رواية شط بحر الهوى الفصل الرابع و الستون
هل سيستمر الوضع دوماً هكذا وعلى نفس المنوال؟!
يوم أخر جديد وهي لا تعرف عنه شيء أين هو ولا ماذا يفعل؟ هو دوماً كان هنا، ملتصق بها ولجوارها حد التملك .
عودها على الإهتمام حتى باتت مدمنة ثم رفع يده، هي الأن تبحث عنه متلفتة كمن تبحث عن والدها أو مصدر الأمان والاهتمام.
جلست متوترة في بهو البيت تهز رأسها بجنون تبحث عنه وعن نفسها التي تاهت بعدما ذابت فيه.
وبينما هي كذلك تائهة تفاجأت بدخول اخر شخص تتمنى رؤيته الأن.
فقد تقدمت منها فريال تتهادى في خطوات تبدو مختالة وبداخلها غيظ كبير.
حاولت فيروز تلاشي النظر لها ولكن كمد فريال كان عظيما، هي بالأساس جاءت لأجلها.
فوقفت أمامها مربعه يديها حول صدرها تردد:
-والله عيشنا وشوفنا بنت الخدامه هيجوزوها لحوت من حيتان السوق، لا ومش عاجبها كمان.
رفعت فيروز عينها فيها ولم تجيب فكملت فريال وهي مغتاظه:
-ايه مش بتردي عليا كمان؟ اه ما الي علي علي، بس ما تفرحيش قوي كده، انا هعرف ازاي أبوظ الجوازه دي، على جثتي انك تتجوزي عثمان الباشا.
جعدت مابين حاجبيها ولا تعلم لما لفت إنتباهها الإسم وسمعت فريال تكمل:
-عموماً هو كده كده مش هيبص لعيلة زيك.
زاد الفضول بداخل فيروز وأستطاعت فريال أن تنتشلها من فكرها لمنطقتها فسألت:
-عيلة زيي؟! ليه هو عنده كام سنه؟!
-ههه ، يا حرام.
تفضلت تسير وقد سادت علامات الشماتة ملامحها بينما تجيب:
-أبوكي الحنين وجدك العظيم نسيوا يعرفوكي إن العريس معدي الأربعين بحته؟!
رمشت فيروز بأهدابها، حالة من السخط بدأت تتملكها، تهز رأسها وهي تحاول الإستيعاب، كيف تبادر لذهنهم فعلتها؟!
بما كان يفكر والدها المزعوم وجدها حين فكروا بالموافقة على تلك الزيجة.
ورغم علمها بتتممة الأمر وأنها لماجد وماجد لها ولن يتركها لغيره، لكن الغضب إستوى داخلها يحثها على الانفجار بوجوههم جميعاً .
لكن هنالك سؤال ملح، ملحّ جداً إنتابها فلفت برقبتها ناحية فريال ثم سألت:
-شيفاكي متضايقة جدا!!!شكلك تعرفيه؟!
لمعت عيناها الرصاصية وهي تلتقط ملامح التوتر على وجهه فريال التي حاولت وحاولت تخبئتها لكنها فشلت بينما تجيب كاذبة:
-عثمان أشهر من النار على العلم، وستات النادي كلهم عارفينه ده غير انه بطل في ألعاب كتيره وبيحب يعمل خير وبيحب الفروسية والسبق.
-وبيحب الرز أبيض بس ولا بشعرية؟!
قالتها فيروز غامزة، فانتبهت فريال، لقد فُضح الأمر،وهي يكفيها نقاط معروفة عنها بالأساس فسارعت كادبة:
-قصدك ايه؟! دي معلومات اي حد ممكن يكون عارفها عن شخصية مهمة زي عثمان الباشا.
-يا شيخة؟! ده انتي ناقص تقوليلي مقاساته الداخلية كام؟!
أنتفضت فريال فزعة وهي تصرخ:
-أحترمي نفسك أنا هعرف شغلي مع الأشكال الي زيك، وهعرف ازاي أوقفك عند حدك و وأوقف الجوازة دي كمان.
-تؤ تؤ تؤ، أعصابك يا طنط فريولا، مالك كده عايزه تبوظي الجوازة بأي طريقة ليه؟!
رفعت فريال إحدى حاجبيها ورددت:
-مش عايزة لك الخير وبعدين مش كنتي رافضاها الجوازة دي؟!
=ايه الكلام ده؟ لا مش هينفع أرجع في كلمتي معاهم.
قالها محمود الدهبي متدخلاً بعدما دلف هو و والده بنفس اللحظة وتوترت فريال فيما بقت فيروز تقف ثابتة ولا تتحدث، علقها يدور ويشرد.
حرب التضاد ما بين زواجها من ماجد وفكرة الإنتقام التي لم تُنفذ حتى الآن في المتسبب الحقيقي بأذاها هي و والدتها.
لاح لعقلها كلامها وحديثها مع ماجد حينما كان يخبرها صارخاً بأن ترحمه وترحم حبه، وانه ليس بخصم لها عليها الإنتقام منه بل هو الأخر مجني عليه، وكلامه كان حقيقي لكن فيروز كان بداخلها غل لا تعلم على من تخرجه ولا كيف.
حتى أهداها القدر هدية، الحب مؤلم كثيراً،انها لضربة قاضية بالنسبة لفريال.
خرجت من شرودها على صوت الجد مصطفى الذهبي الذي اخذ يقترب منها محاولاً التحدث بروية :
-فيروز يا حبيبتي أستهدي بالله واسمعي كلام جدو، وبعدين هو احنا مختارين لك أي حد! عثمان راجل محترم وله وزنه في السوق .
-بجد والله؟؟ طب مش شايف ان كان المفروض تاخدوا رأيي مش اتفاجئ بأنه تمت خطوبتي لحد ، كأنك بتقولي الجو جميل النهارده.
تقدم محمود بغباءه مبرراً:
-في الشغل ساعات بيحصل نسب يحافظ على العلاقات ويحفظ المال، زي جواز الملوك كده، فمش مهم انتي ولا هو تتفاجؤا وتتصدموا، طالما إن كبار العيلة شايفين المصلحة فين.
وليته لم يفتح فمه، فقد سبه مصطفى داخلياً فيما تهللت ملامح فريال وتجهم وجه فيروز تسأل بصدمة:
-ده معنى كده ان هو كمان مغصوب وماكنش عارف.
=قولت لك عثمان الباشا مش بيبص لعيال.
صدحت بتلك الجمله فريال تزيد من تأكيد المعلومة تتشفى في ابنة غريمتها.
لكن مصطفى نهرها يردد:
-فريال، بطلي كلامك ده .
تغاضت فيروز عن ما يحدث وظلت على رفضها تردد:
-بس انا مش موافقة.
-لا بقا..مش هينفع الدلع ده يا فيروز، انا مدي للناس كلمه وهما جايين بالليل خلاص.
-نعم؟! النهاردة؟! وكنتوا ناويين تقولوا لي أمتى ماعلش؟!
-نسينا، عادي لسه في وقت لو حابة تجهزي.
لم تستطع فريال الوقوف بموقف المتفرج لترد :
-خلاص يا محمود هي شكلها مش حابة هو بالعافية هتخلوها تجهز نفسها للراجل...لازم تعجبه بالعافية؟
رفعت فيروز إحدى حاجبيها مصدومة من حديث ينم عن كم التضامن والحنان لكنها وحدها من كانت تلاحظ الغل والغيره يفوحان من عيناها.
-ده بدل ما تنصحيها وتقولي لها تعمل ايه ؟
هدر محمود بغضب في الوقت الذي عاد فيه ماجد من الخارج فكمل محمود:
-تعالى يابني أحضرنا.
يا لمفارقات القدر، فآه لو يعلم محمود أن ابنه الذي طلب منه ان يحضرهم ويتدخل لهو أخر شخص من المفترض أن يتدخل ويساندهم على تزويج زوجته من أخر لا بل و تتجهز له!
تقدم بعيون مهزومه غزاها البرود يقف وسطهم ثم سأل:
-في ايه؟!
تخصرت تضع يديها في وسطها وهي تقف تنتظر ثورانه عليهم بهياج شديد بعدما يسمع ما يطلبونه ومحمود يخبره:
-عثمان الباشا هييجي بالليل عشان قراية الفاتحة.
شهقت بصدمة وأنفرغ فاها وهي تسمعه يردد ببرود:
-والله، جميل.
ثم تقدم من فيروز قبل رأسها وهو يردد:
-مبروك يا حبيبة أخوكي.
ثم تركهم وغادر يحمل على أكتافه خزلان العالم كله تاركاً خلفه فيروز وفريال مصدومتان
هزت فيروز رأسها بجنون لا تكاد تصدق ما سمعته وكيف تصرف هكذا بالأساس.
تركتهم يتحدثون وهمت بالصعود خلفه، كان يقف في غرفته يبدل ملابسه بوجه متجهم ومتصلب لا يظهر عليه اي مشاعر فتقدمت مندفعة تردد:
-ايه الي حضرتك عملته ده؟!
-عملت ايه؟! وإزاي تدخلي من غير ما تخبطي.
-ماجد، ما تجننيش.
-اجننك ليه؟! هو انا عملت حاجة مثلاً؟! وبعدين في عروسة يبقى عريسها جاي بالليل وهي تقف متعصبة كده؟!
-عريسها!!! يعني انا الي سمعته تحت ده صح؟! ماتجننتش لسه!! انت سمعتهم بيقولوا ان في راجل تاني جاي بالليل يخطبني وباركت لي عادي.
جلس يخلع عنه حذاء وهو يردد:
-اه طبعاً أباركلك، ده حتى العريس ماشاء الله نار على علم وسفاح نسوان ومابيعتقش.
-ماجد! انت من كل عقلك بتقولي كده؟!
-اه وماقولش كده ليه؟! أنا بحب الخير للناس كلها فما بالك بقا لو أختي؟!
تقدمت بغضب تردد:
-اختك ايه؟! أنا مراتك.
صمت تماماً ورفع عيناه لها بعد تصنعه الإنشغال بفك حذاءه لخلعه يردد:
-مين قال؟!
-يعني ايه؟!
-يعني بأمارة أيه؟! ده حتى عقد الجواز انا مش عارف اوثقه
-ازاي؟؟!
-يعني انا كنت متجوز فيروز شعبان، هتجوزك ازاي بعد ما بقيتي فيروز محمود وانا ماجد محمود، حليها انتي كده.
-وعقد جوارنا؟
-كتب كتاب بس لكن لسه مش متسجل، تقدري تعتبريه لاغي.
-انت أكيد بتهزر معايا...انت مالك بتتبارد كده، قوم شوف حل للقصة دي.
-مش بشوف حلول وماحبش اتدخل في حوارات عائلية، دول أهلك واكيد خايفين عليكي، انا غريب مش هخاف عليكي زيهم،هتدخلك بتاع ايه؟!
-أنت أكيد اتجننت.
-أنا جاي تعبان، اطلعي واقفلي الباب وراكي.
سمعته بصدمه ولم تتحرك ليضاعف غيظها وهو يردد:
-يالا يا روحي عشان اعرف انام شويه وافوق عندنا مناسبة بالليل، ولا عايزه الناس تاكل وشنا؟!
تحركت بغيظ شديد تكاد النيران تخرج من وجهها المحمر من شدة الكمد وتركت له الغرفه تغادر وتغلق الباب خلفها لينفرد أخيراً بنفسه ويقذف الحذاء على طول ذراعه من شدة الغضب والغيره المكبوتة.
______سوما العربي______
خرج من غرفة الأجتماعات مرهق للغاية ونظر خلفه للسكرتيرة يردد:
-واخيراً خلصنا، انا دماغي ورمت.
-حالا هطلب لحضرتك القهوة.
-لا قهوتي هشربها في البيت شكراً
هم ليغادر فأوقفته تردد:
-شكراً ايه يا فندم، ده حضرتك لسه وراك عقود و ورق كتير محتاج يتراجع ويتمضي.
اجتاحه الضيق لكنه لم يجد بد والتف يتجه ناحية مكتبه مرددا:
-ماشي، هاتي الورق و اطلبي لي قهوة.
-تمام.
تحركت تنفذ المطلوب وتقدم هو ناحية مكتبه يفتح الباب ليتفاجأ بذلك الذي يجلس بكل أريحيه على الكرسي يملؤه فردد:
-يوسف؟! بتعمل ايه هنا؟!
وقف يوسف منتفضاً يردد:
-هو انت ابن خالتي كده على الورق؟ مالكش لازمه في حياتي؟! انت ماعندكش دم ليه؟
-ايه ده في ايه؟!
تقدم يجلس خلف مكتبه مستطرداً:
-مش كفاية داخل مكتبي الخاص من غير لا إحم و دستور، هي وكالة من غير بواب بروح أمك.
-لم نفسك بروح امك عشان ماجبش سيرة أُمين أمك، وانا لو كنت لاقيت سكرتيرة برا كنت إستأذنتها، ده انا ذوق قوي وبشر أخلاق.
-إنت هتقولي!
-ماتعصبنيش وانا اصلاً على أخري ، شوفلي حل في مشكلتي دي.
-خير، اصل انا ناقص.
-عايز اخطب.
عمت ستون ثانية من السكون وهارن ينتظر يوسف ثم سأل مجدداً:
-ماتخلص يا سي زفت عندي شغل.
-مانا قولت..عايز اخطب.
-بص يا حبيبي لو حابب تهزر فانت النهاردة بالذات جيت عند الشخص الغلط انا دماغي هتنفجر، روح ونتكلم بعدين.
-وانا ههزر مع اهلك بتاع ايه؟ هو انا طايقك، ده لولاش الشديد القوي ماكنتش عبرتك.
-هقول ايه مانت بجح.
-اخلص بقا، بقولك عايز أخطب وابويا مش موافق.
-ده عجايب الدنيا كده بقوا ثمانيه، انت الي عايز تخطب وعمي يحيى هو الي مش موافق، الدنيا إتقل خيرها ياجدعان.
-انا مش جاي لك تطلعني مسرح، انا جاي لك تكلمه وتزق معايا الدنيا.
-ماشي بكره هر...
-مافيش بكره، هو النهارده.
-مالقتش غير النهارده ده انا اتهلكت النهارده.
-يالا يا هارون.
رمق هارون لهفته بعيون ضيقة ثم سأله:
-بس مين بمت اللذينا دي الي قدرت تعمل فيك كده، وتخلي يوسف يحيي ملهوف على الجواز، دي أكيد مش سهلة أبداً
ذم يوسف شفتيه بضيق كلما تذكرها وتذكر إعتقاده بأنه من يتسيد الموقف والعلاقه كلها ولا يعلم متى أو كيف إنقلبت موازين القوى.
زفر بغضب ثم هتف:
-هتيجي معايا ولا لأ؟!
-استغفرالله العظيم يارب، هاجي ياعم هاجي.
—————
أدب وجمال وتهديب وأخلاق، صفات على تنطقق على صانعها الذي يجلس في صالة منزل السيد عبد العزيز ولجواره والده على اليمين وهارن يجلس على كرسي منفرد ناحية اليسار.
وعبد العزيز جالس يطالع يوسف ليتأكد انه هو الجالس بالفعل وليس شخص آخر.
صدح صوته يردد:
-القهوة يا بنتي.
-لا قهوة ايه بقا يا عمي، عايزين شربات ولا ايه؟!
نطق بها يوسف لينظر له عبد العزيز وقد ضيق عيناه وجعد جبهته ثم سأل:
-هو مش انت يوسف؟!
-ايوه ياعمي.
-ماعلش ياحبيبي العتب على النظر، أصلك قاعد مكموش كده ومؤدب وانا واخد عليك دايماً نافش ريشك زي الطاووس.
ارتبك يوسف ونظر لوالده كي يتدخل ففعل وبدأ يتحدث:
-بص ياعبد العزيز، الولاد مهما بتتشاقى وتغلط مسيرها تعقل وربنا يهديها وانت عارف، ويوسف ربنا هداه وعايز يكمل نص دينه.
-يكمل وماله.
صك يحيى على أسنانه بقلة حيلة، يعرف تلك النبرة جيداً ما ان يتحدث بها صديق عمره .
حاول الإستمرار وكمل:
-هو عايز يكمله من عندك.
-ليه هو انا مأذون
تمكن الغضب من يوسف واندفع يردد:
-ياعمي من الاخر كده انا عايز اخطب زينب.
قالها تزامنا مع خروج زينب عليهم بصينية القهوة التي بدأت تهتز بين يديها، وقد صعقت فهي لم تتوقع أن يأتي راضخاً بتلك السرعه.
رفع هارون عيناه في الفتاه ليراها صغيره وهشة ورقيقة، تبدو بريئة جداً وصفر خبرة، صفر علاقات.
ثم عاد بنظره على يوسف يرى عرض جزعه وطول قامته ، ان مقياس قدمه وحده قصة لوحده.
اقترب من يوسف ييردد:
-مش شايف ان في فرق في السرعات شوية يا يوسف؟! حرام عليك.
-حرمة عليك عيشتك وانت مالك انت، واصلا بتبص عليها ليه؟!
-تصدق ان انا ابن كلب اني طاوعتك وجيت معاك.
-اقعد بقا سبلي وسيب أبوها، وأنا اصلا جايبك عشان تثبته، ماترغي معاه ياعم.
انتبه هارون واعتدل ثم حاول التدخل يردد:
-ها يا عمي؟ نقرا الفاتحة؟!
-إشرب قهوتك يابني.
-مانشربها بعد القهوة، حتى تكون بردت، أهههه..أههههه..أهه.
حاول إضفاء الضحك على الحديث وسايره يوسف ربما تلطفت الأجواء لكن وجه عبد العزيز ظل متجهم ولا يوحي بأي خير.
فتحدث هارون:
-ها يا عمي قولت ايه؟!
-قوله انت يا يحيى! أنا مستغرب مجيتك رغم انك عارف كل حاجة.
-كل حاجة ايه؟!
سأل يوسف بوجه منقبض ليردد عبد العزيز:
-كل شيء قسمه ونصيب يابني وانا ...سبق و....
بدأ يُقطع في الحديث، التعب وتخدل الجسد يتزايد في الظهور، بهت وجه كل من يوسف و هارون متعجبين تحوله.
وحده يحيى من كان يدري فوقف على الفور يقترب من صديقه وهو يهتف:
-عبد العزيز، عبده، مالك، خد نفس خد نفس.
لكن عبد العزيز لم يستطع مجاراته بل تهدجت وقصرت منه أنفاسه وبدأ جسده يتراخى بين ذراعي صديقه الذي صرخ :
-قوموا اتحركوا بدل مانتو متنحين كده، اجري يا هارون هات العربية نطلع على اول مستشفى.
خرجت زينب على صوتهم تسأل بهلع:
-بااابااا..ايه ده؟! في ايه؟!
-خليكي هنا وتففلي الباب على نفسك كويس.
أمرها يوسف بحسم وقلق لتجيب بإصرار:
-أخليني فين؟؟ أنا جايه معاكم .
=يالا انا جيبت العربية عند الباب.
هتف هارون متعجلاً ثم تقدم يساعد يوسف في حمل عبد العزيز للسيارة ، وصعدت زينب قبلهم لجواره تحت أعين يوسف الغاضبه لكن والده عجله بالتحرك فتحرك على الفور.
——————
في المستشفى
خرج الطبيب من غرفة الفحص بوجه متجهم ليقتربوا منه يسألوه:
-خير يا دكتور، ماله؟!
-هو له اشعه أر فحوصات كان عاملها الفترة اللي فاتت ومتابع؟!
سطح الجهل على ملامحهم ماعدا يحيى الذي ذم شفتيه فعلى مايبدو ان الطبيب بخبرته قد توقع فاقترب يقول:
-ايوه يا دكتور، هي معايا على الموبايل.
صدموا جميعاً وشهقت زينب تسأل:
-أشعات ايه دي؟هو بابا عنده اييه؟!
-ممكن اشوفها لو سمحت؟!
تقدم يحيى من الطبيب واعطاه هاتفه الذي بدأ يقلب فيه ثم اسود وجهه وأخد يردد:
-زي ما توقعت، للأسف المرض انتشر في الجسم كله وبقا صعب السيطرة عليه وبقت مسألة وقت مش أكتر.
-ايه؟! هو حضرتك بتقول ايه؟ هو بيقول ايه ياعمي؟!
وقع الصدمة التي ظهرت من العدم على زينب كان ضخم للغاية، هي تسمع حديث لم يطرق على ذهنها ولو لمرة، بالنسبة لها والدها سيظل معها العمر كله ولم يحدث شيء، الصدمة كانت أبلغ من التحمل.
تحرك الطبيب وتركهم فيما تقدم يحيى منها يردد:
-شدي حيلك يابنتي.
-ازاي؟! قولي ازاي؟؟!؟
هز رأسه بقلة حيلة فيما اقترب يوسف منها يحاول تهدئتها وهارن بعيد يرى في زينب وجع غنوة، يتعرف عليه و يعايشه فهي الأخرى فقدت والدها بين عشية وضحاها بدون سابق إنذار.
خرج من المشفى حزين ومجهد، اتجه للبيت يريد رؤيتها ولو من بعيد والإطمئنان عليها.
توجه للبيت ليرى سيارة عمه تتوقف خلفه فيترجل منها ومعه تلك الأنثى السفاحة تجره وهي تردد:
-يخيبك راجل.
-الحق عليا يعني يا زيدتي، وانا بعمل كل ده عشان مين؟
-عملت أييييه؟!
سأل هارون بتوجس وقلق لتجيب أشجان:
فرج علينا الخلق، كان ولا الي بياكل في أخر زاده،بقا يا راجل كل دول كابوريا وإستاكوزا بلاعتهم؟! محروم؟!
-محرووووم؟ محروم حب وحناااان ودلع نسوااان يا زبدتي.
-عيب أختشي حبه؟
-الخشا في الرجال بيجيب الفقر يا عسلية.
دم هارون شفتيه يردد:
-انت بقيت هوبلس كايس يا عمي.
-أسكت ياض ،ده أتاري مافيش أحلى من البلددددي.
نظر هارون على أشجان وبعيداً عن بغضه لها وموقفه منها إلا انه لا يمكنه إنكار كونها سيدة جميلة وتعرف كيف تتجمل و تلاغي رجلها حتى أن عمه العربيد صار مُكتفي بها.
وضحك بقلة حيلة وهو يرى عمه يتراقص لها مردداً:
-يالا يا زبدتي عشان نكمل ليلتنا فوووق.
-شششش، وطي حسك بتك رجعت عيب.
نهرته تنبهه فأعتدل كل منهما ليروا تقى وهي تترجل من سيارة أجرى ثم تتقدم ناحيتهم تردد:
-مساء الخير.
-مساء العسل، على الله تكوني اتوفقتي النهاردة.
-ايوه الحمد لله ، انتي كان عندك حق.
=كان عندها حق في ايه؟!
سأل هارون فارتبكت تقى لتلملم أشجان الموقف مرددة:
-هنفضل نتكلم في الطل، يالا نكمل كلامنا جوا.
قالتها تقودهم للداخل لينظر هارون لعمه مردداً:
-انت جايب الولية القادرة دي منين، ده هي الي بقت تعزمني على بيتي.
-انت الي عرفتني طريقها ، ولا ناسي، بداية القصة من عندك.
نظر عليها ثم عاد يردد بجنون:
-حرشة وعسل.
ضحك كل من تقى و هارون وانتبهوا عليها وهي عند الباب تردد:
-ماتتحرك انت وهو لازقتوا بغرا ولا ايه؟!
لكز هارون عمه يردد بغضب:
-لا خليها تحترمني وتديني برستيجي
-ماعلش حقك عليا، اصل شيجو دمها حامي موت.
-الله يسامحك ياعمي.. الله يسامحك.
تقدموا لتفتح أشجان الباب ثم تشهق بصدمة وكذلك ثلاثتهم من خلفها ويتقدموا بصدمة وهم يرون أخر شيء يمكن ان يترقعوا رؤيته أو حتى يخطر على عقل عاقل .
فقد فرغ فمهم جميعاً وهو يرون ضياء يجلس أمامهم مرتدياً لشورت منزلي قصير بلا شيء يسطر جزعه العلوي فظهرت عضلات بطنه السداسية وبرزت مجانص وترابيس كتفيه.
فتقدمت أشجان تصرخ فيه:
-يخيبك يا مفضوح! ايه ولا الي انت مهببه ده؟؟
جن جنون هارون وهو يراه يجلس تقريباً عاري داخل منزله فتقدم منه يصرخ فيه:
-إنت ازاي دخلت هنا؟! وايه منظرك ده؟!
-دخلت ازاي؟! خبطت والخدامة فتحت لي؟! بالنسبه لمنظري ماله؟؟ واحد وقاعد عند حماه، يعني ده زي بيتي وانا بحب أخذ راحتي في بيتي.
-انت أكيد اتجنتت، ماسمعتش عن حاجة اسمها حرمة البيوت؟
-ماسمعتش لأ، وانا اساساً مش متربي.
قالها ببرود وتصميم فهاجت أعصاب هارون وهو يصرخ منادياً الخادمة التي حضرت في التو تردد:
-نعم يا بيه؟
-نعم ايه؟! ازاي سمحتي للأستاذ ده يدخل.
تدخل ضياء يردد:
-ماعلش أعذرها هي معذورة بردو، أنا اتهجمت على البيت وهي كانت بطولها ماعرفتش تتصرف معايا...اصل انا همجي.
-غنوة...ياغنوووووة...غنوة.
نادى عليها بحمية وعصبية، هو يعمل بمواعيد عملها من المفترض انها عادت من ساعتين، فهل رأت هذا الفحل بهيئته تلك.
هذه النقطة وحدها ما كانت تسير جنونه وبخلاف ذلك هو غير مهتم، لكن غنوة ولم تخرج عليهم ولم ترد بل جاءه الرد من الخادمة تردد:
-الست غنوة مارجعتش من ساعة ما نزلت الصبح.
جعد مابين حاجبيه وسأل:
-ازاي يعني؟! الساعه عدت ١٢ بالليل؟! هو انا إريل؟!
تحرك يغادر وهو يهاتفها فيما نظرت عليه أشجان بغضب تناديه:
-أنت ماشي وسيبهولنا .
لكن هارون كانت له إهتمامات أخرى غير هتاف أشجان فخرج يقود سيارته مسرعاً.
فيما وقفت تقى بقلق تحاول إزاحة عينيها عنه لكنه وقف يتقدم منها وهو يردد:
-أزيك يا تقتوقة، وحشتيني
-ولااا لم نفسك وكلامك مع بنتي يكون بحدود، ادخل البس هدومك وامشي بدل ما اطلب لك البوليس.
-اطلبه.
هزّ كتفيه ببرود ثم التفت له يردد:
-بقا عايز تطلب لجوز بنتك البوليس؟!
-جوز بنتي؟!
-ايوه
-ده كان زمان، يالا اطلع برا.
لكن أشجان لم تعد تتحمل حالة الطلب والتفاوض التي يسلكها كاظم بل تقدمت بغضب تهجم على ضياء شديد الذي لا يقدر عليه أحد تصرخ:
-انت لسه هتتساير وياه؟!
قبضت على شعراته لتتسع عيناه بصدمة أزدادت وهو يسمعها تصرخ:
-بقا انت قاعد لي في بيتي باللباس ، ليييه، فاكرها سايبه ولا سويقه، امشي انجر من هنا إستر نفسك بدل ما يمين عظيم افضح نفسي عليك واقول بيتجهم علينا، ايييه مفكر بيتنا حيطة واطية يالا.
فتحت الباب و دفشته خارجاً تصرخ:
-تاني مره قبل ماتيجي هنا فكر بدل المرة مية.
صرخ فيها بجنون:
-انتي بتطرديني أنا:
-واحمد ربك انها جت على أد كده، بدل ما اخد منك اللباس كمان وامشيك من غيره،وانا مش بتكسف يعني اعملها عادي.
وضع يداه على شورته الداخلي بصدمه وخوف بدأ يعرف طريقة خصوصاً وهو يرى العزم وقلة الخشى في عيون تلك المرأة فصرخت تؤكد:
-ما الي ما ربتهوش أمه أشجان تربيه.
ثم أغلقت الباب في وجهه والتفت بغضب لتتقدم منها تقى المصدومة والمأخوذة من قوة وشخصية تلك السيدة تهتف:
-واااوو…مش معقول، انتي كنتي فين من زمان.
فرد كاظم بفخر:
-حته.
رفعت أشجان رأسها بزهو وفخر وتقدمت للداخل مختالة بحالها وتقى تنظر عليها بانبهار تقول لوالدها:
-واو، إتس أيقون.
-أوفكورس.
_________سوما العربي________
وقفت أمام المرأة تتأكد من تمام هيئتها التي تعمدتها لإثارة جنونه ربما عاد كما السابق.
نزلت الدرج بهدوء شديد لتلتف لها الأنظار وتتأجج نيران كل من فريال وماجد وكذا عيون البقية يرونها وهي تتألف في فستان من الورردي الفاتح تماشى مع بشرتها المشرئبة بالحمرة ، وزاد توهجها قصة شعراتها الفحمية السوداء التي جمعتهم على جنب بطوق من اللولي البسيط الأنثوي وكحلت عيناها الرصاصية بالحكل المصري فبدت قاتلة وخطر.
نبهت عيون ذلك الأربعيني الثابت الذي كان يجلس بملل يمرر تلك الجلسة فقط كي يُسير إشكاليات العمل.
وكان ذلك واضحُ عليه وكذا وضح عليه تأهبه وتغير شكل وجهه وانتباهه لتلك الجميلة .
عثمان البحيري كان رجل يملئ ثيابه ويعجب أي سيدة، طويل بجسد ممتلئ قليلاً لكنه مضبوط ورياضي مع بطن سفليه ممتلئة قليلاً.
كان وسيماً بعيون رصاصية مثلها وشعر أسود ناعم وكثيف مثلها أيضاً.
هي لم تطالعه ولم تهتم ، حتى لم تلاحظ إهتمامه وتغير ملامح وجهه للقبول من بعد الرتابة والملل .
لكن فريال كانت تجلس يأكلها الغضب والغيرة وهي ترى عثمان الباشا سفاح النساء البارد والغير مبالي بهن بدى مهتم وعيونه تلمع وهو يطالع تلك الحقيره.
وكذلك ماجد الذي يأكله الغضب، نيران من حمم تنهش فيه وهو يجلس يحاول الظهور بمظهر الثبات، كان يعتقد انه هكذا يؤدبها ليكتشف انه وحده من يتألم ويتربى.
أسبل جفناه وهو يتمنى أنهاء تلك الجلسه هو مخطط لكل شيء سيحدث فيما بعد وتلك الجلسه جعلها تأديباً لها ليعلمها انه وحده من يقف لجوارها ويهتم بها وأسرتها التي تتمسك بها تلك وتجلس وسطهم لا يفكرون سوى بمصالحهم هو أعلم الناس بهم…ولم يكن يعلم أنه لن يستطيع التحكم في وجع الغيره وانه قاتل لتلك الدرجه.
مرت خمسة عشر دقيقة أخرى وهو يتمنى لو تنتهي تلك الجلسة، وأخيراً تحدث والد عثمان يردد:
-طيب يا محمود بيه من غير مقدمات بقا كده احنا عايزين نزود الوصل بينا ونمدد القرب بين العليتين ومافيش احسن من النسب والدم وعشان كده احنا طالبين أيد الأنسة القمورة فيروز لعثمان ابني.
نظر لفيروز ثم سأل:
عروستنا الحلوة رأيها أيه؟!
أربكوها بسؤالهم، أساساً نظرات عيون عثمان التي تأكلها توترها من البداية، يبدو كما لو يرغب في تقبيلها الأن، انها لأفكار عجيبه لكن والله هيئته هي التي اوشت بذلك.
نظرت لماجد عله ينجدها وينهي تلك المهزلة هو لكنه كان صامت، هل هو مجرد عقاب أم مل منها؟!!
كانت تسأل بخوف وصدمة ليصدح صوت والد عثمان يردد:
-السكوت علامة الرضا، نقرا الفاتحة.
اتسعت عيناها مما قيل ولكنها لم تأخذ نصيبها من الصدمة بعد فالصدمة الحق كانت حينما تحدث عثمان بصوته الرخيم يردد:
-بس انا مش عايز قراية فاتحه …خلونا نكتب الكتاب على طول.
لتتسع عيون كل من في الجلسة ينطرون لعثمان ثم لفيروز كانهم يسألونها(عملتي أيه في الراجل)
_____سوما العربي_______
كان يهاتفها وهو يقود بجنون اين هي ولما لا تجيب لقد تعدت الساعه منتصف الليل.
ذهب لكل مكان قد تذهب اليه ولم يجدها وهاتف عمه يتأكد إن كانت قد عادت أم لا ليزداد قلقه وهم يخبرنه انها لم تعد
وصل لحيها العتيق، وتقدم بغضب شديد، صف سيارته بجنون ثم تقدم للداخل يدق الباب وهو غير متأكد انها بالداخل بالأساس.
تنهيدة راحة عالية خرجت منه وهو يراها تفتح الباب، عض شفته بأسنانه ثم ردد بغضب:
-الساعه كام معاكي يا هانم؟!
-اتناشر ونص؟!
-ولما انتي عارفه ماروحتيش ليه؟! في واحده محترمة تفضل برا بيتها للوقت ده؟!
-مانا روحت اهو.
-غنووة، مش عايز جنان على المسا.
-انت ايه الي جابك هنا؟!
-امشي يالا قدامي.
-مشّ ماشيه يالا إطلع برا.
-يالا بدل ما اطلع عفاريتي عليكي.
-وانا كمان ممكن أطلعهم على فكره.
-بجد؟! طب يالا.
تقدم لعندها بغضب فصرخت:
-انت هتعمل، هتمد أيدك عليا؟!
-اه، ده انتي مطلعه عيني من يوم ما شوفتك، وديني وأيماني لاطلع غل الشهور الي فاتت دي كلها عليكي ودلوقتي.
ركضت مبتعده ليركض خلفها وهو يصرخ فيها، رفع يده يقبض عليها فدفعته :
-ابعد ايدك انت اتجننت.
-انتي بتمدي ايدك عليا؟؟؟؟
صرخ بجنون فدفعها ودفعته، حتى سقط كل منهما على الفراش، يميل عليها بغضب ينظر بعيناها متوول وقد بدا ينسحب الغضب وحل الحب مكانه يردد:
-بتمدي ايدك على جوزك يا بقرة.
-مانت الي حيوان.
-بس بحبك.
-وانا والله.
-بجد
-بموت فيك يا هارون.
-غنوة، انتي بتتكلمي بجد؟
هزت رأسها واضح عليها الوقوع أسيرة في هواه من الطابق العاشر وهو لم يستطع الصبر، هجم عليها يقبلها كمن يأكل طعاماً بعد جوع أيام متواصلة.
ارتعشت بين يديه تتمنع ليخبرها:
-مش هسيبك غير وانتي مراتي، أنا هموت عليكي.
هزت رأسها رافضة بجنون ليقبها قبل هادئة جعلتها تلين وتستوخي بين يديه تُجيز له حرية التصرف فيها ، أسرته وسرقت قلبه ليقع في حبها من جديد وهو يرى إستسلامها الجميل له وكيف لفت يديها حول رقبته تقربه منها تطلب منه تتمة الأمور بينهما فقد طال الركض وتعب كلاهما .
——————
صباح اليوم التالي.
نزلت أشجان الدرج لترى كاظم وتقى جالسان على طاولة الفطور فسألت:
-الله؟ أمال فين المزغود ابن اخوك؟!
-شكله مارجعش من امبارح.
-الله، ده حتى غنوة ما رجعتش، ايه الحكاية؟!
نظرت لتقى ثم سألتها:
-تقتوقة العسولة، أنتي ياحبيبتي حكيتي لغنوة كل حاجه؟!
ارتبكت تقى ثم ردت كاذبة:
-أنا؟! لأ طبعاً
رفعت أشجان أحدى حاجبيها تشعر بكذبها وتوترها خصوصاً وقد وقفت تردد :
-أنا لازم اتحرك دلوقتي عشان الشغل.
وفرت هاربة ناحية الباب، فتحته كي تخرج لكنه صرخت صرخه جمعت كل من والدها وأشجان فركضوا لعندها يسمعونها وهي تردد:
-ضياء؟!
تقدمت أشجان لترى ذلك الرجل يقف ومعه زوجي من أمناء الشرطة وضابط فصرخت فيه:
-مين دول يالي تنشك في نواضرك؟ جايب لنا البوليس؟!
تحدث الضابط يسأل:
-فين تقى كاظم الصواف.
ارتعبت تقى تسأل ماذا هناك فتقدم والدها يضع يديه على كتفها بحماية ثم ردد:
- ي بنتي؟ خير يا حضرة الظابط؟!عايزينها في ايه؟!
فصدمهم جميعاً حين خبرهم:
-إنذار بالطاعة……
