رواية استثنائية في دائرة الرفض الفصل الثامن والأربعون بقلم بتول عبدالرحمن
فريده نزلت من العربيه مع حسام بخطوات بطيئه، الحزن باين على ملامحها، مشيت هيا وحسام بهدوء لحد ما وصلوا للبيت، حسام وقف مع الرجاله بره وفريده دخلت البيت، صوت القرآن مالي المكان والستات قاعدين كلهم لابسين أسود، في النص كانت سالي قاعده، عينيها مورمه وحمره ودموعها نازلة،
فريده قربت منها بهدوء، قعدت جنبها وهي بتقول بصوت واطي
"شدي حيلك يا سالي... البقاء لله."
سالي رفعت عينيها وبصتلها، الدموع غلبتها ونزلت أكتر، فريده مدّت إيديها ومسكت إيد سالي، سالي شدت على ايديها بقوة وحضنتها كأنها مش لاقية غيرها تتسند عليه...
أما فوق عند يونس
كان في اوضته قاعد على الأرض زي طفل تايه، ضهره مسنود على الباب ورجليه مطوية تحته، دموعه متحجره في عينيه، وشه احمر وعروقه بارزه وعينيه... عينيه قافلها جامد وهو لسه شايف منظرها قدامه ومش قادر ينساه، وكل ما يرمش المشهد يتكرر، لما شافها قدامه مرميه على الأرض ودمها في كل مكان، كل نفس خارج منه مهزوز كأنه بيطلع معاه وجع عمره كله، عنقه محني على صدره وإيده ماسكة طرف البنطلون جامد، صوت القرآن اللي شغال تحت كان طالعله واضح، كل كلمة فيه بتغرس في قلبه وبتفكره القرآن ده شغال ليه، بتفكره أن في ميت في البيت وإن الميت ده مش مجرد شخص مات، دي امه وهو محمل نفسه سبب موتها، مش مصدق نفسه إن دي النهاية، مش مصدق إن هو السبب من غير ما يقصد، إيديه بتترعش، وكل ما ياخد نفس أعمق صوته يطلع زي أنين مكتوم، تايه ومكسور وزعلان زي طفل صغير اتحرم من أمه فجأة، بس الطفل ده كبير ومش لاقي حضن يلمه ولا كلمة تطبطب عليه.
رفع راسه للحيطة كأنه بيهرب من نفسه، بس دموعه نزلت، إيده التانية كانت ماسكة التشيرت عند قلبه كأنه عايز يوقف الألم اللي بيموّت جواه، كان حاسس إن الدنيا كلها فضيت، وإن البيت اللي كان بيقف على وجودها وقع فوق دماغه، ومهما كانت بشعه فهيا مامته وهيا اللي كانت بتشيل كل حاجه وكانت بتمنع عنه قسوة العالم.
أما تيم، فكان في أوضته على وضعه من ايام، السرير محاط بكل الأجهزة الطبيه اللي تساعده يبقى احسن، ملامحه ساكنة جدًا، شاحب وبارد كأنه نايم من سنين، إيده متوصلة بالكانولا، وأنابيب رفيعة متوصله بالأجهزه، الممرض موجود على الكرسي جنبه، بيراقبه في صمت.
لكن تيم نفسه... ولا كأنه هنا، عينيه مغمضة ورموشه ثابتة، صدره بيتحرك بهدوء تقيل، كل نفس طالع منه أبطأ من اللي قبله، جسد بدون روح، ومش حاسس بأي حاجه، كان شكله زي واحد مستسلم تمامًا... سايب الدنيا كلها تخبط في بعض.
عربية علي وقفت قدام البيت، على نزل بسرعه لف لايناس ونزلها، كانت خطواتها مهزوزة، كل شوية كانت بتتهادى كأنها هتقع، شكلها منهار بشكل غير طبيعي، ملامحها منهارة، دموعها نازله شلالات وصدرها بيطلع وينزل بسرعه، كانت غايبة عن الوعي من الصدمة، مش مستوعبة إنها جاية تعزي في أختها... أختها الوحيدة اللي قضوا سنين بعاد عن بعض والظروف فرقتهم، ولما اتقابلوا أخيرًا حسّت إن الدنيا رجعتلها من تاني... لكن فجأة الدنيا أخدتها منها تاني، وبشكل أقسى بكتير.
علي كان ماسكها بكل قوته، خايف تقع من كتر الانهيار، هو بنفسه مش عارف يعمل إيه علشان يخفف عنها، دخل البيت وهو ساندها، ملامحها باينه عليها الصدمة والوجع، خطواتها تقيلة وكأنها مش قادرة تتحرك، أول ما فريده شافتها قامت بسرعة من مكانها، جريت عليها وخدتها من علي بلطف، حطت إيدها حواليها وسندتها.
إيناس وقعت تقريبًا في حضنها وهي بتعيط بحرقة، فريدة سندتها بحنان لحد ما قعدتها على الكرسي وقعدت جنبها علطول.
يسر وصلت البيت اخيرا، نزلت من الأوبر بخطوات هاديه، دخلت البيت وسلمت على كام واحدة بسرعة لحد ما وصلت لسالي اللي كانت قاعدة والدموع لسه متجمعه في عينيها، عزتها بهمس قصير وحضنتها، وبعدها قعدت جنب فريده بهدوء، بعد لحظات بصت حوالين البيت وقالت بصوت واطي
"هو يونس فين؟"
سالي مسحت دموعها وقالت
"في أوضته... من ساعة اللي حصل وهو قافل على نفسه ومخرجش منها أبداً، لو عايزه تطلعيله محمود هيطلعك"
هزت راسها بهدوء وهي بتاخد نفس عميق، وبعدها قامت من مكانها بخطوات مترددة ووراها محمود، كل درجة كانت بتحس إنها تقيلة، عقلها مليان أسئلة وخوف من حالته، وقفت قدام باب أوضته، رفعت إيديها بخفة علشان تخبط، بس وقفت لحظة مترددة... مش عارفة يونس هيكون عامل إزاي دلوقتي... بس مدت إيديها وخبطت بخفة، صوتها خرج متردد
"يونس... أنا يسر."
سكتت، استنت رد، لكن مفيش... ولا حتى صوت حركة من جوه.
بلعت ريقها وخبطت تاني، المرة دي أقوى، قالت وهي بتحاول تثبت صوتها
"يونس..."
الباب اتفتح ببطء وظهر قدامها يونس، كان في حاله لا يُرثى لها، شكله غريب فعلا، أول مرة تشوفه كده، عينيه حمره دم، وشه شاحب، شعره مبعتر، هدومه مرهدله، ملامحه كانت منهارة، مش هو نفسه يونس اللي هيا عارفاه لاء... ده يونس تاني تمامًا، يسر اتجمدت مكانها، مش عارفة تقول إيه، كانت دي أول مرة في حياتها تشوف الحزن مرسوم بالحده دي على ملامحه، ولسه بتحاول تلاقي كلمة تخفف بيها الجو، بس هو سبقها، مد إيده فجأة وشدها لحضنه، حضن قوي جدًا لدرجة إنها حسّت بالعجز، حسّت إنه محتاج الحضن ده فعلا أكتر من أي كلام.
كان بيترعش وهو ضاممها ليه، كأنه بيحاول يهرب من كل حاجة جوه قلبه، من مواجهة نفسه، يسر اتجمدت في الأول من المفاجأة، وبعدين ببطء رفعت إيديها وضمته ليها، قلبها بيتقبض وهي سامعة نفسه المتقطع، وحاسة قد إيه هو مكسور وضعيف، سابت نفسها من غير ما تقوله ولا كلمة، عارفة إن الكلام مش هيفيده دلوقتي، يونس كان ماسكها بكل قوته،
وفجأه دموعه نزلت مرة واحده، عيط بقهر وهو مداري وشه في كتفها، بيعيط زي الطفل، إيده بتترعش وهو مش قادر يسيطر على نفسه.
بعد كذا يوم....
رجعت فريدة البيت بعد يوم طويل ومتعب، راجعه متأخر شويه كعادة اخر كام يوم، خاصة بعد ما نقلوا تيم تاني المستشفى وبقا عندها الصلاحيه تقرب منه بدون عائق، أول ما دخلت من الباب لمحت حسام واقف في الصالة مستنيها، ملامحه مشدودة، صوته خرج حاد وهو بيقول
"إيه يا فريدة؟ إيه التأخير ده كل يوم؟"
فريدة وقفت مكانها لحظة، خدت نفس وقالت بهدوء
"غصب عني يا حسام."
رفع حاجبه باستنكار وقال بضيق واضح
"لاء بجد مش معقول كده، كل يوم تأخير بالشكل ده؟ بتعملي إيه كل ده؟"
ردت بسرعة وهي بتحاول تسيطر على الموقف
"هكون بعمل إيه يعني؟ عندي شغل يا حسام."
قال بغضب مكبوت
"بس شغلك ليه معاد، وانتي بقالك قد إيه بترجعي بعده بالساعات؟ طب أنا فين في حياتك دي؟"
فريدة اتنهدت وقالت وهي بتحاول تبرر
"في إيه يا حسام؟ أنا بشتغل، هو أنا بلعب؟"
رد بقسوه
"والشغل ده كان له معاد، إمتى المعاد اتغير معلش؟"
قالت وهي بتحاول تبرر أكتر
"هو متغيرش، زي ما هو عادي، بس أنا اللي بتابع مع مريض بعد الشيفت بتاعي..."
قاطعها بحده
"والمريض ده أهم مني يعني؟"
هزت راسها بسرعة وقالت
"أكيد يا حبيبي لاء، بس لازم متابعة، الحالة دي محتاجة اهتمام خاص."
صوته علي أكتر وقال بانفعال
"المتابعة دي تبقى في الشيفت بتاعك يا فريدة، ولو معاده بعد الشيفت ممكن حد غيرك يتابع عادي، بعد كده انتي ليكي بيت وجوز! أنا ساكت بالعافية والله!"
نبرة فريدة بدأت تتوتر وقالت
"دي حالة خاصة يا حسام، لازم أتابعها بنفسي، الحالة دي مهمة عندي جدًا."
ضحك ضحكة قصيرة فيها قهر وقال
"آه يعني أنا ولا حاجه مقارنة بالحاله دي؟ مش فاهم، وانا فين؟ من ساعة ما تيم تعب وأنا متدمر في شغلي ومضغوط وشايل شغلي وشغله بس محترم وجودك وعمري ما حسستك اني تعبان أو جيت عليكي، وبالنسبالي انتي رقم واحد، بس انتي؟ ولا كأني موجود، في إيه يا فريدة؟ هو في أهم مني عندك؟"
قالت وهي بتحاول تمسك أعصابها
"انت مكبر الموضوع، أنا بتأخر عشان مريض بتابع معاه، فيها إيه يعني؟"
قال بغضب واضح وصوته بدأ يعلى أكتر
"فيها إني جوزك، ومش شايفك ولا بشوف وشك غير بالصدفة، انتي مش ملاحظة إنك مطنشاني خالص؟!"
قالت بضيق
"بس أنا مش قصدي والله، مش فاهمة انت ليه واقفلي على الواحدة كده؟ في ايه؟"
قال بانفعال
"فيه إيه انتي؟ انتي راضية عن اللي بتعمليه؟ فاكرة نفسك لسه بنت متجوزتش ومش وراها حاجه؟ لاء انتي متجوزة على فكرة، وليكي مسؤوليات!"
بصتله بحدة وقالت
"خد بالك من كلامك يا حسام، بتكلمني كده ليه؟!"
رد بسرعة وكأنه فقد صبره تمامًا
"زهقت يا فريدة! كنت ساكت لما اتأخرتي يوم، اتنين، تلاتة، قولت مش مشكله عادي، بس أكتر من عشر أيام بالشكل ده؟! متخيلة أنا صابر قد إيه؟!"
اتغيرت نبرة صوتها فجأة وبقا فيها تحدي
"علفكرة محدش كان بيتحكم فيا كده، كنت بعمل اللي أنا عايزاه ومحدش بيحاسبني، هتيجي إنت دلوقتي تحاسبني؟!"
حس بصدمه من كلامها، وقال بصوت واطي حاد
"انتي ناسية إن أنا جوزك؟ يعني من حقي أعرف انتي فين وبتعملي إيه."
قالت بحدة أكبر
"جوزي، جوزي، جوزي... الناس كلها متجوزة يا حسام، بس مش كده! أنا مش هعيش تحت ضغط وتحكم بالشكل ده، ممكن أرجع بيت ماما وأعمل اللي أنا عايزاه براحتي علفكره ومحدش هيكلمني!"
كلماتها صدمته، خلته مش عارف يتكلم اصلا، وقف يبصلها ثواني، ملامحه اتجمدت، الصدمة واضحه على وشه بس مردش، خد نفس عميق، سحب نفسه من قدامها من غير ما يقول ولا كلمة وخرج من البيت وسابها واقفة لوحدها.
فريدة وقفت مكانها ثواني، مش قادرة تستوعب اللي حصل، مش قادرة تصدق إن حسام سابها كده ببساطة من غير حتى ما يحاول يمنعها تنفذ كلامها، اتنفست بصعوبة، بصت حواليها بضيق ودخلت أوضتها بخطوات تقيلة، فتحت الدولاب ونزلت الشنطه وبدأت تلم هدومها بعشوائية، مكانتش متخيله انها مش هتفرق معاه، هو ده حبه ليها عشان يقابلها كده بعد يوم طويل، وبعد كل ده يسيبها ويمشي، دموعها كانت بتحاول تنزل، بس هي كتمتها بالعافية، خلصت وقفلت الشنطه وخرجت، مشيت وهيا حاسه بالخذلان....
(طبعا كل ده من وجهة نظرها هيا إنما هيا بنت كلب عادي)
حسام خرج من البيت بخطوات سريعة، قلبه بيخبط جوه صدره بعنف وهو مش عارف يحدد إحساسه الحقيقي... غضب؟ حزن؟ وجع؟ يمكن خليط من كل ده، ركب عربيته وهو بيحاول يقنع نفسه إنه يتصرف بعقل، مش لازم يخلي الخناقة تكبر، كان نفسه في لحظة واحدة تفوّق فريدة وتفهم إن كل اللي بيعمله ده من خوفه عليها واشتياقه ليها مش تحكم فيها،
سند راسه على الكرسي، نفسُه طالع متقطع، عقله بيرجع يعيد المشهد من أوله، وبرغم كل الغضب اللي جواه، جزء صغير منه كان بيقوله أنه صح أنه سابها دلوقتي تهدى، حط إيده على الدركسيون وضغط بإيده جامد، بص قدامه بشرود وهو بيقنع نفسه انها اكيد هتهدي وتفكر بعقل
فريدة رجعت عند ايناس، أول ما دخلت لمحت إيناس قاعدة في الصالون، وعلي جنبها بيقلب في التلفزيون.
قالت بهدوء
"مساء الخير."
إيناس رفعت عينيها، لمحت الشنط اللي في إيد فريدة، وشها اتجهم وقالت باستغراب
"فريدة؟ إيه الشنط دي؟"
علي وقف علطول، حس إن في حاجة مش مظبوطة، قال بهدوء
"طيب أنا هطلع أنام، تصبحوا على خير."
انسحب بهدوء وسابهم، إيناس بصت لفريدة وقالت بقلق
"إيه يا فريدة؟"
فريدة وقفت مكانها وقالت بهدوء
"سبت حسام."
إيناس اتجمدت مكانها، قالت بدهشه
"إيه؟! سبتيه إزاي يعني؟"
فريدة اتنهدت وقالت
"يعني هو اتخلى عني، قالي فيما معناه إنه زهق مني."
إيناس قالت باستغراب
"حسام قال كده؟"
فريدة بصت بعيد وقالت
"آه، ومعترضش حتى لما قولتله إني همشي... سابني أمشي."
إيناس شدّت نفس عميق وهيا بتحاول تفهم
"وده الحل يعني؟ إنك تسيبي البيت؟"
فريدة ردت بحدة مكبوتة
"أومال عايزاني أعمل إيه؟ أدوس على كرامتي عشانه؟"
إيناس قالت بنبرة حازمة
"ولما سيبتي البيت كده حفظتي كرامتك؟"
فريدة بصتلها وقالت بحزن
"ماما، لو مش عايزاني هنا همشي عادي بـــ..."
إيناس قاطعتها بسرعة وقالت
"إنتي مجنونة؟ بس أنا مش عايزة تحصل مشكلة بينكوا، فاهمة؟"
فريدة قالت بصوت مبحوح
" حصلت وخلاص... ممكن أطلع أوضتي؟"
إيناس هزت راسها وقالت بهدوء
"اتفضلي، سيبي الشنط واطلعي... هخلي شهد تطلعهالك."
فريدة طلعت السلم بخطوات تقيلة، رجعت تبصلها وهيا بتقول
" هو فين اسلام؟!"
ايناس قالت
" في اوضته"
هزت راسها وطلعت بهدوء...
حسام رجع البيت متأخر، دخل في سكون غريب خيّم على المكان، البيت مضلم، فتح النور ودخل الصالون
خلع الچاكيت بتاعه ورماه على الكنبة، اخد نفس عميق وهو رايح ناحية الاوضه وبيدعي من قلبه تكون موجوده، فتح الباب ووقف مكانه متجمد، السرير فاضي، المراية فاضية، قرب بخطوات مترددة ناحية الدولاب، فتحه، عيونه اتحركت بسرعة على الرفوف، كانت هدومها ناقصة، مد إيده على الهدوم اللي فاضله، مسك واحد من تيشرتاتها، ضغطه بإيده بقهر وقعد على السرير، فضل قاعد مكانه فترة طويلة، مابين صدمة وغضب وقهر، بس هيا اللي اختارت كده...
تاني يوم، الجو في المستشفى كان هادي، فريدة كانت ماشية في الممر بخطوات سريعة ناحية اوضة تيم، خبطت على الباب بخفة ودخلت.
سالي كانت قاعدة جنبه على الكرسي، ملامحها مرهقة، بتحاول تبان قوية بس التعب ظاهر على وشها، فريدة ابتسمت بهدوء وقالت
" إيه الأخبار؟"
سالي اتنهدت وقالت بصوت واطي
"بحاول أعمل زي ما قولتيلي... بس يارب يفوق."
فريدة قربت منها وقالت بثقة
"إن شاء الله هيفوق قريب، وهيبدأ يتعالج خطوة بخطوة."
سالي بصتلها بامتنان وقالت
"شكرًا يا فريدة إنك لسه واقفة معانا برغم اللي حصل."
فريدة قالت وهي بتحاول تخفف عنها
"مش معقول يا سالي أسيبكوا في ظروف زي دي، وبعدين مينفعش تكوني بتدوري عليا لحد ما تلاقيني عشان اساعدك وانا وعدتك أساعدك وأخلف وعدي، أنا معاكوا للآخر."
سالي ابتسمت ابتسامة صغيرة باهته وقالت
" وده اللي كنت متوقعاه منك."
فريدة غيرت الموضوع وقالت بهدوء
"مش ناوية تقوليلي إيه اللي حصل يوم ما رجعتي؟"
سالي سكتت شوية، بصت بعيد وقالت بنبرة فيها وجع
"بلاش دلوقتي يا فريدة... مش عايزة أتكلم دلوقتي، بلاش."
فريدة اتراجعت بلطف
"خلاص خلاص، اهدي... كله هيعدي إن شاء الله."
سالي قالت بخفوت
"يارب."
فريدة سألتها
"ويونس عامل إيه؟"
سالي هزت راسها بأسف وقالت
"يونس مبقاش يونس... مش عارفة إزاي بقى كده، تحسيه كبر ونضج فجأة، بس بطريقة توجع، معقولة يونس يتحول كده؟"
فريدة قالت بهدوء
"اللي حصل مش بسيط يا سالي، الصدمات اللي خدها ورا بعض طبيعي تسيب أثر، بس مع الوقت هيفك... فترة عصيبة وهتعدي إن شاء الله."
سالي قالت وهي بتمسح دموعها
"إن شاء الله."
فريده قالت
"يلا، هسيبك أنا دلوقتي... عندي شغل."
سالي قالت بابتسامة بسيطة فيها شكر
" تمام، ربنا معاكي يا فريدة."
فريدة خرجت من الأوضة ودماغها مشغولة، مسكت الموبايل في إيدها بعادة اتعودت عليها، اليوم قرب يخلص وحسام كان لازم يرن عليها اكتر من مره، دايمًا بيرن يتطمن، يسأل عنها باهتمام بس النهارده... مفيش اي حاجه، فتحت الموبايل، بصّت على الشاشة كأنها مستنية اسمه يطلع فجأة... بس مفيش، وده وجعها أكتر....
حسام كان قاعد في مكتبه بيحاول يركز في شغله بس دماغه مش في أي حاجه من اللي حواليه، من ساعة ما فريده سابت البيت وهو حاسس بضيق غريب، وجواه غليان مش مفهوم، كان بيحاول يلهي نفسه في الشغل بس مفيش فايدة، كل ما يحاول يركز يرجع تاني يفكر فيها...
موبايله رن... اتخض للحظة وبصّ عليه بسرعة، قلبه دق بقوة... يمكن تكون فريدة، بس مامته هيا اللي كانت بترن، وده خلاه يحس بالخذلان...
رد بهدوء مصطنع
"الو؟!"
صوتها جه حنين
"إزيك يا حبيبي؟ عامل ايه؟"
رد بضيق
" الحمد لله"
قالت بهدوء
"أنا وباباك قررنا نعدي عليكوا النهارده، نقعد معاك انت وفريده ونتطمن عليكوا"
حسام اتنفس بهدوء قبل ما يرد، صوته طلع مبحوح شوية
"فريده مش في البيت يا ماما، راحت عند أهلها وهتبات هناك"
سكتت لحظة وقالت باستغراب خفيف
"ليه يا ابني؟ في حاجة؟"
قال بسرعة
"لاء مفيش، كانت عايزة تقعد معاهم شوية"
قالت
"طب خلاص، تعالى إنت اتغدى معانا ونام هنا النهارده"
هز راسه وهو بيزفر وقال بنبرة رفض واضحه
"لاء هروح على البيت"
حاولت تقنعه أكتر من مرة بس هو كان مصمم على رأيه، وبعد محاولات قالت بإصرار
"هتيجي تتغدي وبعد كده روح طيب"
سكت شوية وبعدين قال بصوت واطي
"تمام يا ماما، هخلص شغلي واجي"
قفل المكالمة، وساب الموبايل على المكتب، وبص قدامه بشرود...
عند يونس
كان واقف في بلكونة أوضته، عيونه تايهة في الفراغ كأنه بيحاول يلاقي إجابة لكل الاسئله اللي في دماغه من ايام، الأيام الأخيرة خلّته شخص تاني، ملامحه اتبدلت، بقا أهدى كتير بس مليان وجع، كل يوم بيحس إن حاجة جواه بتتكسر أكتر.
وهو بيفكر لمح سليمان تحت البيت، نزل السلم بسرعه وخرج وندهله
"سليمان!"
صوته كان عالي ومليان توتر.
سليمان لفله باستغراب، يونس قرب منه، وقف قصاده، عيونه فيها نار مكبوتة وقال بحده
"إنت عارف كل حاجة."
سليمان قال باستغراب
"كل حاجة؟ قصدك إيه؟"
يونس قرب خطوة منه وقال بصوت مبحوح من القهر
"أنا عايز أفهم كل حاجة، عايز أعرف الحقيقة من أولها لآخرها، عايز أعرف كل حاجه انت تعرفها، عايز ارجع حق امي، احكيلي كل اللي تعرفه يا سليمان.. كل حاجة، متنساش اتفه تفصيله"
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم