رواية الحب غلاب الفصل الثالث بقلم ملك عبدالله احمد
هيتزوّج أرملة أخوه.
نقلت نظراتي بينهم بجمود، يمكن لأني كنت بحاول أُحلِّل الكلام بانسيابية.
كنت عارفة إن ده اللي هيحصل في النهاية، لكن من هول الجملة انعقد لساني.
من يوم وفاة سعيد وكل شيء اتقلب… من سلفتي، وحماتي، وجوزي.
كان الإحساس بينا دايمًا متوتر؛ شوفت العداء في عين ليل، الكره الواضح من أول أيام زواجنا، لكن ما اهتمّتش كتير، فالعلاقة كانت محدودة، والجدال معاها بلا فايدة.
لكن كنت بلاحظ نظراتها الحادّة، وأسلوبها الفظ معايا، وكنت دايمًا بفسّره على إنه غيرة بنات… أو «سلايف» زي ما بسمع دايمًا.
لغاية ما اكتشفت الحقيقة… الحقيقة اللي كانت مُرّة عليّ.
_إزيك يا ضُرتي؟
توقّفت بدهشة من كلمتها الغريبة. كنت نازلة من شقتي لتحت، ولمحت ليل واقفة عند باب شقتها. ألقيت عليها السلام بتلقائية، لكن ردّها أوقفني بذهول.
_ضُرتك؟! إنتِ بتقولي إيه؟
اقتربت ببرود يتنافى مع سخريتها التي تنقلت في نظراتها عليّ:
_قريب… بإذن الله. أوعي تكوني متعرفيش إن لما جوز الواحدة يموت، أخوه بيتجوزها ده أقل واجب. وبعدين أنا مش أي حد ده أنا بنت خالهم. يعني عمّتي مش هترميني للغريب، وابنها البِكر موجود.
_إنتِ اتجننتي؟! ده جوزِك مكملش شهرين! حرام عليكِ إنتِ بتفكري في إيه؟ وليه جوزي يتجوزك أصلًا؟! فاكرة إن حد هيوافق؟ أو أنا هوافق؟
ضحكت ضحكة قصيرة مستفزّة وقالت بثقة باردة:
_هيوافقوا يا حلوة… إنتِ مش عارفة أنا مين.
أنا الحب الأول لجوزِك مؤمن، آه!
إحنا كنا قصة حب خيالية، بس جه اللي وقّعنا في بعض وخرب كل حاجة بينّا. بس خلاص… اتزاح.
كل الطرق اللي كانت عقبة بينّا زمان اختفت.
إلا إنتِ… بقيتي أكبر عقبة.
بس متخافيش… مالكيش لازمة.
وعارفة؟ اللي كان سبب في بُعدنا هو نفسه اللي هيكون سبب في قُربنا قريب.
قالت كلامها ومشيت.
فضلت واقفة، بستوعب…
كل السيناريوهات لمحتها قدّام عيني
التوتر اللي كنت بلاحظه بين مؤمن وبينها،
رفضه يتواجد في أي تجمع تكون فيه،
شغله الكتير اللي بيرجّعه آخر الليل على النوم، وهروبه طول النهار،
العلاقة الغريبة بينه وبين أخوه…
هل كل ده كان حقيقة؟
هي أول حب؟!
كان بيحبها هي؟
يعني جوزي وحبيبي مطلّعش بيحبّني…
طلع بيحب غيري!
فوقت من شرودي على صوت حماتي وهي بتحاول تشرح:
_حبيبتي، إحنا اتفاجئنا زيّك… أنا ومؤمن وليل.
سعيد طلع موصّي إن أخوه يتجوز مراته بعد موته،
وإحنا واجب علينا ننفّذ وصيّة الميّت.
ردّيت بذهول وتوهان:
_وصيّة إيه؟ هو أي حدّ يتجوز يوصّي أخوه لو مات ياخد مراته؟
هو كان عارف إنه هيموت مثلاً؟! ده هبل!
_كان عارف…
انذهلت. يعني إيه كان عارف؟
حاسّة إني في لعبة، وأنا آخر حدّ يعرف قواعدها.
بعدت خطوتين، نقلت نظراتي وثبّتّها على ليل.
طلعت لاعباها صح، واثقة من كل كلمة…
وطلعت هي الصح.
ثواني ومعالم وشي اتبدّلت؛
من صدمة وصراع… لبرود ولا مبالاة.
وقتها بس عرفت إني مش أكتر من مُشاهدة في حياتي.
أنا مش هعمل… ومش هختار.
المرة دي الاختيار مش ليا.
_الرأي رأي جوزي يا حماتي… هو صاحب القرار، مش أنا.
_يعني إنتِ موافقة يا حبيبتي؟!
ولأول مرة أحسّ بنفور منها.
واضح إنها في صف بنت أخوها…
أومال كانت فاكرة إيه يا همس؟ إنها هتبقى معاكِ؟
ولأول مرة أندم إني اتجوزت في العيلة دي.
الكل بيلعب ببعض…
وبايّن إني أنا الضحية!
قربت من مؤمن بجمود مصطنع، ووقفت قدّامه:
زي ما سمعت… الرأي والاختيار ليك يا زوجي.
وأيًّا كان قرارك أنا هكون موجودة في بيت أهلي. وعلى حسب اختيارك… هقرر أنا كمان مصير علاقتنا.
وقفت ثواني، بلملم نفسي اللي كانت بتتهز من جوّا، قبل ما صوته يقطع المسافة بينا بنبرة غريبة… خليط بين الغضب والوجع:
_ همس... أنا أهلك.
الكلمة وقفت مكانها جوا قلبي.
مش لأنها جديدة لكن لأنها وصلت متأخرة جدًا.
حركت جوّايا مشاعر كانت نايمة حنين، ولهفة، وكسرة… كأني بسمع لأول مرة إنه بيحارب عشان يحتفظ بيا.
بس الألم كان سابق والجرح كان عميق، أعمق من كلمة ممكن تلحم اللي اتكسر.
خدت نفس بارد، وقررت أكمّل الدور اللي ابتديته… لعبتي اللي عارفة نهايتها:
_مؤمن أنا همشي. معنديش طاقة أسمع أو أستنى اللي هيحصل. أنا إنسانة ومش هستحمل القرارات الغريبة ولا الضغط ده. زي ما قولت هروح بيت أهلي و––
_أنتِ مش مضطرة يا همس… لإن مفيش حاجة هيحصل!
أنتِ سمعتي منهم لكن أنا؟ أنا لأ.
متحكميش على علاقتنا من غير ما أجي وأقولك.
ومحدش هيقدر يتحكم فينا… سواء عايش أو ميت.
كنت برقص من جوّا.
هاين عليّا أبوسه من الفرحة.
دا اللي أعرفه دا مؤمن، حبيبي وبس.
لكن ملامحي فضلت ماسكة دور الغضب والجمود.
وفجأة جه صوت أمه، حاد، غاضب:
_بتقول إيه يا مؤمن!؟
مسمعتش أخوك وهو بيوصي مراته ولا إيه؟
إخص عليك… مش هتنفّذ وصية أخوك وهُو في قبره؟
ساعتها شفت حاجة أول مرة أشوفها… عصبية مؤمن الحقيقية.
قعدت بسرعة على الكرسي، عينيّا رايحة جاية بينهم.
ولمحت ليل… اللي كانت دايمًا متماسكة وباردة، فجأة وشّها اتغير.
الخوف ظهر.
القلق بان.
ونبرة البرود سابت مكانها لارتباك واضح.
وهنا… ابتسامتي اتسعت.
قلبت المشهد فيلم جديد… وأنا المنتج اللي قاعد يتفرّج بمتعة.
لقى صوته بيرد على أمه، ثابت وغاضب:
_زي ما سمعتِ يا أمي…
محدش ليه يتحكم في حياتي أنا ومراتي.
سواء موجود… أو مش موجود.
_إحنا مش بنتحكم يا ابني!
هو إحنا قولنا طلقها؟ لأ
دي هتكون معززة مكرمة في بيتها.
أنت بس هتتجوز بنت خالك مرات أخوك اللي مات.
أومّال هنرميها للغريب؟ دي الأصول يا ابني.
_مش فاهم إزاي بتتكلمي بالسهولة دي!
فوقي يا أمي أنا مش عيل صغير.
وبعدين أنا مسمعتش أخويا.
ومش هصدّق كلام اتقال وخلاص.
رفعت حاجبها، ورمت جملتها اللي كانت بتفتكر إنها هتزود الضغط عليه:
_وهي هتكدب ليه؟ مش دي ليل حبيبتك… اللي كنت عايزها؟
وهنا الجو اتبدّل.
والكلمات وقفت في الهوا… مستنية رد مؤمن اللي هيغيّر كل حاجة.
_محدش غيرك إنتِ وهي اللي فاكرين الكلام الأهبل ده ومصدقينه. ليل كانت مجرّد علاقة فاشلة… مجرد شوية نظرات وكلمتين عابريّن. لا لمّحت لها إنّي بحبها، ولا يوم اعترفت لها بحاجة.
ولما حسّيت إن ممكن يكون فيه بداية إعجاب، كلّمْتِك نقوم ونروح نتقدّم ليها لكن مرض سعيد قلَب كل اللي اتقال. والحقيقة؟ أنا بحمد ربنا ألف مرة إن كل حاجة اتلغبطت، وإنّي لحقت نفسي.
أنا ماكنتش هلاقي أحسن من همس لو لفّيت الدنيا كلها.
هي همس… وبس.
حد يجي يزغدني أنا هنا برفرف من الفرحة والحلاوة والجمال.
كلامه عسول… بيحبّني، طلع بيحبّـني!
حبيبي… وحبيبي… وحبيبي.
_يعني إيه الكلام ده يا مؤمن؟ وليل؟
_تقعد معزّزة في شقتها، عايزة تروح لبيت أبوها؟ براحتها.
عايزة تعيش حياتها وتتجوز مرة تانية بعد مشاورتنا؟ براحتها.
لكن جواز تاني لِيّ؟ لأ… وألف لأ.
وكلمة كمان وقسمًا بالله يا أمي، همشي من البيت ده أنا ومراتي،
وانتِ عارفة كلمتي بتتنفّذ.
يلا يا همس.
شدّني من إيدي، وأنا شايفة نظرات حماتي واللي متتسمّاش ليل.
نظرات كلها حقد وغل بس ما اهتمّيتش.
كفاية إني في إيد حبيبي، وكلامه لوحده كان كفيل يهوّن الدنيا.
طلعنا الشقة، وقفل الباب…
حاولت أتقمّص الدور، ودخلت الأوضة، جبت الشنطة اللي كان رماها قبل كده،
وبدأت أحط هدومي بإهمال… وشوية دلع.
_أنتِ بتعملي إيه يا همس؟
_زي ما أنت شايف يا حبيب همس…
قولتها بسخرية ودلع.
_ممم… طب كمّلي كمّلي، ومتنسيش تحطي كل اللي هتحتاجيه.
سبت اللي في إيدي بصدمة من كلامه.
هو زهق مني؟
ولا إيه!
ليكون ما صدّق…
_أنت ما صدّقت ولا إيه يا باشمهندس؟ ما صدّقت يا مؤمن، تمام!
_إنتِ بتؤوليني كلام ما قلتوش ليه يا بنت الناس؟ مش بتحضّري شنطتك؟ قولتلك حطي الحاجات المهمّة عايزة إيه تاني؟
_ولا حاجة… متشكرة. متستعجّلش، هروح عند أهلي أهو ويا ريت توسّع من قدّامي.
_مش قولنا بلاش السيرة الزفت دي؟ ولا كل ما بنعيد من أوّل وجديد؟
_مش إنت اللي قولت خدي الحاجات المهمّة؟
_أيوة… بس ما جبتش سيرة أهلك. قولت حضّري الحاجات المهمّة، بس هل قولتلك هنروح فين؟
استغربت من كلامه:
_هنروح؟! أنا وإنت فين؟
مسك إيدي بلطف وقعدني على السرير:
_هنروح دهب… نِبعد كام يوم عن كل اللي حصل.
أنا وإنتِ… وبس.
عارف إن اللي فات كان كبير عليكِ وأرهق قلبك. وعشان كده واجب عليّا أشيل عنك كل الحزن اللي غامرك الفترة دي. الكلام لوحده مش هيشفعلي… لازم أفعال.
وأوعدِك لما نروح، هتشوفي أفعالي بالطريقة اللي انتي بتحبيها.
اتسلّلت جوايا مشاعر راحة دافئة.
لقيت حبيبي…
هو ده حبيبي.
إنك لا تدرك معنى
أن يسير الإنسان طويلًا… وطويلًا،
لا بحثًا عن طريق،
بل بحثًا عن إنسانٍ واحدٍ يسكن قلبه.
يمضي حتى تتآكل الأرض تحت قدميه،
ويذبل القول على شفتيه،
ومع ذلك يواصل…
لأنك أنت وجهته،
وأنت راحته،
وأنت الإنسان الذي ينشده قلبه.
بلعت ريقي بتوتر:
_عندي كام سؤال…
_اتفضّلي يا عيوني.
_يعني إيه أخوك —الله يرحمه— كان عارف إنه هيموت؟
وليه يكتب وصيّة بالشكل ده؟
وليه اتجوّز البنت اللي أنت المفروض كنت هتتقدملها؟
إيه اللي اتغيّر؟
أخذ نفس عميق وبدأ يحكي:
_بُصي واسمعيني…
سعيد كان مريض كانسر. محدّش فينا كان عارف غيره.
فجأة جه وقال إنه عايز يتجوّز، وكمان مختار العروسة… ليل.
لإنه كان بيحبّها، وكانت بالنسباله حلم.
اعترضنا في الأول لإنه لسه صغير، والمفروض أنا أتجوّز قبله بما إني الكبير.
غير إن ليل هي البنت اللي كنت ناوي أتقدملها.
فجأة كل حاجة اتبدّلت…
هو مُصمِّم.
فسبتله الساحة وبعدت.
وفعلًا اتقدّم لليل… رفضت؛ لأنها كانت عايزاني أنا —أو ده اللي كان المفترض.
بدأت تتكلّمني وتحاول معايا، لكن أنا كنت برفض… عشان أخويا.
وفجأة بعد محاولات كتير… وافقت.
استغربت، بس ما اهتمّتش.
اتجوّزوا، والفرح تم، وعدّى كم شهر.
بعدها أنا اتقدّمتلك… وكل حاجة كانت ماشية كويس.
لحد ما عرفنا إن سعيد عنده كانسر، وللأسف كان منتشر في جسمه كله.
هو آخر فترة أهمل في العلاج… وتوفّى.
وإنتِ شفتي الصدمة اللي عشناه.
لكن محدّش كان يعرف بمرضه… غيري أنا وأمي وليل.
والنهارده بس فهمت ليه ليل وافقت تتجوّز.
سعيد صرّح لها بمرضه، وفهِمها إنه ممكن يموت.
وقال لها لو رفضتِه… أنا عمري ما هكون ليها.
هو عرفني…
وعرف إن بعد ما فكر يتجوّزها مستحيل أفكّر فيها.
فعشان كده ثبّتها بـ وصيّة… أو ده اللي قالت.
بس الحقيقة…
دي كانت لعبة منهم علشان كل واحد فيهم يعيش لحظة سعادة مؤقتة.
سعيد غلط…
ماكانش لازم يعلّق بنت وهو عارف إنه مش ضامن حياته.
وليل غلطت…
ماكانش لازم توافق على حلم كدّاب أو وصيّة مش صح.
كل واحد فيهم يتحمّل اختياره.
قلت بذهول:
_أنا مذهولة… كمية أحداث! حاسة نفسي في مسلسل.
ضحك بخفة:
_سيبي المسلسل ده… وركّزي معايا.
همسة إنتِ حبيبتي الأولى والأخيرة.
مفيش قبلك ولا بعدك.
ثقي في ده… مهما حد قال أو حاول يبوّز بينا.
إنتِ مراتي… وأنا زوجك… والحب بينّا.
وده أهم من أي حاجة.
نركّز بقى في حياتنا الجاية… وفي أطفالنا اللي هيجوا بإذن الله.
ابتسمت برِقة:
إنت أول حبيب… وآخر حبيب♥.
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
