رواية ماوراء الصمت الفصل الثالث 3 بقلم الاء محمد حجازي

 

رواية ماوراء الصمت الفصل الثالث بقلم الاء محمد حجازي

طب كويس جدًا، مش محتاج أعرّفكم ببعض.
بس خليني أقولها رسمي كده برضه…

بصّ لها وقال:
– دكتور معتز من أكفأ الناس عندنا، هيساعدك لو احتجتِ أي حاجة.
وبعدين بصّ على معتز وقال:
– يا دكتور معتز، دي الدكتورة فرح، زميلتك الجديدة هنا في القسم.

كأن الوقت وقف.
معتز اتسمر مكانه، ووشه اتبدّل.
كلمة زميلتك وقعت عليه تقيلة،
مستغرب… مش مصدق.

هو بصّ لها بذهول، قالتله بابتسامة صغيرة، بس فيها تحدي واضح:
– تشرفت يا دكتور معتز.

مدّ إيده متردد،
ولما مدت إيدها هي كمان وسلمت بخفة،
قال بصوت واطي، بس نبرته متكسّرة شوية:
– وأنا… تشرفت يا دكتورة فرح.

الدكتور اللي معاهم كمل الكلام وهو مبتسم:
– بجد فرصة سعيدة إنكم زملاء، أنتوا الاتنين عندكم فكر جديد وهيفيد القسم جدًا.

هي اكتفت بابتسامة خفيفة وقالت:
– إن شاء الله يا دكتور، هنعمل اللي علينا.

وبمجرد ما مشي خطوتين بعيد،
كانت النظرات بين الاتنين تقيلة لدرجة الهواء وقف.

هو لسه مصدوم،
وهي… بكل هدوء، لفّت وابتعدت من غير ولا كلمة،
بس خطواتها كانت واثقة، ثابتة،

ولما بدأوا يمشوا ناحية المكتب،
كانت حاسة بنظرات معتز بتطاردها،
كل خطوة منها بتفكره بالجملة اللي قالها من يومين بس: 
مش ممكن أتجوز جاهلة
بس دلوقتي، البنت اللي وصفها بالجهل واقفة جنبه…
بنفس الثقة اللي اتمنى يكون عنده نصّها.

هو ما كانش عارف يردّ ولا يتكلم،
ولا حتى يفهم إزاي الدنيا اتقلبت كده.
أما هي… فكل اللي في بالها كان كلمة واحدة بس:
شايف يا معتز؟ الجاهلة طلعت تعرف تدخل الجامعة… وتدرّس كمان.
--------------
دخل البيت و رازع الباب وراه،
وصوته عالي وهو بيزعق:
– ماماااااااااااااا!

طلعت تجري من المطبخ، وقالت بخضة:
– في إيه يا ابني؟ صوتك عالي ليه كده؟

لفّ ناحيتها بعصبية وقال:
– في إيه؟! في إنك كنتي عايزة تلبّسيني واحدة جاهلة!
وجاي النهارده ألاقيها واقفة قدامي في الجامعة!
في الجامعة يا ماما!

اتسعت عينيها وقالت:
– جامعة إيه؟! إنت بتقول إيه؟

– أقولك إيه بس!
اللي كنتي بتقولي عليها غلبانة وأمانة، 
طلعت دكتورة!
بتدرّس في نفس المكان اللي أنا فيه!
انتي متخيلة المصيبة دي؟!

قعد على الكرسي بقهر ومسح وشه وقال بصوت كله غليان:
– أنا طول عمري بذاكر وبتعب،
عشان أبقى في مكان محدش يوصل له،
وفي الآخر ألاقيها… هي اللي واقفة جنبي؟

ماكملش جملته…
لأن باب الشقة اتفتح، ودخلت فرح.
وقفت على العتبة بهدوء، لابسة لبسها البسيط،
بس في عنيها ثقة واضحة،
وشايلة شنطة صغيرة بإيدها.

بصّ لها معتز بحدة وقال وهو بيقرب منها:
– أنا عايز أفهم،
إزاي بقيتي دكتورة؟
إزاي؟
مش انتي اللي المفروض جاهلة؟
ولا الجامعات بقت بتقبل أي حد دلوقتي؟

سكتت لحظة، ما قالتش ولا كلمة.
نظرت له بس النظرة اللي وجعت غروره أكتر من ألف رد،
وبهدوء مطلق قالت:
– واضح إن الجهل مش بالشهادات يا دكتور معتز.

بصّ لها معتز بنظرة كلها استفزاز وقال:
–هقرر سؤالي تاني أنا عايز أفهم،
إزاي بقيتي دكتورة؟
إزاي؟

وقفت فرح،
بس المرة دي ما اتأثرتش ولا انهزّت،
العكس تمامًا عينيها كانت هادية،
بس كل كلمة خرجت منها كانت سكينة في غروره:

– على فكرة يا معتز،
الجهل مش دايمًا معناه إن الواحد ما دخلش جامعة،
ولا إنه ما خدش شهادة.
في ناس معاها شهادات بالدكتوراه،
بس لسه مش عارفين يعني إيه احترام،
ولا إزاي يختاروا كلامهم.

اتنفس هو بعصبية، وهي كملت بنفس النبرة الهادية اللي كل كلمة فيها محسوبة:
– الجهل الحقيقي مش في التعليم،
الجهل في التفكير،
في القلب اللي شايف نفسه أعلى من غيره،
وفي العقل اللي شايف الناس درجات.
مش لازم تبقى متعلم عشان تكون راقي،
ولا لازم تبقى فقير عشان تبقى جاهل.

قربت منه بخطوة صغيرة وقالت:
– أنا ما كنتش محتاجة أثبتلك إني متعلمة،
بس يمكن القدر حطّنا في نفس المكان عشان تفهم إن الكلمة اللي بتطلع باستهتار…
ممكن ترجع تضرب فيك أنت، مش في اللي بتقولهاله.

لفّ وشه عنها بغيظ، وصوته علي:
– أنا عايز أفهم برده!
إزاي؟ إزاي بقيتي كده؟
انتي مش كنتِ المفروض جاهلة؟
يعني كل اللي اتقال لينا ده كان كدب؟

سكتت لحظة،
وبصت له بثبات وقالت بهدوء يقطع القلب:
– لا يا معتز، ما كانش كدب.
جدي الله يرحمه كان شايف إن تعليم البنات عيب،
وإن البنت مكانها البيت، مش المدارس.
بس بابا…
بابا ما قدرش يشوفني محرومة من حلمي،
فكان بيعلّمني في السر.

نزلت دمعة صغيرة من عينيها وهي بتكمل:
– كنت بذاكر بالليل من وراه،
وأمي الله يرحمها كانت بتغطي عليّ.
ولما جدي توفى،
فضلنا ساكتين…
ما حدش عرف إني كملت،
ولا إن عندي شهادة،
ولا حتى إن عندي حلم.

رفعت راسها وقالت بصوت قوي جدًا:
– فمتستغربش إنك ما كنتش عارف،
ولا تستغرب إن الجاهلة طلعت دكتورة.
أنا كنت بس بستنى وقتي…
والوقت جه.

اتسمر معتز مكانه،
مش قادر يرد،
وهي عدّت جنبه بخطوات بطيئة،
وقالت قبل ما تمسك مقبض الباب:

– الجهل يا معتز مش إنك ما تعرفش،
الجهل إنك تفتكر إنك تعرف كل حاجة.

وسابت الكلمة دي في وشه،
وخرجت،
علشان تسيب وراها صمت تقيل…
وصوت نفسه العالي،
اللي أخيرًا ما عرفش يرد عليه.

وسابته بين الغيظ والدهشة والكبرياء اللي بيتكسر حتة حتة.
----------------
بعد ما خرج معتز من الأوضة رازع الباب وراه،
فضلت فرح قاعدة مكانها، ساكتة،
النَفَس بيطلع منها تقيل،
مش عشان الزعل… لأ، عشان الوجع اللي جوهها كان أعمق من أي كلمة.

دقّت الباب بهدوء ومرات عمها، دخلت وهي شايلة كوباية عصير.
قالت بنبرة حنونة:
– معلش يا بنتي، ما تاخديش على كلام معتز،
هو ساعات بيقول كلام من غير قصد.

فرح رفعت عينيها وقالت بهدوء:
– لا يا طنط، ما زعلتش.
كل واحد بيشوف الناس بعين نفسه.

مرات عمها اتنهدت وقالت:
– والله ما قصده، هو بس اتصدم.
يعني ما حدش كان متخيل إنك دكتورة، وده مش عيب ولا حاجة،
بس يمكن اتربى على أفكار قديمة شوية.

فرح قالت بنبرة فيها وجع هادي:
– الأفكار القديمة مش بتوجع…
اللي بيوجع إن الناس تفضل متمسكة بيها كأنها حقيقة.

سكتوا لحظة، والجو بقى هادي أوي.
فرح قالت بعد ثواني، كأنها بتحاول تغيّر الموضوع:
– هو يا طنط… في واحد في الشارع اسمه ياسين؟

مرات عمها بصتلها باستغراب خفيف وقالت:
– آه، في ياسين. ليه؟ تعرفيه؟

– لا، بس سمعت الاسم كده.

– أيوه، هو ساكن آخر الشارع.
الناس بتقول عليه كلام كتير…
فيه اللي شايفه بلطجي، وفيه اللي يقول عليه راجل محترم،
بس اللي أنا أعرفه إنه ما بيأذيش حد،
هو صوته بس العالي هو اللي بيخوف الناس منه.
هو كده من ساعة ما نقل هنا، مندفع شوية، بس قلبه أبيض.

فرح قالت بهدوء:
– شكله حد مش سهل.

مرات عمها ابتسمت وقالت:
– فعلاً، مش سهل.
بس في نفس الوقت… ما يتقسيش عليه.
هو ابن حتته، بس لو شاف ظلم قدامه ما يسكتش.

فرح هزّت راسها وقالت:
– فهمت…

مرات عمها بصتلها كأنها بتحاول تقرأها وقالت:
– سألتي عليه ليه يا بنتي؟

فرح ردت بسرعة وهي بتحاول تخفي ارتباكها:
– لا خالص، الاسم بس عدّى في كلام كده.

– تمام يا حبيبتي، طب ريّحي شوية، وانزلي على الغدا بعدين.

ولما خرجت مرات عمها وسابت الأوضة،
فرح فضلت تبص ناحية الشباك،
تفكيرها مشي بعيد…
مش عارفة ليه الاسم ده ما خرجش من دماغها من ساعة الصبح.

ابتدت الايام تعدّي ببطء غريب،
كل يوم يشبه اللي قبله،
لكن في تفاصيل صغيرة كانت بتتغير من غير ما حد ياخد باله.

من أول ما جيت القاهرة،
كل خروجة، كل طريق، كل وشّ جديد كنت بشوفه،
بقى ليه معنى.
وفي النص كده،
بقى في وش معين بقيت بشوفه دايمًا.
ياسين.

مش قصدي أستناه،
بس كنت ألاقي نفسي كل يوم بشوفه،
حتى لو من بعيد.
كأنه جزء من الصورة اليومية،
زي الطريق، زي الناس اللي رايحة وجاية.
وجوده بقى عادة غريبة،
عيني تتعلق بيه ثواني، وبعدين أكمل طريقي كأني ما شفتش حاجة.
بس جوايا دايمًا في حاجة بتتحرك.
ارتياح؟ فضول؟ مش عارفة.

كنت بسمع كلام كتير عنه،
اللي يقول عليه بلطجي،
واللي يقول عليه راجل جدع،
بس اللي شُفته بعيني كان غير كده خالص.
كل مرة أشوفه، ألاقيه واقف يساعد حد، أو شايل حاجة عن حد كبير،
من غير ما يتكلم كتير،
ولا حتى يبان عليه إنه بيعمل معروف.
كأنه بيعمل الصح وخلاص.

وفي نفس الوقت،
معتز…
اللي كنت متأكدة إن مفيش بيني وبينه غير الخناق،
ابتدى يتغيّر.
بقى بيتكلم بهدوء أكتر،
يتعامل بطريقة ألطف شوية،
بس رغم كده،
لسه النظرات هي هي.
فيها استغراب، وفيها حاجة مش مفهومة،
كأنه مش قادر يصدق إني بقيت هنا،
ولا إني بقيت زيه بالظبط… دكتورة.

أوقات كنت بحس إنه بيحاول يفهمني،
وأوقات تانية بحس إنه لسه شايفني أقل.
بس أنا كنت خلاص بطّلت أبرر،
ولا حتى أضايق.

بقيت بتعامل معاه بعادي،
وأكبر دماغي من كل حاجة.
يمكن عشان اتغيرت،
يمكن عشان بقت عندي حياة تانية بشوف فيها الناس بطريقة مختلفة.

كنت بين عالمين،
واحد مليان هدوء وكلام محسوب،
والتاني بسيط وصادق حتى في سكوته.
ومع إن مفيش حاجة واضحة،
بس كل يوم بيعدّي كنت بحس إن في حاجة جديدة بتتكتب في حياتي،
من غير ما أعرف نهايتها هتكون إيه.

ومن ناحية تانية،
اتعرفت على بنت جديدة في الجامعة،
اسمها نور،
خفيفة الدم، طيبة، ودخولها حياتي جه في وقته.
الكلام معاها كان سهل،
الضحك بيروح وييجي بينهم من غير مجهود،
ومن أول كام يوم بقت نور مش مجرد زميلة،
بقت صاحبتها القريبة،
اللي بتحكي لها عن كل حاجة بتحصل في حياتي. 
----------------
وفي يوم عادي جدًا،
وهي راجعة متأخرة شوية،
حصل موقف بسيط… بس غيّر نظرتها ليه.
ما كانتش عارفة توصف اللي شافته

يا عم سيبه يِعدّي!
– لا والله ما يِعدّي، دا خبطني بالعجلة وبيعمل فيها براءة!

اتلمّ الناس، والعيال الصغيرين واقفين على الرصيف بيتفرجوا،
وفرح كانت جاية في السكة، شنطتها على كتفها،
وقلبها دق لما سمعت الصوت الخشن اللي كانت سامعاه قبل كده…
ياسين.

كان داخل من آخر الشارع، صوته عالي وهو بيزعق:
– إيه اللي حاصل هنا يا ولاد الـ…؟

واحد من الشابين لفّ وقال له:
– مالك يا معلم ياسين؟ احنا كنا بنهزر مع الراجل بس.

ياسين بص له من فوق لتحت وقال ببرود:
– هزار؟
قرب منه خطوتين وقال له وهو بيزقه بزراعه:
– لما تهزر مع حد في سن أبوك يبقى اسمها قلة أدب مش هزار، فاهم؟

الشاب التاني ردّ عليه وهو متعصب: 
– ما تعلّيش صوتك علينا يا ياسين، إحنا مش شغالين عندك!

ضحك ياسين ضحكة خفيفة بس فيها تهديد:
– لأ ما انتوش شغالين عندي… بس لو حبيت أخليكوا تشتغلوا عندي يوم واحد، هتشتغلوا وأنتوا ساكتين.

الناس اتسكتت، والراجل الكبير وقف بيقول:
–خلاص يا ابني سيبهم، أنا تمام.

بس ياسين لسه متعصب، قال وهو بيقرّب من الشاب اللي بدأ الخناقة:
– قول للراجل حقّك عليّا دلوقتي، ولا أخلّيك تاكل الرصيف بأسنانك.

الواد اتوتر وقال وهو بيبص حواليه:
– حقك عليا يا عمّي، أنا كنت غلطان.

ياسين رفع حاجبه وقال:
– بس كده،شوفت سهلة اهي، مش ناقصين بهدلة كل يوم.

الموقف خلص، والناس بدأت تمشي،
بس ياسين وهو ماشي، الراجل الكبير مسكه من دراعه وقال له:
– ربنا يباركلك يا ابني. 

ضحك ياسين وقال:
– علي اية يا حاج، انت في مقام ابويا. 

فرح كانت واقفة بعيد، شايفة كل ده،
مش قادرة تبصله عادي،
اللي شايفاه مش بلطجي زي ما الناس بتقول،
شايفاه راجل عنده شهامة وجدية غريبة عليها.

مشيت وهي في بالها كلمة واحدة:
فيه حاجات شكلها غلط… بس جواها الصح كله.
--------------------
تاني يوم، وهي راجعة من الكلية،
لاحظت الشارع مش طبيعي…
الناس مجتمعة، وستات بتتكلم من البلكونات،
وصوت الهمس مالي المكان.
قلبها اتقبض، حست إن في مصيبة. 

وقفت عند راجل كبير واقف على ناصية الشارع وقالت له:
– هو في إيه يا عمِّي؟ إيه اللي حصل؟ ليه الناس مقلوبة كده؟

الراجل نفخ وقال وهو بيهز راسه:
– آه يا بنتي، البوليس كان هنا من شوية، و الدنيا كانت مولعة.

اتسعت عينيها وقالت بسرعة:
– بوليس؟! ليه؟ حصل إيه؟

قرب منها وقال بصوت واطي كأنه بيحكي سر:
– واخدين الواد ياسين.

اتجمدت، الاسم وقع عليها تقيل.
– ياسين؟ ليه؟!

– والله يا بنتي ما حد فاهم،
الناس تقول تحريات في قضية، وناس تقول سرقة، وناس تانية تقول نصب،
بس كله كلام، محدش عارف الصح من الغلط.
بيقولوا كان فيه خناقة كبيرة من كام يوم،
وياسين اتدخل وضرب واحد من الكبار اللي طلع ليه سكة مش مظبوطة،
ومن ساعتها الدنيا مقلوبة.

فرح حسّت إن الكلام مش داخل عقلها.
إزاي ياسين اللي كانت كل يوم تشوفه بيهزر مع العيال ويضحك،
يتقال عليه الكلام ده؟
هو اللي كانت دايمًا تلاحظ فيه الشهامة،
اللي بيقف في ضهر الناس من غير ما يستنى شكر.

الراجل كمل وهو بيحك دقنه:
– بس الشهادة لله يا بنتي،
الواد ده ما شفتش منه حاجة وحشة.
آه ممكن صوته يعلو، ممكن يخش في خناقة،
بس عمره ما ظَلَم ولا أذى حد.
ده حتى من كام يوم لما شوية صيع كانوا بيضربوا راجل كبير،
هو اللي نزل جري ودافع عنه كأنه أبوه،
والله لولا هو كان الراجل ده راح فيها.
الناس بقى تقول عليه بلطجي، بس أنا أقول عليه راجل جدع وابن حلال.

فضلت واقفة ساكتة، كل كلمة بتدخل جواها زي سهم.
الشارع بقى هادي بعد ما العربيات مشيت،
بس جواها كان فيه دوشة،
حيرة، خوف، وقلق مالوش تفسير.

مشيت ببطء، قلبها واجعها،
مش عارفة تصدق الكلام ولا تصدق اللي شافته فيه قبل كده…
بس جواها إحساس غريب،
كأنها أول مرة تحس بالخوف على حد مش المفروض يهمها بالشكل ده.

كل ما تفتكر الضحكة اللي كان بيضحكها وهي معدّية،
تحس إن الدنيا بتغلط في حقه.
بس السؤال اللي فضّل يعذّبها: 
هو فعلاً عمل حاجة؟
ولا الناس ظلمته زي ما بتحب دايمًا تعمل مع الجدعان؟

دخلت فرح البيت وهي تايهة ومش في دماغها أي حاجة.
الشارع، صوت الناس، الكلام عن ياسين… كله كان بيلف في دماغها.
ولا قادرة تفهم هو مظلوم ولا فعلاً عامل مصيبة.

دخلت أوضتها وسندت ضهرها على الباب،
نفسها تهدى دقيقة،
بس لسه ما لحقتش تاخد نفسها،
سمعت خبط خفيف.

– مين؟
جالها صوته من برّه، ووشها اتبدّل في لحظة:
– أنا معتز.

سكتت لحظة،
وبعدين قالت بثبات وهي بتحاول تسيطر على صوتها:
– اتفضل.

فتح الباب ودخل،
وشه كان مشدود، صوته هادي بس فيه غضب متكتوم. 
قال وهو واقف في نص الأوضة:
– فرح،أنا عايز أتكلم معاك كلمتين.

رفعت عينيها له وقالت بهدوء:
– تمام، اسبقني على الصالون،ونادي مرات عمي تيجي تقعد معانا.
 وأنا خمس دقايق وجاية.

بصلها بنظرة طويلة ما فهمتش معناها،
وبعدين هزّ راسه وساب الأوضة من غير ولا كلمة.

قفل الباب وراه بهدوء،
وساب بعدها فرح واقفة مكانها…
تحاول تفهم هو جاي يقول إيه المرة دي.

تعليقات