سيادة المستشار.
_شكرًا يا أمِّ مالك.. 
أومأ إسلام إليها:
_شكرا لحضرتك يا طنط..اتفضَّلي جوَّا..قالها يشير برأسه إلى ملك بعد تحرُّك فريدة خلف مصطفى.

بمنزل إلياس
كان المنزل يضجُّ بالحياة، حيث اجتمع الشباب في بهوٍ واسعٍ تملؤه الموسيقى والضحكات.
أحضر بلال أحد العازفين، ودعا مجموعة من الأصدقاء ليحيل المكان إلى سهرةٍ حيويةٍ خفيفة.

دخل يوسف متفاجئًا بما فعله ابن عمه، ألقى السلام على الجميع، صافح بعضهم، ثم سحب بلال من بين الجمع جانبًا وهو يحدّق فيه بضيق:
_مش قولت دا بكرة؟! أنا هلكان، الله يخرب بيتك يا بلال!
ضحك بلال مشيرًا إلى وجهه:
_بدل ما تقول ألف سلامة عليك وتقعد تضمد وشي يا متخلف، جاي زعلان!
وضع يوسف كفه على وجهه، يدفعه للخلف بملل:
_تستاهل يا ابني، علشان فعلاً متخلف!
ثم أكمل متنهّدًا:
_أنا طالع آخد شاور وأفوق، وبعدين أنزل للفرح اللي هيفجّر دماغي... واحد متخلف.

قالها وصعد الدرج بخطواتٍ بطيئة، بينما ابتسم بلال بمكرٍ وهو يتابعه بنظراتٍ ماكرة:
_والله لاسهرك لحد الصبح، مش هتشوف النوم ليوم الفرح!

اقترب أسر مستفسرًا:
_هو يوسف زعلان ولا إيه؟
أجابه بلال وهو يلوّح بيده بلا مبالاة:
_سيبك منه، دا بغل... مكنش ناوي يعمل حاجة أصلاً. بص، بدل البوص سمح، سيبك منه وتعالى برا.

ثم خرجا إلى الحديقة حيث تزداد الأضواء والموسيقى.

أما في الأعلى، فقد ألقى يوسف أشياءه على المقعد، وجلس على طرف الفراش يمسح وجهه بإرهاقٍ ظاهر.
_أعمل في المتخلّف دا إيه؟! أنا مش قادر أفتح عيني.

رنّ هاتفه، التقطه بلا اهتمام، لكن عينيه  اتسعتا حين وقعتا على الاسم… شمس.

ضغط على الفيديو المرسل، فظهر له وجه حبيبته المضيء بالضحك، تتراقص بين صديقاتها كفراشةٍ 
ابتسامتها... بريئة كضحكة طفلٍ أول العمر، وعيناها يا الله، كم سُلب عقلُه من أول نظرة.

مرّر أنامله فوق الشاشة وكأنه يلمس ملامحها المبتسمة، همس بصوتٍ مبحوح:
_طلعت لي منين، ظل يمرر عيناه على ملامحها يهمس لنفسه 
_ايه السر اللي بينا رغم كنا قريبين بس مكنش فيه مشاعر بينا، ياترى ايه اللي حيحصلنا، كل اللي قادر افهمه، مبقتش قادر ابعد عنك، حاسس قلبي بيوقف 
_اااه.. تمتم بها وقلبه يتراقص بين ضلوعه ليرفع الهاتف ويتصل بها، انتظر طويلاً، لكن لا ردّ.
أغلق عينيه متسطحًا على الفراش، لتتراقص ملامحها في ذاكرته كحلمٍ لا يريد أن ينتهي، فابتسم رغم الألم:
_جننتك خلاص... شهرين بس وعملت فيك كده، أومال بعد الجواز هتعمل فيك إيه؟

اعتدل فجأة، حدّق في المرآة أمامه، وكأنه يواجه نفسه العارية من كل دفاع:
_جواز! فرحك بعد يومين يا مجنون، هتكون جاهز، ولا هتبقى زي الأهبل 

مرر أنامله بعصبية فوق خصلاته، يدور في الغرفة كمن يحاول الهروب من فكرةٍ تطارده.
_لا... لا، أكيد مش متخلّف عشان تفكر كده!

زفر بغضب، يشدّ شعره بقوة، ثم ركل الكرسي فانقلب أرضًا، ارتدّ أنفاسه العالية صدى على جدران الغرفة.
هدأ قليلًا، حتى ارتفع رنين الهاتف من جديد.
_أيوه يا بلال!
_خلاص نازل.

قالها بعنفٍ مكتوم، أغلق الخط، واتجه إلى الحمّام.
لم تمر دقائق حتى خرج بخطواتٍ سريعة إلى الأسفل... كأنه يهرب من نفسه قبل أن تهرب منه.

بمنزل إسحاق، خرجت دينا تقف على الباب تنتظر. توقّفت تنظر بساعتها بعصبية صغيرة:
_اتأخرنا يا حبيبي.

ابتسم إسحاق، واقترب يضمّها، قبل جبينها قبلة هادئة:
_آسف يا قلبي... كان عندي شغل مع ناس مهمين، هدخل أخد شاور على السريع وأنزّلك.

في تلك اللحظة خرج حمزة من الداخل، يرمق والديه بعيون مرحة ثم سأل مازحًا:
_رايحين فين، اوعو تكونوا رايحين تقضوا ليلة؟

ابتسمت دينا وردّت دينا:
_حنة ضي النهاردة، إيه نسيت؟

أشار إسحاق بإصبعه ورفع حاجبه:
_هاطلع بسرعة، ما تمشيش.

هنا تدخل حمزة بعفوية:
_لو تعبان يا بابا، أنا ممكن أوصلها.

خطى اسحاق نحو الباب، ثم استدار إلي حمزة بنبرةٍ فيها قليل من الاستخفاف والمحبة معًا:
_ومن إمتى خوفك على أبوك يا حنين؟

اقترب حمزة مزهوًا، يضع كفوفه في جيب بنطاله، إلى أن وقف أمامه يغازل ويقلّد حركات والده، ثم رفع انامله وقام بإعادة ياقة قميص والده بتصنع ثم قال:
_إسحاق باشا، شمس وحشتني، بقالي كام يوم ماشوفتهاش، وكدا كدا هروح لها، فخليك كريم وانا أوصل ماما وأشوفها.

قضم إسحاق شفته مشدودًا، ينظر إلى دينا بإشارةٍ:
_اتصرفي مع الواد دا بدل ما أضربه قلمين.

ضحك حمزة، احتضن والده بعفوية:
_أحسن بابا في الدنيا، كنت عارف إنك مش هتقدر تزعل ابنك.

التفت حمزة إلى دينا بلطفٍ متصنع:
_ياله يا دينا... قصدي يا ماما، إسحاق زكي عن صحته.

تردّد والده في صمت لثوانٍ، ثم رمى نظرةٍ جادة باتجاه ابنه، ثم أشار إلى دينا مُجبرًا وكأن القرار لم يعد بيده:
_روحي معاه، بدل ما يعملي مصيبة.

بمنزل طارق 
توقفت هند بجسد ينتفض ورمقته بصمت حارق كاد أن يشعل جسده، بعدما بصقت تلك الدخيلة، بينما طارق كان يتنقل  بنظراته بينها وبين الطفل، ثم تسائل: 
_تقصدي ايه؟! 
اشارت الى طفلها وقالت: 
_روح لبابا ياحبيبي... خطى الطفل الى ان وصل أمام طارق ينظر اليه بصمت، كل هذا وطارق كاد أن قلبه يتوقف عن النبض، يردد بخفوت 
_ابني.. عندي ولد،  طيب ازاي وامتى 
اخرجت ورقة الزواج العرفي واقتربت تضعها بيده 
_بالورقة دي ياطارق، فاكر لما جيت لعندي بعد خناقتك مع الياس وطلبت نتجوز علشان تنسى غادة،  ايه نسيت:

هز رأسه وتراجع للخلف يستند على الجدار بعدما فشلت ساقيه بحمله. 
_إزاي يعني، قصدك حملتي يومها، طيب ليه ماجتيش بعد ماعرفتي

_خوفت منك تجبرني انزله، وخاصة بعد حبس رؤى، وخوفت من الياس لو عرف.. لانه شافني يومها بعد ماخرجت من بيتك 
كور قبضته يعض ندمًا على تلك الليلة التي أقسم إنها إحدى كوابيسه السوداء 
نظر للطفل بعيونا مترقرقة 
_عندي ولد.. في السن دا معقول 
رفع عيناه إليها ثم أقترب يسحبها بعنف والقاها على الجدار
_انتي ايه شيطانة، سبع سنين ولسة فاكرة جاية تقولي لي 
دفعته بقوة وزمجرت بغضب: 
_انت سافرت وانا هربت من البلد خوفت اهلي يعرفوا، عيشت في الامارات كام سنة واتعرفت على واحد أمارتي وكنت هتجوزه واعيش حياتي اللي اتحرمت منها، بس طبعا رفض الولد، واضطريت ارفض  بسببك وسبب ابنك، ابنك عندك اهو، وعندك معامل مصر كلها، شوف هتعمل ايه، لازم نتفق هو مسؤل منك، وحرام يعيش محروم وابوه عند اموال الدنيا 
مش كدا ولا ايه ياطارق باشا 

كل هذا وهند تستمع إليها وكأنها داخل كابوس اسود سيقضي على حياتها، رمقتها تلك الدخيلة تشير اليها
_وبعدين في الاخر اتجوزت بيئة ياطارق باشا.. واحنا مكناش عاجبين جناب البيه 
لطمة قوية على وجهها، ليصرخ الطفل، يركض الى والدته يتشبث بساقيها، ثم رفع عيناه إلى طارق 
_انت شرير، أنا مش عايزك 
هزة عنيفة اصابت جسد طارق، وهو يرى الطفل يتعلق بوالدته، وينظر اليه بكره، هنا تدخلت هند برسم ابتسامة متصنعة 
_حبيبي ايه رأيك تيجي معايا نجيب تشكوليت... ولكن قطعتها تقى تصرخ بها 
_انتي مين انتي علشان تجيبي لابني حاجة، نطقتها ثم رفعت عيناها الى طارق 
_متخلنيش اندم اني جبت لك الولد 
اقترب يجز على اسنانه يقول بهسيس اعمى: 
_متخلنيش اندم اني توبت، علشان لو طلعت طارق القديم هخليكي تزحفي على بطنك من هدوم، ودلوقتي خدي الولد وارجعي مكان ماجيتي، وسيبي عنوانك مع البواب، وانا يبقى اعدي عليكي 
رفع اصبعه واشار بتهديد: 
_اقسم بالله لو كانت لعبة من العابك الحقيرة لاكلك التراب.. ياله غوري من وشي 
تحركت بعدما رمقت هند باشمئزاز ثم اتجهت الى سيارة الاجرة وصعدت بها 
بينما هو يتابع مغادرتها بعروقًا منتفضة، كادت ان تخرج من وجهه، دنت منه هند وامسكت ذراعيه بلطف قائلة: 
_ممكن تهدى، لازم تقعد وتفكر مع نفسك كويس، قبل ماتاخد اي قرار فيه ولد في النص
التفت ينظر اليها بحزن: 
_هند أنا مكنتش اعرف، هي ليلة واحدة.. اقسم بالله ليلة واحدة، وبعدها ماقدرتش اتحمل لان غادة كانت... صمت ولم يتمم حديثه بعدما رأى دموعها تلمع بعيناها 
تحركت متجهة الى سيارتها
_هروح انا والدادة بتاعة "علي" انت ارتاح وخلص شغلك 
خطى يطبق على ذراعها برفق وقال 
_هند استني 
نظرت الى كفيه، ثم اليه وقالت
_طارق لو سمحت مش عايزة اتكلم دلوقتي. 

بفيلا السيوفي
وصلت دينا إلى الفيلا، فتحت باب السيارة لتهمّ بالنزول، إلا أن صوت حمزة أوقفها:
_ماما، لازم أشوف شمس… حاولي تتحججي بحاجة وابعتيها برّه بس دقيقة واحدة.

استدارت إليه سريعًا، نظرتها تحمل توبيخًا قاسيًا:
_حمزة، عيب كده… افرض باباها شافك، هيقول إيه؟! يا ابني امسك نفسك شوية.

لكن صمتت حين وجدته قد خرج من السيارة دون أن يلتفت
وقع نظره على تلك الفتاة الخارجة من بوابة الفيلا مع إحدى صديقاتها، تلف وشاحًا رقيقًا حول كتفيها.
توقف الزمن لحظة...
طاف بعينيه على ملامحها التي اشتاق إليها حدّ الجنون، ملامح حفظها قلبه عن ظهر حب، يومان فقط غابت عنهما، لكنهما كانا كعمرٍ كامل، يقتلهما الشوق حتى خيّل له أن أنفاسه تحترق.

اقتربت دينا بخطوات مسرعة، وقبضت على كفيه برفق أمٍ تخشى الخوف على ابنها:
_يا بني، المكان دا للبنات… عيب كده، مش عايزين حد ياخد فكرة وحشة عنّا.

لكنه لم يسمع، كان مأخوذًا بها…
يراها كنسمة ربيع أقبلت بعد شتاء عمره، شعرها يتطاير حول وجهها المستدير، وابتسامة صغيرة تُضيء ملامحها، وحركاتها البريئة تُفتت صلابته.
ارتفع نبضه، حتى كاد صدره ينفجر من شدته، ثم تمتم بنبرة موجوعة تخنقها الرغبة:
_بحبها يا ماما… بحبها أوي، شوفي الطفلة دي عملت إيه في ابنِك.

رفع نظره إليها برجاء طفلٍ ضائع:
_ماما لو سمحتي… عايز أكلمها كلمتين بس وامشي… رجاء.

هزّت رأسها بالرفض، عيناها تلمعان بحزنٍ أموميٍّ ، ثم استدارت نحو الفيلا لتخفي اضطرابها.
دخلت حيث استقبلتها شمس بابتسامة دافئة:
_اتفضلي حضرتك، الكل جوا.

توقفت دينا عند الباب، وضغطت على حقيبتها متظاهرة بالبحث فيها:
_يووه… نسيت فوني في العربية، ولسه هرجع بالكعب العالي دا.

بادرتها شمس بلطافتها المعهودة:
_هاتي المفتاح، أشوفه أنا… وحضرتك ادخلي ارتاحي.

وهنا…أشارت دينا بخفة نحو السيارة، لتتحرك شمس بخطواتها الهادئة وهي لا تعلم أن القدر ينتظرها هناك، على بُعد خطوات… بين أنفاسٍ محبوسة، وعيونٍ تترقب اللقاء الأول بعد الغياب.

لتقول دينا على اثر حركاتها
_لا، حمزة وصلني… مش عارفة مشي ولا لسه… الحقيه يا شموسة، معلش، قوليلي تليفون ماما في العربية… دور عليه، ومتزعلش.

أومأت شمس برقة، وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها:
_تمام يا طنط، ولا يهمك.

سارت بخطواتها الواثقة نحو السيارة، كان حمزة قد استدار يهمّ بالمغادرة بعدما فقد أمله، لكنه توقف حين لمح إشارتها من بعيد، وابتسم ابتسامة تراقص على اثرها القلب وهو يهمس لنفسه:
_كنت عارف يا ماما… مش هتهوني عليكي.

اقتربت منه بخطوات حذرة، وقالت بصوت متزن ونبرتها مهذبة:
_أهلاً كابتن حمزة… طنط بتقولك فونها في العربية، تشوفه كده؟

🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤

اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الارض ويوم العرض عليك "

رفع حمزة حاجبيه بخفوت وقال:
_بس العربية مافيهاش حاجة.

أشارت بهدوء نحو الباب الأمامي:
طيب دور، هتخسر إيه؟

صمتٌ ثقيل جعل أنفاسه تتوتر
نظر إليها طويلًا، ثم أشار إلى السيارة بنبرة متماسكة تخفي اضطرابه:
_العربية قدامك… دوري.

فجأة دوّى صوت رولا وهي تلوّح بمرح:
_أوووه كابتن حمزة عندنا! وأنا بقول المكان منوّر ليه؟

ابتسم بخفة، لكنه لم يُزِح عينيه عن شمس، وقال وهو يختنق بعشق دفين:
_المكان منوّر باللي فيه.

استدارت شمس محاولة الفرار من اضطرابها:
_طيب، هروح أقولها...

لكن اوقفتها رولا:
_استني ياشمس، لقيته! ماهي بعتتني أقولك لقيت الفون في العربية.

تطلعت شمس إليه بأسفٍ مرتبك:
_آسفة… بس هي يعني...

اقترب خطوة، لم يَعُد يخبئ نظراته، كانت عيناه تتشبثان بها كمن وجد الحياة بعد موت:
_ولا يهمك.
قالها ثم نظر إلى رولا وأردف بابتسامة جانبية:
_عقبالكم يا بنات.

ضحكت رولا بخفة وقالت بمشاكسة:
_إنت الأول يا كابتن!

قالتها وتركتهما ومضت على رنين هاتفها، لتبقى شمس في مكانها، تنظر إليه بحيرة وتردد: 

قطّب جبينه بخفة، وابتسامة صغيرة تلعب على شفتيه:
_عايزة تسألي عن حاجة؟

ترددت قليلًا، ثم قالت بصوتٍ خافتٍ لكنه ثابت:
_الصراحة… أيوه. هو انت اللي اتصلت بيا من كام يوم؟

استند على السيارة، وراح يتأمل عينيها بعمقٍ قاتلٍ للصبر:
_آه… أنا.
ثم أضاف بابتسامة غامضة:
ولو عايزة إجابة سؤال تاني، هقولك معرفش.

رفعت حاجبها بدهشة:
_يعني إيه معرفش؟ حضرتك اتصلت وقلت "زوج المستقبل"! ممكن أفهم يعني إيه الكلمة دي؟

تحرك بخطوات هادئة نحو باب سيارته، فتحه، ثم التفت إليها وهو يلوّح بكفه بابتسامة ثقة:
_هتشوفيني في الفرح… وبالمناسبة، بحب اللون الأرجواني جدًا، هيكون قمر عليكي، واثق في ذوقك… بس بلاش روج، ما بحبوش.
_راعي أني بغير، مش معنى اني متكلمتش هسمح لا.. لما نقرب من بعض هتفهمي حمزة 

اتسعت عيناها، وافترقت شفتاها بدهشة من جرأته، بينماهو استقل السيارة وغادر…وقفت تهمس لنفسها
_معقول العسل دا يطلع مجنون

وصلت إليها رولا: 
_واقفة كدا ليه يا شمس؟
التفتت إليها تشير إلى تحرُّك حمزة وقالت: 
_معرفش حسَّاه مش طبيعي. 
ابتسمت وسحبت كفَّها:
_هوَّ بس علشان ميعرفكيش، المهمِّ أنا خارجة نصِّ ساعة لو ماما سألت عليَّا قولي لها فوق في الحمَّام، المهمِّ متعرفش إنِّي خرجت. 

_وبعدين يا رولا..أنا بقيت بكذب كتير بسببك، كفاية يوم ماقولتي لها جاية تذاكري عندي، وأنا معرفش عنِّك حاجة خمس ساعات، لو سمحتي لازم تقولي لوالدتك إنتي بتروحي فين، مادام مابتعمليش حاجة غلط. 

_خلاص يا شمس مش عايزة منِّك حاجة؛ أنا كنت هروح لواحدة صاحبتي بس عملت حادثة وماما دايمًا بترفض حتى من غير ماتعرف. 
اقتربت وربتت على كتفها: 
_طيب أنا آسفة، روحي ومتتأخريش. 
هزَّت رأسها سريعًا وأشارت إلى آخر الشارع:
_لا هيَّ ساكنة قريب، هاخد عربية ضي تمام؟. 
أومأت لها بهدوء، قبَّلتها رولا وتحرَّكت سريعًا للخارج وهي تراقبها بعينيها. 
بالداخل مازالت البهجة والسعادة تعمُّ المكان..جلست ميرال بجوار رحيل الصامتة:
_مالك يا رحيل، من وقت ماجيتي وإنتي ساكتة، وبعدين إنتي قولتي هتيجي بعد الضهر إيه اللي أخًَّرك كدا؟.
هزَّت رأسها ورسمت ابتسامة: 
_آسفة يا ميرال، نمت وراحت عليَّا نومة، المهمِّ ألف مبروك حبيبتي ليوسف عقبال شمس، يزن احتمال كبير  يجي بكرة، ربِّنا يسهِّل ويلحق يخلَّص بكرة.
_إن شاء الله حبيبتي، هيَّ إيمان بقت كويسة؟ 
_أه الحمد لله، هتفكِّ الجبس أسبوع كدا، في تلك اللحظة دلفت شمس بمفردها. 
نهضت رحيل متَّجهةً إليها تبحث بعينيها عن رولا:
_حبيبتي فين رولا، مش كانت معاكي؟ 
ارتبكت تفرك بكفَّيها ثم ابتسمت بتردُّد تشير إلى الأعلى: 
_أه..طلعت فوق، قالت عايز تغيَّر الميكب..ماتقلقيش شوية وتنزل. 
_يعني هي َّفوق؟
أومأت شمس بعيونٍ متربكة حائرة من شدَّة رحيل بسؤالها، تعلم أنَّ علاقتهما ليست على مايرام. 

عدَّة ساعاتٍ مضت الى أن انتهى حفل الحنَّة، صعدت شمس أوَّلًا..وقامت بإزالة مكياجها واتَّجهت إلى فراشها تهمس لنفسها:
_هتنامي على نفسك يا شموسة، آااه يا رجلي..قالتها بدخول ضي التي أُنير وجهها بالسعادة، حدجت تلك التي تلمس  قدميها بتألُّم:
_مالك يا شمس؟ 
أشارت إلى أقدامها:
_رجلي يا ختي، من الصبح وأنا بجري زي مايكون أنا العروسة. 
ضحكت واقتربت منها، ثم انحنت تطبع قبلةً على رأسها:
_يوم فرحك صدَّقيني هنام لحدِّ المغرب. 
هبَّت من فوق الفراش تلكمها بشقاوتها الطفوليَّة:
أه يا ناكرة الجميل يا كلب البحر.
ارتفعت ضحكاتها إلى أن صمتوا، ثم اعتدلت ضي تنظر إليها:
_ماتوقَّعتش الليلة هتكون حلوة أوي كدا. 
وضعت شمس رأسها على كتف ضي:
_أنا فرحانة أوي يا ضي، علشان هتكوني مرات أغلى شخص في حياتي. 

أغمضت عينيها، فراحت ملامحه في خيالها كحلمٍ جميل، ابتسمت وتنهَّدت، تتمنى لو أنَّ المسافة بينهما تُمحى بلمح البصر.
اعتدلت شمس بعد لحظاتٍ من صمتها تنظر إليها باستغراب:
_ضي، مالِك ساكتة ليه؟
هزَّت كتفيها بابتسامةٍ واهية، ثم نهضت ببطء، خلعت فستانها بحركةٍ متردِّدة.
تقدَّّمت نحو خزانتها، وضعت الفستان داخلها بعناية، تمرِّر أناملها عليه برقَّةٍ 

ثم توجَّهت إلى الحمَّام، وحين خرجت كانت شمس قد استسلمت للنوم.
جلست ضيّ بجوارها تراقب ملامحها الهادئة، والابتسامة تملأ عيناها، فوجه شمس يشبه يوسف حدَّ الوجع.
اقتربت منها ببطء، وانحنت لتطبع قبلةً رقيقة على وجنتها، تهمس كأنَّها تخاطبه:
_وصَّلي دي لأخوكي..قولي له وحشني.

تحرَّكت شمس بتململ، وابتسمت بخفوتٍ وهي تهمهم:
_حاضر...

عادت ضي إلى فراشها المقابل، تتأمَّل السقف بصمتٍ، فمنذ عودة ميرال وشمس، وهي تشارك شمس بغرفتها في زياراتهم المتكرَّرة لجدَّتهم.
سحبت هاتفها من فوق الوسادة، فتحته، فظهر أمامها اسمه..."يوسف".
عدَّة مكالماتٍ فائتة. 
ارتجف قلبها، وضغطت على زرِّ الاتِّصال.

على الجانب الآخر...كان يوسف قد غفا منذ دقائق، بعد سهرةٍ طويلة مع أصدقائه.
رنَّ الهاتف، ففتح عينيه نصف فتحةٍ، مدَّ يده بتثاقل وأجاب بصوته المبحوح بالنوم:
_ألو...

تصلَّب جسدها للحظة، ارتبكت، ثم همست باسمه بخجل:
_يوسف..نمت؟

اعتدل على ظهره، وصوته بدأ يفيق:
_يعني..

ضحكت بخفوتٍ وارتبك صوتها وهي تهمس:
_لقيتك متَّصل بيَّا كتير... الفون كان فوق.

ردَّ بابتسامةٍ تنضح عشقًا:
_ولا يهمِّك يا حبيبتي، كنت بس عايز أطَّمن..أشوفك عاملة إيه.

مش كويسة...
قالتها بصوتٍ خافتٍ مهزوم، لتتسلَّل شهقةُ بكاءٍ خانتها قبل أن تكمل.
اعتدل يوسف سريعًا وارتجف جسده بالقلق:
_ضي، فيه إيه، مالِك، مين زعَّلك؟

خرجت منها الكلمة كطعنةٍ ناعمةٍ مبلَّلة بالدموع:
_إنتَ...

قطَّب جبينه، يحاول التذكُّر، وقال مستنكرًا:
_أنا! مش فاكر زعَّلتك في إيه، وبعدين إحنا مااتكلِّمناش أصلًا..ممكن أفهم زعلانة منِّي ليه؟ لو قصدِك على الفستان، اخبطي دماغك في الحيطة بقى.

لكنَّها قاطعته بصوتٍ مبحوحٍ موجوعٍ:
_علشان وحشتني..وعايزة أشوفك، وإنتَ مش موجود.

هل شعر أحدكم يومًا بصراخ القلب حين يعجز اللسان عن الردّ؟
_ صمت..لكنَّها سمعت أنفاسه المتسارعة من خلال الهاتف، كأنَّها أمواجٌ ترتطم بقوَّة، تريد أن تصل إليها بأيِّ شكل.

دقائق من الصمت الموجع...
ثم أغلقت الهاتف بخفَّةٍ مرتجفة، وارتمت على وسادتها، تضمُّ نفسها بذراعيها كأنَّها تحاول أن تقنع نفسها أنَّها بين يديه. 
همست لنفسها لائمةً:
_إيه يا ضي..اتجنِّنتي؟! أوَّل مرَّة تبقي ضعيفة كده!

تقلَّبت على الفراش كمن يهرب من نارٍ تشتعل تحته، ثم نهضت مرَّةً واحدة.
خرجت من الغرفة بخطواتٍ متردِّدة..
هبطت السلالم بهدوء، حتى دلفت إلى غرفته..وكأنَّ قلبها المتحكِّم الأوَّل. 

توقَّفت عند الباب، فتحته لتقابلها رائحته تتسلَّل إليها كأوكسجين الحياة الذي تختنق بدونه.
دخلت تتأمَّل كلَّ تفصيلةٍ في المكان،
حتى وقعت عيناها على قميصٍ ملقى فوق الفراش.

اقتربت منه، رفعته ببطءٍ إلى أنفها، وأغمضت عينيها بقوَّة وهي تستنشق عطره، تريد أن تملأ رئتيها به...
جلست على الفراش، تمرِّر أصابعها عليه، تتلمَّسه، وكأنَّها تتلمس جسده. 
ابتسمت بخفوتٍ وافترشت الفراش، تضمُّ قميصه إلى صدرها كطفلةٍ وجدت دُميتها بعد بكاءٍ طويل..تدفن رأسها تتنفَّس رائحته إلى أن غفت أخيرًا بين رائحته، ودموعها التي لم تجفّ. 

عند يوسف: 
نظر للهاتف الذي بيده بعد إغلاقها،  وشعور جحيمي بداخله، يريد أن يصل إليها بالحال، ولكن عقله تمرَّد عليه: 
_اهدى..متبقاش ضعيف كدا، مش كلِّ حاجة تقولها تجري عليها..الصبح يبقى روح لها.
صمت لدقائق ثم رفع هاتفه يتَّصل بها مرَّةً أخرى، ارتفع رنين الهاتف التي تركته بغرفتها عدَّة مرَّات، حتى استيقظت شمس..نهضت تبحث عنها فرفعته وردَّت بعدما وجدت أخيها:
_أيوة يا جو؟ 
صمت للحظات..يشعر بالضيق ظنًّا أنَّها لا تريد محاكاته، فقال: 
_أهلًا شموسة، عاملة إيه حبيبتي؟ 
_مفيش كنت نايمة، صحيت على رنين التليفون، ومعرفش ضي راحت فين.
_هيَّ مش عندك؟ 
_لا..ممكن تكون نزلت تحت. 
_طيب حبيبتي تصبحي على خير.
_لو عايزها أنزلَّها. 
_لا يا شموس، كنت بطَّمن عليكم بس.

فرك وجهه يشعر بالضيق، ثم نهض من فوق فراشه، واتَّجه إلى غرفة بلال، وجده مازال مستيقـظًا:
_يوسف إنتَ لسة صاحي فكَّرتك نمت. 
_ماجاليش نوم.
-بقولَّك حجزت في شرم زي ماقولت لك ولَّا لأ؟
كان بلال مندمجًا بشاشة جهازه، أومأ له وقال:
_أيوة..الفندق اللي قولت عليه.
سحب مقعدًا وجلس بمقابلته متأفِّفًا يشعر بالضيق، التفت إليه بلال: 
_مالك فيه حاجة؟ 
تراجع بجسده ورفع قدمه فوق المقعد المقابل:
_قلقان من عملية جدُّو، خايف مؤشراته ماتتقبِّلش العميلة.
أغلق جهازه واعتدل ينظر إليه:
_إنتَ ماشفتش التحاليل، وراجعت على كلِّ حاجة وكلُّه كان تمام؟ 
رفع يوسف رأسه وأومأ له:
_بلال العمليات دي صعبة، هوَّ أنا اللي هقولَّك، الكبد مصاب بجزء كبير جدًّا.. خايف يكون المرض خرج عن السيطرة في مكان تاني ولسة في أوِّله ومش واضح، إنتَ عارف دا معناه إيه؟
ربت على ساقيه:
_أنا عارف إنِّ ربِّنا كبير، وفي الأوِّل والآخر دي أعمار يا يوسف، ولو له نصيب يعيش مش محتاج عملية.
_يارب يا بلال يارب..أنا خايف أوي عليه، مش متخيِّل نفقده أصلًا، غير إنِّ تيتا ممكن تموت وراه. 
ابتسم بلال بحزن: 
_فكَّرتني بتيتا صفية الله يرحمها، كنَّا بنقول هنموت وراها وشوف عشنا كام سنة..الأعمار بيد الله حبيبي..سيبها على ربِّنا، فكَّر بس في فرحك دلوقتي 
وبعد كدا كلِّ حاجة هتكون تمام. 
تنهَّد ثم اعتدل واقفًا: 
_كمِّل شغلك عطَّلتك، هروح أنام.
قالها وخطا للخارج أوقفه بلال: 
_يوسف..توقَّف واستدار إليه، لينهض من مكانه مقتربًا منه، ينظر لعينيه:
_ضي..ضيَّق يوسف عيناه منتظرًا بقية حديثه..ابتسم يربت على كتفه:
_ضي أغلى من روحي، زي ماشمس أغلى من روحك كدا، أوعى تزعَّلها يابن عمِّي هيَّ بتحبَّك أوي، وأنا اكتشفت إنَّك كمان بتحبَّها..مش هضحك عليك، عارف إنَّك زعلان على جدُّو مصطفى 
بس أنا عارف يوسف كويس، أوعى تكسر بخاطر أختي يا يوسف، علشان منزعلش من بعض، إلَّا ضي. 
استدار يوسف دون أن يردَّ عليه وغادر الغرفة بصمتٍ مريب، جعل بلال يشعر بالخوف..ليهمس: 
_ياترى ناوي على إيه يابنِ عمِّي؟ 

صباح اليوم التالي.. 
استيقظت لتجد نفسها مازالت على فراشه، نهضت من مكانها وتحرَّكت للخارج، بنزول شمس من الدرج:
_ضي كنتي فين؟ قلقت عليكي. 
_نمت في أوضة يوسف..فيه حاجة؟ 
غمزت شمس بشقاوة، تهزُّ رأسها، ثم وضعت الهاتف في يدها:
_أه فيه..الدوك اتَّصل إمبارح بالليل واتَّصل الصبح.. طمِّنيه. 
سحبت الهاتف وصعدت إلى غرفتها.
مرَّت عدَّة ساعاتٍ إلى أن وصل إلى الفيلا يبحث عنها، دلَّته شمس على مكان الغرفة التي بها، دلف للداخل.. توقَّف ينظر لتلك الواقفة تجمع أغراضها بحقيبة، وعلى وجهها طبقةٌ سوداء، اقترب منها دون أن تشعر به، ثم طوَّقها بين ذراعيه من الخلف: 
_صباح الخير على مراتي الحلوة. 
تمتم بها يدفن رأسه بخصلاتها..التفت تنظر إليه: 
_لسة فاكر عليك. 
أشار على وجهها: 
_إيه الطين اللي إنتي حطَّاه دا؟
_طين!! دا طين، دي ماسكات علشان أعجب الباشا. 
سحبها بقوَّة لأحضانه:
_الباشا عاجبه أي حاجة فيكي والله. 
رفعت حاجبها وقالت:
_أه بدليل جيت إمبارح.
_كنت نعسان يا بت، مالك فيه إيه، وبعدين لسة دافع لك فاتورة تقطم الضهر، وأنا لسة ببني أوضة فوق السطوح علشان شوية الطين دول، والله لو أعرف كنت عجنتهم من الجنينة.

دفعته وابتعدت بعنادٍ طفولي:
_إيه..مااستهلش يا دوك ولَّا إيه؟

ابتسم بخفَّة يعبث بخصلات شعرها المتطايرة:
_أنا ومالي ومال أبويا وأبوكي، والواد بلال والعيلة كلَّها في شنطتك.. توصَّليهم لحدِّ باب بيتي.

ضربت الأرض بقدمها غيظًا:
_بطَّل هزار وقولِّي ماجتش إمبارح ليه؟ أنا بتّ في أوضتك على فكرة.

ضحك وهو يرفع حاجبه بمكر:
_احمدي ربِّنا إنِّي مجتش، لو كنت جيت كانت هتبقى عملية قلب مفتوح.
_يابت بتجريني للرذيلة، وأنا جوايا شخص دكتور محترم 

ضحكت رغمًا عنها، ثم استدارت تكمل جمع ملابسها.
اقترب منها بخطواته الثقيلة وسأل:
_بتعملي ايه؟

_هدوم..طنط ميرال بعتتهالي الصبح علشان أشوف اللي يعجبني، بس كلُّهم واو يا يوسف فقولت فرصة أخدهم.

مدَّ يده ليسحب أحد القطع فانتزعته بسرعة من قبضته:
_اطلع برَّة، إزاي تدخل هنا كده، عايزة أجهز، فيه حفلة بالليل ولسه ماعملتش ساونا.

_ساونا؟!

ارتبكت وهي تهزُّ رأسها:
_ساونا إيه، قصدي أكمِّل الحاجات اللي ناقصاني.

ابتسم بخبثٍ خافت:
_تمام، همشي ومش هتشوفي وشِّي غير يوم الفرح.

_أحسن برضو.

قالتها بسرعة، لكنَّها لم تتوقع عودته المفاجئة، إذ اجتاز المسافة بخطوةٍ واحدة، جذبها نحوه بقوَّة حتى ارتطمت بصدره..
وخرج صوته خافتًا لكنَّه مهتزٌّ بالغضب:
_يعني منمتش طول الليل وقلقان ومضَّايق على زعلك، دا يكون ردِّك؟

ارتجفت بين ذراعيه، وأردفت بنبرةٍ موجوعة:
_يوسف..سيبني بتوجعني..
مكنتش محتاجة غير إنَّك تاخدني في حضنك إمبارح، بس إنتَ ولا همَّك.. وجايلي تاني يوم العصر كمان.

تجمَّد للحظة، ثم تراجع بخطوةٍ بطيئةٍ كأنَّه ينتزع نفسه منها عنوة، واستدار يغادر بصمتٍ موجع.
تبعته بعينيها حتى اختفى، تنهَّدت بوجعٍ مكتوم.

بغرفة مصطفى، كان الصمت يعم  المكان، لا يُسمع سوى خرير جهاز الأكسجي. 
دلفت فريدة بخطواتٍ هادئة، حتى وصلت إلى مالك الجالس بجوار مصطفى:
_عامل إيه يابني؟ 

نهض سريعًا بابتسامةٍ لطيفة:

_الحمدلله يا طنط فريدة، إزاي حضرتك؟
ابتسمت وهي تجلس مقابله:
_الحمدلله يا ابني، دايمًا منوَّر المكان.. 
من يوم المستشفى مشفتكش، إلياس قال لي إنَّك كنت في السويس. 
أومأ لها وقال:
_أه كان فيه مشكلة في الشغل وإلياس بعتني، والحمد لله..

في تلك اللحظة، انفتح الباب، ودلفت غادة تحمل طبقًا من الشوربة بين يديها، تفوح منه الحرارة برائحتها الشهيَّة:
_أحلى شوربة لأعظم أب في الدنيا.

ابتسم لها مصطفى بحنانٍ متعب:
_تسلم إيدك حبيبتي..بس ماليش نفس.

أمالت فريدة رأسها نحوه بلهجة عتاب خافتة:
_هتكسف غادة قدَّام جوزها، ينفع كده؟

نظر إليها بعينيه المرهقتين وقد فهم مقصدها، فابتسم بخفوت. 
جلس مالك يسانده كابنٍ لا كزوج ابنته:
_يلاَّ يا عمُّو، علشان غادة متزعلش وتنكِّد عليَّا.

ضحكت غادة بخفَّة:
_لا والله، أنا اللي أنكِّد عليك.
ابتسم مصطفى بهدوء وربت على ذراع مالك:
_غادة جوهرة غالية على أبوها، وعارفة قدِّ إيه غلاوتك عندي، ومستحيل تزعَّلك مش كده يا بنتي؟

_متخافش يا بابا، حضرتك عارف بنتك..حضرة الظابط بس بيحبِّ يتدلَّع.

ضحكت فريدة وهي تتناول الصحن منها:
_قومي يا بنتي، افطري إنتي وجوزك مع أخوكي تحت.

_حاضر.
اقتربت غادة تُقبِّل جبين والدها قبلةً محمَّلةً بكلِّ الخوف والحنين:
_حبيبي، محتاج حاجة؟

_لا يا حبيبتي..بس طلَّعيلي فارس وفريدة لمَّا يرجعوا من النادي، نفسي أشوفهم.

_عيوني يا بابا، أوَّل مايجوا هطلَّعهم. 

غادرت الغرفة بخطواتها الهادئة، ونظرات والدها تلاحقها، لعلَّ النظر إليها يخفِّف من ألم المرض..
_هيَّ كويسة، حكت لي، مالك كان شدِّ مع والدته علشان عمُّه، وإنتَ عارف بنت عمُّه رجعت، غادة متعرفش، بس أنا فهمت من كلامها إنَّها زعلان منُّه علشان مبيشركهاش. 
كان يستمع إليها بصمت، ثم قال:
_إلياس عارف إنَّها زعلانة؟ 
هزَّت رأسها بالنفي وقالت:
_إسلام بس وميرال، إلياس مفكَّرها زعلانة علشانك، بس لمَّا شوفت مالك مجاش من أسبوع وبيسأل عليك عن طريق إسلام، عرفت فيه بينهم مشكلة واتكلِّمنا بس. 

بمنزل طارق.. 
فتح الباب ودلف وجدها تجلس بالشرفة تنظر بشرودٍ في الفضاء.. اقترب منها بهدوء وامتدَّت يده يمسِّدها على خصلاتها، هبَّت كالملسوعة.. 
_اهدي أنا. 
أزالت دموعها وأومأت برأسها، تتجاوز وقوفه قائلة:
_هشوف "علي" 
أمسك كفَّيها وأوقفها:
_هند من إمبارح وإنتي قافلة على نفسك. 
_طارق ممكن نأجِّل كلامنا، معنديش طاقة أتكلِّم في حاجة دلوقتي. 
سحبها بعدما لفَّ ذراعيه حول جسدها، وانحنى يدفن رأسه بعنقها:
_هند أنا آسف، سامحيني، مقدرتش أمنع عنِّك آثار الماضي.
انسابت دموعها بغزارة، وارتجف جسدها بالكامل، رفع رأسه ينظر إلى عينيها الباكية بتألُّم..احتوى وجهها وانحنى يقبِّل دموعها وانسابت دموعه رغمًا عنه وهو يردِّد:
_آسف. 
رفعت رأسها إليه وقالت ببكاء:
_هتعمل إيه؟ أنا مقدرش أتقبَّل واحدة في حياتك، وفي نفس الوقت ابنك مقدرش أمنعك عنُّه..أنا تعبانة يا طارق. 
ضمَّها لأحضانه: 
_ألف سلامة عليكي حبيبتي.. متقلقيش، وعد منِّي يا هند هفكر في حاجة ترضيكي، أنا مستحيل أستغنى عنِّك..مقدرش أبعد عنِّك يوم واحد. 
سبحت بعيونه الباكية: 
_وأنا كمان بحبَّك أوي، واتقبَّلت ماضيك، بس مش ولد يا طارق، دا تقيل عليَّا، علشان كدا بقولَّك سيبني يومين. 

بمنزل يزن: 
دلفت غرفة ابنتها، وجدتها تجلس أمام المرآة تضع بعض الكريمات.. تحرَّكت إلى الفراش وجلست عليه تراقبها، استدارت رولا إليها:
_خير ياماما.
_إيه رأيك نتكلِّم شوية زي أي أم وبنتها؟..ألقت مابيدها واستدارت إليها: 
_ماما عايزة إيه؟ أنا تعبانة وماليش نفس أتكلِّم، وبعدين هنزل لبنت عمِّتو، وهبات هناك بما إنِّ الفرح بعد يومين، ولَّا حتحرميني من الفرح كمان؟ 
توقَّفت رحيل وحاولت السيطرة على نفسها حتى تصل إلى ماتريده:
_إنتي حبِّيتي حد يا رولا؟ 
نهضت بتأفُّف: 
_يوووه، أنا قولت لك تعبانة، ولَّا أقولِّك أنا ماشية، وماتخافيش هخلِّي آسر يوصَّلني. 
قالتها وتحرَّكت سريعًا من أمامها، بينما ظلَّت رحيل بمكانها، تبعد خصلاتها عن وجهها بغضبٍ تنظر حولها بتيه:
_ياربِّي إعمل إيه، أقول إيه لأبوها، طيب دي أفهم منها إزاي؟.

بمنزل إسحاق: 
دلف حمزة إلى عمران يسحب من فوقه الغطاء وصاح بغضب:
_عمران قوم كدا.
نهض من نومه يمسح على وجهه،  انحنى يضع الهاتف أمام عينيه:
_إنتَ بتعمل إيه مع البتِّ دي؟ 
تراجع عمران بجسده على الفراش وقال:
_دي بنت كانت بايعة ورامية نفسها عليَّا، الأوَّل شربت المقلب وجيت من هبلي أتخانق مع بابا علشان يخطبهالي، بس عرفت بعد كدا إنَّها مدوَّراها، لا ومن كام يوم جاية بتقولِّي نتجوز عرفي. 
هدأ حمزة قليلًا وجلس بجواره على الفراش: 
_عمران البنت دي مش كويسة، ومتجوزة نصِّ شباب الجامعة بفلوس، أنا لمَّا شوفت صورتك معاها اتجنِّنت. 
_لا متخافش..فهمتها. 
نهض من فوق الفراش وغمز إليه: 
_أنا أخو حمزة الجارحي يابني مش عبيط، منكرش الأوَّل شدِّتني، بس لمَّا عرفت حقيقتها بعدت، وطبعًا إسحاق باشا لمَّا هدَّدها علشان تبعد عنِّي.. حاولت تتذاكى وجاية تعرض نتجوز عرفي. 
توقَّف حمزة بمقابلته وقال:
_برافو عليك..أنا من وقت ماماما قالت إنَّك معجب بواحدة، بدوَّر علشان أعرف مين دي، بس لمَّا عرفت كنت هتجنِّن.
لكزه عمران وأردف بمزاح:
_ألف سلامة عليك من الجنان يا عاشق يا ولهان، أخبار شمسك وقمرك إيه؟
دفعه فوق الفراش وتحرَّك للخارج يسبُّه..بينما ارتفعت ضحكات عمران بالداخل. 

مضى اليومان سريعًا، كأنَّ الدقائق كانت تعدو لا تمشي، إلى أن جاء اليوم المنتظر...يوم الزفاف.
في الفندق، كانت الغرفة المخصَّصة للعروس تنبض برائحة العطور والورد الأبيض

جلست أمام المرآة تُنهي زينتها..
دلفت رولا وشمس بخفَّة ومرح، تسبق ضحكاتهما نبرات صوتهما.
رفعت رأسها إليهما مبتسمة، ثم أشارت إلى وجهها وهي تسأل بتردُّد خجول:
_حلو ولَّا أوفر؟

قرصتها شمس في وجنتيها بحب، ثم طبعت قبلةً سريعة وقالت بمرحها المعتاد:
_أحلى وأجمل عروسة في الدنيا، يابخت جو بيكي.

قبَّلتها على الهواء وغمزت لرولا التي تنظر إليها من شدَّة الإعجاب.
لم تمر دقائق حتى ارتدت فستانها... فستانًا كأنَّه حكاية تروي عشقهما، يتلألأ مع كلِّ حركة، يلامس الأرض بخفَّة..يكتب حروفهما على بعض نقوشه، ينساب عليها ليجعلها أميرة متوَّجة على عرشها.

توقَّفت شمس تحدِّق فيها بانبهار حقيقي، اقتربت منها والتقطت صورة خاطفة قبل أن تنطق:
_دي علشان جو.

شهقت ضي بسرعة وهي تلوِّح بيديها:
_لا لا يا شمس، وحياتي لا، خلِّيها مفاجأة.
رفعت شمس حاجبيها بخبث:
_ليه، أوعي تكوني غيَّرتي الفستان ده كمان؟

ضحكت بخفَّة وقالت:
_غيَّرته فعلًا، بس الباشا رجَّعه وقالِّي: “إياكي تغيَّريه، دا معمول ليكي إنتي.
أشارت إلى حروفهما التي تنقش على الفستان. 

نظرت إليها شمس بدهشة، ثم ابتسمت بسعادة، وهمست:
_الدوك طلع عشقان من الدور المية 
توردت وجنتيها بخجل، تتنهد بحالمية، فلقد عشقته بجنون.. واصبحت الدقيقة بعيدًا عنه كعمرًا فوق عمرها

مر وقتًا الى اعلان المسؤلة عن مكياجها باالانتهاء، 
بغرفة يوسف 

توقَّف أمام المرآة، يراقب هيئته كأنه يراقب انتهاء عذابه..ارتعاشة خفيفة تهزُّ أطرافه، يحاول أن يسيطر عليها لكنَّ القلب يخرج من محبسه بخطا مرتعشة، لا يعرف ماذا سيحدث، وكلُّ شيءٍ بدا له الآن عكس مايشعر به.. طرقاتٌ خفيفة على الباب، ثمَّ دخول والده:

حبيبي خلَّصت.
ابتسامة باهتة تتصنَّع الصمود بينما العاصفة تلتهم صدره، رفع قنِّينة العطر ونثر قليلاً منه على ياقة بدلته، كأنه يحاول أن يُجمّل وجعًا لا يُرى.

اقترب منه إلياس، ابتسم بحنانٍ أبويٍّ متماسك، ثم مدَّ أنامله يُصلح رابطة عنقه بعنايةٍ، ثم احتواه من كتفيه وقال بصوتٍ خافتٍ متردّد:
_تعرف شعوري إيه دلوقتي؟

زمَّ يوسف شفتيه وهزَّ رأسه، ثم نظر إلى انعكاس صورته في المرآة وقال بصوتٍ مبحوح:
_متقلقش يا بابا... أنا عارف إنك خايف مني، بحاول... صدّقني بحاول.
_متأكد.. 
_مالك ياحضرة الظابط فيه ايه

احتضن إلياس وجهه ينظر في عينيه بعمقٍ دامع:
أنا النهارده عايز أشوف يوسف اللي ربيته على إنه يكون راجل بحق، فاهم قصدي؟ أوعى يا يوسف تخذلني... وتكسر قلب بنت عمك.

ارتجفت أنفاس يوسف، وضغط شفتيه بقوة كأنه يُكمم ارتعاشة داخله، ثم همس:
_ايه اللي بتقوله دا يابابا، ضي بقت اغلى من روحي 

تبادل الاثنان نظرات طويلة كأنها وعد مكسور، قاطعهما دخول بلال، بابتسامة خفيفة تخفي شيئًا من الريبة.
_ألف مبروك يا يوسف، جاهز؟ هنزل بضي دلوقتي.

أومأ يوسف بصمتٍ، فظل بلال يراقب ملامحه لحظة، ثم قال مترددًا:
_يوسف... انت تمام؟

ابتسم يوسف ابتسامة قصيرة تُشبه جرحًا 
_مالك يابني ماانا كويس اهو

استدار إلياس يسحب بلال من ذراعه إلى الخارج، واردف بصوت يحمل قلقًا أبويًا دفينًا:
_انت مش مخبي عليا حاجة، مش كده؟

هزَّ بلال رأسه بالنفي:
_أبدًا يا عمو، هو اليومين دول كان في بيته، وكل ما اتصل يقولي مشغول، وأنا محبتش أضغط عليه.

ضاق ما بين حاجبي إلياس، ثم سأل بنبرةٍ حادةٍ قليلاً:
كان بيعمل إيه عند دكتوره؟

اتسعت عينا بلال بدهشةٍ حقيقية:
_هو راح للدكتور؟ امتى؟ أنا معرفش والله.
ربت إلياس على كتف بلال بتنهيدةٍ ثقيلة، ثم أشار برأسه قائلًا بهدوءٍ متعب:
_خلي ضي تجهّز.

قالهاثم التفت إلى يوسف، ينظر إليه: 
_جاهز؟ لو جاهز، ادخل لماما... كانت عايزة تيجي بنفسها.

أومأ  بصوتٍ واهن:
حاضر، هعدي عليها هي وعمتو.

اقترب إلياس منه، قبّل جبينه، وربت على وجنتيه بحنانٍ أبويٍّ :
_عقبال لما أبارك لك على ابنك يا حبيبي.

ارتجفت شفتا يوسف في محاولةٍ فاشلة لإخفاء ارتباكه، فالتقطها إلياس بعين الأب ، فابتسم محاولًا التخفيف:
_دي بقى الفرحة اللي بجد... شوف إحساسك دلوقتي؟ يوم ما ربنا يرزقك بابن، هتعرف هتحس فرحتك دي كانت نقطة صغيرة من بحرها.

هزةٌ عنيفة أصابت يوسف حتى فقد النطق، كأن الكلمات اخترقت قلبه مباشرة، فسحب قدميه بصعوبة وتحرك نحو الباب دون أن ينطق بشيء...

بغرفة ضي:

دلف بلال بعد طرقٍ خفيف على الباب. توقفت الفتيات عن الضحك حال دخوله، فامتلأت عيناه بسعادةٍ أخويةٍ نادرة وهو يراها في ثوبها الأبيض.
نهضت ضي من مكانها بمساعدة شمس التي رفعت طرحتها بخفة، فاقترب منها بلال بانبهارٍ صادق، ثم انحنى وحملها بين ذراعيه يدور بها بضحكةٍ عالية:
_ألف مبروووك يا روح قلب أخوكي!

قهقهت ضي وهي تحتضن عنقه بحبٍ  صادق، فأنزلها برفقٍ وطبع قبلةً على جبينها:
زي القمر يا ضيّ القمر... والله خسارة في الواد الدكتور.

لكزته شمس بسرعة:
_أنا هنا يا ابن عمي

ضحك وهو يرفع حاجبيه بمكرٍ :
_امشي يا بت عند بيتك، شوفتي القمر هينور بيت أخوكي المتخلف.

ردت شمس بحدةٍ مصطنعة وعينها تلمع بالمرح:
_نعم يا دكتور؟! بيت أخويا منوّر بيه يا حبيبي.

_ماشي يا شموسة... نخلص الفرح ونشوف مين اللي بينوّر مين.

تدخلت رولا بخفةٍ وهي تعبث بهاتفها دون أن ترفع نظرها:
_عقبالك يا بلال
_وانتي يابت يارولا

رفعت رأسها نحوه برفعة حاجبٍ متعالية:
_نعم ايه يا بت يا رولا؟! أنا مهندسة قد الدنيا يا دكتور

ضحك بلال وهو يعقد ذراعيه، فبادرت ضي بعناقه

ربت على ذراعها بحنانٍ وهو يتحرك نحو الباب

بغرفة ميرال قبل دقائق
دلف للداخل.. نهضت سريعًا بعد دخوله تنظر الى هيئته بعيونًا سعيدة ثم همست: 
_الله اكبر.. ماشاء الله عليك ياحبيبي بدر منور.. لمست وجنتيه وتبسمت
_فكرتني بيوم فرحي لما باباك دخلي كدا.. بس علشان يقول قوانينه 
ضحك بخفة، وضمها بحب: 
_ربنا يخليكوا ليا ياحبيبة قلبي 
خرجت من احضانه وطبعت قبلة على وجنتيه
_لازم ابوس الخد الناعم دا شوية 
ضحك على مشاكسة والدته، دخلت فريدة تتمتم ذكر الله
_بسم الله عليك ياحبيبي.. 
التفت اليها بابتسامة 
_تيتا حبيبة قلبي 
_بكاش يابن الياس، أنا كنت عند عروستك، اوعى بس يغمى عليك، ومتنساش انت اخدت قمر العيلة ياواد 

رفع حاجبه ونطق بسخرية: 
_مالك ياتيتا، انا أمير برضو، تحمد ربنا اني اتنازلت ورضيت بيها 
لكزته بحنان تضمه إلى صدرها وانسابت دموعها 
_ألف مبروك ياحبيبي.. ربنا يتمم فرحتكم على خير ياحبيبي 
_اللهم آمين.. طيب ايه.. مش هنزل لعروستي، ولا يفكروني هربت 

تحركت تسحبه من ذراعه قائلة: 
_امشي معايا  يادكتور، اعتبرني العروسة
توقف يشهق بتصنع: 
_انا عايز ادخل دنيا ياست فريدة مش اخرة 
ضحكت بصوت مرتفع مع مراقبة ميرال اليهما باابتسامة سعيدة 

بعد فترة وقف عند أوَّل الدرج ، 
دقائق معدوة حتى أطلَّت العروس، تهبط بخطواتٍ ملكيَّة على درجات الفندق المتحرِّكة، كأنَّها آتيةٌ من عالمٍ آخر..

وقف يتأمَّل نزولها بعينيه الصقريَّتين، لا يرى سواها رغم الحشود والتصفيق الذي دوى في الأرجاء..

وصلت إليه بخطواتٍ بطيئة، قلبها يضرب كطبل حرب داخل صدرها.
رفعت عينيها نحو والدها، فابتسم أرسلان… تلك الابتسامة التي كانت تهدئها يومًا
مدّ ذراعيه نحوها، وضمّها بحنانٍ ابوي
_حبيبة بابا… ألف مبروك يا صغيرتي.
قالها بنبرة تفيض دفئًا ووجعًا في آنٍ واحد، ثم طبع قبلة مطوّلة على جبينها، 
_مبروك يا حبيبة بابا.
_الله يبارك فيك يا حبيبي.
ردت بها بصوتٍ مرتجف، كأن الكلمات خرجت من بين دموعٍ خفية.

اقترب إلياس، وعينيه تلمعان بالسعادة
احتوى وجهها: 
_مبروك يا حبيبة عمو.
_الله يبارك فيك يا عمو.
قبل جبينها قبلةً خفيفة، تحمل حبًا أبويًّا، ثم ابتسم برقةٍ وانسحب.

التفتت الى يوسف الذي لم يقل شيئًا، فقط ينظر اليها 
نظرات اراد أن  يحرق المسافة بينهما، قابلت نظراته تلك حتى بعثرت نبضها، وصهرت الزمن في لحظةٍ واحدة.
كان ارسلان يراقب نظراته، فاقترب منه، وربت على كتفه وقال بصوتٍ مبحوحٍ بالامتنان:
_بالرفاء والبنين يا حبيبي.
_شكرًا يا عمو.
قالها بصوتًا دافئًا، لكن عينيه كانت عليها في صمتٍ يعجز الكلام عن تفسيره.

اقترب منها، بخطواتٍ بطيئة يشعر بأن العالم يحتفل بسعادته، رفع يده، ولامس وجهها بأنامله المرتعشة، ثم طبع على جبينها قبلة طويلة…
قبلة لم تكن تهنئة، بل اعترافًا، وعدًا، وسجدة حبٍّ على قدره بها
ارتجفت، وانحبست أنفاسها وهي تهمس:
"يوسف" 
ابتعد نصف خطوة، كمن يخاف أن يذوب من ارتجافها:
_نورتي حياتي... يا ضي حياتي.
ابتسمت بعينين دامعتين، وردت بصوتٍ متردد بين الخجل والارتباك:
_حاسّة هيغمى عليّا... هخرج إزّاي؟
_مدّ ذراعه نحوها بثقةٍ صافية:
أنا جنبك، متخافيش.
تقدمت، واحتضنت ذراعه كما لو أنه أمانها الأول والأخير.
_واثقة فيك أكتر ما بثق في نفسي.
اقترب حتى لامست أنفاسه أذنها، وهمس بهمسًا غارقًا بالعشق:
_وأنا بحبّك أكتر من أي حاجة في الدنيا.

في تلك اللحظة… صدحت الموسيقى، وفتحت القاعة ذراعيها لهما.
سارا معًا بخطواتٍ بطيئة، الضوء يرقص حولهما، والعيون تتبعهم بذهولٍ ودهشة.
كانت تمسك بذراعه كملكةٍ تتوّج في مملكتها، وكان ينظر إليها كما لو لا يوجد غيرها

سار  بخطواتٍ بطيئة، يده تحتضن يدها بثباتٍ ودفء، يشعر بأن أنفاسهما تتناغم مع دقات قلوبهما

خفَتت الأضواء فجأة، فصار كل ما حولهما عتمة، والاضاءة فقط حولهما 
تطايرت فقاعات صغيرة من البريق، وتلألأت البلورات المعلقة في السقف، لتنعكس الاضاءة على وجههما، وجهه الهادئ المحمّل بطمأنينة الرجولة، ووجهها المرتجف بين الخوف والسعادة.

احتضن  أناملها التي ارتجفت في كفه، فشدّ عليها برفقٍ كمن يعلن: أنا هنا، ولن أتركك.
رفعت عينيها نحوه بخجلٍ طفوليٍ، وابتسامة صغيرة زينت شفتيها،  مما  جعلت قلبه يضطرب حدّ الوجع.
لم يكن يرى الحضور، لم يسمع تصفيقهم، كان كل ما يراه هو وجهها، وخجلها، وكل ما يسمعه هو أنفاسها

ارتفعت الموسيقى تعزف نغمًا هادئًا، نغمة تشبه همس البحر.. 
ليبدأ برقصتهم الاولى.. تحركت بجواره للمكان المخصص وفي كل خطوة، كانت فستانها الأبيض يتمايل بانسيابٍ خفيف، يلتف حولهما كوشاحٍ من السحر، بينما ذراع يوسف يضمها بثقةٍ ودفءٍ لا مثيل له.

اقتربا من مكان الرقص، تعلقت بها الأنظار جميعًا، راقبتهما ميرال التي لم تكن تراهما مجرد عروس، بل قصة مكتوبة بأنفاس العشق.
تابعت ابنها الذي كان  يتراقص مع عروسه كملكٍ ظفر بعرشه بعد حربٍ طويلة مع القدر.
كل نظرة منه كانت تحمل وعدًا أبديًا، وكل لمسة منه كانت تحكي قصة العشق المخفي

توقفت الموسيقى لحظة، وصار الصمت أبلغ من أي نغمة.. 
ليحملها يدور بها فجأة، مع شهقاتها 
_يوسف.. صاحت بها بخجل مرتبك
انزلها بهدوء وحاوط جسدها يضع جبينه فوق جبينه 
_بعترف للكل اهو أني "بحبك"
تناسا كل ماحولهما، لترفع كفيها على وجنتيه 
_"وأنا بعشقك"

هنا  دوّت الموسيقى من جديد، وبدأت القاعة تصفق بحرارة، والورد يتساقط من الأعلى كزخّات فرحٍ مقدّس.. دار حول وقوفها وعيناه ترسم ملامحها
التفتت نحوه، بنظرات تفيض بالعشق، فابتسم وقال بصوتٍ خافت لا يسمعه غيرها:
"بلال قالي عايزة دا في فرحك" 
قالها وهو يشير الى الورود التي تتساقط فوقهما
اقتربت وحاوطت عنقه تتراقص معه 
_أنا فرحانة اوي، حاسس زيي 
تحرك مع الموسيقي ورد
_بلاش تعرفي حاسس بأيه

بعد دقائق اندمج الاثنان، وسط الموسيقى  والفرح، كأن القدر بنفسه فتح أبوابه لهما، وأعلن أمام الجميع:
"هنا يبدأ الحُب الحقيقي."

بعد فترة 
نهض بلال واسر وبعض أصدقائه واقتربوا منه، لتنقلب القاعة على موسيقى شعبية محببة وارتفعت الزغاريد في جو من البهحة.. وبدأ الجميع يتراقص مع العروسين 
دقائق معدودة حتى انتهت تلك الرقصة التي ارهقتهم 
ابتعد بها الى مكانهم المخصص، ولكن سحبه بلال مرة اخرى، وبدأو يتراقصون رقص شبابي، حتى خلع جاكيت حلته البيضاء وبدأ يندمج معهم.. ليرفعه الشباب للاعلى مع شهقات ضي خوفًا عليه 

كان الجميع يراقب المشهد بسعادةٍ صادقة، تصفيقٌ خافت، ابتساماتٌ دافئة، وضوءٌ ذهبي يتهادى على القاعة 
مرت دقائق لتعود الموسيقى الهادئة 

اقترب بلال من شمس بخطواتٍ مليئة بالمشاكسة، يمدّ يده لها بابتسامةٍ ماكرة:
_يلا يا شموس، عايز أرقص معاكي.

رفعت حاجبها بتحدٍ طفولي، ثم وضعت هاتفها أمام والدتها التي تراقب من بعيد، وأشارت إليه بخفة دمها المعتادة:
_أنا أطول أصلًا يا دكتور.

قهقه بلال وصفّق بحرارةٍ مصطنعة:
_أوووه! شموسة وافقت تتكرم وترقص معايا! ده يوم للتاريخ.

ضحكت وهي تضع كفها في كفه، تتحرك بخفةٍ على إيقاعٍ مبهج، ضحكاتها تتلألأ مع أنغام الموسيقى، وصوته يهمس في أذنها بشيءٍ عن يوسف، فتختنق بضحكةٍ عالية وهي تضربه بخفةٍ على كتفه.

لم يلبث أن وصل أسر إليهما، بابتسامته المرحة ونظراته المليئة بالدهاء:
الدور عليّا بقى! لازم أرقص مع الصغنن، رُحت أرقص مع العروسة، أخوكي الجِنف رفض.

قهقهت شمس تضع كفها على فمها، تغمز ليوسف بشقاوةٍ واضحة، فلوّح لها بيده قائلاً بصوتٍ عالٍ:
خفي يا بت! بيضحكوا عليكي.

انفجرت بالضحك، وازدادت ضحكاتها حين لفّ أسر ذراعه حولها يتمايل بها في خفةٍ مرحة.. ونظرات رولا تراقبهما،  وصل بلال إليها 
_قومي نرقص.. 
تشبثت بكفيه وتحركت اليهم

لكن خلف كل هذا البهاء، كانت هناك نظراتٌ جحيمية تحاول أن تُطفئ الفرح بنارها.. كانت تلك أعين حمزة، وهو يراها تتراقص لاتحضان بلال مرة  واسر مرة
في زاوية القاعة، راقب إسحاق المشهد بعينٍ لا تفوّت حركة ابنه.
نهض سريعًا حين رأى حمزة يقف فجأة
مدّ يده نحو دينا وسحبها قائلاً بلهجةٍ مشدودة:
_تعالي نرقص… ابنك مش ناوي على خير.

قالها بابتسامةٍ مشدودة وهو يرى حمزة يصعد بخطواتٍ سريعة نحو المنصّة التي يتراقصون عليها، بينما أسر ما زال يضحك دون أن يشعر نيران حمزة

وصل حمزة إليهما، وجهه كالصخر، عيناه تشتعلان.
لم يتكلم، فقط أمسك بذراع أسر، وابتسم بتصنع، يبعده برفقٍ ظاهري، بينما الغضب يغلي تحت جلده.
_ ممكن تسمح لي ارقص مع شمس؟ أو حتى مع رولا… عادي.

نطق إسحاق الكلمة الأخيرة وهو يخفي ضحكةً كادت تفلت من فمه على نظرات ابنه المشتعلة.

تحرك أرسلان بخطواتٍ ثابتة حين لمح ما يحدث، نظر إلى إسحاق وقال بصوتٍ منخفضٍ محسوب:
_ابنك مش ناوي يعدي الليلة… وأنا لسه ما اتكلمتش مع إلياس. عمو، فبقول دا فرح، سيبه عادي… عمايلك دي هتلفت العيون.

أومأ إسحاق بتفهمٍ وهو يرى حمزة يمسك بشمس ويتمايل معها، ثم مدّ يده نحو دينا وضمها للرقص.
كانت ابتسامته أمام الجميع واسعة، لكن صوته وهو يهمس لها حمل المعنى كله:
_خلي عيونك على حمزة… الليلة طويلة.

عند حمزة 
كان يتمايل معها، وكأنه امسك النجوم بيده، بينما هي تتهرب بنظراتها عن أعينه.. حمحم محاولًا جذبها للحديث
_مش قولت مش عايز روج؟! 
رفعت عيناها إليه سريعًا
_وبصفتك ايه إن شاءلله.. هو انت مجنون!! 
رفع حاجبها مزهوًا بحديثها، وفجأة سحبها يقربها إليه، بحركة جريئة
_حضرتك بتعمل ايه، مش بقول مجنون 
انحنى يهمس اليها 
_مجنون بيكي ياشموس 
ارتجف جسدها حتى فقدت النطق، والنظر إلى عيناه، وقعت عيناها على والدها الذي يراقبها بصمت،  حاولت الابتسام كي لا تربكه، فتصنعت الارتياح ورفعت رأسها الى حمزة 
_انا معرفش تقصد ايه، بس اللي بتعمله دا مينفعش 
تمايل وعيناه تخترق عيناها 
_اه مش فاهمة، بس ترقصي مع دا ودا كويس، على العموم هنتحاسب بعد كدا، دلوقتي مضطر اسكت علشان الفرح بس 
_لو سمحت ياكابتن بابا بيبص علينا، كفاية رقص كدا.. قالتها وتراجعت لكي تغادر.. ولكنه اوقفها عندما 
وقعت عيناه على احدهم ليومئ برأسه له.. لحظات قليلة لتتغير الموسيقى

إلى الموسيقى الهادئة التي عمت المكان كأنها تُهمس للقلوب أن تتقارب.

تعرف باسم الرومبا الرومانسية (Romantic Rumba)

وقف أمامها بخطوةٍ، يمد يده ناحيتها بابتسامةٍ خفيفة:

الموسيقى اتغيرت،  التفت إلى إلياس واحرجه قائلًا: 
_بعد إذنك ياعمو إلياس، قالها بعد صمت القاعة جميعها
ضغط اسحاق على شفتيه، يهمس 
_ياصايع ياابن اسحاق 
اومأ الياس بعدما وضعه بوضع حرج، ثم اشار إلى يوسف.. الذي نهض يسحب كف عروسه حتى لاتنصب الأضواء على ابنته، غمز ارسلان الى اسحاق 
_ابنك معلم ومنه نتعلم، حاسس الياس هيتعشى بيه، من رأيي اخطفه بعد الرقصة دي 
رفع اسحاق حاجبه: 
_ليه هو قليل ولا ايه، ماتتلم يااخويا، انت واخوك، دا حمزة الجارحي 
لطم ارسلان بخفة على وجهه
_ياختي عليك ياعمو، اقسم بالله ماهيخليه يكمل الرقصة، اخويا وحفظه، لولا عملت ابنك الصايعة مكنش سمح له اصلًا
اتجه اسحاق الى ابنه يراقبه بعيون فخر وتمتم: 
_ربنا يسعده، بس الموضوع يمشي زي ماخطط له، وبعد كدا مفيش حد هيوقف في طريقه 
_انت عملت ايه؟! 
تنهد وقال ونظراته على ابنه
_قدمت ورق، بحاول اثبت إن شمس برة عيلة راجح، ربنا يسهل، الواد متعلق بيها. 
ربت ارسلان على كفيه: 
_إن شاءلله ياعمو، ربنا يقدم اللي فيه الخير
عند حمزة وشمس 
مد كفيه إليها، ينظر لداخل عيناها 
_ياله ياشمس، متخليش الناس تاخد بالها

نظرت نحوه لحظة، ثم وضعت يدها في يده بخجلٍ 
اقترب منها بهدوء، فقط بالقدر الذي يسمح لأنفاسهما أن تلتقي.. حاولت الابتعاد، ولكنه بدأ يتحرك ببطء، خطوة للأمام، وأخرى للخلف، وهي تتبعه بتناغمٍ فطري كأنهما تدربا منذ زمن.

تناسا ما حولهما، فقد كانت الرقصة تخطف العقول،  والجميع يشاهدهما ضحكت حين كادت تخطئ الخطوة، فابتسم لها وقال بصوتٍ خافت:
متخافيش، طول ما انتي معايا.

استدار بها برفقٍ، طار طرف حجابها الناعم  على وجهه لحظةً عابرة، حتى خفق القلب بقوة، افاق سريعًا، ثم عادا يتمايلان على الإيقاع، بلا كلمات، بلا تكلّف.
كانت الرقصة بسيطة... لكنها قالت كل شيء لم يجرؤ على قوله.
علم الياس من نظرات حمزة اعجابه  بابنته، زفر ببط، شعر مصطفى به، ربت على ساقيه
_خليهم يعيشوا حبيبي.. 
_انت بتقول ايه يابابا، مستحيل مش عايز قلب البنت يتكسر، حمزة حربية 
_حربية!! 
تسائل بها مصطفى.. اومأ له بحزن، والتفت إلى يوسف وقال: 
_كفاية يوسف، هيكون ضي ويوسف كمان، ضي طفلة لسة كمان، الواد كبير عليها، مستحيل لاسباب كتيرة 
قاطعتهما فريدة 
_مفيش حاجة مستحيلة ياالياس قول يانصيب، صراحة الواد حلو وكمان جرئ اوي، عجبني تصرفه، يدل إنه بيحب البنت، عايز يعلن قدام الكل انها تخصه، عايز أكتر من كدا

_ماما بلاش نتكلم في الموضوع دا، علشان مانتوجعش تاني 

انتهت الرقصة،ورغم ذلك، لم يتركا أيديهما فورًا...

اقترب يوسف بخطواتٍ هادئة، ودنا منهما، سحب يد أخته برفق بعدما أومأ لحمزة أن يتراجع قليلًا.
انحنى نحوها يهمس بصوتٍ خافتٍ لكنه حازم:
_حبيبتي كفاية رقص، الكل واخد باله منك... وياريت متقربيش من حمزة تاني.

اومأت بخضوعٍ وابتسامةٍ:
_حاضر يا يوسف.

طبع قبلة سريعة على رأسها، ثم غادر بعينيه يتفقد القاعة.
توقف عند ضي يسألها بقلقٍ ظاهر:
_بلال فين؟
هزّت كتفيها:
معرفش... مش باين، ورولا كمان.

لم تكد تُكمل حتى ظهر بلال، يسحب كف رولا بخفةٍ وهو يتجه نحوهما

مرّت الساعات حتى اقترب الفجر، وبدأت القاعة تفرغ من ضجيجها.
قبل فترة غادر مصطفى بصحبة فريدة وإسلام وملك، وبقي الآخرون حتى انتهى الحفل

خرجت العروس، تتكئ على ذراعه، تهمس بضحكةٍ واهنة:
_تعبت... عايزة أقرب سرير وأنام.

ابتسم بسخريةٍ وهو يفتح لها باب السيارة:
_أيوه، هفردلك كراسي العربية ونامي فيها يا عروسة.

لكزته بخفةٍ ضاحكة، ثم جلست بينما هو استدير ليأخذ مكانه خلف المقود.
_انت ماخلّتش حد يوصلنا ليه؟
_'لا... مش عايز حد معانا.
_ليه؟ انت تعبان، مكنش له لزوم تسوق الطريق كله.

مدّ ذراعه يجذبها برقة، واحتضن رأسها وطبع قبلةً دافئة على رأسها وهو يقود بذراعه الأخرى.
خلي ليلتنا لينا يا ضي... بلاش حد يشارك فرحتنا الخاصة، كفاية الفرح كان للناس.

ضحكت بخجلٍ ووضعت ذراعيها حول جسده تستند إليه.
طيب هنروح على المطار ولا البيت؟
_البيت... فرحتنا تبدأ في بيتنا 

بعد فترة ترجل من السيارة واستدار يساعدها بالنزول،  ارتفعت انفاسها، سحب كفيها، فشعر ببروته ورعشة اصابعها.. حاول التخفيف من توترها
_طول عمري اسمع إن العروسة بتكون خايفة وتمسك في هدومها امها، إنما انتي ماشاء الله.. انا اللي خايف منك، ماليش دعوة عايز امي 
توقفت ترمقه بغضب مستحب: 
_لا والله.. وهخاف منك ليه، ايكونش تخوف.. قالتها وانحنت تخلع حذائها 
توسعت عيناه ينظر اليها بذهول: 
_هتعملي ايه يامجنونة، والله كنت متأكد انك مجنونة 
ألقت الحذاء بغضب، فكل أعضائها تنتفض من الخوف، ورغم ذلك اشارت الى قدميها واختنق صوتها
_الكعب عالي اوي، ورجلي وجعتني، اعمل ايه حضرتك طويل ماشاء الله.. حبيت اكون طولك، بس جه على وجع رجلي 
اقترب منها وانحنى يحملها بعدما حمل حذائها 
_رجلك توجعك وأنا موجود، ينفع كدا، اومال انا دوري ايه
_يوسف نزلني بقى 
_معلش خليني اذكي على صحتي، بس انتي تقيلة كدا ليه، بيأكلوكي ايه يابت 
لكمته بقوة حتى كاد أن يسقط بها 
_بس يامجنونة، العريس دايما يشيل العروسة
دفنت رأسها بصدرها، تحاول أن تخفي دموعها.. انزلها بهدوء، بعدما دلف للداخل، واشار الى الخدم 

_روحوا على بيت عمو ارسلان، كدا احنا هنسافر الصبح 
تحرك الخدم، بينما دلف للداخل يبحث عنها، كانت تتوقف بالردهة تطوف بعيناها تتفحص المنزل 
_حلو أوي يايوسف.. كان نفسي في الألوان دي 
احتضنها من الخلف
_عجبك..!! 
اومأت له.. مع رعشة خفيفة من أنفاسه، جذب كفيها وصعد الى غرفتهما.. توقف على الباب واشار للداخل: 
_سمي الله وادخلي برجلك اليمين، خلي الفرحة ببركة  
اومأت تبتعد عن نظراته، لاتعلم ماذا يحدث لها، رغم عشقها له ولكن هناك قبضة عنيفة كادت ان تزهق روحها 
ابتلعت ريقها وتحركت للداخل وهي بين ذراعيه.. وقعت عيناها على الفراش المزين، والغرفة التي تحكي قصة العشق من خلال زينتها، تاهت بعيناها تبتعد عن نظراته 
اقترب يرفع ذقنها يهمس بصوت ممزوج بالعشق
_قبل اربع شهور مكنتش اصدق انك هتكوني في حضني الليلة، ومش أي حضن كمان

انتفضت مبتعدة وارتجفت شفتيها
_عايزة اغير.. فين الاوضة
ابتسم على خجلها واشار للخلف
_وراكي... اهدي.. غيري فستانك علشان نصلي.. 
اومأت وتحركت سريعا، ولكنه أوقفها 
_استني.. اساعدك في خلع الفستان
_لا هخلع انا.. 
سحب جسدها يقربها اليه، وقام بفتح سحابة فستانها"الستوستة" من الخلف، اغمضت عيناها مع ارتفاع انفاسها، بعدما شعرت بأنامله تلامس ظهرها، ابتعدت منتفضة، ترفع أطراف فستانها وهي تهمس بخفة:
_هغيّر...
راقبها وهو يبتسم؛ من يصدق أن هذه الفتاة كانت بين ذراعيه منذ يومين فقط؟

دخل الحمّام، بدّل ثيابه، ثم وقف أمام النافذة يحاول أن يتنفس بعمق. أخرج من جيبه شيئًا، تأمله وهو يهمس لنفسه:
_أكيد مش هترفض... هي بتحبك.

وقعت عيناه على منامة بيضاء وضعت فوق الفراش، خُصصت لهذه الليلة. مرر أنامله عليها بخفةٍ عند دخولها بإسدالها، وقالت مازحة:
_أنا جاهزة، يلا ننام، أكيد حضرتك دكتور محترم وهتسمع الكلام.
رفع المنامة بين أصابعه، مبتسمًا بمكر:
_آه محترم... بدليل دي مش كده؟

اقتربت تنظر لما بين كفّيه وقد قطبت جبينها:
_ايه دي... 
_دي اللي هتدخلي بيها اوضة العمليات علشان اعملك عملية قلب مفتوح
شهقت وقالت
_على فكرة صلاتك مش هتنفع... واحترم نفسك قبل ما اتصل بعمو.
مدّ هاتفه نحوها بابتسامة واسعة

اتفضلي يا روحي... عارفة رقمه ؟ خمس أصفار زيرو عشرة أربعة زيرو.

لكمته بخفة وهي تسحب منامتها وتشير له بإصبعها:

عيب يا دكتور عيبا

ضحك وهو يشير إلى السجادة

يلا نصلي ... ربنا يهديك.

مرت دقائق من السكون الممزوج ببطمانينة غربية، أنهى صلاته ثم التفت إليها، وقال بصوتا خال

من المزاح :

غيري إسدالك.... هستناكي، عايز أتكلم معاكي في موضوع مهم.

اومات بخجل، ودلفت للداخل

دخلت بعد قدرة تفرك كفيها يتوتر التفت إليها فور أن شعر بوجودها. تقدم خطوة بخطوة، كأنه

يحفظ ملامحها بعينيه، يلتقطها لقطة لقطة رفع خصلات شعرها المتساقط على وجهها، القانون

خلف أذنها، ثم رفع ذقتها يرفق، وترك نظراته تتوغل في عينيها.

وقع بصره على قميصها الشفاف، فابتسم وهو يرى اسمه المزخرف على بشرتها من تحته، وقال

بصوت دافئ

ضي ... مستعدة تكفلي حياتك معايا؟ من غير كلل ولا ملل؟

تمتم بها بنبرة رجولية هادئة

رفعت وجهها بابتسامة يغمرها الحياء

أنا بحبك يا يوسف ... لسه جاي تسأل؟

قرب أكثر طبعًا قبلة عميقة على جبينها، وهم بأنفاس متقطعة:

وأنا بعشق كل تفصيلة فيكي .... ومش عايز من الدنيا غير إنك تكوني في حضني كل ليلة ....

تسمع دقات قلبي وهي بتوجعني.

قالت بعفوية خائفة:

بعد الشر عليك يا حبيبي.

أخذ كفيها بين راحتيه، وقبل أطراف أصابعها، ثم أخرج من جيبه شيئًا جاهزًا بين يديه.

علشان تبدأ حياتنا ... لازم من ده.

نظرت إليه بفضول مرتبك:

ايه ده يا يوسف ؟

الفتح يتوقف جاي، قرأت ما كتب عليه.... تجمد كل شيء حولها، وشعرت بأن الكلمات تنزف بين

أصابعها، دموعها انهمرت دون وعي، وصدرها يهتز بأنفاس متقطعة... رفعت عينيها الدامعة إليه

تنظر العيناه المرتبكة

ولكنه ادار ظهره

انتظر ردك يابنت عمى


تعليقات