رواية استثنائية في دائرة الرفض الفصل الخمسون بقلم بتول عبدالرحمن
كان قاعد على السرير بنفس الوضع بقاله ساعات، أو يمكن ايام، ضهره للباب وعينيه في الولا حاجه، ملامحه هادية بس هدوءه وراه عاصفه قويه، نَفَسه بطيء، إيده مضمومة على بعض كأنه بيحاول يمسك نفسه من الانهيار، من ساعة ما عرف إنها ماتت وهو اتكسر بمعنى الكلمة، ولا كلمة خرجت منه من ساعتها، كأن حياته وقفت عند النقطه دي.
مهما كان مين اللي دخله وبيحاول يخليه يتكلم، بس هو ثابت، لا رد ولا حركه، كان ساكت تماما كأنه مش في الدنيا.
من ساعة ما فاق من الغيبوبه وهو بيسأل عنها، مامته، بس دايمًا كان بياخد إجابات مبهمة، وبرغم إحساسه بالحقيقه المُره بالنسباله كان بيكرر السؤال لحد ما اضطرّوا يقولوله الحقيقة في الاخر، ومن اللحظة دي، كأن كل حاجة اتجمدت جواه، ملامحه اتسحب منها الروح، وصوته اختفى.
الدكاترة قالوا إن الصدمة كانت عنيفة عليه، وإن السكوت ده رد فعل طبيعي... بس بالنسباله خسارة أمه كسرت فيه حاجة محدش قادر يصلحها، حاجة سكنت جواه ومش عايزة تتحرك.
وبرغم المحاولات العديدة من كل اللي حواليه عشان يخرجوه من الحالة دي ويخلوه يرجع يتكلم بس هو قرر يعيش في الصمت بعيد عن كل الناس.
نور دخلتله وشدت كرسي وقعدت جنبه، بصتله بحزن وقلق بس هو حتى ما اتحركش ولا رمش، قالت بنبرة ناعمة وهي بتحاول تبين هدوءها
"تيم... عارفه إنك سامعني، حتى لو مش عايز ترد، أنا بفكرك إن وجودي هنا مش علشان أضغط عليك، أنا هنا علشانك."
قامت من مكانها، اتقدمت خطوتين ووقفت جنبه، بصتله وقالت بهدوء
"أنا مش هسألك النهارده، ولا هتكلم عن أي حاجه... أنا بس نفسي تطّلع اللي مكتوم جواك وتتكلم انت، حتى لو هتقول كلمه"
هو كان ثابت لا بصلها حتى ولا اتكلم، نورين عضّت شفايفها بخفّة، قعدت جنبه وقالت
"مفيش دكتور في الدنيا هيحس بيك زيي يا تيم... عايزاك تديني الأمان، اتكلم"
سكتت، فضلت تبصله كأنها مستنية منه معجزة، لكن هو ولا تحرك، ولا حتى رمش....
تاني يوم
الباب خبط خبطتين خفاف قبل ما يتفتح، نورين دخلت بابتسامه بسيطة وقالت
"عندك ضيف."
لكن كالعادة، ولا كأنه سمعها، نفس النظرة الفاضية ونفس الصمت...
حاولت تحافظ على هدوءها وقالت بلُطف
"مش هيطوّل، ٥ دقايق وهيمشي."
فتحت الباب أوسع ويونس دخل بخطوات مترددة، بص لنورين اللي ادته إشارة خفيفة وبعدها خرجت وسابتهم لوحدهم.
يونس وقف مكانه، عينيه على تيم اللي قاعد في نفس الوضع، عينه في الأرض ومفيش أي رد فعل، يونس اتنهد وقال بصوت واطي جدًا
" وحشتني جدًا"
يونس فضّل واقف مكانه شوية، بيتأمل أخوه اللي كان زي التمثال.. لا بيتحرك، لا بيتكلم، ولا حتى بيبصله.
قرب منه خطوتين وقال بصوت مبحوح
"كنت دايمًا تقول إنك أقوى واحد فينا... طب فين القوة دي دلوقتي يا تيم؟"
وقف جنبه، بص عليه والوجع مالي ملامحه
"أنا مش جاي ألومك، ولا جاي أقولك قوم ولا اتكلم... أنا جاي أقولك إننا كلنا بننهار، بس انت انهيارك بيوجع"
قعد جنبه وقال بخفوت
"فاكر لما كنت بتقولي إنك عمرك ما هتسمح للوجع يسيطر عليك؟ طب بص لنفسك دلوقتي"
سكت لحظه وبعدين قال
" بس قولت انك شايل كتير جواك، يا ترى لسه شايل ولا حسيت انك دلوقتي تقدر تعمل كل حاجه كنت ممنوع تعملها"
تيم متحركش، نفس التجمّد، نفس النفس القصير اللي بيطلع بصعوبة كأنه بيحارب عشان يفضل عايش بس مش عايز.
يونس عض شفايفه وقال بحزن
"مامتنا ماتت... وأنا مش قادر أنسى اللي حصل، بس أكتر حاجه وجعاني هيا سكوتك، عايزك معانا... كلنا مستنيين منك كلمه"
سكت لحظه وبعدين كمل
"أنا محتاجك، محتاجك معايا لأني موجوع انا كمان، مش قادر اتخطي آخر فتره في حياتي"
وقف، مد إيده ولمس كتف تيم بخفة وقال بصوت مكسور
"أنا مش هسيبك، فاهم؟ حتى لو قعدت كده سنين، أنا مش هسيبك."
يوم جديد
نورين كانت قاعدة مع سالي وفريده جت، نورين بصتلها وقالت بواقعيه
"مش ناويه تتكلمي مع تيم؟"
فريدة هزت راسها بسرعة وقالت
"لاء، مش شايفة إن وجودي هيفيده... بالعكس، ممكن يأثر عليه بالسلب، هسمع أخباره من بعيد."
نورين رفعت حاجبها وقالت بهدوء
"أنا مش بتكلم عن عاطفة دلوقتي، بتكلم عن استجابة ذهنية، أوقات المريض لما يسمع صوت مألوف بيحصل تحفيز بسيط للمخ، حتى لو مبانش عليه، فيمكن يكون ليكي تأثير"
سالي سألتها بقلق
"يعني شايفة انها تشوفه؟"
نورين ردت بجدية
"مش شرط طبعا، بس عندنا احتمال ولو بنسبة ١٪ أنه يستجيب، فليه لاء"
فريدة قالت وهي بتحاول تهرب بنظراتها
"أنا مش جاهزة، مش عايزاه يشوفني تاني ولا عايزه ادخل حياته تاني"
نورين اكتفت بهزة بسيطة من راسها وقالت
"زي ما تحبي، بس خليكي عارفة إن العلاج ساعات بيحتاج مواجهه معاه، عموما الرأي رأيك"
اخر اليوم
فريدة رجعت البيت، دخلت بخطوات هادية، دخلت ولقت حسام رايح جاي في الصالون، رفعت حاجبها باستغراب وقالت وهي بتحاول تخفف التوتر بصوت طبيعي
"انت جيت بدري ليه؟"
ؤفع عينه ليها بنظرة جادة وقال
"انتي اللي جايه متأخر، كنتي فين؟"
سكتت لحظة وبعدين قالت بهدوء
"طب ممكن نتكلم؟"
سألها بنبره مشدوده
"كنتي فين يا فريدة؟ عديت عليكي في المستشفى بس عرفت إنك خرجتي."
أخدت نفس عميق وقالت مرة تانية وهي بتحاول تهدي الوضع
"ممكن نتكلم لو سمحت؟"
قعد على الكنبه وقال بهدوء ظاهري
"تمام، اتفضلي."
قربت منه، قعدت جنبه بعد تردد بسيط، قالت بارتباك واضح
"مش عارفة المفروض أقولك ولا لاء كل اللي هقوله، ومش عارفة الصح إنّي أخبي معظم الكلام ولا أواجهك بيه كله، بس أنا مش هخبي عليك حاجة، هحكيلك كل حاجة من الأول لحد دلوقتي."
عينيه اتعلقت بيها، ملامحه اتبدلت بين قلق وترقب، سألها بصوت خافت
"فيه إيه يا فريدة؟ إيه اللي حصل؟"
أخدت نفس تاني كأنها بتستجمع شجاعتها وقالت
"طبعًا انت عارف إن ماما وخالتو اتفرقوا من زمان، من ساعة ما كل واحدة فيهم اتجوزت، ومكانوش يعرفوا أي حاجة عن بعض، لحد ما بالصدفة... أو يمكن مش صدفة زي ما بنقول في العادي، أنا روحت أتابع مع يونس لأن سالي طلبت مني كده، قدام الكل كانت صدفه اني جيت اتابع مع يونس بس الحقيقة إن سالي هي اللي دورت عليا مخصوص، كانت متخيلة إن لما تدخل البيت بنت زيي، بنت أخت مامتها اللي مفتقداها ومش لاقياها، الدنيا ممكن تتغير شوية."
سكتت لحظة وكملت بصوت أهدى
"سالي كان عندها فضول تعرف سبب إن مامتها مانعة أي بنت تدخل البيت وطلبت مني أساعدها، وأنا مكنتش أعرف إنها دورت عليا مخصوص وأنها تعرف اصلا من البدايه اني بنت خالتها، هيا قالتلي بعد فتره"
حسام كان ساكت، نظراته مليانة أسئلة بس سابها تكمل.
"بالنسبالنا كان تيم هو المفتاح... لأن مامته كانت مانعاه هو بالتحديد إنه يقرب من أي بنت أو حتى يتعامل معاها، وسالي قالتلي إن تيم عارف كل حاجة عن مامته بس عمره ما هيتكلم حتى لو هيموت، فكان لازم أقرب منه، سالي حاولت كتير تقنعني أقرب منه، وأنا في الأول كنت مترددة، بس اقتنعت في الآخر."
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي بتفتكر
"وبالرغم من إنه كان رافض وجودي جدًا في البداية، وحاول بكل الطرق يخليني أمشي، ده خلاني أصمم أكتر إني أكون موجودة، كنت بحاول أضايقه أوقات، أستفزه، يمكن أطلع منه أي حاجة، بس اللي حصل العكس، ساب البيت ومشي هو، وقتها كانت مامته مسافرة، مش في البيت."
سكتت، كأنها بتحاول تجمع أنفاسها قبل ما تكمل الباقي، أخدت نفس عميق، صوتها كان هادي بس جواه توتر واضح وهي بتقول
"وبس، فضل بره البيت لحد ما مامته جت أخيرًا، وطبعًا لما عرفت إن في بنت في البيت كانت بتهاجم سالي جدًا وطلبت منها تمشيني، قررت أنزل أواجهها، بس أول ما شوفتها اتخضّيت، اتلغبطت، كنت عارفاها من الصور، ماما دايمًا بتحكي عنها، بس عمري ما كنت متخيلة أشوفها قدامي وخصوصا في الوقت ده، وقتها سالي مكانتش لسه قالتلي إنها تعرف من بدري اني بنت خالتها، أنا كنت فاكرة إن كل حاجة صدفة، بس بعدين عرفت إنه لاء، كل حاجة كانت مترتبة من سالي، يونس وقتها كان فاضله حاجه بسيطة ويقوم، فسابتني الفتره دي، وبرضو تيم كان رافض وجودي جدًا... ومعرفش السبب كان إيه."
حسام كان قاعد قدامها، وشه بيتغير مع كل كلمة، عضلة فكه شدت ونظراته بقت حادة.
فريدة كملت من غير ما تبصله، كأنها عايزة تخلص الكلام قبل ما تتراجع
"فترة منهم عرفت علاقة ماما بعلي وكنت متضايقة، وتيم وقتها كان مهتم شوية بس الموضوع كان حساس بالنسبالي، المهم إن الفترة اللي كنت بتابع فيها مع يونس خلصت، واليوم اللي مشيت فيه، انت ظهرت فيه لو تفتكر"
رفعت عينيها ليه لحظة وقالت بنبرة هادية
"وبالرغم من إني خلاص مشيت من عندهم، سالي فضلت متابعة معايا وبنحاول برضو نعرف السبب ورا حكم أن مفيش بنت تدخل البيت، سالي طلبت مني أقرب من تيم وده فعلاً اللي كنت بعمله، بالرغم من كلامه اللي كان جارح بس كنت بحاول أقرب منه، لحد ما في مرة قال كلام مقدرتش أعديه، ومن وقتها قررت إن مليش علاقة بيه مباشرة، آه هساعد سالي، بس مليش دعوة بتيم."
في اللحظة دي، حسام اتنفس بصعوبة، حاول يخفي ضيقه بس كان واضح على ملامحه، أيده كانت بتتحرك بعصبية، سأل بصوت حاد
"كنتي بتحاولي تقربي منه؟"
فريدة قالت بهدوء
"كنت بحاول أفهمه مش أكتر."
بس عينيه قالت كل حاجة، كانت نظرة غيرة وغضب...
فريدة كملت بعد لحظة صمت
"وقتها كنت بكلم صاحبتي، دكتورة نفسيه، كنا بنحاول نفهم تيم... هي كانت بتقولنا حالته إيه بالظبط وإزاي نتعامل معاه، وقالت إنه أكيد بيفرغ كبته ومشاعره في مكان ما، وسالي قررت تراقبه، حطت كاميرات في أوضته وفضلت تتابع لحد ما عرفت إن عنده أوضة سرية جوه أوضته."
سكتت فريدة بعدها، وصوتها وطي شويه وهيا بتكمل
"دخلنا الأوضة بصعوبة، وأول حاجة شوفناها كانت صور لبنت تيم بيحبها، البنت دي مرسومة بدقة، وكذا مرة، بس مكانش ده المهم بالنسبالنا، المهم اللي بعده، لأن تيم تقريبًا كان راسم حياته كلها، كل سنه راسم الأحداث المهمه اللي حصلت في السنه دي"
سكتت لحظة وبعد كده كملت بابتسامه للذكري
"وقتها كنت انت بتحاول تقرب مني كتير، وعرضت عليا الجواز"
كملت
"وأنا كنت مشغولة في اللي شوفناه، لأن اللي عرفناه كان صعب."
حسام كان ساكت، ملامحه مش مفهومة، بس سامع كل كلمه، فريده قالت مباشرةً
"صابرين كانت بتستدرج البنات في بيتها من زمان... بتخدرهم وتبيعهم لتجار أعضاء في الدارك ويب."
حسام اتصدم، اتجمد مكانه، صوته خرج مخنوق
"إيه اللي بتقوليه ده يا فريدة؟!"
قالت بهدوء رغم رجفة صوتها
"عارفه، صدمه... بس دي الحقيقه، لما عرفت أن سالي عرفت ده، حبستها، لحد ما سالي قررت تسافر لجوزها، والموضوع اتقفل، والوضع استقر تقريبا في الفتره دي، واتجوزنا بعد كده... بس اللي حصل بعد كده مكانش في الحسبان."
سكتت ثواني، بصتله وقالت بخفوت
"سالي رمت كلام خلى يونس يشك، فدور ورا مامته لحد ما لقاها ماسكة ورق على كل الناس اللي شغالة معاها، ومعاها سي ديهات للبنات اللي كانت بتبيعهم، يونس قدم الورق ده للنيابة عن طريق شخص مجهول، واللي حصل إنهم قتلوها أول ما الورق ده اتسلم، وتيم وقتها كان في غيبوبة اصلا، بس هو دخل الغيبوبه دي لأنه عرف إن البنت اللي بيحبها اتجوزت صاحبه، ودلوقتي حامل."
كلامها الاخير خرج منها بهدوء، بس معداش وقت كتير عشان حسام يحلله ويستوعبه، ويفهم أن البنت اللي بتتكلم عنها دي تكون هيا، ملامحه اتبدلت فجأة، قلبه بدأ يدق بعنف، ووشه اتشد بعصبية حادة، بصلها بنظرة مميتة، صوته خرج واطي بس مليان غضب مكتوم
"البنت دي... انتي؟"
فريده سكتت، معرفتش ترد، اكتشفت أنها اعترفت من غير ما تنطق، وشه باين عليه الغضب وهو بيقرب منها وقال بصوت متقطع من العصبية
"وانتي... بتحبيه؟!"
قالت بسرعة
"أكيد مش زي ما انت متخيل!"
ضيق عينيه وسألها بنبرة فيها وجع
"إزاي؟ طب ليه ما قولتليش قبل ما نتجوز؟"
قالت وهي بتحاول تهدي أنفاسها
"حسام اسمعني، أنا كنت..."
قاطعها بعنف، صوته عليّ وهو بيحاول يكتم القهر اللي جواه
"لو كنتي قولتيلي من الأول كنت عرفت أتعامل، كنت فهمت! هو أنا أجبرتك تتجوزيني؟ كنتي رفضتيني وكنت هقدر أعيش مع ده، كنت هتعامل، بس دلوقتي... دلوقتي!"
قربت منه، مسكت وشه بين ايديها اللي بترتجف وقالت
"حسام، اسمعني، المشاعر دي من طرف واحد بس، عمرها ما كانت ممكن تنجح، أنا مش بحب غيرك، فاهمني؟ تيم بالنسبالي شخص انا بساعده، حاسة بالذنب ناحيته، لكن قلبي... اختارك انت."
اتنفس بقوة، أنفاسه كانت متقطعة وهو بيحاول يصدقها، قال بصوت مبحوح من وجعه وهو بيستوعب
"علشان كده علاقتنا في بداية جوازنا كانت فاترة... انتي عمرك ما حبتيني، انتي أكيد بتحبيه هو... أنا كنت مغفل."
هزت رأسها بعنف، دموعها نزلت وهي بتقول
"أقسم بالله بحبك انت، ومقدرش أعيش من غيرك، والله العظيم عمري ما كان في حاجة بيني وبينه، أنا حكيتلك كل اللي حصل بالظبط، انت بالنسبالي أغلى شخص في حياتي، يا حسام صدقني..."
سكت، بس نظرته كانت مليانة انكسار، كأنه شايف الحقيقة لأول مرة ومش قادر يواجهها.
فضل ساكت، مفيش ولا كلمة بتطلع، كأنه بيحاول يصدقها وفي نفس الوقت كل حاجة جواه بتصرخ بالعكس.
قرب خطوة منها، وقال بصوت واطي كله وجع
"انتي مش فاهمة انا كنت بحبك قد إيه، كنت شايف فيكي كل حاجة، كنت متطمن وانتي جنبي، ولما قولتيلي إنك اخترتيني صدقتك، بس دلوقتي كل اللي جوايا بيقولي إني استبن"
فريدة مسحت دموعها وهي بتقوله بسرعة، بتحاول تمسك أعصابه قبل ما ينهار أكتر
"لاء، لاء يا حسام متقولش كده، انت عمرك ما كنت كده، انا مش بكدب"
ضحك ضحكة قصيرة وقال بسخريه
"بس هو لسه في بالك، مش كده؟ لسه مهتمه بيه"
فريدة قربت منه أكتر، مسكت إيده بكل قوتها وقالت بصوت متقطع
"هو مكانش في بالي ابدا، كان في ضميري، كنت عايزة أساعده، أخلصه من اللي هو فيه مش أكتر من كده، والله انا بحبك يا حسام، وعمري ما خنتك حتى بنظرة."
بصلها وبعدها سحب إيده بهدوء وقال بصوت هادي ظاهري
"الخيانه مش دايمًا فعل، أوقات بتكون سكوت، وأوقات تانية بتكون مشاعر اتخبت جوه القلب."
سكت لحظة وبعدها كمل وهو بيبص بعيد عنها
"أنا محتاج وقت يا فريدة، محتاج أفهم أنا فين... وإنتي فين."
قالها ومشي ببطء ناحية الباب.
فريدة قالت وهيا بتحاول تمنعه
"لو سبتني هموت يا حسام."
عينيها كانت مليانة دموع، صوتها بيترعش بين الخوف والرجاء، بس هو خرج من البيت بسرعة، وهيا فضلت واقفة مكانها لحظة، بتحاول تستوعب اللي حصل، وبعدها قعدت على الأرض وهي بتعيط، لأنها مكانتش متخيله الأمور توصل لهنا.
حسام خرج من البيت بخطوات سريعة، عينيه مليانة غضب، فتح باب العربية بقوة وركب، وصل بيت اهله، دخل من غير ما يبص لحد، لا سلَّم ولا نطق بكلمة، طلع سلالم البيت بخطوات سريعه ودخل أوضته وقفل الباب وراه بقوة.
مامته اتفزعت من اللي حصل وقالت
"فيه إيه؟ شكله مش طبيعي، أنا هطلع أشوفه."
لكن بابا حسام وقفها وقال بحزم وهو بيحاول يخفي قلقه
"سيبيه دلوقتي"
قالت بعصبية وقلق حقيقي باين في صوتها
"بس وضعه مبقاش عاجبني، عايزة أعرف في إيه وماله؟!"
بصّلها وقال بهدوء ممزوج بحزم
"سيبيه دلوقتي يا منى، الولد شكله متضايق، اكيد جه هنا علشان عايز يقعد لوحده"
سكتت ورجعت قعدت مكانها تاني وهيا حاسه بقلق.
فريدة كانت قاعدة على الأرض في الصالة، بتعيط وندمانه على كل اللي قالته، كانت ممكن تخفي اخر جمله بس هيا حبت تعرفه كل حاجه كامله، فضلت قاعده مكانها وقت طويل، الوقت عدى وهيا لسه مكانها
بدأ النهار يطلع وحسام رجع اخيرا، فتح الباب وهيا اول ما سمعت صوت المفتاح في الباب قامت بسرعة، حسام دخل وفريده من غير ما تفكر جريت عليه وحضنته بقوة، بس هو فضل واقف مكانه، جسمه متصلب، بعد لحظة، فريدة بعدت عنه بهدوء.
حسام بِعد شويه وقال بصوت واطي بس ثابت
"أنا فكّرت."
وقفت مكانها، عينيها كلها ترقب مستنياه يتكلم، قال بعد لحظه
"اختاري يا فريدة... يا أنا، يا تيم."
الصمت ساد على المكان، قرب منها خطوة وقال
"أنا مش هجبرك على حاجة، بس طول ما انتي معايا، عمري ما هقبل إنك تقربي من تيم تاني... أبداً."
فريده سكتت وهيا بتحاول تستوعب كلامه، هو خد نفس هادي وقال بنبرة أقل حدة.
"أنا مش عايز أظلمك يا فريدة، بس أنا مش هقدر أعيش وأنا عارف إن في حد تاني واخد مساحة في حياتك، حتى لو احساسك ناحيته شفقه، أنا بحبك، بس مش هقدر اسمح لحد تاني مهما كان يشاركني فيكي، خدي وقتك، بس لازم تختاري، لاني كراجل كرامتي متسمحليش اسيبك تساعدي واحد انا عارف كويس اوي ايه مشاعره ناحيتك"
وسابها ومشي...
فضلت واقفه مكانها بتبص لطيفه وهيا بتحلل كلامه... اتنهدت وقعدت على اقرب كرسي وهيا بتفكر تعمل ايه.
يونس صحِي بدري، أول ما فتح عيونه مد إيده على الفون اللي على الكومود، أول ما فتحه لقا رسالة من حسام، فتحها بسرعة ولما قرأ الرساله رن عليه بسرعه، الفون رن شوية قبل ما حسام يرد أخيرًا.
يونس قال بنبرة متوترة
"إيه اللي انت باعته ده يا حسام؟"
حسام قال بهدوء
"أنا آسف يا يونس، بس أنا مش هقدر أكمل في الشراكة دي."
يونس رفع صوته شوية وقال
"بس ليه؟ إيه السبب؟ في حاجه حصلت؟ حاجه مضيقاك"
حسام قال بنبرة هادية كأنه كان محضّر الكلام ده من بدري
"اهدَى يا يونس، مفيش حاجه والله، بس بابا محتاجني معاه اليومين دول، ولما لقيت نفسي مش قادر أوازن بين الشركتين قررت أنسحب."
يونس قال بسرعة
"بس ليه كده؟ وليه دلوقتي؟ وليه سايبلي كل حاجه وأنت عارف إن تيم حالته مش تمام الفتره دي؟"
حسام قال باعتذار
"اعذرني يا يونس، والله غصب عني، إنت عارف إني عمري ما اتأخرت لا عليك ولا على تيم في أي حاجه، بس لما أقولك إني مش قادر أكمل، يبقى فعلاً مش قادر ثانية زيادة."
يونس هز راسه وقال
"أنا فاهم، بس إنت عارف إن الشغل ده مش مجالي أصلاً، وإن نزولي كان عشان أغير من نفسي، دلوقتي أعمل إيه؟"
حسام قال وهو بيحاول يطمنه
"متقلقش، مش هسيبك لوحدك كده، في واحد صاحبنا ثقة جدًا، كان عايز يدخل معانا من الأول، بس وقتها إحنا مكناش حابين حد يدخل، هديه الأسهم بتاعتي، وهو فاهم الشغل كويس جدًا، يعني متخافش."
يونس اتنهد وقال
"طيب ماشي، لو كده تمام، بس إنت عارف غلاوتك عندي وقد إيه كنت عايزك تكون معايا في كل ده."
حسام قال بخفّة
"معلش يا حبيبي، ظروف بقى."
يونس سكت لحظه، صوته اتغير وقال بضيق حقيقي
"ظروف إيه يا حسام؟ وليه كلامك محسسني إنك بتقفل باب كده ومش ناوي تفتحه تاني؟"
حسام اتنهد وقال
"مش قصدي كده والله يا يونس، بس أوقات في حاجات بتجبرك تاخد قرارات انت نفسك مش مقتنع بيها، أنا كنت أتمنى أكمل معاكوا، بس كل حاجه دلوقتي متلغبطة."
يونس قال
"طب ما تيجي نتكلم وش لوش؟ افهم إيه اللي مضايقك، يمكن نلاقي حل."
حسام رد بسرعة
"مش هينفع دلوقتي صدقني، خلينا كده أحسن وكل حاجه هتوضح بعدين."
يونس قال
"ماشي يا حسام... انت ادرى"
حسام سكت لحظه وبعد كده قال بنبره خافته
"ابقى طمني على تيم دايمًا بالله عليك."
يونس سأل باستغراب
" ليه انت مش ناوي تتطمن عليه بنفسك؟!"
حسام قال
" سيبها بظروفها"
يونس رد
" طيب براحتك، مع السلامه"
قفل يونس مع حسام ورمى الفون قدامه، قعد ثواني ساكت كأنه بيحاول يهدّى نفسه، بعد شويه مد إيده للفون تاني ورن على يسر، مردتش عليه اول مره، زفر بقوة، رن تاني ولما ردت سأل بضيق
"يسر... مش بتردي ليه؟"
بعد لحظه سمع صوتها أخيرًا، كان مبحوح وضعيف جدًا، بالكاد بيطلع
"يونس..."
قال بسرعه
"ايه يا يسر، مالك؟ صوتك عامل كده ليه؟ في ايه؟"
ردت بخفوت
"ياسمين..."
سأل بترقب
" ياسمين اختك؟"
قالت وهيا يادوب بتحرك شفايفها
"ياسمين... ياسمين ماتت يا يونس."
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم