رواية عهد الدباغ الفصل الثالث 3 بقلم سعاد محمد سلامه


 رواية عهد الدباغ الفصل الثالث 

"سور مجرى العيون... القاهرة" 
بأحد المدابغ 
نفث دخان الأرجيلة من فتحتي أنفه ينظر لذلك الجالس أمامه بإنتشاء قائلًا بفحيح: 
إنت عاوز تهد إمبراطورية "محي الدين الدباغ" مفيش قدامك غير طريق واحد. 

نظر له الآخر بإنتباه وهو ينفث الدخان من فمه عيناه تفيض فضولًا لمعرفة ذاك الطريق... لم يستطع الصبر وتسأل بإستفسار: 
وإيه هو الطريق ده. 

ضحك الآخر بغلظة قائلًا: 
ولاده. 

-ولاده... إزاي مش فاهم. 
تسأل بإستفسار فأجابه الآخر ببساطة: 
ولاد محي الدين الدباغ هما سر قوته. 

بعدم فهم  تسأل الآخر: 
مش فاهم . 

نظر له الآخر بحنُق: 
هفهمك وأمري لله...إتحاد ولاد محي الدين الدباغ هما سر قوته، يبقي الطريق الوحيد هو تفرقة الإتحاد ده وقتها قوة الدباغ هتضعف وتتهز إمبراطوريته ومش بعيد تنهار بسهولة. 

لمعت عين الآخر بخباثة سائلًا: 
وده يحصل إزاي. 

نفث دخان الأرجيلة، ثم أجابه: 
إيه اللى يفرق بين الأخوة. 

-إيه
تسأل بعدم فهم، زفر نفسه بضجر قائلًا: 
إنت كل حاجه مش فاهم، أنا بقول تنسي محي الدين الدباغ وتقبل إنه... 

قاطعه الآخر قائلًا بتسرع: 
ميبقاش خلقك ضيق وفهمني إزاي. 

نفث دخان الأرجيلة بروية ثم نظر له قائلًا: هقولك حاجتين هما اللى يفرقوا بين الأخوة 
"المال... والحريم"

أومأ الآخر بفهم فإستطرد حديثه: 
المال... صعب يفرق بينهم، لأن الدباغ سايب كل أمواله تحت تصرفهم وحاطط فى دماغهم إن المال مالهم وهما اللى جابوه وهما اللى يحافظوا عليه، فالطريق ده مستبعد. 

تحدث الآخر: 
يبقى مفيش غير طريق الحريم. 

تهكم عليه قائلًا 
وده إزاي بقي... اللى أعرفه إن إبنه الكبير متجوز ومخلف كمان. 

تهكم عليه الآخر قائلًا: 
سيبك من إبنه الكبير، ركز معايا... سر قوة الدباغ إبنه التاني. 

فكر الآخر قائلًا: 
قصدك مين... 

-فاروق...
أومأ له الآخر بتوافق وتأكيد
أو"الملك" زي ما الكُل بينادي عليه... الأسم مش من فراغ... 
فاروق هو عمود الدباغ لأنه فى لحظة بيسد مكان أخوه وأبوه وله سطوة كبيرة عند أصحاب المجازر وهنا وسط المدابغ كمان، فاروق لو إنشق عن محي الدين الدباغ هتختل إمبراطوريته،وسهل تتهد... أنا فاكر 
مصنع الجلود اللى عمله من كام سنه ده هو اللى رفع من شأنه.. غير خلى مش بس المجازر تتسابق فى الشغل معاه كمان نص المدابغ كان فاروق هو الوسيط اللى بيتعامل مع الجزارين وأصحاب المدابغ وقتها مكنش لسه خلص الجامعة... بس دماغ كبيرة ومتكلفة، ذكاء وهيبة. 

أومأ الآخر بتوافق ثم تسأل: 
طب وده هنعرف ندخل له إزاي، أكيد مش أي بنت تلفت نظره. 

أجابه الآخر: 
ده اللى لازم نفكر فيه محتاجين بنت تكون ذكية وتقدر تبلف دماغه... بس متقلقش هنلاقى، الحريم يلينوا الحديد دول محدش يقدر على حيالهم. 

❈-❈-❈
بالمقر
دلف محسن الى ذلك المكتب، رفع محي رأسه عن مُطالعة ذلك الملف، وإبتسم بترحيب قائلًا: 
تعالى يا محسن فهمني... أنا مش فاهم الكلام اللى فى الملف ده. 

ابتسم محسن وذهب لجواره جذب حاسوب كان على المكتب قائلًا: 
سيبك من الملف يا حاج، وركز معايا عالابتوب تفاصيل الملف. 

تنهد محي باستسلام قائلًا: 
أنا البتاع ده مش بعرف أتعامل معاه. 

ضحك محسن قائلًا: 
ده سهل جدًا، عالعموم هنا توضيح لكل اللى فى الملف اللى قدامك... 
هنا تفاصيل المناقصة الجديدة اللى عملاها وزارة التموين.. الشروط والمواصفات المطلوبة، وكمان المصانع اللي قدمت اسعارها

أشار إلى الشاشة متابعًا:
بُص يا حاج، هنا الأسعار، وهنا التقييم المبدئي لكل مصنع … إحنا موقفنا حلو جدًا لحد دلوقتي، بس لازم نعدّل في عرضنا قبل ما اللجنة تعتمد النتيجة.

انحنى محي للأمام وهو يُضيق عينيه محاولًا الفهم، ثم قال بتردد:
يعني أفهم من كده ان المنافسة قوية. 

أومأ محسن بثقة قائلاً:
ايوه  المنافسة .. بس إحنا كمان قدها ومصنعنا إمكانياته كبيرة ... كمان فرصة إننا نفوز بالمناقصة دي كبيرة... وكمية الجلود كمان هتدي لمصنعنا قيمة كبيرة وممكن نسيطر عالسوق... ومتقلقش أنا مظبط كل حاجه، بمجرد فوزنا بالمناقصة... فى مخازن مجهزة... كمان المدابغ بتاعتنا جاهزة للشغل فورًا. 

لمعت عين مُحي بفخر ثم عتاب قائلًا: 
طول عمرك دماغ يا محسن بس إنت اللى بتحب تريح دماغك. 

ابتسم محسن قائلًا: 
البركة فيك يا حاج. 

تنهد محي بفخر قائلًا: 
البركة فيك وفى أخواتك، عُصبتكم هي اللى مقوياني، ربنا يبارك لى فيكم.. انا مبسوط إنكم بتكملوا بعض... حتى كنان رغم إنه شارد بس بتقدروا تجذبوه معاكم وقت الحاجة. 

لمعت عيني محسن قائلًا بمزح: 
كنان بيشتغل معانا وقت ما يكون محتاج لحاجة، إستغلال يعني. 

ضحك محي قائلًا: 
معليشي آخر العنقود وبيدلع عليكم إتحملوه، هانت قرب يخلص الجيش وهيدخل الإمبراطورية معاكم. 

-معتقدش
قالها محسن وأكمل بشبة يقين: 
كنان من اوائل الجامعة وكان إتكلم إن عنده رغبة يبقي معيد فى الجامعة ويكمل فى الطريق ده، بس أهو بنستفاد من دراسته للمحاسبة فى الحسابات. 

ابتسم محي قائلًا: 
تعرف يا محسن... إنت مش بس إبني الكبير إنت أخويا وصديقي كمان... من أول ما إتولدت حسيت إن بقي ليا سند اتسند عليه، إنت الكبير يعني مكاني... ولازم تكون الحضن اللى بيضم الجميع، عارف إني دايمًا بتقل عليك بس إنت قد المسؤولية... ربنا يباركلك فى بنتك مراتك  وتقوم بالسلامة.

أومأ محسن بإبتسامة مغصوصة... فإن كان على مسؤولية العمل والأخوة ليست بثقيلة على قلبه مثل مسؤولية زوجته 

بعد قليل 
بغرفة مكتبه 
ترك العمل على حاسوبه وإتكئ بظهره على خلفية المقعد تنهد ببعض الإرهاق...استند برأسه على رأس المقعد،اغمض عيناه بعدما إنتزع نظارته الطيبة.. 
يشعر بوجوم فى قلبه، وحِيرة فى عقلة وضياع  مُستمر من سنوات... خطوة الزواج كان وقتها غير مناسب له، كان بالكاد تخرج من الجامعة 
اراد زواج عن قصة حب، أو عالأقل عن عن اقتناع... لكن ما حدث كان أشبه بصفقة اجتماعية، لا دفء فيها ولا اختيار.
زواج رتبته مكيدة.. بل فخ وقع فيه... ثم فرض من العائلة بدعوى "الاستقرار"، بينما هو لم يكن سوى شابٍ يبحث عن ذاته بين الطموح والواجب... تذكر يومها نظرات والده الحازمة، وكلمات والدته التي لم تحتمل الرفض:
رابيا بنت كويسة، وبنت أخويا ، والجواز  استقرار يا ابني  واللى حصل نصيب والمشاعر سهل تجي بالعِشرة الطيبة. 

ابتسم بمرارة وهو يتنفس بعمق، وكأن صدره يختنق بثقل الذكريات... 
فتح عينيه ببطء، نظر إلى الحاسوب أمامه، ثم همس لنفسه بنبرة خافتة:
يمكن كنت فاكر إن الوقت كفيل يعلم القلب يحب... بس الظاهر إن القلب مش بتعلم بالإجبار.

أدار نظارته بين أصابعه ببطء، كأنه يحاول من خلالها رؤية ماضيه بوضوح أكثر...
كل خطوة أخذها كانت محسوبة بميزان العقل، إلا تلك الخطوة، كانت مفروضة عليه باسم" "الواجب" 

تنهيدة طويلة أفلتت منه، امتزجت بصوت الساعة المعلق على الجدار، عقاربها تمضي بثبات، بينما هو ثابت منذ أعوام... 
لم يعد يعرف أين أخطأ بالضبط، أفي اختياره الصمت... أم في تركه الأيام تقوده دون أن يقودها هو
رفع يده ليمسح على وجهه بتعب، ثم تمتم وكأنه يفضفض لفراغ المكتب:
مكنتش عايز أظلمها، ولا نفسي... بس الظلم حصل لينا إحنا الإتنين من غير قصد.

أدار مقعده نحو النافذة، كان ضوء الشمس ساطع نهض نحوه، لمح انعكاسه على الزجاج
رجل فى بداية الثلاثينات لكن ملامحه متعبة، لكن عينيه ما زالتا تبحثان عن شيء ضاع منذ زمن...
لا يعلم ماذا  ضاع... الحب... أم الشعور بزهوة ما يمتلك. 

❈-❈-❈
بغرفة الضيوف
إنشغلت فرح ووالدتها بالحديث المرح الهادئ مع إجلال كذالك تلك السيدة البسيطة التي دخلت عليهن  تتحدث بطريقة مرحة وشعبية قائلة: 
الحجة إجلال دايمًا منورة اوضة الضيوف. 

توقفت للحظة حين رأت فرح ووالدتها نظرت نحو فرح وإقتربت منها بفضول قائلة بإنبهار: 
بسم الله ماشاء الله مين الحلوة دي يا حجة إجلال... 

توقفت تنظر لـ إجلال ثم إستطردت حديثها بعتاب: 
كده يا حجة تخطبي لـ فاروق من غير ما تدعيني، لاء أنا زعلانه منك مكنش العشم، بس واضح الواد فاروق ده طول عمره محظوظ عروسة قمر... قمر، لا أحلى من القمر، طبعًا مش هو الملك. 

شعرت اجلال بحرج وإبتسمت قائلة: 
تعالى يا أم صبري، دول ضيوف عندنا. 

بينما شعرت فرح بالخجل كذالك والدتها، جلسن يتحدثن بعفويه يتقبلن مزاح تلك السيدة البسيطة 

❈-❈-❈
- وإنتِ جميلة الوحش. 
لم تسمع تلك الجملة بعدما إستسلمت لغفوة عقلها وغابت عن الوعي... رجف قلبه للحظات، حاول إفاقتها لم تستجيب له.. لم يُبالي بشئ وحملها وخرج توجه الى داخل المنزل ينادي على إحد الخادمات بصوت جهور... 

خرجن فرح ووالدتها وقبلهن إجلال والبقية 
شهقت إجلال عندما رأته يحمل عهد تبدوا غائبة عن الوعي كذالك ثيابها والادهي هو يقف بسروال داخلي فقط،بهذا الطقس والأدهي أمام النساء...
شعرت بغضب قائلة:
فى إيه...مالها عهد.

إقتربن فرح ووالدتها بلهفة وقلق،كانهن لا ينتبهن انه شبه عاري...بينما تحدثت أم صبري بمرح وهمس:
عروستين،طول عمرك محظوظ يا واد يا فاروق.

لم يسمع همسها سوا رابيا التى ابتسمت، بينما تفوهت إجلال: 
بسرعة دخلها أوضة النوم.

فعل كما قالت إجلال وضعها على الفراش وتوقف للحظات، دلفت خلفه إجلال ومن خلفها البقية... نظرت له بغضب: 
خلاص إخرج إنت وإحنا هنفوقها، روح إستر نفسك الجو برد. 

إنتبه لنفسه،بسروال فقط ومُبتل أيضًا شعر بحياء  فغادر... 

بينما تحدثت إجلال  بلهفه لـ يارا قائلة: 
يارا هاتي إزازة برفان من عالتسريحة وإطلعي هاتي لها غيار من عندك إنتم قريبين لبعض فى الجسم. 

بينما تلهفن فرح ووالدتها والقلق ينهشهن، الى ان فتحت عهد عينيها تهزي: 
الوحش العملاق خرج من المايه. 

بعد قليل، فاقت كذالك بدلت ثيابها بمساعدة فرح ووالدتها الللتان تبسمن على وصفها لـ فاروق... لكن لذلك تأثير ها هي تعطس مرات خلف بعضها 
.. 
بسبب ذلك تحججت والدتهن قائلة: 
واضح أن عهد هتاخد برد هتصل على توفيق يجي ياخدنا. 

نظرت لها إجلال قائلة: 
لاء بلاش تقلقيه، فاروق يوصلكم. 

إبتسمت فرح بخفاء بينما عطست عهد قائلة: 
فاروق ده اللى طلع لى من المايه، لاء ده وحش عملاق، إتصلي على بابا. 

لم يستطعن إخفاء بسمتهن، وتحدثت والدتها بإستهجان: وهمست جوار اذنها بغضب: 
وإيه اللى وداكِ عالبيسين كنتِ إتصلتِ عليا انا او أختك... لكن ماشيه فى بيوت الناس،لينا بيت لما نرجع.

نظرت لها عهد بضيق ثم صمتت.

بعد قليل بالسيارة
جلسن عهد ووالدتها بالمقعد الخلفي..وجلست فرح جواره...كان يعُم الصمت عدا عطسات عهد،ونظرات فاروق لمرآة السيارة الجانبية التي تعكس وجه عهد.

همس لنفسه بإسمها
"عهد"
الإسم له رنين خاص غير مفهوم...

بعد وقت بمجرد ان توقف فاروق فتحت عهد باب السيارة وترجلت لكن سرعان ما شعرت بدوخه بسيطة سندت على السيارة،تلهف عليها سريعًا ترجل من السيارة كذالك فرح ووالدتهن 
تحدث بتسرُع:
خلينا نوديها أي مستشفى.

تفوهت بحِدة:
انا كويسة...لما هنام هرتاح،شكرًا لك.  

سندتها فرح وذهبن نحو مدخل البِناية، بينما والدتهن شكرت فاروق ولحقت بهن... ظل فاروق يقف للحظات، قبل أن يشعر ببرودة تسري فى جسده، كذالك عطس عِدة مرات... غادر بعدما تمكن منه هو أيضًا التعب. 
❈-❈-❈
بعد مرور يومين
صدفة تسمع فاروق حديث والدته مع والدة عهد على الهاتف تتصل للإطمئنان عليها وأخبرتها أنها أصبحت أفضل.

بعد لحظات..دخل فاروق عليها قائلًا:
صباح الخير يا ماما.

ابتسمت له قائلة:
صباح النور،لابس كده ورايح فين.

أجابها ببساطة:
هكون رايح فين،رايح الشغل فى المدابغ.

نظرت له قائلة:
شُغل إيه إنت لسه تعبان.

رد عليها:
أنا بخير يا ماما ده كان دور برد وخلاص أنابقيت كويس جدًا،وأساسًا مكنش يستاهل أفضل يومين فى البيت.

نظرت له بحنان قائلة:
إنت درجة حرارتك كانت وصلت واحد واربعين درجة،كل ده من طلوعك بالشورت فى الجو البرد ده وكمان مبلول..حتى كنت حط الفوطة على جسمك كانت سترتك من العيون،كفاية عيون أم صبري..بصتلك وقالت طول بعرض بهيبة.

ضحك قائلًا: 
يبقى الي صابني من عنيها، انا ماليش فى قاعدة البيت... هروح الشغل أشوفك المسا. 

لم تستطيع إجلال السيطرة عليه وغادر مُبتسمً... لا تعلم لما شعرت أن هنالك شيء مختلف يظهر عليه غير مفهوم لها. 
❈-❈-❈
بينما بشقة والد عهد

مازال تأثير تلك الوعكة عليها، تستسلم للاستلقاء على الفراش تسمتع بالدلال وهي مريضة... 
بنفس الوقت صدح رنين هاتف والدتها تبسمت  قائلة: 
دي الحجة إجلال.. هرد عليها. 

تهكمت عهد بينما تبسمت فرح.. 
بعد لحظات اغلقت والدتها الهاتف قائلة: 
الحجة إجلال  بتسلم عليكِ، ولما قولت لها إنك بخير فرحت، كتر خيرها دي جت مخصوص تطمن عليكِ. 

تبسمت فرح بينما تهكمت عهد قائلة: 
كتر خيرها، بعدين ما اللى حصل لي بسبب الوحش إبنها. 

ضحكت فرح كذالك والدتها التى قالت لها بلوم: 
وهو ذنبه إيه إنتِ اللى كنت بتتمشي فى بيتهم. 

نظرت لوالدتها بسخط قائلة: 
ده مش بيت.. ده متاهة. عالعموم مش راحة عندهم تاني... وياريت نقطع علاقتنا بيهم... أساسًا بسبب إبنها العملاق ده مش رايحة تاني. 

تهكمت فرح قائلة: 
مش كتر خيره انقذك... وهو كمان مِرض بسببك. 

نظرت لها عهد وضحكت قائلة بشماتة: 
أحسن يستاهل. 

❈-❈-❈
بعد مرور فترة صغيرة 
بإستطبل كبير للخيول 
كان ترحيب إجلال ومحي الدين 
بـ توفيق وزوجته وإبنتيه. 

بعد مرور
رغم أن الطقس ربيعي لكن بسبب المكان المكشوف تسبب فى شعورها بقسوة الشمس تضايقت من ذلك قائلة: 
أنا زهقت من الشمس والمكان… ياريتني ما كنت جيت... بس بسبب ضغطك إنتِ وضغط ماما، وحتى بابا كمان عزومة إيه دي مش فاهمة إحنا إيه اللي يربطنا بالناس دول فجأة كده دخلوا حياتنا وتوغلوا كمان… ده كأننا قاعدين في صحرا... لا في نسمة هوا ولا ضل، والكل بيتصنع الضحك كأنهم مش حاسين بالحر ولا الملل... أنا زهقت إمتى نمشي. 

نظرت لها  فرح قائلة: 
بالعكس الجو لطيف كمان المكان والخيول، إنتِ عارفة إنى بحب الخيول، حتى قولت لـ بابا عاوزة اركب خيل، والحمد لله إني لابسه شميز وبنطلون. 

تهكمت عهد قائلة: 
الحمد لله، عن نفسي، لا بحب الخيل ولا مزارع الخيل وبستغرب عالعيلة دي 
بيت زي قصر بتحف وأنتيكات وكمان عندهم مصانع وشركات وكمان مزرعة خيل. 

تبسمت فرح قائلة: 
لاء سمعت أونكل محي بيقول لـ بابا 
إن مزرعة الخيل دي بتاعة فاروق هو اللى غاوي خيل وهو اللى أنشأها وبيشتري الخيول العربية الأصيلة، تجارة وهواية، رغم إنه يادوب بيديرها لكن بيشغل فيها متخصصين، سواء دكاترة او مروضين. 

تهكمت عهد قائلة: 
آه ما أهو "الملك فاروق" بقي... 

توقفت عهد للحظات ثم نظرت لـ فرح  بخباثة قائلة: 
ليه حاسه إن عندك إعجاب زايد باللى إسمه فاروق ده مع إني حاسة إنه شخص بارد فى تعامله. 

إرتبكت فرح وراوغت قائلة: 
مش حكاية إعجاب عادي أنا بقولك اللى سمعته و... 

قاطع حديثهن صهيل فرس يقترب من مكانهن، لوهله شهقت عهد ونهضت ظنًا أن الفرس يرمح بإتجاههن، وكان ذلك خطأ، حين ركضت تبتعد فمرت من أمام الفرس الذي 
...ارتفع صهيله أكثر، مما جعل فاروق يشد اللجام بحرفية كي يُسيطر عليه، لكن حركة عهد المفاجئة أربكت الموقف... في لحظة قصيرة،  سقطت أرضًا لولا أن فاروق تمسك باللجام  وجذب الحصان للخلف وأوقفه على بُعد خطوات قليلة منها... لكان دهسها 

شعرت عهد  بألم فى ساقها،بينما ترجل فاروق من على الحصان بلهفة وتركه وتوجه نحوها...بقلق سائلًا بنبرة غضب:
جرالك حاجه.

كأنها نسيت ألم  قدمها ووجدت فرصة لتفريغ عصبيتها:
طبعًا هتقولي إني انا اللى غلطانة ومش هتعترف إن إنت اللى غلطان. 

زفر نفسه بصبر قائلًا: 
فعلًا ده اللى حصل، إنتِ اللى ظهرتي  قدام الحصان فجأة تجري، لو مكنتش إتحكمت فيه كان دهسك. 

أنهي قوله وإنحني يمد يده لها كي يساعدها على النهوض
بينما هي مازالت غاضبه نظرت الى يده ولم تهتم، حاولت الإرتكاز على يديها وبالفعل حاولت الوقوف لكن بمجرد أن وقفت إختل توازنها وشهقت بألم  ولم تستطيع الضغط على قدمها، كادت تسقط مرة أخري لكن تمسك بيدها، بتلقائيه رفعت قدمها المصابة، تلاقت عيناهم، وتباينت النظرات ما  بين 
إعجاب وغضب. 
  
حاولت سحب يدها منه قائلة بغضب: 
سيب إيدي وإبعد عني إنت متفرقش عن الحيوان اللى كنت راكب عليه. 

رمقها بنظرة حادة، وبنبرة امتزج فيها القوة والتحذير قائلًا:
إوعي للسانك...و نصيحة مني إياك  تعملي حركة زي دي تاني... الخصان  حساس، وأي اندفاع غير محسوب ممكن يعرضك للأذى.

تجمدت عهد في مكانها، ترتفع أنفاسها بسرعة من أثر الارتباك من نظرة عيناه التى تحولت الى قسوة... بينما فرح  وصلت نحوها  أمسكت بذراعها محاولة تهدئتها بعدما شعرت أنها قد تتهجم على فاروق :
إهدي يا عهد… ما حصلش حاجة، إسندي عليا. 

لكن عهد شعرت بغضب يزداد... حاولت كبت غضبها... كي لا تظهر انها قليلة الذوق... تحملت غصبً

بعد قليل كانت تجلس تنظر نحو فرح التي تمتطي أحد الأحصنه ويمسك اللجام فاروق، لكن عيناه شبة مُسلطة على عهد بينما فرح رغم  انها اول مرة تمتطي خيل لكن كانت تشعر بسعادة، كانت تحاول جذب فاروق للحديث وهو يرد بدبلوماسية... 

رات إجلال ذلك شعرت بوجود إنسجام بينهما تنهدت وحسمت قرارها، وكزت محي الذي إنتبه هو الآخر لذلك فتبسم لها بتوافق. 

بنهاية اليوم كان الوداع بعد شعور بزيادة تقارُب بين العائليتين وألفة خاصة تزداد. 

❈-❈-❈

بعد وقت
دلفت عهد الى الشقه خلف فرح  جلست على مقعد بالردهة قائلة: 
أنا خلاص كفاية العيلة دي نحس كل أما اقابلهم يحصل  لى حاجه لاء والوحش العملاق  يجيب اللوم عليا، أنا بقول نقطع علاقتنا بيهم، وبعد كده، لا نعزمهم ولا هما يعزمونا... كفايه  يا بابا. 

قاطعتها والدتها قائلة: 
إنتِ اللى متسرعة، ودول ناس لطيفة إنتِ اللى كده دايما صعب تاخدي عالناس غير بعد مرار...

صمتت للخظات ثم نظرت لـ فرح قائلة: 
إسنديها لحد الاوضة بتاعتها. 

تبسمت فرح وأخذت فرح وغادرن 

بينما ذهب توفيق وزوجته الى غرفتهم... تبسم لها قائلًا: 
مش عارف ليه عهد مش من طبايعها تبقي بالحِدة دي مع أي حد. 

أجابته ببسمة: 
إنت عارف عهد أوقات بتتساخف، بس مش ده المهم قولي، لما قومت مع الحج محي تتمشوا رجعت وإنت بتبتسم. 

تبسم لها قائلًا: 
الحج محي شبه لمح لى إنه عاوز يخطب لـ فاروق وإن قدامه عروسة وعاوز يفاتح أهلها. 

لوهله سئم وجه " ميرفت" قائلة: 
طب وإنت داخلك إيه ما هو حر. 

تبسم  توفيق قائلًا: 
حسيت من تلميحاته إن كلامه على فرح. 

عاد وجهها للصفاء وتبسمت بتمني: 
ياريت، بصراحه كده لما شوفت فاروق وهو ماسك اللجام وفرح عالحصان إتمنيت يكون من نصيبها... الكام مره اللى شوفته فيهم كان محترم وذوق، وكفايه كل مره تتعصب عليه عهد وهو مش بيرد عليها، رغم إنها هي اللى بتكون غلطانه... كمان الحجه اجلال ست محترمة جدًا، كمان لاحظت فرح بتبقي مبسوطة عكس عهد. 

تبسم لها قائلًا: 
ياريت فعلًا... بس خلي الكلام ده بينا لحد ما نشوف إيه اللى  هيحصل بلاش نتعشم بزيادة. 

اومأت له بتوافق قائلة: 
ماشي، هقوم أشوف عهد وادهن لها رجلها بمرهم بيسكن الألم. 

أومأ لها... 

بينما قبل لحظات.. 
تركت فرح عهد قائلة: 
هروح أقول لـ ماما تجيب لك مرهم يسكن الألم. 

أومات لها عهد وهي تنفخ من الألم... 
كان باب غرفة والديها مورابً، كادت ترفع يدهت وتطرق على الباب لكن سمعت حديثهما عن فاروق توقفت وتسمعت على حديثهما كم إنشرح قلبها بسعادة وتمنت ان يصدُق توقع والديها... شعرت بخفقان قوي بقلبها، لحظات هيام... لكن فاقت على نداء عهد، كذالك نهوض والدتها، ابتعدت عن الغرفة قليلًا كي لا يفتضح أمرها. 
❈-❈-❈
بعد مرور فترة من الوقت مع بداية النسمات الصيفية.. 

بترحيب من ميرفت وتوفيق لـزيارة
إجلال ومحي الدين بشقتهما
جلس اربعتهم بغرفة المعيشه بعد حديد ودي بينهما تفوه محي الدين 
بص يا توفيق إنت زمان عملت معايا معروف مش ممكن انساه، وكان موقف يدل عالأمانة، وشخص غيرك كان طنش وقال ميهمنيش الأمر، وكان بينا صداقة وبسبب مشاغل الدنيا كل واحد فينا خدته الدنيا... بس القدر صدفة جمعنا تاني، ومن وقتها حصل بينا ألفة وعادت صداقتنا وزادت كمان بتعارف زوجاتنا ببعض وهما كمان حصل بينهم ألفة ومحبه... كمان دخلت بيتنا ودخلنا بيتك بقي بينا عِشرة حتى لو صغيرة، بس تشجعني أتكلم وأتمني إن تزيد متانة علاقتنا ببعض بالنسب بينا... بس بصراحة أنا محتار، وكنت أتمنى أخد البنتين لولادي.

توقف محي للحظات... 
تبسم توفيق مُرحبًا بحديث محي قائلًا: 
الحمد لله إنت كمان لك مكانه كبيرة فى قلبي.. ويشرفني النسب بينا وكنت أتمنى يكون البنتين من نصيب ولادك، بس للآسف
.... عهد مخطوبة. 

تعليقات